القروض الربوية وربا البنوك
يتساهل كثير من الناس بالتعامل بالقروض الربوية تحت مسميات عدة ومبررات واهية وفتاوى مغلوطة، وشبهات قتلت بحثا، رغم أنها بعينها الربا المحرم بنص القرآن والذي توعد أكلته بحرب من الله ورسوله، وهو الربا المحرم الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من يتصل بعملية الربا بسببه، بل هو الذي انتهى إليه إجماع المؤتمرات الإسلامية والمجامع الفقهية المعاصرة، والتي أصدرت العديد من القرارات المعتمدة بحرمة التعامل بالقروض الربوية، ناهيك عما بينه بصدده كثير من علماء الأمة للحق ودحضوا تلك الترهات التي يتذرع بها الكثيرون.
لقد أجمع أهل العلم بالشريعة على أن الزيادة في الدين نظير الأجل هي الربا الجلي القطعي الذي نزل القرآن ابتداء في تحريمه، وأنه صورة الربا الذي شاع في الجاهلية وجددته البنوك الربوية المعاصرة، فضلا عن إجماع المجامع الفقهية والمؤتمرات الإسلامية المعاصرة على ذلك قطعا للجدل وحسما للذريعة إلى هذا المنكر الغليظ .
لقد قرر مجلس المجمع في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الثاني 1406 الموافق 22 - 28 سبتمبر 1985 ما يلي :
أولا : أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد ـ هاتان الصورتان ربا محرم شرعًا .
ثانيا : أن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام هو التعامل وفقا للأحكام الشرعية ، ولا سيما ما صدر عن هيئات الفتوى المعنية بالنظر في جميع أحوال التعامل التي تمارسها المصارف الإسلامية في الواقع العملي .
ثالثا : قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف الإسلامية القائمة والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي لتغطي حاجة المسلمين كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته .
إن مجلس المجمع في دورته التاسعة المنعقدة بمبني رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة 21 - 19 رجب 1406 هـ قد نظر في موضوع تفشي المصارف الربوية، وتعامل الناس معها ، وعدم توافر البدائل عنها ، وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيس المجلس .
وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بَيِّنٌ ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع ، وأصبح من المعلوم بالدين بالضرورة، واتفق المسلمون كافة على أنه من كبائر الإثم والموبقات السبع ، وقد آذن القرآن الكريم مرتكبيه بحرب من الله ورسوله ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279]. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ» وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ» (صحيح مسلم) كما روى ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم:« إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ، فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللَّهِ» (المستدرك على الصحيحين للحاكم - وقال أبو حاتم :منهم من يرفعه، ومنهم من يوقفه، العلل، ولعل الصواب - والله أعلم - الوقف).
وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته، وأخلاقياته وسلامته ، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم العالم ، وهو ما سبق به الإسلام منذ أربعة عشر قرنا .
ومن نعمة الله تعالى أن المسلمين بدأوا يستعيدون ثقتهم بأنفسهم ووعيهم لهويتهم نتيجة وعيهم لدينهم فتراجعت الأفكار التي كانت تمثل مرحلة الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية ، ونظامها الرأسمالي ، والتي وجدت لها يوماً من ضعاف الأنفس من يريد أن يقسر النصوص الصريحة الثابتة قسراً لتحليل ما حرم الله ورسوله.
وقد رأينا المؤتمرات والندوات الاقتصادية التي عقدت في أكثر من بلد إسلامي - وخارج العالم الإسلامي أيضاً - تقرر بالإجماع حرمة الفوائد الربوية وتثبت للناس إمكان قيام بدائل شرعية عن البنوك والمؤسسات القائمة على الربا .
ثم كانت الخطوة العملية المباركة ، وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعا ، بدأت صغيرة ثم سرعان ما كبرت ، قليلة ثم سرعان ما تكاثرت، حتى بلغ عددها الآن في البلاد الإسلامية وخارجها أكثر من تسعين مصرفاً.
وبهذا كذبت دعوى العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يومًا أن تطبيق الشريعة في المجال الاقتصادي مستحيل ، لأنه لا اقتصاد بغير بنوك ، ولا بنوك بغير فوائد.
وقد وفق الله بعض البلاد الإسلامية مثل باكستان لتحويل بنوكها الوطنية إلى بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا أخذًا ولا إعطاءً ، كما طلبت من البنوك الأجنبية أن تغير نظامها بما يتفق مع اتجاه الدولة ، وإلا فلا مكان لها ، وهي سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل بها إن شاء الله .
ومن هنا يقرر المجلس ما يلي :
أولاً : يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالي عنه من التعامل بالربا أخذًا أو إعطاءً والمعاونة عليه بأي صورة من الصور ، حتى لا يحل بهم عذاب الله ، ولا يأذنوا بحرب من الله ورسوله .
ثانياً : ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية ، التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية، ويعني بالمصارف الإسلامية كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية مُلْزِمة، ويدعو المجلس المسلمين في كل مكان إلى مساندة هذه المصارف وشد أزرها وعدم الاستماع إلى الشائعات المغرضة التي تحاول التشويش عليها ، وتشويه صورتها بغير حق.
ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل أقطار الإسلام ، وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره ، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل .
ثالثاً : يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج ، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي ، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب ، ويستغني بالحلال عن الحرام .
رابعاً: كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعًا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم - مودع المال - لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامّة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنّما من باب التطهّر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية، للتقوّي بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علمًا بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة، كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرّفاتهم موافقة لها.
والله ولي التوفيق وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلي آله وصحبه وسلم.
فقد قرر مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية المنعقد في القاهرة 1385هـ والذي حضره ممثلون ومندوبون عن خمس وثلاثين دولة إسلامية ما يلي :
1- الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرّم ، لا فرق في ذلك بين ما يسمّي بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي . لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.
2- أن كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].
3- الإقراض بالربا محرّم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرّم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة. وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته.
4- أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات الداخلية التي يقوم عليها العمل بين التجار والبنوك في الداخل كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا.
5- الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلّها من المعاملات الربوية وهي محرّمة.
إن القاعدة العامة أن المال الحرام لا يلزم رده ولا يطيب أكله.
فالفوائد المصرفية لا تُتْرَك للمصارف الربوية حتى لا تتقوي بها على أعمالها المحرمة أو توجهها في حرب الإسلام والمسلمين، ولا ينتفع بها قابضها لأنها كسب خبيث، فلم يبق إلا التخلص منها بتوجيهها إلى المصارف العامة، ويثاب على ذلك ثواب العفة عن الحرام، والتخلص منه ابتغاء وجه الله وليس ثواب الصدقة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
وقد قضت بذلك جميع المؤتمرات الإسلامية والمجامع الفقهية في عالمنا المعاصر.
ففي قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي المنعقدة في مكة المكرمة في رجب عام 1406هـ نص على ما يلي:
خامساً: كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعًا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم - مودع المال - لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامّة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنّما هو من باب التطهّر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية، للتقوّي بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة، كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرّفاتهم موافقة لها.
والله ولي التوفيق وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلي آله وصحبه وسلم.
2-فتاوى وتوصيات لجنة العلماء بالمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي:
وفي فتاوى وتوصيات لجنة العلماء بالمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي المنعقد في الكويت في جمادى الآخرة عام 1403هـ نص على ما يلي:
يوصي المؤتمر أصحاب الأموال من المسلمين بتوجيه أموالهم أولا إلى المصارف والمؤسسات والشركات الإسلامية داخل البلاد العربية والبلاد الإسلامية، ثم في خارجها، وإلي أن يتم ذلك تكون الفائدة التي يحصلون عليها كسبا خبيثا، وعليهم استيفاؤها والتخلص منها بصرفها في مصالح المسلمين العامة، ويعد الاستمرار في إيداع الأموال في البنوك والمؤسسات الربوية مع إمكان تفادي ذلك عملاً محرّمًا شرعا.
3-الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة:
وفي الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في البحرين في شوال 1414هـ نص على ما يلي:
ج ـ لا يرد المال الحرام إلى من أخذ منه إن كان مصرًّا على التعامل غير المشروع الذي أدّى إلى حرمة المال كالفوائد الربوية بل يصرف في وجوه الخير أيضاً.
لقد شغب بعض الباحثين حول تحريم الفوائد المصرفية وحاولوا تسويغها بجملة من التخريجات المتهافتة، نذكر منها ما يلي:
ويعتمد هذا التخريج على أن الربا المحرم هو ما كان على القروض الاستهلاكية التي يستغل فيها الغني حاجة الفقير، وهذا هو الربا الذي كان شائعا في الجاهلية، أما إذا كان القرض إنتاجيا يقصد به الاسترباح والمزيد من الثراء كما هو الحال في أغلب القروض المصرفية في واقعنا المعاصر فيتعين القول بإباحتها بناء على تغير الظروف ونظرا لانتفاء عنصر الجشع والاستغلال.
ويجاب على ذلك بما يلي:
1-عموم النصوص الواردة في تحريم الربا فلم تفرق بين ربا في قرض استهلاكي وربا في قرض إنتاجي.
2-الواقع التاريخي للقروض الجاهلية فقد كان أغلبها قروضا استثمارية، وقد كان للعرب في الجاهلية طريقان لاستثمار أموالهم: القراض بأن يدفع المال إلى من يتجر فيه بجزء من ربحه، أو القرض بأن يدفع المال بزيادة ربوية ثابتة محددة ابتداء، فجاء الإسلام فأقر الأولى وأبطل الثانية.
3-أن حديث: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ» (صحيح مسلم) يرد على هذه التفرقة،وعلي من زعم على أن الربا الذي شاع في الجاهلية هو الربا الاستهلاكي؛ إذ لو صحت هذه المقولة لما لعن مؤكل الربا ما دام يؤكله وهو مضطر، بل كان يقتصر اللعن الربا على آكله وكاتبه وشاهديه فحسب.
ويعتمد هذا التخريج على فهم مغلوط في قوله تعالي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [آل عمران: 130] حيث زعم أصحاب هذا التخريج أن الربا المحرم هو ما كان أضعافا مضاعفة، أما الربا اليسير فلا حرج فيه.
ويجاب على ذلك بما يلي:
1-أن الأضعاف المضاعفة الواردة في الآية وصف للربا الذي كان قائما وليس شرطا له، كقوله تعالي في بيان المحرمات من النساء: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُم} [النساء: 23]
ولا يخفي أن قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } وصف لما كان قائما وليس شرطا في التحريم، إذ الربيبة محرمة ولو كان ما بينها وبين زوج أمها كما بين المشرق والمغرب.
والدليل على ذلك ما صرحت به النصوص من تحريم قليل الربا وكثيره كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].
وهي من أواخر ما نزل من القرآن.
فالبنوك تستأجر الأبنية، وتدفع أجور الموظفين، وتعد الملفات والسجلات، فلا بأس بناء على هذا التخريج أن تأخذ فائدة على عمليات الإقراض لتغطية هذه النفقات.
ويجاب على ذلك بما يلي:
1-أن الفائدة تتكرر كل عام طوال مدة القرض ولو صح أنها مقابل المؤنة لم تكن إلا في العام الأول فقط وألا تتكرر إلا بتكرر الخدمة.
2-أن الفائدة تختلف باختلاف مركز المقترض ومدة القرض والضمان المقدم، ولو صح أنها مقابل الجهد والنفقة لتوحدت قيمتها في جميع الحالات.
3-أنه لو صح جدلا تخريج الفائدة التي يتقاضاها البنك على أساس النفقة والأجر، فكيف يمكن تخريج الفائدة التي يدفعها لعملائه من أصحاب الودائع؟ ولقد كان المنطق يقتضي أن يأخذ على حفظه لها وقيامه عليه أجرا بدلا من أن يبذل الفوائد لأصحابها!