islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
14477

20-طه

طه

بدأ الله تعالى السورة بهذه الحروف لتحدى المنكرين، والإشارة إلى أن القرآن مُكَوَّن من هذه الحروف التى تتكلمون بها، ومع ذلك عجزتم عن الإتيان بسورة قصيرة أو آيات من مثله.

مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى

إنا ما أوحينا إليك - أيها الرسول - هذا القرآن ليكون سببًا فى إرهاق نفسك أسفًا على إعراض المعرضين عنك.

إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى

لكن أنزلناه تذكرة لمن يخاف الله فيطيعه.

تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا

قد نزل عليك هذا القرآن من عند الله القادر خالق الأرض والسموات الرفيعة العالية.

الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى

عظيم الرحمة على ملكه استوى.

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى

له - وحده - سبحانه ملك السموات وما فيها والأرض وما عليها، وملك ما بينهما، وما اختبأ فى الأرض من معادن وخيرات.

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى

وكما شملت قدرة الله - عز وجل - كل شىء قد أحاط علمه بكل شىء، وإن ترفع صوتك - أيها الإنسان - بالقول، فإن الله يعلمه، لأنه يعلم حديثك مع غيرك ويعلم حديث نفسك.

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى

هو الله الإله الواحد المستحق للعبادة دون سواه، إذ هو المتصف بصفات الكمال، وله الصفات الحسنى.

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى

هل علمت - أيها النبى - خبر موسى مع فرعون؟

إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى

حين أبصر نارًا فى مسيره ليلا من مدين إلى مصر، فقال عند ذلك لزوجه ومن معها: انتظروا فى مكانكم، إنى أبصرت نارًا، أرجو أن أحمل لكم منها جمرة تدفئكم، أو أجد حول النار من يهدينى إلى الطريق.

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى

فلما بلغ مكانها، سمع صوتًا عُلْوِيا يناديه: يا موسى.

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى

إنى أنا الله ربك، فاخلع نعليك تكريمًا للموقف، فإنك بالوادى المطهر المبارك وهو "طوى".

وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى

وأنا الله أصطفيك بالرسالة، فاصغ لما أوحيه إليك لتعلمه وتبلغه قومك.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي

إننى أنا الله الإله الواحد، لا معبود بحق سواى، فآمن بى واعبدنى، وداوم على إقامة الصلاة لتظل فى ذكر دائم بى.

إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى

إن الساعة - التى هى موْعد لقائى، وقد أخفيت موعدها عن عبادى، وأظهرت لهم دلالتها - آتية لا محالة، لتحاسب كل نفس على ما عملت وتُجزى به.

فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى

فلا يصرفنك يا موسى عن الإيمان بالساعة والاستعداد لها من لا يصدق بها، ومال مع هواه فتهلك.

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى

وما تلك التى تمسكها بيدك اليمنى؟

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى

وأجاب موسى: إنها عصاى أعتمد عليها فى مسيرى، وأسوق بها غنمى، ولى فيها منافع أخرى، كدفع أذى الحيوان.

قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى

قال الله سبحانه لموسى: ارم بها على الأرض.

فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى

فرمى بها موسى، ففوجئ بها تنقلب حية تمشى.

قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى

فارتاع منها، فطمأنه الله قائلا: تَناولْها دون خوف، فإننا سنعيدها عصا كما كانت.

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى

وأَدْخِل يدك فى جيب ثوبك مضمومة إلى جنبك تخرج بيضاء ناصعة من غير داء، وقد جعلناها لك معجزة ثانية على رسالتك.

لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى

لِنُرِيك بعض معجزاتنا الكبرى لتكون دليلا على صدقك فى الرسالة.

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى

اذهب إلى فرعون الذى جاوز الحد فى الظلم.

قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي

فتضرَّع موسى إلى ربه أن يشرح له صدره، ليذهب عنه الغضب، وليؤدى رسالة ربه.

وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

وسهِّل لى أمر الرسالة لأؤدى حقها.

وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي

وفك عُقْدة لسانى لأبين.

يَفْقَهُوا قَوْلِي

ليفهم الناس فهمًا دقيقًا ما أقول لهم.

وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي

واجعل لى مؤازرًا من أهلى.

هَارُونَ أَخِي

هو أخى هارون.

اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي

اشدد به قوتى.

وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي

وأشركه معى فى تحمل أعباء الرسالة وتبليغها.

كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا

كى نُنَزِّهك كثيرًا عما لا يليق بك.

وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا

ونردد أسماءك الحسنى كثيرًا.

إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا

يا ربنا: إنك دائمًا بصير بنا، ومتكفل بأمرنا.

قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى

نادى الله رسوله موسى قائلا: قد أعطيتك ما سألت، وهذه منة عليك.

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى

ولقد سبق أن تفضلنا عليك بمنة أخرى دون سؤال منك.

إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى

حين ألهمنا أمك إلهامًا كريمًا كانت فيه حياتك.

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي

ألْهمناها أن تضعك - طفلا رضيعًا - فى الصندوق، وأن تلقى به فى النيل، لننجيك من قتل فرعون، إذ كان يقتل من يولد فى بنى إسرائيل من الذكور، وسخرنا الماء لِيُلْقى الصندوق بالشاطئ، وشاءت إرادتنا أن يأخذ الصندوق فرعون عدوى وعدوك، وأحببتك حب رحمة وولاية، ليحبك كل من يراك، ولتربى تربية كريمة ملحوظًا برعايتى.

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئ

واعلم يا موسى سابق عنايتنا بك حين مشت أختك ترقب أمرك، فلما صرت فى قصر فرعون، ورأتهم يبحثون لك عن مُرْضِع دلَّتهم على أمك، فرددناك إليها لتفرح بحياتك وعودتك، ولتكف عن الحزن والبكاء، ولما كبرت وقتلت خطأ رجلا من قوم فرعون نجيناك من الغم الذى لحق بك، وخلَّصناك من شرهم، فذهبت إلى مدين ومكثت فيها سنين عدة، ثم عدت من مدين فى الموعد الذى قدرناه لإرسالك.

وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي

واصطفيتك لوحيى وحمل رسالتى.

اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي

اذهب مع أخيك مُؤَيَّدين بمعجزاتى الدالة على النبوة والرسالة، ولا تضْعُفا فى تبليغ رسالتى، ولا تغفلا عن ذكرى والاستعانة بى.

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى

اذهب مع أخيك هارون إلى فرعون، إنه كافر تجاوز الحد فى كفره وطغيانه.

فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى

فادعواه إلى الإيمان بى فى رفق ولين، راجين أن يتذكر ما غفل عنه من الإيمان، ويخشى عاقبة كفره وطغيانه.

قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى

فتضرع موسى وهارون إلى الله قائلين: يا ربنا إننا نخشى أن يُبادرنا فرعون بالأذى، ويتجاوز الحد فى الإساءة.

قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى

فطمأنهما الله بقوله: لا تخافا فرعون، إننى معكما بالرعاية والحفظ، سميع لما يقول، مبصر لما يفعل، فلا أمكِّنه من إيذائكما.

فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى

فاذهبا إلى فرعون فقولا له: إننا رسولان إليك من ربك، جئنا ندعوك إلى الإيمان به، وأن تطلق بنى إسرائيل من الأسر والعذاب، قد أتيناك بمعجزة من الله تشهد لنا بصدق ما دعوناك إليه، وبالأمان من عذاب الله وغضبه لمن اتبع هداه.

إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى

وإن الله قد أوحى إلينا أن عذابه الشديد واقع على من كذبنا وأعرض عن دعوتنا.

قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى

قال فرعون فى طغيانه وجبروته: فَمَنْ ربكما يا موسى؟.

قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى

فأجابه موسى: ربنا الذى منح نعمة الوجود لكل موجود، وخلقه على الصورة التى اختارها سبحانه له، ووجَّهه لما خلق (1).<BR>___________<BR>(1)

قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى

قال لفرعون: فما شأن القرون الماضية وما جرى لها؟.

قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى

قال موسى: عِلْمُ هذه القرون عند ربى - وحده - وهى مسجلة فى صحائف أعمالهم، لا يغيب عن علمه شىء منها ولا ينساه.

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى

هو الإله المتفضل على عباده بالوجود والحفظ، مهَّد لكم الأرض فبسطها بقدرته، وشق لكم فيها طرقًا تسلكونها، وأنزل المطر عليها تجرى به الأنهار فيها، فأخرج سبحانه أنواع النبات المختلفة المتقابلة فى ألوانها وطعومها ومنافعها، فمنها الأبيض، ومنها الأسود، ومنها الحلو، ومنها المر.

كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى

ووجَّه - سبحانه - عباده إلى الانتفاع بما أخرج من النبات بالأكل ورعى الأنعام، ونحو ذلك.<BR>فذكر أن فى هذا الخلق وإبداعه والإنْعام به دلائل واضحة، يهتدى بها ذوو العقول إلى الإيمان بالله ورسالاته.

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى

ومن تراب هذه الأرض خلق الله آدم وذريته، وإليها يردّهم بعد الموت لمواراة أجسامهم، ومنها يخرجهم أحياء مرة أخرى للبعث والجزاء.

وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى

ولقد أرينا فرعون على يد موسى المعجزات البيِّنة المؤيدة لرسالته وصدقه فى كل ما أخبره به عن الله وعن آثار قدرته، ومع هذا فقد تمادى فرعون فى كفره، فكذّب بكل ذلك، وأَبَى أن يؤمن به.

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى

قال فرعون لموسى: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا، وتجعلها فى يد قومك بسحرك الذى فَتَنْت الناس به؟.

فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى

وإنا سنبطل سحرك من عندنا، فاجعل بيننا وبينك موعدًا نلتقى فيه، ولا يتخلف منا أحد.

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى

فأجابه موسى: موعدنا يوم عيدكم الذى تتزينون فيه مبتهجين به، فيجتمع الناس فى ضحى ذلك اليوم، ليشهدوا ما يكون بيننا وبينكم.

فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى

فانصرف فرعون وتولى الأمر بنفسه، فجمع وسائل تدبيره، وعِلْيَة من السحرة، وأدوات السحر، ثم حضر فى الموعد بكل ذلك.

قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى

قال لهم موسى يحذرهم هلاك الله وعذابه، وينهاهم عن اختلاق الكذب، بزعمهم ألوهية فرْعون وتكذيبهم رسل الله، وإنكارهم المعجزات، وهددهم بأن الله يستأصلهم بالعذاب إن استمروا على هذا، ويؤكد خسران من افترى الكذب على الله.

فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى

فذعروا من تحذير موسى، وتفاوضوا سرا فيما بينهم متجاذبين وكلٌّ يشير برأى فيما يلْقَون به موسى.

قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى

وأجمعوا فيما بينهم على أن موسى وهارون ساحران، يعملان على إخراجهم من بلادهم، بإخراج السلطان من أيديهم، وذلك بالسحر ليتمكن بنو إسرائيل فيها، وليبطلا عقيدتهم الطيبة فى زعمهم.

فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى

فاجعلوٍا ما تكيدون به موسى أمرًا متفقًا عليه، ثم احضروا مُصْطَفِّين، لتكون لكم فى نفوس الرائين الهيبة والغلبة، وقد فاز اليوم من غلب.

قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى

واجه السحرة موسى برأى واحد، وخيَّروه فى شموخ واعتزاز، بَيْن أن يبدأ فيلقى عصاه، أو أن يكونوا هم البادئين.

قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى

قال موسى: بل ابتدئوا، فألقوا حبالهم وعصيهم، فتخيَّل موسى من السحر أنها انقلبت ثعابين تتحرك وتسير.

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى

فأحس موسى بالخوف لِمَا رآه من أثر السحر، ومن احتمال أن يلتبس السحر على الناس بالمعجزة.

قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى

فأدركه الله بلطفه قائلا: لا تخش شيئًا، إنك الغالب المنتصر على باطلهم.

وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى

وأَلْق العصا التى بيمينك لتبتلع ما زوَّروا من السحر، إن صنيعهم لا يجاوز تمويه السحرة، وإن الساحر لا يفوز أينما كان.

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى

فألقى موسى عصاه، فإذا بها تنقلب حقًا بقدرة الله حية كبيرة مخيفة، وابتلعت كل ما أعدّوه، فلما رأى السحرة تلك المعجزة بادروا إلى السجود موقنين بصدق موسى قائلين: آمنا بالله - وحده - رب هارون وموسى، ورب كل شىء.

قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى

قال فرعون: كيف تؤمنون به دون إذن منى؟ إنه لرئيسكم الذى علَّمكم السحر، وليس عمله معجزة كما توهمتم، وهددهم: لأُقَطعَنّ أيديكم وأرجلكم مختلفات بقطع اليمنى من واحدة واليسرى من الأخرى، ولأصلبنكم فى جذوع النخل، وستعلمون أى الإلهين أشد عذاباً وأدوم زمنا: أنا أم إله موسى.

قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا

ثبت السحرة على إيمانهم، ودفعوا تهديد فرعون بقولهم: لن نبقى على الكفر معك بعد ما تبيَّن لنا الحق فى معجزة موسى، ولن نختارك على إله موسى الذى خلقنا، فافعل ما تريد أن تفعله، إن سلطانك لا يتجاوز هذه الحياة القصيرة.

إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى

فإننا مقيمون على الإيمان بربنا الحق، ليتجاوز لنا عمَّا سلف من السيئات، وليغفر لنا ممارسة السحر الذى أكرهتنا على تعلمه والعمل به، وربنا خير منك ثوابًا، إذا أُطيع، وأبقى منك سلطانًا وقدرة على الجزاء.

إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا

إن من يموت على الكفر ويلقى الله مجرمًا فجزاؤه جهنم لا يموت فيها فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياة يتمتع فيها بنعيم.

وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا

ومن يلاقى ربه على الإيمان وصالح العمل فله المنازل السامية.

جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى

تلك المنازل هى الإقامة فى جنات النعيم تجرى بين أشجارها الأنهار خالدين فيها، وذلك جزاء لمن طهر نفسه بالإيمان والطاعة بعد الكفر والمعصية.

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى

ثم تتابعت الأحداث بين موسى وفرعون، وأوحى الله إلى رسوله موسى أن يخرج ببنى إسرائيل من مصر ليلا، وأن يضرب البحر بعصاه فتحدث معجزة أخرى، إذ يفتح له الطريق يبسًا فى الماء، وطمأنه ألا يخاف من إدراك فرعون لهم، ولا أن يغرقهم الماء.

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ

فنفَّذ موسى ما أمر الله به، فخرج فرعون بجنوده وراءه، فأدركهم عند البحر، وسار وراءهم فى الطريق التى تفتحت فى البحر لموسى وقومه، وهنا تحققت المعجزة الأخرى، وهى انطباق مياه البحر على فرعون وقومه، فأغرقتهم جميعًا.

وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى

وهكذا انحرف بقومه عن طريق الحق، وغرر بهم، فهلكوا جميعًا.

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى

يا بنى إسرائيل، قد أنجيناكم من عدوكم فرعون، وواعدناكم بالنجاة من عدوكم على لسان موسى أن تصلوا آمنين إلى جانب الطور، ونزّلنا عليكم المن والسلوى رزقًا طيبًا من الحلو ولحم الطير الشهى.

كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى

كلوا من هذه الطيبات التى رزقتم بها دون مجهود، ولا تظلموا، ولا ترتكبوا معصية الله فى هذا العيش الرغيد، حتى لا ينزل بكم غضبى، فإن من ينزل عليه غضبى ينحدر إلى أسفل الطبقات من عذاب الله.

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى

وإنى عظيم الغفران لمن رجع عن كفره، وأحسن الإيمان، وأصلح العمل، واستمر على ذلك حتى يلقى الله.

وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى

سبق موسى قومه إلى الطور، ليظفر بمناجاة ربه، فسأله الله عن السبب الذى أعجله بالحضور دون قومه.

قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى

قال موسى: إن قومى قريبون منى، لاحقون بى، وإنما سبقتهم إليك يا رب رغبة فى رضاك.

قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ

قال الله له: إنَّا قد امتحنا قومك من بعد مغادرتك لهم، فوقعوا فى فتنة، إذْ أضلّهم السامرى.

فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي

فعاد موسى إلى قومه فى غضب شديد وحزن مؤلم، وخاطب قومه - منكرًا عليهم - بقوله: لقد وعدكم ربكم النجاة والهداية بنزول التوراة، والنصر بدخول الأرض المقدسة، ولم يطل عليكم العهد حتى تنسوا وعد الله لكم، أردتم بسوء صنيعكم أن ينزل بكم غضب الله بطغيانكم الذى حذركم منه، فأخلفتم عهدكم لى بالسير على سنتى والمجىء على أثرى.

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ

قال قوم موسى معتذرين: لم نتخلف عن موعدك باختيارنا، ولكننا حُمِّلنا حين خرجنا من مصر أثقالا من حِلْى القوم، ثم رأينا - لشؤمها علينا - أن نتخلص منها، فأشعل السامرى النار فى حفرة ورمينا فيها هذه الأثقال، فكذلك رمى السامرى ما معه من الحلى.

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ

فصنع السامرى لهم عجلا مجسمًا من الذهب، يمر الريح فى جوفه فيكون له صوت يسمع كخوار البقر، لتتم الخديعة به، ودعاهم إلى عبادته فاستجابوا، وقال هو وأتباعه: هذا معبودكم ومعبود موسى.<BR>فنسى أنه يسهل بالتأمل والاستدلال على أن العجل لا يكون إلهًا.

أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا

لقد عميت بصائرهم حين يعتبرون هذا العجل إلهًا! أفلا يرون أنه لا يرد على أقوالهم، ولا يستطيع أن يدفع عنهم ضرًا، ولا أن يجلب لهم نفعًا!؟

وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي

وكان هارون مقيمًا فيهم - حين قيام هذه الفتنة - ولقد قال لهم قبل رجوع موسى - عليه السلام -: يا قوم، لقد وقعتم فى فتنة السامرى بهذا الباطل، وإن إلهكم الحق هو الله الرحمن دون سواه، فاتبعونى فيما أنصحكم به، وامتثلوا رأيى بالامتناع عن هذه الضلالة.

قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى

قالوا: سنظل مستمرين على عبادة هذا العجل إلى أن يعود موسى إلينا!.

قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا

قال موسى متأثرًا بما علمه ورآه من قومه: يا هارون، أى سبب منعك أن تكفهم عن الضلالة إذ رأيتهم وقعوا فيها؟

أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي

قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي

قال هارون لموسى: يا ابن أمى: لا تعاجلنى بغضبك، ولا تمسك بلحيتى ولا برأسى.<BR>لقد خفت إن شددت عليهم فتفرقوا شيعًا وأحزابًا أن تقول لى: فرقت بين بنى إسرائيل، ولم تخلفنى فيهم كما عهدت إليك.

قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ

قال موسى - عليه السلام - للسامرى: ما هذا الأمر الخطير الذى يُعد خطبًا ووقعت فيه؟!.

قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي

قال السامرى لموسى: عرفت من حذق الصناعة وحِيَلِها ما لم يعلمه بنو إسرائيل، وصنعت لهم صورة عجل له هذا الصوت، وقبضت قبضة من أثر الرسول فألقيتها فى جوف العجل، تمويهًا على الناس، وكذلك زَيَّنت لى نفسى أن أفعل ما فعلت.

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا

إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا

وقام موسى بإنجاز ما قال، ثم اتجه إلى بنى إسرائيل بعد هذه العبرة قائلا لهم: إن إلهكم الواحد، هو الذى لا يُعبد بحق سواه، وقد أحاط علمه بكل شىء مما كان ومما سيكون.

كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا

كما قصصنا عليك - أيها الرسول - نبأ موسى، نخبرك بالحق عن الأمم السابقة، وقد أنزلنا عليك من عندنا كتابًا فيه تذكير لك ولأمتك، بما فيه صلاح دينكم ودنياكم.

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا

من انصرف عن تصديقه والاهتداء به فإنه يضل فى حياته، ويأتى يوم القيامة حاملا إثم ما صنع، ويجازى بالعذاب الشديد.

خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا

ويخْلد فى هذا العذاب، وبئس هذا الحمل السيئ يوم القيامة.

يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا

اذكر - أيها الرسول - لأمتك اليوم الذى نأمر فيه المَلَك أن ينفخ فى الصور (البوق) نفخة الإحياء والبعث من القبور، وندعوهم إلى المحشر، ونسوق المجرمين إلى الموقف زرق الوجوه رعبًا وفزعًا.

يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا

يتهامسون فيما بينهم فى ذلة واضطراب عن قِصَر الحياة الدنيا، حتى كأنهم لم ينعموا بها، ولم يلبثوا فيها إلا عشرة أيام.

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا

وليس تهامسهم خافيًا، فنحن أعلم بما يتهامسون به، وبما يقول أقربهم إلى تصوير شعورهم نحو الدنيا بأنها لم تكن إلا كيوم واحد.

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا

ويسألك المنكرون للبعث - أيها الرسول - عن مصير الجبال يوم القيامة الذى تتحدث عنه، فأجِبْهم بأن الله يفتِّتها كالرمل، ثم يطِّيرها بالرياح فتكون هباء.

فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا

فيدع أماكنها من الأرض بعد نسفها ملساء مستوية.

لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا

لا تبصر فى الأرض انخفاضًا ولا ارتفاعًا، كأنها لم تكن معمورة من قبل.

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا

يوم القيامة يتبع الناس بعد قيامهم من قبورهم دعوة الداعى إلى المحشر مستسلمين، لا يستطيع أحد منهم أن يعدل عنه يمينًا ولا شمالاً، وتخشع الأصوات بالسكون والرهبة لعظمة الرحمن، فلا يُسمَع إلا صوت خفى.

يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا

يومئذ لا تنفع الشفاعة من أحد إلا من أكرمه الله فأذن له بالشفاعة ورضى قوله فيها، ولا تنفع الشفاعة فى أحد إلا من أذن الرحمن فى أن يُشفع له وكان مؤمنًا، ورضى الله قوله بالتوحيد والإيمان.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا

والله - جل شأنه - يعلم ما تقدم من أمورهم فى دنياهم، وما يستقبلونه منها فى أُخراهم، فهو سبحانه يُدبِّر الأمر فيهم بمقتضى علمه، وهم لا يحيطون علمًا بتدبيره وحكمته.

وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا

وذَلّت وجوه فى هذا اليوم، وخضعت للحى الذى لا يموت، القائم بتدبير أمور خلقه، وقد خسر النجاة والثواب فى اليوم الآخر من ظلم نفسه فى الدنيا فأشرك بربه.

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا

ومن يعمل من الطاعات وهو مصدق بما جاء به - محمد صلى الله عليه وسلم - فهو لا يخاف أن يزاد فى سيئاته، أو ينقص من حسناته.

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا

ومثل هذا البيان الحق الذى سلف فى هذه السورة - فى تمجيد الله وقصة موسى، وأخبار القيامة - أنزل الله هذا الكتاب قرآنًا عربى البيان، وصرف القول فى أساليب الوعيد ووجوهه، لينتهوا عما هم فيه من العصيان، وليجدد القرآن لهم عظة واعتبارا.

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

فارتفع عن الظنون، وتنزَّه عن مشابهة الخلق، الملكُ الذى يحتاج إليه الحاكمون والمحكومون، المحق فى ألوهيته وعظمته، ولا تعجل يا محمد بقراءة القرآن من قبل أن يفرغ المَلَك من إلقائه إليك، وقل: رب زدنى علما بالقرآن ومعانيه.

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا

ولقد وصينا آدم - أيها الرسول - من أول أمره، ألا يخالف لنا أمرًا، فنسى العهد وخالف، ولم نجد له أول أمره عزمًا وثيقًا، وتصميمًا قويًا يمنع من أن يتسلل الشيطان إلى نفسه بوسوسته.

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى

واذكر - أيها الرسول - حين أمر الله الملائكة بتعظيم آدم على وجه أراده سبحانه، فامتثلوا، لكن إبليس - وهو معهم وكان من الجن - خالف وامتنع، فأخرج وطُرِد!

فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى

فخاطب الله آدم قائلا: إن هذا الشيطان الذى خالف أمرنا فى تعظيمك عدو لك ولحواء - زوجتك - فاحذروا وسوسته بالمعصية، فيكون سببًا فى خروجكما من الجنة، فتشقى يا آدم فى الحياة بعد الخروج من الجنة.

إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى

إن علينا أن نكفل لك مطالب حياتك فى الجنة، فلن يُصيبك فيها جوع ولا عِرْى.

وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى

وأنه لن يصيبك فيها عطش، ولن تتعرض فيها لحر الشمس.<BR>كما هو شأن الكادحين فى خارج الجنة.

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى

فاحتال عليه الشيطان يهمس فى نفسه، مُرَغِّبًا له ولزوجه فى الأكل من الشجرة المنهى عنها، قائلا: أنا أدلك يا آدم على شجرة، من أكل منها رزق الخلود، ورزق مُلكًا لا يَفنى.

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى

ودلَّه على الشجرة المحرمة، فخُدع آدم وزوجه بإغراء إبليس، ونسيا نهى الله، وأكلا منها، فظهرت لهما عوراتهما، جزاء طمعهما، حتى نسيا ووقعا فى مخالفته، وصارا يقطعان من ورق شجر الجنة ويستران ما بدا منهما، وخالف آدم ربه، وكان ذلك قبل النبوة، فَحُرِم الخلود الذى تمناه وفسد عيشه.

ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى

ثم اصطفاه الله للرسالة، فقبل توبته، وهداه إلى الاعتذار والاستغفار.

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى

أمر الله آدم وزوجه أن يخرجا من الجنة ويهبطا إلى الأرض، وأخبرهما سبحانه بأن العداوة ستكون فى الأرض بين ذريتهما، وأنه سبحانه سيمدهم بالهدى والرشاد، فمن اتَّبع منهم هدى الله فلا يقع فى المآثم فى الدنيا، ولا يشقى بالعذاب.

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى

ومن أعرض عن هدى الله وطاعته فإنه يحيا حياة لا سعادة فيها، فلا يقنع بما قسم الله، ولا يستسلم إلى قضاء الله وقدره، حتى إذا كان يوم القيامة جاء إلى موقف الحساب مأخوذًا بذنبه، عاجزًا عن الحجة التى يعتذر بها، كما كان فى دنياه أعمى البصيرة عن النظر فى آيات الله.

قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا

وفى هذا الموقف يسأل ربه فى فزع: يا رب كيف أنسيتنى الحُجة، وأعجزتنى عن المعذرة، ووقفتنى كالأعمى؟! وقد كنت فى الدنيا أُبصر ما حولى وأجادل وأدافع.

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى

الأمر فى شأنك كما وقع: جاءتك دلائلنا ورسلنا فى الدنيا فنسيتها، وتعاميت عنها، ولم تؤمن بها، وكذلك اليوم تترك منسيا فى العذاب والهوان.

وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى

ومثل هذا الجزاء السيئ نجزى فى الدنيا من أقبل على المعصية، وكذب بالله وآياته، وإن عذاب الآخرة لأشد ألمًا، وأدْوَم مما كان فى الدنيا.

أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى

كيف يتعامون عن آيات الله، وقد تبين لهم إهلاكنا لكثير من الأمم السالفة بسبب كفرهم، ولم يتعظوا بهم مع أنهم يمشون فى ديارهم ومساكنهم، ويشهدون آثار ما حل بهم من العذاب؟! وإن فى تلك المشاهد لعظات لأصحاب العقول الراجحة.

وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى

ولولا حكم سبق من ربك بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى - هو القيامة - لكان العذاب لازمًا لهم فى الدنيا كما لزم كفار القرون الماضية.

فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى

فاصبر - أيها الرسول - على ما يقولونه فى رسالتك من تكذيب واستهزاء، ونَزِّه ربك عما لا يليق به بالثناء عليه، وعبادته - وحده - دائمًا، وخاصة قبل أن تشرق الشمس وقبل أن تغرب، ونزِّهه واعبده فى ساعات الليل، وفى أطراف النهار بالصلاة، حتى تدوم صلتك بالله، فلتطمئن إلى ما أنت عليه، وترضى بما قدر لك.

وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى

ولا تتعَدَّ بنظرك إلى ما متَّعنا به أصنافًا من الكافرين، لأن هذا المتاع زينة الحياة الدنيا وزخرفها، يمتحن الله به عباده فى الدنيا، ويدِّخر الله لك فى الآخرة ما هو خير وأبقى من هذا المتاع.

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى

ووجِّه أهلك إلى أن يؤدُّوا الصلاة فى أوقاتها، فالصلاة أقوى ما يصلهم بالله، وداوم على إقامتها كاملة، لا نكلفك رزق نفسك فنحن متكفلون برزقك، وإن العاقبة الحميدة فى الدنيا والآخرة مكفولة لأهل الصلاح والتقوى.

وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى

وقال الكافرون فى عنادهم: لماذا لا يأتينا محمد بدليل من ربه يَلزمُنا الإيمان به؟! فكيف يجحدون القرآن - وقد جاءهم به مشتملا على ما فى الكتب السابقة من أنباء الأمم الماضية، وإهلاكهم بسبب تكذيب الرسل - وليس محمد بِدْعًا فى ذلك!

وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى

ولو عاجل الله هؤلاء الكافرين بالإهلاك قبل أن يرسل إليهم محمدًا لاعتذروا يوم القيامة قائلين: يا ربنا لم ترسل إلينا رسولا فى الدنيا مؤيدًا بالآيات لنتبعه قبل أن ينزل بنا العذاب والخزى فى الآخرة.<BR>ولكن لا عذر لهم الآن بعد إرسال الرسول.

قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى

قل - أيها الرسول - لهؤلاء المعاندين: إننا جميعًا منتظرون لما يؤول إليه أمرنا وأمركم، وستعلمون حقًا أى الفريقين صاحب الدين الحق والمهتدى بهدى الله؟.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس