عقد الإجارة في الشريعة الإسلامية


17792

عقد الإجارة في الشريعة الإسلامية

أولا: تعريف الإجارة : هي تمليك منفعة بعوض.

ثانيا: مشروعية الإجارة:

ثبتت مشروعية الإجارة بالكتاب والسنة والإجماع :

1-الكتاب:قوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ -(26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[القصص: 26، 27] وجه الدلالة: مشروعية الإجارةتأجير موسى عليه السلام نفسه هذه المدة على طعام بطنه وإحصان فرجه، فدل على مشروعية هذا العقد.             

2-السنة: ما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا - الخِرِّيتُ: المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ - ليدلهما على الطريق وذلك عندما أذن لهما في الهجرة.

3-الإجماع: أجمع أهل العلم في مختلف الأعصار والأمصار على جواز الإجارة.

ثالثا: أنواع الإجارة

الإجارة نوعان:

الأولى: الإجارة الواردة على منافع الأعيان: كإجارة دار للسكنى أو أرض للزراعة أو سيارة لركوبها.

الثاني: الإجارة الواردة على منافع الإنسان : كاستئجار شخص للخدمة مدة معينة أو لأداء عمل معين.

ولكل منهما صورتان:

الأولى: إجارة العين: وهي ما كان العقد فيها على عمل من شخص معين، أو منفعة عين بذاتها، كاستئجار شخص للخدمة أو دار للسكنى ونحوه.

الثانية: إجارة الذمة: وهي ما كان العقد فيها على عمل معلوم في الذمة، أو على منفعة عين موصوفة كالتعاقد على بناء دار أو توفير مسكن لمعتمرين أو حجاج بمواصفات محددة ونحو ذلك.

رابعا: أركان عقد الإجارة:

لعقد الإجارة ثلاثة أركان:

1-العاقدان: وهما المؤجر والمستأجر،فيشترط فيما أهلية التصرف، وهي التي تكون بالعقل والتمييز والرشد والاختيار، فلا يصح هذا العقد من المجنون ولا من الصبي غير المميز اتفاقاً، ولا من المكره في أصح قولي العلماء، أما الصبي المميز فالراجح أن عقده صحيح لكنه موقوف على إجازة الولي.

هل يجوز للمسلم أن يعمل أجيراً لدى الكافر؟وما الحكم إذا كان العمل الذي سيقوم المسلم به مما حرمته الشريعة؟

إذا كان العمل المتفق عليه مما لا يجوز للمسلم أن يعمله لنفسه كعصر الخمر ورعي الخنزير ونحو ذلك فلا يجوز، والإجارة باطلة.

فإن كان قد عمل فعلا - أخذ الأجرة من الكافر وتصدق بها، ولا يستحلها المسلم لنفسه لكونها كسباً خبيثاً تولد من عقد محرم، ولا يرده على الكافر حتى لا يجمع له بين العوضين، والقاعدة أن المال الحرام لا يلزم رده ولا يطيب أكله.

واشترط البعض لجواز إجارة المسلم لدى الذمي شرطاً آخر، وهو خلو العمل عن المهانة والمذلة بالنسبة للمسلم، فإن تضمن شيئاً من ذلك فلا يصح عندهم وذلك كالعمل في مجال الخدمة الشخصية، مثل أن يستأجره لتقديم الطعام له أو الوقوف بين يديه ونحو ذلك من الأعمال المهينة لما يتضمنه ذلك من حبس المسلم عند الكافر وإذلاله في خدمته وهو لا يجوز.

ثانياً: المعقود عليه، وهو:

1- المنفعة : فلا يجوز أن تكون محرمة، كالاستئجار على معصية كسقي الخمر وعصره، والزنا أو الرقص أو الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما حرمه الشارع.

2-الأجر:

- تجوز الإجارة بجزء شائع من الإنتاج كالنصف أو الثلث مثلا على الراجح؛ لأن هذه أعيان تنمى بالعمل فصح العقد عليها ببعض نمائها، قياساً على الشجر في المساقاة، والأرض في المزارعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد عامل أهل خيبر على أرضهم بشطر ما يخرج منها.

- تجوز الإجارة على جزء محدد من الإنتاج كالاتفاق على عصر كمية من الزيتون بجزء من الزيت المستخرج ونحوه؛ تحقيقاً لليسر في المعاملات ولضعف الجهالة أو الغرر في هذه الصورة.

ثالثا: الصيغة: وهي ما يدل على الإيجاب والقبول من قول أو فعل.

خامسا: آثار عقد الإجارة:

إذا انعقدت الإجارة صحيحة ترتب عليها حقوق والتزامات بين أطرافها:

التزامات المؤجر: تمكين المستأجر من استيفاء المنافع محل الإجارة. ففي إجارة الأعيان يلتزم المؤجر بإخلاء العين المؤجرة مما يعوق المستأجر عن استيفاء منافعها، والتخلية بينه وبين استيفاء هذه المنافع.

في إجارة الأشخاص يلتزم الأجير بالقيام بالعمل الذي انعقدت عليه الإجارة، وأن يتقنه ما استطاع لقوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (رواه أبو يعلى)

وأن يقوم بالعمل بنفسه إلا لعادة أو شرط يقضي بخلاف ذلك، وألا يتشاغل بما يؤدي إلى الإخلال بالعمل أو يعوقه عن حسن أدائه، أو الوفاء بمواعيده، وأن يطيع رب العمل في حدود طاعة الله ، وفي إطار ما اتفقا عليه في العقد، وإن كان أجيراً خاصاً التزم بالعمل في جميع المدة المتفق عليها لا يستثنى من ذلك إلا ما لا مندوحة منه كقضاء الحاجة وأداء الصلوات ونحوه.
هل يلزم العامل بضمان ما تلف بيده من الأدوات والمصنوعات؟

اتفق الفقهاء على أن يد الأجير الخاص على ما عنده يد أمانة، فلا يضمن(يلتزم بالتعويض) إلا بالتفريط أو التعدي، فإذا فرط العامل في حفظ ما بيده من أدوات المهنة أو تعدى في استعمالها فقد لزمه ضمان ما يتلف منها، وذلك كأن يترك الآلة بدون صيانة حتى تتلف، أو يستخدمها في غير ما خصصت له، ونحو ذلك.

أما بالنسبة للأجير المشترك فقد اتفقوا على تضمينه(التزامه بالتعويض) في حالة التفريط أو التعدي وعدم تضمينه إذا ثبت عكس ذلك.

واختلفوا في تضمين الصناع ما ادعوا هلاكه من المصنوعات المدفوعة إليهم، والراجح التفرقة بين ما إذا كان الهلاك بقوة قاهرة كالغرق العام أو الحريق الغالب فإنه لا يضمن، أما إذا كان الهلاك بما يستطيع دفعه فإنه يضمن حتى يثبت عدم التفريط أو التعدي.

التزامات المستأجر:

تتركز التزامات المستأجر فيما يلي:

1- دفع الأجر المتفق عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ أَخْصِمْهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ» (صحيح ابن حبان )

2- حسن معاملة الأجير وعدم تكليفه ما لا يطيق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (صحيح البخاري) وإذا كان هذا في شأن الرقيق فإن الأجراء أولى بذلك، ومن ذلك المحافظة على سلامة العامل وتوفير وسائل الوقاية له فيما يتطلب ذلك من الأعمال.

3- منح ما تقضي به العادة من الإجازات ونحوها، فإن قضت العادة بمنح الأجراء يوماً في الأسبوع للراحة مثلاً فينبغي اعتبار ذلك.

سادسا :انتهاء عقد الإجارة

ينتهي عقد الإجارة بالأسباب الآتية:

1- الإقالة:وهي التراضي على الفسخ، ذلك أن الأصل في الإجارة اللزوم، فلا يحق لأحد طرفيها أن يفسخ عقدها بإرادته المنفردة، كما كان لا يصح له من البداية أن ينشئه بإرادته المنفردة، ولكن إذا تراضيا على الفسخ واتفقت كلمتهما على ذلك فلا بأس.

2- انتهاء الغاية المحدودة للعقد:

فإذا حددت الإجارة بغاية فإنها تنتهي بانتهاء هذا الغاية، سواء أكانت هذه الغاية زمانا ينقضي أم عملاً ينجز، فإذا انتهى الأمد المحدد للعقد، أو أنجز العمل المتفق عليه انتهى العقد من تلقاء نفسه.

3- انتهاء المدة المحددة لتقدير الأجرة في العقود التي لم تحدد لها مدة:

العقد غير محدد المدة هو العقد الذي لم يحدد الطرفان وقتاً لانتهائه، كما لو قال له: أجرتك هذه الدار كل شهر بدينار، أو استأجرتك للعمل كل شهر بمائة دينار مثلاً، وينتهي هذا العقد بانتهاء المدة الزمنية المقدرة لدفع الأجرة، فلكل من الطرفين - بعد انتهائها - أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة متى شاء، ويتجدد العقد تلقائياً لمدة أخرى إذا لم يستخدم أحد الطرفين حقه في الفسخ.

قانون الإيجار القديم: والذي يقضي بلزوم الإيجار مدى حياة المستأجر وتوريثها لجيل واحد من أبنائه بعده، مع بقاء الأجرة ثابتة طوال هذه المدة دون نظر إلى أجرة المثل عند ارتفاع قيمة الإيجار وزيادة الأسعار، فهو قانون باطل مخالف للشرع، بل يعتبر المستأجر غاصبا في حالة مطالبة مالك العقار له بالخروج أو بزيادة الأجرة، فإن بقاءه متمسكا بالعين المستأجرة مستندا إلى هذا القانون الجائر منكر محرم، فالقانون لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وعلى المستأجرين تصحيح عقودهم وفق الشرع، وللمؤجر عليه أجرة المثل، لأن استيفاء المنفعة بالإجارة الفاسدة سبب لضمان أجرة المثل، لكن إن كان هناك تراض على أجرة معلومة ولو لم تك أجرة المثل مع تحديد مدة الإجارة ولو طالت فلا بأس.

فلا عبرة بقانون تأبيد الإجارة، لأنه قانون يخالف حكم الله تعالى، وما كان من العقود خالياً من بيان المدة وجب فسخه، ورد العين المستأجرة إلى المالك، ودفع أجرة المثل خلال مدة استخدامها إلا إذا تنازل عنها المالك، فهذا هو الواجب عليكم، ولا يحل الانتفاع بهذه العين إلا بعقد جديد بالضوابط الشرعية.

 





كلمات دليلية:




وحدانية الله