islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير ابن كثير
22196

71-نوح

إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمه آمِرًا لَهُ أَنْ يُنْذِرهُمْ بَأْس اللَّه قَبْل حُلُوله بِهِمْ فَإِنْ تَابُوا وَأَنَابُوا رُفِعَ عَنْهُمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { أَنْ أَنْذِرْ قَوْمك مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَاب أَلِيم .

قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ

أَيْ بَيِّن النِّذَارَة ظَاهِر الْأَمْر وَاضِحه .

أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ

أَيْ اُتْرُكُوا مَحَارِمَهُ وَاجْتَنِبُوا مَآثِمه } وَأَطِيعُونِ | فِيمَا آمُركُمْ بِهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْهُ .

يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

| يَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ | أَيْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا آمُركُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَيْكُمْ غَفَرَ اللَّه لَكُمْ ذُنُوبكُمْ | وَمِنْ | هَهُنَا قِيلَ إِنَّهَا زَائِدَة وَلَكِنَّ الْقَوْل بِزِيَادَتِهَا فِي الْإِثْبَات قَلِيل وَمِنْهُ قَوْل بَعْض الْعَرَب : قَدْ كَانَ مِنْ مَطَر وَقِيلَ إِنَّهَا بِمَعْنَى عَنْ تَقْدِيره يَصْفَح لَكُمْ عَنْ ذُنُوبكُمْ وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقِيلَ إِنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَيْ يَغْفِر لَكُمْ الذُّنُوب الْعِظَام الَّتِي وَعَدَكُمْ عَلَى اِرْتِكَابكُمْ إِيَّاهَا الِانْتِقَام | وَيُؤَخِّركُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى | أَيْ يَمُدّ فِي أَعْمَاركُمْ وَيَدْرَأ عَنْكُمْ الْعَذَاب الَّذِي إِنْ لَمْ تَجْتَنِبُوا مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَوْقَعَهُ بِكُمْ وَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ يَقُول إِنَّ الطَّاعَة وَالْبِرّ وَصِلَة الرَّحِم يُزَاد بِهَا فِي الْعُمُر حَقِيقَة كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيث | صِلَة الرَّحِم تَزِيد فِي الْعُمُر | . وَقَوْله تَعَالَى| إِنَّ أَجَل اللَّه إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّر لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ| أَيْ بَادِرُوا بِالطَّاعَةِ قَبْل حُلُول النِّقْمَة فَإِنَّهُ إِذَا أَمَرَ تَعَالَى يَكُون ذَلِكَ لَا يُرَدّ وَلَا يُمَانَع فَإِنَّهُ الْعَظِيم الَّذِي قَدْ قَهَرَ كُلّ شَيْء الْعَزِيز الَّذِي دَانَتْ لِعِزَّتِهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات .

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا

يُخْبِر تَعَالَى عَنْ عَبْده وَرَسُوله نُوح أَنَّهُ اِشْتَكَى إِلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمه وَمَا صَبَرَ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّة الطَّوِيلَة الَّتِي هِيَ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَمَا بَيَّنَ لِقَوْمِهِ وَوَضَّحَ لَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى الرُّشْد وَالسَّبِيل الْأَقْوَم فَقَالَ : < رَبّ إِنِّي دَعَوْت قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا > أَيْ لَمْ أَتْرُك دُعَاءَهُمْ فِي لَيْل وَلَا نَهَار اِمْتِثَالًا لِأَمْرِك وَابْتِغَاء لِطَاعَتِك .

فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا

أَيْ كُلَّمَا دَعَوْتهمْ لِيَقْتَرِبُوا مِنْ الْحَقّ فَرُّوا مِنْهُ وَحَادُوا عَنْهُ .

وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا

أَيْ سَدُّوا آذَانهمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا مَا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ كُفَّار قُرَيْش | وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ | | وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابهمْ | قَالَ اِبْن جَرِير عَنْ اِبْن عَبَّاس تَنَكَّرُوا لَهُ لِئَلَّا يَعْرِفهُمْ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ غَطَّوْا رُءُوسهمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا مَا يَقُول | وَأَصَرُّوا | أَيْ اِسْتَمَرُّوا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الشِّرْك وَالْكُفْر الْعَظِيم الْفَظِيع | وَاسْتَكْبَرُوا اِسْتِكْبَارًا| أَيْ وَاسْتَنْكَفُوا عَنْ اِتِّبَاع الْحَقّ وَالِانْقِيَاد لَهُ.

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتهمْ جِهَارًا أَيْ جَهْرَة بَيْن النَّاس .

ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا

| ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْت لَهُمْ | أَيْ كَلَامًا ظَاهِرًا بِصَوْتٍ عَالٍ| وَأَسْرَرْت لَهُمْ إِسْرَارًا | أَيْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنهمْ فَنَوَّعَ عَلَيْهِمْ الدَّعْوَة لِتَكُونَ أَنْجَع فِيهِمْ .

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا

أَيْ اِرْجِعُوا إِلَيْهِ وَارْجِعُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيب فَإِنَّهُ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبه مَهْمَا كَانَتْ فِي الْكُفْر وَالشِّرْك . وَلِهَذَا قَالَ فَقُلْت اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا .

يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا

أَيْ مُتَوَاصِلَة الْأَمْطَار وَلِهَذَا تُسْتَحَبّ قِرَاءَة هَذِهِ السُّورَة فِي صَلَاة الِاسْتِسْقَاء لِأَجْلِ هَذِهِ الْآيَة وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَر لِيَسْتَسْقِيَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِغْفَار وَقِرَاءَة الْآيَات فِي الِاسْتِغْفَار وَمِنْهَا هَذِهِ الْآيَة | فَقُلْت اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِل السَّمَاء عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا| ثُمَّ قَالَ : < لَقَدْ طَلَبْت الْغَيْث بِمَجَادِيح السَّمَاء الَّتِي يُسْتَنْزَل بِهَا الْمَطَر > وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره يَتْبَع بَعْضه بَعْضًا .

وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا

أَيْ إِذَا تُبْتُمْ إِلَى اللَّه وَاسْتَغْفَرْتُمُوهُ وَأَطَعْتُمُوهُ كَثُرَ الرِّزْق عَلَيْكُمْ وَأَسْقَاكُمْ مِنْ بَرَكَات السَّمَاء وَأَنْبَتَ لَكُمْ مِنْ بَرَكَات الْأَرْض وَأَنْبَتَ لَكُمْ الزَّرْع وَأَدَرَّ لَكُمْ الضَّرْع وَأَمَدَّكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ أَيْ أَعْطَاكُمْ الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَجَعَلَ لَكُمْ جَنَّات فِيهَا أَنْوَاع الثِّمَار وَخَلَّلَهَا بِالْأَنْهَارِ الْجَارِيَة بَيْنهَا هَذَا مَقَام الدَّعْوَة بِالتَّرْغِيبِ ثُمَّ عَدَلَ بِهِمْ إِلَى دَعَوْتهمْ بِالتَّرْهِيبِ .

مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا

أَيْ عَظَمَة قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَقَالَ اِبْن عَبَّاس لَا تُعَظِّمُونَ اللَّه حَقّ عَظَمَته أَيْ لَا تَخَافُونَ مِنْ بَأْسه وَنِقْمَته .

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا

قِيلَ مَعْنَاهُ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُضْغَة قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَيَحْيَى بْن رَافِع وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد .

أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا

أَيْ وَاحِدَة فَوْق وَاحِدَة وَهَلْ هَذَا يُتَلَقَّى مِنْ جِهَة السَّمْع فَقَطْ ؟ أَوْ هُوَ مِنْ الْأُمُور الْمُدْرَكَة بِالْحِسِّ ؟ مِمَّا عُلِمَ مِنْ التَّسْيِير وَالْكُسُوفَات فَإِنَّ الْكَوَاكِب السَّبْعَة السَّيَّارَة يَكْسِف بَعْضهَا بَعْضًا فَأَدْنَاهَا الْقَمَر فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَهُوَ يَكْسِف مَا فَوْقه وَعُطَارِد فِي الثَّانِيَة وَالزُّهْرَة فِي الثَّالِثَة وَالشَّمْس فِي الرَّابِعَة وَالْمِرِّيخ فِي الْخَامِسَة وَالْمُشْتَرَى فِي السَّادِسَة وَزُحَل فِي السَّابِعَة وَأَمَّا بَقِيَّة الْكَوَاكِب وَهِيَ الثَّوَابِت فَفِي فَلَك ثَامِن يُسَمُّونَهُ فَلَك الثَّوَابِت وَالْمُتَشَرِّعُون مِنْهُمْ يَقُولُونَ هُوَ الْكُرْسِيّ وَالْفَلَك التَّاسِع وَهُوَ الْأَطْلَس وَالْأَثِير عِنْدهمْ الَّذِي حَرَكَتُهُ عَلَى خِلَاف حَرَكَة سَائِر الْأَفْلَاك وَذَلِكَ أَنَّ حَرَكَتَهُ مَبْدَأ الْحَرَكَات وَهِيَ مِنْ الْمَغْرِب إِلَى الْمَشْرِق وَسَائِر الْأَفْلَاك عَكْسه مِنْ الْمَشْرِق إِلَى الْمَغْرِب وَمَعَهَا يَدُور سَائِر الْكَوَاكِب تَبَعًا وَلَكِنْ لِلسَّيَّارَةِ حَرَكَة مُعَاكِسَة لِحَرَكَةِ أَفْلَاكهَا فَإِنَّهَا تَسِير مِنْ الْمَغْرِب إِلَى الْمَشْرِق وَكُلّ يَقْطَع فُلْكه بِحَسَبِهِ فَالْقَمَر يَقْطَع فُلْكه فِي كُلّ شَهْر مَرَّة وَالشَّمْس فِي كُلّ سَنَة مَرَّة وَزُحَل فِي كُلّ ثَلَاثِينَ سَنَة مَرَّة وَذَلِكَ بِحَسَبِ اِتِّسَاع أَفْلَاكهَا وَإِنْ كَانَتْ حَرَكَة الْجَمِيع فِي السُّرْعَة مُتَنَاسِبَة هَذَا مُلَخَّص مَا يَقُولُونَهُ فِي هَذَا الْمَقَام عَلَى اِخْتِلَاف بَيْنهمْ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة لَسْنَا بِصَدَدِ بَيَانهَا .

وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا

وَإِنَّمَا الْمَقْصُود أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى : { خَلَقَ سَبْع سَمَوَات طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْس سِرَاجًا} أَيْ فَاوَتَ بَيْنهمَا فِي الِاسْتِنَارَة فَجَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا أُنْمُوذَجًا عَلَى حِدَة لِيُعْرَف اللَّيْل وَالنَّهَار بِمَطْلَعِ الشَّمْس وَمَغِيبهَا وَقَدَّرَ لِلْقَمَرِ مَنَازِل وَبُرُوجًا وَفَاوَتَ نُوره فَتَارَة يَزْدَاد حَتَّى يَتَنَاهَى ثُمَّ يَشْرَع فِي النَّقْص حَتَّى يَسْتَسِرّ لِيَدُلّ عَلَى مُضِيّ الشُّهُور وَالْأَعْوَام كَمَا قَالَ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِل لِتَعْلَمُوا عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَاب مَا خَلَقَ اللَّه ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّل الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } .

وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا

هَذَا اِسْم مَصْدَر وَالْإِتْيَان بِهِ هَهُنَا أَحْسَن .

ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا

ثُمَّ يُعِيدكُمْ فِيهَا أَيْ إِذَا مُتُّمْ | وَيُخْرِجكُمْ إِخْرَاجًا | أَيْ يَوْم الْقِيَامَة يُعِيدكُمْ كَمَا بَدَأَكُمْ أَوَّل مَرَّة .

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا

أَيْ بَسَطَهَا وَمَهَّدَهَا وَقَرَّرَهَا وَثَبَّتَهَا بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَات الشُّمّ الشَّامِخَات.

لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا

أَيْ خَلَقَهَا لَكُمْ لِتَسْتَقِرُّوا عَلَيْهَا وَتَسْلُكُوا فِيهَا أَيْنَ شِئْتُمْ مِنْ نَوَاحِيهَا وَأَرْجَائِهَا وَأَقْطَارهَا وَكُلّ هَذَا مِمَّا يُنَبِّههُمْ بِهِ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى قُدْرَة اللَّه وَعَظَمَته فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَنِعَمه عَلَيْهِمْ فَبِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ الْمَنَافِع السَّمَاوِيَّة وَالْأَرْضِيَّة فَهُوَ الْخَالِق الرَّزَّاق جَعَلَ السَّمَاء بِنَاء وَالْأَرْض مِهَادًا وَأَوْسَعَ عَلَى خَلْقه مِنْ رِزْقه فَهُوَ الَّذِي يَجِب أَنْ يُعْبَد وَيُوَحَّد وَلَا يُشْرِك بِهِ أَحَد لِأَنَّهُ لَا نَظِير لَهُ وَلَا عَدِيل لَهُ وَلَا نِدّ وَلَا كُفْء وَلَا صَاحِبَة وَلَا وَلَد وَلَا وَزِير وَلَا مُشِير بَلْ هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير.

قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ أَنْهَى إِلَيْهِ وَهُوَ الْعَلِيم الَّذِي لَا يَعْزُب عَنْهُ شَيْء أَنَّهُ مَعَ الْبَيَان الْمُتَقَدِّم ذِكْره وَالدَّعْوَة الْمُتَنَوِّعَة الْمُشْتَمِلَة عَلَى التَّرْغِيب تَارَة وَالتَّرْهِيب أُخْرَى أَنَّهُمْ عَصَوْهُ وَخَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَاتَّبَعُوا أَبْنَاء الدُّنْيَا مِمَّنْ غَفَلَ عَنْ أَمْر اللَّه وَمُتِّعَ بِمَالٍ وَأَوْلَاد وَهِيَ فِي نَفْس الْأَمْر اِسْتِدْرَاج وَإِنْظَار لَا إِكْرَام وَلِهَذَا قَالَ : < وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَاله وَوَلَده إِلَّا خَسَارًا > قُرِئَ وَوَلَده بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ وَكِلَاهُمَا مُتَقَارِب .

وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا

قَالَ مُجَاهِد كُبَّارًا أَيْ عَظِيمًا وَقَالَ اِبْن زَيْد كُبَّارًا أَيْ كَبِيرًا وَالْعَرَب تَقُول أَمْر عَجِيب وَعُجَاب وَعُجَّاب . وَرَجُل حُسَان وَحُسَّان وَجُمَال وَجُمَّال بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد بِمَعْنًى وَاحِد وَالْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى : { وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا } أَيْ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي تَسْوِيلهمْ لَهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقّ وَالْهُدَى كَمَا يَقُولُونَ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة | بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاَللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا | وَلِهَذَا قَالَ هَهُنَا | وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا | .

وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا

وَهَذِهِ أَسْمَاء أَصْنَامهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا هِشَام عَنْ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس صَارَتْ الْأَوْثَان الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْم نُوح فِي الْعَرَب بَعْد : أَمَّا وَدّ فَكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدُومَة الْجَنْدَل وَأَمَّا سُوَاع فَكَانَتْ لِهُذَيْل وَأَمَّا يَغُوث فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْف بِالْجُرْفِ عِنْد سَبَأ أَمَّا يَعُوق فَكَانَتْ لِهَمْدَان وَأَمَّا نَسْر فَكَانَتْ لِحِمْيَر لِآلِ ذِي كَلَاعٍ وَهِيَ أَسْمَاء رِجَال صَالِحِينَ مِنْ قَوْم نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَان إِلَى قَوْمهمْ أَنْ اِنْصِبُوا إِلَى مَجَالِسهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَد حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْم عُبِدَتْ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَابْن إِسْحَاق نَحْو هَذَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس كَانَتْ هَذِهِ أَصْنَام تُعْبَد فِي زَمَن نُوح وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد حَدَّثَنَا مِهْرَان عَنْ سُفْيَان عَنْ مُوسَى عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس | وَيَغُوث وَيَعُوق وَنَسْرًا | قَالَ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ بَيْن آدَم وَنُوح وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاع يَقْتَدُونَ بِهِمْ فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ أَصْحَابهمْ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِمْ لَوْ صَوَّرْنَاهُمْ كَانَ أَشْوَق لَنَا إِلَى الْعِبَادَة إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ فَصَوَّرُوهُمْ فَلَمَّا مَاتُوا وَجَاءَ آخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيس فَقَالَ إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَبِهِمْ يَسْقُونَ الْمَطَر فَعَبَدُوهُمْ وَرَوَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة شِيث عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن بُسْر قَالَ أَخْبَرَنِي جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : وُلِدَ لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعُونَ وَلَدًا عِشْرُونَ غُلَامًا وَعِشْرُونَ جَارِيَة فَكَانَ مِمَّنْ عَاشَ مِنْهُمْ هَابِيل وَقَابِيل وَصَالِح وَعَبْد الرَّحْمَن الَّذِي سَمَّاهُ عَبْد الْحَارِث وَوَدّ وَكَانَ وَدّ يُقَال لَهُ شِيث وَيُقَال لَهُ هِبَة اللَّه وَكَانَ إِخْوَته قَدْ سَوَّدُوهُ وَوُلِدَ لَهُ سُوَاع وَيَغُوث وَيَعُوق وَنَسْر وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرو الدَّوْرِيّ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْمَاعِيل الْمُؤَدِّب عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم بْن هُرْمُز عَنْ أَبِي حَرْزَةَ عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : اِشْتَكَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَعِنْده بَنُوهُ وَدّ وَيَغُوث وَيَعُوق وَسُوَاع وَنَسْر قَالَ وَكَانَ وَدّ أَكْبَرهمْ وَأَبَرّهمْ بِهِ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُوسَى حَدَّثَنَا يَعْقُوب عَنْ أَبِي الْمُطَهِّر قَالَ ذَكَرُوا عِنْد أَبِي جَعْفَر وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي يَزِيد بْن الْمُهَلَّب قَالَ فَلَمَّا اِنْفَتَلَ مِنْ صَلَاته قَالَ ذَكَرْتُمْ يَزِيد بْن الْمُهَلَّب أَمَا إِنَّهُ قُتِلَ فِي أَوَّل أَرْض عُبِدَ فِيهَا غَيْر اللَّه قَالَ ثُمَّ ذَكَرُوا رَجُلًا مُسْلِمًا وَكَانَ مُحَبَّبًا فِي قَوْمه فَلَمَّا مَاتَ اِعْتَكَفُوا حَوْل قَبْره فِي أَرْض بَابِل وَجَزِعُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيس جَزَعهمْ عَلَيْهِ تَشَبَّهَ فِي صُورَة إِنْسَان ثُمَّ قَالَ إِنِّي أَرَى جَزَعكُمْ عَلَى هَذَا الرَّجُل فَهَلْ لَكُمْ أَنْ أُصَوِّر لَكُمْ مِثْله فَيَكُون فِي نَادِيكُمْ فَتَذْكُرُونَهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ فَصَوَّرَ لَهُمْ مِثْله قَالَ وَوَضَعُوهُ فِي نَادِيهمْ وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ ذِكْره قَالَ هَلْ لَكُمْ أَنْ أَجْعَل فِي مَنْزِل كُلّ رَجُل مِنْكُمْ تِمْثَالًا مِثْله فَيَكُون لَهُ فِي بَيْته فَتَذْكُرُونَهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ . قَالَ فَمَثَّلَ لِكُلِّ أَهْل بَيْت تِمْثَالًا مِثْله فَأَقْبَلُوا فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ بِهِ قَالَ وَأَدْرَكَ أَبْنَاؤُهُمْ فَجَعَلُوا يَرَوْنَ مَا يَصْنَعُونَ بِهِ قَالَ وَتَنَاسَلُوا وَدَرَسَ أَمْر ذِكْرهمْ إِيَّاهُ حَتَّى اِتَّخَذُوهُ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه أَوْلَاد أَوْلَادهمْ فَكَانَ أَوَّل مَا عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه وَدّ الصَّنَم الَّذِي سَمَّوْهُ وَدًّا .

وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا

وَقَوْله تَعَالَى وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا يَعْنِي الْأَصْنَام الَّتِي اِتَّخَذُوهَا أَضَلُّوا بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ اِسْتَمَرَّتْ عِبَادَتهَا فِي الْقُرُون إِلَى زَمَاننَا هَذَا فِي الْعَرَب وَالْعَجَم وَسَائِر صُنُوف بَنِي آدَم وَقَدْ قَالَ الْخَلِيل فِي دُعَائِهِ | وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُد الْأَصْنَام رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاس | . وَقَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا } دُعَاء مِنْهُ عَلَى قَوْمه لِتَمَرُّدِهِمْ وَكُفْرهمْ وَعِنَادهمْ كَمَا دَعَا مُوسَى عَلَى فِرْعَوْن وَمِثْله فِي قَوْله| رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم | وَقَدْ اِسْتَجَابَ اللَّه لِكُلٍّ مِنْ النَّبِيِّينَ فِي قَوْمه وَأَغْرَقَ أُمَّته بِتَكْذِيبِهِمْ لَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ .

مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا

يَقُول تَعَالَى مِمَّا خَطِيئَاتهمْ وَقُرِئَ خَطَايَاهُمْ أُغْرِقُوا أَيْ مِنْ كَثْرَة ذُنُوبهمْ وَعُتُوّهُمْ وَإِصْرَارهمْ عَلَى كُفْرهمْ وَمُخَالَفَتهمْ رَسُولهمْ | أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا | أَيْ نُقِلُوا مِنْ تَيَّار الْبِحَار إِلَى حَرَارَة النَّار | فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه أَنْصَارًا | أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُعِين وَلَا مُغِيث وَلَا مُجِير يُنْقِذهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه كَقَوْله تَعَالَى : { لَا عَاصِم الْيَوْم مِنْ أَمْر اللَّه إِلَّا مَنْ رَحِمَ } .

وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا

أَيْ لَا تَتْرُك عَلَى وَجْه الْأَرْض مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا دَيَّارًا وَهَذِهِ مِنْ صِيَغ تَأْكِيد النَّفْي قَالَ الضَّحَّاك دَيَّارًا وَاحِدًا وَقَالَ السُّدِّيّ الدَّيَّار الَّذِي يَسْكُن الدَّار فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهُ فَأَهْلَكَ جَمِيع مَنْ عَلَى وَجْه الْأَرْض مِنْ الْكَافِرِينَ حَتَّى وَلَد نُوح لِصُلْبِهِ الَّذِي اِعْتَزَلَ عَنْ أَبِيهِ | قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَل يَعْصِمنِي مِنْ الْمَاء قَالَ : < لَا عَاصِم الْيَوْم مِنْ أَمْر اللَّه إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنهمَا الْمَوْج فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ > وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم قَرَأَ عَلَيَّ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي شَبِيب بْن سَعِيد عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ رَحِمَ اللَّه مِنْ قَوْم نُوح أَحَدًا لَرَحِمَ اِمْرَأَة لَمَّا رَأَتْ الْمَاء حَمَلَتْ وَلَدهَا ثُمَّ صَعِدَتْ بِهِ الْجَبَل فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاء صَعِدَتْ بِهِ مَنْكِبهَا فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاء مَنْكِبهَا وَضَعَتْ وَلَدهَا عَلَى رَأْسهَا فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاء رَأْسهَا رَفَعَتْ وَلَدهَا بِيَدِهَا فَلَوْ رَحِمَ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ هَذِهِ الْمَرْأَة) هَذَا حَدِيث غَرِيب وَرِجَاله ثِقَات وَنَجَّى اللَّه أَصْحَاب السَّفِينَة الَّذِينَ آمَنُوا مَعَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَهُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُ اللَّه بِحَمْلِهِمْ مَعَهُ .

إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا

وَقَوْله تَعَالَى : { إِنَّك إِنْ تَذَرهُمْ يُضِلُّوا عِبَادك} أَيْ إِنَّك إِنْ أَبْقَيْت مِنْهُمْ أَحَدًا أَضَلُّوا عِبَادك أَيْ الَّذِينَ تَخْلُقهُمْ بَعْدهمْ | وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا| أَيْ فَاجِرًا فِي الْأَعْمَال كَافِر الْقَلْب وَذَلِكَ لِخِبْرَتِهِ بِهِمْ وَمُكْثه بَيْن أَظْهُرهمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا

ثُمَّ قَالَ رَبّ اِغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا قَالَ الضَّحَّاك يَعْنِي مَسْجِدِي وَلَا مَانِع مِنْ حَمْل الْآيَة عَلَى ظَاهِرهَا وَهُوَ أَنَّهُ دَعَا لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِله وَهُوَ مُؤْمِن . وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا حَيْوَة أَنْبَأَنَا سَالِم بْن غَيْلَان أَنَّ الْوَلِيد بْن قَيْس أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيّ أَوْ عَنْ أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول | لَا تَصْحَب إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُل طَعَامك إِلَّا تَقِيّ | وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ حَيْوَة بْن شُرَيْح بِهِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا نَعْرِفهُ مِنْ هَذَا الْوَجْه وَقَوْله تَعَالَى : { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} دُعَاء لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَذَلِكَ يَعُمّ الْأَحْيَاء مِنْهُمْ وَالْأَمْوَات وَلِهَذَا يُسْتَحَبّ مِثْل هَذَا الدُّعَاء اِقْتِدَاء بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام وَبِمَا جَاءَ فِي الْآثَار وَالْأَدْعِيَة الْمَشْهُورَة الْمَشْرُوعَة وَقَوْله تَعَالَى| وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا قَالَ السُّدِّيّ إِلَّا هَلَاكًا وَقَالَ مُجَاهِد إِلَّا خَسَارًا أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. آخِر تَفْسِير سُورَة نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس