الربح الحلال وضوابطه في الشريعة الإسلامية


10824

الربح الحلال وضوابطه في الشريعة الإسلامية

إن غرض أي مستثمر أو تاجر تحقيق الربح، فهو الغرض الأساسي للاستثمار والتجارة، فجديرٌ بأي مستثمر أو تاجر أن يبتعد عن أكل الحرام، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: « يا كعبُ بْنَ عجرةَ، لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحتٍ إلا كانَتِ النَّارُ أَولى به» (أخرجه الترمذي).

كيف يكون الربح حلالا ؟

كيف يكون الربح حلالاالأصل في أي ربح أن يكون مشروعا إلا إذا كان ذلك من طريق محرم :

- ككل ما يضر بالناس كالأغذية الفاسدة والأشربة الملوثة والمواد الضارة ونحوها.

- بيع الأعيان المحرمة كالاتجار في المسكرات والمخدرات وبيع الميتة ولحم الخنزير.

- كل ربح تولد عن طريق الاتجار في المهن المحرمة فهو كسب خبيث تولد عن عقود فاسدة.

- الربح عن طريق الغبن الفاحش والاحتكار، واستغلال المشتري وجهالته أو ضيقه وحاجته

- الربح عن طريق الغش والتدليس بإخفاء عيوب السلعة أو بإظهارها على غير حقيقتها على نحو يخدع المشتري ويُلَبِّسُ عليه .

وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يرون إظهار عيوب السلعة من النصيحة التي هي جماع الدين ، والتي كان يبايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها ولا يرون أنفسهم متنفلين ببذلها.

فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ - صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» ثَلَاثًا. قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ? قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»( أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

هل هناك حد أعلى للربح  في الشريعة ؟

الربح  في الشريعةلا تحديد لنسبة معينة من الربح يحرم تجاوزها، ولكن ذلك متروك لقوانين العرض والطلب مع عدم الإخلال بالرفق والتيسير

فلا يوجد تحديد لنسبة معينة للربح يحرم تجاوزها بحيث تصبح قاعدة عامة لجميع السلع في جميع الأزمنة والأمكنة.

ألا ترى اختلاف الأموال في سرعة دورتها وبطئها، فما كانت دورته سريعة قل ربحه في العادة، وما كان بطيئا كثر ربحه ؟

أليس البيع الحالِّ يختلف عن البيع المؤجل؟  فالأصل قلة الربح في الأول وكثرته في الثاني .

ألا توجد سلعة ضرورية وأخرى حاجية فيقل ربحها رفقا بالضعفة وذوي الحاجة، كما توجد سلعة  كمالية فيزيد ربحها في العادة لتيسر الاستغناء عنه ؟

بل ورد في السنةما يثبت جواز بلوغ الربح في بعض الأحوال إلى الضعف ، بل وزيادته عن ذلك:

- فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً, أَوْ شَاةً, فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ, فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ, فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ, فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ, فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ !

- وفي رواية الإمام أحمد في مسنده دعا له النبي-صلى الله عليه وسلم-:

«اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ» فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقِفُ بِكُنَاسَةِ الْكُوفَةِ-مكان بالكوفة-، فَأَرْبَحُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إِلَى أَهْلِي.

- وقد صح أن الزبير بن العوام اشترى أرض الغابة وهي أرض عظيمة من عوالي المدينة بمائة وسبعين ألفاً؛ فباعها ابن عبد الله بن الزبير بألف ألف أي باعها بأضعاف مضاعفة .

ضوابط عامة في الربح :

- عدم اختلاط الربح بأي لون من ألوان المحرم كالغش أو التدليس أو الاحتكار أو استغلال المشتري وجهالته أو ضيقه وحاجته لإغلاء السعر عليه، ونحو ذلك.

- القاعدة العامة في تقدير الأرباح التيسير والرفق والقناعة باليسير من الربح أقرب إلى هدي السلف وروح الشريعة .

ومن قنع بالقليل من الربح بورك له في سعيه، وقد كان على- رضي الله عنه- يدور في سوق الكوفة بالدِّرَّةِ، ويقول:« معاشر التجار خذوا الحق تسلموا، لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره » [كنز العمال 29451].

- حق التجار في أن يحددوا ما يشاءون من الربح في حدود القواعد العامة للشريعة.

- لا يمنع ولي الأمر من تسعير السلع على التجار وإلزامهم بنسبة معينة لا يتجاوزونها متى مست الحاجة إلى ذلك، ووجد ما يقتضي هذا التسعير.

قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن تحديد أرباح التجار:

والمنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 - 6 جمادى الأولي 1409ه الموافق 10 - 15 أرباح التجارديسمبر 1988م، القرار رقم: 46 (8/5):

أولاً : الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم، في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها ، عملاً بمطلق قول الله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].

ثانياً : ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم ، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التاجر والسلع ، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير .

ثالثاً : تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته كالغش ، والخديعة ، والتدليس ، والاستغفال ، وتزييف حقيقة الربح والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة .

رابعاً : لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلاّ حيث خللاً واضحاً في السوق والأسعار ، ناشئاً من عوامل مصطنعة ، فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش .

 





كلمات دليلية:




الدين واحد