حكم الحزن الشديد على الميت

فتاوى نور على الدرب

443

س : تقول السائلة : توفيت أمي - رحمها الله - منذ أربع سنوات ، وأنا منذ ذلك الحين أبكيها دائما ، وأحن إليها ، ولم أستطع نسيانها ، وحاولت كثيرا أن أخفف من هذا الحزن دون جدوى ، قرأت القرآن ، ودعوت الله لها ولوالدي بالرحمة والمغفرة ، وأتصدق على أن يكون ثواب الصدقة لها ، وكنت في البداية من شدة الحزن عليها أدعو الله أن يلحقني بها وأتمنى لألحق بها ، ولكن عمي نهاني عن ذلك ، وقال لي : هذا حرام ولا يجوز . فكففت عن ذلك ، وندمت وتبت إلى الله ، ولم أعد إلى ذلك أبدا ، ومع ذلك لا زلت حزينة ولم أستطع النسيان ، فما توجيهكم لي جزاكم الله خيرا ؟

ج : الحمد لله الذي من عليك بالتوبة ، فإن النياحة على الميت منكر من المنكرات لا تجوز ، ومعصية ، أما الحزن بدمع العين لا يضر ، من دون صوت هذا لا يضر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم : العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون وقد بكى صلى الله عليه وسلم على بناته لما متن ، عليه الصلاة والسلام ، ولما عرضت عليه إحدى بناته طفلا (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 417) لها في النزع ، ورأى نفسه تقعقع للخروج دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام ، فسئل عن هذا فقال : إنها رحمة ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء فحزنك عليها وبكاؤك عليها الذي ليس معه صوت لا يضر ، أما النياحة ورفع الصوت هذا لا يجوز ، أو شق الثوب ، أو لطم الخد ، أو نتف الشعر ، كل هذا لا يجوز ، يقول صلى الله عليه وسلم : ليس منا من ضرب الخدود ، أو شق الجيوب ، أو دعا بدعوى الجاهلية ويقول عليه الصلاة والسلام : أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة والصالقة : هي التي ترفع صوتها عند المصيبة ، والحالقة : هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والشاقة : هي التي تشق ثوبها عند المصيبة . كل هذا لا يجوز ، أما الدعاء لها والصدقة عنها فهذا شيء مطلوب ، ومشروع ، ولك فيه أجر ، أنت مأجورة على ذلك الدعاء للوالدة ، والترحم عليها ، هذا أمر مشروع إذا كانت ماتت على إسلام ، يدعى لها بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار ، ورفع الدرجات وتكفير السيئات ، ويتصدق عنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له وفي (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 418) الحديث الصحيح أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت ولم توص ، أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : " نعم يعني لها أجر الصدقة من ولدها ، أو من غير ولدها ، كله طيب ، تتصدق عن الوالد ، عن الوالدة ، عن الأخ ، عن الأقرباء ، عن غيرهم من المسلمين ينفعهم ، ينفع الأموات ، وهكذا الدعاء لهم ، والحج عنهم والعمرة ، كل هذا ينفع الميت ، وقضاء دينه ينفع ، أما تمني الموت واللحاق بالموتى أو الدعاء به فهذا لا يجوز سواء كان الميت أبا أو أما أو أخا أو غيرهم ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يتمنى أحدكم الموت ، ولا يدع به من قبل أن يأتيه ، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا هكذا رواه مسلم في الصحيح . وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا محالة فليقل : اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي هذا الدعاء طيب ، وفي حديث عمار بن ياسر رضي الله (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 419) عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي هذا الدعاء طيب ، لكن قول : اللهم أمتني ، أو : اللهم ألحقني بفلان - يعني أمتني - هذا لا يجوز ، لا مع الوالدة ولا مع غيرها ، فعليك التوبة من ذلك ، والحمد لله قد تبت ، نسأل الله أن يتقبل منك ، أما إذا قال الإنسان : اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي فهذا لا بأس به ، أو قال : كما في حديث عمار : اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي كل هذا طيب ، فعله النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه أوكل الأمر إلى الله ، ولم يتمن الموت ، ولم يدع به ، إنما أوكل الأمر إلى الله ، وهو أعلم بأحوال عباده وما يصلحهم سبحانه وتعالى .






كلمات دليلية:




إبراهيم الأخضر