أحكام الحساب الجاري


2157

أحكام الحساب الجاري

ما هو الحساب الجاري؟ وما تكييفه شرعا ؟ وهل يجوز إنشاء حساب جاري لدى البنوك الربوية ؟

أولا: تعريف الحساب الجاري:

تعريف الحساب الجاريفالحساب الجاري عبارة عن " المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك بقصد أن تكون حاضرة التداول، والسحب عليها لحظة الحاجة بحيث ترد بمجرد الطلب، ودون توقف على أي إخطار سابق من أي نوع"فهو قائمة تقيد بها المعاملات المصرفية المتبادلة بين العميل والمصرف؛ ويقوم صاحب المال بفتح هذا الحساب في المصرف لوضع ماله فيه، بغرض حفظها وصونها ثم طلبها عند الحاجة إليها، أو لأغراض التعامل اليومي والتجاري، دون الاضطرار إلى حمل النقود.

وقد يسلم المصرف للعميل دفتر شيكات، يسمح له بموجبه - وبحسب إجراءات معروفة - بالسحب متى شاء من حسابه، بحيث لا تزيد المبالغ عن مقدار المال الذي تم تسليمه للمصرف عالياً، وقد يدفع صاحب المال للمصرف مصاريف يسيرة مقابل الاحتفاظ بالحساب الجاري على هذا النحو.

فالحسابات الجارية هي حسابات ليس هدفها الاستثمار وإنما هي حسابات لغرض حفظ هذه الأموال وصيانتها من السرقة أو الهلاك، أو لغرض تسهيل التعامل التجاري والمعاملات المصرفية الأخرى التي تقدمها هذه المصارف لعملائها؛ لذا فإن هذه الحسابات ليس لها أي علاقة بالمضاربة أو المشاركة، ولا تستحق أي عائد أو ربح في المصارف الإسلامية، بل إنه قد يتقاضى المصرف عليها أجراً أو عمالة في مقابل ما يمنحه لأصحابها من امتيازات. وإنما سمي الحساب الجاري بهذا الاسم؛ لأن طبيعته تجعله في حركة مستمرة من زيادة بالإيداع أو نقصان بسبب ما يطرأ عليه من قيود بالحسب والإيداع فتغير من حاله بحيث لا يبقى على صفة واحدة.

 ثانيا: طرق المصارف في التعامل مع الحسابات الجارية:

طرق المصارف في التعامل مع ايمكن حصرها في أربعة طرق:

الأول: ألا يتقاضى المصرف أية أجور مقابل خدمة فتح الحساب وما يتبعه من خدمات؛ كإصدار الشيكات، وبطاقة السحب الآلي، وغيرها.  

الثاني: أن يتقاضى المصرف أجوراً مقابل خدمة فتح الحساب الجاري، وما يتبعه من خدمات.

الثالث: أن يتقاضى المصرف أجوراً مقابل ما سبق إذا نقص رصيد العميل في الحساب عن مبلغ محدد. 

الرابع: أن يمنح المصرف فوائد للعميل مقابل وجود المبلغ في الحساب، وبعضها يشترط مبلغاً معيناً لأجل منح الفوائد، وهذا هو المعمول به في البنوك الربوية.

ثالثا: التكييف الفقهي للحسابات الجارية:

انتهى مجمع الفقه الإسلامي إلى أن الحساب الجاري هو قرض؛ فالمودع هو المقرض، والمصرف هو المقترض ، ونص عليه بالقرار رقم 86 (3/9) في دورته التاسعة المنعقدة في أبي ظبي 1-5 ذي القعدة 1415هـ، وفيما يلي نص القرار:

"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1-6 ذي القعدة 1415هـ، الموافق 1-6 نيسان (أبريل) 1995م، بعد اطلاعه على البحوث ا لواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الودائع المصرفية (حسابات المصارف)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:

أولاً: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية)، سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المستلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب، ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً.

أدلة كون الحساب الجاري قرضا:

ودليل كونه قرضا ما يلي:

1- إن المال في الحساب الجاري عبارة عن نقود يضعها صاحب الحساب وهو يعلم أن المصرف يتصرف فيها، ويخلطها بالأموال التي لديه بمجرد استلامها وإدخال بياناتها بالحاسب، ثم يستثمرها، وقد دفعها إليه راضياً بذلك فكان إذناً بالتصرف؛ فهذه الأموال في حقيقتها قرض وليست وديعة ؛ فقد عرف القرض بأنه "عبارة عن دفع مال إلى الغير؛ لينتفع به ويرد بدله"، ومال الحساب الجاري يدفعه صاحبه إلى المصرف، لينتفع به ويرد بدله.

أدلة كون الحساب الجاري قرضا2- أن صاحب المال إذا وضعه في حساب جارٍ لا يقصد مجرد الحفظ فقط ، بل يريد الحفظ والضمان معاً، بدليل أنه لا يقوم على الإيداع ما لم يكن المال مضموناً، وكذلك المصرف لا يقبل هذه الأموال لحفظها فقط، بل للانتفاع بها مع ضمانها، وهذه حقيقة القرض.

3-أن المصرف يملك المال في الحساب الجاري، ويتصرف فيه فيكون قرضاً، وليس إيداعاً، إذ في عقد الإيداع لا يملك الوديع الوديعة، وليس له أن يتصرف فيها، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني، وتسميتها وديعة إنما هو على سبيل المجاز لا الحقيقة لعدم توفر حقيقة الوديعة فيها.

4- أن المصرف يعد ضامناً لأموال الحساب الجاري برد مثلها، ولو كانت هذه الأموال وديعة بالمعنى الحقيقي لما ضمنها المصرف، والمديونية والضمان ينافيان الأمانة، بل لو شرط رب الوديعة على الوديع ضمان الوديعة لم يصح الشرط ؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، وكذلك لو قال الوديع: أنا ضامن للوديعة لم يضمن ما تلف بغير تعد أو تفريط؛ لأن ضمان الأمانات غير صحيح، وهذا على خلاف المعمول به في المصارف قول على أن مال الحساب الجاري قرض وليس وديعة.

5- من المعلوم أن المصرف لا يأخذ أموال الحسابات الجارية كأمانة يحتفظ بعيها لترد إلى أصحابها، وإنما يستهلكها ويستثمرها في أعماله، ومن عرف أعمال البنوك علم أنها تستهلك نسبة كبيرة من هذه الحسابات، وتلتزم برد مثلها، وهذا واضح في أموال الحسابات الجارية التي تدفع بعض المصارف عليها فوائد ربوية، فما كان المصرف ليدفع هذه الفوائد مقابل الاحتفاظ بالأمانات وردها إلى أصحابها فقط.

 رابعا: هل يجوز إنشاء حساب جاري لدى البنوك الربوية ؟

-عمل البنك الربوي هو الإقراض، والاقتراض، فهو يقترض بفائدة ثم يقرض بفائدة أكبر، ولا يخفى أن هذا هو الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع، والشخص عند مايضع أمواله في هذه البنوك ولا يأخذ عليها فائدة يرتكب أمراً محرماً وهو إعانة البنك على عمله الربوي فإن بأموال هذا الشخص وغيره يزاول البنك نشاطه الآثم. والله عز وجل يقول: [وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] (المائدة: 2)

 





كلمات دليلية:




نحن مع مرور الوقت نكره ما نخاف