ج: لقد دل الكتاب والسنة على أن الصلاة أهم وأعظم عبادة بعد الشهادتين ، وأنها عمود الإسلام، وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله تعالى، قال (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 239) سبحانه وتعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، وقال تعالى: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، وقال تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله، بل يقاتل، وقال تعالى: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ، فدل على أن من لم يصل ليس بأخ في الدين. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح ، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة . والتعبير بالرجل لا يخرج المرأة، فإن الحكم إذا ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك، وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل إلا بدليل يخص أحدهما، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على أن تارك (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 240) الصلاة يكون كافرا من الرجال والنساء بعد التكليف. وثبت في الحديث الصحيح أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي هل نقاتلهم؟ قال: لا، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ، وفي لفظ آخر: ما أقاموا فيكم الصلاة . فدل على أن من لم يقم الصلاة فقد أتى كفرا بواحا. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فقال بعضهم: إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة يراد بها الزجر والتحذير، وكفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء. وذهب جمع من أهل العلم إلى أن تركها كفر أكبر، على ظاهر الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة . والكفر متى عرف بأداة التعريف وهي ( أل )، وهكذا الشرك، فالمراد بهما: الكفر الأكبر والشرك الأكبر، قال صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر . فدل ذلك على أن المراد: الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه صلى الله عليه وسلم على أمر واضح وهو أمر الصلاة، وهي عمود الإسلام، فكون تركها كفر أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة )، (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 241) فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر، لكنه كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، ومثل القتال بين المؤمنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ، فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، ويقول صلى الله عليه وسلم: إن كفرا بكم التبرؤ من آبائكم ، وقوله عليه الصلاة والسلام: اثنتان في الناس هما بهم كفر: النياحة، والطعن في النسب ، فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكرا غير معرف ب ( أل ). وجاءت الأدلة الأخرى دالة على أن المراد به غير الكفر الأكبر، بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أعظم شيء بعد الشهادتين وعمود الإسلام، وقد بين الرب عز وجل حكمها لما شرع قتال الكفار، فقال: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، وقال عليه الصلاة والسلام: نهيت عن قتل المصلين ، فدل على أن من لم يصل يقتل، ولا يخلى سبيله إذا لم يتب. والخلاصة: أن القول الصواب الذي تقتضيه الأدلة: هو أن ترك الصلاة كفر أكبر ولو لم يجحد وجوبها، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة، وليس المناط كثرة القائلين، فالحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفرا أكبر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 242) بحقها ، فيفسره قوله في الحديث الآخر: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام متفق على صحته ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة، ولأن من لم يقم الصلاة لم يؤد حق ( لا إله إلا الله )، ولو أن إنسانا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويصلي، ويصوم، ويتعبد، ثم جحد تحريم الزنا وقال: إن الزنا حلال كفر عند الجميع، أو قال: إن الخمر حلال أو اللواط، أو بال على المصحف متعمدا أو وطئه متعمدا؛ استهانة له كفر، ولم تعصمه الشهادة أو نحو ذلك مما يعتبر ناقضا من نواقض الإسلام، كما أوضح ذلك العلماء في ( باب حكم المرتد ) في كل مذهب من المذاهب الأربعة. وبهذا يعلم أن المسلم الذي يصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوج امرأة لا تصلي فإن النكاح باطل، وهكذا العكس؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة من غير أهل الكتابين، كما لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر؛ لقول الله عز وجل في سورة الممتحنة في نكاح الكافرات: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن الآية، وقوله سبحانه في سورة البقرة: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم الآية.