islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

فتح القدير
15923

48-الفتح

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا

هي تسع وعشرون آية، وهي مدنية قال القرطبي: بالإجماع. وقد أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الفتح بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج ابن إسحاق والحاكم وصححه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها وهذا لا ينافي الإجماع على كونها مدنية، لأن المراد بالسورة المدنية النازلة بعد الهجرة من مكة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مغفل قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجع فيها. وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب: هلكت أم عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، فقال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون قد نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال: لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً"" وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزلت "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" الآية إلى قوله: "فوزاً عظيماً" مرجعه من الحديبية وهم مخالطهم الحزن والكآبة، وقد نحروا الهدي بالحديبية فقال: "لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعها". قوله: 1- "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" اختلف في تعيين هذا الفتح، فقال الأكثر: هو صلح الحديبية، والصلح قد يسمى فتحاً. قال الفراء: والفتح قد يكون صلحاً، ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق، والصلح الذي كان مع المشركين بالحديبية كان مسدوداً متعذراً حتى فتحه الله. قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام. قال الشعبي: لقد أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما لم يصب في غزوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. وقال قوم: إنه فتح مكة. وقال آخرون: إنه فتح خيبر. والأول أرجح، ويؤيده ما ذكرناه قبل هذا من أن السورة أنزلت في شأن الحديبية. وقيل هو جميع ما فتح الله لرسوله من الفتوح، وقيل هو ما فتح له من النبوة والدعوة إلى الإسلام، وقيل فتح الروم، وقيل المراد بالفتح في هذه الآية الحكم والقضاء، كما في قوله: "افتح بيننا وبين قومنا بالحق" فكأنه قال: إنا قضينا لك قضاء مبيناً: أي ظاهراً واضحاً مكشوفاً.

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا

2- "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" اللام تعلقة بفتحنا، وهي لا العلة. قال ابن الأنباري: سألت أبا العباس: يعني المبرد عن اللام في قوله: "ليغفر لك الله" فقال: هي لام كي معناها: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي، وغلط من قال ليس الفتح سبب المغفرة. وقال صاحب الكشاف: إن اللام لم تكن علة للمغفرة، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة وهي: المغفرة، وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز. كأنه قيل: يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين، وأعراض العاجل والآجل. وهذا كلام غير جيد، فإن اللام داخلة على المغفرة فهي علة للفتح، فكيف يصح أن تكون معللة. وقال الرازي في توجيه التعليل: إن المراد بقوله: "ليغفر لك الله" التعريف بالمغفرة تقديره: إنا فتحنا لك لتعرف أنك مغفور لك معصوم. وقال ابن عطية: المراد أن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك، فكأنها لام الصيرورة. وقال أبو حاتم: هي لام القسم وهو خطأ، فإن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها. واختلف في معنى قوله: "ما تقدم من ذنبك وما تأخر" فقيل ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها قاله مجاهد وسفيان والثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم. وقال عطاء: ما تقدم من ذنبك: يعني ذنب أبويك آدم وحواء، وما تأخر من ذنوب أمتك. وما أبعد هذا عن معنى القرآن. وقيل ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده، وهذا كالذي قبله. وقيل ما تقدم من ذنب يوم بدر، ما تأخر من ذنب يوم حنين، وهذا كالقولين الأولين في البعد. وقيل لو كان ذنب قديم أو حديث لغرنا لك، وقيل غي ذلك مما لا وجه له، والأول أولى. ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى، وسمي ذنباً في حقه لجلالة قدره وإن لم يكن ذنباً في حق غيره "ويتم نعمته عليك" بإظهار دينك على الدين كله، وقيل بالجنة، وقيل بالنبوة والحكمة، وقيل بفتح مكة والطائف وخيبر، والأولى أن يكون المعنى: ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام، ومعنى يهديك يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه.

وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا

3- "وينصرك الله نصراً عزيزاً" أي غالباً منيعاً لا يتبعه ذل.

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

4- "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين" أي السكون والطمأنينة بما يسره لهم من الفتح لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" أي ليزدادوا بسبب تلك السكينة إيماناً منضماً إلى إيمانهم الحاصل لهم من قبل. قال الكلبي: كلما نزلت آية من السماء فصدقوا بها ازدادوا تصديقاً إلى تصديقهم وقال الربيع بن أنس: خشية مع خشيتهم. وقال الضحاك: يقيناً مع يقينهم "ولله جنود السموات والأرض" يعني الملائكة والإنس والجن والشياطين يدبر أمرهم كيف يشاء، ويسلط بعضهم على بعض ويحوط بعضهم ببعض "وكان الله عليماً" كثير العلم بليغه "حكيماً" في أفعاله وأقواله.

لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا

4- "ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار" هذه اللام متعلقة بمحذوف يدل عليه ما قبله تقديره يبتلي بتلك الجنود من يشاء، فيقبل الخير من أهله والشر ممن قضى له به ليدخل ويعذب، وقيل متعلقة بقوله: "إنا فتحنا" كأنه قال: إنا فتحنا لك ما فتحنا ليدخل ويعذب، وقيل متعلقة بينصرك: أي نصرك الله بالمؤمنين ليدخل ويعذب، وقيل متعلقة بيزدادوا: أي يزدادوا ليدخل ويعذب، والأول أولى "ويكفر عنهم سيئاتهم" أي يسترها ولا يظهرها ولا يعذبهم بها، وقدم الإدخال على التكفير مع أن الأمر بالعكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى، والمقصد الأسنى "وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً" أي ظفراً بكل مطلوب ونجاة من كل غم وجلباً لكل نفع ودفعاً لكل ضر، وقوله: "عند الله" متعلق بمحذوف على أنه حال من فوزاً، لأنه صفة في الأصل، فلما قدم صار حالاً: أي كائناً عند الله، والجملة معترضة بين جزاء المؤمنين وجزاء المنافقين والمشركين.

وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا

ثم لما فرغ مما وعد به صالحي عباده ذكر ما يستحقه غيرهم فقال: 6- "ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات" وهو معطوف على يدخل: أي يعذبهم في الدنيا بما يصل إليها من الهموم والغموم بسبب ما يشاهدونه من ظهور كلمة الإسلام وقهر المخالفين له وبما يصابون به من القهر والقتل والأسر، وفي الآخرة بعذاب جهنم. وفي تقديم المنافقين على المشركين دلالة على أنهم أشد منهم عذاباً وأحق منهم بما وعدهم الله به. ثم وصف الفريقين، فقال: "الظانين بالله ظن السوء" وهو ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يغلب وأن كلمة الكفر تعلو كلمة الإسلام. ومما ظنوه ما حكاه الله عنهم بقوله: "بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً" "عليهم دائرة السوء" أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين دائر عليهم حائق بهم، والمعنى: أن العذاب والهلاك الذي يتوقعونه للمؤمنين واقعان عليهم نازلان بهم. قال الخليل وسيبويه: السوء هنا الفساد قرأ الجمهور "السوء" بفتح السين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضمها "وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً" لما بين سبحانه أن دائرة السوء عليهم في الدنيا بين ما يستحقونه مع ذلك من الغضب واللعنة وعذاب جهنم.

وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا

7- "ولله جنود السموات والأرض" من الملائكة والإنس والجن والشياطين "وكان الله عليماً حكيماً" كرر هذه الآية لقصد التأكيد، وقيل المراد بالجنود هنا جنود العذاب كما يفيده التعبير بالعزة هنا مكان العلم هنالك. وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها حتى بلغنا كراع الغميم، إذ الناس يوجفون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ فقالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً"، فقال رجل: إي رسول الله أو فتح هو؟ قال: إي والذين نفس محمد بيده إنه لفتح، فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهماً وكان الجيش ألفاً وخمسمائة منهم ثلثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهماً. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتد عليه، فسري عنه وبه من السرور ما شاء الله فأخبرنا أنه أنزل عليه "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" وأخرج البخاري وغيره عن أنس في قوله: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" قال: الحديبية. وأخرج البخاري وغيره عن البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" قال: فتح مكة" وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أفلا أكون عبداً شكوراً" وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين" قال: السكينة هي الرحمة وفي قوله: "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" قال: إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، فلما صدقوا بها زادهم الجهاد. ثم أكمل لهم دينهم فقال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ". قال ابن عباس: "فأوثق إيمان أهل السماء وأهل الأرض وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله". وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" قال: تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" مرجعه من الحديبية. قال: "لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي مما على الأرض ثم قرأها عليهم. فقالوا: هنيئاً مريئاً يا رسول الله، قد بين الله لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " حتى بلغ "فوزاً عظيماً"".

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

قوله: 8- "إنا أرسلناك شاهداً" أي على أمتك بتبليغ الرسالة إليهم "ومبشراً" بالجنة للمطيعين "ونذيراً" لأهل المعصية.

لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا

9- "لتؤمنوا بالله ورسوله" قرأ الجمهور "لتؤمنوا" بالفوقية. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتحتية، فعلى القراءة الأولى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته، وعلى القراءة الثانية المراد المبشرين والمنذرين، وانتصاب شاهداً ومبشراً ونذيراً على الحال المقدرة "وتعزروه وتوقروه وتسبحوه" الخلاف بين القراء في هذه الثلاثة والأفعال كالخلاف في لتؤمنوا كما سلف، ومعنى تعزروه: تعظموه وتفخموه، قاله الحسن والكلبي، والتعزيز: التعظيم والتوقير. وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه. وقال عكرمة: تقاتلوا معه بالسيف، ومعنى توقروه: تعظموه. وقال السدي: تسودوه، قيل والضميران في الفعلين للنبي صلى الله عليه وسلم وهنا وقف تام، ثم يبتدئ وتسبحوه: أي تسبحوا الله عز وجل "بكرة وأصيلاً" أي غدوة وعيشة، وقيل الضمائر كلها في الأفعال الثلاثة عز وجل، فيكون معنى تعزروه وتوقروه: تثبتون له التوحيد وتنفون عنه الشركاء، وقيل تنصروا دينه وتجاهدوا مع رسوله. وفي التسبيح وجهان، أحدهما التنزيه له سبحانه من كل قبيح، والثاني الصلاة.

إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

10- "إن الذين يبايعونك" يعني بيعة الرضوان بالحديبية، فإنهم بايعوا تحت الشجرة على قتال قريش "إنما يبايعون الله" أخبر سبحانه أن هذه البيعة لرسوله صلى الله عليه وسلم هي بيعة له كما قال: " من يطع الرسول فقد أطاع الله" وذلك لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، وجملة "يد الله فوق أيديهم" مستأنفة لتقرير ما قبلها على طريق التخييل في محل نصب على الحال، والمعنى: أن عقد الميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله سبحانه من غير تفاوت. وقال الكلبي: المعنى إن نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة. وقيل بيده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء. وقال ابن كسيان: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" أي فمن نقض ما عقد من البيعة فإنما ينقض على نفسه، لأن ضرر ذلك راجع إليه لا يجاوزه إلى غيره "ومن أوفى بما عاهد عليه الله" أي ثبت على الوفاء بما عاهد الله عليه في البيعة لرسوله. قرأ الجمهور "عليه" بكسر الهاء وقرأ حفص والزهري بضمها "فسيؤتيه أجراً عظيماً" وهو الجنة. قرأ الجمهور "فسيؤتيه" بالتحتية وقرأ نافع وقرأ كثير وابن عامر بالنون، واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم واختار القراءة الثانية الفراء.

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُ

11- "سيقول لك المخلفون من الأعراب" هم الذين خلفهم الله عن صحبة رسوله حين خرج عام الحديبية. قال مجاهد وغيره: يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع الدئل، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة. وقيل تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى مكة عام الفتح بعد أن كان قد استنفرهم ليخرجوا معه، والمخلف المتروك "شغلتنا أموالنا وأهلونا" أي منعنا عن الخروج معك ما لنا من الأموال والنساء والذراري وليس لنا من يقوم بهم ويخلفنا عليهم "فاستغفر لنا" ليغفر الله لنا ما وقع منا من التخلف عنك بهذا السبب، ولما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد بل على طريقة الاستهزاء، وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم فضحهم الله سبحانه بقوله: "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" وهذا هو صنيع المنافقين والجملة مستأنفة لبيان ما تنطوي عليه بواطنهم ويجوز أن تكون بدلاً من الجملة الأولى. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عنهم فقال: "قل فمن يملك لكم من الله شيئاً" أي فمن يمنعكم مما أراده الله بكم من خير وشر، ثم بين ذلك فقال: "إن أراد بكم ضراً" أي إنزال ما يضركم من ضياع الأموال وهلاك الأهل. قرأ الجمهور "ضراً" بفتح الضاد وهو مصدر ضررته ضراً. وقرأ حمزة والكسائي بضمها وهو اسم ما يضر، وقيل هما لغتان "أو أراد بكم نفعاً" أي نصراً وغنيمة، وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع عنه الضر ويجلب لهم النفع، ثم أضرب سبحانه عن ذلك وقال: " بل كان الله بما تعملون خبيرا " أي إن تخلفكم ليس لما زعمتم، بل كان الله خبيراً بجميع ما تعملونه من الأعمال التي من جملتها تخلفكم، وقد علم أن تخلفكم لم يكن لذلك، بل للشك والنفاق وما خطر لكم من الظنون الفاسدة الناشئة عن عدم الثقة بالله.

بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا

12- "بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً" وهذه الجملة مفسرة لقوله: " بل كان الله بما تعملون خبيرا " لما فيها من الإبهام: أي بل ظننتم أن العدو يستأصل المؤمنين بالمرة فلا يرجع منهم أحد إلى أهله، فلأجل ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباظلة "وزين ذلك في قلوبكم" أي وزين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم فقبلتموه. قرأ الجمهور "وزين" مبيناً للمفعول، وقرئ مبيناً للفاعل "وظننتم ظن السوء" أن الله سبحانه لا ينصر رسوله، وهذا الظن إما هو الظن الأول، والتكرير للتأكيد والتوبيخ، والمراد به ما هو أعم من الأول، فيدخل الظن الأول تحته دخولاً أولياً "وكنتم قوماً بوراً" أي هلكى قال الزجاج: هالكين عند الله، وكذا قال مجاهد: قال الجوهري: البور الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه. قال أبو عبيد "قوماً بوراً" هلكى، وهو جمع بائر، مثل حائل وحول، وقد بار فلان: أي هلك، وأباره الله أهلكه.

وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا

13- "ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً" هذا الكلام مستأنف من جهة الله سبحانه غير داخل تحت ما أمر الله سبحانه رسوله أن يقوله: أي ومن لم يؤمن بهما كما صنع هؤلاء المخلفون، فجزاؤهم ما أعده الله من عذاب السعير.

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا

14- "ولله ملك السماوات والأرض" يتصرف فيه كيف يشاء لا يحتاج إلى أحد من خلفه، وإنما تعبدهم بما تعبدهم ليثيب من أحسن ويعاقب من أساء، ولهذا قال: "يغفر لمن يشاء" أن يغفر له "ويعذب من يشاء" أن يعذبه "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" "وكان الله غفوراً رحيماً" أي كثير المغفرة والرحمة بليغها يخص بمغفرته ورحمته من يشاء من عباده.

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَ

15- "سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها" المخلفون هؤلاء المذكورون سابقاً، والظرف متعلق بقوله سيقول والمعنى: سيقولون عند انطلاقكم أيها المسلمون "إلى مغانم" يعني مغانم خيبر "لتأخذوها" لتحوزها "ذرونا نتبعكم" أي اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر.وأصل القصة أنه لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر، وخص بغنائمها من شهد الحديبية، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون: ذرونا نتبعكم، فقال الله سبحانه: "يريدون أن يبدلوا كلام الله" أي يغيروا كلام الله، والمراد بهذا الكلام الذي أرادوا أن يبدلوه هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر. وقال مقاتل: يعني أمر الله لرسوله أن لا يسير معه أحد منهم. وقال ابن زيد: هو قوله تعالى: " فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً" واعترض هذا ابن جرير وغيره بأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة والأول أولى، وبه قال مجاهد وقتادة، ورجحه ابن جرير وغيره. قرأ الجمهور "كلام الله" وقرأ حمزة والكسائي "كلم الله" قال الجوهري: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نبقة ونبق. ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يمنعهم من الخروج معه فقال: "قل لن تتبعونا" هذا النفي هو في معنى النهي، والمعنى: لا تتبعونا "كذلكم قال الله من قبل" أي من قبل رجوعنا من الحديبية أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة ليس لغيرهم فيها نصيب "فسيقولون" يعني المنافقين عند سماع هذا القول، وهو قوله لن تتبعونا "بل تحسدوننا" أي بل ما يمنعكم من خروجنا معكم إلا الحسد لئلا نشارككم في الغنيمة، وليس ذلك بقول الله كما تزعمون. ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله: "بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً" أي لا يعلمون إلا علماً قليلاً، وهو علمهم بأمر الدنيا، وقيل لا يفقهون من أمر الدين إلا فقهاً قليلاً، وهو ما يصنعونه نفاقاً بظواهرهم دون بواطنهم. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وتعزروه" يعني الإجلال "وتوقروه" يعني التعظيم، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة عنه في قوله: "وتعزروه" قال: تضربوا بين يديه بالسيف. وأخرج ابن عدي وابن مردويه والخطيب وابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله قال: "لما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية "وتعزروه" قال لأصحابه: ما ذاك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: لتنصروه". وأخرج أحمد وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة، فمن وفى وفى الله له، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه". وفي الصحيحين من حديث جابر "أنهم كانوا في بيعة الرضوان خمس عشر مائة" وفيهما عنه أنهم كانوا أربع عشرة مائة، وفي البخاري من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله كم كانوا في بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة، فقال له: إن جابراً قال كانوا أربع عشرة مائة، قال رحمه الله: وهم هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة.

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيم

قوله: 16- "قل للمخلفين من الأعراب" هم المذكورون سابقاً "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد" قال عطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن أبي ليلى وعطاء الخراساني: هم فارس وقال كعب والحسن: هم الروم. وروي عن الحسن أيضاً أنه قال: هم فارس والروم. وقال سعيد بن جبير: هم هوازن وثقيف. وقال عكرمة: هوازان. وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهري ومقاتل: هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة. وحكى هذا القول الواحدي عن أكثر المفسرين "تقاتلونهم أو يسلمون" أي يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، أو الإسلام لا ثالث لهما، وهذا حكم الكفار الذين لا تؤخذ منهم الجزية. قال الزجاج: التقدير أو هم يسلمون، وفي قراءة أبي أو يسلموا أي حتى يسلموا "فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً" وهو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة "وإن تتولوا" أي تعرضوا "كما توليتم من قبل" وذلك عام الحديبية "يعذبكم عذاباً أليماً" بالقتل والأسر والقهر في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة لتضاعف جرمكم.

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا

17- "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج" أي ليس على هؤلاء المعذورين بهذه الأعذار حرج في التخلف عن الغزو لعدم استطاعتهم. قال مقاتل: عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية، والحرج: الإثم "ومن يطع الله ورسوله" فيما أمرا به ونهياه عنه " يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار " قرأ الجمهور "يدخله" بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد، وقرأ نافع وابن عامر بالنون "ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً" أي ومن يعرض عن الطاعة يعذبه الله عذاباً شديد الألم.

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا

ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم وشهدوا بيعة الرضوان، فقال: 18- "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان، وكانت بالحديبية، والعامل فيها، "تحت" إما يبايعونك، أو محذوف على أنه حال من المفعول، وهذه الشجرة المذكورة هي شجرة كانت بالحديبية وقيل سدرة، وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشاً ولا يفروا. وروي أنه بايعهم على الموت، وقد تقدم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريباً، والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير "فعلم ما في قلوبهم" معطوف على يبايعونك. قال الفراء: أي علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء. وقال قتادة وابن جريح: من الرضى بأمر البيعة على أن لا يفروا. وقال مقاتل: من كراهة البيعة على الموت "فأنزل السكينة عليهم" معطوف على رضى، والسكينة: الطمأنينة وسكون النفس كما تقدم، وقيل الصبر "وأثابهم فتحاً قريباً" هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية. قاله قتادة وابن أبي ليلى وغيرهما، وقيل فتح مكة، والأول أولى.

وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا

19- "ومغانم كثيرة يأخذونها" أي وأثابكم مغانم كثيرة، أو وآتاكم، وهي غنائم خيبر، والالتفات لتشريفهم بالخطاب "وكان الله عزيزاً حكيماً" أي غالباً مصدراً أفعاله وأقواله على أسلوب الحكمة.

وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا

20- "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها" في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة يأخذونها في أوقاتها التي قدر وقوعها فيها "فعجل لكم هذه" أي غنائم خيبر، قاله مجاهد وغيره، وقيل صلح الحديبية "وكف أيدي الناس عنكم" أي وكف أيدي قريش عنكم يوم الحديبية بالصلح، وقيل كف أيدي أهل خيبر وأنصارهم عن قتالكم وقذف في قلوبهم الرعب. وقال قتادة: كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وخيبر، ورجح هذا ابن جرير، قال: لأن كف أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله: "وهو الذي كف أيديهم عنكم" وقيل كف أيدي الناس عنكم: يعني عيينة بين حصن الفزاري، وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما، إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبي صلى الله عليه وسلم لهم "ولتكون آية للمؤمنين" اللام يجوز أن تتعلق بفعل محذوف يقدر بعده: أي فعل ما فعل من التعجيل والكف لتكون آية، أو على علة محذوفة تقديرها وعد فعجل وكف لتنتفعوا بذلك ولتكون آية. وقيل إن الواو مزيدة واللام لتعليل ما قبله: أي وكف لتكون، والمعنى: ذلك الكف آية يعلم بها صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع ما يعدكم به " ويهديكم صراطا مستقيما " أي يزيدكم بتلك الآية هدى ، أو يثبتكم على الهداية إلى الطريق الحق .

وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا

21- "وأخرى لم تقدروا عليها" معطوف على هذه: أي فعجل لكم هذه المغانم، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها، وهي الفتوح التي فتحها الله على المسلمين من بعد كفارس والروم ونحوهما، كذا قال الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى. وقال الضحاك وابن زيد وابن أبي إسحاق: هي خيبر وعدها الله نبيه قبل أن يفتحها ولم يكونوا يرجونها. وقال قتادة: فتح مكة. وقال عكرمة: حنين، والأول أولى "قد أحاط الله بها" صفة ثانية لأخرى. قال الفراء: أحاط الله بها لكم حتى تفتحوها وتأخذوها، والمعنى، أنه أعدها لهم وجعلها كالشيء الذي قد أحيط به من جميع جوانبه، فهو محصور لا يفوت منه شيء، فهم وإن لم يقدروا عليها في الحال فهي محبوسة لهم لا تفوتهم، وقيل معنى أحاط: علم أنها ستكون لهم "وكان الله على كل شيء قديراً" لا يعجزه شيء ولا تختص قدرته ببعض المقدورات دون بعض.

وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا

22- "ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار" قال قتادة يعني كفار قريش بالحديبية، وقيل أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر، والأول أولى "ثم لا يجدون ولياً" يواليهم على قتالكم "ولا نصيراً" ينصرهم عليكم.

سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا

23- "سنة الله التي قد خلت من قبل" أي طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه، وانتصاب سنة على المصدرية بفعل محذوف: أي بين الله سنة الله، أو هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدمة "ولن تجد لسنة الله تبديلاً" أي لن تجد لها تغييراً، بل هي مستمرة ثابتة.

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا

24- "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" أي كف أيدي المشركين عن المسلمين وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عن البيت عام الحديبية، وهي المراد ببطن مكة. وقيل إن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم من قبل جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم فأخذهم المسلمون ثم تركوهم. وفي رواية اختلاف سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله " وكان الله بما تعملون بصيرا " لا يخفى عليه من ذلك شيء. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: "أولي بأس شديد" يقول: فارس. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم الأكراد. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: فارس والروم. وأخرج الفريابي وابن مردويه عنه قال: هوازن وبني حنيفة. وأخرج الطبراني. قال السيوطي بسند حسن عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال: "كيف لي وأنا ذاهب البصر؟ فنزلت "ليس على الأعمى حرج" الآية". قال هذا في الجهاد، وليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: "بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه، فذلك قول الله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى، فقال الناس هنيئاً لابن عفان يطوف بالبيت ونحن هاهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو [مكث] كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع قال: بلغ عمر بن الخطاب أن ناساً يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت. وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قيل على أي شيء كتنم تبايعونه يومئذ؟ قال: على الموت. وأخرج مسلم وغيره عن جابر قال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت. وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة". وأخرج مسلم من حديثه مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "فأنزل السكينة عليهم" قال: إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه "فعجل لكم هذه" يعني الفتح. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً "فعجل لكم هذه" يعني خيبر "وكف أيدي الناس عنكم" يعني أهل مكة أن يستحلوا حرم الله ويستحل بكم وأنتم حرم "ولتكون آية للمؤمنين" قال سنة لمن بعدكم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أيضاً في قوله: "وأخرى لم تقدروا عليه" قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم، وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضاً "وأخرى لم تقدروا عليها" قال: هي خيبر. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية، هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة في السلاح من قبل جبال التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم، فنزلت هذه الآية "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" وفي صحيح مسلم وغيره: أنها نزلت في نفر أسرهم سلمة بن الأكوع يوم الحديبية. وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو النعيم في الدلائل في سبب نزول الآية "أن ثلاثين شاباً من المشركين خرجوا يوم الحديبية على المسلمين في السلاح فثاروا في وجوههم، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأسماعهم، ولفظ الحاكم بأبصارهم، فقام إليهم المسلمون فأخذوهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحد أماناً؟ فقالوا لا، فخلى سبيلهم فنزلت هذه الآية".

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْ

قوله: 25- "هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام" يعني كفار مكة، ومعنى صدهم عن المسجد الحرام: أنهم منعوهم أن يطوفوا به ويحلوا عن عمرتهم "والهدي معكوفاً" قرأ الجمهور بنصب "الهدي" عطفاً على الضمير المنصوب في صدوكم، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجر عطفاً على المسجد، ولا بد من تقدير مضاف: أي عن نحر الهدي، وقرئ بالرفع على تقدير وصد الهدي وقرأ الجمهور بفتح الهاء من الهدي وسكون الدال، وروي عن أبي عمرو عاصم بكسر الدال وتشديد الياء: وانتصاب معكوفاً على الحال من الهدي: أي محبوساً.قال الجوهري عكفه: أي حبسه ووقفه، ومنه "والهدي معكوفاً" ومنه الاعتكاف في المسجد وهو الاحتباس. وقال أبو عمرو بن العلاء: معكوفاً مجموعاً، وقوله: "أن يبلغ محله" أي عن أن يبلغ محله، أو هو مفعول لأجله، والمعنى: صدوا الهدي كراهة أن يبلغ محله، أو هو بدل من الهدي بدل اشتمال، ومحله منحره، وهو حيث يحل نحره من الحرم، وكان الهدي سبعين بدنة، ورخص الله سبحانه لهم بجعل ذلك الموضع الذي وصلوا إليه وهو الحديبية محلاً للنحر. وللعلماء في هذا كلام معروف في كتب الفروع "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم" يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة، ومعنى: لم تعلموهم لم تعرفوهم، وقيل لم تعلموا أنهم مؤمنون " أن تطئوهم " يجوز أن يكون بدلاً من رجال ونساء، ولكنه غلب الذكور، وأن يكون بدلاً من مفعول تعلموهم، والمعنى أن تطأوهم بالقتل والإيقاع بهم، يقال وطئت القوم: أي أوقعت بهم، وذلك أنهم لو كسبوا مكة وأخذوها عنوة بالسيف لم يتميز المؤمنون الذين هم فيها من الكفار، وعند ذلك لا يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين فتلزمهم الكفارة وتلحقهم سبة، وهو معنى قوله: "فتصيبكم منهم" أي من جهتهم "معرة" أي مشقة بما يلزمهم في قتلهم من كفارة وعيب، وأصل المعرة: العيب مأخوذة من العر، وهو الجرب، وذلك أن المشركين سيقولون: إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم. قال الزجاج: لولا أن تقتلوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات فتصيبكم منهم معرة: أي إثم. وكذا قال الجوهري [وبه] قال ابن زيد. وقال الكلبي ومقاتل وغيرهما: المعرة كفارة قتل الخطأ كما في قوله "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة" وقال ابن إسحاق: المعرة غرم الدية. وقال قطرب: المعرة الشدة، وقيل الغم، و "بغير علم" متعلق بأن تطأوهم: أي غير عالمين، وجواب لولا محذوف، والتقدير: لأذن الله لكم أو لما كف أيديكم عنهم، واللام في "ليدخل الله في رحمته من يشاء" متعلقة بما يدل عليه الجواب المقدر أي ولكن لم يأذن لكم، أو كف أيديكم ليدخل الله في رحمته بذلك من يشاء من عباده وهم المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا في مكة، فيتمم لهم أجورهم بإخراجهم من بين ظهراني الكفار ويفك أسرهم، ويرفع ما كان ينزل بهم من العذاب. وقيل اللام متعلقة بمحذوف غير ما ذكر، وتقديره: لو قلتموهم لأدخلهم الله في رحمته، والأول أولى. وقيل إن من يشاء عباده ممن رغب في الإسلام من المشركين "لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً" التزيل: التميز: أي لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا منهم لغذبنا الذين كفروا، وقيل التزيل: التفرق: أي لو تفرق هؤلاء من هؤلاء، وقيل لو زال المؤمنون من بين أظهرهم، والمعاني متقاربة، والعذاب الأليم هو القتل والأسر والقهر.

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ

والظرف في قوله: 26- "إذ جعل الذين كفروا" منصوب بفعل مقدر: أي اذكر وقت جعل الذين كفروا "في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية" وقيل متعلق بعذبنا، والحمية: الأنفة، يقال فلان ذو حمية: أي ذو أنفة وغضب: أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم، والجعل بمعنى الإلقاء، وحمية الجاهلية بدل من الحمية. قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان، قال أهل مكة: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا، فتتحدث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا، واللات والعزى لا يدخلونها علينا، فهذه الحمية هي حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم. وقال الزهري. حميتهم أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. قرأ الجمهور "لو تزيلوا" وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وابن عون لو تزايلوا والتزايل التباين "فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين" أي أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحمية، وقيل ثبتهم على الرضى والتسليم "وألزمهم كلمة التقوى" وهي لا إله إلا الله كذا قال الجمهور، وزاد بعضهم محمد رسول الله وزاد بعضهم وحده لا شريك له. وقال الزهري في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير، فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها، والأول أولى، لأن كلمة التوحيد هي التي يتقي بها الشرك بالله، وقيل كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد والثبات عليه "وكانوا أحق بها وأهلها" أي وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم، لأن الله سبحانه أهلهم لدينه وصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا

27- "لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق" قال الواحدي: قال المفسرون: إن الله سبحانه أرى نبيه صلى الله عليه وسلم في المدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية كأنه هو وأصحابه حلقوا وقصروا، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم سيدخلون مكة عامهم ذلك، فلما رجعوا من الحديبية ولم يدخلوا مكة قال المنافقون: والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام، فأنزل الله هذه الآية، وقيل إن الرؤيا كانت بالحديبية، وقوله بالحق صفة لمصدر محذوف: أي صدقاً ملتبساً بالحق، وجواب القسم المحذوف المدلول عليه باللام الموطئة هو قوله: "لتدخلن المسجد الحرام" أي في العام القابل، وقوله: "إن شاء الله" تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد لما يجب أن يقولوه كما في قوله: " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله " قال ثعلب: إن الله استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون. وقيل كان الله سبحانه علم أنه يموت بعض هؤلاء الذين كانوا معه في الحديبية، فوقع الاستثناء لهذا المعنى قاله الحسن بن الفضل. وقيل معنى إن شاء الله: كما شاء الله. وقال أبو عبيدة: إن بمعنى إذ: يعني إذ شاء الله حيث أرى رسوله ذلك، وانتصاب "آمنين" على الحال من فاعل لتدخلن، وكذا "محلقين رؤوسكم ومقصرين" أي آمنين من العدو، ومحلقاً بعضكم ومقصراً بعضكم، والحلق والتقصير خاص بالرجال، والحلق أفضل من التقصير كما يدل على ذلك الحديث الصحيح في استغفاره صلى الله عليه وسلم للمحلقين في المرة الأولى والثانية، والقائل يقول له وللمقصرين، فقال في الثالثة وللمقصرين، وقوله: "لا تخافون" في محل نصب على الحال أو مستأنف، وفيه زيادة تأكيد لما قد فهم من قوله آمنين "فعلم ما لم تعلموا" أي ما لم تعلموا من المصلحة في الصلح لما في دخولكم في عام الحديبية من الضرر على المستضعفين من المؤمنين، وهو معطوف على صدق: أي صدق رسوله الرؤيا، فعلم ما لم تعلموا به "فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً" أي فجعل من دون دخولكم مكة كما أرى رسوله فتحاً قريباً. قال أكثر المفسرين: هو صلح الحديبية. وقال ابن زيد والضحاك: فتح خيبر. وقال الزهري: لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية. ولقد دخل في تلك السنتين في الإسلام مثل من كان قد دخل فيه قبل ذلك بل أكثر، فإن المسلمين كانوا في سنة ست، وهي سنة الحديبية ألفاً وأربعمائة وكانوا فس سنة ثمان عشرة آلاف.

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا

28- "هو الذي أرسل رسوله بالهدى" أي إرسالاً ملتبساً بالهدى "ودين الحق" وهو الإسلام "ليظهره على الدين كله" أي يعليه على كل الأديان كما يفيده تأكيد الجنس، وقيل ليظهر رسوله، والأول أولى. وقد كان ذلك بحمد الله، فإن دين الإسلام قد ظهر على جميع الأديان وانقهر له كل أهل الملل "وكفى بالله شهيداً" الباء زائدة كما تقدم في غير موضع: أي كفى الله شهيداً على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به وعلى صحة نبوة نبيه صلى الله عليه وسلم.

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ و

29- "محمد رسول الله" محمد مبتدأ ورسول الله خبره، أو هو خبر مبتدأ محذوف ورسول الله بدل منه، وقيل محمد مبتدأ ورسول الله نعت له "والذين معه" معطوف على المبتدأ وما بعده الخبر، والأول أولى، والجملة مبنية لما هو من جملة المشهود به والذين معه قيل هم أصحاب الحديبية، والأولى الحمل، على العموم" أشداء على الكفار " أي غلاظ عليهم كما يغلظ الأسد على فريسته ، وهو جمع شديد "رحماء بينهم" أي متوادون متعاطفون، وهو جمع رحيم، والمعنى: أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة، ولمن وافقه الرحمة والرأفة. قرأ الجمهور برفع "أشداء" و "رحماء" على أنه خبر للموصول، أو خبر لمحمد وما عطف عليه كما تقدم. وقرأ الحسن بنصبهما على الحال أو المدح، ويكون الخبر على هذه القراءة "تراهم ركعاً سجداً" أي تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر أو استئناف: أعني قوله تراهم، " يبتغون فضلا من الله ورضوانا " أي يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور أو في محل نصب على الحال من ضمير تراهم، وهكذا "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" السيما العلامة، وفيها لغتان المد والقصر: أي تظهر علامتهم في جباهم من أثر السجود في الصلاة وكثرة التعبد بالليل والنهار. وقال الضحاك: إذا سهر الرجل أصبح مصفراً، فجعل هذا هو السيما. وقال الزهري: مواضع السجود أشد وجوههم بياضاً يوم القيامة. وقال مجاهد: هو الخشوع والتواضع، وبالأول: أعني كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود قال سعيد بن جبير ومالك. وقال ابن جرير: هو الوقار. وقال الحسن: إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى، وقيل هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه، وبه قال سفيان الثوري: والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم من هذه الصفات الجليلة، وهو مبتدأ وخبره قوله: "مثلهم في التوراة" أي وصفهم الذي وصفوا به في التوراة ووصفهم الذي وصفوا به "في الإنجيل" وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره وللتنبيه على غرابته وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة "كزرع أخرج شطأه" الخ كلامه مستأنف: أي هم كزرع الخ، وقيل هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدم من الأوصاف، وقيل هو خبر لقوله: "ومثلهم في الإنجيل" أي ومثلهم في الإنجيل كزرع قال الفراء: فيه وجهان: إن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل: يعني كمثلهم في القرآن، فيكون الوقف على الإنجيل، وإن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة، ثم تبتدئ ومثلهم في الإنجيل كزرع. قرأ الجمهور "شطأه" بسكون الطاء، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتحها، وقرأ أنس نصر بن عاصم ويحيى بن وثاب شطاه كعصاه. وقرأه الجحدي وابن أبي إسحاق شطه بغير همزة، وكلها لغات قال الأخفش والكسائي: شطأه: أي طرفه. قال الفراء: شطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج. قال الزجاج: "أخرج شطأه": أي نباته. وقال قطرب: الشطأ سوي السنبل. وروي عن الفراء أيضاً أنه قال: هو السنبل. وقال الجوهري: شطأ الزرع والنبات والجمع أشطاء، وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه "فآزره" أي قواه وأعانه وشده، قيل المعنى: إن الشطأ قوى الزرع، وقيل إن الزرع قوي الشطأ، ومما يدل على أن الشطأ خروج النبات. قول الشاعر: أخرج الشطأ على وجه الثرى ومن الأشجار أفنان الثمر قرأ الجمهور فآزره بالمد. وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة وحميد بن قيس بالقصر، وعلى قراءة الجمهور قول امرئ القيس: بمحنية قد آزر النضال نبتها بجر جيوش غانمين وخيب قال الفراء: آزرت فلاناً أزراً إذا قويته "فاستغلظ" أي صار ذلك الزرع غليظاً بعد أن كان دقيقاً "فاستوى على سوقه" أي فاستقام على أعواده، والسوق جمع ساق. وقرأ قنبل " سوقه " بالهمزة الساكنة "يعجب الزراع" أي يعجب هذا الزرع زارعه لقوته وحسن منظره، وهذا مثل ضربه الله سبحانه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يكونون في الابتداء قليلاً، ثم يزدادون ويكثرون ويقوون كالزرع، فإنه يكون في الابتداء ضعيفاً ثم يقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ ساقه. قال قتادة: مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ثم ذكر سبحانه علة تكثيره لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم وتقويته لهم فقال: "ليغيظ بهم الكفار" أي كثرهم وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين، واللام متعلقة بمحذوف: أي فعل ذلك ليغيظ "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً" أي وعد سبحانه هؤلاء الذين مع محمد صلى الله عليه وسلم أن يغفر ذنوبهم ويجزل أجرهم بإدخالهم الجنة التي هي أكبر نعمة وأعظم منة. وقد أخرج أحمد والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها. وأخرج الحسن بن سفيان وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن قانع والبارودي والطبراني وابن مردويه. قال السيوطي بسند جيد عن أبي جمعة حنيذ بن سبع قال: "قابلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً، وقابلت معه آخر النهار مسلماً، وفينا نزلت "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتان" وفي رواية عند ابن أبي حاتم: "كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم" قال: حين ردوا النبي صلى الله عليه وسلم " أن تطئوهم " بقلتكم إياهم "لو تزيلوا" يقول: "لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذاباً أليماً بقلتكم إياهم". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن حنيف أنه قال: يوم صفين اتهموا أنفسكم، فلقد رأيتنا يوم الحديبية: يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلاناً في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: "يا ابن الخطاب إني رسول الله ولم يضيعني الله أبداً، فرجع متغيظاً، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلانهم في النار؟ قال بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا؟ قال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولم يضيعه الله أبداً فنزلت سورة الفتح، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر فأقرأه إياها، قال: يا رسول الله أفتح هو؟ قال: نعم". وأخرج الترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والدارقطني في الإفراد، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم "وألزمهم كلمة التقوى" قال: لا إله إلا الله وفي إسناده الحسن بن قزعة، قال الترمذي بعد إخراجه: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وكذا قال أبو زرعة. وأخرج ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع مرفوعاً مثله. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد عن المسور بن مخرمة ومروان نحوه وروي عن جماعة من التابعين نحو ذلك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس "لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق" قال: هو دخول محمد البيت والمؤمنين محلقين ومقصرين، وقد ورد في الدعاء للمحلقين والمقصرين في الصحيحين وغيرهما أحاديث منها ما قدمنا الإشارة إليه، وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر وفيهما من حديث أبي هريرة أيضاً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "سيماهم في وجوههم" قال: أما إنه ليس الذي يرونه، ولكنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه. وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: هو السمت الحسن. وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه. قال السيوطي بسند حسن عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " قال: النور يوم القيامة. وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس في الآية قال: بياض يغشى وجوههم يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس "ذلك مثلهم في التوراة" يعني نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس "كزرع أخرج شطأه" قال: نباته فروخه.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس