ج: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الفريضة وبعد السنة، إنه يذكر الله ويدعو ولكن من دون رفع يدين بعد الفرائض (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 156) الخمس، أما بعد النافلة فلا أعلم بعد التتبع الكثير ما أعلم أنه رفع يديه بعد النافلة عليه الصلاة والسلام، ولكن عموم الأحاديث الدالة على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة يقتضي أنه لا مانع من رفعها بعض الأحيان، لا يكون دائما، كما يرفعها إذا لمت به مصيبة، يرفع يديه ويدعو ولو من دون صلاة، فإذا صلى ورفع يديه يطلب المغفرة، ويطلب حاجته التي لمت به فلا بأس بذلك، أما اتخاذ هذا عادة كلما صلى رفع يديه فالأولى ترك ذلك، وقد ورد فيه حديث ضعيف لا يتعلق به، ولكن ينبغي أن يكون ذلك تارة وتارة ، وألا يستديم ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل هذا، ولو كان سنة لفعله صلى الله عليه وسلم، فلما لم يفعله دل ذلك على أنه ليس بسنة فلا يداوم عليه، وإذا فعله بعض الأحيان لحاجة لطلب ما ينفعه في الدنيا والآخرة، أو فعل رفع اليدين من دون صلاة عندما يدعو، هذا كله طيب، ورفع اليدين من أسباب الإجابة، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن الله تعالى (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 157) طيب لا يقبل إلا طيبا، ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأني يستجاب لذلك؟ فدل على أن رفع اليدين والإلحاح في الدعاء من أسباب الإجابة، لكن لما كان هذا الرجل قد تلبس بالحرام صار تعاطيه الحرام في شربه وأكله ولباسه من أسباب منع الإجابة، لا حول ولا قوة إلا بالله. والخلاصة أن رفع اليدين من أسباب الإجابة عند الدعاء في المواضع التي كان يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المواضع التي لم يثبت فيها رفع، ولم توجد أسبابها في عهده صلى الله عليه وسلم، فهذه يرفع فيها أيضا إذا أراد الدعاء، أما الأسباب التي في عهده ولم يرفع فيها مثل صلاة الفريضة لم يرفع فيها عليه الصلاة والسلام فإننا نترك كما ترك عليه الصلاة والسلام، مثل خطبة الجمعة لم يرفع، فنترك لا نرفع، مثل دعاء في آخر الصلاة قبل أن يسلم وبعد السلام ما رفع فلا نرفع في صلاة الفريضة، مثل الدعاء بين السجدتين ما رفع فلا نرفع، بل ندعو واليدان على الفخذين أو على الركبتين من غير رفع لأننا (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 158) نتأسى به ونقتدي به عليه الصلاة والسلام، فلو كان الرفع مشروعا في هذه الأمور لرفع عليه الصلاة والسلام، أما الدعوات التي رفع فيها مثل الدعاء في خطبة الاستسقاء نرفع؛ لأنه رفع صلى الله عليه وسلم، مثل الدعاء على الصفا والمروة في السعي، مثل الدعاء في عرفة في مزدلفة نرفع أيدينا؛ لأنه رفع عليه الصلاة والسلام في ذلك يده، كذلك الدعاء عند الجمرة الأولى والثانية في أيام التشريق فإنه لما دعا صلى الله عليه وسلم عند الأولى تقدم وجعلها عن يساره، ورفع يده ودعا عليه الصلاة والسلام، ولما رجم الثانية أخذ ذات الشمال وجعلها عن يمينه، ورفع يده واستقبل القبلة ودعا، هذا كله مشروع لأنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فأما الشيء الذي لم يثبت عنه أنه رفع أو ترك فنحن مخيرون إن رفعنا؛ فالرفع من أسباب الإجابة، وإن تركنا فلا بأس، أما الشيء الذي فعله ولم يرفع فيه مثل ما تقدم هذا لا نرفع فيه، مثل خطبة الجمعة، مثل الفرائض الخمس إذا سلمنا منها لا نرفع، أو في التحية لا نرفع، أو بين السجدتين لا نرفع؛ لأنه لم يرفع عليه الصلاة والسلام فيها، والخير فيما فعله عليه الصلاة والسلام. لكن إن فعله الإنسان بعد النافلة فلا ينكر عليه، أما بعد الفريضة فينكر عليه؛ لأنه فعل شيئا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 159) وأسباب النزول في عهده عليه الصلاة والسلام، فلم يفعله، فلو كان سنة لفعله صلى الله عليه وسلم، أما النوافل فأمرها أوسع لكن لا نرى المداومة؛ لأن الرسول ما داوم، ولو داوم لعرف ولنقله الصحابة وبينوه عليه الصلاة والسلام.