1-" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " " نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، فإنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب إليهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم ، وأرسل كتابه مع سارة مولاة بني المطلب ، فنزل جبريل عليه السلام فأعلم رسول الله ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة ، فخذوه منها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها ، فأدركوها ثمة فجحدت فهموا بالرجوع ، فسل علي رضي الله تعالى عنه السيف فأخرجته من عقاصها . فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً وقال : ما حملك عليه ؟ فقال : يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولكني كنت أمراً ملصقاً في قريش وليس لي فيهم من يحمي أهلي ، فأردت أن آخذ عندهم يداً وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره " . " تلقون إليهم بالمودة " تفضون إليهم المودة بالمكاتبة ، والباء مزيدة أو إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة ، والجملة حال من فاعل " لا تتخذوا " أو صفة لأولياء جرت على غير من هي له ، ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير لأنه مشروط في الاسم دون الفعل . " وقد كفروا بما جاءكم من الحق " حال من فاعل أحد الفعلين " يخرجون الرسول وإياكم " أي من مكة وهو حال من " كفروا " أو استئناف لبيانه . " أن تؤمنوا بالله ربكم " بأن تؤمنوا به وفيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم إلى الغيبه للدلالة على ما يوجب الإيمان . " إن كنتم خرجتم " عن أوطانكم " جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي " علة للخروج وعمدة للتعليق وجواب الشرط محذوف دل عليه " لا تتخذوا " . " تسرون إليهم بالمودة " بدل من " تلقون " أو استئناف معناه : أي طائل لكم في اسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة . " وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم " أي منكم . وقيل " أعلم " مضارع والباء مزيدة و ما موصولة او مصدرية " ومن يفعله منكم " أي من يفعل الاتخاذ . " فقد ضل سواء السبيل " أخطأه .
2-" إن يثقفوكم " يظفروا بكم ." يكونوا لكم أعداء " ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم . " ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء " ما يسوؤكم كالقتل والشتم . " وودوا لو تكفرون " وتمنوا ارتدادكم ، ومجيء " ودوا " وحده بلفظ الماضي للإشعار بأنهم " ودوا " قبل كل شيء ، وأن ودادتهم حاصلة وإن لم يثقفوكم .
3-" لن تنفعكم أرحامكم " قراباتكم " ولا أولادكم " الذين توالون المشركين لأجلهم . "يوم القيامة يفصل بينكم " يفرق بينكم بما عراكم من الهول فيفر بعضكم من بعض فما لكم ترفضون اليوم حق الله لمن يفر منكم عداً ، وقرأ حمزة و الكسائي بكسر الصاد والتشديد وفتح الفاء ، وقرأ ابن عامر يفصل على البناء للمفعول وهو " بينكم " ، وقرأ عاصم " يفصل " . " والله بما تعملون بصير " فيجازيكم عليه .
4-" قد كانت لكم أسوة حسنة " قدوة اسم لما يؤتسى به . " في إبراهيم والذين معه " صفة ثانية أو خبر كان و " لكم " لغو أو حال من المستكن في " حسنة " أو صفة لها لا لـ" أسوة " لأنها وصفت . " إذ قالوا لقومهم " ظرف لخبر كان " إنا برآء منكم " جميع بريء كظريف وظرفاء " ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم " أي بدينكم أو بمعبودكم ، أ و بكم وبه فلا نعتد بشأنكم وآلهتكم ." وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده " فتنقلب العداوة والبغضة ألغة ومحبة . " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك " استثناء من قوله " أسوة حسنة " فإن استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر ليس مما ينبغي أن يأتسوا به ،فإنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه . " وما أملك لك من الله من شيء " من تمام قوله المستثنى ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء جميع أجزائه . " ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير " متصل بما قبل الاستثناء أو أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه تتميماً لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار .
5-" ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا " بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نتحمله . " واغفر لنا " ما فرط منا " ربنا إنك أنت العزيز الحكيم " ومن كان كذلك كان حقيقاً بأن يجير المتوكل ويجيب الداعي .
6-" لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة " تكرير لمزيد على التأسي بإبراهيم ولذلك صدر بالقسم وأبدل قوله : " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " من " لكم " فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم ، وإن تركه مؤذن بسوء العقيدة ولذلك عقبه بقوله : " ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد " فإنه جدير بأن يوعد به الكفرة .
7-" عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودةً " لما نزل " لا تتخذوا " عادى المؤمنون أقاربهم المشركين وتبرؤوا عنهم ، فوعدهم الله بذلك وأنجز إذ أسلم أكثرهم وصاروا لهم أولياء . " والله قدير " على ذلك . " والله غفور رحيم " لما فرط منكم في موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم .
8-" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم " أي لا ينهاكم عن مبرة هؤلا ء لأن قوله : " أن تبروهم " بدل من " الذين " . " وتقسطوا إليهم " وتفضوا إليهم بالقسط أي العدل " إن الله يحب المقسطين " العادلين ، روي أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ، فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت .
9-" إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم " كمشركي مكة فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين وبعضهم أعانوا المخرجين . " أن تولوهم " بدل من " الذين " بدل الاشتمال " من يتولهم فأولئك هم الظالمون " لوضعهم الولاية في غير موضعها .
10-" يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن " فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهم لسانهم في الإيمان . " الله أعلم بإيمانهن " فإنه المطلع على ما في قلوبهم " فإن علمتموهن مؤمنات " العلم الذين يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات ، وإنما سماه علماً إيذاناً بأنه كالعلم في وجوب العمل به ." فلا ترجعوهن إلى الكفار " أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله : " لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن " التكرير للمطابقة والمبالغة ،أو الأولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستئناف . "وآتوهم ما أنفقوا " ما دفعوا إليهن من المهور ، وذلك لأن صلح الحديبية جرى : على أن من جاءنا منكم ردناه . فلما تعذر عليه رهن لورود النهي عنه لزمه رد مهورهن . إذ روي أنه عليه الصلاة والسلام " كان بعد الحديبية إذ جاءته سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالباً لها فنزلت " . فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر رضي الله تعالى عنه . " ولا جناح عليكم أن تنكحوهن " فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار . " إذا آتيتموهن أجورهن " شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذاناً بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر . " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " بما يعتصم به الكافرات من عقد وسبب جمع عصمة ، والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات ، وقرأ البصريان ولا تمسكوا بالتشديد " واسألوا ما أنفقتم " من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار . " وليسألوا ما أنفقوا " من مهور أزواجهم المهاجرات . " ذلكم حكم الله " يعني جميع ما ذكر في الآية . " يحكم بينكم " استئناف أو حال من الحكم على حذف الضمير ، أو جعل الحكم حاكماً على المبالغة ." والله عليم حكيم " يشرع ما تقتضيه حكمته .
11-" وإن فاتكم " وإن سبقكم وانفلت منكم ." شيء من أزواجكم " أحد من أزواجكم ، وقد قرئ به وإيقاع " شيء " موقعه للتحقير والمبالغة في التعميم ، أو " شيء" من مهورهن . "إلى الكفار فعاقبتم " فجاءت أي نوبتكم من أداء المهر ، شبه الحكم بأداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره ." فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " من مهر المهاجرة ولا تؤتوه زوجها الكافر .روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة أبى المشركون أن يؤدوا مهو الكوافر فنزلت .وقيل معناه إن فاتكم فأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة " فآتوا " بدل الفائت من الغنيمة " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " فإن الإيمان به يقتضي التقوى منه .
12-" يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا " نزلت يوم الفتح فإنه عليه الصلاة والسلام " لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء " . " ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن " يريد وأد البنات . " ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف " في حسنة تأمرهن بها ، والتقييد بالمعروف مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به تنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق . " فبايعهن " إذا بايعنك بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء . " واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم " .
13-" يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم " يعني الكفار أو اليهود إذ روي أنها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم . " قد يئسوا من الآخرة " لكفرهم بها أو لعلمهم بأنهم لا حظ لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات . " كما يئس الكفار من أصحاب القبور " أن يبعثوا أو يثابوا أو ينالهم خير منهم ، وعلى الأول وضع الظاهر فيه موضع المضمر للدلالة على أن الكفر أيسهم . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الممتحنة كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاء يوم القيامة " .