المرأة السورية بطولة وسط الركام والنيران


1554

 

 

كتبت – شيماء عيسى

 

مشاهد مهولة وصفها أمين عام الأمم المتحدة بـ"مسلخ بشري" يجري بمدينة حلب ومعظم مدن سوريا المحاصرة، ونطالع صور النساء تهرعن وسط الأبنية المتهدمة وفرق الإغاثة من المتطوعين، أو نراهن بنشرات الأخبار محملات بما تيسر من مؤونة وبأطفالهن تطلبن الحياة بعيدا عن مدينة الأشباح، وفي طريقهن للمجهول.. وقد نراها جثة لا يبدو منها غير ذراع ممدة من تحت ركام، أو ممدة على أسرّة الجراحة بمشافٍ شعبية، وربما حملتهن الأمواج بمراكب مطاطية بالية وهن مكدسات بالعشرات المتجهين نحو مدينة أوروبية، برغم علمهن بأن نسبة الأمل تكاد تتلاشى وسط برد الشتاء وبحار عملاقة لا ترحم!

 

المرأة السورية

 

مأساة حلب وغيرها من المدن السورية قصة يحكيها العالم، وقد أوغل نظام بشار الأسد وحلفاؤه بقتل المدنيين بلا هوادة بزعم مطاردة العناصر الإرهابية، والحق أنهم يطاردون ما بقي من ثوار الحرية ضد نظام مستبد غاشم، وللأسف لم نعد تدهشنا أنباء سقوط براميل متفجرة ومواد كيماوية خطرة يوميا ونيران ثقيلة برا وجوا على رؤوس العزل.. وقد سقط آلاف الشهداء والمصابين فضلا عمن اعتقلتهم قوات النظام، أما عن دمار البنية التحتية بالأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة الثوار فحدث ولا حرج، فكل شيء أضحى ركاما تقريبا، حتى الآثار الإسلامية لم تنج من حرب شرسة.

مأساة حلب

 

المرأة الحلبية قصة بطولة وهي تعلم أن ما يجري هو محاولة لتفريغ المدن من ساكنيها على غرار ما جرى بحمص ومدن الغوطة بريف دمشق، بالقتل والتهجير الممنهج، لاسيما بعد عجز المجتمع الدولي عن فعل جاد حيال الجرائم التي يرتكبها بشار وحلفاؤه.

بطولة متصاعدة

بطولة متصاعدة

 

وقد لعبت المرأة السورية أدوارا بطولية منذ اندلاع الثورة السورية قبل 5 سنوات، وضحت نساء كثيرات بحياتهن ثمنا للحرية، كما تعول النساء أكثر من ثلث الأسر السورية بعد استشهاد آلاف الناشطين، كما برزت المرأة بالجهود الطبية والإغاثية، بل وشاركت بعضهن بالكتائب العسكرية. وتصعدت بعض النساء الحلبيات بالقيادة المحلية، ومنهن "أم الأمين" التي ترأست مجلس مدينة حلب بزمن الثورة.

 

وقد دشنت العديد من نساء حلب مبادرات لإعانة المجتمع وتوفير ظروف معيشية أفضل، وبعضهن اتجهن للتعبير عن مأساة بلادهن بما تمتلكن من موهبة بالكتابة الأدبية والرسم. ورأينا شاعرات سوريات تضربن عن الطعام ببداية الثورة أمام سفارات أوروبا، وبعضهن قدن مظاهرات بالغرب والشرق للتنديد بمجازر بشار الأسد، كما اندمجت كثير من السوريات بحملات لتوعية العالم بما يجري ببلادهن.

 

نساء حلب

 

ووسط القصف المتواصل تضطر المرأة للتحصن بمنزل قد يسقط فوقهم بأي لحظة، أو في الأقبية ضمن المباني التي تحتوي على ملاجئ، إلّا أنّ تقدم قوات النظام في بعض المناطق الشرقية من أحياء حلب المحاصرة، أجبر السكان -وبحسب نشطاء مراقبين- على الخروج من منازلهم مشيًا على الأقدام من حي إلى آخر، ثم يجري استهداف أماكن تجمعات النازحين وترديهم قتلى وجرحى وجلّهم من النساء والأطفال.

 

تجمعات النازحين

 

 

وكأن المشهد يحتاج مزيدا من الألم! فنرى سقوط أطفال نتيجة نقص الغذاء والحليب، وهي المساعدات التي تفشل عادة المنظمات الدولية بإيصالها بالكميات والأوقات التي تسعف المحاصرين بحلب الشرقية. وبعض الأطفال يسقطون نتيجة نقص الخدمات الطبية بالمدينة المتأزمة بالحرب. تقول والدة "سارة" : "صعب جدًّا، أن ترى ابنتك تموت تدريجيًّا بين يديك، وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئًا حيال ذلك".

نقص الغذاء والحليب

 

ويعيش في مدينة حلب في القسم المحاصر والخاضع لسيطرة الثوار الآن أكثر من 350 ألف شخص، ما ينذر بكوارث إنسانية لم تسمع بها البشرية قط.

 

 

معركة فصل الشتاء

 

معركة فصل الشتاء

 

يأتي الشتاء ليزيد صعوبة حياة الحلبيين وسط أجواء الحرب، وقد اعتاد السوريون خلال الأعوام السابقة على استقبال فصل شتاء قارس في ظل انعدام وسائل التدفئة, إما بسبب الغلاء الفاحش لمادة "المازوت"، أو بسبب انقطاع الكهرباء المستمر الذي تعاني منه البلاد نتيجة الأعطال المتكررة، أو بسبب منع وصول التيار الكهربائي من قبل حكومة النظام إلى المناطق المحررة. وهو ما أدى بدوره لسقوط الضعفاء من الشيوخ والأطفال والنساء بسبب البرد.

 

 

مواد التدفئة

 

وقد وصل الأمر لاستخدام النساء أخشاب الأثاث المنزلي طلبًا للتدفئة، وقامت جمعية "أبرار حلب" للإغاثة والتنمية العاملة في مدينة حلب بإطلاق حملة "تبرع ولو بدولار" منذ الخريف المنصرم, لجمع أكبر عدد من التبرعات من أجل شراء مواد التدفئة وتوزيعها على المدنيين في المناطق المحررة.

 

 

 

جدارة في الغربة

 

جدارة في الغربة

 

بعض السوريات المهجّرات تئول أوضاعهن لخيام بسيطة على حدود البلاد: كتركيا، والأردن، ومعظم مدن أوروبا، وهي تفتقد للخدمات الملائمة للحياة، وبرغم ذلك نراهن متأقلمات لحد كبير، تطهين ما تيسر من طعام، وتحلمن بالعودة راضيات بمجرد الفوز بالحياة ونجاة أطفالهن.

 

بلدان المهجر

 

في بلدان المهجر أيضا -عربية كانت أو غربية- تثبت المرأة السورية جدارتها بتخطي الأزمة، فنراها تكافح لإعاشة أبنائها عبر مساعدة الزوج بنشاط تجاري، أو صنع الحلوى السورية الشهيرة طلبا للرزق، وخاصة أن معظم الأسر السورية تعيش أجواء صعبة بعيدا عن مصدر دخل ثابت أو فرص عمل حقيقية، ومع ذلك نرى حسن استقبال للأزمة بإيجاد البدائل والنشاط بالمجال التجاري بالأخص.

 

وفوق كل ذلك تثبت المرأة السورية أن خيارها بالتحدي والنجاح بالحياة نابع من إيمان عميق بالله، ويبدو ذلك بمظهرهن وجوهرهن؛ فالمظهر محتشم عادة، وكلنا يرى بالشارع العربي ذوات الحجاب الأبيض من السوريات، وهناك حرص على تعليم الأولاد قيم الدين وإلحاقهم قدر المستطاع بالتعليم الإلزامي بالدول التي تحط فيها رحال الهجرة لأجل لا يعلم مداه إلا الله.

 

ربما تعد سماحة المرأة السورية وروحها المثابرة والمتفائلة في آن واحد سر قوتها، فهي قادرة دوما على زرع الابتسامة من حضن الألم.. ولا شك أن النصر مكتوب لها.

 

 





كلمات دليلية:




ناصر القطامي