ج : الوتر مشروع ، ويشرع فيه القنوت ، ومحله ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر - يعني جميع الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر - هذا محل الوتر ، فإذا صلى واحدة ورفع من الركوع شرع له أن (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 225) يدعو بقنوت : اللهم اهدنا فيمن هديت ... إلخ . وإن صلى ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك فإنه يصلي الركعة الأخيرة وحدها ويسلم في كل ثنتين ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي طلوع الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ، فيصلي ركعتين ركعتين ويسلم ، ثم إذا أراد النهاية صلى واحدة قبل الصبح يقرأ فيها الفاتحة : الحمد لله رب العالمين ويقرأ معها : قل هو الله أحد هذا هو الأفضل ، وإن قرأ بعد الفاتحة غير : قل هو الله أحد فلا بأس ، لكن الأفضل : قل هو الله أحد ثم يركع ، ثم يرفع بعد ذلك فيقول : سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا ، ربنا ولك الحمد ، ثم يقنت : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني ... إلخ . وإن كان إمام جماعة قال : اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا ... إلخ . أما الفجر فلا يشرع فيها القنوت إلا لعلة ، لنازل من النوازل في الفجر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت فيها وفي غيرها من الفرائض (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 226) في النوازل إذا وقع عدوان من بعض الناس على المسلمين ، أو حصروا بلاد المسلمين ، كان النبي يقنت في الفرائض يدعو عليهم ، والغالب أنه يقنت في الفجر في الركعة الأخيرة بعدما يرفع رأسه من الركوع ، يقنت ويدعو على العدو ، وقد فعل هذا كثيرا عليه الصلاة والسلام ، وربما استمر شهرا ، وربما استمر أربعين يوما ، وربما كان ذلك أقل ، ثم يمسك ولا يستمر ، فإذا دعا الإنسان أو المسلمون في صلاة الفجر أو غيرها في الركعة الأخيرة بعد الركوع ، إذا دعوا للمسلمين مثل المجاهدين دعوا لهم بالنصر وعلى عدوهم بالهزيمة فلا بأس ، لكن لا يستمر تارة وتارة حتى يحصل النصر ، أما ما يفعله بعض الناس من الاستمرار في القنوت في الفجر دائما دائما ولو من دون نزول نازلة فهذا مكروه ولا ينبغي ، بل هو بدعة على الصحيح من أقوال العلماء ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله بصفة مستمرة ، وإنما كان يفعله للأسباب التي ذكرنا ، وهي وجود نازلة تنزل بالمسلمين تضرهم ، ويدل على هذا المعنى ما ثبت في الحديث الصحيح في رواية سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي رحمه الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال لأبيه طارق : يا أبت ، صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي رضي الله عنه . قال : أكانوا يقنتون (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 227) الفجر ؟ فقال له أبوه : أي بني ، محدث أي بني : يعني يا بني ، محدث : يعني القنوت محدث في الفجر ، يعني من غير النوازل ، قد رواه أحمد رحمه الله في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم بإسناد صحيح عن سعد بن طارق الأشجعي . فهذا الحديث الصحيح حجة ظاهرة على عدم شرعية القنوت في الفجر بصفة مستمرة ، وإنما يشرع في الفجر وغيرها إذا وجد أمر نازل بالمسلمين فلا بأس أن يدعى ، بل يشرع أن يدعى بين وقت وآخر ، هذا هو المشروع ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب في صلاة الفجر مطلقا ، وهو قول له شبهة في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل فظنوا أنه يستحب دائما ، وتعلقوا بأحاديث ضعيفة جاءت فيه ، أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ، ولكنها أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فظنها من ظن أنها صحيحة فعمل بها فينبغي ترك ذلك ؛ لأن حديث سعد بن طارق عن أبيه صحيح صريح في ذلك ، فينبغي للأمة في مثل هذا ألا يفعلوه إلا بصفة خاصة في النوازل .