عقد العمل في الشريعة الإسلامية
كثير من العاملين يقع في مخالفات شرعية أثناء عمله، ولا يدري أنه منغمس في تلك المخالفات أو أنه يأكل الحرام، وهاك أبرز القواعد الحاكمة لعقد العمل في الشريعة الإسلامية:
-الموظف في شركة أو مؤسسة حكومية أوخاصة يعتبر أجيراً خاصاً، وهو كما يعرفه أهل العلم: من قدر نفعه بزمن, أو هو من قدر نفعه بمدة معينة، ومعنى أنه قدر نفعه بزمن أي حصل الاتفاق معه على أن تكون منافعه في هذا الوقت (الدوام الرسمي) ملك للمستأجر (الجهة التي يعمل بها الموظف حكومية كانت أو خاصة)، وبالتالي لا يجوز له أن يعمل في هذا الوقت أعمالاً أخرى غير عمله المستأجر عليه ما عدا الأعمال التي أذن بها الشرع أو جرى بها العرف، فما أذن به الشرع كالصلوات الخمس مثلاً، وما أذن به العرف كثير ويخضع للعرف الجاري لكل عمل.
-لا يجوز للعامل أن يصرف الوقت المتعاقد عليه في غير صالح الشركة إلا بإذن الجهة أو المسؤول المخول، فلا يجوز قضاء المصالح الشخصية وقت العمل إلا بإذن من رب العمل؛ لأن الوفاء بالعقود واجب، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1] ، ولأن مثل هذا الفعل غش، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث أخرجه الإمام مسلم :« مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» ، ومن تمام توبتك أن ترد إلى المؤسسة التي تعمل بها مبلغاً يناسب قدر غيابك عن العمل بالطريقة التي تراها مناسبة، وهذا إذا كانت المؤسسة خاصة، وأما إذا كانت عامة فعليك أن تصرف ذلك المبلغ في المصالح العامة للمسلمين.
-الموظف في شركة أو مؤسسة حكومية أوخاصة يعتبر أجيراً خاصاً، وفي الشريعة الإسلامية يملك المستأجر لهذا الأجير منافعه في زمن الإجارة أي في مدة الدوام الرسمي بالنسبة للموظف، أما خارج مدة الدوام الرسمي فليس له عليه سبيل، فله أن يعمل ما شاء خارج هذا الدوام، ولو وجد شرط مانع؛ لأنه شرط لا اعتبار به، وهو شرط فاسد لا يلزمه الوفاء به؛ لأنه ينافي مقتضى حرية الإنسان وملكه لمنافعه؛ لما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في قصة بريرة: «خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم موافقتها على الشرط ملزما لها بالوفاء، لأنه شرط باطل.
وهذا ما لم يؤد العمل الثاني إلى عجزه أو ضعفه عن أداء عمله الأول، فيلزمه حينئذ أن يختار أحد العملين حتى يؤدي المطلوب منه على وجهه الصحيح، وإلا كان خائناً للأمانة، غاشاً لجهة العمل.
-الأجير الخاص إذا سلم نفسه لصالح المستأجر خلال المدة استحق الراتب ولو لم يوكل إليه عمل.
-الموظف إذا أمضى عقد العمل ورضي بالشروط المبرمة بينه وبين جهة العمل فيجب عليه التزام بنود العقد وشروطه ولوكان يرى أنها مجحفة بحقه، لما رواه أبو داود: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ».
وعليه، فمخالفة الشروط غير جائزة والتعلل بهذه العلة على ذلك لا يستقيم في ميزان الشرع، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في أقسام الحيل: كمن يستعمل على عمل بجعل يفرض له، ويكون جعل مثله أكثر من ذلك الجعل فيغل بعض مال مستعمله بناء على أنه يأخذ تمام حقه، فإن هذا حرام سواء كان المستعمل السلطان أو الحاكم أو غيرهما، فإن كان المستعمل السلطان أو الحاكم أو غيرهما فإنه كاذب في كونه يستحق زيادة على ما شرط عليه
- على الموظفين أن يلتزموا بمواعيد الحضور والانصراف حسب نظام العمل، فإذا خالفوا ذلك وعمدوا إلى تسجيل أوقات حضورهم وانصرافهم على خلاف الواقع فقد خالفوا بنود عقد العمل, واستحقوا بذلك العقوبة المقررة في هذا الخصوص.
-المال الذي يعطى للموظف أو العامل زيادة على المبلغ المستحق لجهة العمل،فإذا كان عقد العمل يشترط عدم أخذ مثل هذه الأموال فلا يجوز لك ذلك، فالمسلمون عند شروطهم.
أما إذا لم يشترط عليك صاحب العمل أي شرط بالنسبة لهذه الأموال، أو كان العرف قد جرى بكونها لك، أو أعطاك إذناً صريحاً أو ضمنياً بتملكها، فلا مانع لك من أخذها.
- الأجير الخاص لا يضمن ما تلف تحت يده إلا في حالة التفريط أو التعدي، لأن ما تحت يده أمانة ولا ضمان على مؤتمن إلا بتعدٍ، ومعلوم أن السهو والخطأ الذي لا يخلو منه إنسان ليس تعدياً في الجملة، فإذا حدثت منه أخطاء ليست بسبب الإهمال أو التعدي، فليس عليه ضمان تلك الأخطاء.
- المال العام ليس أخف من المال الخاص في التحريم، بل هو أشد منه حرمة، لأن لكل فرد من أفراد المجتمع الحق فيه بخلاف المال الخاص.
-العمل في البنوك يختلف حكمه حسب نوع البنوك :
1- فأما البنوك الإسلامية فيجوز العمل فيها لعموم الناس حسب قرارات الهيئة الشرعية، ومن كان عنده علم شرعي يستطيع به أن يرجح المسائل الفقهية، فهذا لا يجوز له أن يعمل إلا فيما يترجح عنده صحته من ناحية الدليل.
2- وأما البنوك الربوية : فلا يجوز العمل فيها، والعمل فيها محرم لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، والراتب المستفاد منه محرم، وما يعطاه من مال بعد التقاعد محرم؛ لأنه أثر عقد محرم، أعني: عقد العمل في البنك وعقد التقاعد نفسه؛ ولذا فإن عليه إذا أخذ هذا المال ألا ينتفع به، بل يصرفه في مصالح المسلمين العامة، إلا إذا اضطر إلى أخذ شيء منه، فلا بأس أن يأخذ بقدر ما يدفع به ضرورته أو حاجته الشديدة.
3- وأما البنوك الآخذة في الأسلمة بجدية: فيجوز العمل فيها إن كانت تطبق قرارات الهيئة الشرعية بجدية ولا تغرر بالناس.
4- وأما البنوك الربوية التي تفتح نوافذ إسلامية فيحرم العمل في الجانب الربوي منها، أما الجانب المتعلق بالنوافذ الإسلامية فيعتمد على المصلحة الشرعية في ذلك، فمن نظر إلى أن ذلك إعانة لهم على التعاملات الإسلامية وإكسابا لهم بمهاراته وفنونه، أجاز ذلك،ومن العلماء من ينظر إلى أن العمل عندهم يكسبهم الشرعية عند الناس، ويزيل الحاجز النفسي بين الناس وبين هذه البنوك، بل ويلبس على الناس الموقف الشرعي الصحيح.