islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

فتح القدير
17125

60-الممتحنة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَ

هي ثلاث عشرة آية وهي مدنية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الممتحنة بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. والممتحنة بكسر الحاء اسم فاعل أضيف الفعل إليها مجازاً، كما سميت سورة براءة الفاضحة لكشفها عيوب المنافقين، وقيل الممتحنة بفتح الحاء اسم مفعول أضافه إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، لقوله سبحانه: "فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن". قال المفسرون: نزلت: 1- "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى مشركي قريش بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وسيأتي ذكر القصة آخر البحث إن شاء الله، وقوله: "عدوي" هو المفعول الأول "وعدوكم" معطوف عليه، والمفعول الثاني أولياء، وأضاف سبحانه العدو إلى نفسه تعظيماً لجرمهم، والعدو مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة، والآية تدل على النهي عن موالات الكفار بوجه من الوجوه " تلقون إليهم بالمودة " أي توصلون إليهم المودة على أن الباء زائدة، أو هي سببية. والمعنى: تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم. قال الزجاج: تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير تتخذوا، ويجوز أن تكون مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته أو لتفسير موالاتهم إياهم، ويجوز أن تكون في محل نصب صفة لأولياء، وجملة "وقد كفروا بما جاءكم من الحق" في محل نصب على الحال من فاعل تلقون، أو من فاعل لا تتخذوا، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار. قرأ الجمهور "بما جاءكم" بالباء الموحدة. وقرأ الجحدري وعاصم في رواية عنه لما جاءكم باللام: أي لأجل ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به: أي كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سبباً للكفر توبيخاً لهم "يخرجون الرسول وإياكم" الجملة مستأنفة لبيان كفرهم، أو في محل نصب على الحال، وقوله: "أن تؤمنوا بالله ربكم" تعليل للإخراج: أي يخرجونكم لأجل إيمانكم، أو كراهة أن تؤمنوا "إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي" جواب الشرط محذوف أي إن كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودة، أو إن كنتم كذلك فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، وانتصاب جهاداً وابتغاءً على العلة: أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي، وجملة "تسرون إليهم بالمودة" مستأنفة للتقريع والتوبيخ: أي تسرون إليهم الأخبار بسبب المودة، وقيل هي بدل من قوله: تلقون: ثم أخبر سبحانه بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، فقال: "وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم" والجملة في محل نصب على الحال: أي بما أضمرتم وما أظهرتم، والباء في بما زائدة: يقال علمت كذا وعلمت بكذا، هذا على أن أعلم مضارع، وقيل هو أفعل تفضيل: أي أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون "ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل" أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء ويلقي إليهم بالمودة فقد أخطأ طريق الحق والصوب وضل عن قصد السبيل.

إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ

2- "إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء" أي إن يلقوكم ويصادوفكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة، ومنه المثاقفة، وهي طلب مصادفة الغرة في المسابقة، وقيل المعنى: إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم، والمعنيان متقاربان "ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء" أي يبسطوا إليكم أيديهم بالضرب ونحوه، وألسنتهم بالشتم ونحوه "وودوا لو تكفرون" هذا معطوف على جواب الشرط، أو على جملة الشرط والجزاء، ورجح هذا أبو حيان، والمعنى: أنهم تمنوا ارتدادهم وودوا رجوعهم إلى الكفر.

لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

3- "لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم" أي لا تنفعكم القرابات على عمومها ولا الأولاد، وخصهم بالذكر مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم والحنو عليهم، والمعنى: أن هؤلاء لا ينفعونكم حتى توالوا الكفار لأجلهم كما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار وترك موالاتهم، وجملة "يوم القيامة يفصل بينكم" مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم ومعنى "يفصل بينكم" يفرق بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار. وقيل المراد بالفصل بينهم أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول كما في قوله: "يوم يفر المرء من أخيه" الآية. قيل ويجوز أن يتعلق يوم القيامة بما قبله: أي لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة فيوقف عليه. ويبتدأ بقوله: "يفصل بينكم" والأولى أن يتعلق بما بعده كما ذكرنا "والله بما تعملون بصير" لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم، فهو مجازيكم على ذلك. قرأ الجمهور "يفصل" بضم الياء وتخفيف الفاء وفتح الصاد مبنياً للمفعول، واختار هذه القراءة أبو عبيد. وقرأ عاصم بفتح الياء وكسر الصاد مبنياً للفاعل. وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة. وقرأ علقمة بالنون. وقرأ قتادة وأبو حيوة بضم الياء وكسر الصاد مخففة. وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن علي بن أبي طالب قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به، فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا أخرجي الكتاب، قالت ما معي من كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا حاطب؟ قال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق، فقال عمر: دعني أضرب عنقه، فقال: إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ونزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة "". وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة متضمنة لبيان هذه القصة، وأن هذه الآيات إلى قوله: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم" نازلة في ذلك.

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى

لما فرغ سبحانه من النهي عن موالاة المشركين والذم لمن وقع منه ذلك ضرب لهم إبراهيم مثلاً حين تبرأ من قومه، فقال: 4- " قد كانت لكم أسوة حسنة " أي خصلة حميدة تقتدون بها: يقال لي به أسوة في هذا الأمر: أي اقتداءً، فأرشدهم سبحانه إلى الاقتداء به في ذلك إلا في استغفاره لأبيه. قرأ الجمهور " أسوة " بكسر الهمزة: وقرأ عاصم بضمها وهما لغتان، وأصل الأسوة بالضم والكسر القدوة، ويقال هو أسوتك: أي مثلك وأنت مثله: وقوله في إبراهيم والذين معه متعلق بأسوة، أو بحسنة، أو هو نعت لأسوة، أو حال من الضمير المستتر في حسنة، أو خبر كان، ولكم للبيان، والذين معه هم أصحابه المؤمنون. وقال ابن زيد: هم الأنبياء. قال الفراء: يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم فتتبرأ من أهلك كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه، والظرف في قوله: "إذ قالوا لقومهم" هو خبر كان، أو متعلق به: أي وقت قولهم لقومهم الكفار " إنا برآء منكم " جمع بريء، مثل شركاء وشريك، وظرفاء وظريف. قرأ الجمهور "براء" بضم الباء وفتح الراء وألف بين همزتين، ككرماء في كريم. وقرأ عيسى بن عمر وابن ابي إسحاق بكسر الباء وهمزة واحدة بعد ألف، ككرام في جمع كريم. وقرأ أبو جعفر بضم الباء وهمزة بعد ألف "ومما تعبدون من دون الله" وهي الأصنام "كفرنا بكم" أي بما آمنتم به من الأوثان أو بدينكم أو بأفعالكم "وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً" أي هذا دأبنا معكم ما دمتم على كفركم "حتى تؤمنوا بالله وحده" وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك، فإذا فعلتم ذلك صارت تلك العداوة موالاة والبغضاء محبة " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك " هو استثناء متصل من قوله في إبراهيم، بتقدير مضاف محذوف ليصح الاستثناء: أي قد كانت لكم أسوة حسنة في مقالات إبراهيم إلا قوله لأبيه، أو من أسوة حسنة، وصح ذلك لأن القول من جملة الأسوة، كأنه قيل: قد كانت أسوة حسنة في إبراهيم في جميع أقواله وأفعاله إلا قوله لأبيه، أو من التبري والقطيعة التي ذكرت: أي لم يواسله إلا قوله، ذكر هذا ابن عطية، أو ه ومنقطع: أي لكن قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك، فلا تأتسوا به، فتستغفرون للمشركين، فإنه كان عن موعدة وعدها إيها، أو أن ذلك إنما وقع منه لأنه ظن أنه قد أسلم "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه" وقد تقدم تحقيق هذا في سورة براءة "وما أملك لك من الله من شيء" هذا من تمام القوم المستثنى: يعني ما أغني عنك وما أدفع عنك من عذاب الله شيئاً، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل لأستغفرن، فالاستثناء متوجه إلى الاستغفار لا إلى هذا القيد، فإنه إظهار للعجز وتفويض للأمر إلى الله، وذلك من خصال الخير "ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير" هذا من دعاء إبراهيم وأصحابه ومما فيه أسوة حسنة يقتدي به فيها، وقيل هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا هذا القول، والتوكل هو تفويض الأمور إلى الله، والإنابة الرجوع، والمصير المرجع، وتقدير الجار والمجرور لقصر التوكل والإنابة والمصير على الله.

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

5- "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" قال الزجاج: لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على حق فيفتنوا بذلك. وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا "واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز" أي الغالب الذي لا يغالب "الحكيم" ذو الحكمة البالغة.

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

6- " لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة " أي لقد كان لكم في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة، وكرر هذا للمبالغة والتأكيد. وقيل إنهذا نزل بعد الأول بمدة "لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" بدل من قوله لكم بدل بعض من كل. والمعنى: أن هذه الأسوة إنما تكون لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة، أو يطمع في الخير من الله في الدنيا وفي الآخرة "ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد" أي يعرض عن ذلك، فإن الله هو الغني عن خلقه الحميد إلى أوليائه.

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

7- "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة" وذلك بأن يسلموا فيصيروا من أهل دينكم، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة، وحسن إسلامهم، ووقعت بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام مودة وجاهدوا وفعلوا الأفعال المقربة إلى الله. وقيل المراد بالمودة هنا تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان. ولا وجه لهذا التخصيص وإن كان من جملة ما صار سبباً إلى المودة. فإن أبا سفيان بعد ذلك ترك ما كان عليه من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها لم تحصل المودة إلا بإسلامه يوم الفتح وما بعده "والله قدير" أي بليغ القدرة كثيرها "والله غفور رحيم" أي بليغهما كثيرهما.

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

ثم لما ذكر سبحانه ما ينبغي للمؤمنين من معاداة الكفار وترك موادتهم فصل القول فيمن يجوز بره منهم ومن لا يجوز فقال: 8- "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" أي لا ينهاكم عن هؤلاء "أن تبروهم" هذا بدل من الموصول بدل اشتمال. وكذا قوله: "وتقسطوا إليهم" يقال أقسطت إلى الرجل: إذا عاملته بالعدل. قال الزجاج: المعنى وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد "إن الله يحب المقسطين" أي العادلين، ومعنى الآية: أن الله سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال، وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم. ولا ينهى عن معاملتهم بالعدل. قال ابن زيد: كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتار ثم نسخ. قال قتادة: نسختها "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" وقيل هذا الحكم كان ثابتاً في الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم. وقيل هي خاصة في حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن بينه وبينه عهد قاله الحسن. وقال الكلبي: هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف. وقال مجاهد: هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا، وقيل هي خاصة بالنساء والصبيان. وحكى القرطبي عن أكثر أهل التأويل أنها محكمة.

إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

ثم بين سبحانه من لا يحل بره ولا العدل في معاملته فقال: 9- "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم" وهم صناديد الكفر من قريش "وظاهروا على إخراجكم" أي عاونوا الذين قاتلوكم على ذلك، وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم، وقوله: "أن تولوهم" بدل اشتمال من الموصول كما سلف "ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" أي الكاملون في الظلم لأنهم تولوا من يستحق العداوة لكونه عدواً لله ولرسوله ولكتابه وجعلوهم أولياء لهم. وقد أخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس "إلا قول إبراهيم لأبيه" قال: نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه، وقوله: "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولون لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه "لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة" قال: في صنيع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه، وهو مشرك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" قال:لا تسلطهم علينا فيفتنونا. وأخرج ابن مردويه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: أول من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب وفيه نزلت هذه الآية: " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ". وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذا الخمار مرتداً، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين. قال: وهو فيمن قال الله فيه: "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عدي ابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال: كانت المودة التي جعل بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين: فصار معاوية خال المؤمنين. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس "أن أبا سفيان قال:يا رسول الله ثلاث أعطنيهن. قال: نعم، قال: تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها" الحديث. وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا: ضباب وأقط وسمن وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته. فأنزل الله: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" الآية، فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البخاري وغيره عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أأصلها؟ فأنزل الله: "لا ينهاكم الله" الآية، فقال: نعم صلي أمك".

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ

لما ذكر سبحانه حكم فريقي الكافرين في جواز البر والإقساط للفريقين الأول دون الفريق الثاني ذكر حكم من يظهر الإيمان، فقال: 10- "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات" من بين الكفار وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاءهم من المسلمين، فلما هاجر إليه النساء أبى الله أن يرددن إلى المشركين، وأمر بامتحانهن فقال: "فامتحنوهن" أي فاختبروهن. وقد اختلف فيما كان يمتحن به، فقيل [كن يستحلفن] بالله ما خرجن من بغض زوج ولا رغبة من أرض إلى أرض ولا لالتماس دنيا بل حباً لله ولرسوله ورغبة في دينه، فإذا حلفت كذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها مهرها، وما أنفق عليها ولم يردها إليه، وقيل الامتحان هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وقيل ما كان الامتحان إلا بأن يتلو عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية. وهي: "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات" إلى آخرها. واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عهد الهدنة أم لا؟ على قولين، فعلى القول بالدخول تكون هذه الآية مخصصة لذلك العهد، وبه قال الأكثر. وعلى القول بعدمه لا نسخ ولا تخصيص "الله أعلم بإيمانهن" هذه الجملة معترضة لبيان أن حقيقة حالهن لا يعلمها إلا الله سبحانه ولم يتعبدكم بذلك، وإنما تعبدكم بامتحانهن حتى يظهر لكم ما يدل على صدق دعواهن في الرغوب في الإسلام "فإن علمتموهن مؤمنات" أي علمتم ذلك بحسب الظاهر بعد الامتحان الذي أمرته به "فلا ترجعوهن إلى الكفار" أي إلى أزواجهن الكافرين، وجملة "لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن" تعليل للنهي عن إرجعاهن. وفيه دليل على أن المؤمنة لا تحل لكافر، وأن إسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها لا مجرد هجرتها، والتكرير لتأكيد الحرمة، أو الأول لبيان زوال النكاح، والثاني لامتناع النكاح الجديد "وآتوهم ما أنفقوا" أي وأعطوا أزواج هؤلاء اللاتي هاجرن وأسلمن مثل ما أنفقوا عليهن من المهور. قال الشافعي: وإذا طلبها غير الزوج من قراباتها منع منها بلا عوض "ولا جناح عليكم أن تنكحوهن" لأنهن قد صرن من أهل دينكم "إذا آتيتموهن أجورهن" أي مهورهن، وذلك بعد انقضاء عدتهن كما تدل عليه أدلة وجوب العدة "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" قرأ الجمهور "تمسكوا" بالتخفيف من الإمساك، واختار هذه القراءة أبو عبيد، لقوله: "فأمسكوهن بمعروف" وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو عمرو بالتشديد من التمسك، والعصم جمع عصمة، وهي ما يعتصم به، والمراد هنا عصمة عقد النكاح. والمعنى أن من كانت له امرأة كافرة فليست له بامرأة لانقطاع عصمتها باختلاف الدين. قال النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر، وكان الكفار يزوجون المسلمين، والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك بهذه الآية وهذا خاص بالكوافر المشركات دون الكوافر من أهل الكتاب. وقيل عامة في جميع الكوافر مخصصة بإخراج الكتابيات منها. وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه إذا أسلم وثني أو كتابي لا يفرق بينهما إلا بعد انقضاء العدة. وقال بعض أهل العلم: يفرق بينهما بمجرد إسلام الزوج، وهذا إنما هو إذا كانت المرأة مدخولاً بها، وأما إذا كانت غير مدخول بها فلا خلاف بين أهل العلم في انقطاع العصمة بينهما بالإسلام إذ لا عدة عليها "واسألوا ما أنفقتم" أي اطلبوا مهور نسائكم اللاحقات بالكفار "وليسألوا ما أنفقوا" قال المفسرون: كان من ذهب من المسلمات مرتدة إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين إذا جاءت امرأة من الكفار إلى المسلمين وأسلمت ردوا مهرها على زوجها الكافر "ذلكم حكم الله" أي ذلكم المذكور من إرجاع المهور من الجهتين حكم الله، وقوله: "يحكم بينكم" في محل نصب على الحال. أو مستأنفة "والله عليم حكيم" أي بليغ العلم لا تخفى عليه خافية بليغ الحكمة في أقواله وأفعاله.

وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ

قال القرطبي: وكان هذا مخصوصاً بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع المسلمين. "وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار" لما نزلت الآية المتقدمة قال المسلمون: رضينا بحكم الله وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا.فنزل قوله: 11- "وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار" مما دفعتم إليهم من مهور النساء المسلمات، وقيل المعنى: وإن انفلت منكم أحد من نسائكم إلى الكفار بأن ارتدت المسلمة "فعاقبتم" قال الواحدي: قال المفسرون: فعاقبتم فغنمتم. قال الزجاج: تأويله وكانت العقبى لكم: أي كانت الغنيمة لكم حتى غنمتم "فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا" من مهر المهاجرة التي تزوجوها وادفعوه إلى الكفار ولا تؤتوه زوجها الكافر. قال قتادة ومجاهد: إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح. وحاصل معناها أن من أزواجكم يجوز أن يتعلق بفاتكم أي من جهة أزواجكم، ويراد بالشيء المهر الذي غرمه الزوج، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لشيء. ثم يجوز في شيء أن يراد به المهر، ولكن لا بد على هذا من مضاف محذوف: أي من مهر أزواجكم ليتطابق الموصوف، وصفته، ويجوز أن يراد بشيء النساء: ي نوع وصنف منهن، وهو ظاهر قوله: "من أزواجكم" وقوله: "فآتوا الذين ذهبت أزواجهم" والمعنى: أنهم يعطون من ذهبت زوجته إلى المشركين فكفرت ولم يرد عليه المشركون مهرها كما حكم الله مثل ذلك المهر الذي أنفقه عليها من الغنيمة "واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون" أي احذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب العقوبة عليكم، فإن الإيمان الذي أنتم متصفون به يوجب على صاحبه ذلك.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ و

12- "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك" أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام، و"على أن لا يشركن بالله شيئاً" من الأشياء كائناً ما كان، هذا كان يوم فتح مكة، فإن نساء أهل مكة آتين رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعنه، فأمره الله أن يأخذ عليهن أن لا يشركن "ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن" وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات " ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن " أي لا يلحقن بأزواجهم ولداً ليس منهم. قال الفراء: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها: هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن، وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها، وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها، لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا "ولا يعصينك في معروف" أي في كل أمر هو طاعة لله. قال عطاء: في كل بر وتقوى، وقال المقاتلان: عنى بالمعروف النهي عن النوح، وتمزيق الثياب، وجز الشعر، وشق الجيب، وخمش الوجوه، والدعاء بالويل، وكذا قال قتادة وسعيد بن المسيب ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم، ومعنى القرآن أوسمع مما قالوه. قيل ووجه التقييد بالمعروف، مع كونه صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به، التنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق "فبايعهن" هذا جواب إذا، والمعنى إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهن، ولم يذكر في بيعتهن الصلاة والزكاة والصيام والحج لوضوح كون هذه الأمور ونحوها من أركان الدين وشعائر الإسلام، وإنما خص الأمور المذكور لكثرة وقوعها من النساء "واستغفر لهن الله" أي اطلب من الله المغفرة لهن بعد هذه المبايعة لهن منك "إن الله غفور رحيم" أي بليغ المغفرة والرحمة لعباده.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ

13- "يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم" هم جميع طوائف الكفر، وقيل اليهود خاصة، وقيل المنافقون خاصة وقال الحسن: اليهود والنصارى. والأول أولى، لأن جميع طوائف الكفر تتصف بأن الله سبحانه غضب عليها "قد يئسوا من الآخرة" من لابتداء الغاية: أي أنهم لا يوقنون بالآخرة البتة بسبب كفرهم "كما يئس الكفار من أصحاب القبور" أي كيأسهم من بعث موتاهم لاعتقادهم عدم البعث، وقيل كما يئس الكفار الذين قد ماتوا منهم من الآخرة، لأنهم قد وقفوا على الحقيقة وعلموا أنه لا نصيب لهم في الآخرة، فتكون من على الوجه الأول ابتدائية، وعلى الثانية بيانية، والأول أولى. وقد أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء مسلمات، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات" حتى بلغ "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. وأخرجه أيضاً من حديثهما بأطول من هذا، وفيه كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجعها إليهم حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "فامتحنوهن" قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حقاً منهن لم يرجعن إلى الكفار وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صداقها الذي أصدقها وأحلهن للمؤمنين إذا آتوهن أجورهن. وأخرج ابن مردويه عنه قال: نهزلت سورة الممتحنة بعد ذلك الصلح، فكان من أسلم من نسائهم، فسئلت ما أخرجك؟ فإن كانت خرجت فراراً من زوجها ورغبة عنه ردت، وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت ورد على زوجها مثل ما أنفق، وأخرج ابن أبي أسامة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وانب مردويه بسند حسن كما قال السيوطي عن ابن عباس في قوله: "إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن" قال: كان إذا جاءت المرأة النبي صلى الله عليه وسلم حلفها عمر بن الخطاب بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، وبالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله. وأخرج ابن منيع من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أسلم عمر بن الخطاب وتأخرت امرأته في المشركين، فأنزل الله: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك" إلى قوله: "غفور رحيم" فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك كلاماً، والله ما مست يده يد امرأة قط من المبايعات ما بايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعيد وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أميمة بنت رقيقة قالت: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئاً حتى بلغ" ولا يعصينك في معروف" فقال: فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا يا رسول الله ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة" وفي الباب أحاديث. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "بايعوني على أن لا تشركون بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، وقرأ آية النساء، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريح عن ابن عباس في قوله: "ولا يأتين ببهتان يفترينه" قال: كانت الحرة تولد لها الجارية فتجعل مكانها غلاماً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية. قال لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن "ولا يعصينك في معروف" قال: إنما هو شرط شرطه الله للنساء. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم سلمة الأنصارية قالت: "قالت امرأة من النسوة ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال:لا تنحن، قلت: يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي لا بد لي من قضائهن، فأبى علي فعاودته مراراً فأذن لي في قضائهن، فلم أنح بعد، ولم يبق من النسوة إلا وقد ناحت غيري" وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أم عطية قالت: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا أن لا نشرك بالله شيئاً ونهانا عن النياحة. فقبضت امرأة منا يدها فقالت: يا رسول الله إن فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها فلم يقل لها شيئاً. فذهبت ثم رجعت فقالت: ما وفت منا امرأة إلا أم سليم وأم العلاء وبنت أبي سبرة امرأة معاذ أو بنت أبي سبرة وامرأة معاذ". وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن النوح. وأخرج أبو إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن عمرو وزيد بن الحارث يودان رجلاً من اليهود، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم" الآية. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله: "قد يئسوا من الآخرة" قال: فلا يؤمنون بها ولا يرجونها كما يئس الكافر إذا مات وعاين ثوابه واطلع عليه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: هم الكفار أصحاب القبور الذين يئسوا من الآخرة. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: من مات من الذين كفروا فقد يئس الأحياء من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم أو يبعثهم الله.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس