مذهب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في مرور المرأة بين يدي المصلي

فتاوى نور على الدرب

904

س : سماحة الشيخ ، لعله من المناسب أن تتفضلوا بإيضاح ذلك الإشكال الذي أشكل على إحدى الصحابيات إن لم تكن من إحدى أمهات المؤمنين حين ما ألحقت المرأة بالكلب الأسود وبالحمار ، لعل لهذا المقام مناسبة في أن توضحوا هذا لو تكرمتم ؟

ج : نعم ، جاء عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين أنها لا ترى أن المرأة تقطع ، وخفي عليها الحديث ، وقالت : بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب ، كنت أضطجع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 325) يصلي فظنت رضي الله عنها أن اضطجاعها مثل المرور ، وليس الأمر كذلك عند أهل العلم ، قال العلماء : المرور شيء واضطجاعها أمامه صلى الله عليه وسلم شيء آخر ، فلو كانت المرأة مضطجعة على سريرها أو في الأرض وصلى إليها لا بأس ولا حرج فقد كان يصلي إليها وهي أمامه عليه الصلاة والسلام ، لا حرج في ذلك ولا تقطع صلاته ، إنما تقطع بالمرور من جانب إلى جانب ، إذا مرت من جانب إلى جانب أمامه بينه وبين السترة أو في أقل من الثلاثة أذرع هذا هو محل القطع ، أما الحكمة فالله أعلم ما هي الحكمة التي جعلت المرأة تلحق بالحمار والكلب الأسود ؟ فالله أعلم سبحانه وتعالى ، ويمكن أن يقال : إن الحكمة في ذلك أن المرأة تتعلق بها نفوس الرجال وميول الرجال وشهوات الرجال ، فربما يكون مرورها سببا لتلمس نفسية المصلي وتحرك قلبه في شيء مما يتعلق بالنساء ، فكان مرورها قاطعا للصلاة حتى يمنع مرورها منعا باتا حتى لا تتساهل في ذلك ، متى علم أن المرور يقطع صار ذلك من أسباب منع المرور ، وقطع هذه المادة ، يمكن أن يقال هذا ، والله أعلم ، فالحكمة قد تظهر وقد لا تظهر ، ولكن (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 326) المسلمين مأمورون بأن يتلقوا أحكام الله ويقبلوها ويعملوا بها وإن لم يعرفوا حكمتها مع الإيمان بأن ربنا سبحانه حكيم عليم كما قال عز وجل : إن الله كان عليما حكيما ، إن ربك حكيم عليم هكذا في آيات كثيرات يعلم عباده أنه حكيم فيما يشرع من مواريث ومن صلوات وغير ذلك ، كما أنه حكيم فيما يقدره على العباد من مرض أو موت أو غنى أو حرب أو سلم أو غير ذلك ، هو الحكيم العليم سبحانه في كل شيء وإن لم يطلعنا على الحكمة في بعض المسائل ، وإن لم نعرف الحكمة ولم تتضح لنا فعلينا أن نؤمن بأنه حكيم عليم وإن لم نعرف تلك الحكمة ، كما أنه سبحانه شرع الفجر ثنتين ، والمغرب ثلاثا ، والظهر والعصر والعشاء أربعا ، فما هي الحكمة ؟ الله أعلم ، لماذا جعل المغرب ثلاثا ؟ ولماذا جعل الفجر ثنتين ، والجمعة ثنتين ؟ ولماذا جعل الظهر والعصر والعشاء أربعا ؟ ولماذا جعل الصيام في رمضان لا في غيره كالمحرم وكرجب ؟ ولماذا جعله شهرا بدون زيادة ؟ وقد تظهر الحكمة بعدم الزيادة أنه تخفيف ورحمة من الله لكن كونه جعله في هذا (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 327) الوقت المعين بين شوال وبين شعبان الله الذي يعلم الحكمة سبحانه وتعالى ، كذلك كونه شرع الزكاة في مال دون مال لحكمة بالغة قد تظهر للعباد وقد لا تظهر للعباد ، إلى غير ذلك من المسائل التي قد تخفى فيها الحكمة على الناس ، لكن يجب الإيمان بأنه حكيم عليم ، وهكذا في المخلوقات قد يقول قائل : لماذا خلق الذباب ؟ لماذا خلق الخنفساء ؟ لماذا خلق العقرب ؟ لماذا خلق الحية ؟ لماذا خلق أشياء أخرى ؟ نقول : إن ربك حكيم عليم هو الخلاق العليم وهو الحكيم العليم لحكمة بالغة خلق هذه الأشياء سبحانه وتعالى ، ومن ذلك يعلم أنه على كل شيء قدير ، وأنه ما شاء فعل لا راد لقضائه ولا راد لأمره سبحانه وتعالى ، فهكذا يقال في بقية الأمور التي تخفى حكمتها ككون المرأة تقطع الصلاة . ليس هناك داع لمن يريدون إثارة الشبه ، نحن عبيد ، عبيد مأمورون ، علينا أن نمتثل أمر الله ، وأن نترك نهيه سبحانه وتعالى لأنه ربنا وإلهنا والمنعم علينا ، وخالقنا ورازقنا وهو أعلم بمصالحنا من أنفسنا ، فعلينا أن نسلم لأمره ولا نعترض ، أرأيت لو كان إنسان عند مالك له من أبناء الدنيا من الناس فقال لمالكه إذا أمره : أنا لا أمتثل حتى تبين لي مقصدك من هذا الأمر . قال له سيده : هات لنا البعير الفلاني ، هات لنا الإناء الفلاني ، هات لنا الشاة الفلانية ، هات لنا البساط الفلاني . (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 328) إذا قال المملوك : أنا لا آتي به حتى تعلمني ما هو القصد ، ما هي الحكمة . فهل يكون هذا العبد مرضيا عليه ؟ وهل يكون هذا العبد أديبا ؟ ليس بأديب ، ولا مرضي عليه ، بل ربما ضربه سيده وربما باعه بأرخص الأثمان ؛ لأنه ليس بأديب ، فالواجب أن يمتثل لما قاله سيده ، وأن يحضر ما طلب منه إلا إذا كان شيئا يضره أو فيه معصية الله ، هذا شيء آخر محل بحث لكن في الجملة الخادم والعبد يمتثل ما يستطيعه وما لا يعلم فيه معصية لله سبحانه وتعالى ، فلذلك إن العبد أو الخادم لو اعترض يكون سيئ الخلق وسيئ الأدب ، فكيف بالعبد مع ربه الخلاق العليم العالم بمصالح العباد ، كيف يعترض ؟ وكيف يقول ؟ يعني بلسان حاله : أنا ما أمتثل حتى أعرف ما هي حكمة الصوم ، وما هي حكمة الصلاة ، وما هي حكمة مروري أمام كذا ، وما هي حكمة طوافي ، وما هي حكمة شربي قائما أو قاعدا ، إلى غير هذا ، لا ، من الأدب ومن العبودية ومن القيام بالواجب أن يمتثل وألا يقف عند مراعاة الحكمة .






كلمات دليلية:




خير المعروف ما لم يتقدمه مطل ولم يعقبه من