يتعامل الكثير من الناس بشهادات الاستثمار ويجهلون حكمها الشرعي،فما هي شهادات الاستثمار ؟ وما أنواعها ؟ وما تكييفها ؟ وما هو حكمها ؟
شهادة الاستثمار هي الورقة التي تثبت الحق في المبلغ المودع لدى المصرف وديعة خاضعة لنظام القرض وللنظم الخاصة بها، وغالباً ما تصدر المصارف هذه الشهادات بتوجيه من الدولة لاستخدام حصيلتها في تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية.
تتنوع هذه الشهادات إلى عدة أنواع:
- فمنها الشهادة ذات القيمة المتزايدة وهي التي تضاف فوائدها إلى أصل قيمة الشهادة فلا يحصل حامل هذه الشهادة على الفوائد أولاً بأول.
- ومنها الشهادة ذات العائد الجاري وهي التي يتقاضى حاملها الفوائد المستحقة عليها كل ستة أشهر أولاً بأول.
- ومنها الشهادة ذات الجوائز وهي التي يحسب فيها الفائدة على مجموع قيمة الشهادات ثم يجرى سحب علني بالقرعة على أرقام الشهادات، ويوزع على الفائزين جوائز سخية.
لا يصدق على شهادات الاستثمار أنها ودائع؛ لأن الإيداع توكيل في حفظ المال على أن يرد عينه، وليس هذا هو واقع الحال في هذه الشهادات، وإنما يصدق عليها أنها قروض لانطباق حقيقة الإقراض عليها، فالقرض تمليك للمال على أن يرد بدله، وهذا هو الذي يجري عليه الحال في هذه الشهادات حيث يتملكها البنك ويرد بدلها مع فوائدها عند الاقتضاء.
إذا صح تكييف هذه الشهادات على أنها قروض فكل زيادة عليها تعد من الربا الحرام الذي تنزل القرآن لتحريمه وآذن أهله بحرب من الله ورسوله. وهذا الحكم بيِّن وقاطع في :
- الشهادة ذات القيمة المتزايدة التي تضاف فيها الفوائد إلى أصل المال.
-الشهادة ذات العائد الجاري التي يتقاضى صاحبها فوائدها أولاً بأول ورأس المال باق بحاله، وربا الجاهلية تضمن كلتا الصورتين.
لكن الحكم قد يدق قليلاً بالنسبة للمجموعة الثالثة لشهادات الاستثمار ذات الجوائز نظراً لعدم احتساب فوائد على كل شهادة وإنما يتاح لأصحابها فرصة الحصول على الجوائز.
والحقيقة أن هذا النوع قد جمع بين الربا والميسر ، فالبنك يحسب الفائدة الربوية على مجموع قيمة هذه الشهادات ثم لا يوزعها على أصحابها نظراً لضآلة المدخرات في هذا النوع، الأمر الذي قد لا تمثل الفائدة بالنسبة لهم إغراء يذكر ولكنه يقامر بها فيما يسمى بالسحب العلني بحيث يعطى الفائزين ما يخصهم من الربا وما يخص الآخرين، فالبنك في هذا النوع يقامر بالربا ليجمع للمتعاملين بهذه الشهادات بين الربا والميسر.
أصدر مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي فتواه بشأن شهادات الاستثمار في دورة مؤتمره السادس 1410هـ فقرر تحريم السندات ذات الفوائد، وقرر في السندات ذات الجوائز ما يلي:
(كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار).
يتمثل البديل الشرعي لشهادات الاستثمار في أن تكون فعلاً شهادة استثمار يشارك أصحابها في المغارم كما يشاركون في المغانم، وذلك بتحويل العلاقة بين أصحاب هذه الشهادات وبين المصارف إلى علاقة استثمار حقيقية يحكمها عقد المضاربة وتوزع الأرباح الناتجة عن الاستثمار على هذه الشهادات بدلاً من توزيع الفوائد الربوية الثابتة، فإن خسر المشروع تحمله أصحاب هذه الشهادات نتيجة هذه الخسارة ويخسر البنك جهده، فالغنم بالغرم، وبالعدل قامت السماوات والأرض.
فالبديل الشرعي إذن للسندات وشهادات الاستثمار هو نقل العملية من إطار القرض إلى إطار القراض ومن عالم الديون المضمونة إلى عالم الاستثمار الذي يشارك جميع الأطراف في مغارمه ومغانمه.
ولعل في سندات المقارضة التي أقرها مجمع الفقه الإسلامي عام 1408 هـ 1988م ما يمثل بديلاً مناسباً يخرج بالأمة من مستنقع الربا إلى جادة الحلال والمشروعية.
وسندات المقارضة تقوم على تجزئة رأس المال المشروع إلى وحدات متساوية القيمة تسجل بأسماء أصحابها ويملكون بها حصصا شائعة في رأس المال ثم تطبق أحكام عقد المضاربة على هذه العلاقة فيشارك رأس المال في الربح بالنسبة المتفق عليها ويتحمل الخسارة لقاء خسران العامل جهده.
فقد قرر المجمع في هذا الصدد ما يلي:
أولاً: من حيث الصيغة المقبولة شرعاً لصكوك المقارضة:
1- سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض - المضاربة - بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة،ومسجلة بأسماءأصحابهاباعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه.
ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة).
2- الصورة المقبولة شرعاً لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول:
أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته، وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في ملكه - من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها - مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني:
يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار وأن الإيجاب يعبر عنه الاكتتاب في هذه الصكوك، وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.
ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاً في عقد القراض ((المضاربة)) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار، على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.
العنصر الثالث:
أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذوناً فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل ما يزال نقوداً فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد، وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب- إذا كان مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
جـ- إذا كان القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراض عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع.
أما إذا كان الغالب ديوناً أو نقوداً فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.
وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصولياً في سجلات الجهة المصدرة.
العنصر الرابع:
أن من يتلقى حصة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب - أي عامل المضاربة - ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك، فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار، وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس. وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة فلا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
3- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول:
يجوز تداول المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقاً لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة المتعاقدين، كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة، بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقاً لظروف السوق والمركز المالي للمشروع، كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.
4- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال، أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.
5- لا يجوز أن تشمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقاً أو مضافاً للمستقبل وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعداً بالبيع، وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضى الطرفين.
6- لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصاً يؤدي إلى احتمال قطع نصيب الشركة في الربح
فإن وقع كان العقد باطلاً.
ويترتب على ذلك:
أ- عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة بناء عليها.
ب- أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة، ويعرف مقدار الربح: إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقاً لشروط العقد.
جـ- أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع، وأن يكون معلناً، وتحت تصرف حملة الصكوك.
7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم، ولا يلزم إلا بالقسمة وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيراداً أو غلة يجب أن توزع غلته، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض - التصفية - يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
8- ليس هناك مايمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح - في حالة وجود تنضيض دوري - وأما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.
9- ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاما مستقلاً عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة، أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.