1- "سأل سائل"، قرأ أهل المدينة والشام، سال بغير همز وقرأ الآخرون بالهمز، فمن همز فهو من السؤال، ومن قرأ بغير همز قيل: هو لغة في السؤال، يقال: سال يسال مثل خاف يخاف، يعني سال يسال خفف الهمزة وجعلها ألفاً. وقيل: هو من السيل، والسايل واد من أودية جهنم، يروى ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والأول أصح. واختلفوا في الباء في قوله: "بعذاب" قيل: هو بمعنى عن كقوله: "فاسأل به خبيراً" (الفرقان - 59) أي عنه خبيراً. ومعنى الآية: سأل سائل عن عذاب، "واقع"، نازل كائن على من ينزل ولمن ذلك العذاب.
فقال الله مبيناً مجيباً لذلك سائل: 2- "للكافرين"، وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال بعضهم لبعض: من أهل هذا العذاب؟ ولمن هو؟ سلوا عنه محمداً فسألوه فأنزل الله: " سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين " أي: هو للكافرين، هذا قول الحسن وقتادة. وقيل: الباء صلة ومعنى الآية: دعا داع وسأل سائل عذاباً واقعاً للكافرين، أي: على الكفارين، اللام بمعنى على، وهو النضر بن الحارث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب، فقال: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الآية (الأنفال- 32)، فنزل به ما سأل يوم بدر، فقتل صبراً، وهذا قول ابن عباس ومجاهد: "ليس له"، أي للعذاب، "دافع"، مانع.
3- "من الله ذي المعارج" قال ابن عباس: أي ذي السموات، سماها معارج لأن الملائكة تعرج فيها. وقال سعيد بن جبير: ذي الدرجات. وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم، ومعارج: الملائكة.
3- "تعرج الملائكة"، قرأ الكسائي يعرج بالياء، وهي قراءة ابن مسعود، وقرأ الآخرون تعرج بالتاء، "والروح"، يعني جبريل عليه السلام، "إليه"، أي إلى الله عز وجل، "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"، من سني الدنيا لو صعد غير الملك وذلك أنها تصعد منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمر الله تعالى من فوق السماء السابعة. روى ليث عن مجاهد أن مقدار هذا خمسون ألف سنة. وقال محمد بن إسحاق: لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش لساروا خمسين ألف سنه من سني الدنيا. وقال عكرمة وقتادة: هو يوم القيامة. وقال الحسن أيضاً: هو يوم القيامة. وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا، ليس يعني به مقدار طوله هذا دون غيره، لأن يوم القيامة له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود، ولو كان له آخر لكان منقطعاً. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن دارج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال "قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة: فما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا". وقيل: معناه لو ولي محاسبة العباد في ذلك اليوم غير الله لم يفرغ منه خمسين ألف سنة. وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس ومقاتل. قال عطاء: ويفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا. وروى محمد بن الفضل عن الكلبي قال: يقول لو وليت حساب ذلك اليوم الملائكة والجن والإنس وطوقتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه إلا بعد خمسين ألف سنة، وأنا أفرغ منها في ساعة واحدة من النهار. وقال يمان: هو يوم القيامة، فيه خمسون موطناً، كل موطن ألف سنة. وفيه تقديم وتأخير كأنه قال: ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه.
5- "فاصبر صبراً جميلاً"، يا محمد على تكذيبهم وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
6- "إنهم يرونه بعيداً"، يعني العذاب.
7- "ونراه قريباً"، لأن ما هو آت قريب.
8- "يوم تكون السماء كالمهل"، كعكر الزيت. وقال الحسن: كالفضة إذا أذيبت.
9- "وتكون الجبال كالعهن"، كالصوف المصبوغ. ولا يقال: عهن إلا للمصبوغ. وقال مقاتل: كالصوف المنفوش. وقال الحسن: كالصوف الأخمر وهو أضعف الصوف/، وأول ما تتغير الجبال تصير رملاً مهيلاً، ثم عهناً منفوشاً، ثم تصير هباءً منثوراً.
22- "ولا يسأل حميم حميماً"، قرأ البزي عن ابن كثير لا يسأل بضم الياء أي: لا يسئل حميم عن حميم، أي لا يقال له: أي حميمك؟ وقرأ الآخرون بفتح الياء، أي: لا يسأل قريب قريباً لشغله بشأن نفسه.
12- "يبصرونهم"، يرونهم، وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس، فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته فلا يسأله، ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه. قال ابن عباس: يتعارفون ساعة من النهار ثم لا يتعارفون بعده. وقيل: "يبصرونهم": يعرفونهم، أي: يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه، ومع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه. وقال السدي: يعرفونهم أما المؤمن فببياض وجهه، وأما الكافر فبسواد وجهه، "يود المجرم"، يتمنى المشرك، "لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه".
12- "وصاحبته"، زوجته، "وأخيه".
13- "وفصيلته"، عشيرته التي فصل منهم. وقال مجاهد: قبيلته. وقال غيره: أقرباؤه الأقربون، "التي تؤويه"، أي التي تضمه ويأوي إليها.
14- "ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه"، ذلك الفداء من عذاب ربك.
15- "كلا"، لا ينجيه من عذاب الله شيء، ثم ابتدأ فقال: "إنها لظى"، وهي اسم من أسماء جهنم. قيل: هي الدركة الثانية، سميت بذلك لأنها تتلظى، أي: تتلهب.
16- "نزاعةً للشوى"، قرأ حفص عن عاصم "نزاعةً" نصب على الحال والقطع، وقرأ الآخرون بالرفع أي هي نزاعة للشوى، وهي الأطراف: اليدان والرجلان، وسائر الأطراف. قال مجاهد: لجلود الرأس. وروى إبراهيم بن مهاجر عنه: تنزع اللحم دون العظام. قال مقاتل: تنزع النار الأطراف فلا تترك لحماً ولا جلداً. وقال الضحاك: تنزع الجلد واللحم عن العظم. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: العصب والعقب. وقال الكلبي: لأم الرأس، تأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان، ثم تعود لأكله فذلك دأبها. وقال قتادة: لمكارم خلقه وأطرافه. قال أبو العالية: لمحاسن وجهه. وقال ابن جرير: " للشوى ": جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلاً، يقال: رمى فأشوى إذا أصاب الأطراف ولم يصب المقتل.
17- "تدعو"، أي: النار إلى نفسها، "من أدبر"، عن الإيمان، "وتولى"، عن الحق فتقول إلي يا مشرك إلي يا منافق إلي إلي. قال ابن عباس: تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب. حكي عن الخليل: أنه قال: تدعو أي تعذب. وقال: قال أعرابي لآخر: دعاك الله أي عذبك الله.
18- "وجمع"، أي: جمع المال، "فأوعى"، أمسكه في الوعاء ولم يؤد حق الله منه.
19- "إن الإنسان خلق هلوعاً"، روى السدي عن أ[ي صالح عن ابن عباس قال: الهلوع: الحريص على ما لا يحل له. وقال سعيد بن جبير: شحيحاً. وقال عكرمة: ضجوراً. وقال الضحاك والحسن: بخيلاً. وقال قتادة: جزوعاً. وقال مقاتل: ضيق القلب. والهلع: شدة الحرص، وقلة الصبر. وقال عطية عن ابن عباس: تفسيره ما بعده.
وهو قوله: 20- "إذا مسه الشر جزوعاً".
21- "وإذا مسه الخير منوعاً"، أي: إذا أصابه الفقر لم يصبر، وإذا أصاب المال لم ينفق. قال ابن كيسان: خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويهرب مما يكره، ثم تعبده بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره.
ثم استثنى فقال: 22- "إلا المصلين"، استثنى الجمع من الوحدان لأن الإنسان في معنى الجمع كقوله: " إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا ".
23- "الذين هم على صلاتهم دائمون"، يقيمونها في أوقاتها يعني الفرائض. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير أخبره قال: سألنا عقبة بن عامر عن قول الله تعالى: "الذين هم على صلاتهم دائمون" أهم الذين يصلون أبداً؟ قال: لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا من خلفه.
24- "والذين في أموالهم حق معلوم".
25- "للسائل والمحروم".
26- "والذين يصدقون بيوم الدين".
27- "والذين هم من عذاب ربهم مشفقون".
28- "إن عذاب ربهم غير مأمون".
29- "والذين هم لفروجهم حافظون".
30- "إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين".
31- "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون".
32- "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون".
33- "والذين هم بشهاداتهم قائمون"، قرأ حفص عن عاصم، ويعقوب: "بشهاداتهم": على الجمع، وقرأ الآخرون بشهادتهم على التوحيد، "قائمون"، أي يقومون فيها بالحق أو لا يكتمونها ولا يغيرونها.
34- "والذين هم على صلاتهم يحافظون".
35- "أولئك في جنات مكرمون".
36- "فمال الذين كفروا"، أي: فما بال الذين كفروا، كقوله: "فما لهم عن التذكرة معرضين" (المدثر - 49)، "قبلك مهطعين"، مسرعين مقبلين إيك مادي أعناقهم ومديمي النظر إليك متطلعين نحوك. نزلت في جماعة من الكفار، كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ويستهزئون به ويكذبونه، فقال الله تعالى: ما لهم ينظرون إليك ويجلسون عندك وهم لا ينتفعون بما يستمعون.
37- "عن اليمين وعن الشمال عزين"، حلقاً وفرقاً، و العزين: جماعات في تفرقة، واحدتها عزة.
38- "أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم"، قال ابن عباس: معناه أيطمع كل رجل منهم أن يدخل جنتي كما يدخلها المسلمون ويتنعم فيها وقد كذب نبيي؟
39- "كلا"، لا يدخلونها. ثم ابتدأ فقال: "إنا خلقناهم مما يعلمون"، أي: من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، نبه الناس على أنهم خلقوا من أصل واحد وإنما يتفاضلون ويستوجبون الجنة بالإيمان والطاعة. أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا الحسين ابن محمد بن فنجويه، حدثنا موسى بن محمد بن علي، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا صفوان ابن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا جرير بن عثمان الرحبي، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش القرشي قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم وبصق يوماً في كفه ووضع عليها إصبعه فقال: يقول الله عز وجل: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا /سويتك وعدلتك، مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق، وأنى أوان الصدقة". وقيل: معناه إنا خلقناهم من أجل ما يعملون وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب. وقيل: ما بمعنى من، مجازه: إنا خلقناهم ممن يعلمون ويعقلون لا كالبهائم.
40- "فلا أقسم برب المشارق والمغارب"، يعني مشرق كل يوم من أيام السنة ومغربه، "إنا لقادرون".
41- "على أن نبدل خيراً منهم"، على أن نخلق أمثل منهم وأطوع لله ورسوله، "وما نحن بمسبوقين".
42- "فذرهم يخوضوا"، في باطلهم، "ويلعبوا"، في دنياهم، "حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون"، نسختها آية القتال.
43- "يوم يخرجون من الأجداث"، من القبور، "سراعاً"، إلى إجابة الداعي، "كأنهم إلى نصب"، قرأ ابن عامر وابن عباس وحفص: "نصب" بضم النون والصاد، وقرأ الآخرون بفتح النون وسكون الصاد، يعنون إلى شيء منصوب، يقال: فلان نصب عيني. وقال الكلبي: إلى علم وراية. ومن قرأ بالضم، قال مقاتل والكسائي: يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله كقوله: "وما ذبح على النصب" (المائدة- 3). قال الحسن: يسرعون إليها أيهم يتسلمها ألولاً، "يوفضون"، يسرعون.
44- "خاشعةً"، ذليلة خاضعة، "أبصارهم ترهقهم ذلة"، يغشاهم هوان، "ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون"، يعني يوم القيامة.