بيان أسباب عدم نزول المطر

فتاوى نور على الدرب

1232

س : كثيرا ما أسمع أن عدم نزول القطر من السماء متعلق بالعبادة ، فإذا كان كذلك فهل الذي في الهند وغيرهم الذين يأتيهم المطر باستمرار يعبدون الله أكثر مما نحن نعبده ، أو أن المسألة دوران فلك ؟ أرجو توضيح ذلك لو تكرمتم ، والواقع يشغل هذا سماحة الشيخ أذهان كثير من الناس .

ج : على المؤمن وعلى كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم ، سواء كانوا كفارا أو مسلمين ، قال عز وجل : (الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 408) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وقال سبحانه : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقال سبحانه : وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم فهو سبحانه خلق الخلق من جن وإنس وكفار ومسلمين ، وتكفل بأرزاقهم ، فهو ينزل الأمطار ويجري الأنهار في البلاد الإسلامية وغيرها ، ويرزق هؤلاء وهؤلاء ، لكنه سبحانه يؤدب عباده المسلمين إذا فعلوا ما يخالف شرعه ، وعصوا أمره ، قد يؤدبهم ويعاقبهم لينتبهوا ، وليحذروا أسباب غضبه ، فيمنع القطر كما منع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أصلح الناس ، عهد النبي أصلح الناس ، وأصلح العهود ؛ فالنبي أصلح الناس وصحابته أصلح العباد ، ومع هذا ابتلوا بالقحط والجدب حتى طلب المسلمون من الرسول أن يستغيث ، وقالوا : يا رسول الله ، هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فادع الله أن يغيثنا . فاستغاث فرفع يديه وقال : اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا فأنزل الله المطر وهو على المنبر عليه الصلاة والسلام ، أنشأ الله السحاب سبحانه وهو على المنبر ، ثم اتسعت وأمطرت ، فخرج الناس تهمهم نفوسهم من شدة المطر ، فلم يزل المطر حتى جاءت الجمعة الأخرى ، (الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 409) فجاءوا إليه وقالوا : يا رسول الله ، هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فادع الله أن يمسكها عنا ، فضحك عليه الصلاة والسلام من ضعف بني آدم ، في الجمعة الأولى يطلبون الغيث ، وفي الجمعة الأخرى يطلبون الإمساك ، فرفع يديه ، وقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال أنس : فتمزق السحاب في الحال ، وصارت المدينة مثل الجوبة ، يمطر هاهنا وهاهنا ، المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم استغاث ، وأصيب الناس بالجدب في زمانه ، وأصاب أصحابه الجدب وهم خير الناس ؛ تأكيدا وتنبيها حتى ينتبه الناس وحتى يضرعوا إلى ربهم ، ويسألوه من فضله سبحانه وتعالى ؛ لأن تأديبهم فيه خير لهم ، يتنبهون ويعبدونه بالدعاء ويضرعون إليه ، ويعلمون أنه الرازق ، فهكذا البلاد الإسلامية ، وإن كانت بلادهم أصلح من بلاد الكفار ، وهم خير من الكفار ، وهم أعبد الناس لربهم سبحانه وتعالى ، لكن يبتليهم بالسراء والضراء ، بالسراء حتى يشكروا ، وبالضراء حتى ينتبهوا ويصبروا ، وحتى يجازيهم بالأجر العظيم على صبرهم ، وبالأجر العظيم على شكرهم ، فإذا لم ينتبهوا أصيبوا بالجدب والقحط ، أو بتسليط الأعداء أو بغير هذا حتى ينتبهوا وحتى يرجعوا إلى الله ، وحتى (الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 410) يتوبوا إليه ، كما قال سبحانه : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقال في قصة أحد لما أصابهم ما أصابهم من الهزيمة ، قال سبحانه : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها يعني يوم بدر : قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم فالمسلمون في بدر نصروا على الكفار ، وهزم الله الكفار وأسروا منهم سبعين وقتلوا سبعين من الكفار ، وصارت الدائرة على الكفار والنصر للمسلمين ، وفي يوم أحد جرى على المسلمين مصائب بأسباب أنفسهم ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الرماة أن يلزموا الثغر الذي خلف المسلمين ، وكانوا خمسين ، أمر عليهم عبد الله بن جبير ، وقال لهم : لا تبرحوا مكانكم ولو رأيتمونا تخطفنا الطير سواء نصرنا أو لم ننتصر ، لا تبرحوا مكانكم . فلما نصر الله المسلمين وهزم الكفار ظن الرماة أنها الفيصلة ، وأن الأمر انتهى ، وأنه ما بقي إلا جمع الغنائم ، فانصرفوا من مكانهم ، فأمرهم أميرهم أن يبقوا ، وذكرهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فامتنعوا عليه وقالوا : إن الأمر انتهى ، والكفار انهزموا . فلما فعلوا ذلك جاءت خيل الكفار من خلف المسلمين ودخلوا مع هذا الثغر الذي أهملوه وصارت المصيبة على المسلمين بأسبابهم ، فالمقصود أن المسلمين قد (الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 411) يبتلون بأمور فيها تذكير لهم ، وفيها مصالح لهم ، وربك أحكم وأعلم - سبحانه وتعالى - لينتبهوا وليعلموا أن النصر بيد الله ، وأن كونهم عبدوا الله وكونهم فيهم رسول الله لا يكفي ، بل لا بد من العمل بطاعة الله ، لا بد من القيام بأمر الله ، لا بد من الصبر على جهاد أعداء الله ؛ ولهذا نبههم بقوله سبحانه وتعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم فإذا كان الرسول وأصحابه تصيبهم عقوبات الذنوب ، ويبتلون كما يبتلى غيرهم ، فكيف بغيرهم ؟ أما أولئك الكفرة فقد فرغ منهم ، قد أطاعوا الشيطان ، وتابعوا الشيطان في الهند وفي غير الهند ، وفي أمريكا وفي إنجلترا وفي كل مكان ، فإذا أجرى الله عليهم النعم ، وأدر عليهم الأرزاق وجاءتهم الأمطار فهو استدراج لهم ، والعاقبة وخيمة كما قال عز وجل : فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فقد تنزل بهم عقوبات كما نزلت بهم الحرب العظمى الأولى والثانية ، نزلت فيهم عقوبات بأسباب الكفر والذنوب ، فالله سبحانه وتعالى يملي ولكن لا يغفل سبحانه وتعالى : وما الله بغافل عما تعملون ويقول سبحانه : (الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 412) وأملي لهم إن كيدي متين فقد يملي للكفرة ، ويتابع عليهم النعم من الأمطار ، وجري الأنهار ، وأصول الثمار ، ثم يأخذهم إذا شاء أخذ عزيز مقتدر سبحانه وتعالى ، ثم هم بعد ذلك مستدرجون ، فكلما زادت النعم واستمر الأمن وهم في معاصي الله صار عذاب يوم القيامة أكبر ، وصار أشد عليهم يوم القيامة مما لو أخذوا في الدنيا ببعض الشيء ، فينبغي للعاقل أن لا يغتر بهذه الأمور ، وينبغي للمسلم أن ينتبه لهذه الأمور ، وأن المسلمين قد يبتلون ، ثم تكون لهم العاقبة الحميدة ، ثم بلواهم تنفعهم إن بلوا بالسراء فشكروا نفعهم ذلك ، وإن بلوا بالضراء واستكانوا لله وصبروا وسألوه واستغاثوا به وتابوا إليه نفعهم ذلك ، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية .






كلمات دليلية:




ياسر الدوسري