ج : هذا ليس فيه نص في بيان الحكمة فيما نعلم ، إلا أن بعض أهل العلم ذكر شيئا في هذا ، وهو أن الظهر والعصر تأتي في النهار في وقت العمل ، والناس مشغولون بأعمالهم ، فناسب أن تكون سرية حتى يقبل كل واحد على صلاته ، وحتى يشتغل بقراءته بينه وبين نفسه ، حتى لا ينشغل بشيء آخر ، بخلاف ما لو جهر الإمام فإنه قد ينصت له ، ولكن تذهب به الهواجس والأوهام إلى جهة أخرى ، فإذا أقبل على صلاته ، واشتغل بقراءته كان أقرب إلى جمع قلبه ، إلى الصلاة . أما في الليل في الغالب أن الشواغل تنتهي وتقل ، وهكذا الفجر بعد قيامه من النوم ، ولم يشرع في مشاغل الدنيا بعد ، فيكون قلبه فارغا وحاضرا ، يستمع قراءة الإمام ، ويستفيد من قراءة الإمام بإنصاته له ، فالليل محل قلة الشغل ، وتواطؤ القلب مع اللسان ، ليستفيد ويستمع قراءة الإمام ، ويتدبر ما يستمع ، فهذا أقرب إلى أن يسمع وإلى أن يستفيد ، وإلى أن يتدبر بخلاف النهار ، فإنه مشغول وعنده من مشاغل الدنيا ما يقلقه عن (الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 224) الاستماع والإنصات ؛ فشرع الله له أن يقرأ بنفسه ، وأن يستمع بنفسه ، حتى لا تذهب به الوساوس إلى أشياء أخرى ، هذا مما قيل في هذا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .