ج : لا ريب أن ما فعله الإمام قد قال به بعض أهل العلم ، ويسمى القنوت ، وهو الدعاء الذي يؤتى به بعد الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر ، فذهب إليه بعض أهل العلم كالشافعية رحمة الله عليهم ، وهو قول معروف في الإسلام يحتجون ببعض الأحاديث الواردة في ذلك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ما زال يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ولكن الصواب في هذا أنه لا يشرع إلا للنوازل ، إذا نزل بالمسلمين نازلة من عدو نزل بهم ، فإنه لا بأس أن يقنتوا ، بل يشرع لهم القنوت مدة معينة ، ثم يتركون القنوت ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 270) يقنت في النوازل وقتا معينا ، ثم يترك ذلك عليه الصلاة والسلام ، قال أنس رضي الله عنه : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو على قوم ، "وقنت شهرا يدعو على أحياء من بني سليم أما الحديث أنه كان يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا فهو ضعيف كما بين أهل العلم ، وقد ثبت في حديث آخر من حديث سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي أنه قال لأبيه : يا أبت ، إنك صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي : أفكانوا يقنتون في الفجر ؟ فقال له أبوه : أي بني ، محدث فبين طارق - رضي الله عنه - وهو صحابي جليل ، أن قنوت الفجر محدث ، وأنه لا ينبغي فعله ، وهذا هو الأرجح ، أرجح القولين ، فينبغي للمؤمن أن يتحرى في صلواته وسائر أعماله ما يوافق السنة والكتاب العزيز وأقوال أهل العلم المعتبرين ، وهذا القول هو الأرجح ، بأنه لا ينبغي القنوت إلا إذا دعا (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 271) لقوم أو على قوم في النوازل ، مثل إذا قنت يدعو للمجاهدين وعلى أعدائهم بعض الوقت ثم يترك ، أما أن يستمر بالقنوت بعد الركوع في الركعة الثانية من الفجر دائما ، فهذا الصواب أنه غير مشروع ، وإن قال به من قال به من الشافعية وغيرهم ، فالصواب أنه غير مشروع ، وقد قال الله عز وجل : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا وإذا رددنا هذا الأمر إلى السنة وجدنا فيها الدلالة على أن هذا غير مشروع ، فينبغي للإمام ترك ذلك وعدم فعله عملا بالسنة الصحيحة ، واتباعا لبقية أهل العلم في هذا الباب ، ولا سيما في هذه البلاد ، فإن هذه البلاد أئمتها لا يقنتون في الفجر أخذا بالسنة الصحيحة التي بينا لك أيها السائل ، وأما قول الإمام إن في الإسلام ألفا وستمائة مذهب هذا الكلام فيه مجازفة وكلام لا ينبغي ، فإنه ليس كل مذهب يوجد يعتبر في الإسلام ، هناك مذاهب باطلة ، وهذه مبالغة قبيحة لا ينبغي للإمام أن يقول مثل هذا ، فليس كل مذهب يدعي صاحبه أنه مذهب إسلامي يقبل ، فالمذاهب التي لا توافق الكتاب والسنة لا تعتبر ، والمذاهب المشهورة أربعة : الشافعية ، والحنفية ، (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 272) والمالكية ، والحنبلية ، وهم أئمة وعلماء كبار ، اشتهرت مذاهبهم وانتسب إليهم علماء ، فاشتهروا بذلك ، ويلحق بهم أيضا مذهب الظاهرية معروف ، هذه مذاهب معروفة ، وما اختلفوا فيه من المسائل يعرض على الكتاب والسنة ، كل واحد قد يخطئ وقد يغلط في بعض المسائل ، فما اختلفوا فيه - رحمة الله عليهم - يعرض على الكتاب والسنة ، فما وافق القرآن أو السنة الصحيحة وجب الأخذ به ، وترك ما خالفه ، سواء كان وافق مذهب مالك أو مذهب أبي حنيفة أو الشافعي أو أحمد أو الظاهرية ، هذا هو الصواب ، أما المذاهب الأخرى التي يشير إليها هذا الإمام ، فهذه لا يعول عليها ، ولا يلتفت إليها بل ينبغي للمؤمن ألا يلتفت إلى غير هذه المذاهب ، وهذه المذاهب هي المذاهب المعروفة عند أهل السنة ، والمعروفة بالاستقامة وتحري الحق ، وعدم الزيغ والبدعة ، أما المذاهب الأخرى فإن عند أهلها من البدع وعندهم من الانحراف ما يوجب الوقوف عن الأخذ بمذاهبهم ، وعدم النظر فيها خوفا من شرها وبدعتها ، ولكن هذه المذاهب الخمسة المعروفة الظاهرية والمذاهب الأربعة تعتني بالسنة والكتاب ، وتعتني بأقوال الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ، وليس عندهم البدع التي عند غيرهم ، فلهذا اقتنع بها أهل العلم ، ورأوها مذاهب إسلامية معتبرة ، ولكن ما اختلفوا فيه من (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 273) ذلك يرجع فيه إلى الكتاب والسنة ، ويعرض على كلام الله سبحانه وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فما وافقهما أو أحدهما وجب الأخذ به وترك ما خالفه ، وإذا عرضنا القنوت في الفجر دائما على الكتاب والسنة لم نجد فيهما ما يدل على شرعيته ، بل يدل فيها ما جاء في حديث طارق بن أشيم - رضي الله عنه - على أنه لا يشرع هذا القنوت بصفة دائمة ، وإنما يشرع عند النوازل في الدعاء على أعداء الله وفي الدعاء للمجاهدين في سبيل الله بالنصر في وقت معين وقت الحاجة ، ثم يوقف ويمسك ولا يستمر ، رزق الله التوفيق والهداية .