أحكام الشهادة في الشريعة الإسلامية


8808

كثير منا يتهاون في أمر الشهادة، ألا تعلم أن كتمان الشهادة يؤدي إلى ضياع حقوق العباد؟

أما سمعت نداء ربك: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه) [الطلاق: 2]؟

ألا تعلم أنه إن لم يوجد من يكفي لأداء الشهادة في حقوق العباد تعيَّنت على البعض، وأصبحت فرض عين عليه؛ لقوله تعالى: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) [البقرة: 282]؟

كيف تكتم الشهادة -سواء في حقوق الله أو العباد- والله تعالى حذرك من ذلك أيما تحذير، فقال تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة: 283]؟

أما تعلم أن أداء الشهادة وإثباتها عند الحاكم فرض عين على من تحملها متى دُعي إلى أدائها؛ طبقا للآية الكريمة؟

أليس هذا وعيدا شديدا لمن كتمها؟

ألا يدل ذلك على فرضية أدائها على من تحملها، متى دعي إلى ذلك؟

لكن يشترط لوجوب تحمل الشهادة وأدائها انتفاء الضرر عن الشاهد، فإن كان يلحقه من ذلك ضرر في عرضه أو ماله أو نفسه أو أهله، فلا يجب عليه؛ لقوله : «لا ضرر ولا ضرار» (أخرجه الحاكم).

كتمان الشهادة

ما هي شروط الشاهد الذي تقبل شهادته؟

1- الإسلام:

فلا تقبل شهادة الكافر؛ لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق: 2]. وقوله عز وجل: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة: 282] والكافر ليس بعدل ولا مرضي.

هل تقبل شهادة الكفار من أهل الكتاب للضرورة؟

نعم، في حال الوصية في السفر لأجل الضرورة، وذلك إذا لم يوجد غيرهم؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) [المائدة: 106]. قال ابن عباس في قوله: (أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ): من غير المسلمين، يعني أهل الكتاب.

2- البلوغ والعقل:

فلا تقبل شهادة لصغير وإن اتصف بالعدالة؛ لأنه ناقص الأهلية، لكن تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجروح خاصة، وبخاصة قبل تفرقهم إذا اتفقت كلمتهم.

ولا تقبل شهادة المجنون والمعتوه والسكران؛ لأن شهادتهم لا تفيد اليقين.

3- الحفظ والضبط واليقظة:

فلا تقبل شهادة المغفل والمعروف بكثرة الخطأ والسهو؛ لعدم حصول الثقة بقوله؛ لاحتمال أن يكون ذلك من غلطه، لكن تقبل ممن يقلُّ منه ذلك؛ لأنه لا يسلم منه أحد.

البلوغ والعقل

4 - العدالة:

فلا تقبل شهادة الفاسق؛ لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق: 2]، والعدل: هو المستقيم في دينه، الذي لم تظهر منه ريبة، ذو المروءة، المؤدي للواجبات والمستحبات، المجتنب للمحرمات والمكروهات ويعتد بالأمثل فالأمثل في تحقق العدالة، إن لم يوجد كامل العدالة.

ما هي الأحكام المتعلقة بالشهادة؟

- يجب على الشاهد أن يكون عالما بما يشهد به، فلا يجوز له أن يشهد بما لا يعلم، قال الله عز وجل: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]. وقال تعالى: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [الزخرف: 86] أي: على بصيرة وعلم.

ويحصل العلم بالسماع أو بالرؤية أو بالشهرة والاستفاضة فيما لا يحصل إلا بها غالبًا كالنسب والموت.

- لا تجوز المحاباة في الشهادة؛ إذ يجب على الشاهد أن يشهد بالحق ولو على أقرب الناس إليه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء: 135] أي: وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك، فلا تراعهم فيها، بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم.

- لا تقبل شهادة الزور، وهو الكذب، وهي من الكبائر لقوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج: 30]. وقوله: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئًا فقال: ألا وقول الزور. قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت» (متفق عليه)، ولأن فيها رفعًا للعدل وتحقيقًا للجور والظلم.

هل تقبل شهادة الأب لابنه؟

لا تقبل شهادة الأب لابنه، ولا العكس؛ لحصول التهمة، وكذلك أحد الزوجين لصاحبه، وتقبل الشهادة عليهم، فلو شهد على أبيه أو ابنه أو زوجته أو شهدت عليه قبلت؛ لعدم التهمة في ذلك، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء: 135].

هل تقبل شهادة الأب لابنه؟

هل تقبل شهادة العدو على عدوه؟

لا تقبل شهادة العدو على عدوه، ولا من يجر إلى نفسه نفعًا بها، أو يدفع بها ضررًا عن نفسه، أما العداوة في الدين فلا تمنع قبول الشهادة، فتقبل شهادة المسلم على الكافر، والسنيّ على المبتدع.

ما هو نصاب وعدد الشهود؟

يختلف عدد الشهود باختلاف المشهود به:

1- حد الزنى واللواط: أربعة شهود من الرجال؛ لقوله تعالى: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) [النور: 13].

2- باقي الحدود: كالسرقة والقذف، وكذلك ما ليس بمال ولا يقصد به المال، وكان مما يطلع عليه الرجال في الغالب، كالنكاح، والطلاق، والنسب، والوصية، ونحو ذلك: شاهدان من الرجال.

ولا تقبل فيه شهادة النساء، لقوله تعالى في الرجعة: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق: 2]، فيقاس عليه سائر ما ذكر، فإنه ليس بمال ولا يقصد به المال، فأشبه العقوبات.

3- المال وما يقصد به المال: كالبيع، والإجارة، ونحو ذلك من العقود المالية: رجلان، أو رجل وامرأتان؛ لقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة: 282].

ويقبل أيضًا في المال وما يقصد به المال شهادة رجل واحد ويمين المدعي؛ لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم بها.

4- ما لا يطلع عليه الرجال في الغالب: كعيوب النساء المستورة: كالبكارة، والولادة، والرضاع ونحو ذلك، فتقبل فيه شهادة النساء منفردات، وتكفي امرأة واحدة عدلة.





كلمات دليلية:




بيان الشروط المعتبرة في خطيب الجمعة_4