فها هو الزواج بين يديك، إنه من سنن الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38] وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه ابن ماجه).
بل إن الحياة الإنسانية بصفة عامة، والزوجية بصفة خاصة، وبما فيها من أداء الحقوق والالتزام بالواجبات هي نوع عبادة ما دام ابتغى بذلك مرضاة الله عز وجل، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]
كم منا لا يشتكي من تربية الأولاد، ومن تغول المؤثرات البيئية الفاسدة- بكل أنواعها- عليهم!!
فهاك المحضن الطبيعي الأول لتنشئة الطفل المسلم على المعايير والقيم الإسلامية وحتى يكتسب الشخصية الإسلامية الصحيحة، والمتكاملة المتوازنة، وحتى لا يغرس فيه ما لا يمكن إزالته منه بعدئذ، وليس ذلك إلا من خلال الزواج .
- إن الأسرة- عبر الزواج- هي المعمل الأول لغرس الدين والأخلاق والقيم والتقاليد والاتجاهات والعادات.
وكم نشتكي من فقر العلماء وقلة المفكرين !!!
والحل هو بناء الأسرةالمسلمة السوية ، فهي موئل البناء الفكري للفرد المسلم.
ولَكَمْ انهارت الصحة النفسية لكثير من الناس، وفي الزواج موطن بذر العواطف وأسس السلامة النفسية لبنيان الأشخاص اللازمة للحياة في المجتمع، وهاهي السيدة خديجة-رضي الله عنها-تضفي الدفء النفسي على الداعي الأول لدين الإسلام، رسول الله صلى الله عليه وسلم، إزاء الحروب الضروس التي تعرض لها بكل صنوفها من صناديد الشرك؛ ولذا كان عام وفاتها ليس إلا عام الحزن.
إن حماية الإنسان ورعايته وتنميته روحيا وعقليا وبدنيا في ظل جو من مشاعر الحب والرحمة والتكافل، والألفة والأنس والبهجة ، والهدوء والاستقرار والراحة النفسية لا، ولن تتحقق إلا من خلال بناء الأسرة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم: 21]
فصون العفة وحفظ الأنساب والأعراض وتحقيق الإحصان، وحفظ المجتمع من التحلل والفساد، ونيل الفرد الأجر والثواب، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» (رواه مسلم.)
وها هي الدراسات الاجتماعية والنفسية تؤكد أن الممارسات غير الشرعية- على خلاف رابطة الزواج الشرعي- تؤدي إلى النشأة غير السوية للأطفال، واختلاط الأنساب، وضياع الحقوق، والعُقَد النفسية، والانحراف الأخلاقي، وانتشار الأمراض المستعصية ،كما يعرض المجتمع للتفكك والانهيار.
ألا ترى انقطاع الأواصر بين الناس، أقرباء وغرباء على حد سواء؟
أليس الزواج هو العمود الفقري، الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، وأساس ولَبِنَة المجتمع الأولى، ومصدر تماسكه، وعنوان سعادته ؟
إن الأسرة هي باكورة الاتصال الاجتماعي بين الناس، وعليها مدار استقراره ونمائه. فالأسرة تعمل على بناء علاقات قوية ، وروابط وشيجة داخل أفراد المجتمع، وبالأحرى التلاحم المجتمعي، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54]
كانت الأسرة- ولا تزال- هي محور عمارة هذه الأرض ومصدر حضارتها وتقدمها المستمر، وهي العماد الذي يقوم عليه كل ما ينشأ في هذه الحياة من مظاهر التحضر والعمران، قال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيب} [هود: 61]
قال جل شأنه في معرض الامتنان بتلك النعمة: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُون} [النحل: 72]
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على طلب النسل وحبَّبَ إليه، فقال: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ» (رواه أبو داود).
والحاصل أن الزواج قضية فطرية رسخَّها الوحي الإلهي، وتوافقت عليها العقول السوية، وانتظمت عبر تاريخ البشرية.