1-" إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر " أي بأن أنذر أي بالإنذار ، أو بأن قلنا له " أنذر " ، ويجوز أن تكون مفسرة لتضمن الإرسال معنى القول ، وقرئ بغير " أن " على إرادة القول . " قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم " عذاب الآخرة أو الطوفان .
2-" قال يا قوم إني لكم نذير مبين "
3-" أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون " مر في الشعراء نظيره وفي " أن " يحتمل الوجهان .
4-" يغفر لكم من ذنوبكم " يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو ماسبق فإن الإسلام يجبه فلا يؤاخذكم به في الآخرة " ويؤخركم إلى أجل مسمى " هو أقصى ما قدر لكم بشرط الإيمان والطاعة " إن أجل الله " إن الأجل الذي قدره " إذا جاء " على الوجه المقدر به آجلا وقيل إذا جاء الأجل الأطول . " لا يؤخر " فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير ." لو كنتم تعلمون " لو كنتم من أهل العلم والنظر لعلمتم ذلك ، وفيه أنهم لانهماكهم في حب الحياة كأنهم شاكون في الموت .
5-" قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً " أي دائماً .
6-" فلم يزدهم دعائي إلا فراراً " عن الإيمان والطاعة ، وإسناد الزيادة إلى الدعاء على السببية كقوله : " فزادتهم إيماناً ".
7-" وإني كلما دعوتهم " إلى الإيمان . " لتغفر لهم " بسببه . " جعلوا أصابعهم في آذانهم " سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة ." واستغشوا ثيابهم " تغطوا بها لئلا يروني كراهة النظر إلى من فرط كراهة دعوتي أو لئلا أعرفهم فأدعوهم ، والتعبير بصيغة الطلب للمبالغة ، " وأصروا " وأكبروا على الكفر والمعاصي مستعار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها . " واستكبروا " عن اتباعي . " استكباراً " عظيماً .
8-" ثم إني دعوتهم جهاراً ".
9-" ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً " أي دعوتهم مرة بعد أخرى وكرة بعد أولى على أي وجه أمكنني ، و " ثم " لتفاوت الوجوه فإن الجهار أغلظ من الإسرار والجمع بينهما أغلظ من الإفراد لتراخي بعضها عن بعض ، و " جهاراً " نصب على المصدر لأنه أحد نوعي الدعاء ، أو صفه مصدر محذوف بمعنى دعاء " جهاراً " أي مجاهراً به أو الحال فيكون بمعنى مجاهراً .
10-" فقلت استغفروا ربكم " بالتوبة عن الكفر . " إنه كان غفاراً " للتائبين وكأنهم لما أمرهم بالعبادة قالوا : إن كنا على حق فلا نتركه وإن كنا على باطل فكيف يقبلنا ويلطف بنا من عصيناه ، فأمرهم بما يجب معاصيهم ويجلب إليهم وتمادى إصرارهم حبس الله عنهم القطر أربعين سنة ، وأعقم ارحام نسائهم فوعدهم بذلك على الاستغفار عما كانوا عليه بقوله :
11-" يرسل السماء عليكم مدراراً " .
12-" ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً " ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء .و " السماء " تحتمل المظلة والسحاب ، والمدرار كثير الدرور ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنث ، والمراد بالـ" جنات " البساتين .
13-" ما لكم لا ترجون لله وقاراً " لا تأملون له توقيراً أي تعظيماً لمن عبده وأطاعه فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمها إياكم ، و " الله " بيان للموقر ولو تأخر لكان صلة لـ" وقاراً " ، أو لا تعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانه ، وإنما عبر عن الاعتقاد بالرجاء التابع لأدنى الظن مبالغة .
14-" وقد خلقكم أطواراً " حال مقررة للإنكار من حيث إنها موجبة فإنه خلقهم " أطواراً " أي تارات ،إذ خلقهم أولاً عناصر ، ثم مركبات تغذي الإنسان ، ثم أخلاطاً ، ثم نطفاً ، ثم علقاً ، ثم مضغاً ، ثم عظاماً ولحوماً ، ثم انشأهم خلقاً آخر ، فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب وعلى أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة ،ثم أتبع ذلك ما يؤيده ما آيات الآفاق فقال :
15-" ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا " .
16-" وجعل القمر فيهن نوراً " أي في السموات وهو في السماء الدنيا وإنما نسب إليهن من الملابسة . " وجعل الشمس سراجاً " مثلها به لأنها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض كما يزيلها السراج عما حوله .
17-" والله أنبتكم من الأرض نباتاً " أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض ، وأصله " أنبتكم من الأرض " إنباتاً فنبتم نباتاً ، فاختصره اكتفاء بالدلالة الالتزامية .
18-" ثم يعيدكم فيها " مقبورين . " ويخرجكم إخراجاً " بالحشر ، وأكده بالمصدر كما أكد به الأول دلالة على أن الإعادة محققة كالإبداء ، وأنها تكون لا محالة .
19-" والله جعل لكم الأرض بساطاً " تتقلبون عليها .
20-" لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً " واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ .
21-" قال نوح رب إنهم عصوني " فيما أمرتهم به . " واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً " واتبعوا رؤساءهم البطرين بأموالهم المغترين بأولادهم بحيث صار ذلمك سبباً لزيادة خسارهم في الآخرة ، وفيه أنهم إنما اتبعوهم لوجاهة حصلت لهم الأموال والأولاد وأدت بهم إلى الخسار ، وقرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي و البصريان وولده بالضم والسكون على أنه لغة كالحزن أو جمع كالأسد .
22-" ومكروا " عطف على " لم يزده " والضمير لمن وجمعه للمعنى . " مكراً كباراً " كبيراً في الغاية فإنه أبلغ من كبار وهو من كبير ، وذلك احتيالهم في الدين وتحريش الناس على أذى نوح عليه السلام .
23-" وقالوا لا تذرن آلهتكم " أي عبادتها. " ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا " " ولا تذرن " هؤلاء خصوصاً ، قيل هي أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا صورا تبركاً بهم ،فلما طال الزمان عبدوا . وقد انتقلت إلى العرب فكان ود لكلب ، وسواع لهمدان ، ويغوث لمذحج ، ويعوق لمراد ، ونسر لحمير .وقرأ نافع وداً بالضم وقرئ يغوثاً و يعوقاً للتناسب ، ومنع صرفهما للعلمية والعجمة .
24-" وقد أضلوا كثيراً " الضمير للرؤساء أو للأصنام كقوله : " إنهن أضللن كثيراً " . " ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً " عطف على " رب إنهم عصوني " ، ولعل المطلوب هو الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم لا في أمر دينهم ، أو الضياع والهلاك كقوله : " إن المجرمين في ضلال وسعر " .
25-" مما خطيئاتهم " من أجل خطيئاتهم ، و ما مزيدة للتأكيد والتفخيم ،وقرأ أبو عمرو مما خطاياهم " أغرقوا " بالطوفان . " فأدخلوا ناراً " المراد عذاب القبر أو عذاب الآخرة ، والتعقيب لعدم الاعتداد بما بين الإغراق والإدخال ، أو لأن المسبب كالمتعقب للسبب وإن تراخى عنه لفقد شرط أو وجود مانع، وتنكير النار للتعظيم أو لأن المراد نوع من النيران " فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً " تعريض لهم باتخاذ آلهة من دون الله لا تقدر على نصرهم .
26-" وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً " أي أحداً وهو مما يستعمل في النفي العام فيعال من الدار ، أو الدور ، وأصله ديوار ففعل به ما بأصل سيد الأفعل وإلا لكان دواراً .
27-" إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً " قال ذلك لما جربهم واستقرىأحوالهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فعرف شيمهم وطباعهم .
28-" رب اغفر لي ولوالدي " لملك من متوشلخ وشمخا بن أنوش وكانا مؤمنين " ولمن دخل بيتي " منزلي أو مسجدي أو سفينتي . " مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات " إلى يوم القيامة ." ولا تزد الظالمين إلا تباراً " هلاكاً . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح " .