كيف تحتفل بيوتنا بمولد رسول الله؟


1199

 

كتبت – شيماء عيسى

يعيش جموع المسلمين في 12 ربيع الأول من كل عام أجواء احتفالية إيمانية بمناسبة مولد خاتم الرسل والهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم ونتساءل كل عام: كيف نحتفي بذكرى مولد حبيب الله، وما الذي يدخل بنطاق الاحتفال المشروع وما الذي يعد مخالفا؟ وكيف نزرع ببيوتنا بذور السنة النبوية لتطرح خيرا وبركة تعم حياتنا؟ ..

ودعونا نتطرق سريعا وأولا للجدل المعروف بين العلماء، حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، ونؤكد أننا نتحدث عن الاحتفال كعادة حسنة وليس عبادة نبتدعها. وعلي حين يستدل بعض

العلماء المعارضين للاحتفال بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله" (البخاري)، ويؤكد هؤلاء أن الاحتفال بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون في كل وقت وحين ولا يجب أن نبتدع احتفالا بيوم مولده صلى الله عليه وسلم بغير سند. يحتج الطرف المؤيد للاحتفال بما عُهد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يصوم يوم الاثنين، فسُئل عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "هذا يوم ولدت فيه"، مؤكدين أن الاحتفال فرصة لإعلان محبته صلى الله عليه وسلم وإزكاء سنته بحياتنا.

 

لكن ما لا خلاف عليه بين الفريقين، أن الاحتفال الحقيقي بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتأتى إلا باتباع سنته مصداقا لقوله عز وجل:( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ (آل عمران: 31). وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر" (البخاري.(

 

ومن هذا المدخل يمكننا الولوج لكيفية الاحتفال بالمولد النبوي، بشكل دائم مستمر بحياتنا، غير مقتصر على يوم بعينه، وإن كان عند قطاع واسع من العلماء لا غضاضة من حسن الاحتفال به يوم مولده.

بالطبع تقع على عاتقك عزيزتي الأم مسئولية جمة في هذا الإطار؛ وهي نفس المسئولية الواقعة على الأب في زرع السنة النبوية بنفوس الصغار وتكريسها سلوكًا دائما في البيت. ولهذا فمع الحلوى التي قد تقدمينها لأسرتك بهذا اليوم، ندعوك لتذكر خطوات كثيرة يمكن من خلالها عمليا إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ببيوتنا ..

 

هل تحرصين على أداء النوافل أمام صغارك؟ هذا سؤال مهم، فكثرة الحديث عن السنة النبوية لا تغني قيد أنملة عن رؤيتهم لك متمثلة تلك السنة عمليا بحياتك، ومن ذلك الحرص على النوافل الواردة عن الرسول قبل وبعد كل صلاة، الحرص على أذكار الصباح والمساء والنوم وسائر الأدعية الواردة عن الرسولصلى الله عليه وسلم بالمناسبات المختلفة، كساعة نزول المطر أو الخروج من المنزل والعودة إليه، ارتداء الملابس وتناول الطعام والشراب، أو زيارة مريض وتأبين المتوفى، وغيرها.

فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة "مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " ( صحيح البخاري).

وممارسة السنة النبوية ليست في الصلاة والذكر فحسب، ولكن أيضا في تمثل سلوكه بكل حال، أي كيف نغضب ومتى؟ وكيف نعفو عند المقدرة؟ وكيف نحمد النعمة؟ وكيف نعطف على الصغير ونوقر الكبير؟ كيف نطهر أنفسنا بالصدقة؟ كيف نتعامل بالعدل مع الآخرين؟ وكيف نحيي سنته بحسن الخلق حتى مع المسيئين، فهو من شهد له الإله في كتابه العزيز "وإنك لعلى خلق عظيم" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَومَ القِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ القَومُ، فَأَعَادَهَا صلى الله عليه وسلم مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثاً، قَالَ القَومُ: نَعَم يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم "أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً"

وثانيا: عليكِ الحرص على توفير كتب السيرة النبوية المناسبة لأعمار أفراد أسرتك بالمكتبة وفي متناولهم، وسيرة الصحابة والتابعين والصالحين ممن اقتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم. ليتك تخصصين من وقتك نذرا محددا لأبنائك أو إخوتك الأصغر منك، تقصين عليهم سيرة النبي وملاحمه ومواقفه المختلفة وتطبقين تلك السلوكيات على حياتنا، وأن يكون الأمر بشكل محبب وليس خطابيا مباشرا، وخاصة مع صغار السن وحبذا لو اقترن بمواد مرئية أو مرسومة معتمدة وقد صار الأمر يسيرا بعد توفر شبكات الإنترنت ببيوت معظمنا أو على الأقل توفر الفضائيات الدينية التي تسترشد بأدب السيرة وترويها. ويمكن إجراء مسابقات بين أطفالك وتوفير هدايا ومكافآت للمجيدين بتذكر معالم السيرة وفق خطة ترسمينها معهم.

ومن الرائع أيضا التعرض للأشعار البليغة والأقوال الحكيمة في مديحه، ولدينا تراث هائل بعيون الشعر العربي في هذا الشأن منذ بردة حسان بن ثابت ومرورا بشعراء وفقهاء زمن الخلافة الإسلامية، وانتهاء بالشعر الحديث والمعاصر، ولدينا مثلا أحمد شوقي وقد قدم روائع فريدة، منها "ولد الهدى" ومنها يقول:

ولد الهدى فالكائنات ضياء    ">">">   وفم الزمان تبسم وثناء

الروح والملأ الملائك حوله     ">">">   للدين والدنيا به بشراء

والعرش  يزهو والحظيرة تزدهي ">">"> والمنتهى والسدرة العصماء

والوحي يقطر سلسلا من سلسل ">">"> واللوح والقلم البديع رواء

وثالثا: أكثري من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم حينما تقومين بأي شيء حسن تفعلينه، حتى يرتبط حسن الخلق والإيمان في ذهن من يراك بشخصه صلى الله عليه وسلم، وأكثري من الصلاة عليه في كل وقت وحين وأعلني محبته دوما بغير مناسبة.

ورابعا: لماذا لا نقوم بأنشطة عملية لتطبيق السنن المنسية عند الكثيرين، وإحيائها في بيوتنا، وتطبيق ذلك بشكل تدريجي أي الالتزام بواحدة كل أسبوع حتى يسهل تطبيقها ثم الأخذ بالثانية في الأسبوع التالي وهكذا .. ومن ذلك النوم على وضوء، بعض الأدعية كما يرد بعد الأذان أو من استيقظ خلال الليل، استخدام السواك، صلاة الضحى، قيام الليل. وبخصوص الصغار هناك مواد فيلمية رائعة على الشبكة العنكبوتية وبالفضائيات تسهل من تحبيب تلك السنن للنفس وتبيان حكمتها.

خامسا: أحيي المناسبات الدينية في بيتك، فنحن نعاني بعالمنا العربي والإسلامي عادة من غياب مظاهر الاحتفالات الدينية باستثناءات قليلة، فكم مر علينا العام الهجري الجديد ولم نتهيأ للاحتفاء به أو اكتفينا بمشاهدة أفلام مكررة والتعرض لمواد معروفة، وكم مرت علينا ذكريات دينية مجيدة كالإسراء والمعراج مثلا ولم نكرس وقتا لحسن الاحتفاء بها !

سادسا: حاولي إزالة أي التباس يثار حول السنة النبوية المطهرة من قبل المتطرفين، أو شبهات سواء ما نراه بالغرب أو عالمنا العربي، أو بدعيات معيبة تتعلق بالسنة، وذلك بدراسة الشبهات وتبيان ردود العلماء والمفكرين الثقات وشرحها بشكل مبسط للمحيطين.

سابعا: إذا كنت ممن يحتفلون بالمولد النبوي بالطريقة المعتادة في بلدك، كشراء الحلوى واقتناء هدايا للصغار أو تعليق الزينة والأنوار بالبيوت، فبعض العلماء أجازوا هذا الأمر من باب إظهار الحب والابتهاج وليس العبادات أو السنن، ولكن تأكدي من خلو احتفالك مما قد يدخل بنطاق لا يرضي رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فهناك موالد يجري بها مخالفات شرعية جهارا ومسيئة للدين كالتغني بشكل مسف بحب الرسول وبكلمات لا تليق من بعض المنشدين، أو الرقص والتطوح بشكل مسيء وما نراه من ممارسات تخرج عن الاحتفال الهادف بالمولد النبوي.

وأخيرا .. إذا كنت تسعين لسلوك جماعي ببيتك يعلن محبة الرسولصلى الله عليه وسلم وسنته، ويتعلم باستمرار ويذاكر آدابها وأحكامها في نطاق فهم أشمل للقرآن وتدارسه، وإذا كنت تحرصين على إزكاء الحديث عن السنة بالكتاب والفنون والآداب المختلفة، وإشراك الأصدقاء والأسرة من حولك بتطبيقها كسلوك حياة وليست عبادات فحسب، فقد تحول العام كله لاحتفالية بأثره الكريم في حياتنا فهو الهادي الرحمة البشير.

جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الأَعْرَابِي: متى الساعة؟ ! قال صلى الله عليه وسلم ": ما أعددت لها؟ ". قال: إني أحب الله ورسوله. قال: " أنت مع من أحببت ".

 

 





كلمات دليلية:




صلاح البدير