حكم التهاون في أداء صلاة الجماعة

فتاوى نور على الدرب

621

س : هل صحيح أن عدم ذهاب الرجل للصلاة مع الجماعة سبب في نزع البركة من حاله وماله ؟ وما الدليل على ذلك

ج : لا ريب أن الصلاة هي عمود الإسلام ، وهي أعظم الواجبات (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 122) والفرائض بعد الشهادتين ، وقد دل على ذلك آيات كثيرة وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فمن ذلك قوله عز وجل : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، وقوله سبحانه : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ، وقوله سبحانه : اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ، وقوله سبحانه : قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون إلى أن قال : والذين هم على صلواتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون (10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ، وقال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ، فجعلها قرينة التوحيد قال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 123) هذا هو التوحيد ، هذا هو معنى : (لا إله إلا الله) ، ثم قال بعده ويقيموا الصلاة وقال سبحانه : فإن تابوا يعني : من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، فدل على عظمتها وأنها قرينة التوحيد ، قال سبحانه فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ومن أهم واجباتها وأعظم واجباتها أداؤها في الجماعة في حق الرجل ، حتى أوجبها الرب سبحانه في حال الخوف ، قال جل وعلا (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 124) وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم الآية . فأوجب صلاة الجماعة في حال الخوف وفي حال مصافة المسلمين لعدوهم الكافر ، فأمرهم أن يصلوا جماعة ، وأن يحملوا السلاح لئلا يحمل عليهم العدو ، وقال عليه الصلاة والسلام : من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر وأتاه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى ، فقال : يا رسول الله ، إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد ، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي ؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام : " هل تسمع النداء بالصلاة " ؟ قال : نعم ، قال : " فأجب خرجه مسلم في صحيحه . فهذا رجل أعمى لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجماعة ، وفي اللفظ الآخر : قال : لا أجد لك رخصة فصرح أنه ليس له رخصة وهو أعمى ، (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 125) ليس له قائد يلائمه ، يعني : يحافظ على الذهاب معه . فإذا كان الرجل الأعمى الذي ليس له قائد يعتني به ويحافظ عليه ليس له رخصة ، بل عليه أن يذهب ويتحرى ويجتهد حتى يصل المسجد فكيف بحال القوي المعافى ؟ فالأمر في حقه أعظم وأكبر ، ثم التخلف عن صلاة الجماعة من أعظم الوسائل في التهاون بها ، وتركها بعد ذلك؛ فإنه اليوم يتخلف وغدا يترك ، ويضيع الوقت؛ لأن قلة اهتمامه بها جعلته يتخلف عن أدائها في الجماعة ، وفي المساجد التي هي بيوت الله ، التي قال عنها سبحانه : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ، وهي المساجد ، وهذا أمر مجرب ، فإن الذين يتخلفون عن الجماعة يسهل عليهم ترك الصلاة بأدنى عذر وبأقل سبب ، ثم بعد ذلك يتركونها بالكلية؛ لقلة وقعها في صدورهم ، ولقلة عظمتها في قلوبهم ، فيتركونها بعد ذلك ، فترك الصلاة في الجماعة وسيلة قريبة وذريعة معلومة إلى تركها بالكلية ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر خرجه الإمام أحمد في المسند ، وأبو داود والترمذي والنسائي (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 126) وابن ماجه بإسناد صحيح ، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه ، وخرج مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة وهذا يدل على أنه كفر أكبر ، هذا الكفر والشرك ، فأتى بالكفر المعرف والشرك المعرف ، وهذا الذي عليه أن المراد به كفر أكبر ، ويمكن أن بعض أهل العلم رأى أنه كفر دون كفر إذا كان غير جاحد لوجوبها ، بل يعلم أنها واجبة ولكن تساهل ، وقد ذهب جمع كبير من أهل العلم وحكى بعضهم قول الأكثرين : إنه كفر دون كفر ، وإنه لا يكفر كفرا أكبر . لكن الصحيح الذي قامت عليه الأدلة أنه كفر أكبر ، وهو ظاهر إجماع الصحابة قبل من خالفهم بعد ذلك ، وقد حكى عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل الثقة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة فعندهم الصلاة تركها كفر ، ومرادهم كفر أكبر؛ لأن هناك أشياء عملها كفر ، لكن ليس هو كفرا أكبر ، مثل الطعن في الأنساب والنياحة على الأموات ، سماها النبي كفرا ، والصحابة يسمونها كفرا ، لكنها كفرا أصغر ، فلما أخبر عنهم أنه لا يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 127) علم أنهم أرادوا بذلك الكفر الأكبر ، كما جاء به الحديث . وأما كون هذه المعصية تسبب محق البركة ، وتسبب أيضا شرا كثيرا عليه في بدنه وفي تصرفاته هذا لا يستغرب ، فإن المعاصي لها شؤم كثير ، ولها عواقب وخيمة في نفس الإنسان ، وفي قلبه ، وفي تصرفاته ، وفي رزقه ، فلا يستغرب هذا ، فقد دلت الأدلة على أن المعاصي لها عواقب وخيمة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : إن العبد ليحرم الرزق بذنب يصيبه ومعلوم أن المعاصي تسبب الجدب في الأرض ، ومنع المطر ، وحصول الشدة ، وهذا كله من أسبابه المعاصي كما قال عز وجل وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ، وقال سبحانه ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، هذا أمر معلوم بالنصوص وبالواقع ، فجدير بالمؤمن أن يحذر مغبة المعاصي وشرها ، وأن يتباعد عنها ، وأن يحرص على أداء ما أوجب الله عليه ، وعلى المسارعة إلى (الجزء رقم : 11، الصفحة رقم: 128) الطاعات ، فهي خير في الدنيا والآخرة ، والمعاصي شر في الدنيا والآخرة ، رزق الله الجميع العافية والسلامة .






كلمات دليلية:




ولست بمستبق أخا لا تلُمُهُ على شعث أي الرجال المهذب!