1- "لإيلاف قريش"، قرأ أبو جعفر: ليلاف بغير همز إلافهم طلباً للخفة، وقرأ ابن عامر " لإيلاف " بهمزة مختلسة من غير ياء بعدها على وزن لغلاف، وقرأ الآخرون بهمزة مشبعة وياء بعدها واتفقوا -غير أبي جعفر- في "إيلافهم" أنها بياء بعد الهمزة، إلا عبد الوهاب بن فليح عن ابن كثير فإنه قرأ: إلفهم ساكنة اللام بغير الياء. وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة، منهم أبي بن كعب، لا فصل بينهما في مصحفه، وقالوا: اللام في "لإيلاف" تتعلق بالسورة التي قبلها، وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة، وقال: "لإيلاف قريش". وقال الزجاج: المعنى: جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، أي يريد إهلاك أهل الفيل لتبقى قريش، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف. وقال مجاهد: ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف. والعامة على أنهما سورتان، واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله "لإيلاف"، قال الكسائي، والأخفش: هي لام التعجب، يقول: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته كما تقول في الكلام لزيد وإكرامنا إياه على وجه التعجب: اعجبوا لذلك. والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلاً على التعجب من إظهار الفعل منه. وقال الزجاج: هي مردودة إلى ما بعدها، تقريره: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف. وقال ابن عيينة: لنعمتي على قريش. وقريش هم ولد النضر بن كنانة، وكل من ولده النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي. أخبرنا أبو الحسن على بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي، أخبرنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجوربذي، حدثنا يونس بن عبد الأعل الصدفي، أخبرنا بشر بن بكر عن الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار، حدثنا واثلة بن الأسقع، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". سموا قريشاً من القرش، والتقرش وهو التكسب والجمع، يقال: فلان يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب، وهم كانوا تجاراً حراصاً على جمع المال والإفضال. وقال أبو ريجانة: سأل معاوية عبد الله بن عباس: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، وهي تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، فأنشده / شعر الجمحي: وقريش هي التي تسكن البحـ ـر، بها سميت قريش قريشا سلطت بالعلو في لجة البحـ ـر على سائر البحور جيوشا تأكل الغث والسمين ولا تتـ ـرك فيه لذي الجناحين ريشا هكذا في الكتاب حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشـا ولهم في آخر الزمان نـبي يكثر القتل فيهم والخموشـا
قوله تعالى: 2- "إيلافهم"، بدل من الإيلاف الأول، "رحلة الشتاء والصيف"، "رحلة" نصب على المصدر، أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف. روى عكرمة، وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت. وقال الآخرون: كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة، إحداهما في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ، والأخرى في الصيف إلى الشام. وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء، كانوا يقولون: قريش سكان حرم الله وولاة بيته فلولا الرحلتان لم يكن لهم بمكة مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف، وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكة، أهل الساحل من البحر على السفن، وأهل البر على الإبل والحمير، فألقى أهل الساحل بجدة، وأهل البر بالمحصب، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح، فامتاروا من قريب وكفاهم الله مؤنة الرحلتين.
وأمرهم بعبادة رب البيت فقال: 3- "فليعبدوا رب هذا البيت"، أي الكعبة.
4- "الذي أطعمهم من جوع"، أي من بعد جوع بحمل الميرة إلى مكة، "وآمنهم من خوف"، بالحرم وكونهم من أهل مكة حتى لم يتعرض لهم في رحلتهم. وقال عطاء عن ابن عباس: إنهم كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين، وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغني حتى كان فقيرهم كغنيهم. قال الكلبي: وكان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل: هاشم بن عبد مناف، وفيه يقول الشاعر: قل للذي طلب السماحة والندى هلا مررت بآل عبد مناف هلا مررت بهم تريد قراهـم منعوك من ضر ومن أكفاف الرائشين وليس يوجد رائـش والقائلين هلم للأضياف والخالطين فقيرهم بغنيهم حتى يكون فقيرهم كالكـافي والقائمين بكل وعد صادق والراحلين برحلة الإيلاف عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف سفرين سنهما له ولقومه سفر الشتاء ورحلة الأصياف وقال الضحاك والربيع وسفيان: "وآمنهم من خوف" من خوف الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام.