ج : هذا السؤال فيه إجمال ، فإن الاعتقاد في القبور أنواع : فإذا كان يعتقد فيها أنها تصلح أن تعبد من دون الله ، وأن يستغاث بأهلها ، وينذر لهم ويذبح لهم ويطاف بقبورهم هذا الشرك الأكبر ، فلا يصلى خلفه ؛ لأنه مشرك ، والصلاة لا تصح إلا خلف المسلم ، فإذا كان يعتقد أن أصحاب القبور يدعون من دون الله ويستغاث بهم وينذر لهم ويذبح لهم ونحو ذلك ، كما يفعل بعض الجهلة عند قبر البدوي ، أو الحسين ، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهم هذا من الشرك الأكبر . فالذين يعتقدون هذه الاعتقادات في أصحاب القبور ليسوا مسلمين ، بل هم كفار ، فعلهم فعل كفار قريش وأشباههم من جهلة مشركي العرب ؛ لأن العرب كانت تعبد أصحاب القبور كاللات والعزى ، ويعبدون الأصنام والأشجار والأحجار ، ويستغيثون بهم وينذرون لهم ويذبحون لهم ، فحكم الله عليهم بالشرك ، قال جل وعلا في كتابه العظيم : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ، ويقول (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 105) سبحانه جل وعلا : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ، فالذي يعبد الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو أصحاب القبور يعتبر مشركا في حكم الإسلام ، ولا يصلى خلفه ، أما إن كان يعتقد في أصحاب القبور أنه يستحب زيارتهم والدعاء لهم ، كما شرع الله ذلك هذا أمر مشروع ، أصحاب القبور من المسلمين يستحب أن تزار قبورهم ، وأن يدعى لهم بالرحمة والمغفرة ، هذا لا حرج فيه . وهناك نوع ثالث يعتقد في أصحاب القبور أنه يصلى عند قبورهم ، يقرأ عندها وأن هذا فيه بركة ، لكن لا يعبدون ولا يدعون ولا يصلى لهم ولا يطاف لهم ، لكن يرى أنه يصلى عند قبورهم للبركة ؛ لأنها بقعة مباركة ، أو يرى أنه يقرأ عندها أو يتحرى عندها الدعاء ؛ دعاء الله لا دعاءهم ، هذا من البدع ولا يكون مشركا بذلك ، لكن من البدع ، ينكر عليه ويبين له أن هذا غلط ، وأن الله ما شرع لنا أن نصلي عند القبور ، ولا أن نقرأ عندها ، ولا أن ندعو الله عندها ، يقول صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 106) فالمساجد هي التي يصلى فيها ويدعى فيها ويقرأ فيها ، أما القبور لا ، تزار للدعاء لهم ، تزار القبور إذا كانت قبور المسلمين ، يدعى لهم بالرحمة والمغفرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : زوروا القبور ، فإنها تذكركم الآخرة وكان يعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم ، يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية وفي حديث عائشة رضي الله عنها في مسلم كان يقول : يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم زار القبور ، قبور المدينة ، فقال : السلام عليكم يا (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 107) أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر هذه الزيارة الشرعية ، المسلم يزور قبور المسلمين في بلده من غير شد رحال ، ويسلم عليهم ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة والعافية ، هذه الزيارة فيها خير كثير ، تنفع الميت والحي ، الحي يتذكر الآخرة ويستعد للآخرة ، ويدعو لإخوانه الميتين ، والأموات ينتفعون بهذا الدعاء . أما إن كان الميت ليس بمسلم فإنما يزار للعبرة فقط ، ولا يدعى له ، كما زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه ، وسأل ربه أن يستغفر لها فلم يؤذن له ، فزارها للعبرة . فإذا زار قبور الكفار للعبرة والتذكر ، تذكر الآخرة فلا بأس ، لكن لا يدعو لهم ؛ لأن الكافر لا يستغفر له ولا يدعى له ، وهكذا من مات على حال الجاهلية على كفر الجاهلية ، كأم النبي صلى الله عليه وسلم ، ماتت على دين الجاهلية ، فنهي أن يستغفر لها عليه الصلاة والسلام . فالحاصل أن زيارة القبور على هذا التفصيل ، والاعتقاد في القبور على هذا التفصيل ؛ من يعتقد فيها أنها تدعى من دون الله ، وأنها يصلح أن تتخذ آلهة تعبد من دون الله ، وتدعى من دون الله ، ويستغاث بها ، ويطاف بها كما يطاف بالكعبة للتقرب إلى (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 108) أصحاب القبور ، يذبح لأهلها فهذا شرك أكبر ، وهذا عمل الجاهلية ، ودين الجاهلية من قريش وغيرهم ، فلا يصلى خلف صاحبه ، ولا تؤكل ذبيحته ؛ لأنه ليس بمسلم . النوع الثاني : أن يعتقد في أهل القبور أنهم يزارون ، وأنه يدعى لهم ويترحم عليهم من دون شد رحال ، هذه زيارة شرعية ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : زوروا القبور ؛ فإنها تذكركم الآخرة والأموات في حاجة إلى هذه الزيارة ، يدعى لهم ويستغفر لهم ، ويترحم عليهم ، هذا أمر مشروع فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به . النوع الثالث : أن يعتقد في القبور أن الصلاة عندها قربة ومفيدة ، أو القراءة عندها ، أو الدعاء عندها ، هذا لا أصل له ، هذا بدعة ، لا تزار لأجل أن يدعى عندها ، أو يصلى عندها ، أو يقرأ عندها لا ، هذا لا أصل له ، بل هذا يكون في المساجد وفي البيوت ، يصلي في المسجد ، يقرأ في المسجد أو في بيته ، يدعو في البيت أو في المسجد ، هذا ليس من شأن القبور ، القبور لا تزار لأجل هذا ، لا تزار لأجل أن يجلس عندها للدعاء أو الصلاة عندها أو القراءة عندها ، هذا ليس (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 109) بمشروع ، بل هو من البدع ، ومن وسائل الشرك ، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية .