سُورَة الْمَعَارِج وَهِيَ مَكِّيَّة بِاتِّفَاقٍ . وَهِيَ أَرْبَع وَأَرْبَعُونَ آيَةً</p><p>قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر | سَالَ سَايِلٌ | بِغَيْرِ هَمْزَة . الْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ . فَمَنْ هَمَزَ فَهُوَ مِنْ السُّؤَال . وَالْبَاء يَجُوز أَنْ تَكُونَ زَائِدَة , وَيَجُوز أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى عَنْ . وَالسُّؤَال بِمَعْنَى الدُّعَاء ; أَيْ دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . يُقَال : دَعَا عَلَى فُلَان بِالْوَيْلِ , وَدَعَا عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ . وَيُقَال : دَعَوْت زَيْدًا ; أَيْ اِلْتَمَسْت إِحْضَاره . أَيْ اِلْتَمَسَ مُلْتَمِس عَذَابًا لِلْكَافِرِينَ ; وَهُوَ وَاقِع بِهِمْ لَا مَحَالَةَ يَوْم الْقِيَامَة . وَعَلَى هَذَا فَالْبَاء زَائِدَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | تَنْبُت بِالدُّهْنِ | [ الْمُؤْمِنُونَ : 20 ] , وَقَوْله . | وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة | [ مَرْيَم : 25 ] فَهِيَ تَأْكِيد . أَيْ سَأَلَ سَائِل عَذَابًا وَاقِعًا .
أَيْ عَلَى الْكَافِرِينَ . وَهُوَ النَّضْر بْن الْحَارِث حَيْثُ قَالَ : | اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم | [ الْأَنْفَال : 32 ] فَنَزَّلَ سُؤَالَهُ , وَقُتِلَ يَوْمَ بَدْر صَبْرًا هُوَ وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط ; لَمْ يُقْتَل صَبْرًا غَيْرهمَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . وَقِيلَ : إِنَّ السَّائِلَ هُنَا هُوَ الْحَارِث بْن النُّعْمَان الْفِهْرِيّ . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ) رَكِبَ نَاقَتَهُ فَجَاءَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِالْأَبْطَحِ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّد , أَمَرْتنَا عَنْ اللَّه أَنْ نَشْهَد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه فَقَبِلْنَاهُ مِنْك , وَأَنْ نُصَلِّيَ خَمْسًا فَقَبِلْنَاهُ مِنْك , وَنُزَكِّي أَمْوَالنَا فَقَبِلْنَاهُ مِنْك , وَأَنَّ نَصُوم شَهْر رَمَضَانَ فِي كُلّ عَام فَقَبِلْنَاهُ مِنْك , وَأَنْ نَحُجّ فَقَبِلْنَاهُ مِنْك , ثُمَّ لَمْ تَرْضَ بِهَذَا حَتَّى فَضَّلْت اِبْن عَمّك عَلَيْنَا ! أَفَهَذَا شَيْء مِنْك أَمْ مِنْ اللَّه ؟ ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا هُوَ إِلَّا مِنْ اللَّه ) فَوَلَّى الْحَارِث وَهُوَ يَقُول : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم . فَوَاَللَّهِ مَا وَصَلَ إِلَى نَاقَته حَتَّى رَمَاهُ اللَّه بِحَجَرٍ فَوَقَعَ عَلَى دِمَاغه فَخَرَجَ مِنْ دُبُره فَقَتَلَهُ ; فَنَزَلَتْ : | سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع | الْآيَة . وَقِيلَ : إِنَّ السَّائِلَ هُنَا أَبُو جَهْل وَهُوَ الْقَائِل لِذَلِكَ , قَالَهُ الرَّبِيع . وَقِيلَ : إِنَّهُ قَوْل جَمَاعَة مِنْ كُفَّار قُرَيْش . وَقِيلَ : هُوَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ الْعَذَابَ عَلَى الْكَافِرِينَ . وَقِيلَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ دَعَا عَلَيْهِ السَّلَام بِالْعِقَابِ وَطَلَبَ أَنْ يُوقِعَهُ اللَّه بِالْكُفَّارِ ; وَهُوَ وَاقِع بِهِمْ لَا مَحَالَةَ . وَامْتَدَّ الْكَلَام إِلَى قَوْله تَعَالَى : | فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا | [ الْمَعَارِج : 5 ] أَيْ لَا تَسْتَعْجِل فَإِنَّهُ قَرِيب . وَإِذَا كَانَتْ الْبَاء بِمَعْنَى عَنْ - وَهُوَ قَوْل قَتَادَة - فَكَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ الْعَذَاب بِمَنْ يَقَع أَوْ مَتَى يَقَع . قَالَ اللَّه تَعَالَى : | فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا | [ الْفُرْقَان : 59 ] أَيْ سَلْ عَنْهُ . وَقَالَ عَلْقَمَة : <br>فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي .......... بَصِير بِأَدْوَاءِ النِّسَاء طَبِيب <br>أَيْ عَنْ النِّسَاء . وَيُقَال : خَرَجْنَا نَسْأَل عَنْ فُلَان وَبِفُلَانٍ . فَالْمَعْنَى سَأَلُوا بِمَنْ يَقَع الْعَذَاب وَلِمَنْ يَكُون فَقَالَ اللَّه : | لِلْكَافِرِينَ | . قَالَ أَبُو عَلِيّ وَغَيْره : وَإِذَا كَانَ مِنْ السُّؤَال فَأَصْله أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَيَجُوز الِاقْتِصَار عَلَى أَحَدهمَا . وَإِذَا اِقْتَصَرَ عَلَى أَحَدهمَا جَازَ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ بِحَرْفِ جَرّ ; فَيَكُون التَّقْدِير سَأَلَ سَائِل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمُسْلِمِينَ بِعَذَابٍ أَوْ عَنْ عَذَاب . وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ هَمْز فَلَهُ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ لُغَة فِي السُّؤَال وَهِيَ لُغَة قُرَيْش ; تَقُول الْعَرَب : سَالَ يَسَال ; مِثْل نَالَ يَنَال وَخَافَ يَخَاف . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِنْ السَّيَلَان ; وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس | سَالَ سَيْل | . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : سَالَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَة جَهَنَّم يُقَال لَهُ : سَائِل ; وَقَوْل زَيْد بْن ثَابِت . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَالْأَوَّل أَحْسَن ; كَقَوْلِ الْأَعْشَى فِي تَخْفِيف الْهَمْزَة : <br>سَالَتَانِي الطَّلَاق إِذْ رَأَتَانِي .......... قَلَّ مَالِي قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْرٍ <br>وَفِي الصِّحَاح : قَالَ الْأَخْفَش : يُقَال خَرَجْنَا نَسْأَل عَنْ فُلَان وَبِفُلَانٍ . وَقَدْ تُخَفَّف هَمْزَته فَيُقَال : سَالَ يَسَال . وَقَالَ : <br>وَمُرْهَق سَالَ إِمْتَاعًا بِأُصْدَتِهِ .......... لَمْ يَسْتَعِنْ وَحَوَامِي الْمَوْت تَغْشَاهُ <br>الْمُرْهَق : الَّذِي أُدْرِكَ لِيُقْتَل . وَالْأُصْدَة بِالضَّمِّ : قَمِيص صَغِير يُلْبَس تَحْتَ الثَّوْب . الْمَهْدَوِيّ : مَنْ قَرَأَ | سَالَ | جَازَ أَنْ يَكُونَ خَفَّفَ الْهَمْزَة بِإِبْدَالِهَا أَلِفًا , وَهُوَ الْبَدَل عَلَى غَيْر قِيَاس . وَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْأَلِف مُنْقَلِبَة عَنْ وَاو عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : سِلْت أَسَال ; كَخِفْتُ أَخَاف . النَّحَّاس : حَكَى سِيبَوَيْهِ سِلْت أَسَال ; مِثْل خِفْت أَخَاف ; بِمَعْنَى سَأَلْت . وَأَنْشَدَ : <br>سَالَتْ هُذَيْل رَسُولَ اللَّه فَاحِشَةً .......... ضَلَّتْ هُذَيْل بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبِ <br>وَيُقَال : هُمَا يَتَسَاوَلَانِ . الْمَهْدَوِيّ : وَجَازَ أَنْ تَكُونَ مُبْدَلَة مِنْ يَاء , مِنْ سَالَ يَسِيل . وَيَكُون سَايِلٌ وَادِيًا فِي جَهَنَّم ; فَهَمْزَة سَايِل عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل أَصْلِيَّة , وَعَلَى الثَّانِي بَدَل مِنْ وَاو , وَعَلَى الثَّالِث بَدَل مِنْ يَاء . الْقُشَيْرِيّ : وَسَائِل مَهْمُوز ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ سَأَلَ بِالْهَمْزِ فَهُوَ مَهْمُوز , وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْر الْهَمْز كَانَ مَهْمُوزًا أَيْضًا ; نَحْو قَائِل وَخَائِف ; لِأَنَّ الْعَيْنَ اِعْتَلَّ فِي الْفِعْل وَاعْتَلَّ فِي اِسْم الْفَاعِل أَيْضًا . وَلَمْ يَكُنْ الِاعْتِلَال بِالْحَذْفِ لِخَوْفِ الِالْتِبَاس , فَكَانَ بِالْقَلْبِ إِلَى الْهَمْزَة , وَلَك تَخْفِيف الْهَمْزَة حَتَّى تَكُونَ بَيْنَ بَيْنَ . | وَاقِع | أَيْ يَقَع بِالْكُفَّارِ بَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ اللَّه ذِي الْمَعَارِج .
نَزَّلَ اللَّه تَعَالَى : | سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع | فَقَالَ لِمَنْ هُوَ ؟ فَقَالَ لِلْكَافِرِينَ ; فَاللَّام فِي الْكَافِرِينَ مُتَعَلِّقَة | بِوَاقِعٍ | . وَقَالَ الْفَرَّاء : التَّقْدِير بِعَذَابٍ لِلْكَافِرِينَ وَاقِع ; فَالْوَاقِع مِنْ نَعْت الْعَذَاب وَاللَّام دَخَلَتْ لِلْعَذَابِ لَا لِلْوَاقِعِ , أَيْ هَذَا الْعَذَاب لِلْكَافِرِينَ فِي الْآخِرَة لَا يَدْفَعهُ عَنْهُمْ أَحَد . وَقِيلَ إِنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى , وَالْمَعْنَى : وَاقِع عَلَى الْكَافِرِينَ . وَرُوِيَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أُبَيّ كَذَلِكَ . وَقِيلَ : بِمَعْنَى عَنْ ; أَيْ لَيْسَ لَهُ دَافِع عَنْ الْكَافِرِينَ مِنْ اللَّه . أَيْ ذَلِكَ الْعَذَاب مِنْ اللَّه ذِي الْمَعَارِج أَيْ ذِي الْعُلُوّ وَالدَّرَجَات الْفَوَاضِل وَالنِّعَم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة فَالْمَعَارِج مَرَاتِب إِنْعَامه عَلَى الْخَلْق وَقِيلَ ذِي الْعَظَمَة وَالْعَلَاء وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ مَعَارِج السَّمَاء . وَقِيلَ : هِيَ مَعَارِج الْمَلَائِكَة ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَعْرُج إِلَى السَّمَاء فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : الْمَعَارِج الْغُرَف ; أَيْ إِنَّهُ ذُو الْغُرَف , أَيْ جَعَلَ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْجَنَّة غُرَفًا . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه | ذِي الْمَعَارِيج | بِالْيَاءِ . يُقَال : مَعْرَج وَمِعْرَاج وَمَعَارِج وَمَعَارِيج ; مِثْل مِفْتَاح وَمَفَاتِيح . وَالْمَعَارِج الدَّرَجَات ; وَمِنْهُ : | وَمَعَارِج عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ | [ الزُّخْرُف : 33 ] .
أَيْ تَصْعَدُ فِي الْمَعَارِج الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه لَهُمْ . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأَصْحَابه وَالسُّلَمِيّ وَالْكِسَائِيّ | يَعْرُج | بِالْيَاءِ عَلَى إِرَادَة الْجَمْع ; وَلِقَوْلِهِ : ذَكِّرُوا الْمَلَائِكَةَ وَلَا تُؤَنِّثُوهُمْ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى إِرَادَة الْجَمَاعَة . | وَالرُّوح | جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . دَلِيله قَوْله تَعَالَى : | نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين | [ الشُّعَرَاء : 193 ] . وَقِيلَ : هُوَ مَلَك آخَر عَظِيم الْخِلْقَة . وَقَالَ أَبُو صَالِح : إِنَّهُ خَلْق مِنْ خَلْق اللَّه كَهَيْئَةِ النَّاس وَلَيْسَ بِالنَّاسِ . قَالَ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب : إِنَّهُ رُوح الْمَيِّت حِينَ يُقْبَض . | إِلَيْهِ | أَيْ إِلَى الْمَكَان الَّذِي هُوَ مَحَلّهمْ وَهُوَ فِي السَّمَاء ; لِأَنَّهَا مَحَلّ بِرّه وَكَرَامَته . وَقِيلَ : هُوَ كَقَوْلِ إِبْرَاهِيم | إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي | [ الصَّافَّات : 99 ] . أَيْ إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ . وَقِيلَ :|إِلَيْهِ|أَيْ إِلَى عَرْشه .|فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ|قَالَ وَهْب وَالْكَلْبِيّ وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق : أَيْ عُرُوج الْمَلَائِكَة إِلَى الْمَكَان الَّذِي هُوَ مَحَلّهمْ فِي وَقْت كَانَ مِقْدَاره عَلَى غَيْرهمْ لَوْ صَعِدَ خَمْسِينَ أَلْف سَنَة . وَقَالَ وَهْب أَيْضًا : مَا بَيْنَ أَسْفَل الْأَرْض إِلَى الْعَرْش مَسِيرَة خَمْسِينَ أَلْف سَنَة . وَهُوَ قَوْل مُجَاهِد . وَجَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَة وَبَيْنَ قَوْله : | فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة | فِي سُورَة السَّجْدَة , فَقَالَ : | فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة | مِنْ مُنْتَهَى أَمْره مِنْ أَسْفَل الْأَرْضِينَ إِلَى مُنْتَهَى أَمْره مِنْ فَوْق السَّمَوَات خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . وَقَوْله تَعَالَى فِي ( الم تَنْزِيل ) : | فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة | [ السَّجْدَة : 5 ] يَعْنِي بِذَلِكَ نُزُول الْأَمْر مِنْ سَمَاء الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْض , وَمِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد فَذَلِكَ مِقْدَار أَلْف سَنَة لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَالْحَكَم وَعِكْرِمَة : هُوَ مُدَّة عُمُر الدُّنْيَا مِنْ أَوَّل مَا خُلِقَتْ إِلَى آخِر مَا بَقِيَ خَمْسُونَ أَلْف سَنَة . لَا يَدْرِي أَحَد كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : الْمُرَاد يَوْم الْقِيَامَة , أَيْ مِقْدَار الْحُكْم فِيهِ لَوْ تَوَلَّاهُ مَخْلُوق خَمْسُونَ أَلْف سَنَة , قَالَهُ عِكْرِمَة أَيْضًا وَالْكَلْبِيّ وَمُحَمَّد بْن كَعْب . يَقُول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَا أَفْرُغ مِنْهُ فِي سَاعَة . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ يَوْم الْقِيَامَة , وَلَكِنْ يَوْم الْقِيَامَة لَا نُفَاد لَهُ فَالْمُرَاد ذِكْر مَوْقِفهمْ لِلْحِسَابِ فَهُوَ فِي خَمْسِينَ أَلْف سَنَة مِنْ سِنِي الدُّنْيَا , ثُمَّ حِينَئِذٍ يَسْتَقِرّ أَهْل الدَّارَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ . وَقَالَ يَمَان : هُوَ يَوْم الْقِيَامَة , فِيهِ خَمْسُونَ مَوْطِنًا كُلّ مَوْطِن أَلْف سَنَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ يَوْم الْقِيَامَة , جَعَلَهُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ مِقْدَار خَمْسِينَ أَلْف سَنَة , ثُمَّ يَدْخُلُونَ النَّارَ لِلِاسْتِقْرَارِ . قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْآيَة إِنْ شَاءَ اللَّه , بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ قَاسِم بْن أَصْبَغَ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة | . فَقُلْت : مَا أَطْوَلَ هَذَا ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّف عَنْ الْمُؤْمِن حَتَّى يَكُونَ أَخَفّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاة الْمَكْتُوبَة يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا ) . وَاسْتَدَلَّ النَّحَّاس عَلَى صِحَّة هَذَا الْقَوْل بِمَا رَوَاهُ سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا مِنْ رَجُل لَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَال إِلَّا جُعِلَ شُجَاعًا مِنْ نَار تُكْوَى بِهِ جَبْهَته وَظَهْره وَجَنْبَاهُ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة حَتَّى يَقْضِيَ اللَّه بَيْنَ النَّاسِ ) . قَالَ : فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ : مَا قَدْر ذَلِكَ الْيَوْم عَلَى الْمُؤْمِن إِلَّا قَدْر مَا بَيْنَ الظُّهْر وَالْعَصْر . وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث مُعَاذ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يُحَاسِبكُمْ اللَّه تَعَالَى بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلِذَلِكَ سَمَّى نَفْسَهُ سَرِيعَ الْحِسَاب وَأَسْرَعَ الْحَاسِبِينَ ) . ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : بَلْ يَكُون الْفَرَاغ لِنِصْفِ يَوْم , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا | [ الْفُرْقَان : 24 ] . وَهَذَا عَلَى قَدْر فَهْم الْخَلَائِق , وَإِلَّا فَلَا يَشْغَلهُ شَأْن عَنْ شَأْن . وَكَمَا يَرْزُقهُمْ فِي سَاعَة كَذَا يُحَاسِبهُمْ فِي لَحْظَة , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | مَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة | [ لُقْمَان : 28 ] . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة وَعَنْ قَوْله تَعَالَى : | فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة | [ السَّجْدَة : 5 ] فَقَالَ : أَيَّام سَمَّاهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ أَعْلَم بِهَا كَيْفَ تَكُون , وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِيهَا مَا لَا أَعْلَم . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَكَرَ خَمْسِينَ أَلْف سَنَة تَمْثِيل , وَهُوَ تَعْرِيف طُول مُدَّة الْقِيَامَة فِي الْمَوْقِف , وَمَا يَلْقَى النَّاس فِيهِ مِنْ الشَّدَائِد . وَالْعَرَب تَصِف أَيَّام الشِّدَّة بِالطُّولِ , وَأَيَّام الْفَرَح بِالْقِصَرِ ; قَالَ الشَّاعِر : <br>وَيَوْم كَظِلِّ الرُّمْح قَصَّرَ طُولَهُ .......... دَم الزِّقّ عَنَّا وَاصْطِفَاق الْمَزَاهِر <br>وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; وَالْمَعْنَى : سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ مِنْ اللَّه دَافِع , فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ . وَهَذَا الْقَوْل هُوَ مَعْنَى مَا اِخْتَرْنَاهُ , وَالْمُوَفِّق الْإِلَه .
أَيْ عَلَى أَذَى قَوْمك . وَالصَّبْر الْجَمِيل : هُوَ الَّذِي لَا جَزَع فِيهِ وَلَا شَكْوَى لِغَيْرِ اللَّه . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِب الْمُصِيبَة فِي الْقَوْم لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقَالَ اِبْن زَيْد : هِيَ مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف .<BR> أَيْ عَلَى أَذَى قَوْمك . وَالصَّبْر الْجَمِيل : هُوَ الَّذِي لَا جَزَع فِيهِ وَلَا شَكْوَى لِغَيْرِ اللَّه . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِب الْمُصِيبَة فِي الْقَوْم لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقَالَ اِبْن زَيْد : هِيَ مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف .'
يُرِيد أَهْل مَكَّة يَرَوْنَ الْعَذَابَ بِالنَّارِ بَعِيدًا ; أَيْ غَيْر كَائِن .
لِأَنَّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيب . وَقَالَ الْأَعْمَش : يَرَوْنَ الْبَعْثَ بَعِيدًا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ كَأَنَّهُمْ يَسْتَبْعِدُونَهُ عَلَى جِهَة الْإِحَالَة . كَمَا تَقُول لِمَنْ تُنَاظِرهُ : هَذَا بَعِيد لَا يَكُون وَقِيلَ : أَيْ يَرَوْنَ هَذَا الْيَوْمَ بَعِيدًا | وَنَرَاهُ | أَيْ نَعْلَمهُ ; لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّق بِالْمَوْجُودِ . وَهُوَ كَقَوْلِك : الشَّافِعِيّ يَرَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة كَذَا وَكَذَا .
الْعَامِل فِي | يَوْم | | وَاقِع | ; تَقْدِيره يَقَع بِهِمْ الْعَذَاب يَوْم . وَقِيلَ : | نَرَاهُ | أَوْ | يُبَصَّرُونَهُمْ | أَوْ يَكُون بَدَلًا مِنْ قَرِيب . وَالْمُهْل : دُرْدِيّ الزَّيْت وَعَكَره ; فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : مَا أُذِيبَ مِنْ الرَّصَاص وَالنُّحَاس وَالْفِضَّة . وَقَالَ مُجَاهِد : | كَالْمُهْلِ | كَقَيْحٍ مِنْ دَم وَصَدِيد . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الدُّخَان | , وَ | الْكَهْف | الْقَوْل فِيهِ .
أَيْ كَالصُّوفِ الْمَصْبُوغ . وَلَا يُقَال لِلصُّوفِ عِهْن إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَصْبُوغًا . وَقَالَ الْحَسَن : | وَتَكُون الْجِبَال كَالْعِهْنِ | وَهُوَ الصُّوف الْأَحْمَر , وَهُوَ أَضْعَف الصُّوف . وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : <br>كَأَنَّ فُتَات الْعِهْن فِي كُلّ مَنْزِل .......... نَزَلْنَ بِهِ حَبّ الْفَنَا لَمْ يُحَطَّم <br>الْفُتَات الْقِطَع . وَالْعِهْن الصُّوف الْأَحْمَر ; وَاحِده عِهْنَة . وَقِيلَ : الْعِهْن الصُّوف ذُو الْأَلْوَان ; فَشَبَّهَ الْجِبَالَ بِهِ فِي تَلَوُّنهَا أَلْوَانًا . وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَلِينَ بَعْدَ الشِّدَّة , وَتَتَفَرَّق بَعْدَ الِاجْتِمَاع . وَقِيلَ : أَوَّل مَا تَتَغَيَّر الْجِبَال تَصِير رَمْلًا مَهِيلًا , ثُمَّ عِهْنًا مَنْفُوشًا , ثُمَّ هَبَاء مُنْبَثًّا .
أَيْ عَنْ شَأْنه لِشُغْلِ كُلّ إِنْسَان بِنَفْسِهِ , قَالَهُ قَتَادَة . كَمَا قَالَ تَعَالَى : | لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه | [ عَبَسَ : 37 ] . وَقِيلَ : لَا يَسْأَل حَمِيم عَنْ حَمِيم , فَحَذَفَ الْجَارّ وَوَصَلَ الْفِعْلَ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | يَسْأَل | بِفَتْحِ الْيَاء . وَقَرَأَ شَيْبَة وَالْبَزِّيّ عَنْ عَاصِم | وَلَا يُسْأَل بِالضَّمِّ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , أَيْ لَا يُسْأَل حَمِيم عَنْ حَمِيمه وَلَا ذُو قَرَابَة عَنْ قَرَابَته , بَلْ كُلّ إِنْسَان يُسْأَل عَنْ عَمَله . نَظِيره : | كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة | [ الْمُدَّثِّر : 38 ] .
أَيْ يَرَوْنَهُمْ . وَلَيْسَ فِي الْقِيَامَة مَخْلُوق إِلَّا وَهُوَ نَصْب عَيْن صَاحِبه مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس . فَيُبْصِر الرَّجُل أَبَاهُ وَأَخَاهُ وَقَرَابَته وَعَشِيرَتَهُ وَلَا يَسْأَلهُ وَلَا يُكَلِّمهُ ; لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يَتَعَارَفُونَ سَاعَة ثُمَّ لَا يَتَعَارَفُونَ بَعْد تِلْكَ السَّاعَة . وَفِي بَعْض الْأَخْبَار أَنَّ أَهْل الْقِيَامَة يَفِرُّونَ مِنْ الْمَعَارِف مَخَافَة الْمَظَالِم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : | يُبَصَّرُونَهُمْ | يُبْصِر بَعْضهمْ بَعْضًا فَيَتَعَارَفُونَ ثُمَّ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . فَالضَّمِير فِي | يُبَصَّرُونَهُمْ | عَلَى هَذَا لِلْكُفَّارِ , وَالْمِيم لِلْأَقْرِبَاءِ . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى يُبَصِّر اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْكُفَّار فِي يَوْم الْقِيَامَة ; فَالضَّمِير فِي يُبَصَّرُونَهُمْ | لِلْمُؤْمِنِينَ , وَالْهَاء وَالْمِيم لِلْكُفَّارِ . اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى يُبَصِّر اللَّه الْكُفَّارَ فِي النَّار الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ فِي الدُّنْيَا ; فَالضَّمِير فِي | يُبَصَّرُونَهُمْ | لِلتَّابِعِينَ , وَالْهَاء وَالْمِيم لِلْمَتْبُوعِينَ . وَقِيلَ : إِنَّهُ يُبَصِّر الْمَظْلُومُ ظَالِمَهُ وَالْمَقْتُولُ قَاتِلَهُ . وَقِيلَ : | يُبَصَّرُونَهُمْ | يَرْجِع إِلَى الْمَلَائِكَة ; أَيْ يَعْرِفُونَ أَحْوَال النَّاس فَيَسُوقُونَ كُلَّ فَرِيق إِلَى مَا يَلِيق بِهِمْ . وَتَمَّ الْكَلَام عِنْدَ قَوْله : | يُبَصَّرُونَهُمْ | . ثُمَّ قَالَ :|يَوَدُّ الْمُجْرِمُ|أَيْ يَتَمَنَّى الْكَافِر .|لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ|يَعْنِي مِنْ عَذَاب جَهَنَّم بِأَعَزّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَقَارِبه فَلَا يَقْدِر . ثُمَّ ذَكَرَهُمْ فَقَالَ :
زَوْجَته وَعَشِيرَته .
أَيْ عَشِيرَته .|الَّتِي تُؤْوِيهِ|تَنْصُرهُ ; قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد . وَقَالَ مَالِك : أُمّه الَّتِي تُرَبِّيه . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَب . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْفَصِيلَة دُونَ الْقَبِيلَة . وَقَالَ ثَعْلَب : هُمْ آبَاؤُهُ الْأَدْنَوْنَ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : الْفَصِيلَة الْقِطْعَة مِنْ أَعْضَاء الْجَسَد , وَهِيَ دُون الْقَبِيلَة . وَسُمِّيَتْ عِتْرَة الرَّجُل فَصِيلَته تَشْبِيهًا بِالْبَعْضِ مِنْهُ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الْحُجُرَات | الْقَوْل فِي الْقَبِيلَة وَغَيْرهَا . وَهُنَا مَسْأَلَة , وَهِيَ : إِذَا حَبَسَ عَلَى فَصِيلَته أَوْ أَوْصَى لَهَا فَمَنْ اِدَّعَى الْعُمُوم حَمَلَهُ عَلَى الْعَشِيرَة , وَمَنْ اِدَّعَى الْخُصُوصَ حَمَلَهُ عَلَى الْآبَاء ; الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى . وَالْأَوَّل أَكْثَر فِي النُّطْق , وَاَللَّه أَعْلَم . وَمَعْنَى : | تُؤْوِيه | تَضُمّهُ وَتُؤَمِّنهُ مِنْ خَوْف إِنْ كَانَ بِهِ .
أَيْ وَيَوَدّ لَوْ فُدِيَ بِهِمْ لَافْتَدَى|ثُمَّ يُنْجِيهِ|أَيْ يُخَلِّصهُ ذَلِكَ الْفِدَاء . فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْإِضْمَار , كَقَوْلِهِ : | وَإِنَّهُ لَفِسْق | [ الْأَنْعَام : 121 ] أَيْ وَإِنَّ أَكْلَهُ لَفِسْق . وَقِيلَ : | يَوَدّ الْمُجْرِم | يَقْتَضِي جَوَابًا بِالْفَاءِ ; كَقَوْلِهِ : | وَدُّوا لَوْ تُدْهِن فَيُدْهِنُونَ | [ الْقَلَم : 9 ] . وَالْجَوَاب فِي هَذِهِ الْآيَة | ثُمَّ يُنْجِيه | لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوف الْعَطْف ; أَيْ يَوَدّ الْمُجْرِم لَوْ يَفْتَدِي فَيُنْجِيه الِافْتِدَاء .
تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي | كَلَّا | وَأَنَّهَا تَكُون بِمَعْنَى حَقًّا , وَبِمَعْنَى لَا . وَهِيَ هُنَا تَحْتَمِل الْأَمْرَيْنِ ; فَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى حَقًّا كَانَ تَمَام الْكَلَام | يُنْجِيه | . وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى لَا كَانَ تَمَام الْكَلَام عَلَيْهَا ; أَيْ لَيْسَ يُنْجِيه مِنْ عَذَاب اللَّه الِافْتِدَاء ثُمَّ قَالَ :|إِنَّهَا لَظَى|أَيْ هِيَ جَهَنَّم ; أَيْ تَتَلَظَّى نِيرَانهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى | [ اللَّيْل : 14 ] وَاشْتِقَاق لَظَى مِنْ التَّلَظِّي . وَالْتِظَاء النَّار اِلْتِهَابهَا , وَتَلَظِّيهَا تَلَهُّبهَا . وَقِيلَ : كَانَ أَصْلهَا | لَظَظَ | أَيْ مَا دَامَتْ لِدَوَامِ عَذَابهَا ; فَقُلِبَتْ إِحْدَى الظَّاءَيْنِ أَلِفًا فَبَقِيَتْ لَظَى . وَقِيلَ : هِيَ الدَّرَكَة الثَّانِيَة مِنْ طَبَقَات جَهَنَّم . وَهِيَ اِسْم مُؤَنَّث مَعْرِفَة فَلَا يَنْصَرِف .
قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَنَافِع وَعَاصِم فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر عَنْهُ وَالْأَعْمَش وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | نَزَّاعَة | بِالرَّفْعِ . وَرَوَى أَبُو عَمْرو عَنْ عَاصِم | نَزَّاعَة | بِالنَّصْبِ . فَمَنْ رَفَعَ فَلَهُ خَمْسَة أَوْجُه : أَحَدهَا أَنْ تُجْعَل | لَظَى | خَبَر | إِنَّ | وَتُرْفَع | نَزَّاعَة | بِإِضْمَارِ هِيَ ; فَمِنْ هَذَا الْوَجْه يَحْسُن الْوَقْف عَلَى | لَظَى | . وَالْوَجْه الثَّانِي أَنْ تَكُونَ | لَظَى | وَ | نَزَّاعَة | خَبَرَانِ لِإِنَّ . كَمَا تَقُول إِنَّهُ خُلُق مُخَاصِم . وَالْوَجْه الثَّالِث أَنْ تَكُونَ | نَزَّاعَة | بَدَلًا مِنْ | لَظَى | و | لَظَى | خَبَر | إِنَّ | . وَالْوَجْه الرَّابِع أَنْ تَكُونَ | لَظَى | بَدَلًا مِنْ اِسْم | إِنَّ | وَ | نَزَّاعَة | خَبَر | إِنَّ | . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقِصَّة وَالْخَبَر لَظَى نَزَّاعَة لِلشَّوَى وَمَنْ نَصَبَ | نَزَّاعَة | حَسُنَ لَهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى | لَظَى | وَيَنْصِب | نَزَّاعَةً | عَلَى الْقَطْع مِنْ | لَظَى | إِذْ كَانَتْ نَكِرَة مُتَّصِلَة بِمَعْرِفَةٍ . وَيَجُوز نَصْبهَا عَلَى الْحَال الْمُؤَكِّدَة ; كَمَا قَالَ : | وَهُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا | [ الْبَقَرَة : 91 ] . وَيَجُوز أَنْ تُنْصَب عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَتَلَظَّى نَزَّاعَة ; أَيْ فِي حَال نَزْعهَا لِلشَّوَى . وَالْعَامِل فِيهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام مِنْ مَعْنَى التَّلَظِّي . وَيَجُوز أَنْ يَكُونَ حَالًا ; عَلَى أَنَّهُ حَال لِلْمُكَذِّبِينَ بِخَبَرِهَا . وَيَجُوز نَصْبهَا عَلَى الْقَطْع ; كَمَا تَقُول : مَرَرْت بِزَيْدٍ الْعَاقِل الْفَاضِل . فَهَذِهِ خَمْسَة أَوْجُه لِلنَّصْبِ أَيْضًا . وَالشَّوَى : جَمْع شَوَاة وَهِيَ جِلْدَة الرَّأْس . قَالَ الْأَعْشَى : <br>قَالَتْ قُتَيْلَة مَا لَهُ .......... قَدْ جُلِّلَتْ شَيْبًا شَوَاتُهُ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَأَصْبَحْت هَدَّتْك الْحَوَادِث هَدَّة .......... لَهَا فَشَوَاة الرَّأْس بَادٍ قَتِيرهَا <br>الْقَتِير : الشَّيْب . وَفِي الصِّحَاح : | وَالشَّوَى : جَمْع شَوَاة وَهِيَ جِلْدَة الرَّأْس | . وَالشَّوَى : الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالرَّأْس مِنْ الْآدَمِيِّينَ , وَكُلّ مَا لَيْسَ مَقْتَلًا . يُقَال : رَمَاهُ فَأَشْوَاهُ إِذَا لَمْ يُصِبْ الْمَقْتَلَ . قَالَ الْهُذَلِيّ : <br>فَإِنَّ مِنْ الْقَوْل الَّتِي لَا شَوَى لَهَا .......... إِذَا زَلَّ عَنْ ظَهْر اللِّسَان اِنْفِلَاتهَا <br>يَقُول : إِنَّ مِنْ الْقَوْل كَلِمَة لَا تَشْوِي وَلَكِنْ تَقْتُل . قَالَ الْأَعْشَى : <br>قَالَتْ قُتَيْلَة مَا لَهُ .......... قَدْ جُلِّلَتْ شَيْبًا شَوَاتُهُ <br>قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَنْشَدَهَا أَبُو الْخَطَّاب الْأَخْفَش أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء فَقَالَ لَهُ : | صَحَّفْت ! إِنَّمَا هُوَ سَرَاتُهُ ; أَيْ نَوَاحِيه فَسَكَتَ أَبُو الْخَطَّاب ثُمَّ قَالَ لَنَا : بَلْ هُوَ صَحَّفَ , إِنَّمَا هُوَ شَوَاتُهُ | . وَشَوَى الْفَرَس : قَوَائِمه ; لِأَنَّهُ يُقَال : عَبْل الشَّوَى , وَلَا يَكُون هَذَا لِلرَّأْسِ ; لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا الْخَيْلَ بِإِسَالَةِ الْخَدَّيْنِ وَعِتْق الْوَجْه وَهُوَ رِقَّته . وَالشَّوَى : رُذَال الْمَال . وَالشَّوَى : هُوَ الشَّيْء الْهَيِّن الْيَسِير . وَقَالَ ثَابِت الْبُنَانِيّ وَالْحَسَن : | نَزَّاعَة لِلشَّوَى | أَيْ لِمَكَارِمِ وَجْهه . أَبُو الْعَالِيَة : لِمَحَاسِن وَجْهه . قَتَادَة : لِمَكَارِمِ خِلْقَته وَأَطْرَافه . وَقَالَ الضَّحَّاك : تَفْرِي اللَّحْم وَالْجِلْد عَنْ الْعَظْم حَتَّى لَا تَتْرُك مِنْهُ شَيْئًا . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هِيَ الْمَفَاصِل . وَقَالَ بَعْض الْأَئِمَّة : هِيَ الْقَوَائِم وَالْجُلُود . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : <br>سَلِيم الشَّظَى عَبْل الشَّوَى شَنِج النَّسَا .......... لَهُ حَجَبَات مُشْرِفَات عَلَى الْفَالِ <br>وَقَالَ أَبُو صَالِح : أَطْرَاف الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ . قَالَ الشَّاعِر : <br>إِذَا نَظَرْت عَرَفْت الْفَخْر مِنْهَا .......... وَعَيْنَيْهَا وَلَمْ تَعْرِف شَوَاهَا <br>يَعْنِي أَطْرَافَهَا . وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : الشَّوَى الْهَام .
أَيْ تَدْعُو لَظَى مَنْ أَدْبَرَ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَة اللَّه وَتَوَلَّى عَنْ الْإِيمَان . وَدُعَاؤُهَا أَنْ تَقُولَ : إِلَيَّ يَا مُشْرِك , إِلَيَّ يَا كَافِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَدْعُو الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِلِسَانٍ فَصِيح : إِلَيَّ يَا كَافِر , إِلَيَّ يَا مُنَافِق ; ثُمَّ تَلْتَقِطهُمْ كَمَا يَلْتَقِط الطَّيْر الْحَبّ . وَقَالَ ثَعْلَب : | تَدْعُو | أَيْ تُهْلِك . تَقُول الْعَرَب : دَعَاك اللَّه ; أَيْ أَهْلَكَك اللَّه . وَقَالَ الْخَلِيل : إِنَّهُ لَيْسَ كَالدُّعَاءِ | تَعَالَوْا | وَلَكِنْ دَعْوَتهَا إِيَّاهُمْ تُمَكِّنهَا مِنْ تَعْذِيبهمْ . وَقِيلَ : الدَّاعِي خَزَنَة جَهَنَّم ; أُضِيفَ دُعَاؤُهُمْ إِلَيْهَا . وَقِيلَ هُوَ ضَرْب مَثَل ; أَيْ إِنَّ مَصِيرَ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى إِلَيْهَا ; فَكَأَنَّهَا الدَّاعِيَة لَهُمْ . وَمِثْله قَوْل الشَّاعِر : <br>وَلَقَدْ هَبَطْنَا الْوَادِيَيْنِ فَوَادِيًا .......... يَدْعُو الْأَنِيس بِهِ الْعَضِيض الْأَبْكَم <br>الْعَضِيض الْأَبْكَم : الذُّبَاب . وَهُوَ لَا يَدْعُو وَإِنَّمَا طَنِينه نَبَّهَ عَلَيْهِ فَدَعَا إِلَيْهِ . قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل هُوَ الْحَقِيقَة ; حَسْب مَا تَقَدَّمَ بَيَانه بِآيِ الْقُرْآن وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة . الْقُشَيْرِيّ : وَدُعَاء لَظَى بِخَلْقِ الْحَيَاة فِيهَا حِينَ تَدْعُو , وَخَوَارِق الْعَادَة غَدًا كَثِيرَة .
أَيْ جَمَعَ الْمَالَ فَجَعَلَهُ فِي وِعَائِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ حَقَّ اللَّه تَعَالَى ; فَكَانَ جَمُوعًا مَنُوعًا . قَالَ الْحَكَم : كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُكَيْم لَا يَرْبِط كِيسَهُ وَيَقُول سَمِعْت اللَّهَ يَقُول : | وَجَمَعَ فَأَوْعَى | .
يَعْنِي الْكَافِر ; عَنْ الضَّحَّاك . وَالْهَلَع فِي اللُّغَة : أَشَدّ الْحِرْص وَأَسْوَأ الْجَزَع وَأَفْحَشَهُ . وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا . وَقَدْ هَلِع ( بِالْكَسْرِ ) يَهْلَع فَهُوَ هَلِيع وَهَلُوع ; عَلَى التَّكْثِير . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصْبِر عَلَى خَيْر وَلَا شَرّ حَتَّى يَفْعَل فِيهِمَا مَا لَا يَنْبَغِي . عِكْرِمَة : هُوَ الضَّجُور . الضَّحَّاك : هُوَ الَّذِي لَا يَشْبَع . وَالْمَنُوع : هُوَ الَّذِي إِذَا أَصَابَ الْمَال مَنَعَ مِنْهُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : خَلَقَ اللَّه الْإِنْسَان يُحِبّ مَا يَسُرّهُ وَيُرْضِيه , وَيَهْرُب مِمَّا يَكْرَههُ وَيُسْخِطهُ , ثُمَّ تَعَبَّدَهُ اللَّه بِإِنْفَاقِ مَا يُحِبّ وَالصَّبْر عَلَى مَا يَكْرَه . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْهَلُوع هُوَ الَّذِي إِذَا مَسَّهُ الْخَيْر لَمْ يَشْكُر , وَإِذَا مَسَّهُ الضُّرّ لَمْ يَصْبِر ; قَالَهُ ثَعْلَب . وَقَالَ ثَعْلَب أَيْضًا : قَدْ فَسَّرَ اللَّه الْهَلُوع ,
وَهُوَ الَّذِي إِذَا نَالَهُ الشَّرّ أَظْهَرَ شِدَّةَ الْجَزَع
وَإِذَا نَالَهُ الْخَيْر بَخِلَ بِهِ وَمَنَعَهُ النَّاس . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( شَرّ مَا أُعْطِيَ الْعَبْد شُحّ هَالِع وَجُبْن خَالِع ) . وَالْعَرَب تَقُول : نَاقَة هِلْوَاعَة وَهِلْوَاع ; إِذَا كَانَتْ سَرِيعَة السَّيْر خَفِيفَة . قَالَ : <br>صَكَّاء ذِعْلِبَةٌ إِذَا اِسْتَدْبَرْتهَا .......... حَرَج إِذَا اِسْتَقْبَلْتهَا هِلْوَاع <br>الذِّعْلِبُ وَالذِّعْلِبَةُ النَّاقَة السَّرِيعَة . وَ | جَزُوعًا | و | مَنُوعًا | نَعْتَانِ لِهَلُوعٍ . عَلَى أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا التَّقْدِيم قَبْل | إِذَا | . وَقِيلَ : هُوَ خَبَر كَانَ مُضْمَرَة .
دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي الْكُفَّار ; فَالْإِنْسَان اِسْم جِنْس بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاء الَّذِي يَعْقُبهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا | [ الْعَصْر : 2 - 3 ] . قَالَ النَّخَعِيّ : الْمُرَاد بِالْمُصَلِّينَ الَّذِي يُؤَدُّونَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ . اِبْن مَسْعُود : الَّذِينَ يُصَلُّونَهَا لِوَقْتِهَا , فَأَمَّا تَرْكهَا فَكُفْر . وَقِيلَ : هُمْ الصَّحَابَة . وَقِيلَ : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ عَامَّة , فَإِنَّهُمْ يَغْلِبُونَ فَرْط الْجَزَع بِثِقَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَيَقِينهمْ .
أَيْ عَلَى مَوَاقِيتهَا . وَقَالَ عُقْبَة بْن عَامِر : هُمْ الَّذِينَ إِذَا صَلَّوْا لَمْ يَلْتَفِتُوا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا . وَالدَّائِم السَّاكِن , وَمِنْهُ : نُهِيَ عَنْ الْبَوْل فِي الْمَاء الدَّائِم , أَيْ السَّاكِن . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج وَالْحَسَن : هُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ فِعْل التَّطَوُّع مِنْهَا .
يُرِيد الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , قَالَهُ قَتَادَة وَابْن سِيرِينَ . وَقَالَ مُجَاهِد : سِوَى الزَّكَاة . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : صِلَة رَحِم وَحَمْل كَلّ . وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّهُ وَصَفَ الْحَقَّ بِأَنَّهُ مَعْلُوم , وَسِوَى الزَّكَاة لَيْسَ بِمَعْلُومٍ , إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَدْر الْحَاجَة , وَذَلِكَ يَقِلّ وَيَكْثُر .
| لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم | السَّائِل الَّذِي يَسْأَل النَّاسَ لِفَاقَتِهِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمَا . | وَالْمَحْرُوم | الَّذِي حُرِمَ الْمَالَ . وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينه ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمَا : الْمَحْرُوم الْمُحَارَف الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام سَهْم . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : الْمَحْرُوم الْمُحَارَف الَّذِي لَا يَتَيَسَّر لَهُ مَكْسَبه ; يُقَال : رَجُل مُحَارَف بِفَتْحِ الرَّاء أَيْ مَحْدُود مَحْرُوم , وَهُوَ خِلَاف قَوْلك مُبَارَك . وَقَدْ حُورِفَ كَسْب فُلَان إِذَا شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشه كَأَنَّهُ مِيل بِرِزْقِهِ عَنْهُ . وَقَالَ قَتَادَة وَالزُّهْرِيّ : الْمَحْرُوم الْمُتَعَفِّف الَّذِي لَا يَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا وَلَا يَعْلَم بِحَاجَتِهِ . وَقَالَ الْحَسَن وَمُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة : الْمَحْرُوم الَّذِي يَجِيء بَعْدَ الْغَنِيمَة وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا سَهْم . رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابُوا وَغَنِمُوا فَجَاءَ قَوْم بَعْدَمَا فَرَغُوا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة | وَفِي أَمْوَالهمْ | . وَقَالَ عِكْرِمَة : الْمَحْرُوم الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ مَال . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هُوَ الَّذِي أُصِيب ثَمَره أَوْ زَرْعه أَوْ نَسْل مَاشِيَته . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : الْمَحْرُوم الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَة ثُمَّ قَرَأَ | إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ | نَظِيره فِي قِصَّة أَصْحَاب الْجَنَّة حَيْثُ قَالُوا : | بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ | [ الْقَلَم : 27 ] وَقَالَ أَبُو قِلَابَة : كَانَ رَجُل مِنْ أَهْل الْيَمَامَة لَهُ مَال فَجَاءَ سَيْل فَذَهَبَ بِمَالِهِ , فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه : هَذَا الْمَحْرُوم فَأَقْسَمُوا لَهُ . وَقِيلَ : إِنَّهُ الَّذِي يَطْلُب الدُّنْيَا وَتُدْبِر عَنْهُ . وَهُوَ يُرْوَى عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُمَيْد : الْمَحْرُوم الْمَمْلُوك . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْكَلْب ; رُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَانَ فِي طَرِيق مَكَّة , فَجَاءَ كَلْب فَانْتَزَعَ عُمَر رَحِمَهُ اللَّه كَتِف شَاة فَرَمَى بِهَا إِلَيْهِ وَقَالَ : يَقُولُونَ إِنَّهُ الْمَحْرُوم . وَقِيلَ : إِنَّهُ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَته بِالْفَقْرِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَاب ; لِأَنَّهُ قَدْ حُرِمَ كَسْبَ نَفْسه حَتَّى وَجَبَتْ نَفَقَته فِي مَال غَيْره . وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّهُ الَّذِي يُحْرَم الرِّزْق , وَهَذَا قَوْل حَسَن ; لِأَنَّهُ يَعُمّ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لِي الْيَوْم سَبْعُونَ سَنَة مُنْذُ اِحْتَلَمْت أَسْأَل عَنْ الْمَحْرُوم فَمَا أَنَا الْيَوْم بِأَعْلَمَ مِنِّي فِيهِ يَوْمئِذٍ . رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ الشَّعْبِيّ . وَأَصْله فِي اللُّغَة الْمَمْنُوع ; مِنْ الْحِرْمَان وَهُوَ الْمَنْع . عَلْقَمَة : <br>وَمُطْعَم الْغُنْم يَوْم الْغُنْم مُطْعَمُهُ .......... أَنَّى تَوَجَّهَ وَالْمَحْرُومُ مَحْرُومُ <br>وَعَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَيْل لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْفُقَرَاء يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ رَبّنَا ظَلَمُونَا حُقُوقَنَا الَّتِي فُرِضَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ فَيَقُول اللَّه تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقَرِّبَنَّكُمْ وَلَأُبْعِدَنَّهُم ) ثُمَّ تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | وَفِي أَمْوَالهمْ حَقّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم | ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ .
أَيْ بِيَوْمِ الْجَزَاء وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الْفَاتِحَة | الْقَوْل فِيهِ .
أَيْ خَائِفُونَ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لِمَنْ أَشْرَكَ أَوْ كَذَّبَ أَنْبِيَاءَهُ . وَقِيلَ : لَا يَأْمَنهُ أَحَد , بَلْ الْوَاجِب عَلَى كُلّ أَحَد أَنْ يَخَافَهُ وَيُشْفِق مِنْهُ .
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : | مِنْ غَرِيب الْقُرْآن أَنَّ هَذِهِ الْآيَات الْعَشْر عَامَّة فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء , كَسَائِرِ أَلْفَاظ الْقُرْآن الَّتِي هِيَ مُحْتَمِلَة لَهُمْ فَإِنَّهَا عَامَّة فِيهِمْ , إِلَّا قَوْل | وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ | فَإِنَّمَا خَاطَبَ بِهَا الرِّجَالَ خَاصَّة دُونَ الزَّوْجَات , | إِلَّا عَلَى أَزْوَاجهمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ | وَإِنَّمَا عَرَفَ حِفْظ الْمَرْأَة فَرْجَهَا مِنْ أَدِلَّة أُخْرَى كَآيَاتِ الْإِحْصَان عُمُومًا وَخُصُوصًا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّة . قُلْت : وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي الْآيَة فَلَا يَحِلّ لِامْرَأَةٍ أَنْ يَطَأَهَا مَنْ تَمْلِكهُ إِجْمَاعًا مِنْ الْعُلَمَاء ; لِأَنَّهَا غَيْر دَاخِلَة فِي الْآيَة , وَلَكِنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ بَعْد مِلْكهَا لَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا يَجُوز لِغَيْرِهِ عِنْد الْجُمْهُور . وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ أَنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ حِينَ مَلَكَتْهُ كَانَا عَلَى نِكَاحهمَا . قَالَ أَبُو عُمَر : وَلَا يَقُلْ هَذَا أَحَد مِنْ فُقَهَاء الْأَمْصَار ; لِأَنَّ تَمَلُّكهَا عِنْدَهُمْ يُبْطِل النِّكَاحَ بَيْنهمَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ فَسْخ لِلنِّكَاحِ ; وَأَنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ بَعْد مِلْكهَا لَهُ لَمْ يُرَاجِعهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيد وَلَوْ كَانَتْ فِي عِدَّة مِنْهُ . الْخَامِسَة : قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَكَم : سَمِعْت حَرْمَلَة بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ : سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُل يَجْلِد عُمَيْرَةَ , فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة | وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ | - إِلَى قَوْله - | الْعَادُونَ | . وَهَذَا لِأَنَّهُمْ يُكَنُّونَ عَنْ الذَّكَر بِعُمَيْرَةَ ; وَفِيهِ يَقُول الشَّاعِر : <br>إِذَا حَلَلْت بِوَادٍ لَا أَنِيسَ بِهِ .......... فَاجْلِدْ عُمَيْرَةَ لَا دَاء وَلَا حَرَج <br>وَيُسَمِّيه أَهْل الْعِرَاق الِاسْتِمْنَاء , وَهُوَ اِسْتِفْعَال مِنْ الْمَنِيّ . وَأَحْمَد بْن حَنْبَل عَلَى وَرَعه يُجَوِّزهُ , وَيَحْتَجّ بِأَنَّهُ إِخْرَاج فَضْلَة مِنْ الْبَدَن فَجَازَ عِنْدَ الْحَاجَة ; أَصْله الْقَصْد وَالْحِجَامَة . وَعَامَّة الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيمه . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّهُ كَالْفَاعِلِ بِنَفْسِهِ , وَهِيَ مَعْصِيَة أَحْدَثَهَا الشَّيْطَان وَأَجْرَاهَا بَيْنَ النَّاس حَتَّى صَارَتْ قِيلَة , وَيَا لَيْتَهَا لَمْ تُقَلْ ; وَلَوْ قَامَ الدَّلِيل عَلَى جَوَازهَا لَكَانَ ذُو الْمُرُوءَة يُعْرِض عَنْهَا لِدَنَاءَتِهَا . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا خَيْر مِنْ نِكَاح الْأَمَة ; قُلْنَا : نِكَاح الْأَمَة وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَة عَلَى مَذْهَب بَعْض الْعُلَمَاء خَيْر مِنْ هَذَا , وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بِهِ قَائِل أَيْضًا , وَلَكِنَّ الِاسْتِمْنَاءَ ضَعِيف فِي الدَّلِيل أَوْ بِالرَّجُلِ الدَّنِيء فَكَيْفَ بِالرَّجُلِ الْكَبِير .
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ مِنْ أَزْوَاجهمْ اللَّاتِي أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ لَا يُجَاوِزُونَ .|أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ|فِي مَوْضِع خَفْض مَعْطُوفَة عَلَى | أَزْوَاجهمْ | و | مَا | مَصْدَرِيَّة . وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الزِّنَا وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ الِاسْتِمْنَاء وَنِكَاح الْمُتْعَة ; لِأَنَّ الْمُتَمَتِّع بِهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى الزَّوْجَات , لَا تَرِث وَلَا تُورَث , وَلَا يَلْحَق بِهِ وَلَدهَا , وَلَا يُخْرَج مِنْ نِكَاحهَا بِطَلَاقٍ يُسْتَأْنَف لَهَا , وَإِنَّمَا يُخْرَج بِانْقِضَاءِ الْمُدَّة الَّتِي عُقِدَتْ عَلَيْهَا وَصَارَتْ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ . اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنْ قُلْنَا إِنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَة جَائِز فَهِيَ زَوْجَة إِلَى أَجَل يَنْطَلِق عَلَيْهَا اِسْم الزَّوْجِيَّة . وَإِنْ قُلْنَا بِالْحَقِّ الَّذِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّة مِنْ تَحْرِيم نِكَاح الْمُتْعَة لَمَا كَانَتْ زَوْجَةً فَلَمْ تَدْخُل فِي الْآيَة . قُلْت : وَفَائِدَة هَذَا الْخِلَاف هَلْ يَجِب الْحَدّ وَلَا يَلْحَق الْوَلَد كَالزِّنَا الصَّرِيح أَوْ يُدْفَع الْحَدّ لِلشُّبْهَةِ وَيَلْحَق الْوَلَد , قَوْلَانِ لِأَصْحَابِنَا . وَقَدْ كَانَ لِلْمُتْعَةِ فِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم أَحْوَال ; فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَة ثُمَّ حَرَّمَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَن خَيْبَرَ , ثُمَّ حَلَّلَهَا فِي غُزَاة الْفَتْح ; ثُمَّ حَرَّمَهَا بَعْدُ ; قَالَهُ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَاد مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْره , وَإِلَيْهِ أَشَارَ اِبْن الْعَرَبِيّ .
فَسَمَّى مَنْ نَكَحَ مَا لَا يَحِلّ عَادِيًا وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْحَدّ لِعِدْوَانِهِ , وَاللَّائِط عَادٍ قُرْآنًا وَلُغَة , بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : | بَلْ أَنْتُمْ قَوْم عَادُونَ | [ الشُّعَرَاء : 166 ] وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي | الْأَعْرَاف | ; فَوَجَبَ أَنْ يُقَامَ الْحَدّ عَلَيْهِمْ , وَهَذَا ظَاهِر لَا غُبَارَ عَلَيْهِ . فَلَتَ : فِيهِ نَظَرٌ , مَا لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا أَوْ مُتَأَوِّلًا , وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاع مُنْعَقِدًا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : | وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجهمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ فَإِنَّهُمْ غَيْر مَلُومِينَ | خَصَّ بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاء ; فَقَدْ رَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : تَسَرَّرَتْ اِمْرَأَة غُلَامهَا ; فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَر فَسَأَلَهَا : مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَتْ : كُنْت أَرَاهُ يَحِلّ لِي مِلْك يَمِينِي كَمَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ الْمَرْأَة بِمِلْكِ الْيَمِين ; فَاسْتَشَارَ عُمَر فِي رَجْمهَا أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : تَأَوَّلَتْ كِتَابَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى غَيْر تَأْوِيله , لَا رَجْم عَلَيْهَا . فَقَالَ عُمَر : لَا جَرَمَ ! وَاَللَّه لَا أُحِلّك لِحُرٍّ بَعْدَهُ أَبَدًا . عَاقَبَهَا بِذَلِكَ وَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهَا , وَأَمَرَ الْعَبْدَ أَلَّا يَقْرَبَهَا . وَعَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُول : أَنَا حَضَرْت عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز جَاءَتْهُ اِمْرَأَة بِغُلَامٍ لَهَا وَضِيء فَقَالَتْ : إِنِّي اسْتَسْرَرْتُهُ فَمَنَعَنِي بَنُو عَمِّي عَنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا أَنَا بِمَنْزِلَةِ الرَّجُل تَكُون لَهُ الْوَلِيدَة فَيَطَؤُهَا ; فَانْهَ عَنِّي بَنِي عَمِّي ; فَقَالَ عُمَر : أَتَزَوَّجْت قَبْلَهُ ؟ قَالَتْ نَعَمْ ; قَالَ : أَمَا وَاَللَّه لَوْلَا مَنْزِلَتك مِنْ الْجَهَالَة لَرَجَمْتُك بِالْحِجَارَةِ ; وَلَكِنْ اِذْهَبُوا بِهِ فَبِيعُوهُ إِلَى مَنْ يَخْرُج بِهِ إِلَى غَيْر بَلَدهَا . وَ | وَرَاء | بِمَعْنَى سِوَى , وَهُوَ مَفْعُول ب | اِبْتَغَى | أَيْ مَنْ طَلَبَ سِوَى الْأَزْوَاج وَالْوَلَائِد الْمَمْلُوكَة لَهُ . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ فَمَنْ اِبْتَغَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ ; فَمَفْعُولُ الِابْتِغَاء مَحْذُوف , وَ | وَرَاءَ | ظَرْف . وَ | ذَلِكَ | يُشَار بِهِ إِلَى كُلّ مَذْكُور مُؤَنَّثًا كَانَ أَوْ مُذَكَّرًا . | فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ | أَيْ الْمُجَاوِزُونَ الْحَدَّ ; مِنْ عَدَا أَيْ جَاوَزَ الْحَدَّ وَجَازَهُ .
قَرَأَ الْجُمْهُور | لِأَمَانَاتِهِمْ | بِالْجَمْعِ . وَابْن كَثِير بِالْإِفْرَادِ . وَالْأَمَانَة وَالْعَهْد يَجْمَع كُلَّ مَا يَحْمِلهُ الْإِنْسَان مِنْ أَمْر دِينه وَدُنْيَاهُ قَوْلًا وَفِعْلًا . وَهَذَا يَعُمّ مُعَاشَرَةَ النَّاس وَالْمَوَاعِيد وَغَيْر ذَلِكَ ; وَغَايَة ذَلِكَ حِفْظه وَالْقِيَام بِهِ . وَالْأَمَانَة أَعَمّ مِنْ الْعَهْد , وَكُلّ عَهْد فَهُوَ أَمَانَة فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ قَوْل أَوْ فِعْل أَوْ مُعْتَقَد .
عَلَى مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَرِيب أَوْ بَعِيد , يَقُومُونَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِم وَلَا يَكْتُمُونَهَا وَلَا يُغَيِّرُونَهَا . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الشَّهَادَة وَأَحْكَامهَا فِي سُورَة | الْبَقَرَة | . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : | بِشَهَادَاتِهِمْ | أَنَّ اللَّهَ وَاحِد لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله . وَقُرِئَ | لِأَمَانَتِهِمْ | عَلَى التَّوْحِيد . وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن . فَالْأَمَانَة اِسْم جِنْس , فَيَدْخُل فِيهَا أَمَانَات الدِّين , فَإِنَّ الشَّرَائِعَ أَمَانَات اِئْتَمَنَ اللَّه عَلَيْهَا عِبَادَهُ . وَيَدْخُل فِيهَا أَمَانَات النَّاس مِنْ الْوَدَائِع ; وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى فِي سُورَة | النِّسَاء | . وَقَرَأَ عَبَّاس الدَّوْرِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو وَيَعْقُوب | بِشَهَادَاتِهِمْ | جَمْعًا . الْبَاقُونَ | بِشَهَادَتِهِمْ | عَلَى التَّوْحِيد , لِأَنَّهَا تُؤَدِّي عَنْ الْجَمْع . وَالْمَصْدَر قَدْ يُفْرَد وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى جَمْع , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير | . [ لُقْمَان : 19 ] وَقَالَ الْفَرَّاء : وَيَدُلّ عَلَى أَنَّهَا | بِشَهَادَتِهِمْ | تَوْحِيدًا قَوْله تَعَالَى : | وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ | [ الطَّلَاق : 2 ] .
قَالَ قَتَادَة : عَلَى وُضُوئِهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : التَّطَوُّع . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الْمُؤْمِنُونَ | . فَالدَّوَام خِلَاف الْمُحَافَظَة . فَدَوَامهمْ عَلَيْهَا أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى أَدَائِهَا لَا يُخِلُّونَ بِهَا وَلَا يَشْتَغِلُونَ عَنْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الشَّوَاغِل , وَمُحَافَظَتهمْ عَلَيْهَا أَنْ يُرَاعُوا إِسْبَاغَ الْوُضُوء لَهَا وَمَوَاقِيتهَا , وَيُقِيمُوا أَرْكَانَهَا , وَيُكْمِلُوهَا بِسُنَنِهَا وَآدَابهَا , وَيَحْفَظُوهَا مِنْ الْإِحْبَاط بِاقْتِرَابِ الْمَأْثَم . فَالدَّوَام يَرْجِع إِلَى نَفْس الصَّلَوَات وَالْمُحَافَظَة إِلَى أَحْوَالهَا .
أَيْ أَكْرَمَهُمْ اللَّه فِيهَا بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَات .
قَالَ الْأَخْفَش : مُسْرِعِينَ . قَالَ : <br>بِمَكَّةَ أَهْلهَا وَلَقَدْ أَرَاهُمْ إِلَيْهِ .......... مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاع <br>وَالْمَعْنَى : مَا بَالَهُمْ يُسْرِعُونَ إِلَيْك وَيَجْلِسُونَ حَوَالَيْك وَلَا يَعْمَلُونَ بِمَا تَأْمُرهُمْ . وَقِيلَ : أَيْ مَا بَالُهُمْ مُسْرِعِينَ فِي التَّكْذِيب لَك . وَقِيلَ : أَيْ مَا بَال الَّذِينَ كَفَرُوا يُسْرِعُونَ إِلَى السَّمَاع مِنْك لِيَعِيبُوك وَيَسْتَهْزِئُوا بِك . وَقَالَ عَطِيَّة : مُهْطِعِينَ : مُعْرِضِينَ . الْكَلْبِيّ : نَاظِرِينَ إِلَيْك تَعَجُّبًا . وَقَالَ قَتَادَة : عَامِدِينَ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب ; أَيْ مَا بَالُهُمْ مُسْرِعِينَ عَلَيْك , مَادِّينَ أَعْنَاقَهُمْ , مُدْمِنِي النَّظَر إِلَيْك . وَذَلِكَ مِنْ نَظَر الْعَدُوّ . وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْحَال . نَزَلَتْ فِي جَمْع مِنْ الْمُنَافِقِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ , كَانُوا يَحْضُرُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَام - وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ . و | قِبَلَك | أَيْ نَحْوَك .
أَيْ عَنْ يَمِين النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشِمَاله حِلَقًا حِلَقًا وَجَمَاعَات . وَالْعِزِين : جَمَاعَات فِي تَفْرِقَة , قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ . وَمِنْهُ حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابه فَرَآهُمْ حِلَقًا فَقَالَ : ( مَالِي أَرَاكُمْ عِزِين أَلَّا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفّ الْمَلَائِكَة عِنْدَ رَبّهَا - قَالُوا : وَكَيْفَ تَصُفّ الْمَلَائِكَة عِنْد رَبّهَا ؟ قَالَ : يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفّ ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>تَرَانَا عِنْدَهُ وَاللَّيْل دَاجٍ .......... عَلَى أَبْوَابه حِلَقًا عِزِينَا <br>أَيْ مُتَفَرِّقِينَ . وَقَالَ الرَّاعِي : <br>أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَن إِنَّ عَشِيرَتِي .......... أَمْسَى سَرَاتهمْ إِلَيْك عِزِينَا <br>أَيْ مُتَفَرِّقِينَ . وَقَالَ آخَر : <br>كَأَنَّ الْجَمَاجِمَ مِنْ وَقْعهَا .......... خَنَاطِيل يَهْوِينَ شَتَّى عِزِينَا <br>أَيْ مُتَفَرِّقِينَ . وَقَالَ آخَر : <br>فَلَمَّا أَنْ أَتَيْنَ عَلَى أُضَاخٍ .......... ضَرَحْنَ حَصَاهُ أَشْتَاتًا عِزِينَا <br>وَقَالَ الْكُمَيْت : <br>وَنَحْنُ وَجَنْدَل بَاغٍ تَرَكْنَا .......... كَتَائِبَ جَنْدَل شَتَّى عِزِينَا <br>وَقَالَ عَنْتَرَة : <br>وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكْت لِذِي وَلِيّ .......... عَلَيْهِ الطَّيْر كَالْعُصَبِ الْعِزِين <br>وَوَاحِد عِزِين عِزَة , جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّون لِيَكُونَ ذَلِكَ عِوَضًا مِمَّا حُذِفَ مِنْهَا . وَأَصْلهَا عِزْهَةٌ , فَاعْتَلَّتْ كَمَا اِعْتَلَّتْ سَنَة فِيمَنْ جَعَلَ أَصْلهَا سِنْهَة . وَقِيلَ : أَصْلهَا عِزْوَة , مِنْ عَزَاهُ يَعْزُوهُ إِذَا أَضَافَهُ إِلَى غَيْره . فَكُلّ وَاحِد مِنْ الْجَمَاعَات مُضَافَة إِلَى الْأُخْرَى , وَالْمَحْذُوف مِنْهَا الْوَاو . وَفِي الصِّحَاح : | وَالْعِزَة الْفِرْقَة مِنْ النَّاس , وَالْهَاء عِوَض مِنْ الْيَاء , وَالْجَمْع عِزًى - عَلَى فِعَل - وَعِزُونَ وَعُزُونَ أَيْضًا بِالضَّمِّ , وَلَمْ يَقُولُوا عِزَات كَمَا قَالُوا ثِبَات | . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال فِي الدَّار عِزُونَ , أَيْ أَصْنَاف مِنْ النَّاس . وَ | عَنْ الْيَمِين وَعَنْ الشِّمَال | مُتَعَلِّق | بِمُهْطِعِينَ | وَيَجُوز أَنْ يَتَعَلَّق | بِعِزِينَ | عَلَى حَدّ قَوْلِك : أَخَذْته عَنْ زَيْد .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَمِعُونَ كَلَامَهُ فَيَكْذِبُونَهُ وَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِ , وَيَسْتَهْزِئُونَ بِأَصْحَابِهِ وَيَقُولُونَ : لَئِنْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ لَنَدْخُلَنَّهَا قَبْلَهُمْ , وَلَئِنْ أُعْطُوا مِنْهَا شَيْئًا لَنُعْطَيَنَّ أَكْثَرَ مِنْهُ ; فَنَزَلَتْ : | أَيَطْمَعُ | الْآيَة . وَقِيلَ : كَانَ الْمُسْتَهْزِئُونَ خَمْسَة أَرْهُط . وَقَرَأَ الْحَسَن وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَالْأَعْرَج | أَنْ يَدْخُلَ | بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْخَاء مُسَمَّى الْفَاعِل . وَرَوَاهُ الْمُفَضَّل عَنْ عَاصِم . الْبَاقُونَ | أَنْ يُدْخَلَ | عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول .
لَا يَدْخُلُونَهَا .|إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ|ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : | إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ | أَيْ إِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُضْغَة ; كَمَا خَلَقَ سَائِرَ جِنْسهمْ . فَلَيْسَ لَهُمْ فَضْل يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْجَنَّةَ , وَإِنَّمَا تُسْتَوْجَب بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَل الصَّالِح وَرَحْمَة اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِفُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ وَيَتَكَبَّرُونَ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ : | إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ | مِنْ الْقَذَر , فَلَا يَلِيق بِهِمْ هَذَا التَّكَبُّر . وَقَالَ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة : إِنَّمَا خُلِقْت يَا بْن آدَم مِنْ قَذَرٍ فَاتَّقِ اللَّهَ . وَرُوِيَ أَنَّ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه بْن الشِّخِّير رَأَى الْمُهَلَّب بْن أَبِي صُفْرَة يَتَبَخْتَر فِي مُطْرَف خَزّ وَجُبَّة خَزّ فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللَّه , مَا هَذِهِ الْمِشْيَة الَّتِي يُبْغِضهَا اللَّه ؟ فَقَالَ لَهُ : أَتَعْرِفُنِي ؟ قَالَ نَعَمْ , أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَة , وَآخِرك جِيفَة قَذِرَة , وَأَنْتَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِل الْعَذِرَة . فَمَضَى الْمُهَلَّب وَتَرَكَ مِشْيَته . نَظَمَ الْكَلَام مَحْمُود الْوَرَّاق فَقَالَ : <br>عَجِبْت مِنْ مُعْجَب بِصُورَتِهِ .......... وَكَانَ فِي الْأَصْل نُطْفَة مَذِرَهْ <br><br>وَهُوَ غَدًا بَعْدَ حُسْن صُورَته .......... يَصِير فِي اللَّحْد جِيفَة قَذِرَهْ <br><br>وَهُوَ عَلَى تِيهه وَنَخْوَته .......... مَا بَيْنَ ثَوْبَيْهِ يَحْمِل الْعَذِرَهْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>هَلْ فِي اِبْن آدَم غَيْر الرَّأْس مَكْرُمَة .......... وَهُوَ بِخَمْسٍ مِنْ الْأَوْسَاخ مَضْرُوب <br><br>أَنْف يَسِيل وَأُذُن رِيحهَا سَهِكٌ .......... وَالْعَيْن مُرْمَصَة وَالثَّغْر مَلْهُوبُ <br><br>يَا بْن التُّرَاب وَمَأْكُول التُّرَاب غَدًا .......... قَصِّرْ فَإِنَّك مَأْكُول وَمَشْرُوب <br>وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مِنْ أَجْل مَا يَعْلَمُونَ ; وَهُوَ الْأَمْر وَالنَّهْي وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . كَقَوْلِ الشَّاعِر وَهُوَ الْأَعْشَى : <br>أَأَزْمَعْت مِنْ آل لَيْلَى اِبْتِكَارًا .......... وَشَطَّتْ عَلَى ذِي هَوًى أَنْ تُزَارَا <br>أَيْ مِنْ أَجْل لَيْلَى .
أَيْ أُقْسِم . و | لَا | صِلَة .|بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ|هِيَ مَشَارِق الشَّمْس وَمَغَارِبهَا . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهَا . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد | بِرَبِّ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب | عَلَى التَّوْحِيد .
يَقُول : نَقْدِر عَلَى إِهْلَاكهمْ وَالذَّهَاب بِهِمْ وَالْمَجِيء بِخَيْرٍ مِنْهُمْ فِي الْفَضْل وَالطَّوْع وَالْمَال .|وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ|أَيْ لَا يَفُوتنَا شَيْءٌ وَلَا يُعْجِزنَا أَمْر نُرِيدهُ .
أَيْ اُتْرُكْهُمْ يَخُوضُوا فِي بَاطِلهمْ وَيَلْعَبُوا فِي دُنْيَاهُمْ ; عَلَى جِهَة الْوَعِيد . وَاشْتَغِلْ أَنْتَ بِمَا أُمِرْت بِهِ وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْك شِرْكهمْ ; فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يَلْقَوْنَ فِيهِ مَا وُعِدُوا . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَمُجَاهِد وَحُمَيْد | حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ | . وَهَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف .
| يَوْم | بَدَل مِنْ | يَوْمهمْ | الَّذِي قَبْلَهُ , وَقِرَاءَة الْعَامَّة | يَخْرُجُونَ | بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الرَّاء عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى الْفَاعِل . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَالْمُغِيرَة وَالْأَعْشَى عَنْ عَاصِم | يُخْرَجُونَ | بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . وَالْأَجْدَاث : الْقُبُور ; وَاحِدهَا جَدَث . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | يس | . | سِرَاعًا | حِينَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ الْآخِرَةَ إِلَى إِجَابَة الدَّاعِي ; وَهُوَ نَصْب عَلَى الْحَال | كَأَنَّهُمْ إِلَى نَصْب يُوفِضُونَ | قِرَاءَة الْعَامَّة بِفَتْحِ النُّون وَجَزْم الصَّاد . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَفْص بِضَمِّ النُّون وَالصَّاد . وَقَرَأَ عَمْرو بْن مَيْمُون وَأَبُو رَجَاء وَغَيْرهمَا بِضَمِّ النُّون وَإِسْكَان الصَّاد . وَالنُّصْب وَالنَّصْب لُغَتَانِ مِثْل الضُّعْف وَالضَّعْف . الْجَوْهَرِيّ : وَالنَّصْب مَا نُصِبَ فَعُبِدَ مِنْ دُون اللَّه , وَكَذَلِكَ النُّصْب بِالضَّمِّ ; وَقَدْ يُحَرَّك . قَالَ الْأَعْشَى : <br>وَذَا النُّصُب الْمَنْصُوب لَا تَنْسُكَنَّهُ .......... لِعَافِيَةٍ وَاَللَّهَ رَبَّك فَاعْبُدَا <br>أَرَادَ | فَاعْبُدَن | فَوَقَفَ بِالْأَلِفِ ; كَمَا تَقُول : رَأَيْت زَيْدًا . وَالْجَمْع الْأَنْصَاب . وَقَوْله : | وَذَا النُّصُب | بِمَعْنَى إِيَّاكَ وَذَا النُّصُب . وَالنُّصُب الشَّرّ وَالْبَلَاء ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَاب | [ ص : 41 ] . وَقَالَ الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء : النُّصُب جَمْع النَّصْب مِثْل رَهْن وَرُهُن , وَالْأَنْصَاب جَمْع نُصُب ; فَهُوَ جَمْع الْجَمْع . وَقِيلَ : النُّصُب وَالْأَنْصَاب وَاحِد . وَقِيلَ : النُّصُب جَمْع نِصَاب , هُوَ حَجَر أَوْ صَنَم يُذْبَح عَلَيْهِ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب | [ الْمَائِدَة : 3 ] . وَقَدْ قِيلَ : نَصْب وَنُصْب وَنُصُب بِمَعْنًى وَاحِد ; كَمَا قِيلَ عَمْر وَعُمْر وَعُمُر . ذَكَرَهُ النَّحَّاس . قَالَ اِبْن عَبَّاس : | إِلَى نُصُب | إِلَى غَايَة , وَهِيَ الَّتِي تَنْصِب إِلَيْهَا بَصَرَك . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِلَى شَيْء مَنْصُوب ; عَلَم أَوْ رَايَة . وَقَالَ الْحَسَن : كَانُوا يَبْتَدِرُونَ إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس إِلَى نُصُبهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه لَا يَلْوِي أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرهمْ .|يُوفِضُونَ|يُسْرِعُونَ وَالْإِيفَاض الْإِسْرَاع . قَالَ الشَّاعِر : <br>فَوَارِس ذِبْيَان تَحْت الْحَدِيد .......... كَالْجِنِّ يُوفِضْنَ مِنْ عَبْقَر <br>عَبْقَر : مَوْضِع تَزْعُم الْعَرَب أَنَّهُ مِنْ أَرْض الْجِنّ . قَالَ لَبِيد : <br>كُهُول وَشُبَّان كَجِنَّةِ عَبْقَر <br>وَقَالَ اللَّيْث : وَفَضَتْ الْإِبِل تَفِض وَفْضًا ; وَأَوْفَضَهَا صَاحِبهَا . فَالْإِيفَاض مُتَعَدٍّ , وَاَلَّذِي فِي الْآيَة لَازِم . يُقَال : وُفِضَ وَأَوْفَضَ وَاسْتَوْفَضَ بِمَعْنَى أَسْرَعَ .
أَيْ ذَلِيلَة خَاضِعَة , لَا يَرْفَعُونَهَا لِمَا يَتَوَقَّعُونَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه .|تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ|أَيْ يَغْشَاهُمْ الْهَوَان . قَالَ قَتَادَة : هُوَ سَوَاد الْوُجُوه . وَالرَّهَق : الْغَشَيَان ; وَمِنْهُ غُلَام مُرَاهِق إِذَا غَشِيَ الِاحْتِلَام . رَهِقَهُ ( بِالْكَسْرِ ) يَرْهَقهُ رَهَقًا أَيْ غَشِيَهُ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَلَا يَرْهَق وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّة | [ يُونُس : 26 ] .|ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ|أَيْ يُوعَدُونَهُ فِي الدُّنْيَا أَنَّ لَهُمْ فِيهِ الْعَذَاب . وَأُخْرِجَ الْخَبَر بِلَفْظِ الْمَاضِي لِأَنَّ مَا وَعَدَ اللَّه بِهِ يَكُون لَا مَحَالَةَ