شراء المساكن بالقروض الربوية
شاعت في عديد من المجتمعات المعاصرة، وخاصة الغربية ظاهرة شراء البيوت عن طريق التمويل البنكي وذلك بأن يتقدم طالب الشراء إلى أحد البنوك ليقرضه قيمة البيت فيسددها إلى المشتري ويتقاضى منه هذا القرض أقساطاً شهرية يتقاضى عنها فوائد ربوية بحيث يتضاعف المبلغ في نهاية المدة إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر بحسب مدة القرض.
وهذه المعاملة محرمة من قبل العلماء كافة من أزمنة متطاولة باعتبار أنها قرض ربوي ظاهر؛ فقد أجمع أهل العلم على حرمة ربا القروض.
ولكن إزاء ضغوط الواقع أخذ البعض يرخص للناس في هذه المعاملة اعتماداً على ما ذهب إليه أبو حنيفة من جواز أخذ الربا من الحربي في دار الحرب، وهذا خطأ بيِّن لما يلي:
ولنا على هذا التحول الخطير عدة وقفات نوجزها فيما يلي:
- أن ما ذهب إليه أبو حنيفة من القول بجواز أخذ الربا من الحربي في دار الحرب تأسيساً على أن أموالهم على أصل الحل لا يلتقي مع هذه المسألة التي يدفع فيها المسلمون أموالهم إلى الحربيين، فالحربي هنا هو الذي يأخذ الزيادة وليس المسلم، فهي عكس ما ذهب إليه أبو حنيفة في هذا المقام، فالاستشهاد به يعد قراءة متعجلة لما ذهب إليه الإمام.
-أن من تبنى هذه المقولة من المعاصرين يعسر عليه أن يتبنى القول بأن المجتمعات الغربية التي تعيش فيها الجاليات الإسلامية هي ديار حرب ، وإن اعتقد ذلك في نفسه فلا يستطيع أن يرفع به صوته في واقع تشن فيه الغارة على الإسلام في مشارق العالم ومغاربه، ويتهم أهله ودعاته بأبشع التهم والمناكر.
فهل يستطيع هؤلاء الفضلاء المترخصون أن يلتزموا بأن المجتمعات الغربية تعد من قبيل دار الحرب، وأن أموال أهلها مباحة للمسلمين؟
وتأسيساً على ذلك فللمسلم أن ينال من أموالهم ما شاء بالعقود الفاسدة ما دام ذلك عن رضى واختيار،وأن للمسلم أن يعاملهم بالربا فيما كان الفضل له ولا يعاملهم بالربا فيما كان الفضل عليه.
-ما الذي يؤمن هؤلاء المترخصين ألا يتدرج الناس من استباحة الأموال بالعقود الفاسدة إلى استباحة الأبضاع بالعقود الفاسدة، وتوقان النفوس إلى النساء أشد من توقانها إلى الأموال؟
- أنه إذا ساغ القول بجواز هذه المعاملة في أحوال الضرورة والاقتهار عندما يجد المسلم نفسه ملجأ إلى ذلك لكثرة عياله وضيق ذات يده وامتناع الإجارة عليه وتعذر حصوله على القرض الحسن للشراء الحال، فإن الاقتراض بالربا تحله الضرورات، فينبغي أن نفرق بين هذا القول وبين القول بمشروعية هذه المعاملة ابتداء بناء على مشروعية الربا في دار الحرب ليدخل الأمر في نسيج المشروعية الأصلية لا فرق بين حال السعة والاختيار وبين حال الضرورة والاقتهار.
-أن شيوع الحاجة إلى تملك البيوت في المجتمعات الغربية لا يبرر إباحة المحرمات، وإنما يوجب تكاتف المسلمين فيما بينهم لإنشاء المؤسسات القادرة على تلبية هذه الحاجة في إطار المشروعية الإسلامية، أو على الأقل لإقناع البنوك الربوية بتعديل عقودها الربوية بما يتفق مع مقررات الشريعة، وليس ذلك ببعيد فإن هذه المؤسسات تركض خلف الكسب أنَّى لاح لها بريقه، وإذا استشعرت أن خلف هذه المطالبة جاليات إسلامية كثيرة العدد فلا يضرها قط أن تغير في عقودها بما تستجلب به أموال هؤلاء.
لقد ظهرت في نهاية النصف الأول من هذا القرن محاولات لتبرير فوائد البنوك بتخريجات فقهية متهافتة، ولو استجابت الأمة لهذه التبريرات ما عرفت أرضها البدائل الإسلامية في عالم المال والمصارف، لكن الحراس ثبتوا يومئذ في مواقع الحراسة للدين وردوا هذه التبريرات ففتقت الحاجةُ الحيلةَ، وعرفت بلاد الإسلام المؤسسات المصرفية التي تعمل في إطار الشريعة لتكون بديلا من المصارف الربوية التي تعربد في ديار الإسلام بأنظمتها المحرمة، وكل يوم يمضي يتكشف للعالم كله مدى الوهم في هذه الخرافة القديمة التي تقول: لا اقتصاد بلا بنوك، ولا بنوك بلا فوائد!(بتصرف يسير من: ما لا يسع التاجر جهله)