سُورَة طَه [ مَكِّيَّة إلَّا آيَتَيْ 120 و121 فَمَدَنِيَّتَانِ وَآيَاتهَا 135 أَوْ أَرْبَعُونَ أَوْ اثْنَتَانِ نَزَلَتْ بَعْد مَرْيَم ] {طَه} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ
{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن} يَا مُحَمَّد {لِتَشْقَى} لِتَتْعَب بِمَا فَعَلْت بَعْد نُزُوله مِنْ طُول قِيَامك بِصَلَاةِ اللَّيْل أَيْ خَفِّفْ عَنْ نَفْسك
{إلَّا} لَكِنْ أَنْزَلْنَاهُ {تَذْكِرَة} بِهِ {لِمَنْ يَخْشَى} يَخَاف اللَّه
{تَنْزِيلًا} بَدَل مِنْ اللَّفْظ بِفِعْلِهِ النَّاصِب لَهُ {مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْض وَالسَّمَوَات الْعُلَى} جَمْع عُلْيَا كَكُبْرَى وَكُبَر
هُوَ {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش} وَهُوَ فِي اللُّغَة سَرِير الْمُلْك {اسْتَوَى} اسْتِوَاء يَلِيق بِهِ
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا} مِنْ الْمَخْلُوقَات {وَمَا تَحْت الثَّرَى} هُوَ التُّرَاب النَّدِيّ وَالْمُرَاد الْأَرَضُونَ السَّبْع لِأَنَّهَا تَحْته
{وَإِنْ تَجْهَر بِالْقَوْلِ} فِي ذِكْر أَوْ دُعَاء فَاَللَّه غَنِيّ عَنْ الْجَهْر بِهِ {فَإِنَّهُ يَعْلَم السِّرّ وَأَخْفَى} مِنْهُ : أَيْ مَا حَدَّثْت بِهِ النَّفْس وَمَا خَطَرَ وَلَمْ تُحَدِّث بِهِ فَلَا تُجْهِد نَفْسك بِالْجَهْرِ
{اللَّه لَا إلَه إلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الْوَارِد بِهَا الْحَدِيث وَالْحُسْنَى مُؤَنَّث الْأَحْسَن
{وَهَلْ} قَدْ
{إذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ} لِامْرَأَتِهِ {اُمْكُثُوا} هُنَا وَذَلِكَ فِي مَسِيره مِنْ مَدَيْنَ طَالِبًا مِصْر {إنِّي آنَسْت} أَبْصَرْت {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} بِشُعْلَةٍ فِي رَأْس فَتِيلَة أَوْ عُود وَقَالَ لَعَلَّ لِعَدَمِ الْجَزْم بِوَفَاءِ الْوَعْد. {أَوْ أَجِد عَلَى النَّار هُدًى} أَيْ هَادِيًا يَدُلّنِي عَلَى الطَّرِيق وَكَانَ أَخْطَأَهَا لِظُلْمَةِ اللَّيْل.
{فَلَمَّا أَتَاهَا} وَهِيَ شَجَرَة عَوْسَج
{إنِّي} بِكَسْرِ الْهَمْزَة بِتَأْوِيلِ نُودِيَ بِقِيلَ وَبِفَتْحِهَا بِتَقْدِيرِ الْبَاء {أَنَا} تَأْكِيد لِيَاءِ الْمُتَكَلِّم {رَبّك فَاخْلَعْ نَعْلَيْك إنَّك بِالْوَادِي الْمُقَدَّس} الْمُطَهَّر أَوْ الْمُبَارَك {طُوًى} بَدَل أَوْ عَطْف بَيَان بِالتَّنْوِينِ وَتَرْكه مَصْرُوف بِاعْتِبَارِ الْمَكَان وَغَيْر مَصْرُوف لِلتَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَة مَعَ الْعِلْمِيَّة
{وَأَنَا اخْتَرْتُك} مِنْ قَوْمك {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} إلَيْك مِنِّي
{إنَّنِي أَنَا اللَّه لَا إلَه إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلَاة لِذِكْرِي} لِذِكْرِي فِيهَا
{إنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد أُخْفِيهَا} عَنْ النَّاس وَيَظْهَر لَهُمْ قُرْبهَا بِعَلَامَاتِهَا {لِتُجْزَى} فِيهَا {كُلّ نَفْس بِمَا تَسْعَى} بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ
{فَلَا يَصُدَّنَّك} يَصْرِفَنَّك {عَنْهَا} أَيْ عَنْ الْإِيمَان بِهَا {مَنْ لَا يُؤْمِن بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} فِي إنْكَارهَا {فَتَرْدَى} أَيْ فَتَهْلِك إنْ صَدَدْت عَنْهَا
{وَمَا تِلْكَ} كَائِنَة الِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ لِيُرَتِّب عَلَيْهِ الْمُعْجِزَة فِيهَا
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأ} أَعْتَمِد {عَلَيْهَا} عِنْد الْوُثُوب وَالْمَشْي {وَأَهُشّ} أَخْبِط وَرَق الشَّجَر {بِهَا} لِيَسْقُط {عَلَى غَنَمِي} فَتَأْكُلهُ {وَلِيَ فِيهَا مَآرِب} جَمْع مَأْرُبَة مُثَلَّث الرَّاء أَيْ حَوَائِج {أُخْرَى} كَحَمْلِ الزَّاد وَالسِّقَاء وَطَرْد الْهَوَامّ زَادَ فِي الْجَوَاب بَيَان حَاجَاته بِهَا
لم يرد في لهذه الأية تفسير
{فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّة} ثُعْبَان عَظِيم {تَسْعَى} تَمْشِي عَلَى بَطْنهَا سَرِيعًا كَسُرْعَةِ الثُّعْبَان الصَّغِير الْمُسَمَّى بِالْجَانِّ الْمُعَبَّر بِهِ فِيهَا فِي آيَة أُخْرَى
{قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ} مِنْهَا {سَنُعِيدُهَا سِيرَتهَا} مَنْصُوب بِنَزْعِ الْخَافِض أَيْ إلَى حَالَتهَا {الْأُولَى} فَأَدْخَلَ يَده فِي فَمهَا فَعَادَتْ عَصًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَوْضِع الْإِدْخَال مَوْضِع مَسْكهَا بَيْن شُعْبَتَيْهَا وَأُرِيَ ذَلِكَ السَّيِّد مُوسَى لِئَلَّا يَجْزَع إذَا انْقَلَبَتْ حَيَّة لَدَى فِرْعَوْن
{وَاضْمُمْ يَدك} الْيُمْنَى بِمَعْنَى الْكَفّ {إلَى جَنَاحك} أَيْ جَنْبك الْأَيْسَر تَحْت الْعَضُد إلَى الْإِبِط وَأَخْرِجْهَا {تَخْرُج} خِلَاف مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَدَمَة {بَيْضَاء مِنْ غَيْر سُوء} أَيْ بَرَص تُضِيء كَشُعَاعِ الشَّمْس تَغْشَى الْبَصَر {آيَة أُخْرَى} وَهِيَ بَيْضَاء حَالَانِ مِنْ ضَمِير تَخْرُج
{لِنُرِيَك} بِهَا إذَا فَعَلْت ذَلِكَ لِإِظْهَارِهَا {مِنْ آيَاتنَا} الْآيَة {الْكُبْرَى} أَيْ الْعُظْمَى عَلَى رِسَالَتك وَإِذَا أَرَادَ عَوْدهَا إلَى حَالَتهَا الْأُولَى ضَمَّهَا إلَى جَنَاحه كَمَا تَقَدَّمَ وَأَخْرَجَهَا
{اذْهَبْ} رَسُولًا {إلَى فِرْعَوْن} وَمَنْ مَعَهُ {إنَّهُ طَغَى} جَاوَزَ الْحَدّ فِي كُفْره إلَى ادِّعَاء الْإِلَهِيَّة
{قَالَ رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} وَسِّعْهُ لِتَحَمُّلِ الرِّسَالَة
{وَيَسِّرْ} سَهِّلْ {لِي أَمْرِي} لِأُبَلِّغهَا
{وَاحْلُلْ عُقْدَة مِنْ لِسَانِي} حَدَثَتْ مِنْ احْتِرَاقه بِجَمْرَةٍ وَضَعَهَا بِفِيهِ وَهُوَ صَغِير
{يَفْقَهُوا} يَفْهَمُوا {قَوْلِي} عِنْد تَبْلِيغ الرِّسَالَة
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا} مُعِينًا عَلَيْهَا
{هَارُون} مَفْعُول ثَانٍ {أَخِي} عَطْف بَيَان
{اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} وَالْفِعْلَانِ بِصِيغَتِي الْأَمْر وَالْمُضَارِع الْمَجْزُوم وَهُوَ جَوَاب الطَّلَب
{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أَيْ الرِّسَالَة وَالْفِعْلَانِ بِصِيغَتِي الْأَمْر وَالْمُضَارِع الْمَجْزُوم وَهُوَ جَوَاب الطَّلَب
{كَيْ نُسَبِّحك} تَسْبِيحًا
{وَنَذْكُرك} ذِكْرًا
{إنَّك كُنْت بِنَا بَصِيرًا} عَالِمًا فَأَنْعَمْت بِالرِّسَالَةِ
{قَالَ قَدْ أُوتِيت سُؤْلك يَا مُوسَى} مِنَّا عَلَيْك
لم يرد في لهذه الأية تفسير
{إذْ} لِلتَّعْلِيلِ {أَوْحَيْنَا إلَى أُمّك} مَنَامًا أَوْ إلْهَامًا لَمَّا وَلَدَتْك وَخَافَتْ أَنْ يَقْتُلك فِرْعَوْن فِي جُمْلَة مَنْ يُولَد {مَا يُوحَى} فِي أَمْرك وَيُبْدَل مِنْهُ
{أَنْ اقْذِفِيهِ} أَلْقِيهِ {فِي التَّابُوت فَاقْذِفِيهِ} بِالتَّابُوتِ {فِي الْيَمّ} بَحْر النِّيل {فَلْيُلْقِهِ الْيَمّ بِالسَّاحِلِ} أَيْ شَاطِئِهِ وَالْأَمْر بِمَعْنَى الْخَبَر {يَأْخُذهُ عَدُوّ لِي وَعَدُوّ لَهُ} وَهُوَ فِرْعَوْن {وَأَلْقَيْت} بَعْد أَنْ أَخَذَك {عَلَيْك مَحَبَّة مِنِّي} لِتُحَبّ فِي النَّاس فَأَحَبَّك فِرْعَوْن وَكُلّ مَنْ رَآك {وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي} تُرَبَّى عَلَى رِعَايَتِي وَحِفْظِي لَك
{إذْ} لِلتَّعْلِيلِ {تَمْشِي أُخْتك} مَرْيَم لِتَتَعَرَّف مِنْ خَبَرك وَقَدْ أَحْضَرُوا مَرَاضِع وَأَنْتَ لَا تَقْبَل ثَدْي وَاحِدَة مِنْهُنَّ {فَتَقُول هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ} فَأُجِيبَتْ فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ فَقَبِلَ ثَدْيهَا {فَرَجَعْنَاك إلَى أُمّك كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا} بِلِقَائِك {وَلَا تَحْزَن} حِينَئِذٍ {وَقَتَلْت نَفْسًا} هُوَ الْقِبْطِيّ بِمِصْرَ فَاغْتَمَمْت لِقَتْلِهِ مِنْ جِهَة فِرْعَوْن {فَنَجَّيْنَاك مِنْ الْغَمّ وَفَتَنَّاك فُتُونًا} اخْتَبَرْنَاك بِالْإِيقَاعِ فِي غَيْر ذَلِكَ وَخَلَّصْنَاك مِنْهُ {فَلَبِثْت سِنِينَ} عَشْرًا {فِي أَهْل مَدَيْنَ} بَعْد مَجِيئِك إلَيْهَا مِنْ مِصْر عِنْد شُعَيْب النَّبِيّ وَتَزَوُّجك بِابْنَتِهِ {ثُمَّ جِئْت عَلَى قَدَر} فِي عِلْمِي بِالرِّسَالَةِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَة مِنْ عُمُرك
{وَاصْطَنَعْتُك} اخْتَرْتُك {لِنَفْسِي} بِالرِّسَالَةِ
{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك} إلَى النَّاس {بِآيَاتِي} التِّسْع {وَلَا تَنِيَا} تَفْتُرَا {فِي ذِكْرِي} بِتَسْبِيحٍ وَغَيْره
{اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْن إنَّهُ طَغَى} بِادِّعَائِهِ الرُّبُوبِيَّة
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} فِي رُجُوعه عَنْ ذَلِكَ {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر} يَتَّعِظ وَالتَّرَجِّي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يَرْجِع {أَوْ يَخْشَى} اللَّه فَيَرْجِع
{قَالَا رَبّنَا إنَّنَا نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا} أَيْ يَعْجَل بِالْعُقُوبَةِ {أَوْ أَنْ يَطْغَى} عَلَيْنَا أَيْ يَتَكَبَّر
{قَالَ لَا تَخَافَا إنَّنِي مَعَكُمَا} بِعَوْنِي {أَسْمَع} مَا يَقُول {وَأَرَى} مَا يَفْعَل
{فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إنَّا رَسُولَا رَبّك فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَائِيل} إلَى الشَّام {وَلَا تُعَذِّبهُمْ} أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ مِنْ اسْتِعْمَالك إيَّاهُمْ فِي . أَشْغَالك الشَّاقَّة كَالْحَفْرِ وَالْبِنَاء وَحَمْل الثَّقِيل {قَدْ جِئْنَاك بِآيَةٍ} بِحُجَّةٍ {مِنْ رَبّك} عَلَى صِدْقنَا بِالرِّسَالَةِ {وَالسَّلَام عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى} أَيْ السَّلَامَة لَهُ مِنْ الْعَذَاب
{إنَّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنَا أَنَّ الْعَذَاب عَلَى مَنْ كَذَّبَ} مَا جِئْنَا بِهِ {وَتَوَلَّى} أَعْرَضَ عَنْهُ فَأَتَيَاهُ وَقَالَا جَمِيع مَا ذُكِرَ
{قَالَ فَمَنْ رَبّكُمَا يَا مُوسَى} اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْأَصْل وَلِإِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِالتَّرْبِيَةِ
{قَالَ رَبّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء} مِنْ الْخَلْق {خَلْقه} الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ مُتَمَيِّز بِهِ عَنْ غَيْره {ثُمَّ هَدَى} الْحَيَوَان مِنْهُ إلَى مَطْعَمه وَمَشْرَبه وَمَنْكَحِهِ وَغَيْر ذَلِكَ
{قَالَ} فِرْعَوْن {فَمَا بَال} حَال {الْقُرُون} الْأُمَم {الْأُولَى} كَقَوْمِ نُوح وَهُود وَلُوط وَصَالِح فِي عِبَادَتهمْ الْأَوْثَان
{قَالَ} مُوسَى {عِلْمهَا} أَيْ عِلْم حَالهمْ مَحْفُوظ {عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب} هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ يُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة {لَا يَضِلّ} يَغِيب {رَبِّي} عَنْ شَيْء {وَلَا يَنْسَى} رَبِّي شَيْئًا
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ} فِي جُمْلَة الْخَلْق {الْأَرْض مَهْدًا} فِرَاشًا {وَسَلَكَ} سَهَّلَ {لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} طُرُقًا {وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء} مَطَرًا قَالَ تَعَالَى تَتْمِيمًا لِمَا وَصَفَهُ بِهِ مُوسَى وَخِطَابًا لِأَهْلِ مَكَّة {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} أَصْنَافًا {مِنْ نَبَات شَتَّى} صِفَة أَزْوَاجًا أَيْ مُخْتَلِفَة الْأَلْوَان وَالطُّعُوم وَغَيْرهمَا وَشَتَّى جَمْع شَتِيت كَمَرِيضٍ وَمَرْضَى مِنْ شَتَّ الْأَمْر تَفَرَّقَ
{كُلُوا} مِنْهَا {وَارْعَوْا أَنْعَامكُمْ} فِيهَا جَمْع نَعَم وَهِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم يُقَال رَعَتْ الْأَنْعَام وَرَعَيْتهَا وَالْأَمْر لِلْإِبَاحَةِ وَتَذْكِير النِّعْمَة وَالْجُمْلَة حَال مِنْ ضَمِير أَخْرَجْنَا أَيْ مُبِيحِينَ لَكُمْ الْأَكْل وَرَعْي الْأَنْعَام {إنَّ فِي ذَلِكَ} الْمَذْكُور هُنَا {لَآيَات} لَعِبَرًا {لِأُولِي النُّهَى} لِأَصْحَابِ الْعُقُول جَمْع نُهْيَة كَغُرْفَةٍ وَغُرَف سُمِّيَ بِهِ الْعَقْل لِأَنَّهُ يَنْهَى صَاحِبه عَنْ ارْتِكَاب الْقَبَائِح
{مِنْهَا} أَيْ مِنْ الْأَرْض {خَلَقْنَاكُمْ} بِخَلْقِ أَبِيكُمْ آدَم مِنْهَا {وَفِيهَا نُعِيدكُمْ} مَقْبُورِينَ بَعْد الْمَوْت {وَمِنْهَا نُخْرِجكُمْ} عِنْد الْبَعْث {تَارَة} مَرَّة {أُخْرَى} كَمَا أَخْرَجْنَاكُمْ عِنْد ابْتِدَاء خَلْقكُمْ
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ} أَيْ أَبْصَرْنَا فِرْعَوْن {آيَاتنَا كُلّهَا} التِّسْع {فَكَذَّبَ} بِهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا سِحْر {وَأَبَى} أَنْ يُوَحِّد اللَّه تَعَالَى
{قَالَ أَجِئْتنَا لِتُخْرِجنَا مِنْ أَرْضنَا} مِصْر وَيَكُون لَك الْمُلْك فِيهَا
{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} يُعَارِضُهُ {فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك مَوْعِدًا} لِذَلِكَ {لَا نُخْلِفهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا} مَنْصُوب بِنَزْعِ الْخَافِض فِي {سُوًى} بِكَسْرِ أَوَّله وَضَمّه أَيْ وَسَطًا تَسْتَوِي إلَيْهِ مَسَافَة الْجَائِي مِنْ الطَّرَفَيْنِ
{قَالَ} مُوسَى {مَوْعِدكُمْ يَوْم الزِّينَة} يَوْم عِيد لَهُمْ يَتَزَيَّنُونَ فِيهِ وَيَجْتَمِعُونَ {وَأَنْ يُحْشَر النَّاس} يُجْمَع أَهْل مِصْر {ضُحًى} وَقَّتَهُ لِلنَّظَرِ فِيمَا يَقَع
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْن} أَدْبَرَ {فَجَمَعَ كَيْده} أَيْ ذَوِي كَيْده مِنْ السَّحَرَة {ثُمَّ أَتَى} بِهِمْ الْمَوْعِد
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى} وَهُمْ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مَعَ كُلّ وَاحِد حَبْل وَعَصًا {وَيْلكُمْ} أَيْ أَلْزَمَكُمْ اللَّه الْوَيْل {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذِبًا} بِإِشْرَاكِ أَحَد مَعَهُ { فَيُسْحِتَكُمْ} بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْحَاء وَبِفَتْحِهِمَا أَيْ يُهْلِككُمْ {بِعَذَابٍ} مِنْ عِنْده {وَقَدْ خَابَ} خَسِرَ {مَنْ افْتَرَى} كَذَبَ عَلَى اللَّه
{فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ} فِي مُوسَى وَأَخِيهِ {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} أَيْ الْكَلَام بَيْنهمْ فِيهِمَا
{قَالُوا} لِأَنْفُسِهِمْ {إنْ هَذَانِ} وَهُوَ مُوَافِق لِلُغَةِ مَنْ يَأْتِي فِي الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي أَحْوَاله الثَّلَاث وَلِأَبِي عَمْرو : هَذَيْنِ {لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمْ الْمُثْلَى} مُؤَنَّث أَمْثَل بِمَعْنَى أَشْرَف أَيْ بِأَشْرَافِكُمْ بِمَيْلِهِمْ إلَيْهِمَا لِغَلَبَتِهِمَا
{فَاجْمَعُوا كَيْدَكُمْ} مِنْ السِّحْر بِهَمْزَةِ وَصْل وَفَتْح الْمِيم مِنْ جَمَعَ أَيْ لَمَّ وَبِهَمْزَةِ قَطْع وَكَسْر الْمِيم مِنْ أَجْمَعَ أَحْكَمَ {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} حَال أَيْ مُصْطَفِّينَ {وَقَدْ أَفْلَحَ} فَازَ {الْيَوْم مَنْ اسْتَعْلَى} غَلَبَ
{قَالُوا يَا مُوسَى} اخْتَرْ {إمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عَصَاك أَوَّلًا {وَإِمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى} عَصَاهُ
{قَالَ بَلْ أَلْقُوا} فَأَلْقَوْا {فَإِذَا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ} أَصْله عُصُوو قُلِبَتْ الْوَاوَانِ يَاءَيْنِ وَكُسِرَتْ الْعَيْن وَالصَّاد {يُخَيَّل إلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا} حَيَّات {تَسْعَى} عَلَى بُطُونهَا
{فَأَوْجَسَ} أَحَسَّ {فِي نَفْسه خِيفَة مُوسَى} أَيْ خَافَ مِنْ جِهَة أَنَّ سِحْرهمْ مِنْ جِنْس مُعْجِزَته أَنْ يَلْتَبِس أَمْره عَلَى النَّاس فَلَا يُؤْمِنُوا بِهِ
{قُلْنَا} لَهُ {لَا تَخَفْ إنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى} عَلَيْهِمْ بِالْغَلَبَةِ
{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينك} وَهِيَ عَصَاهُ {تَلْقَف} تَبْتَلِع {مَا صَنَعُوا إنَّمَا صَنَعُوا كَيْد سَاحِرٍ} أَيْ جِنْسه {وَلَا يُفْلِح السَّاحِر حَيْثُ أَتَى} بِسِحْرِهِ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَتَلَقَّفَتْ كُلّ مَا صَنَعُوهُ
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَة سُجَّدًا} خَرُّوا سَاجِدِينَ لِلَّهِ تَعَالَى
{قَالَ} فِرْعَوْن {آمَنْتُمْ} بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا {لَهُ قَبْل أَنْ آذَن} أَنَا {لَكُمْ إنَّهُ لَكَبِيركُمْ} مُعَلِّمكُمْ {الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْر فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلكُمْ مِنْ خِلَاف} حَال بِمَعْنَى مُخْتَلِفَة أَيْ الْأَيْدِي الْيُمْنَى وَالْأَرْجُل الْيُسْرَى {وَلَأُصَلِّبَنكُمْ فِي جُذُوع النَّخْل} أَيْ عَلَيْهَا {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّنَا} يَعْنِي نَفْسه وَرَبّ مُوسَى {أَشَدّ عَذَابًا وَأَبْقَى} أَدْوَم عَلَى مُخَالَفَته
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرك} نَخْتَارك {عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات} الدَّالَّة عَلَى صِدْق مُوسَى {وَاَلَّذِي فَطَرَنَا} خَلَقَنَا قَسَم أَوْ عَطْف عَلَى مَا {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أَيْ اصْنَعْ مَا قُلْته {إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا} النَّصْب عَلَى الِاتِّسَاع أَيْ فِيهَا وَتُجْزَى عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة
{إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِر لَنَا خَطَايَانَا} مِنْ الْإِشْرَاك وَغَيْره {وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْر} تَعَلُّمًا وَعَمَلًا لِمُعَارَضَةِ مُوسَى {وَاَللَّه خَيْر} مِنْك ثَوَابًا إذَا أُطِيعَ {وَأَبْقَى} مِنْك عَذَابًا إذَا عُصِيَ
{إنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبّه مُجْرِمًا} كَافِرًا كَفِرْعَوْن {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا} فَيَسْتَرِيح {وَلَا يَحْيَا} حَيَاة تَنْفَعهُ
{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَات} الْفَرَائِض وَالنَّوَافِل {فَأُولَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَات الْعُلَى} جَمْع عُلْيَا مُؤَنَّث أَعْلَى
{جَنَّات عَدْن} أَيْ إقَامَة {تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَنْ تَزَكَّى} تَطَهَّرَ مِنْ الذُّنُوب
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} بِهَمْزَةِ قَطْع مِنْ أَسْرَى وَبِهَمْزَةِ وَصْل وَكَسْر النُّون مِنْ سَرَى لُغَتَانِ أَيْ سِرْ بِهِمْ لَيْلًا مِنْ أَرْض مِصْر {فَاضْرِبْ لَهُمْ} اجْعَلْ لَهُمْ بِالضَّرْبِ بِعَصَاك {طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا} أَيْ يَابِسًا فَامْتَثَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَيْبَسَ اللَّه الْأَرْض فَمَرُّوا فيها {لَا تَخَاف دَرَكًا} أَيْ أَنْ يُدْرِكك فِرْعَوْن {وَلَا تَخْشَى} غَرَقًا
{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن بِجُنُودِهِ} وَهُوَ مَعَهُمْ {فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمّ} أَيْ الْبَحْر {مَا غَشِيَهُمْ} فَأَغْرَقَهُمْ
{وَأَضَلَّ فِرْعَوْن قَوْمه} بِدُعَائِهِمْ إلَى عِبَادَته {وَمَا هَدَى} بَلْ أَوْقَعَهُمْ فِي الْهَلَاك خِلَاف قَوْله {وَمَا أَهْدِيكُمْ إلَّا سَبِيل الرَّشَاد}
{يَا بَنِي إسْرَائِيل قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ} فِرْعَوْن بِإِغْرَاقِهِ {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِب الطُّور الْأَيْمَن} فَنُؤْتِي مُوسَى التَّوْرَاة لِلْعَمَلِ بِهَا {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى} هُمَا الترنجبين وَالطَّيْر السُّمَانَى بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَالْقَصْر وَالْمُنَادَى مَنْ وُجِدَ مِنْ الْيَهُود زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُوطِبُوا بِمَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَى أَجْدَادهمْ زَمَن النَّبِيّ مُوسَى تَوْطِئَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَهُمْ :
{كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ} أَيْ الْمُنْعَم بِهِ عَلَيْكُمْ {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ} بِأَنْ تَكْفُرُوا النِّعْمَة بِهِ {فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} بِكَسْرِ الْحَاء : أَيْ يَجِب وَبِضَمِّهَا أَيْ يَنْزِل {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} بِكَسْرِ اللَّام وَضَمّهَا {فَقَدْ هَوَى} سَقَطَ فِي النَّار
{وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ} مِنْ الشِّرْك {وَآمَنَ} وَحَّدَ اللَّه {وَعَمِلَ صَالِحًا} يَصْدُق بِالْفَرْضِ وَالنَّفْل {ثُمَّ اهْتَدَى} بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ إلَى مَوْته
{وَمَا أَعْجَلَك عَنْ قَوْمك} لِمَجِيءِ مِيعَاد أَخْذ التَّوْرَاة
{قَالَ هُمْ أُولَاءِ} أَيْ بِالْقُرْبِ مِنِّي يَأْتُونَ {عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْت إلَيْك رَبّ لِتَرْضَى} عَنِّي : أَيْ زِيَادَة فِي رِضَاك وَقَبْل الْجَوَاب أَتَى بِالِاعْتِذَارِ حَسَب ظَنّه وَتَخَلُّف الْمَظْنُون لَمَّا
{قَالَ} تَعَالَى {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمك مِنْ بَعْدك} أَيْ بَعْد فِرَاقك لَهُمْ {وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيّ} فَعَبَدُوا الْعِجْل
{فَرَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه غَضْبَان} مِنْ جِهَتهمْ {أَسِفًا} شَدِيد الْحُزْن {قَالَ يَا قَوْم أَلَمْ يَعِدكُمْ رَبّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} أَيْ صِدْقًا أَنَّهُ يُعْطِيكُمْ التَّوْرَاة {أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْد} مُدَّة مُفَارَقَتِي إيَّاكُمْ {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلّ} بِعِبَادَتِكُمْ الْعِجْل {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} وَتَرَكْتُمْ الْمَجِيء بَعْدِي
{قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدك بِمَلْكِنَا} مُثَلَّث الْمِيم أَيْ بِقُدْرَتِنَا أَوْ أَمْرنَا {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا} بِفَتْحِ الْحَاء مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهَا وَكَسْر الْمِيم مُشَدَّدًا {أَوْزَارًا} أَثْقَالًا {مِنْ زِينَة الْقَوْم} أَيْ حُلِيّ قَوْم فِرْعَوْن اسْتَعَارَهَا مِنْهُمْ بَنُو إسْرَائِيل بِعِلَّةِ عُرْس فَبَقِيَتْ عِنْدهمْ {فَقَذَفْنَاهَا} طَرَحْنَاهَا فِي النَّار بِإِمْرِ السَّامِرِيّ {فَكَذَلِكَ} كَمَا أَلْقَيْنَا {أَلْقَى السَّامِرِيّ} مَا مَعَهُ مِنْ حُلِيّهمْ وَمِنْ التُّرَاب الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ أَثَر حَافِر فَرَس جِبْرِيل عَلَى الْوَجْه الْآتِي
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا} صَاغَهُ مِنْ الْحُلِيّ {جَسَدًا} لَحْمًا وَدَمًا {لَهُ خُوَار} أَيْ صَوْت يُسْمَع أَيْ انْقَلَبَ كَذَلِكَ بِسَبَبِ التُّرَاب الَّذِي أَثَرُهُ الْحَيَاةُ فِيمَا يُوضَع فِيهِ وَوَضَعَهُ بَعْد صَوْغه فِي فَمه {فَقَالُوا} أَيْ السَّامِرِيّ وَأَتْبَاعه {هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَنَسِيَ} مُوسَى رَبّه هُنَا وَذَهَبَ يَطْلُبهُ
{أَفَلَا يَرَوْنَ أَ} أَنْ مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ أَنَّهُ {لَا يَرْجِع} الْعِجْل {إلَيْهِمْ قَوْلًا} أَيْ لَا يَرُدّ لَهُمْ جَوَابًا {وَلَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا} أَيْ دَفْعه {وَلَا نَفْعًا} أَيْ جَلْبه أَيْ فَكَيْفَ يَتَّخِذ إلَهًا ؟
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُون مِنْ قَبْل} أَيْ قَبْل أَنْ يَرْجِع مُوسَى {يَا قَوْم إنَّمَا فَتَنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي} فِي عِبَادَته {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} فِيهَا
{قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ} نَزَال {عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} عَلَى عِبَادَته مُقِيمِينَ
{قَالَ} مُوسَى بَعْد رُجُوعه {يَا هَارُون مَا مَنَعَك إذْ رَأَيْتهمْ ضَلُّوا} بِعِبَادَتِهِ
{أَ} نْ {لَّا} لَا زَائِدَة {أَفَعَصَيْت أَمْرِي} بِإِقَامَتِك بَيْن مَنْ يَعْبُد غَيْر اللَّه تَعَالَى
{قَالَ} هَارُون {يَبْنَؤُمَّ} بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْحهَا أَرَادَ أُمِّي وَذِكْرهَا أَعْطَف لِقَلْبِهِ {لَا تَأْخُذ بِلِحْيَتِي} وَكَانَ أَخَذَهَا بِشِمَالِهِ {وَلَا بِرَأْسِي} وَكَانَ أَخَذَ شَعَره بِيَمِينِهِ غَضَبًا {إنِّي خَشِيت} لَوْ اتَّبَعْتُك وَلَا بُدّ أَنْ يَتَّبِعَنِي جَمْع مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْل {أَنْ تَقُول فَرَّقْت بَيْن بَنِي إسْرَائِيل} وَتَغْضَب عَلَيَّ {وَلَمْ تَرْقُب} تَنْتَظِر {قَوْلِي} فِيمَا رَأَيْته فِي ذَلِكَ
{قَالَ فَمَا خَطْبك} شَأْنك الدَّاعِي إلَى مَا صَنَعْت
{قَالَ بَصُرْت بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَيْ عَلِمْت مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ {فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ} تُرَاب {أَثَر} حَافِر فَرَس {الرَّسُول} جِبْرِيل {فَنَبَذْتهَا} أَلْقَيْتهَا فِي صُورَة الْعِجْل الْمُصَاغ {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ} زَيَّنَتْ {لِي نَفْسِي} وَأُلْقِيَ فِيهَا أَنَّ آخِذ قَبْضَة مِنْ تُرَاب مَا ذُكِرَ وَأُلْقِيهَا عَلَى مَا لَا رُوح لَهُ يَصِير لَهُ رُوح وَرَأَيْت قَوْمك طَلَبُوا مِنْك أَنْ تَجْعَل لَهُمْ إلَهًا فَحَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْعِجْل إلَههمْ
{قَالَ} لَهُ مُوسَى {فَاذْهَبْ} مِنْ بَيْننَا {فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاة} أَيْ مُدَّة حَيَاتك {أَنْ تَقُول} لِمَنْ رَأَيْته {لَا مِسَاس} أَيْ لَا تَقْرَبنِي فَكَانَ يَهِيم فِي الْبَرِيَّة وَإِذَا مَسَّ أَحَدًا أَوْ مَسَّهُ أَحَد حُمَّا جَمِيعًا {وَإِنَّ لَك مَوْعِدًا} لِعَذَابِك {لَنْ تُخْلِفهُ} بِكَسْرِ اللَّام : أَيْ لَنْ تَغِيب عَنْهُ وَبِفَتْحِهَا أَيْ بَلْ تُبْعَث إلَيْهِ {وَانْظُرْ إلَى إلَهك الَّذِي ظَلْتَ} أَصْله ظَلِلْت بِلَامَيْنِ أُولَاهُمَا مَكْسُورَة حُذِفَتْ تَخْفِيفًا أَيْ دُمْت {عَلَيْهِ عَاكِفًا} أَيْ مُقِيمًا تَعْبُدهُ {لَنُحَرِّقَنَّهُ} بِالنَّارِ {ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمّ نَسْفًا} نُذْرِيَنَّهُ فِي هَوَاء الْبَحْر وَفَعَلَ مُوسَى بَعْد ذَبْحه مَا ذَكَرَهُ
{إنَّمَا إلَهكُمْ اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ وَسِعَ كُلّ شَيْء عِلْمًا} تَمْيِيز مُحَوَّل عَنْ الْفَاعِل أَيْ وَسِعَ عِلْمه كُلّ شَيْء
{كَذَلِكَ} أَيْ كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد هَذِهِ الْقِصَّة {نَقُصّ عَلَيْك مِنْ أَنْبَاء} أَخْبَار {مَا قَدْ سَبَقَ} مِنْ الْأُمَم {وَقَدْ آتَيْنَاك} أَعْطَيْنَاك {مِنْ لَدُنَّا} مِنْ عِنْدنَا {ذِكْرًا} قُرْآنًا
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} فَلَمْ يُؤْمِن بِهِ {فَإِنَّهُ يَحْمِل يَوْم الْقِيَامَة وِزْرًا} حِمْلًا ثَقِيلًا مِنْ الْإِثْم
{خَالِدِينَ فِيهِ} أَيْ فِي عَذَاب الْوِزْر {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة حِمْلًا} تَمْيِيز مُفَسِّر لِلضَّمِيرِ فِي سَاءَ وَالْمَخْصُوص بِالذَّمِّ مَحْذُوف تَقْدِيره وِزْرهمْ وَاللَّام لِلْبَيَانِ وَيُبْدَل مِنْ يَوْم الْقِيَامَة
{يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور} الْقَرْن النَّفْخَة الثَّانِيَة {وَنَحْشُر الْمُجْرِمِينَ} الْكَافِرِينَ {يَوْمئِذٍ زُرْقًا} عُيُونهمْ مَعَ سَوَاد وُجُوههمْ
{يَتَخَافَتُونَ بَيْنهمْ} يَتَسَارُّونَ {إنْ} مَا {لَبِثْتُمْ} فِي الدُّنْيَا {إلَّا عَشْرًا} مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا
{نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَقُولُونَ} فِي ذَلِكَ : أَيْ لَيْسَ كَمَا قَالُوا {إذْ يَقُول أَمْثَلهمْ} أَعْدَلهمْ {طَرِيقَة} فِيهِ {إنْ لَبِثْتُمْ إلَّا يَوْمًا} يَسْتَقِلُّونَ لُبْثهمْ فِي الدُّنْيَا جِدًّا لِمَا يُعَايِنُونَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ أَهْوَالهَا
{وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْجِبَال} كَيْفَ تَكُون يَوْم الْقِيَامَة {فَقُلْ} لَهُمْ {يَنْسِفهَا رَبِّي نَسْفًا} بِأَنْ يُفَتِّتهَا كَالرَّمْلِ السَّائِل ثُمَّ يُطِيرهَا بِالرِّيَاحِ
{فَيَذَرهَا قَاعًا} مُنْبَسِطًا {صَفْصَفًا} مُسْتَوِيًا
{لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} انْخِفَاضًا {وَلَا أَمْتًا} ارْتِفَاعًا
{يَوْمئِذٍ} أَيْ يَوْم إذْ نُسِفَتْ الْجِبَال {يَتَّبِعُونَ} أَيْ النَّاس بَعْد الْقِيَام مِنْ الْقُبُور {الدَّاعِي} إلَى الْمَحْشَر بِصَوْتِهِ وَهُوَ إسْرَافِيل يَقُول : هَلُمُّوا إلَى عَرْض الرَّحْمَن {لَا عِوَج لَهُ} أَيْ لِاتِّبَاعِهِمْ : أَيْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ لَا يَتَّبِعُوا {وَخَشَعَتْ} سَكَنَتْ {الْأَصْوَات لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَع إلَّا هَمْسًا} صَوْت وَطْء الْأَقْدَام فِي نَقْلهَا إلَى الْمَحْشَر كَصَوْتِ أَخْفَاف الْإِبِل فِي مَشْيهَا
{يَوْمئِذٍ لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة} لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة أَحَدًا {إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن} أَنْ يَشْفَع لَهُ {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} بِأَنْ يَقُول : لَا إلَه إلَّا اللَّه
{يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ} مِنْ أُمُور الْآخِرَة {وَمَا خَلْفهمْ} مِنْ أُمُور الدُّنْيَا {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ
{وَعَنَتْ الْوُجُوه} خَضَعَتْ {لِلْحَيِّ الْقَيُّوم} أَيْ اللَّه {وَقَدْ خَابَ} خَسِرَ {مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} أَيْ شِرْكًا
{وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات {وَهُوَ مُؤْمِن فَلَا يَخَاف ظُلْمًا} بِزِيَادَةٍ فِي سَيِّئَاته {وَلَا هَضْمًا} بِنَقْصٍ مِنْ حَسَنَاته
{وَكَذَلِكَ} مَعْطُوف عَلَى كَذَلِكَ نَقُصّ : أَيْ مِثْل إنْزَال مَا ذُكِرَ {أَنْزَلْنَاهُ} أَيْ الْقُرْآن {قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا} كَرَّرْنَا {فِيهِ مِنْ الْوَعِيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} يَتَّقُونَ الشِّرْك {أَوْ يُحْدِث} يُحْدِث الْقُرْآن {لَهُمْ ذِكْرًا} بِهَلَاكِ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنْ الْأُمَم فَيَعْتَبِرُونَ
{فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ} عَمَّا يَقُول الْمُشْرِكُونَ {وَلَا تَعْجَل بِالْقُرْآنِ} أَيْ بِقِرَاءَتِهِ {مِنْ قَبْل أَنْ يُقْضَى إلَيْك وَحْيه} أَيْ يَفْرُغ جِبْرِيل مِنْ إبْلَاغه {وَقُلْ رَبّ زِدْنِي عِلْمًا} أَيْ بِالْقُرْآنِ فَكُلَّمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ زَادَ بِهِ عِلْمه
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَم} وَصَّيْنَاهُ أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الشَّجَرَة {مِنْ قَبْل} أَيْ قَبْل أَكْله مِنْهَا {فَنَسِيَ} تَرَكَ عَهْدنَا {وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا} حَزْمًا وَصَبْرًا عَمَّا نَهَيْنَاهُ عَنْهُ
{وَ} اذْكُر {إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس} وَهُوَ أَبُو الْجِنّ كَانَ يَصْحَب الْمَلَائِكَة وَيَعْبُد اللَّه مَعَهُمْ {أَبَى} عَنْ السُّجُود لِآدَم {قَالَ أَنَا خَيْر مِنْهُ}
{فَقُلْنَا يَا آدَم إنَّ هَذَا عَدُوّ لَك وَلِزَوْجِك} حَوَّاء بِالْمَدِّ {فَلَا يُخْرِجَنكُمَا مِنْ الْجَنَّة فَتَشْقَى} تَتْعَب بِالْحَرْثِ وَالزَّرْع وَالْحَصْد وَالطَّحْن وَالْخَبْز وَغَيْر ذَلِكَ وَاقْتَصَرَ عَلَى شَقَائِهِ لِأَنَّ الرَّجُل يَسْعَى عَلَى زَوْجَته
{إنَّ لَك أَ} نْ {لَا}
{وَأَنَّك} بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْرهَا عَطْف عَلَى اسْم إنَّ وَجُمْلَتهَا {لَا تَظْمَأ فِيهَا} تَعْطَش {وَلَا تَضْحَى} لَا يَحْصُل لَك حَرّ شَمْس الضُّحَى لِانْتِفَاءِ الشَّمْس فِي الْجَنَّة
{فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَان قَالَ يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد} أَيْ الَّتِي يُخَلَّد مَنْ يَأْكُل مِنْهَا {وَمُلْك لَا يَبْلَى} لَا يَفْنَى وَهُوَ لَازِم الْخُلْد
{فَأَكَلَا} أَيْ آدَم وَحَوَّاء {مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا} أَيْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُبُله وَقُبُل الْآخَر وَدُبُره وَسُمِّيَ كُلّ مِنْهُمَا سَوْأَة لِأَنَّ انْكِشَافه يَسُوء صَاحِبه {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أَخَذَا يُلْزِقَانِ {عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة} لِيَسْتَتِرَا بِهِ {وَعَصَى آدَم رَبّه فَغَوَى} بِالْأَكْلِ مِنْ الشَّجَرَة
{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبّه} قَرَّبَهُ {فَتَابَ عَلَيْهِ} قَبْل تَوْبَته {وَهَدَى} أَيْ هَدَاهُ إلَى الْمُدَاوَمَة عَلَى التَّوْبَة
{قَالَ اهْبِطَا} أَيْ آدَم وَحَوَّاء بِمَا اشْتَمَلْتُمَا عَلَيْهِ مِنْ ذُرِّيَّتكُمَا {مِنْهَا} مِنْ الْجَنَّة {جَمِيعًا بَعْضكُمْ} بَعْض الذُّرِّيَّة {لِبَعْضٍ عَدُوّ} مِنْ ظُلْم بَعْضهمْ بَعْضًا {فَإِمَّا} فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة {يَأْتِيَنكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ} الْقُرْآن {فَلَا يَضِلّ} فِي الدُّنْيَا {وَلَا يَشْقَى} فِي الْآخِرَة
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} الْقُرْآن فَلَمْ يُؤْمِن بِهِ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا} بِالتَّنْوِينِ مَصْدَر بِمَعْنَى ضَيِّقَة وَفُسِّرَتْ فِي حَدِيث بِعَذَابِ الْكَافِر فِي قَبْره {وَنَحْشُرهُ} أَيْ الْمُعْرِض عَنْ الْقُرْآن {يَوْم الْقِيَامَة أَعْمَى} أَعْمَى الْبَصَر
{قَالَ رَبّ لَمْ حَشَرْتنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْت بَصِيرًا} فِي الدُّنْيَا وَعِنْد الْبَعْث
{قَالَ} الْأَمْر {كَذَلِكَ أَتَتْك آيَتنَا فَنَسِيتهَا} تَرَكْتهَا وَلَمْ تُؤْمِن بِهَا {وَكَذَلِكَ} مِثْل نِسْيَانك آيَاتنَا {الْيَوْم تُنْسَى} تُتْرَك فِي النَّار
{وَكَذَلِكَ} وَمِثْل جَزَائِنَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْقُرْآن {نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ} أَشْرَكَ {وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبّه وَلَعَذَاب الْآخِرَة أَشَدّ} مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر {وَأَبْقَى} أَدْوَم
{أَفَلَمْ يَهْدِ} يَتَبَيَّن {لَهُمْ} لِكُفَّارِ مَكَّة {كَمْ} خَبَرِيَّة مَفْعُول {أَهْلَكْنَا} أَيْ كَثِيرًا إهْلَاكنَا {قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون} أَيْ الْأُمَم الْمَاضِيَة بِتَكْذِيبِ الرُّسُل {يَمْشُونَ} حَال مِنْ ضَمِير لَهُمْ {فِي مَسَاكِنهمْ} فِي سَفَرهمْ إلَى الشَّام وَغَيْرهَا فَيَعْتَبِرُوا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَخْذ إهْلَاك مِنْ فِعْله الْخَالِي عَنْ حَرْف مَصْدَرِيّ لِرِعَايَةِ الْمَعْنَى لَا مَانِع مِنْهُ {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات} لَعِبَرًا {لِأُولِي النُّهَى} لِذَوِي الْعُقُول
{وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك} بِتَأْخِيرِ الْعَذَاب عَنْهُمْ إلَى الْآخِرَة {لَكَانَ} الْإِهْلَاك {لِزَامًا} لَازِمًا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا {وَأَجَل مُسَمًّى} مَضْرُوب لَهُمْ مَعْطُوف عَلَى الضَّمِير الْمُسْتَتِر فِي كَانَ وَقَامَ الْفَصْل بِخَبَرِهَا مَكَان التَّأْكِيد
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} مَنْسُوخ بِآيَةِ الْقِتَال {وَسَبِّحْ} صَلِّ {بِحَمْدِ رَبّك} حَال : أَيْ مُلْتَبِسًا بِهِ {قَبْل طُلُوع الشَّمْس} صَلَاة الصُّبْح {وَقَبْل غُرُوبهَا} صَلَاة الْعَصْر {وَمِنْ آنَاء اللَّيْل} سَاعَاته {فَسَبِّحْ} صَلِّ الْمَغْرِب وَالْعِشَاء {وَأَطْرَاف النَّهَار} عَطْف عَلَى مَحَلّ مِنْ آنَاء الْمَنْصُوب : أَيْ صَلِّ الظُّهْر لِأَنَّ وَقْتهَا يَدْخُل بِزَوَالِ الشَّمْس فَهُوَ طَرَف النِّصْف الْأَوَّل وَطَرَف النِّصْف الثَّانِي {لَعَلَّك تَرْضَى} بِمَا تُعْطَى مِنْ الثَّوَاب
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} أَصْنَافًا {مِنْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} زِينَتهَا وَبَهْجَتهَا {لِنَفْتِنهُمْ فِيهِ} بِأَنْ يَطْغَوْا {وَرِزْق رَبّك} فِي الْجَنَّة {خَيْر} مِمَّا أُوتُوهُ فِي الدُّنْيَا {وَأَبْقَى} أَدْوَم
{وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ} اصْبِرْ {عَلَيْهَا لَا نَسْأَلك} نُكَلِّفك {رِزْقًا} لِنَفْسِك وَلَا لِغَيْرِك {نَحْنُ نَرْزُقك وَالْعَاقِبَة} الْجَنَّة {لِلتَّقْوَى} لِأَهْلِهَا
{وَقَالُوا} الْمُشْرِكُونَ {لَوْلَا} هَلَّا {يَأْتِينَا} مُحَمَّد {بِآيَةٍ مِنْ رَبّه} مِمَّا يَقْتَرِحُونَهُ {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ} بِالتَّاءِ وَالْيَاء {بَيِّنَة} بَيَان {مَا فِي الصُّحُف الْأُولَى} الْمُشْتَمِل عَلَيْهِ الْقُرْآن مِنْ أَنْبَاء الْأُمَم الْمَاضِيَة وَإِهْلَاكهمْ بِتَكْذِيبِ الرُّسُل
{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْله} قَبْل مُحَمَّد الرَّسُول {لَقَالُوا} يَوْم الْقِيَامَة {رَبّنَا لَوْلَا} هَلَّا {أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِع آيَاتك} الْمُرْسَل بِهَا {مِنْ قَبْل أَنْ نَذِلّ} فِي الْقِيَامَة {وَنَخْزَى} فِي جَهَنَّم
{قُلْ} لَهُمْ {كُلّ} مِنَّا وَمِنْكُمْ {مُتَرَبِّص} مُنْتَظِر مَا يَئُول إلَيْهِ الْأَمْر {فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ} فِي الْقِيَامَة {مَنْ أَصْحَاب الصِّرَاط} الطَّرِيق {السَّوِيّ} الْمُسْتَقِيم {وَمَنْ اهْتَدَى} مِنْ الضَّلَالَة أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ