سُورَة طَه مَكِّيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع نَزَلَتْ قَبْل إِسْلَام عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنه عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ خَرَجَ عُمَر مُتَقَلِّدًا بِسَيْفٍ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ خَتَنك قَدْ صَبَوْا فَأَتَاهُمَا عُمَر وَعِنْدهمَا رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يُقَال لَهُ خَبَّاب وَكَانُوا يَقْرَءُونَ | طَه | فَقَالَ : أَعْطُونِي الْكِتَاب الَّذِي عِنْدكُمْ فَأَقْرَأهُ وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقْرَأ الْكُتُب فَقَالَتْ لَهُ أُخْته إِنَّك رِجْس وَلَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ فَقَامَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَتَوَضَّأَ وَأَخَذَ الْكِتَاب فَقَرَأَ | طَه | وَذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق مُطَوَّلًا فَإِنَّ عُمَر خَرَجَ مُتَوَشِّحًا سَيْفه يُرِيد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتْله فَلَقِيَهُ نُعَيْم بْن عَبْد اللَّه فَقَالَ أَيْنَ تُرِيد يَا عُمَر ؟ فَقَالَ أُرِيد مُحَمَّدًا هَذَا الصَّابِئ الَّذِي فَرَّقَ أَمْر قُرَيْش وَسَفَّهُ أَحْلَامهَا وَعَابَ دِينهَا وَسَبَّ آلِهَتهَا فَأَقْتُلْهُ فَقَالَ لَهُ نُعَيْم وَاَللَّه لَقَدْ غَرَّتْك نَفْسك مِنْ نَفْسك يَا عُمَر أَتَرَى بَنِي عَبْد مَنَاف تَارِكِيك تَمْشِي عَلَى الْأَرْض وَقَدْ قَتَلْت مُحَمَّدًا ؟ ! أَفَلَا تَرْجِع إِلَى أَهْلك فَتُقِيم أَمْرهمْ ؟ فَقَالَ وَأَيّ أَهْل بَيْتِي ؟ قَالَ خَتَنك وَابْن عَمّك سَعِيد بْن زَيْد وَأُخْتك فَاطِمَة بِنْت الْخَطَّاب فَقَدْ وَاَللَّه أَسْلَمَا وَتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينه فَعَلَيْك بِهِمَا قَالَ فَرَجَعَ عُمَر عَامِدًا إِلَى أُخْته وَخَتَنه وَعِنْدهمَا خَبَّاب بْن الْأَرَتّ مَعَهُ صَحِيفَة فِيهَا | طَه | يُقْرِئهُمَا إِيَّاهَا فَلَمَّا سَمِعُوا حِسّ عُمَر تَغَيَّبَ خَبَّاب فِي مَخْدَع لَهُمْ أَوْ فِي بَعْض الْبَيْت وَأَخَذَتْ فَاطِمَة بِنْت الْخَطَّاب الصَّحِيفَة فَجَعَلَتْهَا تَحْت فَخِذهَا وَقَدْ سَمِعَ عُمَر حِين دَنَا إِلَى الْبَيْت قِرَاءَة خَبَّاب عَلَيْهِمَا فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَة الَّتِي سَمِعْت ؟ قَالَا لَهُ مَا سَمِعْت شَيْئًا قَالَ بَلَى وَاَللَّه لَقَدْ أُخْبِرْت أَنَّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدًا إِلَى دِينه وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيد بْن زَيْد فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْته فَاطِمَة بِنْت الْخَطَّاب لِتَكُفّهُ عَنْ زَوْجهَا فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْته وَخَتَنه نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنَّا بِاَللَّهِ وَرَسُوله فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك وَلَمَّا رَأَى عُمَر مَا بِأُخْتِهِ مِنْ الدَّم نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَارْعَوَى وَقَالَ لِأُخْتِهِ أَعْطِنِي هَذِهِ الصَّحِيفَة الَّتِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَءُونَهَا آنِفًا أَنْظُر مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد وَكَانَ كَاتِبًا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْته إِنَّا نَخْشَاك عَلَيْهَا قَالَ لَهَا لَا تَخَافِي وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إِذَا قَرَأَهَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ طَمِعَتْ فِي إِسْلَامه فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي إِنَّك نَجَس عَلَى شِرْكك وَأَنَّهُ لَا يَمَسّهَا إِلَّا الطَّاهِر فَقَامَ عُمَر وَاغْتَسَلَ فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَة وَفِيهَا | طَه | فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَام وَأَكْرَمَهُ ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّاب خَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا عُمَر وَاَللَّه إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُون اللَّه خَصَّك بِدَعْوَةِ نَبِيّه فَإِنِّي سَمِعْته أَمْسِ وَهُوَ يَقُول ( اللَّهُمَّ أَيِّدْ الْإِسْلَام بِأَبِي الْحَكَم بْن هِشَام أَوْ الْخَطَّاب ) فَاَللَّه اللَّه يَا عُمَر فَقَالَ لَهُ عِنْد ذَلِكَ فَدُلَّنِي يَا خَبَّاب عَلَى مُحَمَّد حَتَّى آتِيه فَأُسْلِم وَذَكَرَ الْحَدِيث</p><p>مَسْأَلَة أَسْنَدَ الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَأَ | طَه | و | يس | قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِأَلْفَيْ عَام فَلَمَّا سَمِعَتْ الْمَلَائِكَة الْقُرْآن قَالَتْ طُوبَى لِأُمَّةٍ يُنَزَّل هَذَا عَلَيْهَا وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ تَحْمِل هَذَا وَطُوبَى لِأَلْسِنَةٍ تَتَكَلَّم بِهَذَا ) قَالَ اِبْن فَوْرَك قَوْله ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَأَ | طَه | و | يس | ) أَيْ أَظْهَرَ وَأَسْمَعَ وَأَفْهَمَ كَلَامه مَنْ أَرَادَ مِنْ خَلْقه الْمَلَائِكَة فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَالْعَرَب تَقُول قَرَأْت الشَّيْء إِذَا تَتَبَّعْته وَتَقُول مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَة فِي رَحِمَهَا سَلًا قَطُّ أَيْ مَا ظَهَرَ فِيهَا وَلَد فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام سَائِغًا وَقَرَأَتْهُ أَسْمَاعه وَأَفْهَامه بِعِبَارَاتٍ يَخْلُقهَا وَكِتَابَة يُحْدِثهَا وَهِيَ مَعْنَى قَوْلنَا قَرَأْنَا كَلَام اللَّه وَمَعْنَى قَوْله | فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآن | [ الْمُزَّمِّل : 20 ] | فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ | [ الْمُزَّمِّل : 20 ] وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ قَالَ مَعْنَى قَوْله ( قَرَأَ ) أَيْ تَكَلَّمَ بِهِ وَذَلِكَ مَجَاز كَقَوْلِهِمْ ذُقْت هَذَا الْقَوْل ذَوَاقًا بِمَعْنَى اِخْتَبَرْته وَمِنْهُ قَوْله : | فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ | [ النَّحْل : 112 ] أَيْ اِبْتَلَاهُمْ اللَّه تَعَالَى بِهِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ ذَوْقًا وَالْخَوْف لَا يُذَاق عَلَى الْحَقِيقَة لِأَنَّ الذَّوْق فِي الْحَقِيقَة بِالْفَمِ دُون غَيْره مِنْ الْجَوَارِح قَالَ اِبْن فَوْرَك وَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا أَصَحّ فِي تَأْوِيل هَذَا الْخَبَر لِأَنَّ كَلَام اللَّه تَعَالَى أَزَلِيّ قَدِيم سَابِق لِجُمْلَةِ الْحَوَادِث وَإِنَّمَا أَسْمَعَ وَأَفْهَمَ مَنْ أَرَادَ مِنْ خَلْقه عَلَى مَا أَرَادَ فِي الْأَوْقَات وَالْأَزْمِنَة لَا أَنَّ عَيْن كَلَامه يَتَعَلَّق وُجُوده بِمُدَّةٍ وَزَمَان</p><p>| طَه | اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ هُوَ مِنْ الْأَسْرَار ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ اِبْن عَبَّاس مَعْنَاهُ يَا رَجُل ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ وَقِيلَ إِنَّهَا لُغَة مَعْرُوفَة فِي عُكْل . وَقِيلَ فِي عَكّ قَالَ الْكَلْبِيّ : لَوْ قُلْت فِي عَكّ لِرَجُلٍ يَا رَجُل لَمْ يُجِبْ حَتَّى تَقُول طَه وَأَنْشَدَ الطَّبَرِيّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ <br>دَعَوْت بِطَه فِي الْقِتَال فَلَمْ يُجِبْ .......... فَخِفْت عَلَيْهِ أَنْ يَكُون مُوَائِلَا <br>وَيُرْوَى مُزَايِلَا وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَا حَبِيبِي بِلُغَةِ عَكّ ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ وَقَالَ قُطْرُب هُوَ بِلُغَةِ طَيِّء وَأَنْشَدَ لِيَزِيدَ بْن الْمُهَلْهِل <br>إِنَّ السَّفَاهَة طَه مِنْ شَمَائِلكُمْ .......... لَا بَارَكَ اللَّه فِي الْقَوْم الْمَلَاعِين <br>وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَن مَعْنَى | طَه | يَا رَجُل وَقَالَ عِكْرِمَة وَقَالَ هُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُجَاهِد وَحَكَى الطَّبَرِيّ أَنَّهُ بِالنَّبَطِيَّةِ يَا رَجُل وَهَذَا قَوْل السُّدِّيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ <br>إِنَّ السَّفَاهَة طَه مِنْ خَلَائِقكُمْ .......... لَا قَدَّسَ اللَّه أَرْوَاح الْمَلَاعِين <br>وَقَالَ عِكْرِمَة أَيْضًا هُوَ كَقَوْلِك يَا رَجُل بِلِسَانِ الْحَبَشَة ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالصَّحِيح أَنَّهَا وَإِنْ وُجِدَتْ فِي لُغَة أُخْرَى فَإِنَّهَا مِنْ لُغَة الْعَرَب كَمَا ذَكَرْنَا وَأَنَّهَا لُغَة يَمِينِيَّة فِي عَكّ وَطَيِّء وَعُكْل أَيْضًا وَقِيلَ : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَقَسَم أَقْسَمَ بِهِ وَهَذَا أَيْضًا مَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , وَقِيلَ : هُوَ اِسْم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ اللَّه تَعَالَى بِهِ كَمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( لِي عِنْد رَبِّي عَشَرَة أَسْمَاء ) فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا | طَه | و | يس | وَقِيلَ هُوَ اِسْم لِلسُّورَةِ وَمِفْتَاح لَهَا وَقِيلَ إِنَّهُ اِخْتِصَار مِنْ كَلَام اللَّه خَصَّ اللَّه تَعَالَى رَسُول بِعِلْمِهِ وَقِيلَ إِنَّهَا حُرُوف مُقَطَّعَة يَدُلّ كُلّ حَرْف مِنْهَا عَلَى مَعْنًى وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ الطَّاء شَجَرَة طُوبَى وَالْهَاء النَّار الْهَاوِيَة وَالْعَرَب تُعَبِّر عَنْ الشَّيْء كُلّه بِبَعْضِهِ كَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّار وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر الطَّاء اِفْتِتَاح اِسْمه طَاهِر وَطَيِّب وَالْهَاء اِفْتِتَاح اِسْمه هَادِي وَقِيلَ | طَاء | يَا طَامِع الشَّفَاعَة لِلْأُمَّةِ | هَاء | يَا هَادِي الْخَلْق إِلَى اللَّه وَقِيلَ الطَّاء مِنْ الطَّهَارَة وَالْهَاء مِنْ الْهِدَايَة كَأَنَّهُ يَقُول لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا طَاهِرًا مِنْ الذُّنُوب يَا هَادِي الْخَلْق إِلَى عَلَّام الْغُيُوب وَقِيلَ الطَّاء طُبُول الْغُزَاة وَالْهَاء هَيْبَتهمْ فِي قُلُوب الْكَافِرِينَ بَيَانه قَوْله تَعَالَى | سَنُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب | [ آل عِمْرَان : 151 ] وَقَوْله | وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب | [ الْأَحْزَاب : 26 ] وَقِيلَ الطَّاء طَرَب أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة وَالْهَاء هَوَان أَهْل النَّار فِي النَّار وَقَوْل سَادِس إِنَّ مَعْنَى | طَه | طُوبَى لِمَنْ اِهْتَدَى قَالَهُ مُجَاهِد وَمُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة وَقَوْل سَابِع إِنَّ مَعْنَى | طَه | طَإِ الْأَرْض وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَمَّل مَشَقَّة الصَّلَاة حَتَّى كَادَتْ قَدَمَاهُ تَتَوَرَّم وَيَحْتَاج إِلَى التَّرْوِيح بَيْن قَدَمَيْهِ فَقِيلَ لَهُ طَإِ الْأَرْض أَيْ لَا تَتْعَب حَتَّى تَحْتَاج إِلَى التَّرْوِيح حَكَاهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض فِي | الشِّفَاء | أَنَّ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى رِجْل وَرَفَعَ الْأُخْرَى فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى | طَه | يَعْنِي طَإِ الْأَرْض يَا مُحَمَّد . الزَّمَخْشَرِيّ وَعَنْ الْحَسَن | طَهْ | وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْوَطْءِ وَأَنَّ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُوم فِي تَهَجُّده عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَأُمِرَ أَنْ يَطَأ الْأَرْض بِقَدَمَيْهِ مَعًا وَأَنَّ الْأَصْل طَأْ فَقُلِبَتْ هَمْزَته هَاء كَمَا قُلِبَتْ [ أَلِفًا ] فِي ( يَطَأ ) فِيمَنْ قَالَ <br>. .. لَا هَنَاكِ الْمَرْتَع <br>ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْر وَالْهَاء لِلسَّكْتِ وَقَالَ مُجَاهِد كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَرْبُطُونَ الْحِبَال فِي صُدُورهمْ فِي الصَّلَاة بِاللَّيْلِ مِنْ طُول الْقِيَام ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْي بِمَكَّة اِجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَة وَاشْتَدَّتْ عِبَادَته , فَجَعَلَ يُصَلِّي اللَّيْل كُلّه زَمَانًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُخَفِّف عَنْ نَفْسه فَيُصَلِّي وَيَنَام , فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة قِيَام اللَّيْل فَكَانَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة يُصَلِّي وَيَنَام وَقَالَ مُقَاتِل وَالضَّحَّاك فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ هُوَ وَأَصْحَابه فَصَلَّوْا فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش مَا أَنْزَلَ اللَّه هَذَا الْقُرْآن عَلَى مُحَمَّد إِلَّا لِيَشْقَى فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى | طَه | يَقُول : رَجُل | مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى | أَيْ لِتَتْعَب ; عَلَى مَا يَأْتِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْل إِنَّ | طَه | ( طَاهَا ) أَيْ طَإِ الْأَرْض فَتَكُون الْهَاء وَالْأَلِف ضَمِير الْأَرْض أَيْ طَإِ الْأَرْض بِرِجْلَيْك فِي صَلَوَاتك وَخُفِّفَتْ الْهَمْزَة فَصَارَتْ أَلِفًا سَاكِنَة وَقَرَأَتْ طَائِفَة | طَهْ | وَأَصْله طَأْ بِمَعْنَى طَإِ الْأَرْض فَحُذِفَتْ الْهَمْزَة وَأُدْخِلَتْ هَاء السَّكْت وَقَالَ زِرّ بْن حُبَيْش قَرَأَ رَجُل عَلَى عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود | طَهَ , مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى | فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه | طِهِ | فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن أَلَيْسَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَطَأ الْأَرْض بِرِجْلِهِ أَوْ بِقَدَمَيْهِ فَقَالَ | طِهِ | كَذَلِكَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَالَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو إِسْحَاق الْهَاء وَفَتَحَا الطَّاء وَأَمَالَهُمَا جَمِيعًا أَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش وَقَرَأَهُمَا أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَنَافِع بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ قَالَ الثَّعْلَبِيّ وَهِيَ كُلّهَا لُغَات صَحِيحَة النَّحَّاس لَا وَجْه لِلْإِمَالَةِ عِنْد أَكْثَر أَهْل الْعَرَبِيَّة لِعِلَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا يَاء وَلَا كَسْرَة فَتَكُون الْإِمَالَة وَالْعِلَّة الْأُخْرَى أَنَّ الطَّاء مِنْ الْحُرُوف الْمَوَانِع لِلْإِمَالَةِ فَهَاتَانِ عِلَّتَانِ بَيِّنَتَانِ .
قَوْله تَعَالَى | مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى | وَقُرِئَ | مَا نُزِّلَ عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى | قَالَ النَّحَّاس بَعْض النَّحْوِيِّينَ يَقُول هَذِهِ لَام النَّفْي وَبَعْضهمْ يَقُول لَام الْجُحُود وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَسَمِعْت أَبَا الْحَسَن بْن كَيْسَان يَقُول إِنَّهَا لَام الْخَفْض وَالْمَعْنَى مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِلشَّقَاءِ وَالشَّقَاء يُمَدّ وَيُقْصَر وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْوَاو وَأَصْل الشَّقَاء فِي اللُّغَة الْعَنَاء وَالتَّعَب أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَتْعَب قَالَ الشَّاعِر <br>ذُو الْعَقْل يَشْقَى فِي النَّعِيم بِعَقْلِهِ .......... وَأَخُو الْجَهَالَة فِي الشَّقَاوَة يَنْعَم <br>فَمَعْنَى لِتَشْقَى | لِتَتْعَب | بِفَرْطِ تَأَسُّفك عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُفْرهمْ وَتَحَسُّرك عَلَى أَنْ يُؤْمِنُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى | فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك عَلَى آثَارهمْ | [ الْكَهْف : 6 ] أَيْ مَا عَلَيْك إِلَّا أَنْ تُبَلِّغ وَتُذَكِّر وَلَمْ يُكْتَب عَلَيْك أَنْ يُؤْمِنُوا لَا مَحَالَة بَعْد أَنْ لَمْ تُفَرِّط فِي أَدَاء الرِّسَالَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْل لَعَنَهُ اللَّه تَعَالَى وَالنَّضْر بْن الْحَارِث قَالَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّك شَقِيّ لِأَنَّك تَرَكْت دِين آبَائِك فَأُرِيدَ رَدّ ذَلِكَ بِأَنَّ دِين الْإِسْلَام وَهَذَا الْقُرْآن هُوَ السُّلَّم إِلَى نَيْل كُلّ فَوْز وَالسَّبَب فِي دَرْك كُلّ سَعَادَة وَمَا فِيهِ الْكَفَرَة هُوَ الشَّقَاوَة بِعَيْنِهَا وَعَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَّى بِاللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل أَبْقِ عَلَى نَفْسك فَإِنَّ لَهَا عَلَيْك حَقًّا أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتُنْهِك نَفْسك فِي الْعِبَادَة وَتُذِيقهَا الْمَشَقَّة الْفَادِحَة وَمَا بُعِثْت إِلَّا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَة
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج هُوَ بَدَل مِنْ | تَشْقَى | أَيْ مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَة . النَّحَّاس وَهَذَا وَجْه بَعِيد وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ مِنْ أَجْل أَنَّ التَّذْكِرَة لَيْسَتْ بِشَقَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر أَيْ أَنْزَلْنَاهُ لِتُذَكِّر بِهِ تَذْكِرَة أَوْ عَلَى الْمَفْعُول مِنْ أَجْله أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى بِهِ مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا لِلتَّذْكِرَةِ وَقَالَ الْحَسَن بْن الْفَضْل فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير مَجَازه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن إِلَّا تَذْكِرَة لِمَنْ يَخْشَى وَلِئَلَّا تَشْقَى .
مَصْدَر أَيْ نَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا وَقِيلَ بَدَل مِنْ قَوْله | تَذْكِرَة | وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ | تَنْزِيل | بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى هَذَا تَنْزِيل|مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا|أَيْ الْعَالِيَة الرَّفِيعَة وَهِيَ جَمْع الْعُلْيَا كَقَوْلِ كُبْرَى وَصُغْرَى وَكُبَر وَصُغَر أَخْبَرَ عَنْ عَظَمَته وَجَبَرُوته وَجَلَاله
وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْمَدْح قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْخَفْض عَلَى الْبَدَل وَقَالَ سَعِيد بْن مَسْعَدَة الرَّفْع بِمَعْنَى هُوَ الرَّحْمَن . النَّحَّاس يَجُوز الرَّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر | لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض | فَلَا يُوقَف عَلَى | اِسْتَوَى | وَعَلَى الْبَدَل مِنْ الْمُضْمَر فِي | خَلَقَ | فَيَجُوز الْوَقْف عَلَى | اِسْتَوَى | وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف وَلَا يُوقَف عَلَى | الْعُلَا | وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي مَعْنَى الِاسْتِوَاء | فِي الْأَعْرَاف | وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن وَغَيْره أَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه بِغَيْرِ حَدّ وَلَا كَيْفَ كَمَا يَكُون اِسْتِوَاء الْمَخْلُوقِينَ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس يُرِيد خَلَقَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَبَعْد الْقِيَامَة
يُرِيد مَا تَحْت الصَّخْرَة الَّتِي لَا يَعْلَم مَا تَحْتهَا إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب يَعْنِي الْأَرْض السَّابِعَة اِبْن عَبَّاس الْأَرْض عَلَى نُون وَالنُّون عَلَى الْبَحْر وَأَنَّ طَرَفَيْ النُّون رَأْسه وَذَنَبه يَلْتَقِيَانِ تَحْت الْعَرْش وَالْبَحْر عَلَى صَخْرَة خَضْرَاء السَّمَاء مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا | فَتَكُنْ فِي صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَوَات أَوْ فِي الْأَرْض | [ لُقْمَان : 16 ] وَالصَّخْرَة عَلَى قَرْن ثَوْر وَالثَّوْر عَلَى الثَّرَى وَمَا يَعْلَم مَا تَحْت الثَّرَى إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه عَلَى وَجْه الْأَرْض سَبْعَة أَبْحُر وَالْأَرَضُونَ سَبْع بَيْن كُلّ أَرَضِينَ بَحْر فَالْبَحْر الْأَسْفَل مُطْبِق عَلَى شَفِير جَهَنَّم وَلَوْلَا عِظَمه وَكَثْرَة مَائِهِ وَبَرْده لَأَحْرَقَتْ جَهَنَّم كُلّ مَنْ عَلَيْهَا قَالَ وَجَهَنَّم عَلَى مَتْن الرِّيح وَمَتْن الرِّيح عَلَى حِجَاب مِنْ الظُّلْمَة لَا يَعْلَم عِظَمه إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَذَلِكَ الْحِجَاب عَلَى الثَّرَى وَإِلَى الثَّرَى اِنْتَهَى عِلْم الْخَلَائِق
قَالَ اِبْن عَبَّاس السِّرّ مَا حَدَّثَ بِهِ الْإِنْسَان غَيْره فِي خَفَاء وَأَخْفَى مِنْهُ مَا أَضْمَرَ فِي نَفْسه مِمَّا لَمْ يُحَدِّث بِهِ غَيْره وَعَنْهُ أَيْضًا السِّرّ حَدِيث نَفْسك وَأَخْفَى مِنْ السِّرّ مَا سَتُحَدِّثُ بِهِ نَفْسك مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائِن أَنْتَ تَعْلَم مَا تُسِرّ بِهِ نَفْسك الْيَوْم وَلَا تَعْلَم مَا تُسِرّ بِهِ غَدًا وَاَللَّه يَعْلَم مَا أَسْرَرْت الْيَوْم وَمَا تُسِرّهُ غَدًا وَالْمَعْنَى اللَّه يَعْلَم السِّرّ وَأَخْفَى مِنْ السِّرّ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا | السِّرّ | مَا أَسَرَّ اِبْن آدَم فِي نَفْسه | وَأَخْفَى | مَا خَفِيَ عَلَى اِبْن آدَم مِمَّا هُوَ فَاعِله وَهُوَ لَا يَعْلَمهُ فَاَللَّه تَعَالَى يَعْلَم ذَلِكَ كُلّه وَعِلْمه فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا|يُسْتَقْبَل عِلْم وَاحِد وَجَمِيع الْخَلَائِق فِي عِلْمه كَنَفْسٍ وَاحِدَة وَقَالَ قَتَادَة وَغَيْره | السِّرّ | مَا أَضْمَرَهُ الْإِنْسَان فِي نَفْسه | وَأَخْفَى | مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَا أَضْمَرَهُ أَحَد وَقَالَ اِبْن زَيْد | السِّرّ | مِنْ الْخَلَائِق | وَأَخْفَى | مِنْهُ سِرّه عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيّ وَقَالَ إِنَّ الَّذِي | أَخْفَى | مَا لَيْسَ فِي سِرّ الْإِنْسَان وَسَيَكُونُ فِي نَفْسه كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس
| اللَّه | رَفْع بِالِابْتِدَاءِ أَوْ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ أَوْ عَلَى الْبَدَل مِنْ الضَّمِير فِي | يَعْلَم | وَحَّدَ نَفْسه سُبْحَانه وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْمُشْرِكِينَ إِلَى عِبَادَة اللَّه تَعَالَى وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا سَمِعَهُ أَبُو جَهْل يَذْكُر الرَّحْمَن قَالَ لِلْوَلِيدِ بْن الْمُغِيرَة مُحَمَّد يَنْهَانَا أَنْ نَدْعُو مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَهُوَ يَدْعُو اللَّه وَالرَّحْمَن فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى | قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى | [ الْإِسْرَاء : 110 ] وَهُوَ وَاحِد وَأَسْمَاؤُهُ كَثِيرَة ثُمَّ قَالَ | اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى | . وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهَا فِي سُورَة | الْأَعْرَاف |
قَالَ أَهْل الْمَعَانِي هُوَ اِسْتِفْهَام وَإِثْبَات وَإِيجَاب مَعْنَاهُ ; أَلَيْسَ قَدْ أَتَاك ؟ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَقَدْ أَتَاك ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ حَدِيثه بَعْد ثُمَّ أَخْبَرَهُ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : هَذَا حِين قَضَى الْأَجَل وَسَارَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَدْيَن يُرِيد مِصْر , وَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيق , وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلًا غَيُورًا , يَصْحَب النَّاس بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقهُمْ بِالنَّهَارِ غَيْرَة مِنْهُ , لِئَلَّا يَرَوْا اِمْرَأَته فَأَخْطَأَ الرُّفْقَة - لِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى - وَكَانَتْ لَيْلَة مُظْلِمَة . وَقَالَ مُقَاتِل : وَكَانَتْ لَيْلَة الْجُمْعَة فِي الشِّتَاء . وَهْب بْن مُنَبِّه : اِسْتَأْذَنَ مُوسَى شُعَيْبًا فِي الرُّجُوع إِلَى وَالِدَته فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ بِغَنَمِهِ , وَوُلِدَ لَهُ فِي الطَّرِيق غُلَام فِي لَيْلَة شَاتِيَة بَارِدَة مُثْلِجَة , وَقَدْ حَادَ عَنْ الطَّرِيق وَتَفَرَّقَتْ مَاشِيَته , فَقَدَحَ مُوسَى النَّار فَلَمْ تُورِ الْمِقْدَحَة شَيْئًا , إِذْ بَصُرَ بِنَارٍ مِنْ بَعِيد عَلَى يَسَار الطَّرِيق | فَقَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا | أَيْ أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ | إِنِّي آنَسْت نَارًا | أَيْ أَبْصَرْت . قَالَ اِبْن عَبَّاس فَلَمَّا تَوَجَّهَ نَحْو النَّار فَإِذَا النَّار فِي شَجَرَة عُنَّاب , فَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا مِنْ حُسْن ذَلِكَ الضَّوْء ; وَشِدَّة خُضْرَة تِلْكَ الشَّجَرَة , فَلَا شِدَّة حَرّ النَّار تُغَيِّر حُسْن خُضْرَة الشَّجَرَة , وَلَا كَثْرَة مَاء الشَّجَرَة وَلَا نِعْمَة الْخُضْرَة تُغَيِّرَانِ حُسْن ضَوْء النَّار .</p><p>وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ : فَرَأَى النَّار - فِيمَا رُوِيَ - وَهِيَ فِي شَجَرَة مِنْ الْعُلَّيْق , فَقَصَدَهَا فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ , فَرَجَعَ وَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة , ثُمَّ دَنَتْ مِنْهُ وَكَلَّمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشَّجَرَة . الْمَاوَرْدِيّ : كَانَتْ عِنْد مُوسَى نَارًا , وَكَانَتْ عِنْد اللَّه تَعَالَى نُورًا . وَقَرَأَ حَمْزَة | لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا | بِضَمِّ الْهَاء , وَكَذَا فِي | الْقَصَص | . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : مَرَرْت بِهِ يَا رَجُل ; فَجَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل , وَهُوَ جَائِز إِلَّا أَنَّ حَمْزَة خَالَفَ أَصْله فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ خَاصَّة . وَقَالَ : | اُمْكُثُوا | وَلَمْ يَقُلْ أَقِيمُوا , لِأَنَّ الْإِقَامَة تَقْتَضِي الدَّوَام , وَالْمُكْث لَيْسَ كَذَلِكَ | وَآنَسْت | أَبْصَرْت , قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ . وَمِنْهُ قَوْله | فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا | [ النِّسَاء : 6 ] أَيْ عَلِمْتُمْ . وَآنَسْت الصَّوْت سَمِعْته , وَالْقَبَس شُعْلَة مِنْ نَار , وَكَذَلِكَ الْمِقْبَاس . يُقَال قَبَسْت مِنْهُ نَارًا أَقْبِس قَبْسًا فَأَقْبَسَنِي أَيْ أَعْطَانِي مِنْهُ قَبَسًا , وَكَذَلِكَ اِقْتَبَسْت مِنْهُ نَارًا وَاقْتَبَسْت مِنْهُ عِلْمًا أَيْضًا أَيْ اِسْتَفَدْته , قَالَ الْيَزِيدِيّ : أَقَبَسْت الرَّجُل عِلْمًا وَقَبَسْته نَارًا ; فَإِنْ كُنْت طَلَبْتهَا لَهُ قُلْت أَقَبَسْته . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَقَبَسْته نَارًا أَوْ عِلْمًا سَوَاء . وَقَالَ : وَقَبَسْته أَيْضًا فِيهِمَا . | هُدًى | أَيْ هَادِيًا .
يَعْنِي النَّار|نُودِيَ يَا|أَيْ مِنْ الشَّجَرَة كَمَا فِي سُورَة | الْقَصَص | أَيْ مِنْ جِهَتهَا وَنَاحِيَتهَا عَلَى مَا يَأْتِي
فِيهِ خَمْس مَسَائِل : </subtitle>الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى | فَاخْلَعْ نَعْلَيْك | رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْم كَلَّمَهُ رَبّه كِسَاء صُوف وَجُبَّة صُوف وَكُمَّة صُوف وَسَرَاوِيل صُوف وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْد حِمَار مَيِّت ) قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث حُمَيْد الْأَعْرَج [ حُمَيْد هُوَ اِبْن عَلِيّ|الْكُوفِيّ ] مُنْكَر الْحَدِيث , وَحُمَيْد بْن قَيْس الْأَعْرَج الْمَكِّيّ صَاحِب مُجَاهِد ثِقَة ; وَالْكُمَّة الْقَلَنْسُوَة الصَّغِيرَة . وَقَرَأَ الْعَامَّة | إِنِّي | بِالْكَسْرِ ; أَيْ نُودِيَ فَقِيلَ لَهُ يَا مُوسَى إِنِّي , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد | أَنِّي | بِفَتْحِ الْأَلِف بِإِعْمَالِ النِّدَاء . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ . وَالْخَلْع النَّزْع . وَالنَّعْل مَا جَعَلْته وِقَايَة لِقَدَمَيْك مِنْ الْأَرْض . فَقِيلَ : أُمِرَ بِطَرْحِ النَّعْلَيْنِ ; لِأَنَّهَا نَجِسَة إِذْ هِيَ مِنْ جِلْد غَيْر مُذَكًّى ; قَالَهُ كَعْب وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة . وَقِيلَ : أُمِرَ بِذَلِكَ لِيَنَالَ بَرَكَة الْوَادِي الْمُقَدَّس , وَتَمَسّ قَدَمَاهُ تُرْبَة الْوَادِي ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن وَابْن جُرَيْج . وَقِيلَ أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ لِلْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُع عِنْد مُنَاجَاة اللَّه تَعَالَى . وَكَذَلِكَ فَعَلَ السَّلَف حِين طَافُوا بِالْبَيْتِ . وَقِيلَ : إِعْظَامًا لِذَلِكَ الْمَوْضِع كَمَا أَنَّ الْحَرَم لَا يُدْخَل بِنَعْلَيْنِ إِعْظَامًا لَهُ . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : قِيلَ لَهُ طَإِ الْأَرْض حَافِيًا كَمَا تَدْخُل الْكَعْبَة حَافِيًا . وَالْعُرْف عِنْد الْمُلُوك أَنْ تُخْلَع النِّعَال وَيَبْلُغ الْإِنْسَان إِلَى غَايَة التَّوَاضُع , فَكَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أُمِرَ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْه , وَلَا تُبَالِي كَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ مَيْتَة أَوْ غَيْرهَا . وَقَدْ كَانَ مَالِك لَا يَرَى لِنَفْسِهِ رُكُوب دَابَّة بِالْمَدِينَةِ بِرًّا بِتُرْبَتِهَا الْمُحْتَوِيَة عَلَى الْأَعْظُم الشَّرِيفَة , وَالْجُثَّة الْكَرِيمَة . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِبَشِيرِ بْن الْخَصَاصِيَّة وَهُوَ يَمْشِي بَيْن الْقُبُور بِنَعْلَيْهِ : ( إِذَا كُنْت فِي مِثْل هَذَا الْمَكَان فَاخْلَعْ نَعْلَيْك ) قَالَ : فَخَلَعْتهمَا . وَقَوْل خَامِس إِنَّ ذَلِكَ عِبَارَة عَنْ تَفْرِيغ قَلْبه مِنْ أَمْر الْأَهْل وَالْوَلَد . وَقَدْ يُعَبَّر عَنْ الْأَهْل بِالنَّعْلِ . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّعْبِير : مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَابِس نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَزَوَّج . وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى بَسَطَ لَهُ بِسَاط النُّور وَالْهُدَى , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَأ بِسَاط رَبّ الْعَالَمِينَ بِنَعْلِهِ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُوسَى أُمِرَ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ , وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّل فَرْض عَلَيْهِ ; كَمَا كَانَ أَوَّل مَا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبّك فَكَبِّرْ وَثِيَابك فَطَهِّرْ وَالرِّجْز فَاهْجُرْ ) [ الْمُدَّثِّر : 2 - 3 - 4 - 5 ] وَاَللَّه أَعْلَم بِالْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ .</p><p>الثَّانِيَة فِي الْخَبَر أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَأَلْقَاهُمَا مِنْ وَرَاء الْوَادِي . وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص : زَارَ عَبْد اللَّه أَبَا مُوسَى فِي دَاره , فَأُقِيمَتْ الصَّلَاة فَأَقَامَ أَبُو مُوسَى ; فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّه : تَقَدَّمْ . فَقَالَ عَبْد اللَّه : تَقَدَّمْ أَنْتَ فِي دَارك . فَتَقَدَّمَ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ; فَقَالَ عَبْد اللَّه : أَبِالْوَادِي الْمُقَدَّس أَنْتَ ؟ ! وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد قَالَ : قُلْت لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ ؟ قَالَ نَعَمْ . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْم الْفَتْح فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَاره . وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ , إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَاره , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْم أَلْقَوْا نِعَالهمْ , فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالكُمْ ) قَالُوا : رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَيْك فَأَلْقَيْنَا نِعَالنَا . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا ) وَقَالَ : ( إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ) . صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ . وَهُوَ يَجْمَع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ قَبْله , وَيَرْفَع بَيْنهمَا التَّعَارُض . وَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِي جَوَاز الصَّلَاة فِي النَّعْل إِذَا كَانَتْ طَاهِرَة مِنْ ذَكِيّ , حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الصَّلَاة فِيهِمَا أَفْضَل , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : | خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد | [ الْأَعْرَاف : 31 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي الَّذِينَ يَخْلَعُونَ نِعَالهمْ : لَوَدِدْت أَنَّ مُحْتَاجًا جَاءَ فَأَخَذَهَا .</p><p>الثَّالِثَة : فَإِنْ خَلَعَتْهُمَا فَاخْلَعْهُمَا بَيْن رِجْلَيْك ; فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فَلْيَخْلَعْ نَعْلَيْهِ بَيْن رِجْلَيْهِ ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِلْمَقْبُرِيِّ : اِخْلَعْهُمَا بَيْن رِجْلَيْك وَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مُسْلِمًا . وَمَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَلَعَهُمَا عَنْ يَسَاره فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامًا , فَإِنْ كُنْت إِمَامًا أَوْ وَحْدك فَافْعَلْ ذَلِكَ إِنْ أَحْبَبْت , وَإِنْ كُنْت مَأْمُومًا فِي الصَّفّ فَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مَنْ عَلَى يَسَارك , وَلَا تَضَعهُمَا بَيْن قَدَمَيْك فَتَشْغَلَاك , وَلَكِنْ قُدَّام قَدَمَيْك . وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم أَنَّهُ قَالَ : وَضْع الرَّجُل نَعْلَيْهِ بَيْن قَدَمَيْهِ بِدْعَة .</p><p>الرَّابِعَة : فَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِمَا نَجَاسَة مُجْمَع عَلَى تَنْجِيسهَا كَالدَّمِ وَالْعَذِرَة مِنْ بَوْل بَنِي آدَم لَمْ يُطَهِّرهَا إِلَّا الْغَسْل بِالْمَاءِ , عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَكْثَر الْعُلَمَاء , وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَة مُخْتَلَفًا فِيهَا كَبَوْلِ الدَّوَابّ وَأَرْوَاثهَا الرَّطْبَة فَهَلْ يُطَهِّرهَا الْمَسْح بِالتُّرَابِ مِنْ النَّعْل وَالْخُفّ أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ عِنْدنَا . وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاء بِمَسْحِ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ مِنْ غَيْر تَفْصِيل الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُزِيلهُ إِذَا يَبِسَ الْحَكّ وَالْفَرْك , وَلَا يُزِيل رَطْبه إِلَّا الْغَسْل مَا عَدَا الْبَوْل , فَلَا يُجْزِئ فِيهِ عِنْده إِلَّا الْغَسْل . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يُطَهِّر شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمَاء . وَالصَّحِيح قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمَسْح يُطَهِّرهُ مِنْ الْخُفّ وَالنَّعْل ; لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد . فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ النَّعْل وَالْخُفّ مِنْ جِلْد مَيْتَة فَإِنْ كَانَ غَيْر مَدْبُوغ فَهُوَ نَجِس بِاتِّفَاقٍ , مَا عَدَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيّ وَاللَّيْث , عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة | النَّحْل | وَمَضَى فِي سُورَة | بَرَاءَة | الْقَوْل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْحَمْد لِلَّهِ .|إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى|الْمُقَدَّس : الْمُطَهَّر . وَالْقُدْس : الطَّهَارَة , وَالْأَرْض الْمُقَدَّسَة أَيْ الْمُطَهَّرَة ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ مِنْهَا الْكَافِرِينَ وَعَمَرَهَا بِالْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى لِبَعْضِ الْأَمَاكِن زِيَادَة فَضْل عَلَى بَعْض ; كَمَا قَدْ جَعَلَ لِبَعْضِ الْأَزْمَان زِيَادَة فَضْل عَلَى بَعْض , وَلِبَعْضِ الْحَيَوَان كَذَلِكَ . وَلِلَّهِ أَنْ يُفَضِّل مَا شَاءَ . وَعَلَى هَذَا فَلَا اِعْتِبَار بِكَوْنِهِ مُقَدَّسًا بِإِخْرَاجِ الْكَافِرِينَ وَإِسْكَان الْمُؤْمِنِينَ ; فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ غَيْره . و ( طُوًى ) اِسْم الْوَادِي عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا . وَقَالَ الضَّحَّاك هُوَ وَادٍ عَمِيق مُسْتَدِير مِثْل الطَّوِيّ . وَقَرَأَ عِكْرِمَة | طِوًى | . الْبَاقُونَ | طُوًى | . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : | طُوًى | اِسْم مَوْضِع بِالشَّامِ , تُكْسَر طَاؤُهُ وَتُضَمّ , وَيُصْرَف وَلَا يُصْرَف , فَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَهُ اِسْم وَادٍ وَمَكَان وَجَعَلَهُ نَكِرَة , وَمَنْ لَمْ يَصْرِفهُ جَعَلَهُ بَلْدَة وَبُقْعَة وَجَعَلَهُ مَعْرِفَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : | طُوًى | مِثْل | طِوًى | وَهُوَ الشَّيْء الْمَثْنِيّ , وَقَالُوا فِي قَوْله | الْمُقَدَّس طُوًى | : طُوِيَ مَرَّتَيْنِ أَيْ قُدِّسَ . وَقَالَ الْحَسَن : ثُنِيَتْ فِيهِ الْبَرَكَة وَالتَّقْدِيس مَرَّتَيْنِ . وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أَنَّهُ قِيلَ لَهُ | طُوًى | لِأَنَّ مُوسَى طَوَاهُ بِاللَّيْلِ إِذْ مَرَّ بِهِ فَارْتَفَعَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي ; فَهُوَ مَصْدَر عَمِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ لَفْظه , فَكَأَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّك بِالْوَادِ الْمُقَدَّس ) الَّذِي طَوَيْته طُوًى ; أَيْ تَجَاوَزْته فَطَوَيْته بِسَيْرِك . الْحَسَن : مَعْنَاهُ أَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ ; فَهُوَ مَصْدَر مِنْ طَوَيْته طُوًى أَيْضًا .
أَيْ أَصْطَفَيْتُك لِلرِّسَالَةِ . وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ | وَأَنَا اِخْتَرْتُك | . وَقَرَأَ حَمْزَة | وَأَنَّا اِخْتَرْنَاك | . وَالْمَعْنَى وَاحِد إِلَّا أَنَّ | وَأَنَا اِخْتَرْتُك | هَاهُنَا أَوْلَى مِنْ جِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا أَشْبَه بِالْخَطِّ , وَالثَّانِيَة أَنَّهَا أَوْلَى بِنَسَقِ الْكَلَام ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : | يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبّك فَاخْلَعْ نَعْلَيْك | وَعَلَى هَذَا النَّسَق جَرَتْ الْمُخَاطَبَة ; قَالَهُ النَّحَّاس .|فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى|فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة : قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحَدَّثَنِي أَبِي - رَحِمَهُ اللَّه - قَالَ سَمِعْت أَبَا الْفَضْل الْجَوْهَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى يَقُول : لَمَّا قِيلَ لِمُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ : | اِسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى | وَقَفَ عَلَى حَجَر , وَاسْتَنَدَ إِلَى حَجَر , وَوَضَعَ يَمِينه عَلَى شِمَاله , وَأَلْقَى ذَقَنه عَلَى صَدْره , وَوَقَفَ يَسْتَمِع , وَكَانَ كُلّ لِبَاسه صُوفًا . قُلْت : حُسْن الِاسْتِمَاع كَمَا يَجِب قَدْ مَدَحَ اللَّه عَلَيْهِ فَقَالَ : | الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه | [ الزُّمَر : 18 ] وَذَمَّ عَلَى خِلَاف هَذَا الْوَصْف فَقَالَ : | نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ | الْآيَة . فَمَدَحَ الْمُنْصِت لِاسْتِمَاعِ كَلَامه مَعَ حُضُور الْعَقْل , وَأَمَرَ عِبَاده بِذَلِكَ أَدَبًا لَهُمْ , فَقَالَ : | وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ | [ الْأَعْرَاف : 204 ] وَقَالَ هَاهُنَا : | فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى | لِأَنَّ بِذَلِكَ يُنَال الْفَهْم عَنْ اللَّه تَعَالَى . رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّهُ قَالَ : مِنْ أَدَب الِاسْتِمَاع سُكُون الْجَوَارِح وَغَضّ الْبَصَر , وَالْإِصْغَاء بِالسَّمْعِ , وَحُضُور الْعَقْل , وَالْعَزْم عَلَى الْعَمَل , وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِمَاع كَمَا يُحِبّ اللَّه تَعَالَى ; وَهُوَ أَنْ يَكُفّ الْعَبْد جَوَارِحه , وَلَا يَشْغَلهَا . فَيَشْتَغِل قَلْبه عَمَّا يَسْمَع , وَيَغُضّ طَرْفه فَلَا يَلْهُو قَلْبه بِمَا يَرَى , وَيَحْصُر عَقْله فَلَا يُحَدِّث نَفْسه بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِع إِلَيْهِ , وَيَعْزِم عَلَى أَنْ يَفْهَم فَيَعْمَل بِمَا يَفْهَم . وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة أَوَّل الْعِلْم الِاسْتِمَاع , ثُمَّ الْفَهْم , ثُمَّ الْحِفْظ , ثُمَّ الْعَمَل , ثُمَّ النَّشْر ; فَإِذَا اِسْتَمَعَ الْعَبْد إِلَى كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَسُنَّة نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنِيَّةٍ صَادِقَة عَلَى مَا يُحِبّ اللَّه أَفْهَمَهُ كَمَا يُحِبّ , وَجَعَلَ لَهُ فِي قَلْبه نُورًا .
فِيهِ سَبْع مَسَائِل :</p><p>الْأُولَى : اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : | لِذِكْرِي | فَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد لِتَذْكُرنِي فِيهَا , أَوْ يُرِيد لِأَذْكُرك بِالْمَدْحِ فِي عِلِّيِّينَ بِهَا , فَالْمَصْدَر عَلَى هَذَا يَحْتَمِل الْإِضَافَة إِلَى الْفَاعِل وَإِلَى الْمَفْعُول . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَيْ حَافِظْ بَعْد التَّوْحِيد عَلَى الصَّلَاة . وَهَذَا تَنْبِيه عَلَى عِظَم قَدْر الصَّلَاة إِذْ هِيَ تَضَرُّع إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَقِيَام بَيْن يَدَيْهِ ; وَعَلَى هَذَا فَالصَّلَاة هِيَ الذِّكْر . وَقَدْ سَمَّى اللَّه تَعَالَى الصَّلَاة ذِكْرًا فِي قَوْله : | فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه | [ الْجُمْعَة : 9 ] . وَقِيلَ : الْمُرَاد إِذَا نَسِيت فَتَذَكَّرْت فَصَلِّ كَمَا فِي الْخَبَر ( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) . أَيْ لَا تَسْقُط الصَّلَاة بِالنِّسْيَانِ .</p><p>الثَّانِيَة : رَوَى مَالِك وَغَيْره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول ( أَقِمْ الصَّلَاة لِذِكْرِي ) ) . وَرَوَى أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد مِنْ حَدِيث حَجَّاج بْن حَجَّاج - وَهُوَ حَجَّاج الْأَوَّل الَّذِي رَوَى عَنْهُ يَزِيد بْن زُرَيْع - قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُل يَرْقُد عَنْ الصَّلَاة وَيَغْفُل عَنْهَا قَالَ : ( كَفَّارَتهَا أَنْ يُصَلِّيهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) تَابَعَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ حَجَّاج , وَكَذَا يَرْوِي هَمَّام بْن يَحْيَى عَنْ قَتَادَة وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَوَقْتهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) فَقَوْله : ( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) دَلِيل عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَى النَّائِم وَالْغَافِل , كَثُرَتْ الصَّلَاة أَوْ قَلَّتْ , وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعُلَمَاء وَقَدْ حُكِيَ خِلَاف شَاذّ لَا يُعْتَدّ بِهِ , لِأَنَّهُ مُخَالِف لِنَصِّ الْحَدِيث عَنْ بَعْض النَّاس فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْس صَلَوَات أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ قَضَاء . قُلْت : أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِإِقَامَةِ الصَّلَاة , وَنَصَّ عَلَى أَوْقَات مُعَيَّنَة , فَقَالَ | أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس | الْآيَة وَغَيْرهَا مِنْ الْآي . وَمَنْ أَقَامَ بِاللَّيْلِ مَا أُمِرَ بِإِقَامَتِهِ بِالنَّهَارِ , أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ فِعْله مُطَابِقًا لِمَا أُمِرَ بِهِ , وَلَا ثَوَاب لَهُ عَلَى فِعْله وَهُوَ عَاصٍ ; وَعَلَى هَذَا الْحَدّ كَانَ لَا يَجِب عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَ وَقْته . وَلَوْلَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) لَمْ يَنْتَفِع أَحَد بِصَلَاةٍ وَقَعَتْ فِي غَيْر وَقْتهَا , وَبِهَذَا الِاعْتِبَار كَانَ قَضَاء لَا أَدَاء ; لِأَنَّ الْقَضَاء بِأَمْرٍ مُتَجَدِّد وَلَيْسَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّل .</p><p>الثَّالِثَة : فَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مُتَعَمِّدًا , فَالْجُمْهُور أَيْضًا عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا إِلَّا دَاوُد . وَوَافَقَهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْأَشْعَرِيّ الشَّافِعِيّ , حَكَاهُ عَنْهُ اِبْن الْقَصَّار . وَالْفَرْق بَيْن الْمُتَعَمِّد وَالنَّاسِي وَالنَّائِم , حَطّ الْمَأْثَم ; فَالْمُتَعَمِّد مَأْثُوم وَجَمِيعهمْ قَاضُونَ . وَالْحُجَّة لِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى : | أَقِيمُوا الصَّلَاة | [ الْأَنْعَام : 72 ] وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن أَنْ يَكُون فِي وَقْتهَا أَوْ بَعْدهَا . وَهُوَ أَمْر يَقْتَضِي الْوُجُوب . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْر بِقَضَاءِ النَّائِم وَالنَّاسِي , مَعَ أَنَّهُمَا غَيْر مَأْثُومَيْنِ , فَالْعَامِد أَوْلَى . وَأَيْضًا قَوْله : ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا ) وَالنِّسْيَان التَّرْك ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ | [ التَّوْبَة : 67 ] و | نَسُوا اللَّه فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسهمْ | [ الْحَشْر : 19 ] سَوَاء كَانَ مَعَ ذُهُول أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَرَكَهُمْ و | مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا | [ الْبَقَرَة : 106 ] أَيْ نَتْرُكهَا وَكَذَلِكَ الذِّكْر يَكُون بَعْد نِسْيَان وَبَعْد غَيْره . قَالَ اللَّه تَعَالَى : | مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته فِي نَفْسِي | وَهُوَ تَعَالَى لَا يَنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلِمْت . فَكَذَلِكَ يَكُون مَعْنَى قَوْله : ( إِذَا ذَكَرَهَا ) أَيْ عَلِمَهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ الدُّيُون الَّتِي لِلْآدَمِيِّينَ إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَة بِوَقْتٍ , ثُمَّ جَاءَ الْوَقْت لَمْ يَسْقُط قَضَاؤُهَا بَعْد وُجُوبهَا , وَهِيَ مِمَّا يُسْقِطهَا الْإِبْرَاء كَانَ فِي دُيُون اللَّه تَعَالَى أَلَّا يَصِحّ فِيهَا الْإِبْرَاء أَوْلَى أَلَّا يَسْقُط قَضَاؤُهَا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ . وَأَيْضًا فَقَدْ اِتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ عُذْر لَوَجَبَ قَضَاؤُهُ فَكَذَلِكَ الصَّلَاة . فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مُتَعَمِّدًا لَا يَقْضِي أَبَدًا . فَالْإِشَارَة إِلَى أَنَّ مَا مَضَى لَا يَعُود , أَوْ يَكُون كَلَامًا خَرَجَ عَلَى التَّغْلِيظ ; كَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَلِيّ : أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَان عَامِدًا لَمْ يُكَفِّرْهُ صِيَام الدَّهْر وَإِنْ صَامَهُ . وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدّ مِنْ تَوْفِيَة التَّكْلِيف حَقّه بِإِقَامَةِ الْقَضَاء مَقَام الْأَدَاء , أَوْ إِتْبَاعه بِالتَّوْبَةِ , وَيَفْعَل اللَّه بَعْد ذَلِكَ مَا يَشَاء . وَقَدْ رَوَى أَبُو الْمُطَوِّس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ صِيَام الدَّهْر وَإِنْ صَامَهُ ) وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ التَّغْلِيظ ; وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد . وَقَدْ جَاءَتْ الْكَفَّارَة بِأَحَادِيث صِحَاح , وَفِي بَعْضهَا قَضَاء الْيَوْم ; وَالْحَمْد لِلَّهِ تَعَالَى .</p><p>الرَّابِعَة : قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاة أَوْ نَسِيَهَا ) الْحَدِيث يُخَصِّص عُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( رُفِعَ الْقَلَم عَنْ ثَلَاثَة عَنْ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ ) وَالْمُرَاد بِالرَّفْعِ هُنَا رَفْع الْمَأْثَم لَا رَفْع الْفَرْض عَنْهُ , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَاب قَوْله : ( وَعَنْ الصَّبِيّ حَتَّى يَحْتَلِم ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَ فِي أَثَر وَاحِد ; فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْل .</p><p>الْخَامِسَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْمَعْنَى فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاة فَائِتَة وَهُوَ فِي آخِر وَقْت صَلَاة , أَوْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة , فَجُمْلَة مَذْهَب مَالِك : أَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَقَدْ حَضَرَ وَقْت صَلَاة أُخْرَى , بَدَأَ بِاَلَّتِي نَسِيَ إِذَا كَانَ خَمْس صَلَوَات فَأَدْنَى , وَإِنْ فَاتَ وَقْت هَذِهِ . وَإِنْ كَانَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ بَدَأَ بِاَلَّتِي حَضَرَ وَقْتهَا , وَعَلَى نَحْو هَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث ; إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَة وَأَصْحَابه قَالُوا : التَّرْتِيب عِنْدنَا وَاجِب فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِذَا كَانَ فِي الْوَقْت سَعَة لِلْفَائِتَةِ وَلِصَلَاةِ الْوَقْت . فَإِنْ خَشِيَ فَوَات الْوَقْت بَدَأَ بِهَا , فَإِنْ زَادَ عَلَى صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة لَمْ يَجِب التَّرْتِيب عِنْدهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيّ وُجُوب التَّرْتِيب , وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن الْقَلِيل وَالْكَثِير . وَهُوَ تَحْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ . قَالَ الشَّافِعِيّ : الِاخْتِيَار أَنْ يَبْدَأ بِالْفَائِتَةِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَات هَذِهِ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْوَقْت أَجْزَأَهُ . وَذَكَرَ الْأَثْرَم أَنَّ التَّرْتِيب عِنْد أَحْمَد وَاجِب فِي صَلَاة سِتِّينَ سَنَة فَأَكْثَر . وَقَالَ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي صَلَاة وَهُوَ ذَاكِر لِمَا قَبْلهَا لِأَنَّهَا تَفْسُد عَلَيْهِ . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِذَا ذَكَرَ أَحَدكُمْ صَلَاة فِي صَلَاة مَكْتُوبَة فَلْيَبْدَأْ بِاَلَّتِي هُوَ فِيهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى الَّتِي نَسِيَ ) وَعُمَر بْن أَبِي عُمَر مَجْهُول . قُلْت وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَتْ حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُدَاءَة بِصَلَاةِ الْوَقْت . وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ أَهْل الصَّحِيح عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ عُمَر يَوْم الْخَنْدَق جَعَلَ يَسُبّ كُفَّار قُرَيْش , وَقَالَ يَا رَسُول اللَّه وَاَللَّه مَا كِدْت أَنْ أُصَلِّي الْعَصْر حَتَّى كَادَتْ الشَّمْس تَغْرُب ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَوَاَللَّهِ إِنْ صَلَّيْتهَا ) فَنَزَلْنَا الْبُطْحَان فَتَوَضَّأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْر بَعْد مَا غَرَبَتْ الشَّمْس , ثُمَّ صَلَّى بَعْدهَا الْمَغْرِب . وَهَذَا نَصّ فِي الْبُدَاءَة بِالْفَائِتَةِ قَبْل الْحَاضِرَة , وَلَا سِيَّمَا وَالْمَغْرِب وَقْتهَا وَاحِد مُضَيَّق غَيْر مُمْتَدّ فِي الْأَشْهَر عِنْدنَا , وَعِنْد الشَّافِعِيّ كَمَا تَقَدَّمَ . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَبِيهِ : أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَع صَلَوَات يَوْم الْخَنْدَق , حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْل مَا شَاءَ اللَّه تَعَالَى , فَأَمَرَ بِالْأَذَانِ بِلَالًا فَقَامَ فَأَذَّنَ , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْر , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْر , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِب , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاء , وَبِهَذَا اِسْتَدَلَّ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاة , قَضَاهَا مُرَتَّبَة كَمَا فَاتَتْهُ إِذَا ذَكَرَهَا فِي وَقْت وَاحِد . وَاخْتَلَفُوا إِذَا ذَكَرَ فَائِتَة فِي مُضَيَّق وَقْت حَاضِرَة عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال يَبْدَأ بِالْفَائِتَةِ وَإِنْ خَرَجَ وَقْت الْحَاضِرَة , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث وَالزَّهْرِيّ وَغَيْرهمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ . الثَّانِي : يَبْدَأ بِالْحَاضِرَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَن وَالشَّافِعِيّ وَفُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث وَالْمُحَاسِبِيّ وَابْن وَهْب مِنْ أَصْحَابنَا . الثَّالِث : يَتَخَيَّر فَيُقَدِّم أَيَّتهمَا شَاءَ , وَبِهِ قَالَ أَشْهَب . وَجْه الْأَوَّل : كَثْرَة الصَّلَوَات وَلَا خِلَاف أَنَّهُ يَبْدَأ بِالْحَاضِرَةِ مَعَ الْكَثْرَة ; قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض . وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَار الْيَسِير ; فَعَنْ مَالِك : الْخَمْس فَدُون , وَقَدْ قِيلَ : الْأَرْبَع فَدُون لِحَدِيثِ جَابِر ; وَلَمْ يَخْتَلِف الْمَذْهَب أَنَّ السِّتّ كَثِير .</p><p>السَّادِسَة : وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة ; فَإِنْ كَانَ وَرَاء الْإِمَام فَكُلّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيب وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ , يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَام حَتَّى يُكْمِل صَلَاته . وَالْأَصْل فِي هَذَا مَا رَوَاهُ مَالِك وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : ( إِذَا نَسِيَ أَحَدكُمْ صَلَاة فَلَمْ يَذْكُرهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَام فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَام فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاته فَلْيُصَلِّ الصَّلَاة الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاته الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَام ) لَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ ; وَقَالَ مُوسَى بْن هَارُونَ : وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو إِبْرَاهِيم التَّرْجُمَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد [ بِهِ ] وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَهِمَ فِي رَفْعه , فَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ رَفْعه فَقَدْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا ; فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ , ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَام إِلَّا أَنْ يَكُون بَيْنهمَا أَكْثَر مِنْ خَمْس صَلَوَات ; عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْره عَنْ الْكُوفِيِّينَ . وَهُوَ مَذْهَب جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك الْمَدَنِيِّينَ . وَذَكَرَ الْخِرَقِيّ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ قَالَ : مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي أُخْرَى فَإِنَّهُ يُتِمّهَا وَيَقْضِي الْمَذْكُورَة , وَأَعَادَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إِذَا كَانَ الْوَقْت وَاسِعًا فَإِنْ خَشِيَ خُرُوج الْوَقْت وَهُوَ فِيهَا أَعْتَقِدُ أَلَّا يُعِيدهَا , وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ وَيَقْضِي الَّتِي عَلَيْهِ . وَقَالَ مَالِك : مَنْ ذَكَرَ صَلَاة وَهُوَ فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ , فَإِنْ كَانَ إِمَامًا اِنْهَدَمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفه وَبَطَلَتْ . هَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ مَذْهَب مَالِك , وَلَيْسَ عِنْد أَهْل النَّظَر مِنْ أَصْحَابه كَذَلِكَ ; لِأَنَّ قَوْله فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاة فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَة أَنَّهُ يُضِيف إِلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّم . وَلَوْ ذَكَرَهَا فِي صَلَاة قَدْ صَلَّى مِنْهَا ثَلَاث رَكَعَات أَضَافَ إِلَيْهَا رَابِعَة وَسَلَّمَ , وَصَارَتْ نَافِلَة غَيْر فَاسِدَة وَلَوْ اِنْهَدَمَتْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَ وَبَطَلَتْ لَمْ يُؤْمَر أَنْ يُضِيف إِلَيْهَا أُخْرَى , كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْد رَكْعَة لَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى .</p><p>السَّابِعَة : رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي قَتَادَة قَالَ : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيث الْمِيضَأَة بِطُولِهِ , وَقَالَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ : ( أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَة ) ثُمَّ قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْم تَفْرِيط إِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقْت الصَّلَاة الْأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِين يَنْتَبِه لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَد فَلْيُصَلِّهَا عِنْد وَقْتهَا ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا بِلَفْظِ مُسْلِم سَوَاء , فَظَاهِره يَقْتَضِي إِعَادَة الْمَقْضِيَّة مَرَّتَيْنِ عِنْد ذِكْرهَا وَحُضُور مِثْلهَا مِنْ الْوَقْت الْآتِي ; وَيَعْضُد هَذَا الظَّاهِر مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن , وَذَكَرَ الْقِصَّة وَقَالَ فِي آخِرهَا : ( فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاة الْغَدَاة مِنْ غَد صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلهَا ) . قُلْت وَهَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِره , وَلَا تُعَاد غَيْر مَرَّة وَاحِدَة ; لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ : سَرَيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة - أَوْ قَالَ فِي سَرِيَّة فَلَمَّا كَانَ وَقْت السَّحَر عَرَّسْنَا , فَمَا اِسْتَيْقَظْنَا حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرّ الشَّمْس , فَجَعَلَ الرَّجُل مِنَّا يَثِب فَزِعًا دَهِشًا , فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا فَارْتَحَلْنَا , ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى اِرْتَفَعَتْ الشَّمْس , فَقَضَى الْقَوْم حَوَائِجهمْ , ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّيْنَا الْغَدَاة ; فَقُلْنَا : يَا نَبِيّ اللَّه أَلَا نَقْضِيهَا لِوَقْتِهَا مِنْ الْغَد ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَيَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلهُ مِنْكُمْ ) . وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : لَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِهَذَا وُجُوبًا , وَيُشْبِه أَنْ يَكُون الْأَمْر بِهِ اِسْتِحْبَابًا لِيُحْرِزَ فَضِيلَة الْوَقْت فِي الْقَضَاء . وَالصَّحِيح تَرْك الْعَمَل لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَيَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلهُ مِنْكُمْ ) وَلِأَنَّ الطُّرُق الصِّحَاح مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن لَيْسَ فِيهَا مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَة شَيْء , إِلَّا مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَة وَهُوَ مُحْتَمَل كَمَا بَيَّنَّاهُ . قُلْت : ذَكَرَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ فِي [ أَحْكَام الْقُرْآن ] لَهُ أَنَّ مِنْ السَّلَف مَنْ خَالَفَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِكَ ) فَقَالَ : يَصْبِر إِلَى مِثْل وَقْته فَلْيُصَلِّ ; فَإِذَا فَاتَ الصُّبْح فَلْيُصَلِّ مِنْ الْغَد . وَهَذَا قَوْل بَعِيدٌ شَاذّ .
آيَة مُشْكِلَة ; ف<br>ُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَرَأَ | أَكَاد أَخْفِيهَا | بِفَتْحِ الْهَمْزَة ; قَالَ : أُظْهِرهَا . | لِتُجْزَى | أَيْ الْإِظْهَار لِلْجَزَاءِ ; رَوَاهُ أَبُو عُبَيْد عَنْ الْكِسَائِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سَهْل عَنْ وِقَاء بْن إِيَاس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَالَ النَّحَّاس : وَلَيْسَ لِهَذِهِ الرِّوَايَة طَرِيق غَيْر هَذَا . قُلْت : وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ فِي كِتَاب الرَّدّ ; حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْجَهْم حَدَّثَنَا الْفَرَّاء حَدَّثَنَا الْكِسَائِيّ ; ح - وَحَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن نَاجِيَة , حَدَّثَنَا يُوسُف حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَهْل . قَالَ النَّحَّاس ; وَأَجْوَد مِنْ هَذَا الْإِسْنَاد مَا رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَنَّهُ قَرَأَ | أَكَاد أُخْفِيهَا | بِضَمِّ الْهَمْزَة .</p><p>قُلْت : وَأَمَّا قِرَاءَة اِبْن جُبَيْر | أَخْفِيهَا | بِفَتْحِ الْهَمْزَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ قَالَ الْفَرَّاء مَعْنَاهُ أُظْهِرهَا مِنْ خَفَيْت الشَّيْء أُخْفِيه إِذَا أَظْهَرْته . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء لِامْرِئِ الْقَيْس <br>فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاء لَا نُخْفِهِ .......... وَإِنْ تَبْعَثُوا الْحَرْب لَا نَقْعُد <br>أَرَادَ لَا نُظْهِرهُ ؟ وَقَدْ قَالَ بَعْض اللُّغَوِيِّينَ : يَجُوز أَنْ يَكُون | أُخْفِيهَا | بِضَمِّ الْهَمْزَة مَعْنَاهُ أُظْهِرهَا لِأَنَّهُ يُقَال : خَفِيت الشَّيْء وَأَخْفَيْته إِذَا أَظْهَرْته ; فَأَخْفَيْته مِنْ حُرُوف الْأَضْدَاد يَقَع عَلَى السَّتْر وَالْإِظْهَار . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : خَفِيت وَأَخْفَيْت بِمَعْنًى وَاحِد النَّحَّاس : وَهَذَا حَسَن ; وَقَدْ حَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّاب وَهُوَ رَئِيس مِنْ رُؤَسَاء اللُّغَة لَا يُشَكّ فِي صِدْقه ; وَقَدْ رَوَى عَنْهُ سِيبَوَيْهِ وَأَنْشَدَ : <br>وَإِنْ تَكْتُمُوا الدَّاء لَا نُخْفِهِ .......... وَإِنْ تَبْعَثُوا الْحَرْب لَا نَقْعُد <br>كَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة عَنْ أَبِي الْخَطَّاب بِضَمِّ النُّون . وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس أَيْضًا : <br>خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقهنَّ كَأَنَّمَا .......... خَفَاهُنَّ وَدْق مِنْ عَشِيّ مُجَلِّب <br>أَيْ أَظْهَرهُنَّ . وَرَوَى : | مِنْ سَحَاب مُرَكَّب | بَدَل | مِنْ عَشِيّ مُجَلِّب | . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ وَتَفْسِير لِلْآيَةِ آخَر : | إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد | اِنْقَطَعَ الْكَلَام عَلَى | أَكَاد | وَبَعْده مُضْمَر أَكَاد آتِي بِهَا , وَالِابْتِدَاء | أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلّ نَفْس | قَالَ ضَابِئ الْبُرْجُمِيّ : <br>هَمَمْت وَلَمْ أَفْعَل وَكِدْت وَلَيْتَنِي .......... تَرَكْت عَلَى عُثْمَان تَبْكِي حَلَائِله <br>أَرَادَ وَكِدْت أَفْعَل , فَأَضْمَرَ مَعَ كِدْت فِعْلًا كَالْفِعْلِ الْمُضْمَر مَعَهُ فِي الْقُرْآن . قُلْت : هَذَا الَّذِي أَخْتَارهُ النَّحَّاس ; وَزَيَّفَ الْقَوْل الَّذِي قَبْله فَقَالَ يُقَال : خَفَى الشَّيْء يُخْفِيه إِذَا أَظْهَرَهُ , وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ يُقَال : أَخْفَاهُ أَيْضًا إِذَا أَظْهَرَهُ , وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ ; قَالَ : وَقَدْ رَأَيْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان لَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَعْنَى | أُخْفِيهَا | عَدَلَ إِلَى هَذَا الْقَوْل , وَقَالَ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى | أَخْفِيهَا | . قَالَ النَّحَّاس : لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى أُظْهِرهَا وَلَا سِيَّمَا و | أَخْفِيهَا | قِرَاءَة شَاذَّة , فَكَيْفَ تُرَدّ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة الشَّائِعَة إِلَى الشَّاذَّة , وَالْمُضْمَر أَوْلَى ; وَيَكُون التَّقْدِير : إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد آتِي بِهَا ; وَدَلَّ | آتِيَة | عَلَى آتِي بِهَا ; ثُمَّ قَالَ : | أُخْفِيهَا | عَلَى الِابْتِدَاء . وَهَذَا مَعْنًى صَحِيح ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْفَى السَّاعَة الَّتِي هِيَ الْقِيَامَة , وَالسَّاعَة الَّتِي يَمُوت فِيهَا الْإِنْسَان لِيَكُونَ الْإِنْسَان يَعْمَل , وَالْأَمْر عِنْده مُبْهَم فَلَا يُؤَخِّر التَّوْبَة . قُلْت : وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَكُون اللَّام فِي | لِتُجْزَى | مُتَعَلِّقَة ب | أُخْفِيهَا | . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ هَذَا مِنْ بَاب السَّلْب وَلَيْسَ مِنْ بَاب الْأَضْدَاد , وَمَعْنَى | أُخْفِيهَا | أُزِيل عَنْهَا خَفَاءَهَا , وَهُوَ سَتْرهَا كَخِفَاءِ الْأَخْفِيَة [ وَهِيَ الْأَكْسِيَة ] وَالْوَاحِد خِفَاء بِكَسْرِ الْخَاء [ مَا تُلَفّ بِهِ ] الْقِرْبَة , وَإِذَا زَالَ عَنْهَا سِتْرهَا ظَهَرَتْ . وَمِنْ هَذَا قَوْلهمْ : أَشْكَيْته , أَيْ أَزَلْت شَكْوَاهُ , وَأَعْدَيْته أَيْ قَبِلْت اِسْتِعْدَاءَهُ وَلَمْ أُحْوِجه إِلَى إِعَادَته . وَحَكَى أَبُو حَاتِم عَنْ الْأَخْفَش : أَنَّ | كَادَ | زَائِدَة مُوَكِّدَة . قَالَ : وَمِثْله | إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا | [ النُّور : 40 ] لِأَنَّ الظُّلُمَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى بَعْضهَا يَحُول بَيْن النَّاظِر وَالْمَنْظُور إِلَيْهِ . وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن جُبَيْر , وَالتَّقْدِير : إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا تَسْعَى . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>سَرِيع إِلَى الْهَيْجَاء شَاكٍ سِلَاحه .......... فَمَا إِنْ يَكَاد قِرْنه يَتَنَفَّس <br>أَرَادَ فَمَا يَتَنَفَّس .|وَقَالَ آخَر : ش/ وَأَلَّا أَلُوم النَّفْس فِيمَا أَصَابَنِي /و وَأَلَّا أَكَاد بِاَلَّذِي نِلْت أَنْجَح <br>مَعْنَاهُ : وَأَلَّا أَنْجَح بِاَلَّذِي نِلْت ; فَأَكَاد تَوْكِيد لِلْكَلَامِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى | أَكَاد أُخْفِيهَا | أَيْ أُقَارِب ذَلِكَ ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت كَادَ زَيْد يَقُوم , جَازَ أَنْ يَكُون قَامَ , وَأَنْ يَكُون لَمْ يَقُمْ . وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَخْفَاهَا بِدَلَالَةِ غَيْر هَذِهِ عَلَى هَذَا الْجَوَاب . قَالَ اللُّغَوِيُّونَ : كِدْت أَفْعَل مَعْنَاهُ عِنْد الْعَرَب : قَارَبْت الْفِعْل وَلَمْ أَفْعَل , وَمَا كِدْت أَفْعَل مَعْنَاهُ : فَعَلْت بَعْد إِبْطَاء . وَشَاهِده قَوْل اللَّه عَزَّتْ عَظَمَته | فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ | [ الْبَقَرَة : 71 ] مَعْنَاهُ : وَفَعَلُوا بَعْد إِبْطَاء لِتَعَذُّرِ وِجْدَان الْبَقَرَة عَلَيْهِمْ . وَقَدْ يَكُون مَا كِدْت أَفْعَل بِمَعْنَى مَا فَعَلْت وَلَا قَارَبْت إِذَا أَكَّدَ الْكَلَام ب | أَكَاد | . وَقِيلَ مَعْنَى | أَكَاد أُخْفِيهَا | أُرِيد أُخْفِيهَا . قَالَ الْأَنْبَارِيّ : وَشَاهِد هَذَا قَوْل الْفَصِيح مِنْ الشِّعْر : <br>كَادَتْ وَكِدْت وَتِلْكَ خَيْر إِرَادَة /و لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبَابَة مَا مَضَى <br>مَعْنَاهُ : أَرَادَتْ وَأَرَدْت . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ أَنَّ الْمَعْنَى أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ . وَفِي مُصْحَف اِبْن مَسْعُود : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ يَعْلَمهَا مَخْلُوق . وَفِي بَعْض الْقِرَاءَات : فَكَيْفَ أُظْهِرهَا لَكُمْ . وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ جَاءَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي كَلَامهَا , مِنْ أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا بَالَغَ فِي كِتْمَان الشَّيْء قَالَ : كِدْت أُخْفِيه مِنْ نَفْسِي . وَاَللَّه تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء ; قَالَ مَعْنَاهُ قُطْرُب وَغَيْره . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>أَيَّام تَصْحَبنِي هِنْد وَأُخْبِرهَا /و مَا أَكْتُم النَّفْس مِنْ حَاجِّي وَأَسْرَارِي <br>فَكَيْفَ يُخْبِرهَا بِمَا تَكْتُم نَفْسه . وَمِنْ هَذَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَرَجُل تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه ) الزَّمَخْشَرِيّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي , وَلَا دَلِيل فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الْمَحْذُوف ; وَمَحْذُوف لَا دَلِيل عَلَيْهِ مُطْرَح , وَاَلَّذِي غَرَّهُمْ مِنْهُ أَنَّ فِي مُصْحَف أُبَيّ : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَفِي بَعْض الْمَصَاحِف أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُظْهِركُمْ عَلَيْهَا . قُلْت : وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْل مَنْ قَالَ أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; أَيْ إِنَّ إِخْفَاءَهَا كَانَ مِنْ قِبَلِي وَمِنْ عِنْدِي لَا مِنْ قِبَل غَيْرِي . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَكَاد أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ; وَرَوَاهُ طَلْحَة بْن عُمَر وَعَنْ عَطَاء . وَرَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَا أُظْهِر عَلَيْهَا أَحَدًا . وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَدْ أَخْفَاهَا . وَهَذَا عَلَى أَنَّ كَادَ زَائِدَة . أَيْ إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أُخْفِيهَا , وَالْفَائِدَة فِي إِخْفَائِهَا التَّخْوِيف وَالتَّهْوِيل . وَقِيلَ : تَعَلَّقَ | لِتُجْزَى | بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَأَقِمْ الصَّلَاة ) فَيَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ أَقِمْ الصَّلَاة لِتَذْكُرنِي ( لِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا تَسْعَى ) أَيْ بِسَعْيِهَا ( إِنَّ السَّاعَة آتِيَة أَكَاد أُخْفِيهَا ) . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : هِيَ مُتَعَلِّقَة بِقَوْلِهِ : ( آتِيَة ) أَيْ إِنَّ السَّاعَة آتِيَة لِتُجْزَى
أَيْ لَا يَصْرِفَنَّك عَنْ الْإِيمَان بِهَا وَالتَّصْدِيق لَهَا|مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى|أَيْ فَتَهْلِك . وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب بِجَوَابِ النَّهْي .
قِيلَ : كَانَ هَذَا الْخِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى وَحْيًا ; لِأَنَّهُ قَالَ : ( فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) وَلَا بُدّ لِلنَّبِيِّ فِي نَفْسه مِنْ مُعْجِزَة يَعْلَم بِهَا صِحَّة نُبُوَّة نَفْسه , فَأَرَاهُ فِي الْعَصَا وَفِي نَفْسه مَا أَرَاهُ لِذَلِكَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَا أَرَاهُ فِي الشَّجَرَة آيَة كَافِيَة لَهُ فِي نَفْسه , ثُمَّ تَكُون الْيَد وَالْعَصَا زِيَادَة تَوْكِيد , وَبُرْهَانًا يَلْقَى بِهِ قَوْمه . وَاخْتُلِفَ فِي | مَا | فِي قَوْله ( وَمَا تِلْكَ ) فَقَالَ الزَّجَّاج وَالْفَرَّاء : هِيَ اِسْم نَاقِص وُصِلَتْ ب | يَمِينك | أَيْ مَا الَّتِي بِيَمِينِك ؟ وَقَالَ أَيْضًا : | تِلْكَ | بِمَعْنَى هَذِهِ ; وَلَوْ قَالَ : مَا ذَلِكَ لَجَازَ ; أَيْ مَا ذَلِكَ الشَّيْء : وَمَقْصُود السُّؤَال تَقْرِير الْأَمْر حَتَّى يَقُول مُوسَى : هِيَ عَصَايَ ; لِيُثْبِت الْحُجَّة عَلَيْهِ بَعْد مَا اِعْتَرَفَ , وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ اللَّه مَا هِيَ فِي الْأَزَل . وَقَالَ اِبْن الْجَوْهَرِيّ وَفِي بَعْض الْآثَار أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَتَبَ عَلَى مُوسَى إِضَافَة الْعَصَا إِلَى نَفْسه فِي ذَلِكَ الْمَوْطِن , فَقِيلَ لَهُ : أَلْقِهَا لِتَرَى مِنْهَا الْعَجَب فَتَعْلَم أَنَّهُ لَا مِلْك عَلَيْهَا وَلَا تَنْضَاف إِلَيْك . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق | عَصَيّ | عَلَى لُغَة هُذَيْل ; وَمِثْله | يَا بُشْرَيَّ | و | مَحْيَيَّ | وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَرَأَ الْحَسَن | عَصَايِ | بِكَسْرِ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَمِثْل هَذَا قِرَاءَة حَمْزَة | وَمَاأَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ | [ إِبْرَاهِيم : 22 ] . وَعَنْ اِبْن أَبِي إِسْحَاق سُكُون الْيَاء .</p><p>فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاب السُّؤَال بِأَكْثَر مِمَّا سُئِلَ ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ | وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِك يَا مُوسَى | ذَكَرَ مَعَانِي أَرْبَعَة وَهِيَ إِضَافَة الْعَصَا إِلَيْهِ , وَكَانَ حَقّه أَنْ يَقُول عَصَا ; وَالتَّوَكُّؤ ; وَالْهَشّ , وَالْمَآرِب الْمُطْلَقَة . فَذَكَرَ مُوسَى مِنْ مَنَافِع عَصَاهُ عُظْمهَا وَجُمْهُورهَا وَأَجْمَل سَائِر ذَلِكَ . وَفِي الْحَدِيث سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاء الْبَحْر فَقَالَ ( هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَته ) . وَسَأَلَتْهُ اِمْرَأَة عَنْ الصَّغِير حِين رَفَعَتْهُ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : أَلِهَذَا حَجّ ؟ قَالَ ( نَعَمْ وَلَك أَجْر ) . وَمِثْله فِي الْحَدِيث كَثِير .
أَيْ أَتَحَامَل عَلَيْهَا فِي الْمَشْي وَالْوُقُوف ; وَمِنْهُ الِاتِّكَاء|وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي|| وَأَهِشّ | أَيْضًا ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَهِيَ قِرَاءَة النَّخَعِيّ , أَيْ أَخْبِط بِهَا الْوَرَق , أَيْ أَضْرِب أَغْصَان الشَّجَر لِيَسْقُط وَرَقهَا , فَيَسْهُل عَلَى غَنَمِي تَنَاوُله فَتَأْكُلهُ . قَالَ الرَّاجِز : <br>أَهُشّ بِالْعَصَا عَلَى أَغْنَامِي .......... مِنْ نَاعِم الْأَرَاك وَالْبَشَام <br>يُقَال : هَشَّ عَلَى غَنَمه يَهُشّ بِضَمِّ الْهَاء فِي الْمُسْتَقْبَل . وَهَشَّ إِلَى الرَّجُل يَهَشّ بِالْفَتْحِ وَكَذَلِكَ هَشَّ لِلْمَعْرُوفِ يَهَشّ وَهَشِشْت أَنَا : وَفِي حَدِيث عُمَر : هَشِشْت يَوْمًا فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِم . قَالَ شِمْر : أَيْ فَرِحْت وَاشْتَهَيْت . قَالَ : وَيَجُوز هَاشَ بِمَعْنَى هَشَّ . قَالَ الرَّاعِي <br>فَكَبَّرَ لِلرُّؤْيَا وَهَاشَ فُؤَاده .......... وَبَشَّرَ نَفْسًا كَانَ قَبْل يَلُومهَا <br>أَيْ طَرِب . وَالْأَصْل فِي الْكَلِمَة الرَّخَاوَة . يُقَال رَجُل هَشّ وَزَوْج هَشّ . وَقَرَأَ عِكْرِمَة | وَأَهُسُّ | بِالسِّينِ غَيْر مُعْجَمَة ; قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف ; فَالْهَشّ بِالْإِعْجَامِ خَبْط الشَّجَر ; وَالْهَسّ بِغَيْرِ إِعْجَام زَجْر الْغَنَم ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ ; وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ . وَعَنْ عِكْرِمَة : | وَأَهُسُّ | بِالسِّينِ أَيْ أَنْحَى عَلَيْهَا زَاجِرًا لَهَا وَالْهَسّ زَجْر الْغَنَم .|وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى|أَيْ حَوَائِج . وَ<br>ِدهَا مَأْرُبَة وَمَأْرَبَة وَمَأْرِبَة . وَقَالَ : | أُخْرَى | عَلَى صِيغَة الْوَاحِد ; لِأَنَّ مَآرِب فِي مَعْنَى الْجَمَاعَة , لَكِنَّ الْمَهْيَع فِي تَوَابِع جَمْع مَا لَا يَعْقِل الْإِفْرَاد وَالْكِنَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْوَاحِدَة الْمُؤَنَّثَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى | وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا | [ الْأَعْرَاف : 180 ] وَكَقَوْلِهِ | يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ | [ سَبَأ : 10 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي | الْأَعْرَاف | .</p><p>تَعَرَّضَ قَوْم لِتَعْدِيدِ مَنَافِع الْعَصَا مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا اِنْتَهَيْت إِلَى رَأْس بِئْر فَقَصُرَ الرِّشَا وَصَلْته بِالْعَصَا , وَإِذَا أَصَابَنِي حَرّ الشَّمْس غَرَزْتهَا فِي الْأَرْض وَأَلْقَيْت عَلَيْهَا مَا يُظِلّنِي , وَإِذَا خِفْت شَيْئًا مِنْ هَوَامّ الْأَرْض قَتَلْته بِهَا , وَإِذَا مَشَيْت أَلْقَيْتهَا عَلَى عَاتِقِي وَعَلَّقْت عَلَيْهَا الْقَوْس وَالْكِنَانَة وَالْمِخْلَاة , وَأُقَاتِل بِهَا السِّبَاع عَنْ الْغَنَم . وَرُوِيَ عَنْهُ مَيْمُون بْن مِهْرَان قَالَ : إِمْسَاك الْعَصَا سُنَّة لِلْأَنْبِيَاءِ , وَعَلَامَة لِلْمُؤْمِنِ . وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : فِيهَا سِتّ خِصَال ; سُنَّة لِلْأَنْبِيَاءِ , وَزِينَة الصُّلَحَاء , وَسِلَاح عَلَى الْأَعْدَاء , وَعَوْن لِلضُّعَفَاءِ , وَغَمّ الْمُنَافِقِينَ , وَزِيَادَة فِي الطَّاعَات . وَيُقَال : إِذَا كَانَ مَعَ الْمُؤْمِن الْعَصَا يَهْرُب مِنْهُ الشَّيْطَان , وَيَخْشَع مِنْهُ الْمُنَافِق وَالْفَاجِر , وَتَكُون قِبْلَته إِذَا صَلَّى , وَقُوَّة إِذَا أَعْيَا . وَلَقِيَ الْحَجَّاج أَعْرَابِيًّا فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَا أَعْرَابِيّ ؟ قَالَ : مِنْ الْبَادِيَة . قَالَ : وَمَا فِي يَدك ؟ قَالَ : عَصَايَ أُرَكِّزهَا لِصَلَاتِي , وَأَعُدّهَا لِعِدَاتِي , وَأَسُوق بِهَا دَابَّتِي , وَأَقْوَى بِهَا عَلَى سَفَرِي , وَأَعْتَمِد بِهَا فِي مِشْيَتِي لِتَتَّسِع خُطْوَتِي , وَأَثِب بِهَا النَّهْر , وَتُؤْمِننِي مِنْ الْعَثْر , وَأُلْقِي عَلَيْهَا كِسَائِي فَيَقِينِي الْحَرّ , وَيُدْفِئنِي مِنْ الْقُرّ , وَتُدْنِي إِلَيَّ مَا بَعُدَ مِنِّي , وَهِيَ مَحْمَل سُفْرَتِي , وَعَلَاقَة إِدَاوَتِي , أَعْصِي بِهَا عِنْد الضِّرَاب , وَأَقْرَع بِهَا الْأَبْوَاب , وَأَتَّقِي بِهَا عَقُور الْكِلَاب ; وَتَنُوب عَنْ الرُّمْح فِي الطِّعَان ; وَعَنْ السَّيْف عِنْد مُنَازَلَة الْأَقْرَان ; وَرِثْتهَا عَنْ أَبِي , وَأُوَرِّثهَا بَعْدِي اِبْنِي , وَأَهُشّ بِهَا عَلَى غَنَمِي , وَلِيَ فِيهَا مَآرِب أُخْرَى , كَثِيرَة لَا تُحْصَى . قُلْت : مَنَافِع الْعَصَا كَثِيرَة , وَلَهَا مَدْخَل فِي مَوَاضِع مِنْ الشَّرِيعَة : مِنْهَا أَنَّهَا تُتَّخَذ قِبْلَة فِي الصَّحْرَاء ; وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنَزَة تُرْكَز لَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا , وَكَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْم الْعِيد أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَع بَيْن يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا ; وَذَلِكَ ثَابِت فِي الصَّحِيح . وَالْحَرْبَة وَالْعَنَزَة وَالنَّيْزَك وَالْآلَة اِسْم لِمُسَمًّى وَاحِد . وَكَانَ لَهُ مِحْجَن وَهُوَ عَصَا مُعْوَجَّة الطَّرَف يُشِير بِهِ إِلَى الْحَجَر إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقَبِّلهُ ; ثَابِت فِي الصَّحِيح أَيْضًا . وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أُبَيّ بْن كَعْب وَتَمِيمًا الدَّارِيّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَة رَكْعَة , وَكَانَ الْقَارِئ يَقْرَأ بِالْمِئِين حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِد عَلَى الْعِصِيّ مِنْ طُول الْقِيَام , وَمَا كُنَّا نَنْصَرِف إِلَّا فِي بُزُوغ الْفَجْر . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لَهُ مِخْصَرَة . وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَى أَنَّ الْخَطِيب يَخْطُب مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْف أَوْ عَصًا , فَالْعَصَا مَأْخُوذَة مِنْ أَصْل كَرِيم , وَمَعْدِن شَرِيف , وَلَا يُنْكِرهَا إِلَّا جَاهِل . وَقَدْ جَمَعَ اللَّه لِمُوسَى فِي عَصَاهُ مِنْ الْبَرَاهِين الْعِظَام , وَالْآيَات الْجِسَام , مَا آمَنَ بِهِ السَّحَرَة الْمُعَانِدُونَ . وَاِتَّخَذَهَا سُلَيْمَان لِخُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَته وَطُول صَلَاته . وَكَانَ اِبْن مَسْعُود صَاحِب عَصَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنَزَته ; وَكَانَ يَخْطُب بِالْقَضِيبِ - وَكَفَى بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَى شَرَف حَال الْعَصَا - وَعَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاء وَكُبَرَاء الْخُطَبَاء , وَعَادَة الْعَرَب الْعَرْبَاء , الْفُصَحَاء اللَّسِن الْبُلَغَاء أَخْذ الْمِخْصَرَة وَالْعَصَا وَالِاعْتِمَاد عَلَيْهَا عِنْد الْكَلَام , وَفِي الْمَحَافِل وَالْخُطَب . وَأَنْكَرَتْ الشُّعُوبِيَّة عَلَى خُطَبَاء الْعَرَب أَخْذ الْمِخْصَرَة وَالْإِشَارَة بِهَا إِلَى الْمَعَانِي . وَالشُّعُوبِيَّة تُبْغِض الْعَرَب وَتُفَضِّل الْعَجَم . قَالَ مَالِك : كَانَ عَطَاء بْن السَّائِب يُمْسِك الْمِخْصَرَة يَسْتَعِين بِهَا . قَالَ مَالِك : وَالرَّجُل إِذَا كَبُرَ لَمْ يَكُنْ مِثْل الشَّبَاب يَقْوَى بِهَا عِنْد قِيَامه . قُلْت : وَفِي مِشْيَته كَمَا قَالَ بَعْضهمْ : <br>قَدْ كُنْت أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَمِدًا .......... فَصِرْت أَمْشِي عَلَى أُخْرَى مِنْ الْخَشَب <br>قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه وَرَضِيَ عَنْهُ : وَقَدْ كَانَ النَّاس إِذَا جَاءَهُمْ الْمَطَر خَرَجُوا بِالْعِصِيِّ يَتَوَكَّئُونَ عَلَيْهَا , حَتَّى لَقَدْ كَانَ الشَّبَاب يَحْبِسُونَ عِصِيّهمْ , وَرُبَّمَا أَخَذَ رَبِيعَة الْعَصَا مِنْ بَعْض مَنْ يَجْلِس إِلَيْهِ حَتَّى يَقُوم . وَمِنْ مَنَافِع الْعَصَا ضَرْب الرَّجُل نِسَاءَهُ بِهَا فِيمَا يُصْلِحهُمْ , وَيُصْلِح حَاله وَحَالهمْ مَعَهُ . وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ( وَأَمَّا أَبُو جَهْم فَلَا يَضَع عَصَاهُ عَنْ عَاتِقه ) فِي إِحْدَى الرِّوَايَات . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَوْصَاهُ : ( لَا تَرْفَع عَصَاك عَنْ أَهْلك أَخْفِهِمْ فِي اللَّه ) رَوَاهُ عُبَادَة بْن الصَّامِت ; خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنِيّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلِّقْ سَوْطك حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلك ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي | النِّسَاء | . وَمِنْ فَوَائِدهَا التَّنْبِيه عَلَى الِانْتِقَال مِنْ هَذِهِ الدَّار ; كَمَا قِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّاد : مَا لَك تَمْشِي عَلَى عَصًا وَلَسْت بِكَبِيرٍ وَلَا مَرِيض ؟ قَالَ إِنِّي أَعْلَم أَنِّي مُسَافِر , وَأَنَّهَا دَار قَلْعَة , وَأَنَّ الْعَصَا مِنْ آلَة السَّفَر ; فَأَخَذَهُ بَعْض الشُّعَرَاء فَقَالَ : <br>حَمَلْت الْعَصَا لَا الضَّعْف أَوْجَبَ حَمْلهَا .......... عَلَيَّ وَلَا أَنِّي تَحَنَّيْت مِنْ كِبَر <br>ش وَلَكِنَّنِي أَلْزَمْت نَفْسِي حَمْلهَا /و لِأُعْلِمهَا أَنَّ الْمُقِيم عَلَى سَفَر<br>
لَمَّا أَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُدَرِّبهُ فِي تَلَقِّي النُّبُوَّة وَتَكَالِيفهَا أَمْرَهُ بِإِلْقَاءِ الْعَصَا
| فَأَلْقَاهَا | مُوسَى فَقَلَبَ اللَّه أَوْصَافهَا وَأَعْرَاضهَا . وَكَانَتْ عَصَا ذَات شُعْبَتَيْنِ فَصَارَتْ الشُّعْبَتَانِ لَهَا فَمًا وَصَارَتْ حَيَّة تَسْعَى أَيْ تَنْتَقِل , وَتَمْشِي وَتَلْتَقِم الْحِجَارَة فَلَمَّا رَآهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى عِبْرَة ف | وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّب | [ النَّمْل : 10 ] .
وَكَانَتْ عَصًا ذَات شُعْبَتَيْنِ فَصَارَتْ الشُّعْبَتَانِ لَهَا فَمًا وَصَارَتْ حَيَّة تَسْعَى أَيْ تَنْتَقِل , وَتَمْشِي وَتَلْتَقِم الْحِجَارَة فَلَمَّا رَآهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى عِبْرَة ف | وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّب | [ النَّمْل : 10 ] فَقَالَ اللَّه لَهُ : | قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتهَا الْأُولَى | وَذَلِكَ أَنَّهُ | أَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة | [ طَه : 67 ] أَيْ لَحِقَهُ مَا يَلْحَق الْبَشَر . وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى تَنَاوَلَهَا بِكُمَّيْ جُبَّته فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ , فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ فَصَارَتْ عَصَا كَمَا كَانَتْ أَوَّل مَرَّة وَهِيَ سِيرَتهَا الْأُولَى , وَإِنَّمَا أَظْهَرَ لَهُ هَذِهِ الْآيَة لِئَلَّا يَفْزَع مِنْهَا إِذَا أَلْقَاهَا عِنْد فِرْعَوْن . وَيُقَال : إِنَّ الْعَصَا بَعْد ذَلِكَ كَانَتْ تُمَاشِيه وَتُحَادِثهُ وَيُعَلِّق عَلَيْهَا أَحْمَاله , وَتُضِيء لَهُ الشُّعْبَتَانِ بِاللَّيْلِ كَالشَّمْعِ ; وَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِقَاء اِنْقَلَبَتْ الشُّعْبَتَانِ كَالدَّلْوِ وَإِذَا اِشْتَهَى ثَمَرَة رَكَّزَهَا فِي الْأَرْضَى فَأَثْمَرَتْ تِلْكَ الثَّمَرَة . وَقِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ آس الْجَنَّة . وَقِيلَ : أَتَاهُ جِبْرِيل بِهَا . وَقِيلَ : مَلَك . وَقِيلَ قَالَ لَهُ شُعَيْب : خُذْ عَصَا مِنْ ذَلِكَ الْبَيْت فَوَقَعَتْ بِيَدِهِ تِلْكَ الْعَصَا , وَكَانَتْ عَصَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام هَبَطَ بِهَا مِنْ الْجَنَّة . وَاَللَّه أَعْلَم . قَوْله تَعَالَى : | فَإِذَا هِيَ حَيَّة تَسْعَى | النَّحَّاس : وَيَجُوز | حَيَّة | يُقَال : خَرَجَتْ فَإِذَا زَيْد جَالِس وَجَالِسًا . وَالْوَقْف | حَيَّه | بِالْهَاءِ . وَالسَّعْي الْمَشْي بِسُرْعَةٍ وَخِفَّة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : اِنْقَلَبَتْ ثُعْبَانًا ذَكَرًا يَبْتَلِع الصَّخْر وَالشَّجَر , فَلَمَّا رَآهُ يَبْتَلِع كُلّ شَيْء خَافَهُ وَنَفَرَ مِنْهُ . وَعَنْ بَعْضهمْ : إِنَّمَا خَافَ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَرَفَ مَا لَقِيَ آدَم مِنْهَا . وَقِيلَ لَمَّا قَالَ لَهُ رَبّه | لَا تَخَفْ | بَلَغَ مِنْ ذَهَاب خَوْفه وَطُمَأْنِينَة نَفْسه أَنْ أَدْخَلَ يَده فِي فَمهَا وَأَخَذَ بِلَحْيَيْهَا . | سَنُعِيدُهَا سِيرَتهَا الْأُولَى | سَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول : التَّقْدِير إِلَى سِيرَتهَا , مِثْل | وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه | [ الْأَعْرَاف : 155 ] قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا لِأَنَّ مَعْنَى سَنُعِيدُهَا سَنُسَيِّرُهَا .
يَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن ضُمّ بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْرهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , وَالْفَتْح أَجْوَد لِخِفَّتِهِ , وَالْكَسْر عَلَى الْأَصْل وَيَجُوز الضَّمّ عَلَى الْإِتْبَاع وَيَد أَصْلهَا يَدْيٌ عَلَى فَعْل ; يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَيْدٍ وَتَصْغِيرهَا يُدَيَّة . وَالْجَنَاح الْعَضُد ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ : | إِلَى | بِمَعْنَى تَحْت . قُطْرُب : | إِلَى جَنَاحك | إِلَى جَيْبك ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>أَضُمُّهُ لِلصَّدْرِ وَالْجَنَاح <br>وَقِيلَ : إِلَى جَنْبك فَعَبَّرَ عَنْ الْجَنْب بِالْجَنَاحِ لِأَنَّهُ مَائِل فِي مَحَلّ الْجَنَاح . وَقِيلَ إِلَى عِنْدك . وَقَالَ مُقَاتِل | إِلَى | بِمَعْنَى مَعَ أَيْ مَعَ جَنَاحك .|تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ|مِنْ غَيْر بَرَص نُورًا سَاطِعًا , يُضِيء بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار كَضَوْءِ الشَّمْس وَالْقَمَر وَأَشَدّ ضَوْءًا . عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : فَخَرَجَتْ نُورًا مُخَالِفَة لِلَوْنِهِ . و | بَيْضَاء | نُصِبَ عَلَى الْحَال , وَلَا يَنْصَرِف لِأَنَّ فِيهَا أَلِفَيْ التَّأْنِيث لَا يُزَايِلَانِهَا فَكَأَنَّ لُزُومهمَا عِلَّة ثَانِيَة , فَلَمْ يَنْصَرِف فِي النَّكِرَة , وَخَالَفَتَا الْهَاء لِأَنَّ الْهَاء تُفَارِق الِاسْم . و | مِنْ غَيْر سُوء | | مِنْ | صِلَة | بَيْضَاء | كَمَا تَقُول : اِبْيَضَّتْ مِنْ غَيْر سُوء .|آيَةً أُخْرَى|سِوَى الْعَصَا . فَأَخْرَجَ يَده مِنْ مِدْرَعَة لَهُ مِصْرِيَّة لَهَا شُعَاع مِثْل شُعَاع الشَّمْس يُعْشِي الْبَصَر . و | آيَة | مَنْصُوبَة عَلَى الْبَدَل مِنْ بَيْضَاء ; قَالَهُ الْأَخْفَش . النَّحَّاس : وَهُوَ قَوْل حَسَن . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى آتَيْنَاك آيَة أُخْرَى أَوْ نُؤْتِيك ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : | تَخْرُج بَيْضَاء مِنْ غَيْر سُوء | دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ آتَاهُ آيَة أُخْرَى .
يُرِيد الْعُظْمَى . وَكَانَ حَقّه أَنْ يَقُول الْكَبِيرَة وَإِنَّمَا قَالَ | الْكُبْرَى | لِوِفَاقِ رُءُوس الْآي . وَقِيلَ : فِيهِ إِضْمَار ; مَعْنَاهُ لِنُرِيَك مِنْ آيَاتنَا الْآيَة الْكُبْرَى دَلِيله قَوْل اِبْن عَبَّاس يَد مُوسَى أَكْبَر آيَاته .
لَمَّا آنَسَهُ بِالْعَصَا وَالْيَد , وَأَرَاهُ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ رَسُول , أَمَرَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْن , وَأَنْ يَدْعُوهُ . و | طَغَى | مَعْنَاهُ عَصَى وَتَكَبَّرَ وَكَفَرَ وَتَجَبَّرَ وَجَاوَزَ الْحَدّ .
طَلَبَ الْإِعَانَة لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَة . وَيُقَال إِنَّ اللَّه أَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ رَبَطَ عَلَى قَلْب فِرْعَوْن وَأَنَّهُ لَا يُؤْمِن ; فَقَالَ مُوسَى : يَا رَبّ فَكَيْفَ تَأْمُرنِي أَنْ آتِيه وَقَدْ رَبَطْت عَلَى قَلْبه ; فَأَتَاهُ مَلَك مِنْ خُزَّانِ الرِّيح فَقَالَ يَا مُوسَى اِنْطَلِقْ إِلَى مَا أَمَرَك اللَّه بِهِ . فَقَالَ مُوسَى عِنْد ذَلِكَ : | رَبّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي | أَيْ وَسِّعْهُ وَنَوِّرْهُ بِالْإِيمَانِ وَالنُّبُوَّة .
أَيْ سَهِّلْ عَلَيَّ مَا أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة إِلَى فِرْعَوْن .
يَعْنِي الْعُجْمَة الَّتِي كَانَتْ فِيهِ مِنْ جَمْرَة النَّار الَّتِي أَطْفَأَهَا فِي فِيهِ وَهُوَ طِفْل . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ فِي لِسَانه رُتَّة . وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي حِجْر فِرْعَوْن ذَات يَوْم وَهُوَ طِفْل فَلَطَمَهُ لَطْمَة , وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَنَتَفَهَا فَقَالَ فِرْعَوْن لِآسِيَة : هَذَا عَدُوِّي فَهَاتِ الذَّبَّاحِينَ . فَقَالَتْ آسِيَة : عَلَى رِسْلك فَإِنَّهُ صَبِيّ لَا يُفَرِّق بَيْن الْأَشْيَاء . ثُمَّ أَتَتْ بِطَسْتَيْنِ فَجَعَلَتْ فِي أَحَدهمَا جَمْرًا وَفِي الْآخَر جَوْهَرًا فَأَخَذَ جِبْرِيل بِيَدِ مُوسَى فَوَضَعَهَا عَلَى النَّار حَتَّى رَفَعَ جَمْرَة وَوَضَعَهَا فِي فِيهِ عَلَى لِسَانه , فَكَانَتْ تِلْكَ الرُّتَّة وَرُوِيَ أَنَّ يَده اِحْتَرَقَتْ وَأَنَّ فِرْعَوْن اِجْتَهَدَ فِي عِلَاجهَا فَلَمْ تَبْرَأ . وَلَمَّا دَعَاهُ قَالَ أَيّ رَبّ تَدْعُونِي ؟ قَالَ : إِلَى الَّذِي أَبْرَأَ يَدِي وَقَدْ عَجَزْت عَنْهَا . وَعَنْ بَعْضهمْ : إِنَّمَا لَمْ تَبْرَأ يَده لِئَلَّا يُدْخِلهَا مَعَ فِرْعَوْن فِي قَصْعَة وَاحِدَة فَتَنْعَقِد بَيْنهمَا حُرْمَة الْمُؤَاكَلَة . ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ زَالَتْ تِلْكَ الرُّتَّة ; فَقِيلَ : زَالَتْ بِدَلِيلِ قَوْله | قَدْ أُوتِيت سُؤْلك يَا مُوسَى | [ طَه : 36 ] وَقِيلَ : لَمْ تَزُلْ كُلّهَا ; بِدَلِيلِ قَوْله حِكَايَة عَنْ فِرْعَوْن : | وَلَا يَكَاد يُبِين | [ الزُّخْرُف : 52 ] . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : اُحْلُلْ كُلّ لِسَانِي , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ فِي لِسَانه شَيْء مِنْ الِاسْتِمْسَاك . وَقِيلَ : زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْله | أُوتِيت سُؤْلك | [ طَه : 36 ] وَإِنَّمَا قَالَ فِرْعَوْن : | وَلَا يَكَاد يُبِين | [ الزُّخْرُف : 52 ] لِأَنَّهُ عَرَفَ مِنْهُ تِلْكَ الْعُقْدَة فِي التَّرْبِيَة , وَمَا ثَبَتَ عِنْده أَنَّ الْآفَة زَالَتْ . قُلْت : وَهَذَا فِيهِ نَظَر ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا قَالَ فِرْعَوْن : | وَلَا يَكَاد يُبِين | حِين كَلَّمَهُ مُوسَى بِلِسَان ذَلِق فَصِيح . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : إِنَّ تِلْكَ الْعُقْدَة حَدَثَتْ بِلِسَانِهِ عِنْد مُنَاجَاة رَبّه , حَتَّى لَا يُكَلِّم غَيْره إِلَّا بِإِذْنِهِ .
أَيْ يَعْلَمُوا مَا أَقُولهُ لَهُمْ وَيَفْهَمُوهُ . وَالْفِقْه فِي كَلَام الْعَرَب الْفَهْم . قَالَ أَعْرَابِيّ لِعِيسَى بْن عُمَر : شَهِدْت عَلَيْك بِالْفِقْهِ . تَقُول مِنْهُ : فَقِهَ الرَّجُل بِالْكَسْرِ . وَفُلَان لَا يَفْقَه وَلَا يَنْقَه . وَأَفْقَهْتُك الشَّيْء ثُمَّ خُصَّ بِهِ عِلْم الشَّرِيعَة , وَالْعَالِم بِهِ فَقِيه . وَقَدْ فَقُهَ بِالضَّمِّ فَقَاهَة وَفَقَّهَهُ اللَّه وَتَفَقَّهَ إِذَا تَعَاطَى ذَلِكَ . وَفَاقَهْته إِذَا بَاحَثْته فِي الْعِلْم ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَالْوَزِير الْمُؤَازِر كَالْأَكِيلِ لِلْمُؤَاكِلِ ; لِأَنَّهُ يَحْمِل عَنْ السُّلْطَان وِزْره أَيْ ثِقَله . فِي كِتَاب النَّسَائِيّ عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد : سَمِعْت عَمَّتِي تَقُول قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلًا فَأَرَادَ اللَّه بِهِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرًا صَالِحًا إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ ) . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( مَا بَعَثَ اللَّه مِنْ نَبِيّ وَلَا اِسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَة إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَة تَأْمُرهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَة تَأْمُرهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضّهُ عَلَيْهِ فَالْمَعْصُوم مَنْ عَصَمَهُ اللَّه ) رَوَاهُ الْبُخَارِيّ .
فَسَأَلَ مُوسَى اللَّه تَعَالَى أَنْ يَجْعَل لَهُ وَزِيرًا , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُون مَقْصُورًا عَلَى الْوَزَارَة حَتَّى لَا يَكُون شَرِيكًا لَهُ فِي النُّبُوَّة , وَلَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَسْتَوْزِرهُ مِنْ غَيْر مَسْأَلَة .
وَعَيَّنَ فَقَالَ | هَارُون | وَانْتَصَبَ عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْله | وَزِيرًا | . وَيَكُون مَنْصُوبًا ب | اِجْعَلْ | عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير , وَالتَّقْدِير : وَاجْعَلْ لِي هَارُون أَخِي وَزِيرًا . وَكَانَ هَارُون أَكْبَر مِنْ مُوسَى بِسَنَةٍ , وَقِيلَ : بِثَلَاثٍ .
أَيْ ظَهْرِي وَالْأَزْر الظَّهْر مِنْ مَوْضِع الْحَقْوَيْنِ , وَمَعْنَاهُ تَقْوَى بِهِ نَفْسِي ; وَالْأَزْر الْقُوَّة وَآزَرَهُ قَوَّاهُ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى | فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ | [ الْفَتْح : 29 ] وَقَالَ أَبُو طَالِب : <br>أَلَيْسَ أَبُونَا هَاشِم شَدَّ أَزْره .......... وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطِّعَانِ وَبِالضَّرْبِ <br>وَقِيلَ : الْأَزْر الْعَوْن , أَيْ يَكُون عَوْنًا يَسْتَقِيم بِهِ أَمْرِي . قَالَ الشَّاعِر : <br>شَدَدْت بِهِ أَزْرِي وَأَيْقَنْت أَنَّهُ .......... أَخُو الْفَقْر مَنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَذَاهِبه <br>وَكَانَ هَارُون أَكْثَر لَحْمًا مِنْ مُوسَى , وَأَتَمّ طُولًا , وَأَبْيَض جِسْمًا , وَأَفْصَح لِسَانًا . وَمَاتَ قَبْل مُوسَى بِثَلَاثِ سِنِينَ وَكَانَ فِي جَبْهَة هَارُون شَامَة , وَعَلَى أَرْنَبَة أَنْف مُوسَى شَامَة , وَعَلَى طَرَف لِسَانه شَامَة , وَلَمْ تَكُنْ عَلَى أَحَد قَبْله وَلَا تَكُون عَلَى أَحَد بَعْده , وَقِيلَ : إِنَّهَا كَانَتْ سَبَب الْعُقْدَة الَّتِي فِي لِسَانه . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ فِي النُّبُوَّة وَتَبْلِيغ الرِّسَالَة . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ كَانَ هَارُون يَوْمئِذٍ بِمِصْرَ , فَأَمَرَ اللَّه مُوسَى أَنْ يَأْتِي هُوَ هَارُون , وَأَوْحَى إِلَى هَارُون وَهُوَ بِمِصْرَ أَنْ يَتَلَقَّى مُوسَى , فَتَلَقَّاهُ إِلَى مَرْحَلَة وَأَخْبَرَهُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ ; فَقَالَ لَهُ مُوسَى : إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ آتِي فِرْعَوْن فَسَأَلْت رَبِّي أَنْ يَجْعَلك مَعِي رَسُولًا . وَقَرَأَ الْعَامَّة | أَخِي اُشْدُدْ | بِوَصْلِ الْأَلِف | وَأَشْرِكْهُ | بِفَتْحِ الْهَمْزَة عَلَى الدُّعَاء , أَيْ اُشْدُدْ يَا رَبّ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ مَعِي فِي أَمْرِي . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَحْيَى بْن الْحَارِث وَأَبُو حَيْوَة وَالْحَسَن وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق | أَشْدُدْ | بِقَطْعِ الْأَلِف | وَأُشْرِكهُ | أَيْ أَنَا يَا رَبّ | فِي أَمْرِي | . قَالَ النَّحَّاس : جَعَلُوا الْفِعْلَيْنِ فِي مَوْضِع جَزْم جَوَابًا لِقَوْلِهِ : | اِجْعَلْ لِي وَزِيرًا | وَهَذِهِ الْقِرَاءَة شَاذَّة بَعِيدَة ; لِأَنَّ جَوَاب مِثْل هَذَا إِنَّمَا يَتَخَرَّج بِمَعْنَى الشَّرْط وَالْمُجَازَاة ; فَيَكُون الْمَعْنَى : إِنْ تَجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي , وَأُشْرِكهُ فِي أَمْرِي . وَأَمْره النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة , وَلَيْسَ هَذَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِر بِهِ , إِنَّمَا سَأَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُشْرِكهُ مَعَهُ فِي النُّبُوَّة . وَفَتَحَ الْيَاء مِنْ | أَخِي | اِبْن كَثِير وَأَبُو عُمَر .
قِيلَ : مَعْنَى | نُسَبِّحك | نُصَلِّي لَك . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون التَّسْبِيح بِاللِّسَانِ . أَيْ نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِجَلَالِك . | وَكَثِيرًا | نَعْت لِمَصْدَرِ مَحْذُوف . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِوَقْتٍ . وَالْإِدْغَام حَسَن .
| كَثِيرًا | نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِوَقْتٍ . وَالْإِدْغَام حَسَن .
قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْبَصِير الْمُبْصِر , وَالْبَصِير الْعَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور , فَالْمَعْنَى ; أَيْ عَالِمًا بِنَا , وَمُدْرِكًا لَنَا فِي صِغَرنَا فَأَحْسَنْت إِلَيْنَا , فَأَحْسِنْ إِلَيْنَا كَذَلِكَ يَا رَبّ .
لَمَّا سَأَلَهُ شَرْح الصَّدْر , وَتَيْسِير الْأَمْر إِلَى مَا ذَكَرَ , أَجَابَ سُؤْله , وَأَتَاهُ طِلْبَته وَمَرْغُوبه . وَالسُّؤْل الطِّلْبَة ; فُعْل بِمَعْنَى مَفْعُول , كَقَوْلِك خُبْز بِمَعْنَى مَخْبُوز وَأُكْل بِمَعْنَى مَأْكُول .
أَيْ قَبْل هَذِهِ , وَهِيَ حِفْظه سُبْحَانه لَهُ مِنْ شَرّ الْأَعْدَاء فِي الِابْتِدَاء ; وَذَلِكَ حِين الذَّبْح . وَاَللَّه أَعْلَم . وَالْمَنّ الْإِحْسَان وَالْإِفْضَال .
قِيلَ : | أَوْحَيْنَا | أَلْهَمْنَا وَقِيلَ : أَوْحَى إِلَيْهَا فِي النَّوْم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوْحَى إِلَيْهَا كَمَا أَوْحَى إِلَى النَّبِيِّينَ .
قَالَ مُقَاتِل مُؤْمِن آل فِرْعَوْن هُوَ الَّذِي صَنَعَ التَّابُوت وَنَجَرَهُ وَكَانَ اِسْمه حِزْقِيل . وَكَانَ التَّابُوت مِنْ جُمَّيْز .|فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ|أَيْ اِطْرَحِيهِ فِي الْبَحْر : نَهْر النِّيل . | فَاقْذِفِيهِ | قَالَ الْفَرَّاء : | فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ | أَمْر وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة . أَيْ اِقْذِفِيهِ يُلْقِهِ الْيَمّ .|وَكَذَا قَوْله : | اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ | [ الْعَنْكَبُوت : 12 ] .|فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ|يَعْنِي فِرْعَوْن ; فَاتَّخَذَتْ تَابُوتًا , وَجَعَلَتْ فِيهِ نِطْعًا وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى , وَقَيَّرَتْ رَأْسه وَخِصَاصه يَعْنِي شُقُوقه ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي النِّيل , وَكَانَ يَشْرَع مِنْهُ نَهْر كَبِير فِي دَار فِرْعَوْن , فَسَاقَهُ اللَّه فِي ذَلِكَ النَّهْر إِلَى دَار فِرْعَوْن . وَرُوِيَ أَنَّهَا جَعَلَتْ فِي التَّابُوت قُطْنًا مَحْلُوجًا , فَوَضَعَتْهُ فِيهِ وَقَيَّرَتْهُ وَجَصَّصَتْهُ , ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ . وَكَانَ يَشْرَع مِنْهُ إِلَى بُسْتَان فِرْعَوْن نَهْر كَبِير , فَبَيْنَا هُوَ جَالِس عَلَى رَأْس بِرْكَة مَعَ آسِيَة , إِذَا بِالتَّابُوتِ , فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ , فَفُتِحَ فَإِذَا صَبِيّ أَصْبَحَ النَّاس , فَأَحَبَّهُ عَدُوّ اللَّه حُبًّا شَدِيدًا لَا يَتَمَالَك أَنْ يَصْبِر عَنْهُ . وَظَاهِر الْقُرْآن يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْبَحْر أَلْقَاهُ بِسَاحِلِهِ وَهُوَ شَاطِئُهُ , فَرَأَى فِرْعَوْن التَّابُوت بِالسَّاحِلِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون إِلْقَاء الْيَمّ بِمَوْضِعٍ مِنْ السَّاحِل , فِيهِ فُوَّهَة نَهْر فِرْعَوْن , ثُمَّ أَدَّاهُ النَّهْر إِلَى حَيْثُ الْبِرْكَة . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : وَجَدَتْهُ اِبْنَة فِرْعَوْن وَكَانَ بِهَا بَرَص , فَلَمَّا فَتَحَتْ التَّابُوت شُفِيَتْ . وَرُوِيَ أَنَّهُمْ حِين اِلْتَقَطُوا التَّابُوت عَالَجُوا فَتْحه فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ , وَعَالَجُوا كَسْره فَأَعْيَاهُمْ , فَدَنَتْ آسِيَة فَرَأَتْ فِي جَوْف التَّابُوت نُورًا فَعَالَجَتْهُ فَفَتَحَتْهُ , فَإِذَا صَبِيّ نُوره بَيْن عَيْنَيْهِ , وَهُوَ يَمُصّ إِبْهَامه لَبَنًا فَأَحَبُّوهُ . وَكَانَتْ لِفِرْعَوْن بِنْت بَرْصَاء , وَقَالَ لَهُ الْأَطِبَّاء : لَا تَبْرَأ إِلَّا مِنْ قِبَل الْبَحْر يُوجَد فِيهِ شَبَه إِنْسَان دَوَاؤُهَا رِيقه ; فَلَطَّخَتْ الْبَرْصَاء بَرَصهَا بِرِيقِهِ فَبَرِئَتْ . وَقِيلَ : لَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهه بَرِئَتْ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : وَجَدَتْهُ جَوَارٍ لِامْرَأَةِ فِرْعَوْن , فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ فِرْعَوْن فَرَأَى صَبِيًّا مِنْ أَصْبَح النَّاس وَجْهًا , فَأَحَبَّهُ فِرْعَوْن .|وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي|قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَحَبَّهُ اللَّه وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقه . وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَة مِنْ جَمَال لَا يَكَاد يَصْبِر عَنْهُ مَنْ رَآهُ . وَقَالَ قَتَادَة : كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى مَلَاحَة مَا رَآهُ أَحَد إِلَّا أَحَبَّهُ وَعَشَقه . وَقَالَ عِكْرِمَة : الْمَعْنَى جَعَلْت فِيك حُسْنًا وَمَلَاحَة فَلَا يَرَاك أَحَد إِلَّا أَحَبَّك . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : الْمَعْنَى أَلْقَيْت عَلَيْك رَحْمَتِي . وَقَالَ اِبْن زَيْد : جَعَلْت مَنْ رَآك أَحَبَّك حَتَّى أَحَبَّك فِرْعَوْن فَسَلِمْت مِنْ شَرّه , وَأَحَبَّتْك آسِيَة بِنْت مُزَاحِم فَتَبَنَّتْك .|وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي|قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد أَنَّ ذَلِكَ بِعَيْنِي حَيْثُ جُعِلْت فِي التَّابُوت , وَحَيْثُ أُلْقِيَ التَّابُوت فِي الْبَحْر , وَحَيْثُ اِلْتَقَطَك جَوَارِي اِمْرَأَة فِرْعَوْن ; فَأَرَدْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ التَّابُوت لِيَنْظُرْنَ مَا فِيهِ , فَقَالَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَة : لَا تَفْتَحْنَهُ حَتَّى تَأْتِينَ بِهِ سَيِّدَتكُنَّ فَهُوَ أَحْظَى لَكُنَّ عِنْدهَا , وَأَجْدَر بِأَلَّا تَتَّهِمكُنَّ بِأَنَّكُنَّ وَجَدْتُنَّ فِيهِ شَيْئًا فَأَخَذْتُمُوهُ لِأَنْفُسِكُنَّ . وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن لَا تَشْرَب مِنْ الْمَاء إِلَّا مَا اِسْتَقَيْنَهُ أُولَئِكَ الْجَوَارِي فَذَهَبْنَ بِالتَّابُوتِ إِلَيْهَا مُغْلَقًا , فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ صَبِيًّا لَمْ يُرَ مِثْله قَطُّ ; وَأُلْقِيَ عَلَيْهَا مَحَبَّته فَأَخَذَتْهُ فَدَخَلَتْ بِهِ عَلَى فِرْعَوْن , فَقَالَتْ لَهُ : | قُرَّة عَيْن لِي وَلَك | [ الْقَصَص : 9 ] قَالَ لَهَا فِرْعَوْن : أَمَّا لَك فَنَعَمْ , وَأَمَّا لِي فَلَا . فَبَلَغْنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ أَنَّ فِرْعَوْن قَالَ نَعَمْ هُوَ قُرَّة عَيْن لِي وَلَك لَآمَنَ وَصَدَّقَ ) فَقَالَتْ : هَبْهُ لِي وَلَا تَقْتُلهُ ; فَوَهَبَهُ لَهَا . وَقِيلَ : | وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي | أَيْ تُرَبَّى وَتُغَذَّى عَلَى مَرْأًى مِنِّي ; قَالَهُ قَتَادَة . قَالَ النَّحَّاس : وَذَلِكَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة ; يُقَال : صَنَعْت الْفَرَس وَأَصْنَعْته إِذَا أَحْسَنْت الْقِيَام عَلَيْهِ . وَالْمَعْنَى | وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي | فَعَلْت ذَلِكَ . وَقِيلَ : اللَّام مُتَعَلِّقَة بِمَا بَعْدهَا مِنْ قَوْله : | إِذْ تَمْشِي أُخْتك | عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ف | إِذْ | ظَرْف | لِتُصْنَع | . وَقِيلَ : الْوَاو فِي | وَلِتُصْنَع | زَائِدَة . وَقَرَأَ اِبْن الْقَعْقَاع | وَلِتُصْنَع | بِإِسْكَانِ اللَّام عَلَى الْأَمْر , وَظَاهِره لِلْمُخَاطَبِ وَالْمَأْمُور غَائِب . وَقَرَأَ أَبُو نَهِيك | وَلِتَصْنَع | بِفَتْحِ التَّاء . وَالْمَعْنَى وَلِتَكُونَ حَرَكَتك وَتَصَرُّفك بِمَشِيئَتِي وَعَلَى عَيْن مِنِّي . ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ .
| إِذْ تَمْشِي أُخْتك | الْعَامِل فِي | إِذْ تَمْشِي | | أَلْقَيْت | أَوْ | تُصْنَع | . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَدَلًا مِنْ | إِذْ أَوْحَيْنَا | وَأُخْته اِسْمهَا مَرْيَم|فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ|وَذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مُتَعَرِّفَة خَبَره , وَكَانَ مُوسَى لَمَّا وَهَبَهُ فِرْعَوْن مِنْ اِمْرَأَته طَلَبَتْ لَهُ الْمَرَاضِع , وَكَانَ لَا يَأْخُذ مِنْ أَحَد حَتَّى أَقْبَلَتْ أُخْته , فَأَخَذَتْهُ وَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرهَا وَنَاوَلَتْهُ ثَدْيهَا فَمَصَّهُ وَفَرِحَ بِهِ . فَقَالُوا لَهَا : تُقِيمِينَ عِنْدنَا ; فَقَالَتْ : إِنَّهُ لَا لَبَن لِي وَلَكِنْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ . قَالُوا : وَمَنْ هِيَ ؟ . قَالَتْ : أُمِّي . فَقَالُوا : لَهَا لَبَن ؟ قَالَتْ : لَبَن أَخِي هَارُون . وَكَانَ هَارُون أَكْبَر مِنْ مُوسَى بِسَنَةٍ . وَقِيلَ بِثَلَاثٍ . وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ . وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْن رَحِمَ بَنِي إِسْرَائِيل فَرَفَعَ عَنْهُمْ الْقَتْل أَرْبَع سِنِينَ , فَوُلِدَ هَارُون فِيهَا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَجَاءَتْ الْأُمّ فَقَبِلَ ثَدْيهَا .|فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ|وَفَى مُصْحَف أُبَيّ | فَرَدَدْنَاك ||كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا|وَرَوَى عَبْد الْحَمِيد عَنْ اِبْن عَامِر | كَيْ تَقِرّ عَيْنهَا | بِكَسْرِ الْقَاف . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقَرِرْت بِهِ عَيْنًا وَقَرَرْت بِهِ قُرَّة وَقُرُورًا فِيهِمَا . رَجُل قَرِير الْعَيْن ; وَقَدْ قَرَّتْ عَيْنه تَقِرّ وَتَقَرّ نَقِيض سَخِنَتْ . وَأَقَرَّ اللَّه عَيْنه أَيْ أَعْطَاهُ حَتَّى تَقَرّ فَلَا تَطْمَح إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقه , وَيُقَال : حَتَّى تَبْرُد وَلَا تَسْخَن . وَلِلسُّرُورِ دَمْعَة بَارِدَة , وَلِلْحُزْنِ دَمْعَة حَارَّة .|وَلَا تَحْزَنَ|أَيْ عَلَى فَقْدك .|وَقَتَلْتَ نَفْسًا|قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَتَلَ قِبْطِيًّا كَافِرًا . قَالَ كَعْب : وَكَانَ إِذْ ذَاكَ اِبْن اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة . فِي صَحِيح مُسْلِم : وَكَانَ قَتْله خَطَأ ; عَلَى مَا يَأْتِي|فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ|أَيْ آمَنَّاك مِنْ الْخَوْف وَالْقَتْل وَالْحَبْس .|وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا|أَيْ اِخْتَبَرْنَاك اِخْتِبَارًا حَتَّى صَلَحْت لِلرِّسَالَةِ , وَقَالَ قَتَادَة : بَلَوْنَاك بَلَاء . مُجَاهِد : أَخْلَصْنَاك إِخْلَاصًا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اِخْتَبَرْنَاك بِأَشْيَاء قَبْل الرِّسَالَة , أَوَّلهَا حَمَلَتْهُ أُمّه فِي السَّنَة الَّتِي كَانَ فِرْعَوْن يَذْبَح فِيهَا الْأَطْفَال , ثُمَّ إِلْقَاؤُهُ فِي الْيَمّ , ثُمَّ مَنْعه مِنْ الرَّضَاع إِلَّا مِنْ ثَدْي أُمّه , ثُمَّ جَرّه بِلِحْيَةِ فِرْعَوْن , ثُمَّ تَنَاوُله الْجَمْرَة بَدَل الدُّرَّة , فَدَرَأَ ذَلِكَ عَنْهُ قَتْل فِرْعَوْن , ثُمَّ قَتْله الْقِبْطِيّ وَخُرُوجه خَائِفًا يَتَرَقَّب , ثُمَّ رِعَايَته الْغَنَم لِيَتَدَرَّب بِهَا عَلَى رِعَايَة الْخَلْق . فَيُقَال : إِنَّهُ نَدَّ لَهُ مِنْ الْغَنَم جَدْي فَاتَّبَعَهُ أَكْثَر النَّهَار , وَأَتْعَبَهُ , ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْره , وَقَالَ لَهُ أَتْعَبْتنِي وَأَتْعَبْت نَفْسك ; وَلَمْ يَغْضَب عَلَيْهِ . قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : وَلِهَذَا اِتَّخَذَهُ اللَّه كَلِيمًا .|فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ|يُرِيد عَشْر سِنِينَ أَتَمّ الْأَجَلَيْنِ . وَقَالَ وَهْب : لَبِثَ عِنْد شُعَيْب ثَمَانِي وَعِشْرِينَ سَنَة , مِنْهَا عَشَرَة مَهْر اِمْرَأَته صفورا اِبْنَة شُعَيْب , وَثَمَانِي عَشْرَة أَقَامَهَا عِنْده حَتَّى وُلِدَ لَهُ عِنْده .|ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا|قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن كَيْسَان : يُرِيد مُوَافِقًا لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا يُبْعَثُونَ إِلَّا أَبْنَاء أَرْبَعِينَ سَنَة . وَقَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل : | عَلَى قَدَر | عَلَى وَعْد . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : ثُمَّ جِئْت عَلَى الْقَدَر الَّذِي قَدَّرْت لَك أَنَّك تَجِيء فِيهِ . وَالْمَعْنَى وَاحِد . أَيْ جِئْت الْوَقْت الَّذِي أَرَدْنَا إِرْسَالك فِيهِ . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>نَالَ الْخِلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا .......... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَر<br>
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ اِصْطَفَيْتُك لِوَحْيِي وَرِسَالَتِي .</p><p>وَقِيلَ : | اِصْطَنَعْتُك | خَلَقْتُك ; مَأْخُوذ مِنْ الصَّنْعَة . وَقِيلَ قَوَّيْتُك وَعَلَّمْتُك لِتُبَلِّغ عِبَادِي أَمْرِي وَنَهْي .
قَالَ اِبْن عَبَّاس يُرِيد التِّسْع الْآيَات الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ .|وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي|قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَضْعُفَا أَيْ فِي أَمْر الرِّسَالَة ; وَقَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : تَفْتُرَا . قَالَ الشَّاعِر : <br>فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ اَنْ غَفَرْ .......... لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ <br>وَالْوَنَى الضَّعْف وَالْفُتُور , وَالْكَلَال وَالْإِعْيَاء . وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : <br>مِسَحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَات عَلَى الْوَنَى .......... أَثَرْنَ غُبَارًا بِالْكَدِيدِ الْمُرَكَّل <br>وَيُقَال : وَنَيْت فِي الْأَمْر أَنِي وَنًى وَوَنْيًا أَيْ ضَعُفْت فَأَنَا وَانٍ وَنَاقَة وَانِيَة وَأَوْنَيْتهَا أَنَا أَضْعَفْتهَا وَأَتْعَبْتهَا : وَفُلَان لَا يَنِي كَذَا , أَيْ لَا يَزَال , وَبِهِ فَسَّرَ أَبَان مَعْنَى الْآيَة وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ طَرَفَة : <br>كَأَنَّ الْقُدُور الرَّاسِيَات أَمَامهمْ .......... قِبَاب بَنَوْهَا لَا تَنِي أَبَدًا تَغْلِي <br>وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : لَا تَبْطَئَا . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود | وَلَا تَهِنَا فِي ذِكْرِي | وَتَحْمِيدِي وَتَمْجِيدِي وَتَبْلِيغ رِسَالَتِي .
| اِذْهَبَا | قَالَ فِي أَوَّل الْآيَة : | اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك بِآيَاتِي | وَقَالَ هُنَا | اِذْهَبَا | فَقِيلَ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى وَهَارُون فِي هَذِهِ الْآيَة بِالنُّفُوذِ إِلَى دَعْوَة فِرْعَوْن , وَخَاطَبَ أَوَّلًا مُوسَى وَحْده تَشْرِيفًا لَهُ ; ثُمَّ كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ . وَقِيلَ بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَهَاب أَحَدهمَا .</p><p>وَقِيلَ : الْأَوَّل أَمْر بِالذَّهَابِ إِلَى كُلّ النَّاس , وَالثَّانِي بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْن .
دَلِيل عَلَى جَوَاز الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُون بِاللَّيِّنِ مِنْ الْقَوْل لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّة , وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَة , أَلَا تَرَاهُ قَالَ : | فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا | وَقَالَ : | لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى | [ طَه : 46 ] فَكَيْفَ بِنَا فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ . وَحِينَئِذٍ يَحْصُل الْآمِر وَالنَّاهِي عَلَى مَرْغُوبه , وَيَظْفَر بِمَطْلُوبِهِ ; وَهَذَا وَاضِح .</p><p>وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي مَعْنَى قَوْله ( لَيِّنًا ) فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ الْكَلْبِيّ وَعِكْرِمَة : مَعْنَاهُ كَنِّيَاهُ ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ . ثُمَّ قِيلَ : وَكُنْيَته أَبُو الْعَبَّاس . وَقِيلَ : أَبُو الْوَلِيد . وَقِيلَ : أَبُو مُرَّة ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَكْنِيَة الْكَافِر جَائِزَة إِذَا كَانَ وَجِيهًا ذَا شَرَف وَطُمِعَ بِإِسْلَامِهِ . وَقَدْ يَجُوز ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْمَع بِإِسْلَامِهِ , لِأَنَّ الطَّمَع لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ تُوجِب عَمَلًا . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيم قَوْم فَأَكْرِمُوهُ ) وَلَمْ يَقُلْ وَإِنْ طَمِعْتُمْ فِي إِسْلَامه , وَمِنْ الْإِكْرَام دُعَاؤُهُ بِالْكُنْيَةِ . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَان بْن أُمَيَّة : ( اِنْزِلْ أَبَا وَهْب ) فَكَنَّاهُ . وَقَالَ لِسَعْدٍ : ( أَلَمْ تَسْمَع مَا يَقُول أَبُو حُبَاب ) يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . وَرُوِيَ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ عَلَى بَاب فِرْعَوْن سَنَة , لَا يَجِد رَسُولًا يُبَلِّغ كَلَامًا حَتَّى خَرَجَ . فَجَرَى لَهُ مَا قَضَى اللَّه مِنْ ذَلِكَ , وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَة لِمَنْ جَاءَ بَعْده مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي سِيرَتهمْ مَعَ الظَّالِمِينَ , وَرَبّك أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ . وَقِيلَ قَالَ لَهُ مُوسَى تُؤْمِنْ بِمَا جِئْت بِهِ , وَتَعْبُدْ رَبّ الْعَالَمِينَ ; عَلَى أَنَّ لَك شَبَابًا لَا يَهْرَم إِلَى الْمَوْت , وَمُلْكًا لَا يُنْزَع مِنْك إِلَى الْمَوْت , وَيُنْسَأ فِي أَجَلك أَرْبَعمِائَةِ سَنَة , فَإِذَا مُتّ دَخَلْت الْجَنَّة . فَهَذَا الْقَوْل اللَّيِّن . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود الْقَوْل اللَّيِّن قَوْله تَعَالَى | فَقُلْ هَلْ لَك إِلَى أَنْ تَزَكَّى . وَأَهْدِيك إِلَى رَبّك فَتَخْشَى | [ النَّازِعَات : 18 - 19 ] . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْقَوْل اللَّيِّن قَوْل مُوسَى : يَا فِرْعَوْن إِنَّا رَسُولَا رَبّك رَبّ الْعَالَمِينَ . فَسَمَّاهُ بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا قِيلَ لَهُ , كَمَا يُسَمَّى عِنْدنَا الْمَلِك وَنَحْوه . قُلْت : الْقَوْل اللَّيِّن هُوَ الْقَوْل الَّذِي لَا خُشُونَة فِيهِ ; يُقَال : لَانَ الشَّيْء يَلِين لَيْنًا ; وَشَيْء لَيِّن وَلَيْن مُخَفَّف مِنْهُ ; وَالْجَمْع أَلْيِنَاء . فَإِذَا كَانَ مُوسَى أُمِرَ بِأَنْ يَقُول لِفِرْعَوْن قَوْلًا لَيِّنًا , فَمَنْ دُونه أَحْرَى بِأَنْ يَقْتَدِي بِذَلِكَ فِي خِطَابه , وَأَمْره بِالْمَعْرُوفِ فِي كَلَامه . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى | وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا | [ الْبَقَرَة : 83 ] . عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي | الْبَقَرَة | بَيَانه وَالْحَمْد لِلَّهِ .|لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى|مَعْنَاهُ : عَلَى رَجَائِكُمَا وَطَمَعكُمَا ; فَالتَّوَقُّع فِيهَا إِنَّمَا هُوَ رَاجِع إِلَى جِهَة الْبَشَر ; قَالَهُ كُبَرَاء النَّحْوِيِّينَ : سِيبَوَيْهِ وَغَيْره . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل | الْبَقَرَة |</p><p>قَالَ الزَّجَّاج : | لَعَلَّ | لَفْظَة طَمَع وَتَرَجٍّ فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ . وَقِيلَ | لَعَلَّ | هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام , وَالْمَعْنَى فَانْظُرْ هَلْ يَتَذَكَّر . وَقِيلَ : هَلْ بِمَعْنَى كَيْ . وَقِيلَ : هُوَ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ قَوْل هَارُون لِمُوسَى لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى ; قَالَهُ الْحَسَن . وَقِيلَ : إِنَّ لَعَلَّ وَعَسَى فِي جَمِيع الْقُرْآن لِمَا قَدْ وَقَعَ . وَقَدْ تَذَّكَّر فِرْعَوْن حِين أَدْرَكَهُ الْغَرَق وَخَشِيَ فَقَالَ : | آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنْت بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ | [ يُونُس : 90 ] وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ ; قَالَهُ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَغَيْره وَقَالَ يَحْيَى بْن مُعَاذ فِي هَذِهِ الْآيَة : هَذَا رِفْقك بِمَنْ يَقُول أَنَا الْإِلَه فَكَيْف رِفْقك بِمَنْ يَقُول أَنْتَ الْإِلَه ؟ ! . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ فِرْعَوْن رَكَنَ إِلَى قَوْل مُوسَى لَمَّا دَعَاهُ , وَشَاوَرَ اِمْرَأَته فَآمَنَتْ وَأَشَارَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ , فَشَاوَرَ هَامَان فَقَالَ : لَا تَفْعَل ; بَعْد أَنْ كُنْت مَالِكًا تَصِير مَمْلُوكًا , وَبَعْد أَنْ كُنْت رَبًّا تَصِير مَرْبُوبًا . وَقَالَ لَهُ : أَنَا أُرِدْك شَابًّا فَخَضَّبَ لِحْيَته بِالسَّوَادِ فَهُوَ أَوَّل مَنْ خَضَّبَ .
قَالَ الضَّحَّاك : | يَفْرُط | يَعْجَل . قَالَ : و | يَطْغَى | يَعْتَدِي . النَّحَّاس : التَّقْدِير نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا مِنْهُ أَمْر , قَالَ الْفَرَّاء : فَرَطَ مِنْهُ أَمْر أَيْ بَدَرَ ; قَالَ : وَأَفْرَطَ أَسْرَفَ . قَالَ : وَفَرَّطَ تَرَكَ وَقِرَاءَة الْجُمْهُور | يَفْرُط | بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الرَّاء , وَمَعْنَاهُ يَعْجَل وَيُبَادِر بِعُقُوبَتِنَا . يُقَال : فَرَطَ مِنِّي أَمْر أَيْ بَدَرَ ; وَمِنْهُ الْفَارِط فِي الْمَاء الَّذِي يَتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمَاء . أَيْ يُعَذِّبنَا عَذَاب الْفَارِط فِي الذَّنْب وَهُوَ الْمُتَقَدِّم فِيهِ ; قَالَهُ الْمُبَرِّد . وَقَرَأَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ اِبْن مُحَيْصِن | يَفْرَط | بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء ; قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَعَلَّهَا لُغَة . وَعَنْهُ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء وَمَعْنَاهَا أَنْ يَحْمِلهُ حَامِل التَّسَرُّع إِلَيْنَا . وَقَرَأَتْ طَائِفَة | يُفْرِط | بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء ; وَبِهَا قَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد عِكْرِمَة وَابْن مُحَيْصِن أَيْضًا . وَمَعْنَاهُ يُشْطِط فِي أَذِيَّتنَا ; قَالَ الرَّاجِز : <br>قَدْ أَفْرَطَ الْعِلْج عَلَيْنَا وَعَجَل<br>
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : </subtitle>الْأُولَى : قَالَ الْعُلَمَاء : لَمَّا لَحِقَهُمَا مَا يَلْحَق الْبَشَر مِنْ الْخَوْف عَلَى أَنْفُسهمَا عَرَّفَهُمَا اللَّه سُبْحَانه أَنَّ فِرْعَوْن لَا يَصِل إِلَيْهِمَا وَلَا قَوْمه . وَهَذِهِ الْآيَة تَرُدّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَا يَخَاف ; وَالْخَوْف مِنْ الْأَعْدَاء سُنَّة اللَّه فِي أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِهِ وَثِقَتهمْ . وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْبَصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه حِين قَالَ لِلْمُخْبِرِ عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه - أَنَّهُ نَزَلَ مَعَ أَصْحَابه فِي طَرِيق الشَّام عَلَى مَاء , فَحَالَ الْأَسَد بَيْنهمْ وَبَيْن الْمَاء , فَجَاءَ عَامِر إِلَى الْمَاء فَأَخَذَ مِنْهُ حَاجَته , فَقِيلَ لَهُ : فَقَدْ خَاطَرْت بِنَفْسِك . فَقَالَ : لَأَنْ تَخْتَلِف الْأَسِنَّة فِي جَوْفِي أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْلَم اللَّه أَنِّي أَخَاف شَيْئًا سِوَاهُ - قَدْ خَافَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْ عَامِر ; مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ لَهُ : | إِنَّ الْمَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك فَاخْرُجْ إِنِّي لَك مِنْ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّب قَالَ رَبّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ | [ الْقَصَص : 20 - 21 ] وَقَالَ : | فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَة خَائِفًا يَتَرَقَّب | [ الْقَصَص : 18 ] وَقَالَ حِين أَلْقَى السَّحَرَة حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ : | فَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة مُوسَى . قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى | [ طَه : 67 - 68 ] . قُلْت : وَمِنْهُ حَفْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَق حَوْل الْمَدِينَة تَحْصِينًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالهمْ , مَعَ كَوْنه مِنْ التَّوَكُّل وَالثِّقَة بِرَبِّهِ بِمَحَلٍّ لَمْ يَبْلُغهُ أَحَدًا ; ثُمَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابه مَا لَا يَجْهَلهُ أَحَد مِنْ تَحَوُّلهمْ عَنْ مَنَازِلهمْ , مَرَّة إِلَى الْحَبَشَة , وَمَرَّة إِلَى الْمَدِينَة ; تَخَوُّفًا عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّة ; وَهَرَبًا بِدِينِهِمْ أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْهُ بِتَعْذِيبِهِمْ . وَقَدْ قَالَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس لِعُمَر لَمَّا قَالَ لَهَا سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ , فَنَحْنُ أَحَقّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ كَذَبْت يَا عُمَر , كَلَّا وَاَللَّه كُنْتُمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُطْعِم جَائِعكُمْ وَيَعِظ جَاهِلكُمْ , وَكُنَّا فِي دَار - أَوْ أَرْض - الْبُعَدَاء الْبَغْضَاء فِي الْحَبَشَة ; وَذَلِكَ فِي اللَّه وَرَسُوله ; وَاَيْم اللَّه لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَذْكُر مَا قُلْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَاف . الْحَدِيث بِطُولِهِ خَرَّجَهُ مُسْلِم . قَالَ الْعُلَمَاء : فَالْمُخْبِر عَنْ نَفْسه بِخِلَافِ مَا طَبَعَ اللَّه نُفُوس بَنِي آدَم [ عَلَيْهِ ] كَاذِب ; وَقَدْ طَبَعَهُمْ عَلَى الْهَرَب مِمَّا يَضُرّهَا وَيُؤْلِمهَا أَوْ يُتْلِفهَا . قَالُوا : وَلَا ضَارّ أَضَرّ مِنْ سَبُع عَادٍ فِي فَلَاة مِنْ الْأَرْض عَلَى مَنْ لَا آلَة مَعَهُ يَدْفَعهُ بِهَا عَنْ نَفْسه , مِنْ سَيْف أَوْ رُمْح أَوْ نَبْل أَوْ قَوْس وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ .</p><p>الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى : | إِنَّنِي مَعَكُمَا | يُرِيد بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَة وَالْقُدْرَة عَلَى فِرْعَوْن . وَهَذَا كَمَا تَقُول : الْأَمِير مَعَ فُلَان إِذَا أَرَدْت أَنَّهُ يَحْمِيه . وَقَوْله : | أَسْمَع وَأَرَى | عِبَارَة عَنْ الْإِدْرَاك الَّذِي لَا تَخْفَى مَعَهُ خَافِيَة , تَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ .
فِي الْكَلَام حَذْف , وَالْمَعْنَى : فَأَتَيَاهُ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ .|فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ|أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ .|وَلَا تُعَذِّبْهُمْ|أَيْ بِالسُّخْرَةِ وَالتَّعَب فِي الْعَمَل , وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل عِنْد فِرْعَوْن فِي عَذَاب شَدِيد ; يُذَبِّح أَبْنَاءَهُمْ , وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ , وَيُكَلِّفهُمْ مِنْ الْعَمَل فِي الطِّين وَاللَّبِن وَبِنَاء الْمَدَائِن مَا لَا يُطِيقُونَهُ .|قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْعَصَا وَالْيَد . وَقِيلَ : إِنَّ فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : وَمَا هِيَ ؟ فَأَدْخَلَ يَده فِي جَيْب قَمِيصه , ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَيْضَاء لَهَا شُعَاع مِثْل شُعَاع الشَّمْس , غَلَبَ نُورهَا عَلَى نُور الشَّمْس فَعَجِبَ مِنْهَا وَلَمْ يُرِهِ الْعَصَا إِلَّا يَوْم الزِّينَة .|وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى|قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى سَلِمَ مِنْ سَخَط اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَذَابه . قَالَ : وَلَيْسَ بِتَحِيَّةٍ , وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ لِقَاء وَلَا خِطَاب . الْفَرَّاء : السَّلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى وَلِمَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى سَوَاء .
يَعْنِي الْهَلَاك وَالدَّمَار فِي الدُّنْيَا وَالْخُلُود فِي جَهَنَّم فِي الْآخِرَة .|عَلَى مَنْ كَذَّبَ|أَنْبِيَاء اللَّه|وَتَوَلَّى|أَعْرَضَ عَنْ الْإِيمَان . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ أَرْجَى آيَة لِلْمُوَحِّدِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوا وَلَمْ يَتَوَلَّوْا .
ذَكَرَ فِرْعَوْن مُوسَى دُون هَارُون لِرُءُوسِ الْآي . وَقِيلَ : خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ صَاحِب الرِّسَالَة وَالْكَلَام وَالْآيَة . وَقِيلَ إِنَّهُمَا جَمِيعًا بَلَّغَا الرِّسَالَة وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا ; لِأَنَّهُ فِي وَقْت الْكَلَام إِنَّمَا يَتَكَلَّم وَاحِد , فَإِذَا اِنْقَطَعَ وَازَرَهُ الْآخَر وَأَيَّدَهُ . فَصَارَ لَنَا فِي هَذَا الْبِنَاء فَائِدَة عِلْم ; أَنَّ الِاثْنَيْنِ إِذَا قُلِّدَا أَمْرًا فَقَامَ بِهِ أَحَدهمَا , وَالْآخَر شَخْصه هُنَاكَ مَوْجُود مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي وَقْت دُون وَقْت أَنَّهُمَا أَدَّيَا الْأَمْر الَّذِي قُلِّدَا وَقَامَا بِهِ وَاسْتَوْجَبَا الثَّوَاب ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : | اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن | وَقَالَ : | اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك | وَقَالَ : | فَقُولَا لَهُ | فَأَمَرَهُمَا جَمِيعًا بِالذَّهَابِ وَبِالْقَوْلِ , ثُمَّ أَعْلَمَنَا فِي وَقْت الْخِطَاب بِقَوْلِهِ : | فَمَنْ رَبّكُمَا | أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعَ مُوسَى .
مُوسَى .|رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ|أَيْ أَنَّهُ يُعْرَف بِصِفَاتِهِ , وَلَيْسَ لَهُ اِسْم عَلَم حَتَّى يُقَال فُلَان بَلْ هُوَ خَالِق الْعَالَم , وَاَلَّذِي خَصَّ كُلّ مَخْلُوق بِهَيْئَةٍ وَصُورَة , وَلَوْ كَانَ الْخِطَاب مَعَهُمَا لَقَالَا : قَالَا رَبّنَا وَ | خَلْقه | أَوَّل مَفْعُولَيْ أَعْطَى , أَيْ أَعْطَى خَلِيقَته كُلّ شَيْء يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَيَرْتَفِقُونَ بِهِ , أَوْ ثَانِيهمَا أَيْ أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَته وَشَكْله الَّذِي يُطَابِق الْمَنْفَعَة الْمَنُوطَة بِهِ ; عَلَى قَوْل الضَّحَّاك عَلَى مَا يَأْتِي .|ثُمَّ هَدَى|قَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ : أَعْطَى كُلّ شَيْء زَوْجه مِنْ جِنْسه , ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى مَنْكَحه وَمَطْعَمه وَمَشْرَبه وَمَسْكَنه , وَعَنْ اِبْن عَبَّاس ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع وَالْمُنَاكَحَة . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : أَعْطَى كُلّ شَيْء صَلَاحه , وَهَدَاهُ لِمَا يُصْلِحهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَة ; وَلَمْ يَجْعَل خَلْق الْإِنْسَان فِي خَلْق الْبَهَائِم , وَلَا خَلْق الْبَهَائِم فِي خَلْق الْإِنْسَان , وَلَكِنْ خَلَقَ كُلّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>وَلَهُ فِي كُلّ شَيْء خِلْقَة .......... وَكَذَاك اللَّه مَا شَاءَ فَعَل <br>يَعْنِي بِالْخِلْقَةِ الصُّورَة ; وَهُوَ قَوْل عَطِيَّة وَمُقَاتِل . وَقَالَ الضَّحَّاك أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه مِنْ الْمَنْفَعَة الْمَنُوطَة بِهِ الْمُطَابِقَة لَهُ . يَعْنِي الْيَد لِلْبَطْشِ , وَالرِّجْل لِلْمَشْيِ , وَاللِّسَان لِلنُّطْقِ , وَالْعَيْن لِلنَّظَرِ , وَالْأُذُن لِلسَّمْعِ . وَقِيلَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء مَا أَلْهَمَهُ مِنْ عِلْم أَوْ صِنَاعَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : خَلَقَ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ وَلِكُلٍّ ذَكَرَ مَا يُوَافِقهُ مِنْ الْإِنَاث ثُمَّ هَدَى الذَّكَر لِلْأُنْثَى . فَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا أَعْطَى كُلّ شَيْء مِثْل خَلْقه . قُلْتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . الْآيَة بِعُمُومِهَا تَتَنَاوَل جَمِيع الْأَقْوَال . وَرَوَى زَائِدَة عَنْ الْأَعْمَش أَنَّهُ قَرَأَ | الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلَقه | بِفَتْحِ اللَّام ; وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن إِسْحَاق . وَرَوَاهَا نُصَيْر عَنْ الْكِسَائِيّ وَغَيْره ; أَيْ أَعْطَى بَنِي آدَم كُلّ شَيْء خَلَقَهُ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ . فَالْقِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَانِ فِي الْمَعْنَى .
الْبَال الْحَال ; أَيْ وَمَا حَالهَا وَمَا شَأْنهَا , فَأَعْلَمَهُ أَنَّ عِلْمهَا عِنْد اللَّه تَعَالَى , أَيْ إِنَّ هَذَا مِنْ عِلْم الْغَيْب الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ , وَهُوَ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا هُوَ , وَمَا أَنَا إِلَّا عَبْد مِثْلك لَا أَعْلَم إِلَّا مَا أَخْبَرَنِي بِهِ عَلَّام الْغُيُوب , وَعِلْم أَحْوَال الْقُرُون مَكْتُوبَة عِنْد اللَّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ . أَيْ فَمَا بَالهمْ ذَهَبُوا وَقَدْ عَبَدُوا غَيْر رَبّك . وَقِيلَ : إِنَّمَا سَأَلَ عَنْ أَعْمَال الْقُرُون الْأُولَى فَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا مُحْصَاة عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَمَحْفُوظَة عِنْده فِي كِتَاب . أَيْ هِيَ مَكْتُوبَة فَسَيُجَازِيهِمْ غَدًا بِهَا وَعَلَيْهَا . وَعَنَى بِالْكِتَابِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقِيلَ : هُوَ كِتَاب مَعَ بَعْض الْمَلَائِكَة .
هَذِهِ الْآيَة وَن<br>َائِرهَا مِمَّا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي تَدُلّ عَلَى تَدْوِين الْعُلُوم وَكَتْبهَا لِئَلَّا تُنْسَى . فَإِنَّ الْحِفْظ قَدْ تَعْتَرِيه الْآفَات مِنْ الْغَلَط وَالنِّسْيَان . وَقَدْ لَا يَحْفَظ الْإِنْسَان مَا يَسْمَع فَيُقَيِّدهُ لِئَلَّا يَذْهَب عَنْهُ . وَرُوِّينَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَنَكْتُبُ مَا نَسْمَع مِنْك ؟ قَالَ : وَمَا يَمْنَعك أَنْ تَكْتُب وَقَدْ أَخْبَرَك اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهُ يَكْتُب ; فَقَالَ : | عِلْمهَا عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب لَا يَضِلّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى | . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَابه عَلَى نَفْسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي ) . وَأَسْنَدَ الْخَطِيب أَبُو بَكْر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : ( كَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يَجْلِس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِع مِنْهُ الْحَدِيث وَيُعْجِبهُ وَلَا يَحْفَظهُ , فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَسْمَع مِنْك الْحَدِيث يُعْجِبنِي وَلَا أَحْفَظهُ ; فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِسْتَعِنْ بِيَمِينِك ) وَأَوْمَأَ إِلَى الْخَطّ وَهَذَا نَصّ . وَعَلَى جَوَاز كَتْب الْعِلْم وَتَدْوِينه جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ; وَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتْبِ الْخُطْبَة الَّتِي خَطَبَ بِهَا فِي الْحَجّ لِأَبِي شَاه - رَجُل مِنْ الْيَمَن - لَمَّا سَأَلَهُ كَتْبهَا . أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَرَوَى عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَيِّدُوا الْعِلْم بِالْكِتَابَةِ ) . وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة : مَنْ لَمْ يَكْتُب الْعِلْم لَمْ يَعُدْ عِلْمه عِلْمًا . وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الْمَنْع مِنْ الْكَتْب ; فَرَوَى أَبُو نَصْرَة قَالَ قِيلَ لِأَبِي سَعِيد : أَنَكْتُبُ حَدِيثكُمْ هَذَا ؟ قَالَ : لِمَ تَجْعَلُونَهُ قُرْآنًا ؟ وَلَكِنْ اِحْفَظُوا كَمَا حَفِظْنَا . وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَكْتُب الشَّعْبِيّ وَيُونُس بْن عُبَيْد وَخَالِد الْحَذَّاء - قَالَ خَالِد مَا كَتَبْت شَيْئًا قَطُّ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا , فَلَمَّا حَفِظْته مَحَوْته - وَابْن عَوْن وَالزُّهْرِيّ . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَكْتُب فَإِذَا حَفِظَ مَحَاهُ ; مِنْهُمْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَعَاصِم بْن ضَمْرَة . وَقَالَ هِشَام بْن حَسَّان : مَا كَتَبْت حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا حَدِيث الْأَعْمَاق فَلَمَّا حَفِظْته مَحَوْته . قُلْت : وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ خَالِد الْحَذَّاء مِثْل هَذَا . وَحَدِيث الْأَعْمَاق خَرَّجَهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب : ( لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَنْزِل الرُّوم بِالْأَعْمَاقِ - أَوْ - بِدَابِق ) الْحَدِيث ذَكَرَهُ فِي كِتَاب الْفِتَن . وَكَانَ بَعْضهمْ يَحْفَظ ثُمَّ يَكْتُب مَا يَحْفَظ مِنْهُمْ الْأَعْمَش وَعَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس وَهُشَيْم وَغَيْرهمْ . وَهَذَا اِحْتِيَاط عَلَى الْحِفْظ . وَالْكَتْب أَوْلَى عَلَى الْجُمْلَة , وَبِهِ وَرَدَتْ الْآي وَالْأَحَادِيث ; وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عُمَر وَعَلِيّ وَجَابِر وَأَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ كُبَرَاء التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ وَعَطَاء وَطَاوُس وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم ; قَالَ اللَّه تَعَالَى | وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاح مِنْ كُلّ شَيْء | [ الْأَعْرَاف : 145 ] . وَقَالَ تَعَالَى : | وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ | [ الْأَنْبِيَاء : 105 ] . وَقَالَ تَعَالَى : | وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة | [ الْأَعْرَاف : 156 ] الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى : | وَكُلّ شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر . وَكُلّ صَغِير وَكَبِير مُسْتَطَر | [ الْقَمَر : 52 - 53 ] . | قَالَ عِلْمهَا عِنْد رَبِّي فِي كِتَاب | إِلَى غَيْر هَذَا مِنْ الْآي .</p><p>وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِلْم لَا يُضْبَط إِلَّا بِالْكِتَابِ , ثُمَّ بِالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَارَسَة وَالتَّعَهُّد وَالتَّحَفُّظ وَالْمُذَاكَرَة وَالسُّؤَال وَالْفَحْص عَنْ النَّاقِلِينَ وَالثِّقَة بِمَا نَقَلُوا , وَإِنَّمَا كَرِهَ الْكَتْب مَنْ كَرِهَ مِنْ الصَّدْر الْأَوَّل لِقُرْبِ الْعَهْد , وَتَقَارُب الْإِسْنَاد لِئَلَّا يَعْتَمِدهُ الْكَاتِب فَيُهْمِلهُ , أَوْ يَرْغَب عَنْ حِفْظه وَالْعَمَل بِهِ ; فَأَمَّا وَالْوَقْت مُتَبَاعِد , وَالْإِسْنَاد غَيْر مُتَقَارِب , وَالطُّرُق مُخْتَلِفَة , وَالنَّقَلَة مُتَشَابِهُونَ , وَآفَة النِّسْيَان مُعْتَرِضَة , وَالْوَهْم غَيْر مَأْمُون ; فَإِنَّ تَقْيِيد الْعِلْم بِالْكِتَابِ أَوْلَى وَأَشْفَى , وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبه أَقْوَى ; فَإِنْ اِحْتَجَّ مُحْتَجّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ غَيْر الْقُرْآن فَلْيَمْحُهُ ) خَرَّجَهُ مُسْلِم ; فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُتَقَدِّمًا ; فَهُوَ مَنْسُوخ بِأَمْرِهِ بِالْكِتَابِ , وَإِبَاحَتهَا لِأَبِي شَاه وَغَيْره . وَأَيْضًا كَانَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُخْلَط بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ . وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيد أَيْضًا - حَرَصْنَا أَنْ يَأْذَن لَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابَة فَأَبَى - إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ قَبْل الْهِجْرَة , وَحِين كَانَ لَا يُؤْمَن الِاشْتِغَال بِهِ عَنْ الْقُرْآن .</p><p>قَالَ أَبُو بَكْر الْخَطِيب : يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَب الْحَدِيث بِالسَّوَادِ ; ثُمَّ الْحِبْر خَاصَّة دُون الْمِدَاد لِأَنَّ السَّوَاد أَصْبَغ الْأَلْوَان , وَالْحِبْر أَبْقَاهَا عَلَى مَرّ الدُّهُور . وَهُوَ آلَة ذَوِي الْعِلْم , وَعُدَّة أَهْل الْمَعْرِفَة . ذَكَرَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : رَآنِي الشَّافِعِيّ وَأَنَا فِي مَجْلِسه وَعَلَى قَمِيصِي حِبْر وَأَنَا أُخْفِيه ; فَقَالَ لِمَ تُخْفِيه وَتَسْتُرهُ ؟ إِنَّ الْحِبْر عَلَى الثَّوْب مِنْ الْمُرُوءَة لِأَنَّ صُورَته فِي الْأَبْصَار سَوَاد , وَفِي الْبَصَائِر بَيَاض . وَقَالَ خَالِد بْن زَيْد : الْحِبْر فِي ثَوْب صَاحِب الْحَدِيث مِثْل الْخَلُوق فِي ثَوْب الْعَرُوس . وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو عَبْد اللَّه الْبَلَوِيّ فَقَالَ : <br>مِدَاد الْمَحَابِر طِيب الرِّجَال .......... وَطِيب النِّسَاء مِنْ الزَّعْفَرَان <br>ش فَهَذَا يَلِيق بِأَثْوَابِ ذَا /و وَهَذَا يَلِيق بِثَوْبِ الْحَصَان <br>وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان فِيمَا حُكِيَ ; رَأَى عَلَى بَعْض ثِيَابه أَثَر صُفْرَة ; فَأَخَذَ مِنْ مِدَاد الدَّوَاة وَطَلَاهُ بِهِ , ثُمَّ قَالَ : الْمِدَاد بِنَا أَحْسَن مِنْ الزَّعْفَرَان ; وَأَنْشَدَ : <br>إِنَّمَا الزَّعْفَرَان عِطْر الْعَذَارَى /و وَمِدَاد الدُّوِيّ عِطْر الرِّجَال<br>|لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى|اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَال خَمْسَة : </subtitle>الْأَوَّل : إِنَّهُ اِبْتِدَاء كَلَام , تَنْزِيه لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَقَدْ كَانَ الْكَلَام تَمَّ فِي قَوْله : | فِي كِتَاب | .|وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاج , وَأَنَّ مَعْنَى | لَا يَضِلّ | لَا يَهْلِك مِنْ قَوْله : | أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض | [ السَّجْدَة : 10 ] . | وَلَا يَنْسَى | شَيْئًا ; نَزَّهَهُ عَنْ الْهَلَاك وَالنِّسْيَان .</p><p>الْقَوْل الثَّانِي | لَا يَضِلّ | لَا يُخْطِئ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس ; أَيْ لَا يُخْطِئ فِي التَّدْبِير , فَمَنْ أَنْظَرَهُ فَلِحِكْمَةٍ أَنْظَرَهُ , وَمَنْ عَاجَلَهُ فَلِحِكْمَةٍ عَاجَلَهُ .</p><p>الْقَوْل الثَّالِث | لَا يَضِلّ | لَا يَغِيب . قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : أَصْل الضَّلَال الْغَيْبُوبَة ; يُقَال : ضَلَّ النَّاسِي إِذَا غَابَ عَنْهُ حِفْظ الشَّيْء . قَالَ : وَمَعْنَى | لَا يَضِلّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى | أَيْ لَا يَغِيب عَنْهُ شَيْء وَلَا يَغِيب عَنْ شَيْء .</p><p>الْقَوْل الرَّابِع : قَالَهُ الزَّجَّاج أَيْضًا وَقَالَ النَّحَّاس أَشْبَههَا بِالْمَعْنَى - أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاج إِلَى كِتَاب ; وَالْمَعْنَى لَا يَضِلّ عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء وَلَا مَعْرِفَتهَا , وَلَا يَنْسَى مَا عَلِمَهُ مِنْهَا . قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل رَاجِع إِلَى مَعْنَى قَوْل اِبْن الْأَعْرَابِيّ .</p><p>وَقَوْل خَامِس : إِنَّ | لَا يَضِلّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى | فِي مَوْضِع الصِّفَة ل | كِتَاب | أَيْ الْكِتَاب غَيْر ضَالّ عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; أَيْ غَيْر ذَاهِب عَنْهُ .</p><p>| وَلَا يَنْسَى | أَيْ غَيْر نَاس لَهُ فَهُمَا نَعْتَانِ ل | كِتَاب | . وَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام مُتَّصِلًا , وَلَا يُوقَف عَلَى | كِتَاب | . تَقُول الْعَرَب . ضَلَّنِي الشَّيْء إِذَا لَمْ أَجِدهُ , وَأَضْلَلْته أَنَا إِذَا تَرَكْته فِي مَوْضِع فَلَمْ تَجِدهُ فِيهِ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَعِيسَى بْن عُمَر وَابْن مُحَيْصِن وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَابْن كَثِير فِيمَا رَوَى شِبْل عَنْهُ | لَا يُضِلّ | بِضَمِّ الْيَاء عَلَى مَعْنَى لَا يُضَيِّعهُ رَبِّي وَلَا يَنْسَاهُ . قَالَ اِبْن عَرَفَة : الضَّلَالَة عِنْد الْعَرَب سُلُوك سَبِيل غَيْر الْقَصْد ; يُقَال : ضَلَّ عَنْ الطَّرِيق , وَأَضَلَّ الشَّيْء إِذَا أَضَاعَهُ . وَمِنْهُ قَرَأَ مَنْ قَرَأَ | لَا يَضِلّ رَبِّي | أَيْ لَا يُضِيع ; هَذَا مَذْهَب الْعَرَب .
| الَّذِي | فِي مَوْضِع نَعْت | لِرَبِّي | أَيْ لَا يَضِلّ رَبِّي الَّذِي جَعَلَ وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر أَيْ هُوَ | الَّذِي | . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ | مَهْدًا | هُنَا وَفِي | الزُّخْرُف | بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء . الْبَاقُونَ | مِهَادًا | وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قِرَاءَة | أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض مِهَادًا | [ النَّبَأ : 6 ] . النَّحَّاس : وَالْجَمْع أَوْلَى لِأَنَّ | مَهْدًا | مَصْدَر وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِع مَصْدَر إِلَّا عَلَى حَذْف ; أَيْ ذَات مَهْد . الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ | مَهْدًا | جَازَ أَنْ يَكُون مَصْدَرًا كَالْفَرْشِ أَيْ مَهَّدَ لَكُمْ الْأَرْض مَهْدًا , وَجَازَ أَنْ يَكُون عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف ; أَيْ ذَات مَهْد . وَمَنْ قَرَأَ | مِهَادًا | جَازَ أَنْ يَكُون مُفْرَدًا كَالْفِرَاشِ . وَجَازَ أَنْ يَكُون جَمْع | مَهْد | اُسْتُعْمِلَ اِسْتِعْمَال الْأَسْمَاء فَكُسِرَ . وَمَعْنَى | مِهَادًا | أَيْ فِرَاشًا وَقَرَارًا تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا .|وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا|أَيْ طُرُقًا . نَظِيره | وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض بِسَاطًا . لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا | [ نُوح : 19 - 20 ] . وَقَالَ تَعَالَى : | الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ | [ الزُّخْرُف : 10 ]|وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً|وَهَذَا آخِر كَلَام مُوسَى , ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : | فَأَخْرَجْنَا بِهِ | وَقِيلَ : كُلّه مِنْ كَلَام مُوسَى .|فَأَخْرَجْنَا بِهِ|أَيْ بِالْحَرْثِ وَالْمُعَالَجَة ; لِأَنَّ الْمَاء الْمُنَزَّل سَبَب خُرُوج النَّبَات .|أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى|ضُرُوبًا وَأَشْبَاهًا , أَيْ أَصْنَافًا مِنْ النَّبَات الْمُخْتَلِفَة الْأَزْوَاج وَالْأَلْوَان . وَقَالَ الْأَخْفَش التَّقْدِير أَزْوَاجًا شَتَّى مِنْ نَبَات . قَالَ : وَقَدْ يَكُون النَّبَات شَتَّى ; ف | شَتَّى | يَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِأَزْوَاجٍ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِلنَّبَاتِ . و | شَتَّى | مَأْخُوذ مِنْ شَتَّ الشَّيْء أَيْ تَفَرَّقَ . يُقَال : أَمْر شَتّ أَيْ مُتَفَرِّق . وَشَتَّ الْأَمْر شَتًّا وَشَتَاتًا تَفَرَّقَ ; وَاسْتَشَتَّ مِثْله . وَكَذَلِكَ التَّشَتُّت . وَشَتَّتَهُ تَشْتِيتًا فَرَّقَهُ . وَأَشَتَّ بِي قَوْمِي أَيْ فَرَّقُوا أَمْرِي . وَالشَّتِيت الْمُتَفَرِّق . قَالَ رُؤْبَة يَصِف إِبِلًا <br>جَاءَتْ مَعًا وَاطَّرَقَتْ شَتِيتَا .......... وَهْيَ تُثِير السَّاطِع السِّخْتِيتَا <br>وَثَغْر شَتِيت أَيْ مُفَلَّج . وَقَوْم شَتَّى , وَأَشْيَاء شَتَّى , وَتَقُول : جَاءُوا أَشْتَاتًا ; أَيْ مُتَفَرِّقِينَ ; وَاحِدهمْ شَتّ ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ .
أَمْر إِبَاحَة . | وَارْعَوْا | مِنْ رَعَتْ الْمَاشِيَة الْكَلَأ , وَرَعَاهَا صَاحِبهَا رِعَايَة ; أَيْ أَسَامَهَا وَسَرَّحَهَا ; لَازِم وَمُتَعَدٍّ .|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى|أَيْ الْعُقُول . الْوَاحِدَة نُهْيَة . قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى رَأْيهمْ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ النَّفْس عَنْ الْقَبَائِح . وَهَذَا كُلّه مِنْ مُوسَى اِحْتِجَاج عَلَى فِرْعَوْن فِي إِثْبَات الصَّانِع جَوَابًا لِقَوْلِهِ | فَمَنْ رَبّكُمَا يَا مُوسَى | . وَبَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَدِلّ عَلَى الصَّانِع الْيَوْم بِأَفْعَالِهِ .
يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ خُلِقَ|مِنْ الْأَرْض ; قَالَهُ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج وَغَيْره . وَقِيلَ : كُلّ نُطْفَة مَخْلُوقَة التُّرَاب ; عَلَى هَذَا يَدُلّ ظَاهِر الْقُرْآن . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُود إِلَّا وَقَدْ ذُرَّ عَلَيْهِ مِنْ تُرَاب حُفْرَته ) أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ فِي بَاب اِبْن سِيرِينَ , وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ حَدِيث عَوْن لَمْ نَكْتُبهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث أَبِي عَاصِم النَّبِيل , وَهُوَ أَحَد الثِّقَات الْأَعْلَام مِنْ أَهْل الْبَصْرَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُبَيَّنًا فِي سُورَة | الْأَنْعَام |</p><p>عَنْ اِبْن مَسْعُود . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : إِذَا وَقَعَتْ النُّطْفَة فِي الرَّحِم اِنْطَلَقَ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِالرَّحِمِ فَأَخَذَ مِنْ تُرَاب الْمَكَان الَّذِي يُدْفَن فِيهِ فَيَذُرّهُ عَلَى النُّطْفَة فَيَخْلُق اللَّه النَّسَمَة مِنْ النُّطْفَة وَمِنْ التُّرَاب ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى | مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجكُمْ تَارَة أُخْرَى | .</p><p>وَفِي حَدِيث الْبَرَاء عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ الْعَبْد الْمُؤْمِن إِذَا خَرَجَتْ رُوحه صَعِدَتْ بِهِ الْمَلَائِكَة فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأ مِنْ الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا مَا هَذِهِ الرُّوح الطَّيِّبَة فَيَقُولُونَ فُلَان بْن فُلَان بِأَحْسَن أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهَا فَيُفْتَح فَيُشَيِّعهُ مِنْ كُلّ سَمَاء مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ | اُكْتُبُوا لِعَبْدِي كِتَابًا فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْض فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتهمْ وَفِيهَا أُعِيدهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجهُمْ تَارَة أُخْرَى | فَتُعَاد رُوحه فِي جَسَده ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِتَمَامِهِ فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَمَعْنَى | وَفِيهَا نُعِيدكُمْ | أَيْ بَعْد الْمَوْت | وَمِنْهَا نُخْرِجكُمْ | أَيْ لِلْبَعْثِ وَالْحِسَاب .|تَارَةً أُخْرَى|يَرْجِع هَذَا إِلَى قَوْله : | مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ | لَا إِلَى | نُعِيدكُمْ | . وَهُوَ كَقَوْلِك اِشْتَرَيْت نَاقَة وَدَارًا وَنَاقَة أُخْرَى ; فَالْمَعْنَى : مِنْ الْأَرْض أَخْرَجْنَاكُمْ وَنُخْرِجكُمْ بَعْد الْمَوْت مِنْ الْأَرْض تَارَة أُخْرَى .
أَيْ الْمُعْجِزَات الدَّالَّة عَلَى نُبُوَّة مُوسَى وَقِيلَ حُجَج اللَّه الدَّالَّة عَلَى تَوْحِيده|فَكَذَّبَ وَأَبَى|أَيْ لَمْ يُؤْمِن وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَفَرَ عِنَادًا لِأَنَّهُ رَأَى الْآيَات عِيَانًا لَا خَبَرًا نَظِيره | وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسهمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا | [ النَّمْل : 14 ]
لَمَّا رَأَى الْآيَات الَّتِي أَتَاهُ بِهَا مُوسَى قَالَ : إِنَّهَا سِحْر ; وَالْمَعْنَى : جِئْت لِتُوهِم النَّاس أَنَّك جِئْت بِآيَةٍ تُوجِب اِتِّبَاعك وَالْإِيمَان بِك , حَتَّى تَغْلِب عَلَى أَرْضنَا وَعَلَيْنَا .
أَيْ لَنُعَارِضَنَّك بِمِثْلِ مَا جِئْت بِهِ لِيَتَبَيَّن لِلنَّاسِ أَنَّ مَا أَتَيْت بِهِ لَيْسَ مِنْ عِنْد اللَّه .|فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا|هُوَ مَصْدَر ; أَيْ وَعْدًا . وَقِيلَ : الْمَوْعِد اِسْم لِمَكَانِ الْوَعْد ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | وَإِنَّ جَهَنَّم لَمَوْعِدهمْ أَجْمَعِينَ | [ الْحِجْر : 43 ] فَالْمَوْعِد هَاهُنَا مَكَان . وَقِيلَ : الْمَوْعِد اِسْم لِزَمَانِ الْوَعْد ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِنَّ مَوْعِدهمْ الصُّبْح | [ هُود : 81 ] فَالْمَعْنَى : اِجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مَعْلُومًا , أَوْ مَكَانًا مَعْرُوفًا . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالْأَظْهَر أَنَّهُ مَصْدَر وَلِهَذَا قَالَ : | لَا نُخْلِفهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ | .|لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ|أَيْ لَا نُخْلِف ذَلِكَ الْوَعْد , وَالْإِخْلَاف أَنْ يَعِد شَيْئًا وَلَا يُنْجِزهُ . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ وَالْمِيعَاد الْمُوَاعَدَة وَالْوَقْت وَالْمَوْضِع وَكَذَلِكَ الْمَوْعِد . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع وَشَيْبَة وَالْأَعْرَج | لَا نُخْلِفهُ | بِالْجَزْمِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ | اِجْعَلْ | وَمَنْ رَفَعَ فَهُوَ نَعْت ل | مَوْعِد | وَالتَّقْدِير . مَوْعِدًا غَيْر مُخْلَف .|مَكَانًا سُوًى|قَرَأَ اِبْن عَامِر وَعَاصِم وَحَمْزَة | سُوًى | بِضَمِّ السِّين . الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا ; وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل عُدًا وَعِدًا وَطِوًى وَطُوًى . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم كَسْر السِّين لِأَنَّهَا اللُّغَة الْعَالِيَة الْفَصِيحَة . وَقَالَ النَّحَّاس وَالْكَسْر أَعْرَف وَأَشْهَر . وَكُلّهمْ نَوَّنُوا الْوَاو , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَن , وَاخْتَلَفَ عَنْهُ ضَمّ السِّين بِغَيْرِ تَنْوِين . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ : سُوًى هَذَا الْمَكَان ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ مَكَانًا مُسْتَوِيًا يَتَبَيَّن لِلنَّاسِ مَا بَيَّنَّا فِيهِ ; قَالَ اِبْن زَيْد : اِبْن عَبَّاس : نَصَفًا . مُجَاهِد : مَنْصَفًا ; وَعَنْهُ أَيْضًا وَقَتَادَة عَدْلًا بَيْننَا وَبَيْنك . قَالَ النَّحَّاس : وَأَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ مَعْنَى | سُوًى | نَصَف وَعَدْل وَهُوَ قَوْل حَسَن ; قَالَ سِيبَوَيْهِ يُقَال : سُوًى وَسِوًى أَيْ عَدْل ; يَعْنِي مَكَانًا عَدْل ; بَيْن الْمَكَانَيْنِ فِيهِ النَّصَفَة ; وَأَصْله مِنْ قَوْلك : جَلَسَ فِي سَوَاء الدَّار بِالْمَدِّ أَيْ فِي وَسَطهَا ; وَوَسَط كُلّ شَيْء أَعْدَله ; وَفِي الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا | [ الْبَقَرَة : 143 ] أَيْ عَدْلًا , وَقَالَ زُهَيْر : <br>أَرُونَا خُطَّة لَا ضَيْم فِيهَا .......... يُسَوِّي بَيْننَا فِيهَا السَّوَاء <br>وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْقُتَبِيّ : وَسَطًا بَيْن الْفَرِيقَيْنِ ; وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة لِمُوسَى بْن جَابِر الْحَنَفِيّ <br>وَإِنَّ أَبَانَا كَانَ حَلَّ بِبَلْدَةٍ .......... سِوًى بَيْن قَيْس قَيْس عَيْلَان وَالْفِزْر <br>وَالْفِزْر : سَعْد بْن زَيْد مَنَاة بْن تَمِيم . وَقَالَ الْأَخْفَش : | سِوًى | إِذَا كَانَ بِمَعْنَى غَيْر أَوْ بِمَعْنَى الْعَدْل يَكُون فِيهِ ثَلَاث لُغَات : إِنْ ضَمَمْت السِّين أَوْ كَسَرْت قَصَرْت فِيهِمَا جَمِيعًا . وَإِنْ فَتَحْت مَدَدْت , تَقُول : مَكَان سُوًى وَسِوًى وَسَوَاء ; أَيْ عَدْل وَوَسَط فِيمَا بَيْن الْفَرِيقَيْنِ . قَالَ مُوسَى بْن جَابِر : <br>وَجَدْنَا أَبَانَا كَانَ حَلَّ بِبَلْدَةٍ <br>الْبَيْت . وَقِيلَ : | مَكَانًا سُوًى | أَيْ قَصْدًا ; وَأَنْشَدَ صَاحِب هَذَا الْقَوْل : <br>لَوْ تَمَنَّتْ حَبِيبَتِي مَا عَدَتْنِي .......... أَوْ تَمَنَّيْت مَا عَدَوْت سِوَاهَا <br>وَتَقُول : مَرَرْت بِرَجُلٍ سِوَاك وَسُوَاك وَسَوَائِك أَيْ غَيْرك . وَهُمَا فِي هَذَا الْأَمْر سَوَاء وَإِنْ شِئْت سَوَاءَانِ . وَهُمْ سَوَاء لِلْجَمْعِ وَهُمْ أَسَوَاء ; وَهُمْ سَوَاسِيَة مِثْل ثَمَانِيَة عَلَى غَيْر قِيَاس . وَانْتَصَبَ | مَكَانًا | عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي ل | جَعَلَ | . وَلَا يَحْسُن اِنْتِصَابه بِالْمَوْعِدِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول أَوْ ظَرْف لَهُ ; لِأَنَّ الْمَوْعِد قَدْ وُصِفَ , وَالْأَسْمَاء الَّتِي تَعْمَل عَمَل الْأَفْعَال إِذَا وُصِفَتْ أَوْ صُغِّرَتْ لَمْ يَسُغْ أَنْ تَعْمَل لِخُرُوجِهَا عَنْ شَبَه الْفِعْل , وَلَمْ يَحْسُن حَمْله عَلَى أَنَّهُ ظَرْف وَقَعَ مَوْقِع الْمَفْعُول الثَّانِي ; لِأَنَّ الْمَوْعِد إِذَا وَقَعَ بَعْده ظَرْف لَمْ تُجْرِهِ الْعَرَب مَجْرَى الْمَصَادِر مَعَ الظُّرُوف , لَكِنَّهُمْ يَتَّسِعُونَ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِنَّ مَوْعِدهمْ الصُّبْح | [ هُود : 81 ]
وَاخْتُلِفَ فِي يَوْم الزِّينَة , فَقِيلَ هُوَ يَوْم عِيد كَانَ لَهُمْ يَتَزَيَّنُونَ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ ; قَالَهُ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَ يَوْم عَاشُورَاء . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : يَوْم سُوق كَانَ لَهُمْ يَتَزَيَّنُونَ فِيهَا ; وَقَالَهُ قَتَادَة أَيْضًا . وَقَالَ الضَّحَّاك : يَوْم السَّبْت . وَقِيلَ : يَوْم النَّيْرُوز ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقِيلَ : يَوْم يُكْسَر فِيهِ الْخَلِيج ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهِ يَتَفَرَّجُونَ وَيَتَنَزَّهُونَ ; وَعِنْد ذَلِكَ تَأْمَن الدِّيَار الْمِصْرِيَّة مِنْ قِبَل النِّيل . وَقَرَأَ الْحَسَن وَالْأَعْمَش وَعِيسَى الثَّقَفِيّ وَالسُّلَمِيّ وَهُبَيْرَة عَنْ حَفْص | يَوْمَ الزِّينَة | بِالنَّصْبِ . وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي عَمْرو ; أَيْ فِي يَوْم الزِّينَة إِنْجَاز مَوْعِدنَا . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَر الِابْتِدَاء .|وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى|أَيْ وَجَمَعَ النَّاس ; ف | أَنْ | فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ | يَوْم | بِالرَّفْعِ . وَعَطَفَ | وَأَنْ يُحْشَر | يُقَوِّي قِرَاءَة الرَّفْع ; لِأَنَّ | أَنْ | لَا تَكُون ظَرْفًا , وَإِنْ كَانَ الْمَصْدَر الصَّرِيح يَكُون ظَرْفًا كَمَقْدِمِ الْحَاجّ ; لِأَنَّ مَنْ قَالَ آتِيك مَقْدِم الْحَاجّ لَمْ يَقُلْ آتِيك أَنْ يَقْدَم الْحَاجّ . النَّحَّاس : وَأَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع خَفْض عَطْفًا عَلَى الزِّينَة . وَالضُّحَا مُؤَنَّثَة تُصَغِّرهَا الْعَرَب بِغَيْرِ هَاء لِئَلَّا يُشْبِه تَصْغِيرهَا ضَحْوَة ; قَالَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : ضَحْوَة النَّهَار بَعْد طُلُوع الشَّمْس , ثُمَّ بَعْده الضُّحَى وَهِيَ حِين تُشْرِق الشَّمْس ; مَقْصُورَة تُؤَنَّث وَتُذَكَّر ; فَمَنْ أَنَّثَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا جَمْع ضَحْوَة ; وَمَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ اِسْم عَلَى فِعْل مِثْل صُرَد وَنُغَر ; وَهُوَ ظَرْف غَيْر مُتَمَكِّن مِثْل سَحَر ; تَقُول : لَقِيته ضُحًا ; وَضُحَا إِذْ أَرَدْت بِهِ ضُحَا يَوْمك لَمْ تُنَوِّنهُ , ثُمَّ بَعْده الضَّحَاء مَمْدُود مُذَكَّر , وَهُوَ عِنْد اِرْتِفَاع النَّهَار الْأَعْلَى . وَخَصَّ الضُّحَى لِأَنَّهُ أَوَّل النَّهَار , فَلَوْ اِمْتَدَّ الْأَمْر فِيمَا بَيْنهمْ كَانَ فِي النَّهَار مُتَّسَع . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَالْجَحْدَرِيّ وَغَيْرهمَا | وَأَنْ يَحْشُر النَّاس ضُحًا | عَلَى مَعْنَى وَأَنْ يَحْشُر اللَّه النَّاس وَنَحْوه . وَعَنْ بَعْض الْقُرَّاء | وَأَنْ تَحْشُر النَّاس | وَالْمَعْنَى وَأَنْ تَحْشُر أَنْتَ يَا فِرْعَوْن النَّاس وَعَنْ الْجَحْدَرِيّ أَيْضًا | وَأَنْ نَحْشُر | بِالنُّونِ وَإِنَّمَا وَاعَدَهُمْ ذَلِكَ الْيَوْم ; لِيَكُونَ عُلُوّ كَلِمَة اللَّه , وَظُهُور دِينه , وَكَبْت الْكَافِر , وَزَهُوق الْبَاطِل عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , وَفِي الْمَجْمَع الْغَاصّ لِتَقْوَى رَغْبَة مَنْ رَغِبَ فِي الْحَقّ , وَيُكِلّ حَدّ الْمُبْطِلِينَ وَأَشْيَاعهمْ , وَيُكْثِر الْمُحَدِّث بِذَلِكَ الْأَمْر الْعِلْم فِي كُلّ بَدْو وَحَضَر , وَيُشِيع فِي جَمْع أَهْل الْوَبَر وَالْمَدَر .
أَيْ حِيَله وَسِحْره ; وَالْمُرَاد جَمْع السَّحَرَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانُوا اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَاحِرًا , مَعَ كُلّ سَاحِر مِنْهُمْ حِبَال وَعِصِيّ . وَقِيلَ : كَانُوا أَرْبَعمِائَةٍ . وَقِيلَ : كَانُوا اِثْنَيْ عَشَر أَلْفًا . وَقِيلَ : أَرْبَعَة عَشَر أَلْفًا . وَقَالَ اِبْن الْمُنْكَدِر : كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا . وَقِيلَ : كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى رَئِيس يُقَال لَهُ شمعون . وَقِيلَ كَانَ اِسْمه يُوحَنَّا مَعَهُ اِثْنَا عَشَر نَقِيبًا , مَعَ كُلّ نَقِيب عِشْرُونَ عَرِيفًا , مَعَ كُلّ عَرِيف أَلْف سَاحِر . وَقِيلَ كَانُوا ثَلَثمِائَةِ أَلْف سَاحِر مِنْ الْفَيُّوم , وَثَلَثمِائَةِ أَلْف سَاحِر مِنْ الصَّعِيد , وَثَلَثمِائَةِ أَلْف سَاحِر مِنْ الرِّيف , فَصَارُوا تِسْعمِائَةِ أَلْف وَكَانَ رَئِيسهمْ أَعْمَى .|ثُمَّ أَتَى|أَيْ أَتَى الْمِيعَاد .
أَيْ قَالَ لِفِرْعَوْن وَالسَّحَرَة|وَيْلَكُمْ|دُعَاء عَلَيْهِمْ بِالْوَيْلِ . وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَر . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : هُوَ مَنْصُوب بِمَعْنَى ألْزَمَهُمْ اللَّه وَيْلًا . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون نِدَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى | يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا | [ يس : 52 ]|لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا|أَيْ لَا تَخْتَلِقُوا عَلَيْهِ الْكَذِب , وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ , وَلَا تَقُولُوا لِلْمُعْجِزَاتِ إِنَّهَا سِحْر .|فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ|مِنْ عِنْده أَيْ يَسْتَأْصِلكُمْ بِالْإِهْلَاكِ يُقَال فِيهِ : سَحَتَ وَأَسْحَتَ بِمَعْنًى . وَأَصْله مِنْ اِسْتِقْصَاء الشَّعْر . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ | فَيُسْحِتَكُمْ | مِنْ أَسْحَتَ , الْبَاقُونَ | فَيَسْحَتَكُمْ | مِنْ سَحَتْ وَهَذِهِ لُغَة أَهْل الْحِجَاز وَ [ الْأُولَى لُغَة ] بَنِي تَمِيم . وَانْتَصَبَ عَلَى جَوَاب النَّهْي . وَقَالَ الْفَرَزْدَق . <br>وَعَضّ زَمَان يَا اِبْن مَرْوَان لَمْ يَدَع .......... مِنْ الْمَال إِلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفا <br>الزَّمَخْشَرِيّ : وَهَذَا بَيْت لَا تَزَال الرَّكْب تَصْطَكّ فِي تَسْوِيَة إِعْرَابه .|وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى|أَيْ خَسِرَ وَهَلَكَ , وَخَابَ مِنْ الرَّحْمَة وَالثَّوَاب مَنْ ادَّعَى عَلَى اللَّه مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ .
أَيْ تَشَاوَرُوا ; يُرِيد السَّحَرَة .|وَأَسَرُّوا النَّجْوَى|قَالَ قَتَادَة | قَالُوا | إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ سِحْرًا فَسَنَغْلِبُهُ , وَإِنْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه فَسَيَكُونُ لَهُ أَمْر ; وَهَذَا الَّذِي أَسَرُّوهُ . وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قَوْلهمْ | إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ | الْآيَة قَالَهُ السُّدِّيّ وَمُقَاتِل . وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قَوْلهمْ : إِنْ غَلَبَنَا اِتَّبَعْنَاهُ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ ; دَلِيله مَنْ ظَهَرَ مِنْ عَاقِبَة أَمْرهمْ . وَقِيلَ : كَانَ سِرّهمْ أَنْ قَالُوا حِين قَالَ لَهُمْ مُوسَى | وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذِبًا | [ طَه : 61 ] : مَا هَذَا بِقَوْلِ سَاحِر . و | النَّجْوَى | الْمُنَاجَاة يَكُون اِسْمًا وَمَصْدَرًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي | النِّسَاء | بَيَانه.
قَرَأَ أَبُو عَمْر<br>| إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ | . وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَان وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّحَابَة ; وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَغَيْرهمْ مِنْ التَّابِعِينَ ; وَمِنْ الْقُرَّاء عِيسَى بْن عُمَر وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ ; فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاس . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة مُوَافِقَة لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَة لِلْمُصْحَفِ . وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَالْخَلِيل بْن أَحْمَد وَالْمُفَضَّل وَأَبَان وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَعَاصِم فِي رِوَايَة حَفْص عَنْهُ | إِنْ هَذَانِ | بِتَخْفِيفِ | إِنْ | | لَسَاحِرَانِ | وَابْن كَثِير يُشَدِّد نُون | هَذَانِ | . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَة الْمُصْحَف وَمِنْ فَسَاد الْإِعْرَاب , وَيَكُون مَعْنَاهَا مَا هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ . وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ | إِنَّ هَذَانِ | بِتَشْدِيدِ | إِنَّ | | لَسَاحِرَانِ | فَوَافَقُوا الْمُصْحَف وَخَالَفُوا الْإِعْرَاب . قَالَ النَّحَّاس فَهَذِهِ ثَلَاث قِرَاءَات قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَة عَنْ الْأَئِمَّة , وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَرَأَ | إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ | وَقَالَ الْكِسَائِيّ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ | بِغَيْرِ لَام ; وَقَالَ الْفَرَّاء فِي حَرْف أُبَيّ | إِنْ ذَان إِلَّا سَاحِرَانِ | فَهَذِهِ ثَلَاث قِرَاءَات أُخْرَى تُحْمَل عَلَى التَّفْسِير لَا أَنَّهَا جَائِز أَنْ يَقْرَأ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَف .</p><p>قُلْت : وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة سِتَّة أَقْوَال ذَكَرَهَا اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي آخِر كِتَاب الرَّدّ لَهُ , وَالنَّحَّاس فِي إِعْرَابه , وَالْمَهْدَوِيّ فِي تَفْسِيره , وَغَيْرهمْ أَدْخَلَ كَلَام بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْم حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرو : إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّه أَنْ أَقْرَأ | إِنَّ هَذَانِ | وَرَوَى عُرْوَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْله تَعَالَى | لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم | ثُمَّ قَالَ : | وَالْمُقِيمِينَ | وَفِي | الْمَائِدَة | | إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ | [ الْمَائِدَة : 69 ] و | إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ | فَقَالَتْ يَا ابْن أُخْتِي ! هَذَا خَطَأ مِنْ الْكَاتِب . وَقَالَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فِي الْمُصْحَف لَحْن وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَب بِأَلْسِنَتِهِمْ . وَقَالَ أَبَان بْن عُثْمَان : قَرَأْت هَذِهِ الْآيَة عِنْد أَبِي عُثْمَان بْن عَفَّان , فَقَالَ لَحْن وَخَطَأ ; فَقَالَ لَهُ قَائِل : أَلَا تُغَيِّرُوهُ ؟ فَقَالَ : دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّم حَلَالًا وَلَا يُحَلِّل حَرَامًا . الْقَوْل الْأَوَّل مِنْ الْأَقْوَال السِّتَّة أَنَّهَا لُغَة بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب وَزُبَيْد وَخَثْعَمَ وَكِنَانَة بْن زَيْد يَجْعَلُونَ رَفْع الِاثْنَيْنِ وَنَصْبه وَخَفْضه بِالْأَلِفِ ; يَقُولُونَ : جَاءَ الزَّيْدَان وَرَأَيْت الزَّيْدَان وَمَرَرْت بِالزَّيْدَانِ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ | [ يُونُس : 16 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَد - قَالَ : وَمَا رَأَيْت أَفْصَح مِنْهُ : <br>فَأَطْرَقَ إِطْرَاق الشُّجَاع وَلَوْ يَرَى .......... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاع لَصَمَّمَا <br>وَيَقُولُونَ كَسَرْت يَدَاهُ وَرَكِبْت عَلَاهُ ; يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ ; قَالَ شَاعِرهمْ [ هوبر الْحَارِثِيّ ] : <br>تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْن أُذْنَيْهِ ضَرْبَة .......... دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَاب عَقِم <br>وَقَالَ آخَر : <br>طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا <br>أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا وَقَالَ آخَر : <br>إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا .......... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْد غَايَتَاهَا <br>أَيْ إِنَّ أَبَا أَبِيهَا وَغَايَتَيْهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَحْسَن مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَة ; إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَة مَعْرُوفَة , وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَته ; مِنْهُمْ أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ وَهُوَ الَّذِي يَقُول : إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِق بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي ; وَأَبُو الْخَطَّاب الْأَخْفَش وَهُوَ رَئِيس مِنْ رُؤَسَاء اللُّغَة , وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء كُلّهمْ قَالُوا هَذَا عَلَى لُغَة بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة عَنْ أَبِي الْخَطَّاب أَنَّ هَذِهِ لُغَة بَنِي كِنَانَة . الْمَهْدَوِيّ : وَحَكَى غَيْره أَنَّهَا لُغَة لِخَثْعَمَ . قَالَ النَّحَّاس وَمِنْ أَبْيَن مَا فِي هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنَّك إِذَا ثَنَّيْت الْوَاحِد زِدْت عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ , الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْف مَدّ وَلِين وَهُوَ حَرْف الْإِعْرَاب ; قَالَ أَبُو جَعْفَر فَقَوْل سِيبَوَيْهِ : وَهُوَ حَرْف الْإِعْرَاب , يُوجِب أَنَّ الْأَصْل أَلَّا يَتَغَيَّر , فَيَكُون | إِنَّ هَذَانِ | جَاءَ عَلَى أَصْله لِيُعْلَم ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى | اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان | [ الْمُجَادَلَة : 19 ] وَلَمْ يَقُلْ اسْتَحَاذ ; فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلّ عَلَى الْأَصْل , وَكَذَلِكَ | إِنَّ هَذَانِ | وَلَا يُفَكَّر فِي إِنْكَار مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ اللُّغَة إِذَا كَانَ الْأَئِمَّة قَدْ رَوَوْهَا . الْقَوْل الثَّانِي أَنْ يَكُون | إِنَّ | بِمَعْنَى نَعَمْ ; كَمَا حَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ عَاصِم قَالَ : الْعَرَب تَأْتِي ب | إِنَّ | بِمَعْنَى نَعَمْ , وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ | إِنَّ | تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَل , وَإِلَى هَذَا الْقَوْل كَانَ مُحَمَّد بْن يَزِيد وَإِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي يَذْهَبَانِ ; قَالَ النَّحَّاس : وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق الزَّجَّاج وَعَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقَدْ أَعُجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاق . النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُلَيْمَان , قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد السَّلَام النَّيْسَابُورِيّ , ثُمَّ لَقِيت عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد [ هَذَا ] فَحَدَّثَنِي , قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْر بْن الْمُتَوَكِّل , قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُوسَى النَّوْفَلِيّ مِنْ وَلَد حَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب , قَالَ حَدَّثَنَا عُمَر بْن جُمَيْع الْكُوفِيّ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ - وَهُوَ اِبْن الْحُسَيْن - عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ , قَالَ : لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول عَلَى مِنْبَره : | إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدهُ وَنَسْتَعِينهُ | ثُمَّ يَقُول : | أَنَا أَفْصَح قُرَيْش كُلّهَا وَأَفْصَحهَا بَعْدِي أَبَان بْن سَعِيد بْن الْعَاص | قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخَفَّاف قَالَ عُمَيْر : إِعْرَابه عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة وَالنَّحْو | إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ | بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَب تَجْعَل | إِنَّ | فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; نَعَمْ الْحَمْد لِلَّهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ خُطَبَاء الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ تَفْتَتِح خُطَبهَا بِنَعَمْ . وَقَالَ الشَّاعِر فِي مَعْنَى نَعَمْ : <br>قَالُوا غَدَرْت فَقُلْت إِنَّ وَرُبَّمَا .......... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيل الْغَادِر <br>وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن قَيْس الرُّقَيَّات <br>بَكَرَ الْعَوَاذِل فِي الصَّبَا .......... حِ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ <br>ش وَيَقُلْنَ شَيْب قَدْ عَلَا /و كَ وَقَدْ كَبِرْت فَقُلْت إِنَّهْ <br>فَعَلَى هَذَا جَائِز أَنْ يَكُون قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ | بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَب . قَالَ النَّحَّاس : أَنْشَدَنِي دَاوُد بْن الْهَيْثَم , قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَب <br>لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاء /و مِنْ جَوَى حُبّهنَّ إِنَّ اللِّقَاءُ <br>قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال : نَعَمْ زَيْد خَارِج , وَلَا تَكَاد تَقَع اللَّام هَاهُنَا , وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا اللَّام يَنْوِي بِهَا التَّقْدِيم ; كَمَا قَالَ : <br>خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِير خَاله /و يَنَلْ الْعَلَاء وَيُكْرِم الْأَخْوَالَا <br>آخَر <br>أُمّ الْحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ /و تَرْضَى مِنْ الشَّاة بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ <br>أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْس ; وَقَالَ الزَّجَّاج : وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأ . الْمَهْدَوِيّ : وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ وَأَبُو الْفَتْح بْن جِنِّيّ . قَالَ أَبُو الْفَتْح : | هُمَا | الْمَحْذُوف لَمْ يُحْذَف إِلَّا بَعْد أَنْ عُرِفَ , وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدْ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيده بِاللَّامِ , وَيَقْبُح أَنْ تَحْذِف الْمُؤَكَّد وَتَتْرُك الْمُؤَكِّد . الْقَوْل الثَّالِث قَالَ الْفَرَّاء أَيْضًا : وَجَدْت الْأَلِف دِعَامَة لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْل فَزِدْت عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرهَا كَمَا قُلْت : | الَّذِي | ثُمَّ زِدْت عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْت : جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدك , وَرَأَيْت الَّذِينَ عِنْدك , وَمَرَرْت بِاَلَّذِينَ عِنْدك الْقَوْل الرَّابِع قَالَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِف فِي | هَذَانِ | مُشَبَّهَة بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّر . الْقَوْل الْخَامِس : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : النَّحْوِيُّونَ الْقُدَمَاء يَقُولُونَ الْهَاء هَاهُنَا مُضْمَرَة , وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَأُضْمِرَتْ الْهَاء الَّتِي هِيَ مَنْصُوب | إِنَّ | و | هَذَانِ | خَبَر| إِنَّ | و | سَاحِرَانِ | يَرْفَعهَا | هُمَا | الْمُضْمَر [ وَالتَّقْدِير ] إِنَّهُ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ . وَالْأَشْبَه عِنْد أَصْحَاب أَهْل هَذَا الْجَوَاب أَنَّ الْهَاء اِسْم | إِنَّ | و | هَذَانِ | رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْده خَبَر الِابْتِدَاء . الْقَوْل السَّادِس قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس وَسَأَلْت أَبَا الْحَسَن بْن كَيْسَان عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ : إِنْ شِئْت أَجَبْتُك بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ , وَإِنْ شِئْت أَجَبْتُك بِقَوْلِي ; فَقُلْت بِقَوْلِك ; فَقَالَ : سَأَلَنِي إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق عَنْهَا فَقُلْت . الْقَوْل عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَال | هَذَا | فِي مَوْضِع الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْخَفْض عَلَى حَال وَاحِدَة , وَكَانَتْ التَّثْنِيَة يَجِب أَلَّا يُغَيَّر لَهَا الْوَاحِد أُجْرِيَتْ التَّثْنِيَة مَجْرَى الْوَاحِدَة ; فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَك أَحَد بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَس بِهِ ; قَالَ اِبْن كَيْسَان : فَقُلْت لَهُ : فَيَقُول الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يُؤْنِس بِهِ ; فَتَبَسَّمَ .|يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى|هَذَا مِنْ قَوْل فِرْعَوْن لِلسَّحَرَةِ ; أَيْ غَرَضهمَا إِفْسَاد دِينكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ ; كَمَا قَالَ فِرْعَوْن | إِنِّي أَخَاف أَنْ يُبَدِّل دِينكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد | [ غَافِر : 26 ] . وَيُقَال فُلَان حَسَن الطَّرِيقَة أَيْ حَسَن الْمَذْهَب . وَقِيلَ : طَرِيقَة الْقَوْم أَفْضَل الْقَوْل ; وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْلُكُوا طَرِيقَته وَيَقْتَدُوا بِهِ ; فَالْمَعْنَى : وَيَذْهَبَا بِسَادَتِكُمْ وَرُؤَسَائِكُمْ ; اِسْتِمَالَة لَهُمْ . أَوْ يَذْهَبَا بِبَنِي إِسْرَائِيل وَهُمْ الْأَمَاثِل وَإِنْ كَانُوا خَوَلًا لَكُمْ لِمَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ الِانْتِسَاب إِلَى الْأَنْبِيَاء . أَوْ يَذْهَبَا بِأَهْلِ طَرِيقَتكُمْ فَحَذَفَ الْمُضَاف . و | الْمُثْلَى | تَأْنِيث الْأَمْثَل ; كَمَا يُقَال الْأَفْضَل وَالْفُضْلَى . وَأَنَّثَ الطَّرِيقَة عَلَى اللَّفْظ , وَإِنْ كَانَ يُرَاد بِهَا الرِّجَال . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّأْنِيث عَلَى الْجَمَاعَة . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : | بِطَرِيقَتِكُمْ | بِسُنَّتِكُمْ وَسَمْتكُمْ . و | الْمُثْلَى | نَعْت كَقَوْلِك اِمْرَأَة كُبْرَى . تَقُول الْعَرَب : فُلَان عَلَى الطَّرِيقَة الْمُثْلَى يَعْنُونَ عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيم .
الْإِجْمَاع الْإِحْكَام وَالْعَزْم عَلَى الشَّيْء . تَقُول : أَجْمَعْت الْخُرُوج وَعَلَى الْخُرُوج أَيْ عَزَمْت . وَقِرَاءَة كُلّ الْأَمْصَار | فَأَجْمِعُوا | إِلَّا أَبَا عَمْرو فَإِنَّهُ قَرَأَ | فَاجْمَعُوا | بِالْوَصْلِ وَفَتَحَ الْمِيم . وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ : | فَجَمَعَ كَيْده ثُمَّ أَتَى | . قَالَ النَّحَّاس وَفِيمَا حُكِيَ لِي عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد أَنَّهُ قَالَ يَجِب عَلَى أَبِي عَمْرو أَنْ يَقْرَأ بِخِلَافِ قِرَاءَته هَذِهِ , وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا أَكْثَر النَّاس . قَالَ : لِأَنَّهُ اِحْتَجَّ ب | جَمَعَ | وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : | فَجَمَعَ كَيْده | قَدْ ثَبَتَ هَذَا فَيَبْعُد أَنْ يَكُون بَعْده | فَاجْمَعُوا | وَيَقْرَب أَنْ يَكُون بَعْده | فَأَجْمِعُوا | أَيْ اِعْزِمُوا وَجِدُّوا ; وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُون هَذَا بِخِلَافِ مَعْنَاهُ يُقَال : أَمْر مُجْمَع وَمُجْمَع عَلَيْهِ . قَالَ النَّحَّاس : وَيُصَحِّح قِرَاءَة أَبِي عَمْرو | فَاجْمَعُوا | أَيْ اِجْمَعُوا كُلّ كَيْد لَكُمْ وَكُلّ حِيلَة فَضُمُّوهُ مَعَ أَخِيهِ . وَقَالَهُ أَبُو إِسْحَاق . الثَّعْلَبِيّ : الْقِرَاءَة بِقَطْعِ الْأَلِف وَكَسْر الْمِيم لَهَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : بِمَعْنَى الْجَمْع , تَقُول : أَجْمَعْت الشَّيْء جَمَعْته بِمَعْنًى وَاحِد , وَفِي الصِّحَاح : وَأَجْمَعْت الشَّيْء جَعَلْته جَمِيعًا ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب يَصِف حُمْرًا : <br>فَكَأَنَّهَا بِالْجِزْعِ بَيْن نُبَايِع .......... وَأُولَات ذِي الْعَرْجَاء نَهْب مُجْمَع <br>أَيْ مَجْمُوع . وَالثَّانِي : أَنَّهُ بِمَعْنَى الْعَزْم وَالْإِحْكَام ; قَالَ الشَّاعِر : <br>يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمُنَى لَا تَنْفَع .......... هَلْ أَغْدُوَنَّ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَع <br>أَيْ مُحْكَم .|ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا|قَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : جَمِيعًا . وَقِيلَ : صُفُوفًا لِيَكُونَ أَشَدّ لِهَيْبَتِكُمْ وَهُوَ مَنْصُوب بِوُقُوعِ الْفِعْل عَلَيْهِ عَلَى قَوْل أَبِي عُبَيْدَة ; قَالَ يُقَال : أَتَيْت الصَّفّ يَعْنِي الْمُصَلَّى ; فَالْمَعْنَى عِنْده اِئْتُوا الْمَوْضِع الَّذِي تَجْتَمِعُونَ فِيهِ يَوْم الْعِيد . وَحُكِيَ عَنْ بَعْض فُصَحَاء الْعَرَب : مَا قَدَرْت أَنْ آتِي الصَّفّ ; يَعْنِي الْمُصَلَّى . وَقَالَ الزَّجَّاج : يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى ثُمَّ اِئْتُوا وَالنَّاس مُصْطَفُّونَ ; فَيَكُون عَلَى هَذَا مَصْدَرًا فِي مَوْضِع الْحَال . وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَع . وَقُرِئَ | ثُمِّ ايِتُوا | بِكَسْرِ الْمِيم وَيَاء . وَمَنْ تَرَكَ الْهَمْزَة أَبْدَلَ مِنْ الْهَمْزَة أَلِفًا .|وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى|أَيْ مَنْ غَلَبَ . وَهَذَا كُلّه مِنْ قَوْل السَّحَرَة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَقِيلَ : مِنْ قَوْل فِرْعَوْن لَهُمْ .
يُرِيد السَّحَرَة .|مُوسَى إِمَّا أَنْ|عَصَاك مِنْ يَدك|تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ|تَأَدَّبُوا مَعَ مُوسَى فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب إِيمَانهمْ .
فِي الْكَلَام حَذْف , أَيْ فَأَلْقَوْا ; دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى .|وَعِصِيُّهُمْ|وَقَرَأَ الْحَسَن | وَعُصِيُّهُمْ | بِضَمِّ الْعَيْن . قَالَ هَارُون الْقَارِئ : لُغَة بَنِي تَمِيم | وَعُصِيُّهُمْ | وَبِهَا يَأْخُذ الْحَسَن . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ اِتِّبَاعًا لِكِسْرَةِ الصَّاد . وَنَحْوه دُلِيّ وَدِلِيّ وَقُسِيّ وَقِسِيّ .|يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى|وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو حَيْوَة وَابْن ذَكْوَان وَرَوْح عَنْ يَعْقُوب | تُخَيَّلُ | بِالتَّاءِ ; وَرَدُّوهُ إِلَى الْعِصِيّ وَالْحِبَال إِذْ هِيَ مُؤَنَّثَة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَطَّخُوا الْعِصِيّ بِالزِّئْبَقِ , فَلَمَّا أَصَابَهَا حَرّ الشَّمْس اِرْتَهَشَتْ وَاهْتَزَّتْ . قَالَ الْكَلْبِيّ : خُيِّلَ إِلَى مُوسَى أَنَّ الْأَرْض حَيَّات وَأَنَّهَا تَسْعَى عَلَى بَطْنهَا .</p><p>وَقُرِئَ | تَخَيَّلُ | بِمَعْنَى تَتَخَيَّل وَطَرِيقه طَرِيق | تُخَيَّل | وَمَنْ قَرَأَ | يُخَيَّل | بِالْيَاءِ رَدَّهُ إِلَى الْكَيْد . وَقُرِئَ | نُخَيِّل | بِالنُّونِ عَلَى أَنَّ اللَّه هُوَ الْمُخَيِّل لِلْمِحْنَةِ وَالِابْتِلَاء . وَقِيلَ : الْفَاعِل | أَنَّهَا تَسْعَى | ف | أَنَّ | فِي مَوْضِع رَفْع ; أَيْ يُخَيَّل إِلَيْهِ سَعْيهَا ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ مَوْضِعهَا مَوْضِع نَصْب ; أَيْ بِأَنَّهَا ثُمَّ حَذَفَ الْبَاء . وَالْمَعْنَى فِي الْوَجْه الْأَوَّل : تَشَبَّهَ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ وَكَيْدهمْ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهَا تَسْعَى . وَقَالَ الزَّجَّاج وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ جَعَلَ | أَنَّ | فِي مَوْضِع نَصْب أَيْ تَخَيَّلَ إِلَيْهِ ذَات سَعْي , قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بَدَلًا مِنْ الضَّمِير فِي | تَخَيَّلُ | وَهُوَ عَائِد عَلَى الْحِبَال وَالْعِصِيّ , وَالْبَدَل فِيهِ بَدَل اِشْتِمَال . و | تَسْعَى | مَعْنَاهُ تَمْشِي .
أَيْ أَضْمَرَ . وَقِيلَ : وَجَدَ . وَقِيلَ : أَحَسَّ . أَيْ مِنْ الْحَيَّات وَذَلِكَ عَلَى مَا يَعْرِض مِنْ طِبَاع الْبَشَر عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : خَافَ أَنْ يَفْتَتِن النَّاس قَبْل أَنْ يُلْقِي عَصَاهُ . وَقِيلَ : خَافَ حِين أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَحْي بِإِلْقَاءِ الْعَصَا أَنْ يَفْتَرِق النَّاس قَبْل ذَلِكَ فَيَفْتَتِنُوا . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْحَقَائِق : إِنَّمَا كَانَ السَّبَب أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا اِلْتَقَى بِالسَّحَرَةِ وَقَالَ لَهُمْ : | وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذِبًا فَيُسْحِتكُمْ بِعَذَابٍ | اِلْتَفَتَ فَإِذَا جِبْرِيل عَلَى يَمِينه فَقَالَ لَهُ يَا مُوسَى تَرَفَّقْ بِأَوْلِيَاءِ اللَّه . فَقَالَ مُوسَى : يَا جِبْرِيل هَؤُلَاءِ سَحَرَة جَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم لِيُبْطِلُوا الْمُعْجِزَة , وَيَنْصُرُوا دِين فِرْعَوْن , وَيَرُدُّوا دِين اللَّه , تَقُول : تَرَفَّقْ بِأَوْلِيَاءِ اللَّه ! فَقَالَ جِبْرِيل : هُمْ مِنْ السَّاعَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر عِنْدك , وَبَعْد صَلَاة الْعَصْر فِي الْجَنَّة . فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ , أَوْجَسَ فِي نَفْس مُوسَى وَخَطَرَ أَنَّ مَا يُدْرِينِي مَا عِلْم اللَّه فِيَّ , فَلَعَلِّي أَكُون الْآن فِي حَالَة , وَعِلْم اللَّه فِيَّ عَلَى خِلَافهَا كَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ .
فَلَمَّا عَلِمَ اللَّه مَا فِي قَلْبه أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ | لَا تَخَفْ إِنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى | أَيْ الْغَالِب لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَفِي الدَّرَجَات الْعُلَا فِي الْجَنَّة ; لِلنُّبُوَّةِ وَالِاصْطِفَاء الَّذِي آتَاك اللَّه بِهِ . وَأَصْل | خِيفَة | خِوْفَة فَانْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء لِانْكِسَارِ الْخَاء .
وَلَمْ يَقُلْ وَأَلْقِ عَصَاك , فَجَائِز أَنْ يَكُون تَصْغِيرًا لَهَا ; أَيْ لَا تُبَالِ بِكَثْرَةِ حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ , وَأَلْقِ الْعُوَيْد الْفَرْد الصَّغِير الْجِرْم الَّذِي فِي يَمِينك , فَإِنَّهُ بِقُدْرَةِ اللَّه يَتَلَقَّفهَا عَلَى وَحْدَته وَكَثْرَتهَا , وَصِغَره وَعِظَمهَا . وَجَائِز أَنْ يَكُون تَعْظِيمًا لَهَا أَيْ لَا تَحْفِل بِهَذِهِ الْأَجْرَام الْكَثِيرَة الْكَبِيرَة فَإِنَّ فِي يَمِينك شَيْئًا أَعْظَم مِنْهَا كُلّهَا , وَهَذِهِ عَلَى كَثْرَتهَا أَقَلّ شَيْء وَأَنْزَرهُ عِنْدهَا ; فَأَلْقِهِ يَتَلَقَّفهَا بِإِذْنِ اللَّه وَيَمْحَقهَا .</p><p>و | تَلْقَف | بِالْجَزْمِ جَوَاب الْأَمْر ; كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ تُلْقِهِ تَتَلَقَّف ; أَيْ تَأْخُذ وَتَبْتَلِع . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَحَفْص | تَلْقَف | سَاكِنَة اللَّام مِنْ لَقِفَ يَلْقَف لَقْفًا .</p><p>وَقَرَأَ اِبْن ذَكْوَان وَأَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَيَحْيَى بْن الْحَارِث | تَلْقَفُ | بِحَذْفِ التَّاء وَرَفْع الْفَاء , عَلَى مَعْنَى فَإِنَّهَا تَتَلَقَّف .</p><p>وَالْخِطَاب لِمُوسَى . وَقِيلَ : لِلْعَصَا . وَاللَّقْف الْأَخْذ بِسُرْعَةٍ , يُقَال : لَقِفْت الشَّيْء | بِالْكَسْرِ | أَلْقَفهُ لَقْفًا , وَتَلَقَّفْته أَيْضًا أَيْ تَنَاوَلْته بِسُرْعَةٍ . عَنْ يَعْقُوب : يُقَال رَجُل لَقِف ثَقِف أَيْ خَفِيف حَاذِف . وَاللَّقَف | بِالتَّحْرِيكِ | سُقُوط الْحَائِط . وَلَقَدْ لَقِفَ الْحَوْض لَقْفًا أَيْ تَهَوَّرَ مِنْ أَسْفَله وَاتَّسَعَ . وَتَلْقَف وَتَلْقَم وَتَلْهَم بِمَعْنًى . لَقِمْت اللُّقْمَة | بِالْكَسْرِ | لَقْمًا , وَتَلَقَّمْتهَا إِذَا اِبْتَلَعْتهَا فِي مُهْلَة وَكَذَلِكَ لَهِمَهُ | بِالْكَسْرِ | إِذَا اِبْتَلَعَهُ .|إِنَّمَا صَنَعُوا|أَيْ الَّذِي صَنَعُوهُ وَكَذَا | إِنَّمَا صَنَعُوا | أَيْ إِنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ .|كَيْدُ سَاحِرٍ|| كَيْد | بِالرَّفْعِ | سِحْر | بِكَسْرِ السِّين وَإِسْكَان الْحَاء ; وَهِيَ قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ إِلَّا عَاصِمًا . وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْكَيْد مُضَافًا إِلَى السِّحْر عَلَى الْإِتْبَاع مِنْ غَيْر تَقْدِير حَذْف . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام حَذْف أَيْ كَيْد ذِي سِحْر . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ | كَيْد | بِالنَّصْبِ بِوُقُوعِ الصُّنْع عَلَيْهِ و | مَا | كَافَّة وَلَا تُضْمَر هَاء | سَاحِر | بِالْإِضَافَةِ . وَالْكَيْد فِي الْحَقِيقَة عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة مُضَاف لِلسَّاحِرِ لَا لِلسِّحْرِ . وَيَجُوز فَتْح | أَنَّ | عَلَى مَعْنَى لِأَنَّ مَا صَنَعُوا كَيْد سَاحِر .|وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى|أَيْ لَا يَفُوز وَلَا يَنْجُو حَيْثُ أَتَى مِنْ الْأَرْض . وَقِيلَ : حَيْثُ اِحْتَالَ . وَقَدْ مَضَى فِي | الْبَقَرَة | حُكْم السَّاحِر وَمَعْنَى السِّحْر فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ
لَمَّا رَأَوْا مِنْ عَظِيم الْأَمْر وَخَرْق الْعَادَة فِي الْعَصَا ; فَإِنَّهَا اِبْتَلَعَتْ جَمِيع مَا اِحْتَالُوا بِهِ مِنْ الْحِبَال وَالْعِصِيّ ; وَكَانَتْ حِمْل ثَلَثمِائَةِ بَعِير ثُمَّ عَادَتْ عَصَا لَا يَعْلَم أَحَد أَيْنَ ذَهَبَتْ الْحِبَال وَالْعِصِيّ إِلَّا اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | هَذَا الْمَعْنَى وَأَمْر الْعَصَا مُسْتَوْفًى|قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى|أَيْ بِهِ ; يُقَال : آمَنَ لَهُ وَآمَنَ بِهِ ; وَمِنْهُ | فَآمَنَ لَهُ لُوط | [ الْعَنْكَبُوت : 26 ] وَفِي الْأَعْرَاف
إِنْكَار مِنْهُ عَلَيْهِمْ ; أَيْ تَعَدَّيْتُمْ وَفَعَلْتُمْ مَا لَمْ آمُركُمْ بِهِ .|إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ|أَيْ رَئِيسكُمْ فِي التَّعْلِيم , وَإِنَّمَا غَلَبَكُمْ لِأَنَّهُ أَحْذَق بِهِ مِنْكُمْ . وَإِنَّمَا أَرَادَ فِرْعَوْن بِقَوْلِهِ هَذَا لِيُشَبِّه عَلَى النَّاس حَتَّى لَا يَتَّبِعُوهُمْ فَيُؤْمِنُوا كَإِيمَانِهِمْ , وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ فِرْعَوْن أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ مُوسَى , بَلْ قَدْ عَلِمُوا السِّحْر قَبْل قُدُوم مُوسَى وَوِلَادَته .|فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ|أَيْ عَلَى جُذُوع النَّخْل . قَالَ سُوَيْد بْن أَبِي كَاهِل <br>هُمْ صَلَبُوا الْعَبْدِيّ فِي جِذْع نَخْلَة .......... فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَان إِلَّا بِأَجْدَعَا <br>فَقَطَّعَ وَصَلَّبَ حَتَّى مَاتُوا رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن هُنَا وَفِي الْأَعْرَاف | فَلَأُقَطِّعَنَّ | | ولَأُصَلِّبَنَّكُم | بِفَتْحِ الْأَلِف وَالتَّخْفِيف مِنْ قَطَعَ وَصَلَبَ .|وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى|يَعْنِي أَنَا أَمْ رَبّ مُوسَى .
يَعْنِي السَّحَرَة|لَنْ نُؤْثِرَكَ|أَيْ لَنْ نَخْتَارك|عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد مِنْ الْيَقِين وَالْعِلْم . وَقَالَ عِكْرِمَة وَغَيْره : لَمَّا سَجَدُوا أَرَاهُمْ اللَّه فِي سُجُودهمْ مَنَازِلهمْ فِي الْجَنَّة ; فَلِهَذَا قَالُوا | لَنْ نُؤْثِرك | . وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن تَسْأَل مَنْ غَلَبَ , فَقِيلَ لَهَا : غَلَبَ|مُوسَى وَهَارُون ; فَقَالَتْ : آمَنْت بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُون . فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فِرْعَوْن فَقَالَ : اُنْظُرُوا أَعْظَم صَخْرَة فَإِنْ مَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَأَلْقُوهَا عَلَيْهَا ; فَلَمَّا أَتَوْهَا رَفَعَتْ بَصَرهَا إِلَى السَّمَاء فَأَبْصَرَتْ مَنْزِلهَا فِي الْجَنَّة , فَمَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَانْتَزَعَ رُوحهَا , وَأُلْقِيَتْ الصَّخْرَة عَلَى جَسَدهَا وَلَيْسَ فِي جَسَدهَا رُوح . وَقِيلَ : قَالَ مُقَدَّم السَّحَرَة لِمَنْ يَثِق بِهِ لَمَّا رَأَى مِنْ عَصَا مُوسَى مَا رَأَى : اُنْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْحَيَّة هَلْ تَخَوَّفْت فَتَكُون جِنِّيًّا أَوْ لَمْ تَتَخَوَّف فَهِيَ مِنْ صَنْعَة الصَّانِع الَّذِي لَا يَعْزُب عَلَيْهِ مَصْنُوع ; فَقَالَ : مَا تَخَوَّفْت ; فَقَالَ : آمَنْت بِرَبِّ هَارُون وَمُوسَى .|وَالَّذِي فَطَرَنَا|قِيلَ : هُوَ مَعْطُوف عَلَى | مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات | أَيْ لَنْ نُؤْثِرك عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَلَا عَلَى الَّذِي فَطَرَنَا أَيْ خَلَقَنَا . وَقِيلَ : هُوَ قَسَم أَيْ وَاَللَّه لَنْ نُؤْثِرك .|فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ|التَّقْدِير مَا أَنْتَ قَاضِيه . وَلَيْسَتْ | مَا | هَاهُنَا الَّتِي تَكُون مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَر ; لِأَنَّ تِلْكَ تُوصَل بِالْأَفْعَالِ , وَهَذِهِ مَوْصُولَة بِابْتِدَاءٍ وَخَبَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِع . وَقِيلَ : فَاحْكُمْ مَا أَنْتَ حَاكِم ; أَيْ مِنْ الْقَطْع وَالصَّلْب . وَحُذِفَتْ الْيَاء مِنْ قَاضٍ فِي الْوَصْل لِسُكُونِهَا وَسُكُون التَّنْوِين . وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ إِثْبَاتهَا فِي الْوَقْف لِأَنَّهُ قَدْ زَالَتْ عِلَّة السَّاكِنَيْنِ .|إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا|أَيْ إِنَّمَا يَنْفُذ أَمْرك فِيهَا . وَهِيَ مَنْصُوبَة عَلَى الظَّرْف , وَالْمَعْنَى : إِنَّمَا تَقْضِي فِي مَتَاع هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا . أَوْ وَقْت هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتُقَدَّر حَذْف الْمَفْعُول . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : إِنَّمَا تَقْضِي أُمُور هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتَنْتَصِب اِنْتِصَاب الْمَفْعُول و | مَا | كَافَّة لِإِنَّ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء الرَّفْع عَلَى أَنْ تُجْعَل | مَا | بِمَعْنَى الَّذِي وَتُحْذَف الْهَاء مِنْ تَقْضِي وَرُفِعَتْ | هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا | .
أَيْ صَدَّقْنَا بِاَللَّهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَمَا جَاءَنَا بِهِ مُوسَى .|لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا|يُرِيدُونَ الشِّرْك الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ .|وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ|| مَا | فِي مَوْضِع نَصْب مَعْطُوفَة عَلَى الْخَطَايَا . وَقِيلَ : لَا مَوْضِع لَهَا وَهَي نَافِيَة ; أَيْ لِيَغْفِر لَنَا خَطَايَانَا مِنْ السِّحْر وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ . النَّحَّاس : وَالْأَوَّل أَوْلَى . الْمَهْدَوِيّ : وَفِيهِ بُعْد ; لِقَوْلِهِمْ : | إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ | وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلِ مُكْرَهِينَ ; وَلِأَنَّ الْإِكْرَاه لَيْسَ بِذَنْبٍ , وَإِنْ كَانَ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا أُكْرِهُوا عَلَى تَعْلِيمه صِغَارًا . قَالَ الْحَسَن : كَانُوا يُعَلَّمُونَ السِّحْر أَطْفَالًا ثُمَّ عَمِلُوهُ مُخْتَارِينَ بَعْد . وَيَجُوز أَنْ يَكُون | مَا | فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَيُضْمَر الْخَبَر , وَالتَّقْدِير : وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْر مَوْضُوع عَنَّا . و | مِنْ السِّحْر | عَلَى هَذَا الْقَوْل وَالْقَوْل الْأَوَّل يَتَعَلَّق ب | أَكْرَهْتنَا | . وَعَلَى أَنَّ | مَا | نَافِيَة يَتَعَلَّق ب | خَطَايَانَا | .|وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى|أَيْ ثَوَابه خَيْر وَأَبْقَى فَحَذَفَ الْمُضَاف ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : اللَّه خَيْر لَنَا مِنْك وَأَبْقَى عَذَابًا لَنَا مِنْ عَذَابك لَنَا . وَهُوَ جَوَاب قَوْله | وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّنَا أَشَدّ عَذَابًا وَأَبْقَى | وَقِيلَ : اللَّه خَيْر لَنَا إِنْ أَطَعْنَاهُ , وَأَبْقَى عَذَابًا مِنْك إِنْ عَصَيْنَاهُ .
قِيلَ هُوَ مِنْ قَوْل السَّحَرَة لَمَّا آمَنُوا . وَقِيلَ اِبْتِدَاء كَلَام مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَالْكِنَايَة فِي | إِنَّهُ | تَرْجِع إِلَى الْأَمْر وَالشَّأْن . وَيَجُوز إِنَّ مَنْ يَأْتِ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>إِنَّ مَنْ يَدْخُل الْكَنِيسَة يَوْمًا .......... يَلْقَ فِيهَا جَآذِرًا وَظِبَاء <br>أَرَادَ إِنَّهُ مَنْ يَدْخُل ; أَيْ إِنَّ الْأَمْر هَذَا ; أَنَّ الْمُجْرِم يَدْخُل النَّار , وَالْمُؤْمِن يَدْخُل الْجَنَّة . وَالْمُجْرِم الْكَافِر . وَقِيلَ : الَّذِي يَقْتَرِف الْمَعَاصِي وَيَكْتَسِبهَا . وَمَعْنَى | مَنْ يَأْتِ رَبّه مُجْرِمًا | مَنْ يَأْتِ مَوْعِد رَبّه .|فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا|وَهَذِهِ صِفَة الْكَافِر الْمُكَذِّب الْجَاحِد - عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة | النِّسَاء | وَغَيْرهَا - فَلَا يَنْتَفِع بِحَيَاتِهِ وَلَا يَسْتَرِيح بِمَوْتِهِ . قَالَ الشَّاعِر : <br>أَلَا مَنْ لِنَفْسٍ لَا تَمُوت فَيَنْقَضِي .......... شَقَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاة لَهَا طَعْم <br>وَقِيلَ : نَفْس الْكَافِر مُعَلَّقَة فِي حَنْجَرَته كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يَمُوت بِفِرَاقِهَا , وَلَا يَحْيَا بِاسْتِقْرَارِهَا .
أَيْ يَمُتْ عَلَيْهِ وَيُوَافِيه مُصَدِّقًا بِهِ .|قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ|أَيْ وَقَدْ عَمِلَ | الصَّالِحَات | أَيْ الطَّاعَات وَمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ .|فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا|أَيْ الرَّفِيعَة الَّتِي قَصُرَتْ دُونهَا الصِّفَات . وَدَلَّ قَوْله : | وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا | عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُجْرِمِ الْمُشْرِك .
بَيَان لِلدَّرَجَاتِ وَبَدَل مِنْهَا , وَالْعَدْن الْإِقَامَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه|تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا|أَيْ مِنْ تَحْت غُرَفهَا وَسُرَرهَا|الْأَنْهَارُ|مِنْ الْخَمْر وَالْعَسَل وَاللَّبَن وَالْمَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ|خَالِدِينَ فِيهَا|أَيْ مَاكِثِينَ دَائِمِينَ .|وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى|أَيْ مَنْ تَطَهَّرَ مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي . وَمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ قَوْل السَّحَرَة قَالَ : لَعَلَّ السَّحَرَة سَمِعُوهُ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ كَانَ فِيهِمْ بِمِصْر أَقْوَام , وَكَانَ فِيهِمْ أَيْضًا الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِلْهَامًا مِنْ اللَّه لَهُمْ أَنْطَقَهُمْ بِذَلِكَ لَمَّا آمَنُوا ; وَاَللَّه أَعْلَم .
لَمَّا كَانَ مِنْ سُنَّته تَعَالَى فِي عِبَاده إِنْجَاء الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ , الْمُعْتَرِفِينَ بِرِسَالَةِ رُسُله وَأَنْبِيَائِهِ , وَإِهْلَاك الْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ , أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَخْرُج بِبَنِي إِسْرَائِيل لَيْلًا وَسَمَّاهُمْ عِبَاده ; لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُوسَى .|فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا|أَيْ يَابِسًا لَا طِين فِيهِ وَلَا مَاء . وَقَدْ مَضَى فِي | الْبَقَرَة | ضَرْب مُوسَى الْبَحْر وَكُنْيَته إِيَّاهُ وَإِغْرَاق فِرْعَوْن فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ ||لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى|أَيْ لِحَاقًا مِنْ فِرْعَوْن وَجُنُوده .</p><p>| وَلَا تَخْشَى | قَالَ اِبْن جُرَيْج قَالَ أَصْحَاب مُوسَى : هَذَا فِرْعَوْن قَدْ أَدْرَكَنَا , وَهَذَا الْبَحْر قَدْ غَشِيَنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى | لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى | أَيْ لَا تَخَاف دَرَكًا مِنْ فِرْعَوْن وَلَا تَخْشَى غَرَقًا مِنْ الْبَحْر أَنْ يَمَسَّك إِنْ غَشِيَك . وَقَرَأَ حَمْزَة | لَا تَخَفْ | عَلَى أَنَّهُ جَوَاب الْأَمْر . التَّقْدِير إِنْ تَضْرِب لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر لَا تَخَفْ . و | لَا تَخْشَى | مُسْتَأْنَف عَلَى تَقْدِير : وَلَا أَنْتَ تَخْشَى . أَوْ يَكُون مَجْزُومًا وَالْأَلِف مُشَبَّعَة مِنْ فَتْحَة ; كَقَوْلِهِ : | فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا | [ الْأَحْزَاب : 67 ] أَوْ يَكُون عَلَى حَدّ قَوْل الشَّاعِر : <br>كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرَا يَمَانِيَا <br>عَلَى تَقْدِير حَذْف الْحَرَكَة كَمَا تُحْذَف حَرَكَة الصَّحِيح . وَهَذَا مَذْهَب الْفَرَّاء . وَقَالَ آخَر : <br>هَجَوْت زَبَّان ثُمَّ جِئْت مُعْتَذِرًا .......... مِنْ هَجْو زَبَّان لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ <br>وَقَالَ آخَر <br>أَلَمْ يَأْتِيك وَالْأَنْبَاء تَنْمِي .......... بِمَا لَاقَتْ لَبُون بَنِي زِيَاد <br>قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَقْبَح الْغَلَط أَنْ يُحْمَل كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الشُّذُوذ مِنْ الشِّعْر ; وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ الشِّعْر لَا يُشْبِه مِنْ الْآيَة شَيْئًا ; لِأَنَّ الْيَاء وَالْوَاو مُخَالِفَتَانِ لِلْأَلِفِ ; لِأَنَّهُمَا تَتَحَرَّكَانِ وَالْأَلِف لَا تَتَحَرَّك , وَلِلشَّاعِرِ إِذَا اُضْطُرَّ أَنْ يُقَدِّرهُمَا مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ تُحْذَف الْحَرَكَة لِلْجَزْمِ , وَهَذَا مُحَال فِي الْأَلِف ; وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَن لِأَنَّ بَعْده | وَلَا تَخْشَى | مُجْمَع عَلَيْهِ بِلَا جَزْم ; وَفِيهَا ثَلَاث تَقْدِيرَات :</p><p>الْأَوَّل أَنْ يَكُون | لَا تَخَاف | فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْمُخَاطَب , التَّقْدِير فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا غَيْر خَائِف وَلَا خَاشٍ .</p><p>الثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع النَّعْت لِلطَّرِيقِ ; لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى يَبَس الَّذِي هُوَ صِفَة , وَيَكُون التَّقْدِير لَا تَخَاف فِيهِ ; فَحَذَفَ الرَّاجِع مِنْ الصِّفَة .</p><p>وَالثَّالِث : أَنْ يَكُون مُنْقَطِعًا خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف تَقْدِيره وَأَنْتَ لَا تَخَاف
أَيْ اِتَّبَعَهُمْ وَمَعَهُ جُنُوده , وَقُرِئَ | فَاتَّبَعَهُمْ | بِالتَّشْدِيدِ فَتَكُون الْبَاء فِي | بِجُنُودِهِ | عَدَّتْ الْفِعْل إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي ; لِأَنَّ اِتَّبَعَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُول وَاحِد . أَيْ تَبِعَهُمْ لِيَلْحَقهُمْ بِجُنُودِهِ أَيْ مَعَ جُنُوده كَمَا يُقَال : رَكِبَ الْأَمِير بِسَيْفِهِ أَيْ مَعَ سَيْفه . وَمَنْ قَطَعَ | فَأَتْبَع | يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ : فَيَجُوز أَنْ تَكُون الْبَاء زَائِدَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِقْتَصَرَ عَلَى مَفْعُول وَاحِد . يُقَال : تَبِعَهُ وَأَتْبَعهُ وَلَحِقَهُ وَأَلْحَقَهُ بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَوْله : | بِجُنُودِهِ | فِي مَوْضِع الْحَال ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَأَتْبَعَهُمْ سَائِقًا جُنُوده .|فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ|أَيْ أَصَابَهُمْ مِنْ الْبَحْر مَا غَرَّقَهُمْ , وَكَرَّرَ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيم وَالْمَعْرِفَة بِالْأَمْرِ .
أَيْ أَضَلَّهُمْ عَنْ الرُّشْد وَمَا هَدَاهُمْ إِلَى خَيْر وَلَا نَجَاة ; لِأَنَّهُ قَدَّرَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَنْ مَعَهُ لَا يَفُوتُونَهُ ; لِأَنَّ بَيْن أَيْدِيهمْ الْبَحْر . فَلَمَّا ضَرَبَ مُوسَى الْبَحْر بِعَصَاهُ اِنْفَلَقَ مِنْهُ اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا وَبَيْن الطُّرُق الْمَاء قَائِمًا كَالْجِبَالِ . وَفِي سُورَة الشُّعَرَاء | فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم | أَيْ الْجَبَل الْكَبِير ; فَأَخَذَ كُلّ سِبْط طَرِيقًا . وَأَوْحَى اللَّه إِلَى أَطْوَاد الْمَاء أَنْ تَشَبَّكِي فَصَارَتْ شَبَكَات يَرَى بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَسْمَع بَعْضهمْ كَلَام بَعْض , وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَم الْمُعْجِزَات , وَأَكْبَر الْآيَات , فَلَمَّا أَقْبَلَ فِرْعَوْن وَرَأَى الطُّرُق فِي الْبَحْر وَالْمَاء قَائِمًا أَوْهَمَهُمْ أَنَّ الْبَحْر فَعَلَ هَذَا لِهَيْبَتِهِ , فَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابه فَانْطَبَقَ الْبَحْر عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ إِنَّ قَوْله : | وَمَا هَدَى | تَأْكِيد لِإِضْلَالِهِ إِيَّاهُمْ . وَقِيلَ هُوَ جَوَاب قَوْل فِرْعَوْن | مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيل الرَّشَاد | [ غَافِر : 29 ] فَكَذَّبَهُ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس | وَمَا هَدَى | أَيْ مَا هَدَى نَفْسه بَلْ أَهْلَكَ نَفْسه وَقَوْمه .
لَمَّا أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْن قَالَ لَهُمْ هَذَا لِيَشْكُرُوا .|عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ|| جَانِب | نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي | لِوَاعَدْنَا | وَلَا يَحْسُن أَنْ يَنْتَصِب عَلَى الظَّرْف ; لِأَنَّهُ ظَرْف مَكَان غَيْر مُبْهَم . وَإِنَّمَا تَتَعَدَّى الْأَفْعَال وَالْمَصَادِر إِلَى ظُرُوف الْمَكَان بِغَيْرِ حَرْف جَرّ إِذَا كَانَتْ مُبْهَمَة . قَالَ مَكِّيّ هَذَا أَصْل لَا خِلَاف فِيهِ ; وَتَقْدِير الْآيَة . وَوَاعَدْنَاكُمْ إِتْيَان جَانِب الطُّور ; ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَاف . قَالَ النَّحَّاس : أَيْ أَمَرْنَا مُوسَى أَنْ يَأْمُركُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ لِيُكَلِّمهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَتَسْمَعُوا الْكَلَام . وَقِيلَ : وَعَدَ مُوسَى بَعْد إِغْرَاق فِرْعَوْن أَنْ يَأْتِي جَانِب الطُّور الْأَيْمَن فَيُؤْتِيه التَّوْرَاة , فَالْوَعْد كَانَ لِمُوسَى وَلَكِنْ خُوطِبُوا بِهِ لِأَنَّ الْوَعْد كَانَ لِأَجْلِهِمْ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو | وَوَعَدْنَاكُمْ | بِغَيْرِ أَلِف وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; لِأَنَّ الْوَعْد إِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى خَاصَّة , وَالْمُوَاعَدَة لَا تَكُون إِلَّا مِنْ اِثْنَيْنِ . وَقَدْ مَضَى فِي | الْبَقَرَة | هَذَا الْمَعْنَى و | الْأَيْمَن | نُصِبَ ; لِأَنَّهُ نَعْت لِلْجَانِبِ وَلَيْسَ لِلْجَبَلِ يَمِين وَلَا شِمَال , فَإِذَا قِيلَ : خُذْ عَنْ يَمِين الْجَبَل فَمَعْنَاهُ خُذْ عَلَى يَمِينك مِنْ الْجَبَل . وَكَانَ الْجَبَل عَلَى يَمِين مُوسَى إِذْ أَتَاهُ .|الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ|أَيْ فِي التِّيه . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ
أَيْ مِنْ لَذِيذ الرِّزْق . وَقِيلَ : مِنْ حَلَاله إِذْ لَا صُنْع فِيهِ لِآدَمِيٍّ فَتَدْخُلهُ شُبْهَة .|وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ|أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ السَّعَة وَالْعَافِيَة أَنْ تَعْصُوا ; لِأَنَّ الطُّغْيَان التَّجَاوُز إِلَى مَا لَا يَجُوز . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَيْ لَا تَكْفُرُوا النِّعْمَة وَلَا تَنْسُوا شُكْر الْمُنْعِم بِهَا عَلَيْكُمْ .</p><p>وَقِيلَ : أَيْ وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بِهَا شَيْئًا آخَر كَمَا قَالَ : | أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر | [ الْبَقَرَة : 61 ] وَقِيلَ : لَا تَدَّخِرُوا مِنْهُ لِأَكْثَر مِنْ يَوْم وَلَيْلَة ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَيَتَدَوَّد عَلَيْهِمْ مَا اِدَّخَرُوهُ ; وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا تَدَوَّدَ طَعَام أَبَدًا .|فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي|أَيْ يَجِب وَيَنْزِل , وَهُوَ مَنْصُوب بِالْفَاءِ فِي جَوَاب النَّهْي مِنْ قَوْله : | وَلَا تَطْغَوْا | . | فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي | قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْكِسَائِيّ | فَيَحُلّ | بِضَمِّ الْحَاء|وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى|قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْكِسَائِيّ | وَمَنْ يَحْلُلْ | بِضَمِّ اللَّام الْأُولَى . وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وَهُمَا لُغَتَانِ . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره : أَنَّهُ يُقَال حَلَّ يَحِلّ إِذَا وَجَبَ وَحَلَّ يَحُلّ إِذَا نَزَلَ . وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاء : الضَّمّ مِنْ الْحُلُول بِمَعْنَى الْوُقُوع وَالْكَسْر مِنْ الْوُجُوب . وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ إِلَّا أَنَّ الْكَسْر أَوْلَى ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْله : | وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَاب مُقِيم | [ هُود : 39 ] . وَغَضَب اللَّه عِقَابه وَنِقْمَته وَعَذَابه . | فَقَدْ هَوَى | قَالَ الزَّجَّاج : فَقَدْ هَلَكَ ; أَيْ صَارَ إِلَى الْهَاوِيَة وَهِيَ قَعْر النَّار , مِنْ هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا أَيْ سَقَطَ مِنْ عُلْو إِلَى سُفْل , وَهَوَى فُلَان أَيْ مَاتَ . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش قَالَ حَدَّثَنَا ثَعْلَبَة بْن مُسْلِم عَنْ أَيُّوب بْن بَشِير عَنْ شُفَيّ الْأَصْبَحِيّ قَالَ : إِنَّ فِي جَهَنَّم جَبَلًا يُدْعَى صَعُودًا يَطَّلِع فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْل أَنْ يَرْقَاهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا | [ الْمُدَّثِّر : 17 ] وَإِنَّ فِي جَهَنَّم قَصْرًا يُقَال لَهُ هَوَى يُرْمَى الْكَافِر مِنْ أَعْلَاهُ فَيَهْوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْل أَنْ يَبْلُغ أَصْله قَالَ اللَّه تَعَالَى | وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى | وَذَكَرَ الْحَدِيث ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | .
أَيْ مِنْ الشِّرْك .|وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى|أَيْ أَقَامَ عَلَى إِيمَانه حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ ; قَالَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ لَمْ يَشُكّ فِي إِيمَانه ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : أَقَامَ عَلَى السُّنَّة وَالْجَمَاعَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ أَنَس : أَخَذَ بِسُنَّةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ , وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَقَوْل خَامِس : أَصَابَ الْعَمَل ; قَالَهُ اِبْن زَيْد ; وَعَنْهُ أَيْضًا تَعَلَّمَ الْعِلْم لِيَهْتَدِيَ كَيْفَ يَفْعَل ; ذَكَرَ الْأَوَّل الْمَهْدَوِيّ , وَالثَّانِي الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : عَلِمَ أَنَّ لِذَلِكَ ثَوَابًا وَعَلَيْهِ عِقَابًا ; وَقَالَهُ الْفَرَّاء : وَقَوْل ثَامِن : | ثُمَّ اِهْتَدَى | فِي وِلَايَة أَهْل بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ ثَابِت الْبُنَانِيّ . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَحْسَن هَذِهِ الْأَقْوَال - إِنْ شَاءَ اللَّه - وَإِلَيْهِ يَرْجِع سَائِرهَا . قَالَ وَكِيع عَنْ سُفْيَان : كُنَّا نَسْمَع فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : | وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ | أَيْ مِنْ الشِّرْك | وَآمَنَ | أَيْ بَعْد الشِّرْك | وَعَمِلَ صَالِحًا | صَلَّى وَصَامَ | ثُمَّ اِهْتَدَى | مَاتَ عَلَى ذَلِكَ .
أَيْ مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تَسْبِقهُمْ . قِيلَ : عَنَى بِالْقَوْمِ جَمِيع بَنِي إِسْرَائِيل ; فَعَلَى هَذَا قِيلَ : اِسْتَخْلَفَ هَارُون عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَخَرَجَ مَعَهُ بِسَبْعِينَ رَجُلًا لِلْمِيقَاتِ .
قَوْلُهُ | هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي | لَيْسَ يُرِيد أَنَّهُمْ يَسِيرُونَ خَلْفه مُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ , بَلْ أَرَادَ أَنَّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنِّي يَنْتَظِرُونَ عَوْدِي إِلَيْهِمْ . وَقِيلَ : لَا بَلْ كَانَ أَمْر هَارُون بِأَنْ يَتَّبِع فِي بَنِي إِسْرَائِيل أَثَره وَيَلْتَحِقُوا بِهِ . وَقَالَ قَوْم : أَرَادَ بِالْقَوْمِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ , وَكَانَ مُوسَى لَمَّا قَرُبَ مِنْ الطُّور سَبَقَهُمْ شَوْقًا إِلَى سَمَاع كَلَام اللَّه . وَقِيلَ : لَمَّا وَفَدَ إِلَى طُور سَيْنَاء بِالْوَعْدِ اِشْتَاقَ إِلَى رَبّه وَطَالَتْ عَلَيْهِ الْمَسَافَة مِنْ شِدَّة الشَّوْق إِلَى اللَّه تَعَالَى , فَضَاقَ بِهِ الْأَمْر شَقَّ قَمِيصه , ثُمَّ لَمْ يَصْبِر حَتَّى خَلَّفَهُمْ وَمَضَى وَحْده ; فَلَمَّا وَقَفَ فِي مَقَامه قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : | مَا أَعْجَلك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى | فَبَقِيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَحَيِّرًا عَنْ الْجَوَاب وَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ : | هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي | وَإِنَّمَا سَأَلَهُ السَّبَب الَّذِي أَعْجَله بِقَوْلِهِ | مَا | فَأَخْبَرَ عَنْ مَجِيئِهِمْ بِالْأَثَرِ . ثُمَّ قَالَ | وَعَجِلْت إِلَيْك رَبّ لِتَرْضَى | فَكَنَّى عَنْ ذِكْر الشَّوْق وَصِدْقه إِلَى اِبْتِغَاء الرِّضَا . ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : | وَعَجِلْت إِلَيْك رَبّ لِتَرْضَى | قَالَ : شَوْقًا . وَكَانَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِذَا آوَتْ إِلَى فِرَاشهَا تَقُول : هَاتُوا الْمَجِيد . فَتُؤْتَى بِالْمُصْحَفِ فَتَأْخُذهُ فِي صَدْرهَا وَتَنَام مَعَهُ تَتَسَلَّى بِذَلِكَ ; رَوَاهُ سُفْيَان عَنْ مِسْعَر عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاء خَلَعَ ثِيَابه وَتَجَرَّدَ حَتَّى يُصِيبهُ الْمَطَر وَيَقُول : | إِنَّهُ حَدِيث عَهْد بِرَبِّي | فَهَذَا مِنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ بَعْده مِنْ قَبِيل الشَّوْق ; وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ اِسْمه فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ : | طَالَ شَوْق الْأَبْرَار إِلَى لِقَائِي وَأَنَا إِلَى لِقَائِهِمْ أَشْوَق | . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ اللَّه عَالِمًا وَلَكِنْ قَالَ | وَمَا أَعْجَلك عَنْ قَوْمك | رَحْمَة لِمُوسَى , وَإِكْرَامًا لَهُ بِهَذَا الْقَوْل , وَتَسْكِينًا لِقَلْبِهِ , وَرِقَّة عَلَيْهِ ; فَقَالَ مُجِيبًا لِرَبِّهِ : | هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي | . قَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ عِيسَى : بَنُو تَمِيم يَقُولُونَ : | هُمْ أُولَى | مَقْصُورَة مُرْسَلَة , وَأَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ | أُولَاءِ | مَمْدُودَة . وَحَكَى الْفَرَّاء | هُمْ أُولَايَ عَلَى أَثَرِي | وَزَعَمَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : أَنَّ هَذَا لَا وَجْه لَهُ . قَالَ النَّحَّاس وَهُوَ كَمَا قَالَ : لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُضَاف فَيَكُون مِثْل هُدَايَ . وَلَا يَخْلُو مِنْ إِحْدَى جِهَتَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون اِسْمًا مُبْهَمًا فَإِضَافَته مُحَال ; وَإِمَّا أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الَّذِينَ فَلَا يُضَاف أَيْضًا ; لِأَنَّ مَا بَعْده مِنْ تَمَامه وَهُوَ مَعْرِفَة . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَنَصْر وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب | عَلَى إِثْرِي | بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الثَّاء وَهُوَ بِمَعْنَى أَثَر , لُغَتَانِ .|وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى|عَجِلْت إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَمَرْتنِي بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ لِتَرْضَى عَنِّي . يُقَال : رَجُل عَجِل وَعُجُل وَعَجُول وَعَجْلَان بَيِّن الْعَجَلَة ; وَالْعَجَلَة خِلَاف الْبُطْء .
أَيْ اِخْتَبَرْنَاهُمْ وَامْتَحَنَّاهُمْ بِأَنْ يَسْتَدِلُّوا عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .|وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ|أَيْ دَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَة أَوْ هُوَ سَبَبهَا . وَقِيلَ : فَتَنَّاهُمْ أَلْقَيْنَاهُمْ فِي الْفِتْنَة : أَيْ زَيَّنَّا لَهُمْ عِبَادَة الْعِجْل ; وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى : | إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك | [ الْأَعْرَاف : 155 ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : كَانَ السَّامِرِيّ مِنْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْبَقَر , فَوَقَعَ بِأَرْضِ مِصْر فَدَخَلَ فِي دِين بَنِي إِسْرَائِيل بِظَاهِرِهِ , وَفِي قَلْبه مَا فِيهِ مِنْ عِبَادَة الْبَقَر . وَقِيلَ : كَانَ رَجُلًا مِنْ الْقِبْط , وَكَانَ جَارًا لِمُوسَى آمَنَ بِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ . وَقِيلَ كَانَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل , مِنْ قَبِيلَة تُعْرَف بِالسَّامِرَةِ وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالشَّامِ . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَ مِنْ أَهْل كَرْمَانِ .
لَمْ يَنْصَرِف | غَضْبَان | لِأَنَّ مُؤَنَّثه غَضْبَى , وَلِأَنَّ الْأَلِف وَالنُّون فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَلِفَيْ التَّأْنِيث فِي قَوْلك حَمْرَاء . وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَال . و | أَسِفًا | شَدِيد الْغَضَب . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : الْأَسَف مَنْزِلَة وَرَاء الْغَضَب أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ . وَهُوَ أَسِف وَأَسِيف وَأَسْفَان وَأَسُوف . وَالْأَسِيف أَيْضًا الْحَزِين . اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : رَجَعَ حَزِينًا مِنْ صَنِيع قَوْمه . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : أَخْبَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَبْل رُجُوعه أَنَّهُمْ قَدْ فُتِنُوا بِالْعِجْلِ ; فَلِذَلِكَ رَجَعَ وَهُوَ غَضْبَان . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ أَعْظَم النَّاس غَضَبًا , لَكِنَّهُ كَانَ سَرِيع الْفَيْئَة ; فَتِلْكَ بِتِلْكَ . قَالَ اِبْن الْقَاسِم : سَمِعْت مَالِكًا يَقُول : كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا غَضِبَ طَلَعَ الدُّخَان مِنْ قَلَنْسُوَته , وَرَفَعَ شَعْر بَدَنه جُبَّته . وَذَلِكَ أَنَّ الْغَضَب جَمْرَة تَتَوَقَّد فِي الْقَلْب . وَلِأَجْلِهِ أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَضِبَ أَنْ يَضْطَجِع . فَإِنْ لَمْ يَذْهَب غَضَبه اِغْتَسَلَ ; فَيُخْمِدهَا اِضْطِجَاعه وَيُطْفِئهَا اِغْتِسَاله . وَسُرْعَة غَضَبه كَانَ سَبَبًا لِصَكِّهِ مَلَك الْمَوْت فَفَقَأَ عَيْنه . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي | الْمَائِدَة | مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : وَإِنَّمَا اِسْتَجَازَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَلِيم اللَّه ; كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ مَنْ اِجْتَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ مَدّ إِلَيْهِ يَدًا بِأَذًى فَقَدْ عَظُمَ الْخَطْب فِيهِ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ اِحْتَجَّ عَلَيْهِ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ تَنْزِع رُوحِي ؟ أَمِنْ فَمِي وَقَدْ نَاجَيْت بِهِ رَبِّي ! أَمْ مِنْ سَمْعِي وَقَدْ سَمِعْت بِهِ كَلَام رَبِّي ! أَمْ مِنْ يَدِي وَقَدْ قَبَضْت مِنْهُ الْأَلْوَاح ! أَمْ مِنْ قَدَمِي وَقَدْ قُمْت بَيْن يَدَيْهِ أُكَلِّمهُ بِالطُّورِ ! أَمْ مِنْ عَيْنِي وَقَدْ أَشْرَقَ وَجْهِيَ لِنُورِهِ . فَرَجَعَ إِلَى رَبّه مُفْحَمًا . وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا : ( إِذَا غَضِبَ أَحَدكُمْ وَهُوَ قَائِم فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَب وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ ) . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي وَائِل الْقَاصّ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُرْوَة بْن مُحَمَّد السَّعْدِيّ فَكَلَّمَهُ رَجُل فَأَغْضَبَهُ ; فَقَامَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَوَضَّأَ , فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَطِيَّة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْغَضَب مِنْ الشَّيْطَان وَإِنَّ الشَّيْطَان خُلِقَ مِنْ النَّار وَإِنَّمَا تُطْفَأ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ) .|قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا|وَعَدَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّة إِذَا أَقَامُوا عَلَى طَاعَته , وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ يُسْمِعهُمْ كَلَامه , فِي التَّوْرَاة عَلَى لِسَان مُوسَى ; لِيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا فَيَسْتَحِقُّوا ثَوَاب عَمَلهمْ . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ النَّصْر وَالظَّفَر . وَقِيلَ : وَعْده قَوْله : | وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ | الْآيَة .|حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ|أَيْ أَفَنَسِيتُمْ ; كَمَا قِيلَ ; وَالشَّيْء قَدْ يُنْسَى لِطُولِ الْعَهْد .|الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ||يَحِلّ | أَيْ يَجِب وَيَنْزِل . وَالْغَضَب الْعُقُوبَة وَالنِّقْمَة . وَالْمَعْنَى أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلًا يَكُون سَبَب حُلُول غَضَب اللَّه بِكُمْ ; لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَطْلُب غَضَب اللَّه , بَلْ قَدْ يَرْتَكِب مَا يَكُون سَبَبًا لِلْغَضَبِ .|رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ|لِأَنَّهُمْ وَعَدُوهُ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ مِنْ الطُّور . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ عَلَى أَثَره لِلْمِيقَاتِ فَتَوَقَّفُوا .
بِفَتْحِ الْمِيم , وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَعَاصِم وَعِيسَى بْن عُمَر . قَالَ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : وَمَعْنَاهُ بِطَاقَتِنَا . اِبْن زَيْد : لَمْ نَمْلِك أَنْفُسنَا أَيْ كُنَّا مُضْطَرِّينَ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامِر | بِمِلْكِنَا | بِكَسْرِ الْمِيم . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِأَنَّهَا اللُّغَة الْعَالِيَة . وَهُوَ مَصْدَر مَلَكْت الشَّيْء أَمْلِكهُ مِلْكًا . وَالْمَصْدَر مُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف ; كَأَنَّهُ قَالَ : بِمِلْكِنَا الصَّوَاب بَلْ أَخْطَأْنَا فَهُوَ اِعْتِرَاف مِنْهُمْ بِالْخَطَأِ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | بِمُلْكِنَا | بِضَمِّ الْمِيم وَالْمَعْنَى بِسُلْطَانِنَا . أَيْ لَمْ يَكُنْ لَنَا مُلْك فَنُخْلِف مَوْعِدك . ثُمَّ قِيلَ قَوْله : | قَالُوا | عَامّ يُرَاد بِهِ الْخَاصّ , أَيْ قَالَ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى طَاعَة اللَّه إِلَى أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ مِنْ الطُّور : | مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدك بِمَلْكِنَا | وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر أَلْفًا وَكَانَ جَمِيع بَنِي إِسْرَائِيل سِتّمِائَةِ أَلْف .|وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا|بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم مَكْسُورَة ; قَرَأَهُ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر وَحَفْص وَرُوَيْس . الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْحَرْفَيْنِ خَفِيفَة . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا حُلِيّ الْقَوْم مَعَهُمْ وَمَا حَمَلُوهُ كُرْهًا .|أَوْزَارًا|أَيْ أَثْقَالًا|مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ|أَيْ مِنْ حُلِيّهمْ ; وَكَانُوا اِسْتَعَارُوهُ حِين أَرَادُوا الْخُرُوج مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَأَوْهَمُوهُمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي عِيد لَهُمْ أَوْ وَلِيمَة . وَقِيلَ : هُوَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ آل فِرْعَوْن , لَمَّا قَذَفَهُمْ الْبَحْر إِلَى السَّاحِل . وَسُمِّيَتْ أَوْزَارًا بِسَبَبِ أَنَّهَا كَانَتْ آثَامًا . أَيْ لَمْ يَحِلّ لَهُمْ أَخْذهَا وَلَمْ تَحِلّ لَهُمْ الْغَنَائِم , وَأَيْضًا فَالْأَوْزَار هِيَ الْأَثْقَال فِي اللُّغَة .|فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ|أَيْ ثَقُلَ عَلَيْنَا حَمْل مَا كَانَ مَعَنَا مِنْ الْحُلِيّ فَقَذَفْنَاهُ فِي النَّار لِيَذُوبَ , أَيْ طَرَحْنَاهُ فِيهَا . وَقِيلَ : طَرَحْنَاهُ إِلَى السَّامِرِيّ لِتَرْجِع فَتَرَى فِيهَا رَأْيك .
قَالَ قَتَادَة : إِنَّ السَّامِرِيّ قَالَ لَهُمْ حِين اِسْتَبْطَأَ الْقَوْم مُوسَى : إِنَّمَا اِحْتَبَسَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَجْل مَا عِنْدكُمْ مِنْ الْحُلِيّ ; فَجَمَعُوهُ وَدَفَعُوهُ إِلَى السَّامِرِيّ فَرَمَى بِهِ فِي النَّار وَصَاغَ لَهُمْ مِنْهُ عِجْلًا , ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَس الرَّسُول وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ مَعْمَر : الْفَرَس الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جِبْرِيل هُوَ الْحَيَاة , فَلَمَّا أَلْقَى عَلَيْهِ الْقَبْضَة صَارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار .</p><p>وَالْخُوَار صَوْت الْبَقَر .</p><p>وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا اِنْسَكَبَتْ الْحُلِيّ فِي النَّار , جَاءَ السَّامِرِيّ وَقَالَ لِهَارُون : يَا نَبِيّ اللَّه أَؤُلْقِيَ مَا فِي يَدِي - وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ كَبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ غَيْره مِنْ الْحُلِيّ - فَقَذَفَ التُّرَاب فِيهِ , وَقَالَ : كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار ; فَكَانَ كَمَا قَالَ لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَة ; فَخَارَ خَوْرَة وَاحِدَة لَمْ يُتْبِعهَا مِثْلهَا . وَقِيلَ : خُوَاره وَصَوْته كَانَ بِالرِّيحِ ; لِأَنَّهُ كَانَ عَمِلَ فِيهِ خُرُوقًا فَإِذَا دَخَلَتْ الرِّيح فِي جَوْفه خَارَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاة . وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل كَانَ عِجْلًا مِنْ لَحْم وَدَم , وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَرَوَى حَمَّاد عَنْ سِمَاك عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَرَّ هَارُون بِالسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصْنَع الْعِجْل فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : يَنْفَع وَلَا يَضُرّ ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَك عَلَى مَا فِي نَفْسه ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك أَنْ يَخُور . وَكَانَ إِذَا خَارَ سَجَدُوا , وَكَانَ الْخُوَار مِنْ دَعْوَة هَارُون . قَالَ اِبْن عَبَّاس : خَارَ كَمَا يَخُور الْحَيّ مِنْ الْعُجُول . وَرَوَى أَنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبّ هَذَا السَّامِرِيّ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار مِنْ حُلِيّهمْ , فَمَنْ جَعَلَ الْجَسَد وَالْخُوَار ؟ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا . قَالَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَعِزَّتك وَجَلَالك وَارْتِفَاعك وَعُلُوّك وَسُلْطَانك مَا أَضَلَّهُمْ غَيْرك . قَالَ : صَدَقْت يَا حَكِيم الْحُكَمَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلّه فِي سُورَة | الْأَعْرَاف ||فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى|أَيْ قَالَ السَّامِرِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَكَانُوا مَيَّالِينَ إِلَى التَّشْبِيه ; إِذَا قَالُوا | اِجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة | [ الْأَعْرَاف 138 ]|فَنَسِيَ|أَيْ فَضَلَّ مُوسَى [ وَذَهَبَ ] بِطَلَبِهِ فَلَمْ يَعْلَم مَكَانه , وَأَخْطَأَ الطَّرِيق إِلَى رَبّه . وَقِيلَ مَعْنَاهُ : فَتَرَكَهُ مُوسَى هُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبهُ . أَيْ تَرَكَ مُوسَى إِلَهه هُنَا . وَرَوَى إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَيْ فَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يَذْكُر لَكُمْ أَنَّهُ إِلَهه . وَقِيلَ : الْخِطَاب خَبَر عَنْ السَّامِرِيّ . أَيْ تَرَكَ السَّامِرِيّ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوسَى مِنْ الْإِيمَان فَضَلَّ ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ .
فَقَالَ اللَّه تَعَالَى مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ : | أَفَلَا يَرَوْنَ | أَيْ يَعْتَبِرُونَ وَيَتَفَكَّرُونَ . فِي أَنَّه | لَّا يَرْجِع إِلَيْهِمْ قَوْلًا | .|أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا|أَيْ لَا يُكَلِّمهُمْ . وَقِيلَ : لَا يَعُود إِلَى الْخُوَار وَالصَّوْت . | أَنْ لَا يَرْجِع | تَقْدِيره أَنَّهُ لَا يَرْجِع فَلِذَلِكَ اِرْتَفَعَ الْفِعْل فَخُفِّفَتْ | أَنْ | وَحُذِفَ الضَّمِير . وَهُوَ الِاخْتِيَار فِي الرُّؤْيَة وَالْعِلْم وَالظَّنّ . قَالَ <br>فِي فِتْيَة مِنْ سُيُوف الْهِنْد قَدْ عَلِمُوا .......... أَنْ هَالِكٌ كُلّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِل <br>وَقَدْ يُحْذَف مَعَ التَّشْدِيد ; قَالَ <br>فَلَوْ كُنْت ضَبِّيًّا عَرَفْت قَرَابَتِي .......... وَلَكِنَّ زِنْجِيّ عَظِيم الْمَشَافِر <br>أَيْ وَلَكِنَّك .|وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا|فَكَيْفَ يَكُون إِلَهًا ؟ وَاَلَّذِي يَعْبُدهُ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْفَع وَيُثِيب وَيُعْطِي وَيَمْنَع .
أَيْ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي مُوسَى وَيَرْجِع إِلَيْهِمْ|يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ|أَيْ اُبْتُلِيتُمْ وَأُضْلِلْتُمْ بِهِ ; أَيْ بِالْعِجْلِ .|بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ|لَا الْعِجْل .|الرَّحْمَنُ|فِي عِبَادَته .|فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا|لَا أَمْر السَّامِرِيّ . أَوْ فَاتَّبِعُونِي فِي مَسِيرِي إِلَى مُوسَى وَدَعُوا الْعِجْل . فَعَصَوْهُ
أَيْ لَنْ نِزَال مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَة الْعِجْل .|حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى|فَيَنْظُر هَلْ يَعْبُدهُ كَمَا عَبَدْنَاهُ ; فَتَوَهَّمُوا أَنَّ مُوسَى يَعْبُد الْعِجْل , فَاعْتَزَلَهُمْ هَارُون فِي اثْنَيْ عَشَر أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْل , فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى وَسَمِعَ الصِّيَاح وَالْجَلَبَة وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْل الْعِجْل قَالَ لِلسَّبْعِينَ مَعَهُ هَذَا صَوْت الْفِتْنَة ; فَلَمَّا رَأَى هَارُون أَخَذَ شَعْر رَأْسه بِيَمِينِهِ وَلِحْيَته بِشِمَالِهِ غَضَبًا
أَيْ أَخْطَئُوا الطَّرِيق وَكَفَرُوا .
| لَا | زَائِدَة أَيْ أَنْ تَتَّبِع أَمْرِي وَوَصِيَّتِي . وَقِيلَ : مَا مَنَعَك عَنْ اِتِّبَاعِي فِي الْإِنْكَار عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ هَلَّا قَاتَلْتهمْ إِذْ قَدْ عَلِمْت أَنِّي لَوْ كُنْت بَيْنهمْ لَقَاتَلْتهمْ عَلَى كُفْرهمْ . وَقِيلَ : مَا مَنَعَك مِنْ اللُّحُوق بِي لَمَّا فُتِنُوا .|أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي|يُرِيد أَنَّ مَقَامك بَيْنهمْ وَقَدْ عَبَدُوا غَيْر اللَّه تَعَالَى عِصْيَان مِنْك لِي ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ هَلَّا فَارَقْتهمْ فَتَكُون مُفَارَقَتك إِيَّاهُمْ تَقْرِيعًا لَهُمْ وَزَجْرًا . وَمَعْنَى : | أَفَعَصَيْت أَمْرِي | قِيلَ : إِنَّ أَمْره مَا حَكَاهُ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ | وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ | [ الْأَعْرَاف : 142 ] , فَلَمَّا أَقَامَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُبَالِغ فِي مَنْعهمْ وَالْإِنْكَار عَلَيْهِمْ نَسَبَهُ إِلَى عِصْيَانه وَمُخَالَفَة أَمْره . مَسْأَلَة : وَهَذَا كُلّه أَصْل فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , وَتَغْيِيره وَمُفَارَقَة أَهْله , وَأَنَّ الْمُقِيم بَيْنهمْ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ رَاضِيًا حُكْمه كَحُكْمِهِمْ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي آل عِمْرَان وَالنِّسَاء وَالْمَائِدَة وَالْأَنْعَام وَالْأَعْرَاف وَالْأَنْفَال</p><p>وَسُئِلَ الْإِمَام أَبُو بَكْر الطُّرْطُوشِيّ رَحِمَهُ اللَّه : مَا يَقُول سَيِّدنَا الْفَقِيه فِي مَذْهَب الصُّوفِيَّة ؟ وَأُعْلِمَ - حَرَسَ اللَّه مُدَّته - أَنَّهُ اِجْتَمَعَ جَمَاعَة مِنْ رِجَال , فَيُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْر اللَّه تَعَالَى , وَذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ إِنَّهُمْ يُوقِعُونَ بِالْقَضِيبِ عَلَى شَيْء مِنْ الْأَدِيم , وَيَقُوم بَعْضهمْ يَرْقُص وَيَتَوَاجَد حَتِّي يَقَع مَغْشِيًّا عَلَيْهِ , وَيَحْضُرُونَ شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ . هَلْ الْحُضُور مَعَهُمْ جَائِز أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ , وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي يَذْكُرُونَهُ <br>يَا شَيْخ كُفَّ عَنْ الذُّنُوب .......... قَبْل التَّفَرُّق وَالزَّلَل <br>ش وَاعْمَلْ لِنَفْسِك صَالِحًا /و مَا دَامَ يَنْفَعك الْعَمَل <br>ش أَمَّا الشَّبَاب فَقَدْ مَضَى .......... وَمَشِيب رَأَسَك قَدْ نَزَل <br>وَفِي مِثْل هَذَا وَنَحْوه .</p><p>الْجَوَاب - يَرْحَمك اللَّه - مَذْهَب الصُّوفِيَّة بَطَالَة وَجَهَالَة وَضَلَالَة , وَمَا الْإِسْلَام إِلَّا كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُول , وَأَمَّا الرَّقْص وَالتَّوَاجُد فَأَوَّل مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَاب السَّامِرِيّ , لَمَّا اِتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار قَامُوا يَرْقُصُونَ حَوَالَيْهِ وَيَتَوَاجَدُونَ ; فَهُوَ دِين الْكُفَّار وَعُبَّاد الْعِجْل ; وَأَمَّا الْقَضِيب فَأَوَّل مَنْ اِتَّخَذَهُ الزَّنَادِقَة لِيَشْغَلُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى ; وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابه كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسهمْ الطَّيْر مِنْ الْوَقَار ; فَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابه أَنْ يَمْنَعهُمْ عَنْ الْحُضُور فِي الْمَسَاجِد وَغَيْرهَا ; وَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ يَحْضُر مَعَهُمْ , وَلَا يُعِينهُمْ عَلَى بَاطِلهمْ ; هَذَا مَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْرهمْ مِنْ أَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق .
اِبْن عَبَّاس : أَخَذَ شَعْره بِيَمِينِهِ وَلِحْيَته بِيَسَارِهِ ; لِأَنَّ الْغَيْرَة فِي اللَّه مَلَكَته ; أَيْ لَا تَفْعَل هَذَا فَيَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ مِنْك اِسْتِخْفَاف أَوْ عُقُوبَة . وَقَدْ وَقِيلَ : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا عَلَى غَيْر اِسْتِخْفَاف وَلَا عُقُوبَة كَمَا يَأْخُذ الْإِنْسَان بِلِحْيَةِ نَفْسه . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي | الْأَعْرَاف | مُسْتَوْفًى وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَم بِمَا أَرَادَ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام|وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ|أَيْ خَشِيت أَنْ أَخْرُج وَأَتْرُكهُمْ وَقَدْ أَمَرْتنِي أَنْ أَخْرُج مَعَهُمْ فَلَوْ خَرَجْت لَاتَّبَعَنِي قَوْم وَيَتَخَلَّف مَعَ الْعِجْل قَوْم ; وَرُبَّمَا أَدَّى الْأَمْر إِلَى سَفْك الدِّمَاء ; وَخَشِيت إِنْ زَجَرْتهمْ أَنْ يَقَع قِتَال فَتَلُومنِي عَلَى ذَلِكَ . وَهَذَا جَوَاب هَارُون لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ قَوْله | أَفَعَصَيْت أَمْرِي | وَفِي الْأَعْرَاف | إِنَّ الْقَوْم اِسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِت بِيَ الْأَعْدَاء | [ الْأَعْرَاف : 150 ] لِأَنَّك أَمَرْتنِي أَنْ أَكُون مَعَهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَمَعْنَى|بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ|لَمْ تَعْمَل بِوَصِيَّتِي فِي حِفْظه ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : لَمْ تَنْظُر عَهْدِي وَقُدُومِي . فَتَرَكَهُ مُوسَى ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْسَامِرِيّ
أَيْ , مَا أَمْرك وَشَأْنك , وَمَا الَّذِي حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟ قَالَ قَتَادَة : كَانَ السَّامِرِيّ عَظِيمًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبِيلَة يُقَال لَهَا سَامِرَة وَلَكِنْ عَدُوّ اللَّه نَافَقَ بَعْد مَا قَطَعَ الْبَحْر مَعَ مُوسَى , فَلَمَّا مَرَّتْ بَنُو إِسْرَائِيل بِالْعَمَالِقَةِ وَهُمْ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَهُمْ | قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة | [ الْأَعْرَاف : 138 ] فَاغْتَنَمَهَا السَّامِرِيّ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى عِبَادَة الْعِجْل فَاتَّخَذَ الْعَجِل .
ف | قَالَ | السَّامِرِيّ مُجِيبًا لِمُوسَى | قَالَ بَصُرْت بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ | يَعْنِي : رَأَيْت مَا لَمْ يَرَوْا ; رَأَيْت جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى فَرَس الْحَيَاة , فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَنْ أَقْبِض مِنْ أَثَره قَبْضَة , فَمَا أَلْقَيْته عَلَى شَيْء إِلَّا صَارَ لَهُ رُوح وَلَحْم وَدَم ; فَلَمَّا سَأَلُوك أَنْ تَجْعَل لَهُمْ إِلَهًا زَيَّنَتْ لِي نَفْسِي ذَلِكَ . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَمَّا نَزَلَ جِبْرِيل لِيَصْعَد بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , إِلَى السَّمَاء , وَأَبْصَرَهُ السَّامِرِيّ مِنْ بَيْن النَّاس فَقَبَضَ قَبْضَة مِنْ أَثَر الْفَرَس . وَقِيلَ قَالَ السَّامِرِيّ رَأَيْت جِبْرِيل عَلَى الْفَرَس وَهِيَ تُلْقِي خَطْوهَا مَدّ الْبَصَر فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَنْ أَقْبِض مِنْ أَثَرهَا فَمَا أَلْقَيْته عَلَى شَيْء إِلَّا صَارَ لَهُ رُوح وَدَم . وَقِيلَ : رَأَى جِبْرِيل يَوْم نَزَلَ عَلَى رَمَكَة وَدِيق , فَتَقَدَّمَ خَيْل فِرْعَوْن فِي وُرُود الْبَحْر . وَيُقَال : إِنَّ أُمّ السَّامِرِيّ جَعَلَتْهُ حِين وَضَعَتْهُ فِي غَار خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقْتُلهُ فِرْعَوْن ; فَجَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَجَعَلَ كَفّ السَّامِرِيّ فِي فَم السَّامِرِيّ , فَرَضَعَ الْعَسَل وَاللَّبَن فَاخْتُلِفَ إِلَيْهِ فَعَرَفَهُ مِنْ حِينَئِذٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي | الْأَعْرَاف | . وَيُقَال : إِنَّ السَّامِرِيّ سَمِعَ كَلَام مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , حَيْثُ عَمِلَ تِمْثَالَيْنِ مِنْ شَمْع أَحَدهمَا ثَوْر وَالْآخَر فَرَس فَأَلْقَاهُمَا فِي النِّيل طَلَب قَبْر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ فِي تَابُوت مِنْ حَجَر فِي النِّيل فَأَتَى بِهِ الثَّوْر عَلَى قَرْنه , فَتَكَلَّمَ السَّامِرِيّ بِذَلِكَ الْكَلَام الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ مُوسَى , وَأَلْقَى الْقَبْضَة فِي جَوْف الْعِجْل فَخَارَ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش وَخَلَف | بِمَا لَمْ تَبْصُرُوا | بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر .|فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ|وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب وَابْن مَسْعُود وَالْحَسَن وَقَتَادَة | فَقَبَصْت قَبْصَة | بِصَادٍ غَيْر مُعْجَمَة . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن ضَمّ الْقَاف مِنْ | قُبْصَة | وَالصَّاد غَيْر مُعْجَمَة . الْبَاقُونَ : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة . وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْقَبْض بِجَمِيعِ الْكَفّ , وَالْقَبْص بِأَطْرَافِ الْأَصَابِع , وَنَحْوهمَا الْخَضْم وَالْقَضْم , وَالْقُبْضَة بِضَمِّ الْقَاف الْقَدْر الْمَقْبُوض ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَلَمْ يَذْكُر الْجَوْهَرِيّ | قُبْصَة | بِضَمِّ الْقَاف وَالصَّاد غَيْر مُعْجَمَة , وَإِنَّمَا ذَكَرَ | الْقُبْضَة | بِضَمِّ الْقَاف وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَا قَبَضْت عَلَيْهِ مِنْ شَيْء ; يُقَال : أَعْطَاهُ قُبْضَة مِنْ سَوِيق أَوْ تَمْر أَيْ كَفًّا مِنْهُ , وَرُبَّمَا جَاءَ بِالْفَتْحِ . قَالَ : وَالْقِبْص بِكَسْرِ الْقَاف وَالصَّاد غَيْر الْمُعْجَمَة الْعَدَد الْكَثِير مِنْ النَّاس ; قَالَ الْكُمَيْت <br>لَكُمْ مَسْجِدَا اللَّه الْمَزُورَانِ وَالْحَصَى .......... لَكُمْ قِبْصُهُ مِنْ بَيْن أَثْرَى وَأَقْتَرَا<br>|فَنَبَذْتُهَا|أَيْ طَرَحْتهَا فِي الْعِجْل .|وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي|أَيْ زَيَّنَتْهُ ; قَالَهُ الْأَخْفَش . وَقَالَ اِبْن زَيْد : حَدَّثَتْنِي نَفْسِي . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .
أَيْ قَالَ لَهُ مُوسَى فَاذْهَبْ أَيْ مِنْ بَيْننَا|فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ|أَيْ لَا أُمَسّ وَلَا أَمَسّ طُول الْحَيَاة . فَنَفَاهُ مُوسَى عَنْ قَوْمه وَأَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَلَّا يُخَالِطُوهُ وَلَا يَقْرَبُوهُ وَلَا يُكَلِّمُوهُ عُقُوبَة لَهُ . قَالَ الشَّاعِر : <br>تَمِيم كَرَهْطِ السَّامِرِيّ وَقَوْله .......... أَلَا لَا يُرِيد السَّامِرِيّ مِسَاسَا <br>قَالَ الْحَسَن جَعَلَ اللَّه عُقُوبَة السَّامِرِيّ أَلَّا يُمَاسّ النَّاس وَلَا يُمَاسُّوهُ عُقُوبَة لَهُ وَلِمَنْ كَانَ مِنْهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; وَكَأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ شَدَّدَ عَلَيْهِ الْمِحْنَة , بِأَنْ جَعَلَهُ لَا يُمَاسّ أَحَدًا وَلَا يُمَكَّن مِنْ أَنْ يَمَسّهُ أَحَد , وَجَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهُ فِي الدُّنْيَا . وَيُقَال : ابْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ وَأَصْل الْوَسْوَاس مِنْ ذَلِكَ الْوَقْت . وَقَالَ قَتَادَة : بَقَايَاهُمْ إِلَى الْيَوْم يَقُولُونَ ذَلِكَ - لَا مِسَاس - وَإِنْ مَسَّ وَاحِد مِنْ غَيْرهمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حُمَّ كِلَاهُمَا فِي الْوَقْت . وَيُقَال : إِنَّ مُوسَى هَمَّ بِقَتْلِ السَّامِرِيّ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : لَا تَقْتُلهُ فَإِنَّهُ سَخِيّ . وَيُقَال لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى : | فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاة أَنْ تَقُول لَا مِسَاس | خَافَ فَهَرَبَ فَجَعَلَ يَهِيم فِي الْبَرِيَّة مَعَ السِّبَاع وَالْوَحْشِيّ , لَا يَجِد أَحَدًا مِنْ النَّاس يَمَسّهُ حَتَّى صَارَ كَالْقَائِلِ لَا مِسَاس ; لِبُعْدِهِ عَنْ النَّاس وَبُعْد النَّاس عَنْهُ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>حَمَّال رَايَات بِهَا قَنَاعِسَا .......... حَتَّى تَقُول الْأَزْد لَا مَسَابِسَا <br>مَسْأَلَة : هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي نَفْي أَهْل الْبِدَع وَالْمَعَاصِي وَهِجْرَانهمْ وَأَلَّا يُخَالَطُوا , وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيّ صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِكَعْبِ بْن مَالِك وَالثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا . وَمَنْ اِلْتَجَأَ إِلَى الْحَرَم وَعَلَيْهِ قُتِلَ وَلَا يُقْتَل عِنْد بَعْض الْفُقَهَاء , وَلَكِنْ لَا يُعَامَل وَلَا يُبَايَع وَلَا يُشَارَى , وَهُوَ إِرْهَاق إِلَى الْخُرُوج . وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل التَّغْرِيب فِي حَدّ الزِّنَا , وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا كُلّه فِي مَوْضِعه , فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ . وَالْحَمْد لِلَّهِ وَحْده . وَقَالَ هَارُون الْقَارِئ : وَلُغَة الْعَرَب لَا مَسَاسِ بِكَسْرِ السِّين وَفَتْح الْمِيم , وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِيهِ ; فَقَالَ سِيبَوَيْهِ : هُوَ مَبْنِيّ عَلَى الْكَسْر كَمَا يُقَال اِضْرِبِ الرَّجُل . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق : لَا مِسَاس نَفْي وَكُسِرَتْ السِّين لِأَنَّ الْكَسْرَة مِنْ عَلَامَة التَّأْنِيث ; تَقُول فَعَلْت يَا اِمْرَأَة . قَالَ النَّحَّاس وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعْت مُحَمَّد بْن يَزِيد يَقُول : إِذَا اِعْتَلَّ الشَّيْء مِنْ ثَلَاث جِهَات وَجَبَ أَنْ يُبْنَى , وَإِذَا اِعْتَلَّ مِنْ جِهَتَيْنِ وَجَبَ أَلَّا يَنْصَرِف ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْد تَرْك الصَّرْف إِلَّا الْبِنَاء ; فَمِسَاس وَدِرَاك اِعْتَلَّ مِنْ ثَلَاث جِهَات : مِنْهَا أَنَّهُ مَعْدُول , وَمِنْهَا أَنَّهُ مُؤَنَّث , وَأَنَّهُ مَعْرِفَة ; فَلَمَّا وَجَبَ الْبِنَاء فِيهِ وَكَانَتْ الْأَلِف قَبْل السِّين سَاكِنَة كُسِرَتْ السِّين لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ; كَمَا تَقُول اِضْرِبِ الرَّجُل . وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق يَذْهَب إِلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْل خَطَأ , وَأَلْزَم أَبَا الْعَبَّاس إِذَا سَمَّى أَمْرَأَة بِفِرْعَوْن يَبْنِيه , وَهَذَا لَا يَقُولهُ أَحَد . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح : وَأَمَّا قَوْل الْعَرَب لَا مَسَاس مِثَال قَطَام فَإِنَّمَا بُنِيَ عَلَى الْكَسْر لِأَنَّهُ مَعْدُول عَنْ الْمَصْدَر وَهُوَ الْمَسّ . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة | لَا مَسَاس | .|وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ|يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة . وَالْمَوْعِد مَصْدَر ; أَيْ إِنَّ لَك وَعْدًا لِعَذَابِك . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو | تُخْلِفَهُ | بِكَسْرِ اللَّام وَلَهُ مَعْنَيَانِ : أَحَدهمَا : سَتَأْتِيهِ وَلَنْ تَجِدهُ مُخْلَفًا ; كَمَا تَقُول : أَحْمَدْته أَيْ وَجَدْته مَحْمُودًا . وَالثَّانِي : عَلَى التَّهْدِيد أَيْ لَا بُدّ لَك مِنْ أَنْ تَصِير إِلَيْهِ . وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ اللَّام ; بِمَعْنَى : إِنَّ اللَّه لَنْ يُخْلِفك إِيَّاهُ .|وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا|أَيْ دُمْت وَأَقَمْت عَلَيْهِ , وَأَصْله ظَلَلْت ; قَالَ : <br>خَلَا أَنَّ الْعِتَاق مِنْ الْمَطَايَا .......... أَحْسَنَ بِهِ فَهُنَّ أَلِيه شُوش <br>أَيْ أَحْسَن . وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْأَعْمَش بِلَامَيْنِ عَلَى الْأَصْل . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود | ظِلْت | بِكَسْرِ الظَّاء . يُقَال : ظَلَلْت أَفْعَل كَذَا إِذَا فَعَلْته نَهَارًا وَظَلْت وَظِلْت ; فَمَنْ قَالَ : ظَلْت حَذَفَ اللَّام الْأُولَى تَخْفِيفًا ; وَمَنْ قَالَ ظِلْت أَلْقَى حَرَكَة اللَّام عَلَى الظَّاء . | عَاكِفًا | أَيْ مُلَازِمًا .|لَنُحَرِّقَنَّهُ|قِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ النُّون وَشَدّ الرَّاء مِنْ حَرَّقَ يُحَرِّق . وَقَرَأَ الْحَسَن وَغَيْره بِضَمِّ النُّون وَسُكُون الْحَاء وَتَخْفِيف الرَّاء مِنْ أَحْرَقَهُ يُحْرِقهُ . وَقَرَأَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَبُو جَعْفَر وَابْن مُحَيْصِن وَأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ | لَنَحْرُقَنَّهُ | بِفَتْحِ النُّون وَضَمّ الرَّاء خَفِيفَة , مِنْ حَرَقْت الشَّيْء أُحْرِقهُ حَرْقًا بَرَدَته وَحَكَكْت بَعْضه بِبَعْضٍ , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : حَرَقَ نَابَهُ يُحْرِقهُ وَيَحْرُقهُ أَيْ سَحَقَهُ حَتَّى سَمِعَ لَهُ صَرِيف ; فَمَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَة لَنُبَرِّدَنَّهُ بِالْمَبَارِدِ , وَيُقَال لِلْمِبْرَدِ الْمِحْرَق . وَالْقِرَاءَتَانِ الْأُولَيَانِ مَعْنَاهُمَا الْحَرْق بِالنَّارِ . وَقَدْ يُمْكِن جَمْع ذَلِكَ فِيهِ ; قَالَ السُّدِّيّ : ذَبَحَ الْعِجْل فَسَالَ مِنْهُ كَمَا يَسِيل مِنْ الْعِجْل إِذَا ذُبِحَ , ثُمَّ بَرَدَ عِظَامه بِالْمِبْرَد حَرَقَهُ وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود | لَنَذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنَحْرُقَنَّهُ | وَاللَّحْم وَالدَّم إِذَا أُحْرِقَا صَارَا رَمَادًا فَيُمْكِن تَذْرِيَته فِي الْيَمّ فَأَمَّا الذَّهَب فَلَا يَصِير رَمَادًا وَقِيلَ عَرَفَ مُوسَى مَا صَيَّرَ بِهِ الذَّهَب رَمَادًا , وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاته .|ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا|وَمَعْنَى | لَنَنْسِفَنَّهُ | لَنُطَيِّرَنَّهُ . وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء | لَنَنْسِفَنَّهُ | بِضَمِّ السِّين لُغَتَانِ , وَالنَّسْف نَفْض الشَّيْء لِيَذْهَب بِهِ الرِّيح وَهُوَ التَّذْرِيَة , وَالْمِنْسَف مَا يُنْسَف بِهِ الطَّعَام ; وَهُوَ شَيْء مُتَصَوِّب الصَّدْر أَعْلَاهُ مُرْتَفِع , وَالنُّسَافَة مَا يَسْقُط مِنْهُ ; يُقَال : اِعْزِلْ النُّسَافَة وَكُلْ مِنْ الْخَالِص . وَيُقَال : أَتَانَا فُلَان كَأَنَّ لِحْيَته مِنْسَف ; حَكَاهُ أَبُو نَصْر أَحْمَد بْن حَاتِم . وَالْمِنْسَفَة آلَة يُقْلِع بِهَا الْبِنَاء , وَنَسَفْت الْبِنَاء نَسْفًا قَلَعْته , وَنَسَفَ الْبَعِير الْكَلَأ يَنْسِفهُ بِالْكَسْرِ إِذَا اِقْتَلَعَهُ بِأَصْلِهِ , وَانْتَسَفْت الشَّيْء اِقْتَلَعْته ; عَنْ أَبِي زَيْد .
لَا الْعِجْل ; أَيْ وَسِعَ كُلّ شَيْء عِلْمه ; يَفْعَل الْفِعْل عَنْ الْعِلْم ; وَنُصِبَ عَلَى التَّفْسِير .</p><p>وَقَرَأَ مُجَاهِد وَقَتَادَة | وَسِعَ كُلّ شَيْء عِلْمًا | .
الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف . أَيْ كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْك خَبَر مُوسَى | كَذَلِكَ نَقُصّ عَلَيْك | قَصَصًا كَذَلِكَ مِنْ أَخْبَار مَا قَدْ سَبَقَ ; لِيَكُونَ تَسْلِيَة لَك , وَلِيَدُلّ عَلَى صِدْقك .|وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا|يَعْنِي الْقُرْآن . وَسُمِّيَ الْقُرْآن ذِكْرًا ; لِمَا فِيهِ مِنْ الذِّكْر كَمَا سُمِّيَ الرَّسُول ذِكْرًا ; الذِّكْر كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِ . وَقِيلَ : | أَتَيْنَاك مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا | أَيْ شَرَفًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى | وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك | [ الزُّخْرُف : 44 ] أَيْ شَرَف وَتَنْوِيه بِاسْمِك .
أَيْ الْقُرْآن فَلَمْ يُؤْمِن بِهِ , وَلَمْ يَعْمَل بِمَا فِيهِ|فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا|أَيْ إِثْمًا عَظِيمًا وَحِمْلًا ثَقِيلًا .
يُرِيد مُقِيمِينَ فِيهِ ; أَيْ فِي جَزَائِهِ وَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم .|وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا|يُرِيد بِئْسَ الْحِمْل حَمَلُوهُ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَرَأَ دَاوُد بْن رَفِيع | فَإِنَّهُ يُحَمَّل | .
قِرَاءَة الْعَامَّة | يُنْفَخ | بِضَمِّ الْيَاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن أَبِي إِسْحَاق بِنُون مُسَمَّى الْفَاعِل . وَاسْتَدَلَّ أَبُو عَمْرو بِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَنَحْشُر الْمُجْرِمِينَ | بِنُونٍ .</p><p>وَعَنْ اِبْن هُرْمُز | يَنْفُخ | بِفَتْحِ الْيَاء أَيْ يَنْفُخ إِسْرَافِيل . أَبُو عِيَاض : | فِي الصُّوَرِ | . الْبَاقُونَ | فِي الصُّورِ | وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي | الْأَنْعَام | مُسْتَوْفًى وَفِي كِتَاب | التَّذْكِرَة ||وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ|وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف | وَيُحْشَر | بِضَمِّ الْيَاء | الْمُجْرِمُونَ | رَفْعًا بِخِلَافِ الْمُصْحَف . وَالْبَاقُونَ | وَنَحْشُر الْمُجْرِمِينَ | أَيْ الْمُشْرِكِينَ .|يَوْمَئِذٍ زُرْقًا|حَال مِنْ الْمُجْرِمِينَ , وَالزَّرَق خِلَاف الْكَحَل . وَالْعَرَب تَتَشَاءَم بِزُرْقِ الْعُيُون وَتَذُمّهُ ; أَيْ تُشَوَّه خِلْقَتهمْ بِزُرْقَةِ عُيُونهمْ وَسَوَاد وُجُوههمْ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَالْفَرَّاء : | زُرْقًا | أَيْ عُمْيًا . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : عِطَاشًا قَدْ اِزْرَقَّتْ أَعْيُنهمْ مِنْ شِدَّة الْعَطَش ; وَقَالَهُ الزَّجَّاج ; قَالَ : لِأَنَّ سَوَاد الْعَيْن يَتَغَيَّر وَيَزْرَقّ مِنْ الْعَطَش . وَقِيلَ : إِنَّهُ الطَّمَع الْكَاذِب إِذَا تَعَقَّبَتْهُ الْخَيْبَة , يُقَال : اِبْيَضَّتْ عَيْنِي لِطُولِ اِنْتِظَارِي لِكَذَا . وَقَوْل خَامِس : إِنَّ الْمُرَاد بِالزُّرْقَةِ شُخُوص الْبَصَر مِنْ شِدَّة الْخَوْف ; قَالَ الشَّاعِر : <br>لَقَدْ زَرِقَتْ عَيْنَاك يَا ابْن مُكَعْبَر .......... كَمَا كُلّ ضَبِّيّ مِنْ اللُّؤْم أَزْرَق <br>يُقَال : رَجُل أَزْرَق الْعَيْن , وَالْمَرْأَة زَرْقَاء بَيِّنَة الزَّرَق . وَالِاسْم الزُّرْقَة . وَقَدْ زَرِقَتْ عَيْنه بِالْكَسْرِ وَازْرَقَّتْ عَيْنه اِزْرِقَاقًا , وَازْرَاقَّتْ عَيْنه اِزْرِيقَاقًا . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : قِيلَ لِابْنِ عَبَّاس فِي قَوْله : | وَنَحْشُر الْمُجْرِمِينَ يَوْمئِذٍ زُرْقًا | وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : | وَنَحْشُرهُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى وُجُوههمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا | [ الْإِسْرَاء : 97 ] فَقَالَ : إِنَّ لِيَوْمِ الْقِيَامَة حَالَات ; فَحَالَة يَكُونُونَ فِيهِ زُرْقًا , وَحَالَة عُمْيًا .
أَصْل الْخَفْت فِي اللُّغَة السُّكُون , ثُمَّ قِيلَ لِمَنْ خَفَضَ صَوْته خَفَته . يَتَسَارُّونَ ; قَالَهُ مُجَاهِد ; أَيْ يَقُولُونَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ فِي الْمَوْقِف سِرًّا|إِنْ لَبِثْتُمْ|أَيْ مَا لَبِثْتُمْ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا , وَقِيلَ فِي الْقُبُور|إِلَّا عَشْرًا|يُرِيد عَشْر لَيَالٍ . وَقِيلَ : أَرَادَ مَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَة ; يُرْفَع الْعَذَاب فِي تِلْكَ الْمُدَّة عَنْ الْكُفَّار .
فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس - فَيَسْتَقْصِرُونَ تِلْكَ الْمُدَّة . أَوْ مُدَّة مَقَامهمْ فِي الدُّنْيَا لِشِدَّةِ مَا يَرَوْنَ مِنْ أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة ; وَيُخَيَّل إِلَى أَمْثَلهمْ أَيْ أَعْدَلهِمْ قَوْلًا وَأَعْقَلهمْ وَأَعْلَمهمْ عِنْد نَفْسه أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا يَعْنِي لُبْثهمْ فِي الدُّنْيَا ; عَنْ قَتَادَة ; فَالتَّقْدِير : إِلَّا مِثْل يَوْم . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ مِنْ شِدَّة هَوْل الْمَطْلَع نَسُوا مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ نَعِيم الدُّنْيَا رَأَوْهُ كَيَوْمٍ . وَقِيلَ : أَرَادَ بِيَوْمِ لُبْثهمْ مَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ , أَوْ لُبْثهمْ فِي الْقُبُور عَلَى مَا تَقَدَّمَ . | وَعَشْرًا | و | يَوْمًا | مَنْصُوبَانِ ب |لَبِثْتُمْ | .
أَيْ عَنْ حَال الْجِبَال يَوْم الْقِيَامَة .|فَقُلْ|جَاءَ هَذَا بِفَاءٍ وَكُلّ سُؤَال فِي الْقُرْآن | قُلْ | بِغَيْرِ فَاء إِلَّا هَذَا , لِأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ سَأَلُوك عَنْ الْجِبَال فَقُلْ , فَتَضَمَّنَ الْكَلَام مَعْنَى الشَّرْط وَقَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا , فَأَجَابَهُمْ قَبْل السُّؤَال , وَتِلْكَ أَسْئِلَة تَقَدَّمَتْ سَأَلُوا عَنْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ الْجَوَاب عَقِب السُّؤَال ; فَلِذَلِكَ كَانَ بِغَيْرِ فَاء , وَهَذَا سُؤَال لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ بَعْد ; فَتَفَهَّمْهُ .|يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا|يُطَيِّرهَا . | نَسْفًا | قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَغَيْره : يَقْلَعهَا قَلْعًا مِنْ أُصُولهَا ثُمَّ يُصَيِّرهَا رَمْلًا يَسِيل سَيْلًا , ثُمَّ يُصَيِّرهَا كَالصُّوفِ الْمَنْفُوش تُطَيِّرهَا الرِّيَاح هَكَذَا وَهَكَذَا قَالَ : وَلَا يَكُون الْعِهْن مِنْ الصُّوف إِلَّا الْمَصْبُوغ , ثُمَّ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُور .
أَيْ يَذَر مَوَاضِعهَا|قَاعًا صَفْصَفًا|الْقَاع الْأَرْض الْمَلْسَاء بِلَا نَبَات وَلَا بِنَاء ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالْقَاع الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْض وَالْجَمْع أَقْوُع وَأَقْوَاع وَقِيعَان صَارَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرِ مَا قَبْلهَا .</p><p>وَقَالَ الْفَرَّاء : الْقَاع مُسْتَنْقَع الْمَاء وَالصَّفْصَف الْقَرْعَاء . الْكَلْبِيّ : هُوَ الَّذِي لَا نَبَات فِيهِ . وَقِيلَ : الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْض كَأَنَّهُ عَلَى صَفّ وَاحِد فِي اِسْتِوَائِهِ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَالْمَعْنَى وَاحِد فِي الْقَاع وَالصَّفْصَف ; فَالْقَاع الْمَوْضِع الْمُنْكَشِف , وَالصَّفْصَف الْمُسْتَوِي الْأَمْلَس . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ <br>وَكَمْ دُون بَيْتك مِنْ صَفْصَف .......... وَدَكْدَاك رَمْل وَأَعْقَادِهَا <br>و | قَاعًا | نُصِبَ عَلَى الْحَال وَالصَّفْصَف .
فِي مَوْضِع الصِّفَة .|فِيهَا عِوَجًا|قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْعِوَج التَّعَوُّج فِي الْفِجَاج . وَالْأَمْت النَّبَك . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : الْأَمْت النِّبَاك وَهِيَ التِّلَال الصِّغَار وَاحِدهَا نَبَك ; أَيْ هِيَ أَرْض مُسْتَوِيَة لَا اِنْخِفَاض فِيهَا وَلَا اِرْتِفَاع . تَقُول : اِمْتَلَأَ فَمَا بِهِ أَمْت , وَمَلَأْت الْقِرْبَة مَلْئًا لَا أَمْت فِيهِ ; أَيْ لَا اِسْتِرْخَاء فِيهِ . وَالْأَمْت فِي اللُّغَة الْمَكَان الْمُرْتَفِع . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : | عِوَجًا | مَيْلًا . قَالَ : وَالْأَمْت الْأَثَر مِثْل الشِّرَاك . عَنْهُ أَيْضًا | عِوَجًا , وَادِيًا | | وَلَا أَمْتًا | رَابِيَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : الْعِوَج [ الِانْخِفَاض ] وَالْأَمْت الِارْتِفَاع . وَقَالَ قَتَادَة : | عِوَجًا | صَدْعًا .|وَلَا أَمْتًا|أَيْ أَكَمَة . وَقَالَ يَمَان الْأَمْت الشُّقُوق فِي الْأَرْض . وَقِيلَ : الْأَمْت أَنْ يَغْلُظ مَكَان فِي الْفَضَاء أَوْ الْجَبَل وَيَدِقّ فِي مَكَان ; حَكَاهُ الصُّولِيّ . قُلْت : وَهَذِهِ الْآيَة تَدْخُل فِي بَاب الرُّقَى ; تُرْقَى بِهَا الثَّآلِيل وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى عِنْدنَا | بِالْبَرَارِيق | وَاحِدهَا | بروقة | ; تَطْلُع فِي الْجَسَد وَخَاصَّة فِي الْيَد : تَأْخُذ ثَلَاثَة أَعْوَاد مِنْ تِبْن الشَّعِير , يَكُون فِي طَرَف كُلّ عُود عُقْدَة , تَمُرّ كُلّ عُقْدَة عَلَى الثَّآلِيل وَتَقْرَأ الْآيَة مَرَّة , ثُمَّ تَدْفِن الْأَعْوَاد فِي مَكَان نَدِيّ ; تَعَفَّنَ وَتَعَفَّن الثَّآلِيل فَلَا يَبْقَى لَهَا أَثَر ; جَرَّبْت ذَلِكَ نَفْسِي وَفِي غَيْرِي فَوَجَدْته نَافِعًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
يُرِيد إِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا نَفَخَ فِي الصُّور|لَا عِوَجَ لَهُ|أَيْ لَا مَعْدِل لَهُمْ عَنْهُ ; أَيْ عَنْ دُعَائِهِ لَا يَزِيغُونَ وَلَا يَنْحَرِفُونَ بَلْ يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ وَلَا يَحِيدُونَ عَنْهُ . وَعَلَى هَذَا أَكْثَر الْعُلَمَاء . وَقِيلَ : | لَا عِوَج لَهُ | أَيْ لِدُعَائِهِ . وَقِيلَ : يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي اِتِّبَاعًا لَا عِوَج لَهُ ; فَالْمَصْدَر مُضْمَر ; وَالْمَعْنَى : يَتَّبِعُونَ صَوْت الدَّاعِي لِلْمَحْشَرِ ; نَظِيره : | وَاسْتَمِعْ يَوْم يُنَادِ الْمُنَادِي مِنْ مَكَان قَرِيب | [ ق : 41 ] الْآيَة . وَسَيَأْتِي .|وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ|أَيْ ذَلَّتْ وَسَكَنَتْ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا أَتَى خَبَر الزُّبَيْر تَوَاضَعَتْ سُوَر الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع , فَكُلّ لِسَان سَاكِت هُنَاكَ لِلْهَيْبَةِ .|لِلرَّحْمَنِ|أَيْ مِنْ أَجْله .|فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا|الْهَمْس الصَّوْت الْخَفِيّ ; قَالَهُ مُجَاهِد . عَنْ اِبْن عَبَّاس : الْحِسّ الْخَفِيّ . الْحَسَن وَابْن جُرَيْج : هُوَ صَوْت وَقْع الْأَقْدَام بَعْضهَا عَلَى بَعْض إِلَى الْمَحْشَر ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا <br>يَعْنِي صَوْت أَخْفَاف الْإِبِل فِي سَيْرهَا . وَيُقَال لِلْأَسَدِ الْهَمُوس ; لِأَنَّهُ يَهْمِس فِي الظُّلْمَة ; أَيْ يَطَأ وَطْئًا خَفِيًّا . قَالَ رُؤْبَة يَصِف نَفْسه بِالشِّدَّةِ <br>لَيْث يَدُقّ الْأَسَد الْهَمُوسَا .......... وَالْأَقْهَبَيْنِ الْفِيل وَالْجَامُوسَا <br>وَهَمَسَ الطَّعَام ; أَيْ مَضَغَهُ وَفُوهُ مُنْضَمّ ; قَالَ الرَّاجِز : <br>لَقَدْ رَأَيْت عَجَبًا مُذْ أَمْسَا .......... عَجَائِزًا مِثْل السَّعَالِي خَمْسَا <br><br>يَأْكُلْنَ مَا أَصْنَع هَمْسًا هَمْسًا <br>وَقِيلَ : الْهَمْس تَحْرِيك الشَّفَة وَاللِّسَان . وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب | فَلَا يَنْطِقُونَ إِلَّا هَمْسًا | . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب ; أَيْ لَا يُسْمَع لَهُمْ نُطْق وَلَا كَلَام وَلَا صَوْت أَقْدَام . وَبِنَاء | ه م س | أَصْله الْخَفَاء كَيْفَمَا تَصَرَّفَ ; وَمِنْهُ الْحُرُوف الْمَهْمُوسَة , وَهِيَ عَشَرَة يَجْمَعهَا قَوْلك : | حَثَّهُ شَخْصٌ فَسَكَتَ | وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحَرْف مَهْمُوسًا لِأَنَّهُ ضَعُفَ الِاعْتِمَاد مِنْ مَوْضِعه حَتَّى جَرَى مَعَهُ النَّفَس .
| مَنْ | فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْخَارِج مِنْ الْأَوَّل ; أَيْ لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة أَحَدًا إِلَّا شَفَاعَة مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن .|وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا|أَيْ رَضِيَ قَوْله فِي الشَّفَاعَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى , أَيْ إِنَّمَا تَنْفَع الشَّفَاعَة لِمَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن فِي أَنْ يَشْفَع لَهُ , وَكَانَ لَهُ قَوْل يُرْضَى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .
أَيْ مِنْ أَمْر السَّاعَة .|وَمَا خَلْفَهُمْ|مِنْ أَمْر الدُّنْيَا قَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : يَعْلَم مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَاب أَوْ عِقَاب | وَمَا خَلْفهمْ | مَا خَلَّفُوهُ وَرَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا . ثُمَّ قِيلَ : الْآيَة عَامَّة فِي جَمِيع الْخَلْق . وَقِيلَ الْمُرَاد الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي . وَالْحَمْد لِلَّهِ .|وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا|الْهَاء فِي | بِهِ | لِلَّهِ تَعَالَى ; أَيْ أَحَد لَا يُحِيط بِهِ عِلْمًا ; إِذْ الْإِحَاطَة مُشْعِرَة بِالْحَدِّ وَيَتَعَالَى اللَّه عَنْ التَّحْدِيد . وَقِيلَ : تَعُود عَلَى الْعِلْم ; أَيْ أَحَد لَا يُحِيط عِلْمًا بِمَا يَعْلَمهُ اللَّه . وَقَالَ الطَّبَرِيّ الضَّمِير فِي | أَيْدِيهمْ | و | خَلْفهمْ | و |يُحِيطُونَ | يَعُود عَلَى الْمَلَائِكَة ; أَعْلَمَ اللَّه مَنْ يَعْبُدهَا أَنَّهَا لَا تَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهَا وَمَا خَلْفهَا .
أَيْ ذَلَّتْ وَخَضَعَتْ ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَغَيْره . وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسِيرِ عَانٍ . قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : <br>مَلِيك عَلَى عَرْش السَّمَاء مُهَيْمِن .......... لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوه وَتَسْجُد <br>وَقَالَ أَيْضًا <br>وَعَنَا لَهُ وَجْهِي وَخَلْقِي كُلّه .......... فِي السَّاجِدِينَ لِوَجْهِهِ مَشْكُورَا <br>قَالَ الْجَوْهَرِيّ عَنَا يَعْنُو خَضَعَ وَذَلَّ وَأَعْنَاهُ غَيْره ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَعَنَتْ الْوُجُوه لِلْحَيِّ الْقَيُّوم | . وَيُقَال أَيْضًا : عَنَا فِيهِمْ فُلَان أَسِيرًا ; أَيْ قَامَ فِيهِمْ عَلَى إِسَاره وَاحْتَبَسَ . وَعَنَّاهُ غَيْره تَعْنِيَة حَبَسَهُ . وَالْعَانِي الْأَسِير . وَقَوْم عُنَاة وَنِسْوَة عَوَان . وَعَنَتْ أُمُور نَزَلَتْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : | عَنَتْ | ذَلَّتْ . وَقَالَ مُجَاهِد : خَشَعَتْ . الْمَاوَرْدِيّ : وَالْفَرْق بَيْن الذُّلّ وَالْخُشُوع - وَإِنْ تَقَارَبَ مَعْنَاهُمَا - أَنَّ الذُّلّ أَنْ يَكُون ذَلِيل النَّفْس , وَالْخُشُوع أَنْ يَتَذَلَّل لِذِي طَاعَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ | عَنَتْ | أَيْ عَلِمَتْ . عَطِيَّة الْعَوْفِيّ : اِسْتَسْلَمَتْ . وَقَالَ طَلْق بْن حَبِيب : إِنَّهُ وَضْع الْجَبْهَة وَالْأَنْف عَلَى الْأَرْض فِي السُّجُود . النَّحَّاس : | وَعَنَتْ الْوُجُوه | فِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ هَذَا فِي الْآخِرَة . وَرَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس | وَعَنَتْ الْوُجُوه لِلْحَيِّ الْقَيُّوم | قَالَ : الرُّكُوع وَالسُّجُود ; وَمَعْنَى | عَنَتْ | فِي اللُّغَة الْقَهْر وَالْغَلَبَة ; وَمِنْهُ فُتِحَتْ الْبِلَاد عَنْوَة أَيْ غَلَبَة ; قَالَ الشَّاعِر <br>فَمَا أَخَذُوهَا عَنْوَة عَنْ مَوَدَّة .......... وَلَكِنَّ ضَرْبَ الْمَشْرَفِيّ اِسْتَقَالَهَا <br>وَقِيلَ : هُوَ مِنْ الْعَنَاء بِمَعْنَى التَّعَب ; وَكَنَّى عَنْ النَّاس بِالْوُجُوهِ ; لِأَنَّ آثَار الذُّلّ إِنَّمَا تَتَبَيَّن فِي الْوَجْه .|لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ|وَفِي الْقَيُّوم ثَلَاث تَأْوِيلَات ; أَحَدهمَا : أَنَّهُ الْقَائِم بِتَدْبِيرِ الْخَلْق . الثَّانِي : أَنَّهُ الْقَائِم عَلَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ . الثَّالِث : أَنَّهُ الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول وَلَا يَبِيد . وَقَدْ مَضَى فِي | الْبَقَرَة | هَذَا|وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا|أَيْ خَسِرَ مَنْ حَمَلَ شِرْكًا .
لِأَنَّ الْعَمَل لَا يُقْبَل مِنْ غَيْر إِيمَان . و | مِنْ | فِي قَوْله | مِنْ الصَّالِحَات | لِلتَّبْعِيضِ ; أَيْ شَيْئًا مِنْ الصَّالِحَات . وَقِيلَ لِلْجِنْسِ .|فَلَا يَخَافُ|قَرَأَ اِبْن كَثِير وَمُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن | يَخَفْ | بِالْجَزْمِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ : | وَمَنْ يَعْمَل | . الْبَاقُونَ | يَخَاف | رَفْعًا عَلَى الْخَبَر ; أَيْ فَهُوَ لَا يَخَاف ; أَوْ فَإِنَّهُ لَا يَخَاف .|ظُلْمًا|أَيْ نَقْصًا لِثَوَابِ طَاعَته , وَلَا زِيَادَة عَلَيْهِ فِي سَيِّئَاته .|وَلَا هَضْمًا|بِالِانْتِقَاصِ مِنْ حَقّه . وَالْهَضْم النَّقْص وَالْكَسْر ; يُقَال : هَضَمْت ذَلِكَ مِنْ حَقِّي أَيْ حَطَطْته وَتَرَكْته . وَهَذَا يَهْضِم الطَّعَام أَيْ يُنْقِص ثِقَله . وَامْرَأَة هَضِيم الْكَشْح ضَامِرَة الْبَطْن . الْمَاوَرْدِيّ : وَالْفَرْق بَيْن الظُّلْم وَالْهَضْم أَنَّ الظُّلْم الْمَنْع مِنْ الْحَقّ كُلّه , وَالْهَضْم الْمَنْع مِنْ بَعْضه , وَالْهَضْم ظُلْم وَإِنْ اِفْتَرَقَا مِنْ وَجْه ; قَالَ الْمُتَوَكِّل اللَّيْثِيّ : <br>إِنَّ الْأَذِلَّة وَاللِّئَام لَمَعْشَر .......... مَوْلَاهُمْ الْمُتَهَضَّم الْمَظْلُوم <br>قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَرَجُل هَضِيم وَمُهْتَضَم أَيْ مَظْلُوم . وَتَهَضَّمَهُ أَيْ ظَلَمَهُ وَاهْتَضَمَهُ إِذَا ظَلَمَهُ وَكَسَرَ عَلَيْهِ حَقّه .
أَيْ كَمَا بَيَّنَّا لَك فِي هَذِهِ السُّورَة مِنْ الْبَيَان فَكَذَلِكَ جَعَلْنَاهُ | قُرْآنًا عَرَبِيًّا | أَيْ بِلُغَةِ الْعَرَب .|وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ|أَيْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ مِنْ التَّخْوِيف وَالتَّهْدِيد وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب .|لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ|أَيْ يَخَافُونَ اللَّه فَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيه , وَيَحْذَرُونَ عِقَابه .|أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا|أَيْ مَوْعِظَة . وَقَالَ قَتَادَة : حَذَرًا وَوَرَعًا . وَقِيلَ : شَرَفًا ; فَالذِّكْر هَاهُنَا بِمَعْنَى الشَّرَف ; كَقَوْلِهِ : | وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك | [ الزُّخْرُف 44 ] . وَقِيلَ : أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا الْعَذَاب الَّذِي تُوُعِّدُوا بِهِ . وَقَرَأَ الْحَسَن | أَوْ نُحْدِث | بِالنُّونِ ; وَرُوِيَ عَنْهُ رَفْع الثَّاء وَجَزْمهَا .
لَمَّا عَرَفَ الْعِبَاد عَظِيم نِعَمه , وَإِنْزَال الْقُرْآن نَزَّهَ نَفْسه عَنْ الْأَوْلَاد وَالْأَنْدَاد فَقَالَ : | فَتَعَالَى اللَّه | أَيْ جَلَّ اللَّه الْمَلِك الْحَقّ ; أَيْ ذُو الْحَقّ .|وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ|عَلَّمَ نَبِيّه كَيْفَ يَتَلَقَّى الْقُرْآن . قَالَ اِبْن عَبَّاس كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُبَادِر جِبْرِيل فَيَقْرَأ قَبْل أَنْ يَفْرُغ جِبْرِيل مِنْ الْوَحْي حِرْصًا عَلَى الْحِفْظ , وَشَفَقَة عَلَى الْقُرْآن مَخَافَة النِّسْيَان , فَنَهَاهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ وَأَنْزَلَ | وَلَا تَعْجَل بِالْقُرْآنِ | وَهَذَا كَقَوْلِهِ : | لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانك لِتَعْجَلَ بِهِ | [ الْقِيَامَة : 16 ] عَلَى مَا يَأْتِي . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَا تَتْلُهُ قَبْل أَنْ تَتَبَيَّنهُ . وَقِيلَ : | وَلَا تَعْجَل | أَيْ لَا تَسَلْ إِنْزَاله | مِنْ قَبْل أَنْ يُقْضَى | أَيْ يَأْتِيك | وَحْيه | . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا تُلْقِهِ إِلَى النَّاس قَبْل أَنْ يَأْتِيك بَيَان تَأْوِيله .|وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا|قَالَ الْحَسَن : نَزَلَتْ فِي رَجُل لَطَمَ وَجْه اِمْرَأَته ; فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْلُب الْقِصَاص , فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا الْقِصَاص فَنَزَلَ | الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء | [ النِّسَاء 34 ] وَلِهَذَا قَالَ : | وَقُلْ رَبّ زِدْنِي عِلْمًا | أَيْ فَهْمًا ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام حَكَمَ بِالْقِصَاصِ وَأَبَى اللَّه ذَلِكَ . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره | مِنْ قَبْل أَنْ نَقْضِي | بِالنُّونِ وَكَسْر الضَّاد | وَحْيه | بِالنَّصْبِ .
قَرَأَ الْأَعْمَش بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ | فَنَسِي | بِإِسْكَانِ الْيَاء وَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدهمَا : تَرَكَ ; أَيْ تَرَكَ الْأَمْر وَالْعَهْد ; وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ وَمِنْهُ | نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ | . [ التَّوْبَة 67 ] . و [ وَثَانِيهمَا ] قَالَ اِبْن عَبَّاس | نَسِيَ | هُنَا مِنْ السَّهْو وَالنِّسْيَان , وَإِنَّمَا أُخِذَ الْإِنْسَان مِنْهُ لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ . قَالَ اِبْن زَيْد نَسِيَ مَا عَهِدَ اللَّه إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ لَهُ عَزْم مَا أَطَاعَ عَدُوّهُ إِبْلِيس . وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَحْتَمِل أَنْ يَكُون آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِكَ الْوَقْت مَأْخُوذًا بِالنِّسْيَانِ , وَإِنْ كَانَ النِّسْيَان عَنَّا الْيَوْم مَرْفُوعًا . وَمَعْنَى | مِنْ قَبْل | أَيْ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْكُل مِنْ الشَّجَرَة ; لِأَنَّهُ نَهَى عَنْهَا . وَالْمُرَاد تَسْلِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ طَاعَة بَنِي آدَم الشَّيْطَان أَمْر قَدِيم ; أَيْ إِنْ نَقَضَ هَؤُلَاءِ الْعَهْد فَإِنَّ آدَم أَيْضًا عَهِدْنَا إِلَيْهِ فَنَسِيَ ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ وَكَذَلِكَ الطَّبَرِيّ . أَيْ وَإِنْ يُعْرِض يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة عَنْ آيَاتِي , وَيُخَالِفُوا رُسُلِي , وَيُطِيعُوا إِبْلِيس فَقِدَمًا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُوهُمْ آدَم . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا التَّأْوِيل ضَعِيف , وَذَلِكَ كَوْن آدَم مِثَالًا لِلْكُفَّارِ الْجَاحِدِينَ بِاَللَّهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَآدَم إِنَّمَا عَصَى بِتَأْوِيلٍ , فَفِي هَذَا غَضَاضَة عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَإِنَّمَا الظَّاهِر فِي الْآيَة إِمَّا أَنْ يَكُون اِبْتِدَاء قَصَص لَا تَعَلُّق لَهُ بِمَا قَبْله , وَإِمَّا أَنْ يُجْعَل تَعَلُّقه أَنَّهُ لَمَّا عَهِدَ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَعْجَل بِالْقُرْآنِ , مَثَّلَ لَهُ بِنَبِيٍّ قَبْله عَهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ فَعُوقِبَ ; لِيَكُونَ أَشَدّ فِي التَّحْذِير , وَأَبْلَغ فِي الْعَهْد إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَالْعَهْد هَاهُنَا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّة ; | وَنَسِيَ | مَعْنَاهُ تَرَكَ ; وَنِسْيَان الذُّهُول لَا يُمْكِن هُنَا ; لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّق بِالنَّاسِي عِقَاب . وَالْعَزْم الْمُضِيّ عَلَى الْمُعْتَقَد فِي أَيّ شَيْء كَانَ ; وَآدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ كَانَ يَعْتَقِد أَلَّا يَأْكُل مِنْ الشَّجَرَة لَكِنْ لَمَّا وَسْوَسَ إِلَيْهِ إِبْلِيس لَمْ يَعْزِم عَلَى مُعْتَقَده . وَالشَّيْء الَّذِي عُهِدَ إِلَى آدَم هُوَ أَلَّا يَأْكُل مِنْ الشَّجَرَة , وَأَعْلَمَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيس عَدُوّ لَهُ .|وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا|وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله : | وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا | فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : لَمْ نَجِد لَهُ صَبْرًا عَنْ أَكْل الشَّجَرَة , وَمُوَاظَبَة عَلَى اِلْتِزَام الْأَمْر . قَالَ النَّحَّاس وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللُّغَة ; يُقَال : لِفُلَانٍ عَزْم أَيْ صَبْر وَثَبَات عَلَى التَّحَفُّظ مِنْ الْمَعَاصِي حَتَّى يَسْلَم مِنْهَا , وَمِنْهُ | فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم مِنْ الرُّسُل | [ الْأَحْقَاف : 35 ] . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ : حِفْظًا لِمَا أُمِرَ بِهِ ; أَيْ لَمْ يَتَحَفَّظ مِمَّا نَهَيْته حَتَّى نَسِيَ وَذَهَبَ عَنْ عِلْم ذَلِكَ بِتَرْكِ الِاسْتِدْلَال ; وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيس قَالَ لَهُ : إِنْ أَكَلْتهَا خُلِّدْت فِي الْجَنَّة يَعْنِي عَيْن تِلْكَ الشَّجَرَة , فَلَمْ يُطِعْهُ فَدَعَاهُ إِلَى نَظِير تِلْكَ الشَّجَرَة مِمَّا دَخَلَ فِي عُمُوم النَّهْي وَكَانَ يَجِب أَنْ يَسْتَدِلّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَل , وَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَدْخُل فِي النَّهْي فَأَكَلَهَا تَأْوِيلًا , وَلَا يَكُون نَاسِيًا لِلشَّيْءِ مَنْ يَعْلَم أَنَّهُ مَعْصِيَة . وَقَالَ اِبْن زَيْد : | عَزْمًا | مُحَافَظَة عَلَى أَمْر اللَّه . وَقَالَ الضَّحَّاك : عَزِيمَة أَمْر . اِبْن كَيْسَان : إِصْرَارًا وَلَا إِضْمَارًا لِلْعَوْدِ إِلَى الذَّنْب . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالْأَوَّل أَقْرَب إِلَى تَأْوِيل الْكَلَام ; وَلِهَذَا قَالَ قَوْم : آدَم لَمْ يَكُنْ مِنْ أُولِي الْعَزْم مِنْ الرُّسُل ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : | وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا | . وَقَالَ الْمُعْظَم : كَانَ الرُّسُل أُولُو الْعَزْم , وَفِي الْخَبَر | مَا مِنْ نَبِيّ إِلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ مَا خَلَا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا | فَلَوْ خَرَجَ آدَم بِسَبَبِ خَطِيئَته مِنْ جُمْلَة أُولِي الْعَزْم لَخَرَجَ جَمِيع الْأَنْبِيَاء سِوَى يَحْيَى . وَقَدْ قَالَ أَبُو أُمَامَة : إِنَّ أَحْلَام بَنِي آدَم جُمِعَتْ مُنْذُ خَلَقَ اللَّه الْخَلْق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَوُضِعَتْ فِي كِفَّة مِيزَان , وَوُضِعَ حِلْم آدَم فِي كِفَّة أُخْرَى لَرَجَحَهُمْ ; وَقَدْ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : | وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا |
تَقَدَّمَ فِي ( الْبَقَرَة ) مُسْتَوفَى .
نَهْي ; وَمَجَازه : لَا تَقْبَلَا مِنْهُ فَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِخُرُوجِكُمَا | مِنْ الْجَنَّة | | فَتَشْقَى | يَعْنِي أَنْتَ وَزَوْجك لِأَنَّهُمَا فِي اِسْتِوَاء الْعِلَّة وَاحِد ; وَلَمْ يَقُلْ : فَتَشْقَيَا لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوف , وَآدَم عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الْمُخَاطَب , وَهُوَ الْمَقْصُود . وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْكَادّ عَلَيْهَا وَالْكَاسِب لَهَا كَانَ بِالشَّقَاءِ أَخَصّ . وَقِيلَ : الْإِخْرَاج وَاقِع عَلَيْهِمَا وَالشَّقَاوَة عَلَى آدَم وَحْده , وَهُوَ شَقَاوَة الْبَدَن ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ | إِنَّ لَك أَلَّا تَجُوع فِيهَا وَلَا تَعْرَى | أَيْ فِي الْجَنَّة | وَأَنَّك لَا تَظْمَأ فِيهَا وَلَا تَضْحَى | فَأَعْلَمَهُ أَنَّ لَهُ فِي الْجَنَّة هَذَا كُلّه : الْكِسْوَة وَالطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْمَسْكَن ; وَأَنَّك إِنْ ضَيَّعْت الْوَصِيَّة , وَأَطَعْت الْعَدُوّ أَخْرَجَكُمَا مِنْ الْجَنَّة فَشَقِيت تَعَبًا وَنَصَبًا , أَيْ جُعْت وَعَرِيت وَظَمِئْت وَأَصَابَتْك الشَّمْس ; لِأَنَّك تُرَدّ إِلَى الْأَرْض إِذَا أُخْرِجْت مِنْ الْجَنَّة . وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِذِكْرِ الشَّقَاء وَلَمْ يَقُلْ فَتَشْقَيَانِ : يُعَلِّمنَا أَنَّ نَفَقَة الزَّوْجَة عَلَى الزَّوْج ; فَمِنْ يَوْمئِذٍ جَرَتْ نَفَقَة النِّسَاء عَلَى الْأَزْوَاج , فَلَمَّا كَانَتْ نَفَقَة حَوَّاء عَلَى آدَم كَذَلِكَ نَفَقَات بَنَاتهَا عَلَى بَنِي آدَم بِحَقِّ الزَّوْجِيَّة . وَأَعْلَمَنَا فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ النَّفَقَة الَّتِي تَجِب لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَة : الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْكِسْوَة وَالْمَسْكَن ; فَإِذَا أَعْطَاهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَة فَقَدْ خَرَجَ إِلَيْهَا مِنْ نَفَقَتهَا ; فَإِنْ تَفَضَّلَ بَعْد ذَلِكَ فَهُوَ مَأْجُور , فَأَمَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَة فَلَا بُدّ لَهَا مِنْهَا ; لِأَنَّ بِهَا إِقَامَة الْمُهْجَة . قَالَ الْحَسَن الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : | فَتَشْقَى | شَقَاء الدُّنْيَا , لَا يُرَى اِبْن آدَم إِلَّا نَاصِبًا . وَقَالَ الْفَرَّاء هُوَ أَنْ يَأْكُل مِنْ كَدّ يَدَيْهِ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : أُهْبِطَ إِلَى آدَم ثَوْر أَحْمَر فَكَانَ يَحْرُث عَلَيْهِ , وَيَمْسَح الْعَرَق عَنْ جَبِينه , فَهُوَ شَقَاؤُهُ الَّذِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَقِيلَ : لَمَّا أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّة كَانَ مِنْ أَوَّل شَقَائِهِ أَنَّ جِبْرِيل أَنْزَلَ عَلَيْهِ حَبَّات مِنْ الْجَنَّة ; فَقَالَ يَا آدَم اِزْرَعْ هَذَا , فَحَرَثَ وَزَرَعَ , ثُمَّ حَصَدَ ثُمَّ دَرَسَ ثُمَّ نَقَّى ثُمَّ طَحَنَ ثُمَّ عَجَنَ ثُمَّ خَبَزَ , ثُمَّ جَلَسَ لِيَأْكُل بَعْد التَّعَب ; فَتَدَحْرَجَ رَغِيفه مِنْ يَده حَتَّى صَارَ أَسْفَل الْجَبَل , وَجَرَى وَرَاءَهُ آدَم حَتَّى تَعِبَ وَقَدْ عَرِقَ جَبِينه , قَالَ يَا آدَم فَكَذَلِكَ رِزْقك بِالتَّعَبِ وَالشَّقَاء , وَرِزْق وَلَدك مِنْ بَعْدك مَا كُنْت فِي الدُّنْيَا .
| إِنَّ لَك أَلَّا تَجُوع فِيهَا | أَيْ فِي الْجَنَّة | وَلَا تَعْرَى |
| وَأَنَّك لَا تَظْمَأ فِيهَا | أَيْ لَا تَعْطَش . وَالظَّمَأ الْعَطَش . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا فِي رِوَايَة أَبُو بَكْر عَنْهُ | وَأَنَّك | بِفَتْحِ الْهَمْزَة عَطْفًا عَلَى | أَلَّا تَجُوع | . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَطْفًا عَلَى الْمَوْضِع , وَالْمَعْنَى : وَلَك أَنَّك لَا تَظْمَأ فِيهَا . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف , أَوْ عَلَى الْعَطْف عَلَى | إِنَّ لَك | .|وَلَا تَضْحَى|أَيْ تَبْرُز لِلشَّمْسِ فَتَجِد حَرّهَا . إِذْ لَيْسَ فِي الْجَنَّة شَمْس , إِنَّمَا هُوَ ظِلّ مَمْدُود , كَمَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس . قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : نَهَار الْجَنَّة هَكَذَا : وَأَشَارَ إِلَى سَاعَة الْمُصَلِّينَ صَلَاة الْفَجْر . قَالَ أَبُو زَيْد : ضَحَا الطَّرِيق يَضْحُو ضُحُوًّا إِذَا بَدَا لَك وَظَهَرَ . وَضَحَيْت وَضَحِيت | بِالْكَسْرِ | ضَحًا عَرِقْت . وَضَحِيت أَيْضًا لِلشَّمْسِ ضَحَاء مَمْدُود بَرَزْت وَضَحَيْت | بِالْفَتْحِ | مِثْله , وَالْمُسْتَقْبَل أَضْحَى فِي اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا ; قَالَ عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة <br>رَأَتْ رَجُلًا أَيْمَا إِذَا الشَّمْس عَارَضَتْ .......... فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَر <br>فِي الْحَدِيث أَنَّ اِبْن عُمَر رَأَى رَجُلًا مُحْرِمًا قَدْ اِسْتَظَلَّ , فَقَالَ : أَضِح لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ . هَكَذَا يَرْوِيه الْمُحَدِّثُونَ بِفَتْحِ الْأَلِف وَكَسْر الْحَاء مِنْ أَضْحَيْت . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : إِنَّمَا هُوَ اِضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ ; بِكَسْرِ الْأَلِف وَفَتْح الْحَاء مِنْ ضَحِيت أَضْحَى ; لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبُرُوزِ لِلشَّمْسِ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَأَنَّك لَا تَظْمَأ فِيهَا وَلَا تَضْحَى | وَأَنْشَدَ : <br>ضَحِيت لَهُ كَيْ أَسْتَظِلّ بِظِلِّهِ .......... إِذَا الظِّلّ أَضْحَى فِي الْقِيَامَة قَالِصَا<br>
وَالْوَسْوَسَة : الصَّوْت الْخَفِيّ . وَالْوَسْوَسَة : حَدِيث النَّفْس ; يُقَال : وَسْوَسَتْ إِلَيْهِ نَفْسه وَسْوَسَة وَوِسْوَاسًا ( بِكَسْرِ الْوَاو ) . وَالْوَسْوَاس ( بِالْفَتْحِ ) : اسْم , مِثْل الزَّلْزَال . وَيُقَال لِهَمْسِ الصَّائِد وَالْكِلَاب وَأَصْوَات الْحَلْي : وَسْوَاس . قَالَ الْأَعْشَى : <br>تَسْمَع لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إِذَا اِنْصَرَفَتْ .......... كَمَا اِسْتَعَانَ بِرِيح عِشْرِقٌ زَجِلُ <br>وَالْوَسْوَاس : اِسْم الشَّيْطَان ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | مِنْ شَرّ الْوَسْوَاس الْخَنَّاس | [ النَّاس : 4 ] .|قَالَ|يَعْنِي الشَّيْطَان|يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا|وَهَذَا يَدُلّ عَلَى الْمُشَافَهَة , وَأَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّة فِي جَوْف الْحَيَّة . عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي | الْبَقَرَة | بَيَانه , وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَعْيِين الشَّجَرَة , وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ
وَقَالَ الْفَرَّاء : | وَطَفِقَا | فِي الْعَرَبِيَّة أَقْبَلَا ; قَالَ وَقِيلَ : جَعَلَ يُلْصِقَانِ عَلَيْهِمَا وَرَق التِّين . | وَطَفِقَا | وَيَجُوز إِسْكَان الْفَاء . وَحَكَى الْأَخْفَش طَفَقَ يَطْفِق ; مِثْل ضَرَبَ يَضْرِب . يُقَال : طَفِقَ , أَيْ أَخَذَ فِي الْفِعْل . | يَخْصِفَانِ | وَقَرَأَ الْحَسَن بِكَسْرِ الْخَاء وَشَدّ الصَّاد . وَالْأَصْل | يَخْتَصِفَانِ | فَأُدْغِمَ , وَكُسِرَ الْخَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَقَرَأَ اِبْن بُرَيْدَة وَيَعْقُوب بِفَتْحِ الْخَاء , أَلْقَيَا حَرَكَة التَّاء عَلَيْهَا . وَيَجُوز | يُخَصِّفَانِ | بِضَمِّ الْيَاء , مِنْ خَصَّفَ يُخَصِّف . وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ | يُخْصِفَانِ | مِنْ أَخْصَفَ . وَكِلَاهُمَا مَنْقُول بِالْهَمْزَةِ أَوْ التَّضْعِيف وَالْمَعْنَى : يَقْطَعَانِ الْوَرَق وَيُلْزِقَانِهِ لِيَسْتَتِرَا بِهِ , وَمِنْهُ خَصَفَ النَّعْل . وَالْخَصَّاف الَّذِي يُرَقِّعهَا . وَالْمِخْصَف الْمِثْقَب . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ وَرَق التِّين . وَيُرْوَى أَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا بَدَتْ سَوْأَته وَظَهَرَتْ عَوْرَته طَافَ عَلَى أَشْجَار الْجَنَّة يَسُلّ مِنْهَا وَرَقَة يُغَطِّي بِهَا عَوْرَته ; فَزَجَرَتْهُ أَشْجَار الْجَنَّة حَتَّى رَحِمَتْهُ شَجَرَة التِّين فَأَعْطَتْهُ وَرَقَة . | فَطَفِقَا | يَعْنِي آدَم وَحَوَّاء | يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة | فَكَافَأَ اللَّه التِّين بِأَنْ سَوَّى ظَاهِره|وَبَاطِنه فِي الْحَلَاوَة وَالْمَنْفَعَة وَأَعْطَاهُ ثَمَرَتَيْنِ فِي عَام وَاحِد مَرَّتَيْنِ .</p><p>وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى قُبْح كَشْف الْعَوْرَة , وَأَنَّ اللَّه أَوْجَبَ عَلَيْهِمَا السَّتْر ; وَلِذَلِكَ اِبْتَدَرَا إِلَى سَتْرهَا , وَلَا يَمْتَنِع أَنْ يُؤْمَرَا بِذَلِكَ فِي الْجَنَّة ; كَمَا قِيلَ لَهُمَا : | وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة | . وَقَدْ حَكَى صَاحِب الْبَيَان عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِد مَا يَسْتُر بِهِ عَوْرَته إِلَّا وَرَق الشَّجَر لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَتِر بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ سُتْرَة ظَاهِرَة يُمْكِنهُ التَّسَتُّر بِهَا ; كَمَا فَعَلَ آدَم فِي الْجَنَّة . وَاَللَّه أَعْلَم .|وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى|| وَعَصَى | تَقَدَّمَ فِي | الْبَقَرَة | الْقَوْل فِي ذُنُوب الْأَنْبِيَاء قَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِوُقُوعِ ذُنُوب مِنْ بَعْضهمْ , وَنَسَبَهَا إِلَيْهِمْ , وَعَاتَبَهُمْ عَلَيْهَا , وَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ عَنْ نُفُوسهمْ وَتَنَصَّلُوا مِنْهَا , وَاسْتَغْفَرُوا مِنْهَا وَتَابُوا , وَكُلّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة لَا يَقْبَل التَّأْوِيل جُمْلَتهَا , وَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ آحَادهَا , وَكُلّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزْرِي بِمَنَاصِبِهِمْ , وَإِنَّمَا تِلْكَ الْأُمُور الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُمْ عَلَى جِهَة النُّدُور , وَعَلَى جِهَة الْخَطَأ وَالنِّسْيَان , أَوْ تَأْوِيل دَعَا إِلَى ذَلِكَ , فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرهمْ حَسَنَات , وَفَى حَقّهمْ سَيِّئَات بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنَاصِبهمْ , وَعُلُوّ أَقْدَارهمْ ; إِذْ قَدْ يُؤَاخَذ الْوَزِير بِمَا يُثَاب عَلَيْهِ السَّائِس ; فَأَشْفَقُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْقِف الْقِيَامَة , مَعَ عِلْمهمْ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَان وَالسَّلَامَة . قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْحَقّ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْجُنَيْد حَيْثُ قَالَ : حَسَنَات الْأَبْرَار سَيِّئَات الْمُقَرَّبِينَ ; فَهُمْ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ - وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَهِدَتْ النُّصُوص بِوُقُوعِ ذُنُوب مِنْهُمْ , فَلَمْ يُخِلّ ذَلِكَ بِمَنَاصِبِهِمْ , وَلَا قَدَحَ فِي رُتْبَتهمْ , بَلْ قَدْ تَلَافَاهُمْ , وَاجْتَبَاهُمْ وَهَدَاهُمْ , وَمَدَحَهُمْ وَزَكَّاهُمْ وَاخْتَارَهُمْ وَاصْطَفَاهُمْ ; صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَامه .</p><p>قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : لَا يَجُوز لِأَحَدٍ مِنَّا الْيَوْم أَنْ يُخْبِر بِذَلِكَ عَنْ آدَم إِلَّا إِذَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَثْنَاء قَوْله تَعَالَى عَنْهُ , أَوْ قَوْل نَبِيّه , فَأَمَّا أَنْ يَبْتَدِئ ذَلِكَ مِنْ قِبَل نَفْسه فَلَيْسَ بِجَائِزٍ لَنَا فِي آبَائِنَا الْأَدْنِينَ إِلَيْنَا , الْمُمَاثِلِينَ لَنَا , فَكَيْفَ فِي أَبِينَا الْأَقْدَم الْأَعْظَم الْأَكْرَم النَّبِيّ الْمُقَدَّم , الَّذِي عَذَرَهُ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَتَابَ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ . قُلْت : وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَخْلُوق لَا يَجُوز , فَالْإِخْبَار عَنْ صِفَات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَالْيَدِ وَالرِّجْل وَالْإِصْبَع وَالْجَنْب وَالنُّزُول إِلَى غَيْر ذَلِكَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ , وَأَنَّهُ لَا يَجُوز الِابْتِدَاء بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا فِي أَثْنَاء قِرَاءَة كِتَابه أَوْ سُنَّة رَسُوله , وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَام مَالِك بْن أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِثْل قَوْله : | وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة | [ الْمَائِدَة 64 ] فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقه قُطِعَتْ يَده , وَكَذَلِكَ فِي السَّمْع وَالْبَصَر يُقْطَع ذَلِكَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ شَبَّهَ اللَّه تَعَالَى بِنَفْسِهِ .</p><p>رَوَى الْأَئِمَّة وَاللَّفْظ [ لِمُسْلِم ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ | اِحْتَجَّ آدَم وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى يَا آدَم أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتنَا وَأَخْرَجْتنَا مِنْ الْجَنَّة فَقَالَ آدَم يَا مُوسَى اِصْطَفَاك اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَك بِيَدِهِ يَا مُوسَى : أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْر قَدَّرَهُ اللَّه عَلَيَّ قَبْل أَنْ يَخْلُقنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ثَلَاثًا | قَالَ الْمُهَلِّب قَوْله : | فَحَجَّ آدَم مُوسَى | أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ . قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد إِنَّمَا صَحَّتْ الْحُجَّة فِي هَذِهِ الْقِصَّة لِآدَم عَلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لِآدَم خَطِيئَته وَتَابَ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَكُنْ لِمُوسَى أَنْ يُعَيِّرهُ بِخَطِيئَةٍ قَدْ غَفَرَهَا اللَّه تَعَالَى لَهُ , وَلِذَلِكَ قَالَ آدَم : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَتَاك اللَّه التَّوْرَاة , وَفِيهَا عِلْم كُلّ شَيْء , فَوَجَدْت فِيهَا أَنَّ اللَّه قَدْ قَدَّرَ عَلَيَّ الْمَعْصِيَة , وَقَدَّرَ عَلَيَّ التَّوْبَة مِنْهَا , وَأَسْقَطَ بِذَلِكَ اللَّوْم عَنِّي أَفَتَلُومنِي أَنْتَ وَاَللَّه لَا يَلُومنِي وَبِمِثْلِ هَذَا اِحْتَجَّ اِبْن عُمَر عَلَى الَّذِي قَالَ لَهُ : إِنَّ عُثْمَان فَرَّ يَوْم أُحُد ; فَقَالَ اِبْن عُمَر : مَا عَلَى عُثْمَان ذَنْب لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ عَفَا عَنْهُ بِقَوْلِهِ : | وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ | [ آل عِمْرَان 155 ] وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام أَب وَلَيْسَ تَعْيِيره مِنْ بِرّه أَنْ لَوْ كَانَ مِمَّا يُعَيَّر بِهِ غَيْره ; فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُول فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ : | وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا | [ لُقْمَان 15 ] وَلِهَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُوهُ وَهُوَ كَافِر : | لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّك وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا . قَالَ سَلَام عَلَيْك | [ مَرْيَم 46 ] فَكَيْفَ بِأَبٍ هُوَ نَبِيّ قَدْ اجْتَبَاهُ رَبّه وَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى .</p><p>وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ الْخَطَايَا وَلَمْ تَأْتِهِ الْمَغْفِرَة ; فَإِنَّ الْعُلَمَاء مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَحْتَجّ بِمِثْلِ حُجَّة آدَم , فَيَقُول تَلُومنِي عَلَى أَنْ قَتَلْت أَوْ زَنَيْت أَوْ سَرَقْت وَقَدْ قَدَّرَ اللَّه عَلَيَّ ذَلِكَ ; وَالْأُمَّة مُجْمِعَة عَلَى جَوَاز حَمْد الْمُحْسِن عَلَى إِحْسَانه , وَلَوْم الْمُسِيء عَلَى إِسَاءَته , وَتَعْدِيد ذُنُوبه عَلَيْهِ .</p><p>قَولُه تَعَالَى : | فَغَوَى | أَيْ فَفَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشه , حَكَاهُ النَّقَّاش وَاخْتَارَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَسَمِعْت شَيْخنَا الْأُسْتَاذ الْمُقْرِئ أَبَا جَعْفَر الْقُرْطُبِيّ يَقُول | فَغَوَى | فَفَسَدَ عَيْشه بِنُزُولِهِ إِلَى الدُّنْيَا , وَالْغَيّ الْفَسَاد ; وَهُوَ تَأْوِيل حَسَن وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيل مَنْ يَقُول : | فَغَوَى | مَعْنَاهُ ضَلَّ ; مِنْ الْغَيّ الَّذِي هُوَ ضِدّ الرُّشْد . وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَهِلَ مَوْضِع رُشْده ; أَيْ جَهِلَ أَنَّ تِلْكَ الشَّجَرَة هِيَ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا ; وَالْغَيّ الْجَهْل . وَعَنْ بَعْضهمْ | فَغَوَى | فَبَشِمَ مِنْ كَثْرَة الْأَكْل ; الزَّمَخْشَرِيّ وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ عَلَى لُغَة مَنْ يَقْلِب الْيَاء الْمَكْسُورَة مَا قَبْلهَا أَلِفًا ; فَيَقُول فِي فَنِيَ وَبَقِيَ فَنَى وَبَقَى وَهُمْ بَنُو طَيّ تَفْسِير خَبِيث .</p><p>قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر قَالَ قَوْم يُقَال : عَصَى آدَم وَغَوَى وَلَا يُقَال لَهُ عَاصٍ وَلَا غَاوٍ , كَمَا أَنَّ مَنْ خَاطَ مَرَّة يُقَال لَهُ : خَاطٍ وَلَا يُقَال لَهُ خَيَّاط مَا لَمْ يَتَكَرَّر مِنْهُ الْخِيَاطَة . وَقِيلَ يَجُوز لِلسَّيِّدِ أَنْ يُطْلِق فِي عَبْده عِنْد مَعْصِيَته مَا لَا يَجُوز لِغَيْرِهِ أَنْ يُطْلِقهُ , وَهَذَا تَكَلُّف ; وَمَا أُضِيفَ مِنْ هَذَا إِلَى الْأَنْبِيَاء فَإِمَّا أَنْ تَكُون صَغَائِر , أَوْ تَرْك الْأَوْلَى , أَوْ قَبْل النُّبُوَّة . قُلْت : هَذَا حَسَن .
قَالَ الْإِمَام أَبُو بَكْر بْن فَوْرَك رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : كَانَ هَذَا مِنْ آدَم قَبْل النُّبُوَّة , | ثُمَّ اِجْتَبَاهُ رَبّه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى | فَذَكَرَ أَنَّ الِاجْتِبَاء وَالْهِدَايَة كَانَا بَعْد الْعِصْيَان , وَإِذَا كَانَ هَذَا قَبْل النُّبُوَّة فَجَائِز عَلَيْهِمْ الذُّنُوب وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ قَبْل النُّبُوَّة لَا شَرْع عَلَيْنَا تَصْدِيقهمْ , فَإِذَا بَعَثَهُمْ اللَّه تَعَالَى إِلَى خَلْقه وَكَانُوا مَأْمُونِينَ فِي الْأَدَاء مَعْصُومِينَ لَمْ يَضُرّ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ الذُّنُوب . وَهَذَا نَفِيس وَاَللَّه أَعْلَم .
خِطَاب آدَم وَإِبْلِيس . | مِنْهَا | أَيْ مِنْ الْجَنَّة . وَقَدْ قَالَ لِإِبْلِيس : | اُخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا | [ الْأَعْرَاف 18 ] فَلَعَلَّهُ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة إِلَى مَوْضِع مِنْ السَّمَاء , ثُمَّ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْض .|بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ|تَقَدَّمَ فِي | الْبَقَرَة | أَيْ أَنْتَ عَدُوّ لِلْحَيَّةِ وَلِإِبْلِيس وَهُمَا عَدُوَّانِ لَك . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله | اِهْبِطَا | لَيْسَ خِطَابًا لِآدَم وَحَوَّاء ; لِأَنَّهُمَا مَا كَانَا مُتَعَادِيَيْنِ ; وَتَضَمَّنَ هُبُوط آدَم هُبُوط حَوَّاء .|فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى|أَيْ رُشْدًا وَقَوْلًا حَقًّا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي | الْبَقَرَة | .|فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ|يَعْنِي الرُّسُل وَالْكُتُب .|فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى|قَالَ اِبْن عَبَّاس : ضَمِنَ اللَّه تَعَالَى لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآن وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَلَّا يَضِلّ فِي الدُّنْيَا , وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَة , وَتَلَا الْآيَة . مَنْ قَرَأَ الْقُرْآن وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ هَدَاهُ اللَّه مِنْ الضَّلَالَة , وَوَقَاهُ يَوْم الْقِيَامَة سُوء الْحِسَاب , ثُمَّ تَلَا الْآيَة .
أَيْ دِينِي , وَتِلَاوَة كِتَابِي , وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ . وَقِيلَ : عَمَّا أَنْزَلْت مِنْ الدَّلَائِل . وَيَحْتَمِل أَنْ يُحْمَل الذِّكْر عَلَى الرَّسُول ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُ الذِّكْر .|فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا|أَيْ عَيْشًا ضَيِّقًا ; يُقَال مَنْزِل ضَنْك وَعَيْش ضَنْك يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالِاثْنَانِ وَالْمُؤَنَّث وَالْجَمْع ; قَالَ عَنْتَرَة : <br>إِنْ يُلْحِقُوا أَكْرُرْ وَإِنْ يَسْتَلْحِمُوا .......... أَشْدُدْ وَإِنْ يُلْفَوْا بِضَنْكٍ أَنْزِل <br>وَقَالَ أَيْضًا : <br>إِنَّ الْمَنِيَّة لَوْ تُمَثَّل مُثِّلَتْ .......... مِثْلِي إِذَا نَزَلُوا بِضَنْكِ الْمَنْزِل <br>وَقُرِئَ | ضَنْكَى | عَلَى وَزْن فَعْلَى : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ مَعَ الدِّين التَّسْلِيم وَالْقَنَاعَة وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ وَعَلَى قِسْمَته , فَصَاحِبه يُنْفِق مِمَّا رَزَقَهُ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بِسَمَاحٍ وَسُهُولَة وَيَعِيش عَيْشًا رَافِعًا ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : | فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة | [ النَّحْل 97 ] . وَالْمُعْرِض عَنْ الدِّين مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ الْحِرْص الَّذِي لَا يَزَال يَطْمَح بِهِ إِلَى الِازْدِيَاد مِنْ الدُّنْيَا , مُسَلَّط عَلَيْهِ الشُّحّ , الَّذِي يَقْبِض يَده عَنْ الْإِنْفَاق , فَعَيْشه ضَنْك , وَحَاله مُظْلِمَة , كَمَا قَالَ بَعْضهمْ : لَا يُعْرِض أَحَد عَنْ ذِكْر رَبّه إِلَّا أَظْلَمَ عَلَيْهِ وَقْته وَتَشَوَّشَ عَلَيْهِ رِزْقه , وَكَانَ فِي عِيشَة ضَنْك . وَقَالَ عِكْرِمَة : | ضَنْكًا | كَسْبًا حَرَامًا . الْحَسَن : طَعَام الضَّرِيع وَالزَّقُّوم . وَقَوْل رَابِع وَهُوَ الصَّحِيح أَنَّهُ عَذَاب الْقَبْر ; قَالَهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيّ صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | ; قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يُضَيَّق عَلَى الْكَافِر قَبْره حَتَّى تَخْتَلِف فِيهِ أَضْلَاعه , وَهُوَ الْمَعِيشَة الضَّنْك .|وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى|قِيلَ أَعْمَى فِي حَال وَبَصِيرًا فِي حَال ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر | سُبْحَان | [ الْإِسْرَاء 1 ] وَقِيلَ : أَعْمَى عَنْ الْحُجَّة ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقِيلَ : أَعْمَى عَنْ جِهَات الْخَيْر , لَا يَهْتَدِي لِشَيْءٍ مِنْهَا . وَقِيلَ : عَنْ الْحِيلَة فِي دَفْع الْعَذَاب عَنْ نَفْسه , كَالْأَعْمَى الَّذِي لَا حِيلَة لَهُ فِيمَا لَا يَرَاهُ .
أَيْ بِأَيِّ ذَنْب عَاقَبْتنِي بِالْعَمَى .|وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا|أَيْ فِي الدُّنْيَا , وَكَأَنَّهُ يَظُنّ أَنَّهُ لَا ذَنْب لَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : أَيْ | لِمَ حَشَرْتنِي أَعْمَى | عَنْ حُجَّتِي | وَقَدْ كُنْت بَصِيرًا | أَيْ عَالِمًا بِحُجَّتِي ; الْقُشَيْرِيّ : وَهُوَ بَعِيد إِذْ مَا كَانَ لِلْكَافِرِ حُجَّة فِي الدُّنْيَا .
أَيْ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ | كَذَلِكَ أَتَتْك آيَاتنَا | أَيْ دَلَالَاتنَا عَلَى وَحْدَانِيّتنَا وَقُدْرَتنَا .|فَنَسِيتَهَا|أَيْ تَرَكْتهَا وَلَمْ تَنْظُر فِيهَا , وَأَعْرَضْت عَنْهَا .|وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى|أَيْ تُتْرَك فِي الْعَذَاب ; يُرِيد جَهَنَّم .
أَيْ وَكَمَا جَزَيْنَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْقُرْآن , وَعَنْ النَّظَر فِي الْمَصْنُوعَات , وَالتَّفْكِير فِيهَا , وَجَاوَزَ الْحَدّ فِي الْمَعْصِيَة .|وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ|أَيْ لَمْ يُصَدِّق بِهَا .|وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ|أَيْ أَفْظَع مِنْ الْمَعِيشَة الضَّنْك , وَعَذَاب الْقَبْر .|وَأَبْقَى|أَيْ أَدْوَم وَأَثْبَت ; لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِع وَلَا يَنْقَضِي .
يُرِيد أَهْل مَكَّة ; أَيْ أَفَلَمْ يَتَبَيَّن لَهُمْ خَبَر مَنْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنهمْ إِذَا سَافَرُوا وَخَرَجُوا فِي التِّجَارَة طَلَب الْمَعِيشَة , فَيَرَوْنَ بِلَاد الْأُمَم الْمَاضِيَة , وَالْقُرُون الْخَالِيَة خَاوِيَة ; أَيْ أَفَلَا يَخَافُونَ أَنْ يَحِلّ بِهِمْ مِثْل مَا حَلَّ بِالْكُفَّارِ قَبْلهمْ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّلَمِيّ وَغَيْرهمَا | نَهْدِ لَهُمْ | بِالنُّونِ وَهِيَ أَبْيَن . و | يَهْدِ | بِالْيَاءِ مُشْكِل لِأَجْلِ الْفَاعِل ; فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ | كَمْ | الْفَاعِل ; النَّحَّاس : وَهَذَا خَطَأ لِأَنَّ | كَمْ | اِسْتِفْهَام فَلَا يَعْمَل فِيهَا مَا قَبْلهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج الْمَعْنَى أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ الْأَمْر بِإِهْلَاكِنَا مَنْ أَهْلَكْنَا . وَحَقِيقَة | يَهْدِ | عَلَى الْهُدَى ; فَالْفَاعِل هُوَ الْهُدَى تَقْدِيره أَفَلَمْ يَهْدِ الْهُدَى لَهُمْ . قَالَ الزَّجَّاج : | كَمْ | فِي مَوْضِع نَصْب ب | أَهْلَكْنَا | .
فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك وَأَجَل مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا ; قَالَهُ قَتَادَة . وَاللِّزَام الْمُلَازَمَة ; أَيْ لَكَانَ الْعَذَاب لَازِمًا لَهُمْ . وَأُضْمِرَ اِسْم كَانَ .|وَأَجَلٌ مُسَمًّى|قَالَ الزَّجَّاج : عَطْف عَلَى | كَلِمَة | . قَتَادَة : وَالْمُرَاد الْقِيَامَة ; وَقَالَهُ الْقُتَبِيّ . وَقِيلَ تَأْخِيرهمْ إِلَى يَوْم بَدْر .
أَمَرَهُ تَعَالَى بِالصَّبْرِ عَلَى أَقْوَالهمْ : إِنَّهُ سَاحِر ; إِنَّهُ كَاهِن ; إِنَّهُ كَذَّاب ; إِلَى غَيْر ذَلِكَ . وَالْمَعْنَى لَا تَحْفِل بِهِمْ ; فَإِنَّ لِعَذَابِهِمْ وَقْتًا مَضْرُوبًا لَا يَتَقَدَّم وَلَا يَتَأَخَّر . ثُمَّ قِيلَ هَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ الْقِتَال . وَقِيلَ : لَيْسَ مَنْسُوخًا ; إِذْ لَمْ يُسْتَأْصَل الْكُفَّار بَعْد آيَة الْقِتَال بَلْ بَقِيَ الْمُعْظَم مِنْهُمْ .|وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ|قَالَ أَكْثَر الْمُتَأَوِّلِينَ : هَذَا إِشَارَة إِلَى الصَّلَوَات الْخَمْس|قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ|صَلَاة الصُّبْح|وَقَبْلَ غُرُوبِهَا|صَلَاة الْعَصْر|وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ|الْعَتَمَة|وَأَطْرَافَ النَّهَارِ|الْمَغْرِب وَالظُّهْر ; لِأَنَّ الظُّهْر فِي آخِر طَرَف النَّهَار الْأَوَّل , وَأَوَّل طَرَف النَّهَار الْآخِر ; فَهِيَ فِي طَرَفَيْنِ مِنْهُ ; وَالطَّرَف الثَّالِث غُرُوب الشَّمْس وَهُوَ وَقْت الْمَغْرِب . وَقِيلَ : النَّهَار يَنْقَسِم قِسْمَيْنِ فَصَلَهُمَا الزَّوَال , وَلِكُلِّ قِسْم طَرَفَانِ ; فَعِنْد الزَّوَال طَرَفَانِ ; الْآخِر مِنْ الْقِسْم الْأَوَّل وَالْأَوَّل مِنْ الْقِسْم الْآخِر ; فَقَالَ عَنْ الطَّرَفَيْنِ أَطْرَافًا عَلَى نَحْو | فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا | [ التَّحْرِيم : 4 ] وَأَشَارَ إِلَى هَذَا النَّظَر اِبْن فَوْرَك فِي الْمُشْكِل . وَقِيلَ : النَّهَار لِلْجِنْسِ فَلِكُلِّ يَوْم طَرَف , وَهُوَ إِلَى جَمْع لِأَنَّهُ يَعُود فِي كُلّ نَهَار . و | آنَاء اللَّيْل | سَاعَاته وَوَاحِد الْآنَاء إِنْيٌ وَإِنًى وَأَنًى . وَقَالَتْ فِرْقَة : الْمُرَاد بِالْآيَةِ صَلَاة التَّطَوُّع ; قَالَهُ الْحَسَن .|لَعَلَّكَ تَرْضَى|بِفَتْحِ التَّاء ; أَيْ لَعَلَّك تُثَاب عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَال بِمَا تَرْضَى بِهِ . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم | تُرْضَى | بِضَمِّ التَّاء ; أَيْ لَعَلَّك تُعْطَى مَا يُرْضِيك .
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي | الْحِجْر | | أَزْوَاجًا | مَفْعُول ب | مَتَّعْنَا | . و | زَهْرَة | نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَقَالَ الزَّجَّاج : | زَهْرَة | مَنْصُوبَة بِمَعْنَى | مَتَّعْنَا | لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَعَلْنَا لَهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا زَهْرَة ; أَوْ بِفِعْلٍ مُضْمَر وَهُوَ | جَعَلْنَا | أَيْ جَعَلْنَا لَهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا ; عَنْ الزَّجَّاج أَيْضًا . وَقِيلَ : هِيَ بَدَل مِنْ الْهَاء فِي | بِهِ | عَلَى الْمَوْضِع كَمَا تَقُول : مَرَرْت بِهِ أَخَاك . وَأَشَارَ الْفَرَّاء إِلَى نَصْبه عَلَى الْحَال ; وَالْعَامِل فِيهِ | مَتَّعْنَا | قَالَ : كَمَا تَقُول مَرَرْت بِهِ الْمِسْكِين ; وَقَدَّرَهُ : مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ زَهْرَة الْحَيَاة فِي الدُّنْيَا وَزِينَة فِيهَا . وَيَجُوز أَنَّ عَلَى الْمَصْدَر مِثْل | صُنْع اللَّه | و | وَعْد اللَّه | وَفِيهِ نَظَر . وَالْأَحْسَن أَنْ يَنْتَصِب عَلَى الْحَال وَيُحْذَف التَّنْوِين لِسُكُونِهِ وَسُكُون اللَّام مِنْ الْحَيَاة ; كَمَا قُرِئَ | وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار | بِنَصْبِ النَّهَار بِسَابِقٍ عَلَى تَقْدِير حَذْف التَّنْوِين لِسُكُونِهِ وَسُكُون اللَّام , وَتَكُون | الْحَيَاة | مَخْفُوضَة عَلَى الْبَدَل مِنْ | مَا | فِي قَوْله : | إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ | فَيَكُون التَّقْدِير : وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا زَهْرَة أَيْ فِي حَال زَهْرَتهَا . وَلَا يَحْسُن أَنْ يَكُون | زَهْرَة | بَدَلًا مِنْ | مَا | عَلَى الْمَوْضِع فِي قَوْله : | إِلَى مَا مَتَّعْنَا | لِأَنَّ | لِنَفْتِنهُمْ | مُتَعَلِّق ب | مَتَّعْنَا | و | زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا | يَعْنِي زِينَتهَا بِالنَّبَاتِ . وَالزَّهْرَة , بِالْفَتْحِ فِي الزَّاي وَالْهَاء نَوْر النَّبَات . وَالزُّهَرَة بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْح الْهَاء النَّجْم . وَبَنُو زُهْرَة بِسُكُونِ الْهَاء ; قَالَهُ اِبْن عَزِيز . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر | زَهَرَة | بِفَتْحِ الْهَاء مِثْل نَهْر وَنَهَر . وَيُقَال : سِرَاج زَاهِر أَيْ لَهُ بَرِيق . وَزَهْر الْأَشْجَار مَا يَرُوق مِنْ أَلْوَانهَا . وَفِي الْحَدِيث : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَر اللَّوْن أَيْ نَيِّر اللَّوْن ; يُقَال لِكُلِّ شَيْء مُسْتَنِير زَاهِر , وَهُوَ أَحْسَن الْأَلْوَان .|لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ|أَيْ لِنَبْتَلِيَهُمْ . وَقِيلَ : لِنَجْعَل ذَلِكَ فِتْنَة لَهُمْ وَضَلَالًا , وَمَعْنَى الْآيَة : لَا تَجْعَل يَا مُحَمَّد لِزَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزْنًا , فَإِنَّهُ لَا بَقَاء لَهَا . | وَلَا تَمُدَّنَّ | أَبْلَغ مِنْ لَا تَنْظُرَنَّ , لِأَنَّ الَّذِي يَمُدّ بَصَره , إِنَّمَا يَحْمِلهُ عَلَى ذَلِكَ حِرْص مُقْتَرِن , وَاَلَّذِي يَنْظُر قَدْ لَا يَكُون ذَلِكَ مَعَهُ .</p><p>مَسْأَلَة : قَالَ بَعْض النَّاس سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة مَا رَوَاهُ أَبُو رَافِع مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ نَزَلَ ضَيْف بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَرْسَلَنِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى رَجُل مِنْ الْيَهُود , وَقَالَ قُلْ لَهُ يَقُول لَك مُحَمَّد : نَزَلَ بِنَا ضَيْف وَلَمْ يُلْفَ عِنْدنَا بَعْض الَّذِي يُصْلِحهُ ; فَبِعْنِي كَذَا وَكَذَا مِنْ الدَّقِيق , أَوْ أَسْلِفْنِي إِلَى هِلَال رَجَب فَقَالَ : لَا , إِلَّا بِرَهْنٍ . قَالَ : فَرَجَعْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ : | وَاَللَّه إِنِّي لَأَمِين فِي السَّمَاء أَمِين فِي الْأَرْض وَلَوْ أَسْلِفْنِي أَوْ بَاعَنِي لَأَدَّيْت إِلَيْهِ اِذْهَبْ بِدِرْعِي إِلَيْهِ | وَنَزَلَتْ الْآيَة تَعْزِيَة لَهُ عَنْ الدُّنْيَا .</p><p>قَالَ اِبْن عَطِيَّة وَهَذَا مُعْتَرَض أَنْ يَكُون سَبَبًا ; لِأَنَّ السُّورَة مَكِّيَّة وَالْقِصَّة الْمَذْكُورَة مَدَنِيَّة فِي آخِر عُمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ مَاتَ وَدِرْعه مَرْهُونَة عِنْد يَهُودِيّ بِهَذِهِ الْقِصَّة الَّتِي ذُكِرَتْ ; وَإِنَّمَا الظَّاهِر أَنَّ الْآيَة مُتَنَاسِقَة مَعَ مَا قَبْلهَا , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَبَّخَهُمْ عَلَى تَرْك الِاعْتِبَار بِالْأُمَمِ السَّالِفَة ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الْمُؤَجَّل , ثُمَّ أَمَرَ نَبِيّه بِالِاحْتِقَارِ لِشَأْنِهِمْ , وَالصَّبْر عَلَى أَقْوَالهمْ , وَالْإِعْرَاض عَنْ أَمْوَالهمْ وَمَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ الدُّنْيَا ; إِذْ ذَلِكَ مُنْصَرِم عَنْهُمْ صَائِر إِلَى خِزْي . قُلْت : وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ مَرَّ بِإِبِلِ بَنِي الْمُصْطَلِق وَقَدْ عَبِسَتْ فِي أَبْوَالهَا [ وَأَبْعَارِهَا ] مِنْ السِّمَن فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ مَضَى , لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : | وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ | الْآيَة .|وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى|ثُمَّ سَلَّاهُ فَقَالَ : | وَرِزْق رَبّك خَيْر وَأَبْقَى | أَيْ ثَوَاب اللَّه عَلَى الصَّبْر وَقِلَّة الْمُبَالَاة بِالدُّنْيَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُ يَبْقَى وَالدُّنْيَا تَفْنَى . وَقِيلَ يَعْنِي بِهَذَا الرِّزْق مَا يَفْتَح اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْبِلَاد وَالْغَنَائِم .
أَمَرَهُ تَعَالَى بِأَنْ يَأْمُر أَهْله بِالصَّلَاةِ وَيَمْتَثِلهَا مَعَهُمْ , وَيَصْطَبِر عَلَيْهَا وَيُلَازِمهَا . وَهَذَا خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْخُل فِي عُمُومه جَمِيع أُمَّته ; وَأَهْل بَيْته عَلَى التَّخْصِيص . وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة يَذْهَب كُلّ صَبَاح إِلَى بَيْت فَاطِمَة وَعَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمَا فَيَقُول | الصَّلَاة | . وَيُرْوَى أَنَّ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ إِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ أَخْبَار السَّلَاطِين وَأَحْوَالهمْ بَادَرَ إِلَى مَنْزِله فَدَخَلَهُ , وَهُوَ يَقْرَأ | وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك | الْآيَة إِلَى قَوْله : | وَأَبْقَى | ثُمَّ يُنَادِي بِالصَّلَاةِ الصَّلَاة يَرْحَمكُمْ اللَّه ; وَيُصَلِّي . وَكَانَ عُمَر بْن|الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يُوقِظ أَهْل دَاره لِصَلَاةِ اللَّيْل وَيُصَلِّي وَهُوَ يَتَمَثَّل بِالْآيَةِ .|لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ|أَيْ لَا نَسْأَلك أَنْ تَرْزُق نَفْسك وَإِيَّاهُمْ , وَتَشْتَغِل عَنْ الصَّلَاة بِسَبَبِ الرِّزْق , بَلْ نَحْنُ نَتَكَفَّل بِرِزْقِك وَإِيَّاهُمْ , فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ ضِيق أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى | وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيد مِنْهُمْ مِنْ رِزْق وَمَا أُرِيد أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّه هُوَ الرَّزَّاق | [ الذَّارِيَات 56 ] .|وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى|أَيْ الْجَنَّة لِأَهْلِ التَّقْوَى ; يَعْنِي الْعَاقِبَة الْمَحْمُودَة . وَقَدْ تَكُون لِغَيْرِ التَّقْوَى عَاقِبَة وَلَكِنَّهَا مَذْمُومَة فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ .
يُرِيد كُفَّار مَكَّة ; أَيْ لَوْلَا يَأْتِينَا مُحَمَّد بِآيَةٍ تُوجِب الْعِلْم الضَّرُورِيّ . أَوْ بِآيَةٍ ظَاهِرَة كَالنَّاقَةِ وَالْعَصَا . أَوْ هَلَّا يَأْتِينَا بِالْآيَاتِ الَّتِي نَقْتَرِحهَا نَحْنُ كَمَا أَتَى الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْله .|أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى|يُرِيد التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة , وَذَلِكَ أَعْظَم آيَة إِذْ أَخْبَرَ بِمَا فِيهَا . وَقُرِئَ | الصُّحْف | بِالتَّخْفِيفِ . وَقِيلَ أَوَلَمْ تَأْتِيهِمْ الْآيَة الدَّالَّة عَلَى نُبُوَّته بِمَا وَجَدُوهُ فِي الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة مِنْ الْبِشَارَة . وَقِيلَ : أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ إِهْلَاكنَا الْأُمَم الَّذِينَ كَفَرُوا وَاقْتَرَحُوا الْآيَات , فَمَا يُؤَمِّنهُمْ إِنْ أَتَتْهُمْ الْآيَات أَنْ يَكُون حَالهمْ حَال أُولَئِكَ وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَحَفْص | أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ | بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْبَيِّنَة . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ الْفِعْل وَلِأَنَّ الْبَيِّنَة هِيَ الْبَيَان وَالْبُرْهَان فَرَدُّوهُ إِلَى الْمَعْنَى , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم . وَحَكَى الْكِسَائِيّ | أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَة مَا فِي الصُّحُف الْأُولَى | قَالَ : وَيَجُوز عَلَى هَذَا | بَيِّنَة مَا فِي الصُّحُف الْأُولَى | . قَالَ النَّحَّاس إِذَا نَوَّنْت | بَيِّنَة | وَرَفَعْت جَعَلْت | مَا | بَدَلًا مِنْهَا وَإِذَا نَصَبْتهَا فَعَلَى الْحَال ; وَالْمَعْنَى أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا فِي الصُّحُف الْأُولَى مُبَيَّنًا .
أَيْ مِنْ قَبْل بَعْثَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُول الْقُرْآن|لَقَالُوا|أَيْ يَوْم الْقِيَامَة|رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا|أَيْ هَلَّا أَرْسَلْت إِلَيْنَا رَسُولًا|فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى|وَقُرِئَ | نُذَلَّ وَنُخْزَى | عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهَالِك فِي الْفَتْرَة وَالْمَعْتُوه وَالْمَوْلُود قَالَ : ( يَقُول الْهَالِك فِي الْفَتْرَة لَمْ يَأْتِنِي كِتَاب وَلَا رَسُول ثُمَّ تَلَا | وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْله لَقَالُوا رَبّنَا لَوْلَا أَرْسَلْت إِلَيْنَا رَسُولًا | الْآيَة وَيَقُول الْمَعْتُوه رَبّ لَمْ تَجْعَل لِي عَقْلًا أَعْقِل بِهِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا وَيَقُول الْمَوْلُود رَبّ لَمْ أُدْرِك الْعَمَل فَتُرْفَع لَهُمْ نَار فَيَقُول لَهُمْ رِدُوهَا وَادْخُلُوهَا قَالَ فَيَرِدهَا أَوْ يَدْخُلهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْم اللَّه سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَل وَيُمْسِك عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْم اللَّه شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَل فَيَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ رُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ ) . وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي سَعِيد قَوْله فِيهِ نَظَر وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | وَبِهِ اِحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَطْفَال وَغَيْرهمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَة . | فَنَتَّبِعَ | نُصِبَ بِجَوَابِ التَّخْصِيص . | آيَاتك | يُرِيد مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | مِنْ قَبْل أَنْ نَذِلّ | أَيْ فِي الْعَذَاب | وَنَخْزَى | فِي جَهَنَّم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : | مِنْ قَبْل أَنْ نَذِلّ | فِي الدُّنْيَا بِالْعَذَابِ | وَنَخْزَى | فِي الْآخِرَة بِعَذَابِهَا .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد كُلّ مُتَرَبِّص ; أَيْ كُلّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مُنْتَظِر دَوَائِر الزَّمَان وَلِمَنْ يَكُون النَّصْر .|فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى|يُرِيد الدِّين الْمُسْتَقِيم وَالْهُدَى وَالْمَعْنَى فَسَتَعْلَمُونَ بِالنَّصْرِ مَنْ اِهْتَدَى إِلَى دِين الْحَقّ . وَقِيلَ : فَسَتَعْلَمُونَ يَوْم الْقِيَامَة مَنْ اِهْتَدَى إِلَى طَرِيق الْجَنَّة . وَفِي هَذَا ضَرْب مِنْ الْوَعِيد وَالتَّخْوِيف وَالتَّهْدِيد خَتَمَ بِهِ السُّورَة . وَقُرِئَ | فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ | . قَالَ أَبُو رَافِع : حَفِظْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . و | مَنْ | فِي مَوْضِع رَفْع عِنْد الزَّجَّاج . وَقَالَ الْفَرَّاء يَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب مِثْل | وَاَللَّه يَعْلَم الْمُفْسِد مِنْ الْمُصْلِح | . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : هَذَا خَطَأ , لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام لَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله , و | مَنْ | هَاهُنَا اِسْتِفْهَام فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ ; وَالْمَعْنَى : فَسَتَعْلَمُونَ أَصْحَاب الصِّرَاط السَّوِيّ نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ ؟ . قَالَ النَّحَّاس وَالْفَرَّاء يَذْهَب إِلَى أَنَّ مَعْنَى | مَنْ أَصْحَاب الصِّرَاط السَّوِيّ | مَنْ لَمْ يَضِلّ وَإِلَى أَنَّ مَعْنَى | وَمَنْ اِهْتَدَى | مَنْ ضَلَّ ثُمَّ اِهْتَدَى . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن يَعْمَر وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ | فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَاب الصِّرَاط السُّوَّى | بِتَشْدِيدِ الْوَاو بَعْدهَا أَلِف التَّأْنِيث عَلَى فُعْلَى بِغَيْرِ هَمْزَة ; وَتَأْنِيث الصِّرَاط شَاذّ قَلِيل , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم | [ الْفَاتِحَة : 6 ] فَجَاءَ مُذَكَّرًا فِي هَذَا وَفِي غَيْره , وَقَدْ رَدَّ هَذَا أَبُو حَاتِم قَالَ : إِنْ كَانَ مِنْ السُّوء وَجَبَ أَنْ يُقَال السُّوءَى وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّوَاء وَجَبَ أَنْ يُقَال : السِّيَّا بِكَسْرِ السِّين وَالْأَصْل السِّوْيَا . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : وَقُرِئَ | السَّوَاء | بِمَعْنَى الْوَسَط وَالْعَدْل ; أَوْ الْمُسْتَوِي . النَّحَّاس وَجَوَاز قِرَاءَة يَحْيَى بْن يَعْمَر وَالْجَحْدَرِيّ أَنْ يَكُون الْأَصْل | السُّوءَى | وَالسَّاكِن لَيْسَ بِحَاجِزٍ حَصِين , فَكَأَنَّهُ قَلَبَ الْهَمْزَة ضَمَّة فَأَبْدَلَ مِنْهَا وَاوًا كَمَا يُبْدَل مِنْهَا أَلِف إِذَا اِنْفَتَحَ مَا قَبْلهَا . تَمَّتْ وَالْحَمْد لِلَّهِ وَحْده .