ج : لا ريب أن صلاة التراويح قربة وعبادة عظيمة مشروعة ، النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها عدة ليال بالمسلمين ، وقام بهم في تلك الليالي ، ثم خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك وأرشدهم إلى الصلاة في البيوت ، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام وأفضت الخلافة إلى عمر بعد الصديق ورأى الناس في المسجد يصلونها أوزاعا ؛ هذا يصلي لنفسه ، وهذا يصلي لرجلين ، وهذا يصلي لأكثر ، قال : لو جمعناهم على إمام فجمعهم على إمام فصاروا يصلون جميعا ، واحتج على ذلك بقوله (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 429) صلى الله عليه وسلم : من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه واحتج أيضا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليالي ، وقال : إنه انتهى الوحي وانقطع الخوف بعد موته صلى الله عليه وسلم ، لا يخاف من الفريضة . فصلاها المسلمون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليالي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم صلوها في عهد عمر ، واستمروا بذلك جماعة ، والأحاديث ترشد إلى ذلك ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم : من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 430) صحيح ، فدل ذلك على شرعية القيام جماعة في رمضان وأنها سنته - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه بعده ، عمر الفاروق ومن بعده ، وفي ذلك أيضا مصالح كثيرة ؛ من جمع المسلمين واستماعهم لكتاب الله ، وما قد يقع من المواعظ والتذكير والاتصال من بعضهم لبعض ، واجتماع بعضهم ببعض في هذه الليالي العظيمة ، فكل هذا يسبب خيرا كثيرا ، وكذلك دراسة القرآن في الليل والنهار من أفضل القربات ، فقد كان السلف إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن وتركوا الحديث والتفقه وحلقات العلم ، هذا هو الغالب على السلف ، فينبغي لأهل الإيمان من الذكور والإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعقلا ومراجعة لكتب التفسير وغير هذا من وجوه التعلق بالقرآن والعناية بالقرآن ، وإذا سمعوا درسا في المسجد أو راجع بعض المسائل العلمية لا منافاة ولا حرج في ذلك ، لكن ينبغي أن تكون العناية بالقرآن في رمضان أكثر كما فعله السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم ، وهكذا الإكثار من القراءة حتى يختم مرات كثيرة ، كان بعض السلف يختم في كل يوم ، وبعضهم في ثلاث ، لكن الأفضل ألا (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 431) يكون أقل من ثلاث ، هذا هو الذي أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله عبد الله بن عمرو ، وأرشده أن يختم في سبع ، ثم طلب الزيادة فقال إلى ثلاث فالأفضل أن تكون الختمة في ثلاث فأكثر حتى يطمئن وحتى يقرأ بترتيل وعناية وتدبر ، وبعض السلف رأى أن هذا يجوز له ، لكن في أيام رمضان ولياليه لا مانع من الختم في أقل من ذلك ، ولكن التقيد بالحديث والأخذ بالحديث أولى ولو في رمضان ، إذا ختم عشر مرات في رمضان أو تسع مرات أو ثمانيا هذا خير كثير ، مع الهدوء والطمأنينة والترتيل والعناية ، والإنسان له حاجات أخرى ، ثم إن الإكثار من الختمات قد يفضي إلى الهذرمة والسرعة والعجلة والمباهاة في الختمات ، فيخشى على الناس من هذا الشيء ، فالركود والهدوء حتى لا يقع شيء من الخلل في القراءة وحتى لا يقع شيء من المماراة لقصد الرياء والسمعة ، فينبغي أن يكون الختم لثلاث فأكثر ، حتى يقرأ قراءة واضحة متدبرة ، ويعتني بمعانيها ويراجع ما أشكل عليه ، هذا هو الأولى والأفضل حتى ولو في رمضان .ج : هذا لأجل سماع الناس جميع القرآن ، إذا تيسر أن يسمع جميع القرآن ، حيث يكون كل ليلة فيها جزء أو أقل من جزء ، لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله ، هذا يكون أفضل إذا تيسر من دون مشقة ، وهكذا دعاء الختم يدعو بهم حتى يؤمنوا ، كان السلف يفعلون ذلك ، فإذا فعل ذلك فلا حرج ، وقد عقد العلامة ابن القيم - رحمه الله - بابا في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ، وذكر في ذلك حال السلف في العناية بختم القرآن ، وفق الله الجميع .