ج : الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فالتلقين للميت بعد الدفن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ، وإنما ورد فيه حديث موضوع رواه الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي ، وهو ليس بثابت وليس بصحيح ، بل هو موضوع ، ويروى عن جماعة من أهل الشام غير ذلك ، والصواب أنه بدعة لا يشرع ، والميت على ما مات عليه ، وإنما التلقين قبل خروج الروح ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله وللمحتضر أن يقلن قبل أن يموت هذه الكلمة العظيمة ، وهي : لا إله إلا الله ، وأنه صلى الله عليه وسلم قال : من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله دخل الجنة فإذا قالها عن صدق وعن (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 143) إخلاص وإيمان بما دلت عليه من توحيد الله ، والإخلاص له والبراءة من الشرك وأهله ، فإن الله جل وعلا يجعل أولئك من أسباب نجاته وسعادته إذا لم يكن مصرا على شيء من الكبائر ، وإلا فهو تحت مشيئة الله ، فمن مات على المعاصي فهو تحت مشيئة الله ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها ، ثم بعد تطهير النار يخرجه الله من النار إلى الجنة ، إذا كان مات على التوحيد ، عند أهل السنة والجماعة ، هذا هو الحق ، خلافا للمعتزلة ومن سار على نهجهم ، وخلافا للخوارج فإنهم يقولون : إن العاصي مخلد في النار ، والخوارج تكفره بذلك ، والذي عليه أهل السنة والجماعة ، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان . يرون : أن من مات على التوحيد وعنده معاص لا يدخل النار ، ولا يخلد في النار إن دخل النار ، بل هو تحت مشيئة الله ، إن شاء الله جل وعلا غفر له وعفا عنه بتوحيده وإيمانه وأعماله الصالحة ، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها من الكبائر ، كالزنى أو السرقة أو عقوق الوالدين أو قطيعة الرحم أو أكل الربا ، أو نحو ذلك من الكبائر ، لقول الله عز وجل في كتابه العظيم في آيتين من سورة النساء ، يقول سبحانه : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فأخبر سبحانه أنه لا يغفر لمن مات على الشرك ، وأنه يغفر (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 144) ما دون ذلك من غير الشرك لمن يشاء ، فدل ذلك على أنه ليس بكافر ، فالعاصي الذي مات على شيء من الكبائر ليس بكافر إذا مات موحدا مؤمنا فإذا مات على ما كان من الزنى ، أو عقوق الوالدين أو أحدهما ، أو أكل الربا ، ولم يكف ولم يستحل ذلك فهو تحت مشيئة الله ، وهكذا صاحب الغيبة والنميمة ، وما أشبه ذلك من المعاصي فهو تحت مشيئة الله عند أهل الحق ، عند أهل السنة والجماعة ، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم في الآية الكريمة ، ولأنه ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشفع يوم القيامة فيمن دخل النار من أهل التوحيد ، فيحد الله له حدا يخرجه من النار ، ثم يشفع ثم يشفع ثم يشفع ، كلما شفع حد الله له حدا فأخرجه من النار ، وهكذا يشفع النبيون والملائكة والمؤمنون والأفراط ، ويبقى بقية من أهل التوحيد في النار ، يخرجهم الله سبحانه من النار بفضله ورحمته جل وعلا بعدما يرى تعذيبهم فيها المدة التي يراها الله سبحانه وتعالى ، هذا هو الحق الذي لا ريب فيه ، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم . أما التلقين بعد الدفن فهو بدعة ، كأن يقف عند القبر ويقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، فهذا لا أصل له في الشرع ، وإنما هو قول لبعض العلماء ، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم .