ج : لقد اطلعت على ما ذكره السائل ، وما نقله عن كتاب الروح ، قد اطلعت عليه في كتاب الروح ، ولكن ينبغي أن يعلم السائل أن الأدلة الشرعية منحصرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي إجماع أهل العلم ، أما ما يتعلق بأقوال أفراد الصحابة فهي تعرض على (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 205) الكتاب والسنة والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع ، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا عن خلفائه الراشدين أنهم كانوا يقرؤون عند القبور ، ولا يصلون عند القبور ، أما ما فعله ابن عمر فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه ، وهكذا من فعله بعده من بعض السلف من باب الاجتهاد والاجتهاد يخطئ ويصيب ، والواجب هو عرض ما تنازع فيه الناس على كتاب الله وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وعلى ما أجمع عليه أهل العلم ، ومعلوم أن القراءة محلها البيوت والمساجد ، وليس محلها المقابر ، المقابر إنما تزار ويدعى لأهلها ، وهكذا الصلاة ليس محلها المقابر ، وإنما محلها المساجد والبيوت ، فكما أنه لا يصلى عند القبور كذلك لا تتخذ محلا للقراءة ، لا عند الدفن ، ولا بعد الدفن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقوله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا فدل ذلك على أن القبور ليست محلا للصلاة ، فقال : لا تتخذوها قبورا يعني بترك الصلاة فيها ، بل صلوا في بيوتكم ، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها وكلها أحاديث (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 206) صحيحة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر : لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة المقصود أن المساجد والبيوت هي محل الصلاة ، وهي محل القراءة ، وليست المقابر محل صلاة ولا محل قراءة ، وإنما تزار للدعاء لأهلها ، ولتذكر الآخرة والزهد في الدنيا ، وتذكر الموت ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا زار القبور أن يقولوا : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية ولم يعلمهم أن يقرؤوا عندها القرآن وقالت عائشة رضي الله عنها : كان عليه الصلاة والسلام إذا زار القبور يقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد فلم يكن عليه الصلاة والسلام يقرأ عند القبور ، ولم يكن يصلي عند القبور عليه الصلاة والسلام ، والخير كله في اتباعه والسير على مناهجه عليه الصلاة والسلام ، (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 207) ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولم يكن خلفاؤه الراشدون يفعلون ذلك ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ وابن عمر له اجتهادات خالف فيها السنة فمن ذلك أنه كان يغسل داخل عينيه ، وهذا خلاف السنة ، وهذا من اجتهاده رضي الله عنه ، ومن ذلك أنه كان إذا حج واعتمر يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة ، وهذا خلاف السنة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى خرجه البخاري في صحيحه ، وقال عليه الصلاة والسلام : قصوا الشوارب وأعفوا اللحى ، خالفوا المشركين متفق على صحته ، وكان يأخذ ماء لأذنيه ، والسنة أن تمسح الأذنان بماء الرأس ، فالحاصل أنه له اجتهادات رضي الله عنه لا يوافق عليها من جهة السنة ، فهكذا ما يروى عنه من (الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 208) القراءة عند القبر عند وقت الدفن ، هذا شيء اجتهد فيه رضي الله عنه ، والسنة بخلافه ، والإمام أحمد لما بلغه ذلك كان باجتهاده رضي الله عنه ورحمه ، رأى أن يوافق ابن عمر ، وأن يقر الكفيف على قراءته بعد ما قال له : إنها بدعة . فقوله الأول هو الصواب وهو الذي يوافق الأدلة الصحيحة الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولأن القراءة عندها والصلاة عندها وسيلة لعبادتها من دون الله ، فالناس قد يظنون أن القراءة عندها لها مزية ، ولها ثواب زائد ، وهكذا الصلاة عندها ، فيجرهم هذا إلى اتخاذها مساجد وإلى دعاء أهلها ، وإلى الاستغاثة بأهلها والتوسل بأهلها ، فيقع الشرك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .