هي سبع وتسعون، أو ست وتسعون آية وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء. وقال ابن عباس وقتادة: إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى: "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" وقال الكلبي: إنها مكية إلا أربع آيات منها، وهي " أفبهذا الحديث أنتم مدهنون * وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " وقوله: " ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين " وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: نزلت سورة الواقعة بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ سورة الواقعة ليلة لم تصبه فاقة أبداً". وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سورة الواقعة سورة الغنى، فاقرأوها وعلموها أولادكم". وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا نسائكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى"، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "شيبتني هود الواقعة" اهـ. قوله: 1- "إذا وقعت الواقعة" الواقعة اسم للقيامة كالآزفة وغيرها، وسميت واقعة لأنها كائنة لا محالة، أو لقرب وقوعها، أو لكثرة ما يقع فيها من الشدائد، وانتصاب إذا بمضمر: أي أذكر وقوع الواقعة.
أو بالنفي المفهو من قوله: 2- "ليس لوقعتها كاذبة" أي لا يكون عند وقوعها تكذيب، والكاذبة مصدر كالعاقبة: أي ليس لمجيئها وظهورها كذب أصلاً، وقيل إذا شرطية وجوابها مقدر: أي إذا وقعت كان كيت وكيت، والجواب هذا هو العامل فيها، وقيل إنها شرطية، والعامل فيها الفعل الذي بعدها، واختار هذا أبو حيان، وقد سبقه إلى هذا مكي فقال: والعامل وقعت. قال المفسرون: والواقعة هنا هي النفخة الآخرة، ومعنى الآية: أنها إذا وقعت النفخة الآخرة عند البعث لم يكن هناك تكذيب بها أصلا، أو لا يكون هناك نفس تكذب على الله وتكذب بما أخبر عنه من أمور الآخرة. قال الزجاج: ليس لوقعتها كاذبة: أي لا يردها شيء، وبه قال الحسن وقتادة. وقال النووي: ليس لوقعتها أحد يكذب بها. وقال الكسائي: ليس لها تكذيب: أي لا ينبغي أن يكذب بها أحد.
3- "خافضة رافعة" قرأ الجمهور برفعهما على إضمار مبتدأ: أي هي خافضة رافعة. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي بنصبهما على الحال. قال عكرمة والسدي ومقاتل: خفضت الصوت فأسمعت من دنا، ورفعت الصوت فأسمعت من نأى: أي أسمعت القريب والبعيد. وقال قتادة: خفضت أقواماً في عذاب الله، ورفعت أقواماً إلى طاعة الله. وقال محمد بن كعب: خفضت أقواماً كانوا في الدنيا مرفوعين، ورفعت أقواماً كانوا في الدنيا مخفوضين، والعرب تستعمل الخفض والرفع في المكان والمكانة والعز والإهانة، ونسبة الخفض والرفع إليها على طريق المجاز، والخافض الرافع في الحقيقة هو الله سبحانه.
4- "إذا رجت الأرض رجا" أي إذا حركت حركة شديدة، يقال رجه يرجه رجا إذا حركه، والرجة الاضطراب، وارتج البحر اضطرب. قال المفسرون: ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها وينكسر كل شيء من الجبال وغيرها. قال قتادة ومقاتل ومجاهد: معنى رجت زلزلت، والظرف متعلق بقوله خافضة رافعة أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال، لأنه عند ذلك يرتفع ما هو منخفض وينخفض ما هو مرتفع. وقيل إنه بدل من الظرف والأول ذكره الزجاج، فيكون معنى وقوع الواقعة هو رج الأرض، وبس الجبال.
5- "وبست الجبال بسا" البس: الفت، يقال: بس الشيء إذا فته حتى يصير فتاتاً، ويقال بس السويق: إذا لته بالسمن أو بالزيت. قال مجاهد ومقاتل: المعنى أن الجبال فتت فتاً. وقال السدي: كسرت كسراً. وقال الحسن: فلعت من أصلها. وقال مجاهد أيضاً: بست كما يبس الدقيق بالسمن أو بالزيت، والمعنى: أنها خلطت فصارت كالدقيق الملتوت. وقال أبو زيد: البس السوق، والمعنى على هذا: سيقت الجبال سوقاً. قال أبو عبيد: بس الإبل وأبسها لغتان: إذا زجرها. وقال عكرمة: المعنى هدت هداً.
6- "فكانت هباء منبثاً" أي غباراً متفرقاً منتشراً. قال مجاهد: الهباء الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار، وقيل هو الرهج الذي يسطع من حوافر الدواب ثم يذهب، وقيل ما تطاير من النار إذا اضطرمت على سورة الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاً، وقد تقدم بيانه في الفرقان عند تفسير قوله: "فجعلناه هباء منثوراً" قرأ الجمهور "منبثاً" بالمثلثة. وقرأ مسروق والنخعي وأبو حيوة بالتاء المثناة من فوق: أي منقطعاً، من قولهم بته الله: أي قطعه.
ثم ذكر سبحانه أحوال الناس واختلافهم فقال: 7- "وكنتم أزواجاً ثلاثة" والخطاب لجميع الناس أو للأمة الحاضرة، والأزواج الأصناف، والمعنى: وكنتم في ذلك اليوم أصنافاً ثلاثة.
ثم فسر سبحانه هذه الأصناف فقال: 8- "فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة" أي أصحاب اليمين،وهم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، أو الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، أصحاب الميمنة مبتدأ، وخبره: ما أصحاب الميمن: أي أي شيء هم في حالهم وصفتهم، والاستفهام للتعظيم والتفخيم، وتكرير المبتدأ هنا بلغظه مغن عن الضمير الرابط، كما في قوله: " الحاقة * ما الحاقة " " القارعة * ما القارعة " ولا يجوز مثل هذا إلا في مواضع التفخيم والتعظيم.
9- "و" الكلام في "أصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة" كالكلام في أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، والمراد الذي يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار أو يأخذون صحائف أعمالهم بشمالهم، والمراد تعجيب السامع من حال الفريقين في الفخامة والفظاعة، كأنه قيل: فأصحاب الميمنة في نهاية السعادة وحسن الحال، وأصحاب المشأمة في نهاية الشقاوة وسوء الحال. وقال السدي: أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبة وأصحاب المشأمة هم الذين كانوا عن شماله. وقال زيد بن أسلم: أصحاب الميمنة هم الذين آخذوا من شق آدم الأيمن، وأصحاب المشأمة هم الذين أخذوا من شقه الأيسر. وقال ابن جريح: أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات. وقال الحسن والربيع: أصحاب الميمنة هم الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة، وأصحاب المشأمة هم المشائيم على أنفسهم بالأعمال القبيحة. وقال المبرد: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر، والعرب تقول: اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك: أي اجعلني من المتقدمين ولا تجعلني من المتأخرين، ومنه قول ابن الدمينة: أبنيتي أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك
ثم ذكر سبحانه الصنف الثالث فقال: 10- "والسابقون السابقون" والتكرير فيه للتفخيم والتعظيم كما مر في القسمين الأولين، كما تقول أنت أنت وزيد زيد، والسابقون مبتدأ، وخبره السابقون. وفيه تأويلان: أحدهما أنه بمعنى السابقون هم إلى الإيمان السابقون إلى الجنة. والأول أولى لما فيه من الدلالة على التفخيم والتعظيم. قال الحسن وقتادة: هم السابقون إلى الإيمان من كلامه. وقال محمد بن كعب: إنهم الأنبياء. وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال مجاهد: هم الذين سبقوا إلى الجهاد، وبه قال الضحاك: وقال سعيد بن جبير: هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر. وقال الزجاج: المعنى والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله.
11- "أولئك المقربون".
قيل ووجه تأخير هذا الصنف الثالث مع كونه أشرف من الصنفين الأولين هو أن يقترن به ما بعده، وهو قوله: 12- " أولئك المقربون * في جنات النعيم " فالإشارة هي إليهم: أي المقربون إلى جزيل ثواب الله وعظيم كرامته، أو الذين قربت درجاتهم وأعليت مراتبهم عند الله. وقوله في جنات النعيم متعلق بالمقربون: أي مقربون عند الله في جنات النعيم. ويجوز أن يكون خبراً ثانياً لأولئك، وأن يكون حالاً من الضمير في المقربون: أي كائنين فيها. قرأ الجمهور "في جنات" بالجمع، وقرأ طلحة بن مصرف في جنة بالإفراد، وإضافة الجنات إلى النعيم من إضافة المكان إلى ما يكون فيه كما يقال: دار الضيافة ودار الدعوة ودار العدل.
وارتفاع 13- "ثلة من الأولين" على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هم ثلة، والثلة الجماعة التي لا يحصر عددها. قال الزجاج: معنى ثلة معنى فرقة، من ثللت الشيء: إذا قطعته، والمراد بالأولين هم الأمم السابقة من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.
14- "وقليل من الآخرين" أي من هذه الأمة، وسموا قليلاً بالنسبة إلى من كان قبلهم، وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم وكثرة من أجابهم. قال الحسن: سابقو من مضى أكثر من سابقينا. قال الزجاج: الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف هذا ما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثم قال: ثلث أهل الجنة، ثم قال: نصف أهل الجنة" لأن قوله " ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين " إنما هو تفضيل للسابقين فقط كما سيأتي في ذكر أصحاب اليميمن أنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة، والمقابلة بين الثلتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءهما لجواز أن يقال: هذه الثلة أكثر من هذه الثلة كما يقال: هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة وهذه الفرقة أكثر من هذه الفرقة، وهذه القطعة أكثر من هذه القطعة. وبهذا تعرف أنه لم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بالحديث المذكور.
ثم ذكر سبحانه حالة أخرى للسابقين المقربين فقال: 15- "على سرر موضونة" قرأ الجمهور "سرر" بضم السين والراء الأولى، وقرأ أبو السماك وزيد بن علي بفتح الراء، وهي لغة كما تقدم، والموضوعة المنسوجة، والوضن: النسج المضاعف. قال الواحدي: قال المفسرون: منسوجة بقضبان الذهب، وقيل مشبكة بالدر والياقوت والزبرجد، وقيل إن الموضونة المصفوفة. وقال مجاهد: الموضونة المرمولة بالذهب.
وانتصاب 16- "متكئين عليها" على الحال، وكذا انتصاب "متقابلين" والمعنى: مستقرين على سرر متكئين عليها متقابلين لا ينظر بعضهم قفا بعض.
17- "يطوف عليهم ولدان مخلدون" الجملة في محل نصب على الحال من المقربين، أو مستأنفة لبيان بعض ما أعد الله لهم من النعيم، والمعنى يدور حولهم للخدمة غلمان لا يهرمون ولا يتغيرون، بل شكلهم شكل الولدان دائماً. قال مجاهد: المعنى لا يموتون. وقال الحسن والكلبي: لا يهرمون ولا يتغيرون. قال الفراء: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يمشط إنه لمخلد. وقال سعيد بن جبير: مخلدون مقرطون. قال الفراء: ويقال مخلدون مقرطون، يقال خلد جاريته: إذا حلاها بالخلدة، وهي القرطة. وقال عكرمة: مخلدون منعمون، ومنه قول امرئ القيس: وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال وقيل مستورين بالحلية، وروي نحوه عن الفراء، ومنه قول الشاعر: ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان وقيل مخلدون ممنطقون، قيل وهم ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة، وقيل هم أطفال المشركين، ولا يبعد أن يكونوا مخلوقين في الجنة للقيام بهذه الخدمة، والأكواب: هي الأقداح المستديرة الأفواه التي لا آذان لها ولا عرى، وقد مضى بيان معناها في سورة الزخرف، والأباريق: هي ذات العرى والخراطيم، واحدها إبريق، وهو الذي يبرق لونه من صفائه.
18- "وكأس من معين" أي من خمر جارية أو ماء جار، والمراد به هاهنا الخمر الجارية من العيون، وقد تقدم بيان معنى الكأس في سورة الصافات.
19- "لا يصدعون عنها" أي لا تتصدع رؤوسهم من شربها كما تتصدع من شرب خمر الدنيا. والصداع هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه، وقيل معنى لا يصدعون لا يتفرقون كما يتفرق الشراب، ويقوي هذا المعنى قراءة مجاهد "يصدعون" بفتح الياء وتشديد الصاد، والأصل يتصدعون: أي يتفرقون، والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم، أو في محل نصب على الحال، وجملة "ولا ينزفون" معطوفة على الجملة التي قبلها، وقد تقدم اختلاف القراء في هذا الحرف من سورة الصافات، وكذلك تقدم تفسيره: أي لا يسكرون فتذهب عقولهم، من أنزف الشارب: إذا نفد عقله أو شرابه، ومنه قول الشاعر: لعمرى لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
20- "وفاكهة مما يتخيرون" أي يختارونه، يقال: تخيرت الشيء إذا أخذته خيره. قرأ الجمهور "وفاكهة" بالجر.
21- "و" كذا "لحم" عطفا على أكواب: أي يطوفون عليهم بهذه الأشياء المأكول والمشروب والمتفكه به. وقرأ زيد بن علي وأبو علي وأبو عبد الرحمن برفعها على الابتداء، والخبر مقدر: أي ولهم فاكهة ولحم، ومعنى "مما يشتهون" مما يتمنونه وتشتهيه أنفسهم.
22- "وحور عين".
23- " وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون " قرأ الجمهور " حور عين " برفعهما عطفاً على ولدان أو على تقدير مبتدأ: أي نساؤهم حور عين، أو على تقدير خبر: أي ولهم حور عين، وقرأ حمزة والكسائي: بجرهما عطفاً على أكواب. قال الزجاج: وجائز أن يكون معطوفاً على جنات: أي هم في جنات وفي حور على تقدير مضاف محذوف: أي وفي معاشرة حور. قال الفراء: في توجيه العطف على أكواب إنه يجوز الجر على الاتباع في اللفظ وإن اختلفا في المعنى، لأن الحور لا يطاف بهن، كما في قول الشاعر: إذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا والعين لا تزجج وإنما تكحل، ومن هذا قول الشاعر: علفتها تبنا وماء بارداً وقول الآخر: متقلداً سيفاً ورمحاً قال قطرب: هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى. قال: ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور: ويكون لهم في ذلك لذة. وقرأ الأشهب العقيلي والنخعلي وعيسى بن عمر بنصبهما على تقدير إضمار فعل، كأنه قيل: ويزوجزن حوراً عينا، أو ويعطون، ورجح أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور. ثم شبههن سبحانه باللؤلؤ المكنون، وهو الذي لم تمسه الأيدي ولا وقع عليه الغبار، فهو أشد ما يكون صفاء.
وانتصاب جزاء في قوله 24- "جزاء بما كانوا يعملون" على أنه مفعول له: أي يفعل بهم ذلك كله للجزاء بأعمالهم. ويجوز أن يكون مصدراً مؤكداً لفعل محذوف: أي يجزون جزاء، وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الطور وغيرها.
25- "لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً" اللغو الباطل من الكلام، والتأثيم النسبة إلى الإثم. قال محمد بن كعب: لا يؤثم بعضهم بعضاً، وقال مجاهد: لا يسمعون شتماً ولا مأثماً، والمعنى: أنه لا يقول بعضهم لبعضهم أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم.
26- "إلا قيلاً سلاماً سلاماً" القيل القول، والاستثناء منقطع: أي لكن يقولون قيلاً، أو يسمعون قيلاً، وانتصاب سلاماً سلاماً على أنه بدل من قيلاً، أو صفة له، أو هو مفعول به لقيلا: أي إلا أن يقولوا سلاماً سلاماً، واختار هذا الزجاج: أو على أنه منصوب بفعل هو محكي بقيلا: أي إلا قيا سلموا سلاماً سلاماً، والمعنى في الآية: أنهم لا يسمعون إلا تحية بعضهم لبعض. قال عطاء: يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، وقيل إن الاستثناء متصل وهو بعيد، لأن التحية ليست مما يندرج تحت اللغو والتأثيم، قرئ سلام سلام بالرفع. قال مكي: ويجوز الرفع على معنى سلام عليكم مبتدأ وخبر. وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "إذا وقعت الواقعة" قال: يوم القيامة "ليس لوقعتها كاذبة" قال: ليس لها مرد يرد "خافضة رافعة" قال: تخفض ناساً وترفع آخرين. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه "خافضة رافعة" قال: أسمعت القريب والبعيد. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب "خافضة رافعة" قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "إذا رجت الأرض رجاً" قال: زلزلت "وبست الجبال بساً" قال: فتتت "فكانت هباء منبثاً" قال: شعاع الشمس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "فكانت هباء منبثاً" قال: الهباء الذي يطير من النار إذا أضرمت يطير منها الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاً. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال: الهباء ما يثور مع شعاع الشمس، وانبثاثه تفرقه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: الهباء المنبث رهج الدواب، والهباء المنثور غبار الشمس الذي تراه في شعاع الكوة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "وكنتم أزواجاً" قال: أصنافاً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "وكنتم أزواجاً ثلاثة" قال: هي التي في سورة الملائكة "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً في قوله: "والسابقون السابقون" قال: يوشع بن نون سبق إلى موسى، ومؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى، وعلي بن أبي طالب سبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار الذي ذكر في يس، وعلي بن أبي طالب، وكل رجل منهم سابق أمته، وعلي أفضلهم سبقاً. وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية "وأصحاب اليمين" "وأصحاب الشمال" فقبض بيديه قبضتين فقال: هذه في الجنة ولا أبالي، وهذه في النار ولا أبالي". وأخرج أحمد أيضاً عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوا، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم". وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما نزلت " ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين " شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني". وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس "على سرر موضونة" قال: مصفوفة. وأخرج سعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عنه. قال: مرمولة بالذهب. وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشوياً". وأخرج أحمد والترمذي والضياء عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة، فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه الطير لناعمة، قال: آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها" وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "كأمثال اللؤلؤ المكنون" قال: الذي في الصدف. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "لا يسمعون فيها لغواً" قال: باطلاً "ولا تأثيماً" قال: كذباً.
لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال السابقين وما أعده لهم من النعيم المقيم، ذكر أحوال أصحاب اليمين فقال: 27- "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين" قد قدمنا وجه إعراب هذا الكلام، وما في هذه الجملة الاستفهامية من التفخيم والتعظيم، وهي خبر المبتدأ، وهو أصحاب اليمين.
وقوله: 28- "في سدر مخضود" خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف: أي هم في سدر مخضود، والسدر نوع من الشجر، والمخضود الذي خضد شوكه: أي قطع فلا شوك فيه. قال أمية بن الصلت يصف الجنة: إن الحدائق في الجنان ظليلة فيها الكواعب سدرها مخضود وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان: إن السدر المخضود الموقر حملاً.
29- "وطلح منضود" قال أكثر المفسرين: إن الطلح في الآية هو شجر الموز. وقال جماعة: ليس هو شجر الموز، ولكنه الطلح المعروف وهو أعظم أشجار العرب. قال الفراء وأبو عبيدة: هو شجر عظام لها شوك. قال الزجاج: الطلح هو أم غيلان، ولها نور طيب، فخوطبوا ووعدوا ما يحبون، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا. قال: ويجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه. قال السدي: طلح الجنة يشبه طلح الدنيا: لكن له ثمر أحلى من العسل، والمنضود: المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ليس له سوق بارزة. قال مسروق: أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيد ثمر كله، كلما أخذت ثمرة عاد مكانها أحسن منها.
30- "وظل ممدود" أي دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس. قال أبو عبيدة: والعرب تقول لكل شيء طويل لا ينقطع ممدود، ومنه قوله: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل" والجنة كلها ظل لا شمس معه. قال الربيع بن أنس: يعني ظل العرش، ومن استعمال العرب للممدود في الدائم الذي لا ينقطع قول لبيد: غلب الغزاء وكان غير مغلب دهر طويل دائم ممدود
31- "وماء مسكوب" أي منصب يجري بالليل والنهار أينما شاءوا لا ينقطع عنهم، فهو مسكوب يسكبه الله في مجاريه، وأصل السكب الصب، يقال سكبه سكباً: أي صبه.
32- "وفاكهة كثيرة" أي ألوان متنوعة متكثرة.
33- "لا مقطوعة" في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات "ولا ممنوعة" أي لا تمتنع على ما أرادها في أي وقت على أي صفة، بل هي معدة لمن أرادها لا يحول بينه وبينها حائل. قال ابن قتيبة: يعني أنها غير محظورة عليها كما يحظر على بساتين الدنيا.
34- "وفرش مرفوعة" أي مرفوع بعضها فوق بعض، أو مرفوعة على الأسرة. وقيل إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة، وارتفاعها كونها على الأرائك، أو كونها مرتفعات الأقدار في الحسن والكمال.
35- "إنا أنشأناهن إنشاء" أي خلقناهن خلقاً جديداً من غير توالد، وقيل المراد نساء بني آدم، والمعنى: أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب، والنساء وإن لم يتقدم لهن ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين، وأما على قول من قال: إن الفرش المرفوعة عين النساء فمرجع الضمير ظاهر.
36- " فجعلناهن أبكارا " " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " .
37- "عرباً أترابا" العرب جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها. قال المبرد: هي العاشقة لزوجها، ومنه قول لبيد: وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى ضوؤها البصرا وقال زيد بن أسلم: هي الحسنة الكلام. قرأ الجمهور بضم العين والراء. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بإسكان الراء وهما لغتان في جمع فعول، والأتراب: هن اللواتي على ميلاد واحد وسن واحد. وقال مجاهد: أتراباً أمثالاً وأشكالاً. وقال السدي. أتراباً في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد.
قوله: 38- "لأصحاب اليمين" متعلق بأنشأناهن أو بجعلنا أو بأترابا، والمعنى: أن الله أنشأهن لأجلهم أو خلقهن لأجلهم أو هن مساويات لأصحاب اليمين في السن، أو هو خبر لمبتدأ محذوف: أي هن لأصحاب اليمين.
39- "ثلة من الأولين".
40- " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " هذا راجع إلى قوله: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين" أي هم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، وقد تقدم تفسير الثلة عند ذكر السابقين، والمعنى: أنهم جماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة من الأولين، وهم من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وجماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة منالآخرين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك. ثلة من الأولين. يعني من سابقي هذه الأمة، وثلة من الآخرين من هذه الأمة من آخرها.
ثم لما فرغ سبحانه مما أعده لأصحاب اليمين شرع في ذكر أصحاب الشمال وما أعده لهم فقال: 41- "وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال" الكلام في إعراب هذا وما فيه من التفخيم كما سبق في أصحاب اليمين.
قوله: 42- "في سموم وحميم" إما خبر ثان لأصحاب الشمال أو خبر مبتدأ محذوف، والسموم: حر النار، والحميم: الماء الحار الشديد الحرارة، وقد سبق بيان معناه. وقيل السموم: الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن.
43- "وظل من يحموم" اليحموم يفعول من الأحم: وهو الأسود، والعرب تقول أسود يحموم: إذا كان شديد السواد، والمعنى: أنهم يفزعون إلى الظل فيجدونه ظلا من دخان جهنم شديد السواد. وقيل وهو مأخوذ من الحم وهو الشحم المسود بالحتراق النار. وقيل مأخوذ من الحمم وهو الفحم. قال الضحاك: النار سوداء وكل ما فيها أسود.
ثم وصف هذا الظل بقوله: 44- "لا بارد ولا كريم" أي ليس كغيره من الظلال التي تكون باردة، بل هو حار لأنه من دخان نار جهنم. قال سعيد بن المسيب: ولا كريم: أي ليس فيه حسن منظر وكل ما لا خير فيه ليس بكريم قال الضحاك: ولا كريم ولا عذاب. قال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعاً لكل شيء نفت عنه وصفا تنوي به الذم، تقول: ما هو بسمين ولا بكريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي استحقوا بها العذاب فقال: 45- "إنهم كانوا قبل ذلك مترفين" وهذه الجملة تعليل لما قبلها: أي إنهم كانوا قبل هذا العذاب النازل بهم مترفين في الدنيا: أي منعمين بما لا يحل لهم، والمترف المتنعم. وقال السدي: مشركين، وقيل متكبرين، والأول أولى.
46- "وكانوا يصرون على الحنث العظيم" الحنث الذنب: أي يصرون على الذنب العظيم. قال الواحدي: قال أهل التفسير: عني به الشرك: أي كانوا لا يتوبون عن الشرك. وبه قال الحسن والضحاك وابن زيد. وقال قتادة ومجاهد: هو الذنب العظيم الذي لا يتوبون عنه. وقال الشعبي: هو اليمين المغموس.
47- " وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " الهمزة في الموضعين للإنكار والاستبعاد، وقد تقدم الكلام على هذا في الصافات، وفي سورة الرعد، والمعنى: أنهم أنكروا واستبعدوا أن يبعثوا بعد الموت، وقد صاروا عظاماً وتراباً، والمراد أنه صار لحمهم وجلودهم تراباً وصارت عظامهم نخرة بالية، والعامل في الظرف ما يدل عليه مبعوثون، لأن ما بعد الاستفهام لا يعمل فيما قبله: أي انبعث إذا متنا؟ الخ.
48- "أو آباؤنا الأولون" معطوف على الضمير في المبعوثون لوقوع الفصل بينهما بالهمزة، والمعنى: أن بعث آبائهم الأولين أبعد لتقدم موتهم، وقرئ وآباؤنا.
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عليهم ويرد استبعادهم فقال: 49- " قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون " أي قل لهم يا محمد إن الأولين من الأمم والآخرين منهم الذي أنتم من جملتهم لمجموعون بعد البعث.
50- "إلى ميقات يوم معلوم" وهو يوم القيامة.
51- "ثم إنكم أيها الضالون المكذبون" هذا وما بعده من جملة ما هو داخل تحت القول، وهو معطوف على إن الأولين ووصفهم سبحانه بوصفين قبيحين، وهما الضلال عن الحق والتكذيب له.
52- "لآكلون من شجر من زقوم" أي لآكلون في الآخرة من شجر كريه المنظر كريه الطعم، وقد تقدم تفسيره في سورة الصافات، ومن الأولى لابتداء الغاية، والثانية بيانية، ويجوز أن تكون الأولى مزيدة، والثانية بيانية، وأن تكون الثانية مزيدة، والأولى للابتداء.
53- "فمالئون منها البطون" أي مالئومن من شجر الزقوم بطونكم لما يلحقكم من شدة الجوع.
54- "فشاربون عليه من الحميم" الضمير في عليه عائد إلى الزقوم، والحميم الماء الذي قد بلغ حره إلى الغاية، والمعنى: فشاربون على الزقوم عقب أكله من الماء الحار، ويجوز أن يعود الضمير إلى شجر لأنه يذكر ويؤنث. ويجوز أن يعود إلى الأكر المدلول عليه بقوله: لآكلون، وقرئ من شجرة بالإفراد.
55- "فشاربون شرب الهيم" قرأ الجمهور "شرب الهيم" بفتح الشين، وقرأ نافع وعاصم وحمزة بضمها، وقرأ مجاهد وأبو عثمان النهدي بكسرها، وهي لغات. قال أبو زيد: سمعت العرب تقول بضم [الشين] وفتحها وكسرها. قال المبرد: الفتح على أصل المصدر والضم اسم المصدر، والهيم: الإبل العطاش التي لا تروى لداء يصيبها، وهذه الجملة بيان لما قبلها: أي لا يكون شربكم شرباً معتاداً بل يكون مثل شرب الهيم التي تعطش ولا تروى بشرب الماء، ومفرد الهيم أهيم، والأنثى هيماء. قال قيس بن الملوح: يقال به داء الهيام أصابه وقد علمت نفسي مكان شفائيا وقال الضحاك وابن عيينة والأخفش وابن كيسان: الهيم الأرض السهلة ذات الرمل، والمعنى: أنهم يشربون كما تشرب هذه الأرض الماء ولا يظهر له فيها أثر. قال في الصحاح: الهيام بالضم: أشد العطش، والهيام كالجنون من العشق، والهيام: داء يأخذ الإبل تهيم في الأرض لا ترعى، يقال ناقة هيماء، والهيماء أيضاً: المفازة لا ماء بها، والهيام بالفتح: الرمل الذي لا يتماسك في اليد للينه، والجميع هيم مثل قذال وقذل، والهيام بالكسر الإبل العطاش.
56- "هذا نزلهم يوم الدين" قرأ الجمهور "نزلهم" بضمتين، وروي عن أبي عمرو وابن محيصن بضمة وسكون، وقد تقدم أن النزل ما يعد للضيف، ويكون أول ما يأكله، ويوم الدين يوم الجزاء وهو يوم القيامة، والمعنى: أن ما ذكر من شجر الزقوم وشراب الحميم هو الذي يعد لهم ويأكلونه يوم القيامة، وفي هذا تهكم به، لأن النزل هو ما يعد للأضياف تكرمه لهم، ومثل هذا قوله: "فبشرهم بعذاب أليم". وقد أخرج الحاكم وصححه، والبيهقي عن أبي أمامة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم،" أقبل أعرابي يوماً فقال: يا رسول الله ذكر في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها: قال: وما هي؟ قال: السدر فإن لها شوكاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس الله يقول: "في سدر مخضود"؟ يخضه الله شوكه، فيجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمراً يتفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام ما منها لوم يشبه الآخر". وأخرج ابن أبي داود والطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن عيينة بن عبد السلمي قال: "كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعت تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكاً منها: يعني الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصية التيس الملبود: يعني الخصي منها، فيها سبعون لوناً من الطعام لا يشبه لون آخر" وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "سدر مخضود" قال: خضده وقره من الحمل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه قال: المخضود الذي لا شوك فيه. وأخرج عبد بن حميد عنه أيضاً قال: المخضود الموقر الذي لا شوك فيه. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله: "وطلح منضود" قال: هو الموز. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أنه قرأ وطلع منضود وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن قيس بن عباد قال: قرأت على علي بن أبي طالب "وطلح منضود" فقال علي: ما بال الطلح، أما تقرأ وطلع؟ ثم قال: " طلع نضيد "، فقيل له: يا أمير المؤمنين أنحكها في المصحف؟ قال: لا يهاج القرآن اليوم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "منضود" قال: بعضه على بعض. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم "وظل ممدود"". وأخرج البخاري وغيره نحوه من حديث أنس. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما نحوه من حديث أبي سعيد. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وفرش مرفوعة" قال: ارتفاعها كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام. قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد انتهى، ورشدين ضعيف. وأخرج الفريابي وهناد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إنا أنشأناهن إنشاء" قال: إن المنشئات التي كن في الدنيا عجائز عمشاً رمصاً." قال الترمذي: بعد إخراجه غريب، وموسى ويزيد ضعيفان. وأخرج الطيالسي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وابن قانع والبيهقي في البعث عن سلمة بن يزيد الجعفي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله: "إنا أنشأناهن إنشاء" قال: الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: خلقهن غير خلقهن الأول. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "أبكاراً" قال: عذارى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "عربا" قال: عواشق "أتراباً" يقول: مستويات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "عربا" قال: عواشق لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون "أترابا" قال: في سن واحد ثلاثاً وثلاثين سنة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: العروب الملقة لزوجها. وأخرج مسدد في مسنده وابن المنذر والطبراني وابن مردويه بسند حسن عن أبي بكرة "عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " قال: جميعهما من هذه الأمة". وأخرج أبو داود الطيالسي ومسدد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي بكرة: في قوله: " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " قال: هما جميعاً من هذه الأمة. أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه. قال السيوطي بسند ضعيف "عن ابن عباس في قوله: " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما جميعاً من أمتي". وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: الثلتان جميعاً من هذه الأمة. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "وظل من يحموم" قال: من دخان أسود، وفي لفظ: من دخان جهنم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "شرب الهيم" قال: الإبل العطاش.
قوله: 57- "نحن خلقناكم فلولا تصدقون" التفت سبحانه إلى خطاب الكفرة تبكيتاً لهم وإلزاماً للحجة: أي فهلا تصدقون بالبعث أو بالخلق. قال مقاتل: خلقناكم ولم تكونوا شيئاً وأنتم تعلمون ذلك فهلا تصدقون بالبعث؟.
58- "أفرأيتم ما تمنون" أي ما تقذفون وتصبون في أرحام النساء من النطف، ومعنى أفرأيتم: أخبروني.
ومفعولها الأول ما تمنون، والثاني الجملة الاستفهامية، وهي 59- " أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون " أي تقدرونه وتصورونه بشراً أم نحن المقدرون المصورون له، وأم هي المتصلة، وقيل هي المنقطعة، والأول أولى. قرأ الجمهور "تمنون" بضم الفوقية من أمنى يمني. وهما لغتان، وقيل معناهما مختلف، يقال أمني إذا أنزل عن جماع، ومعنى إذا أنزل عن احتلام، وسمي المني منياً لأنه يمني: أي يراق.
60- "نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين" قرأ الجمهور "قدرنا" بالتشديد، وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير بالتخفيف، وهما لغتان، يقال قدرت الشيء وقدرته: أي قسمناه عليكم ووقتناه لكل فرد من أفرادكم، وقيل قضينا، وقيل كتبنا، والمعنى متقارب. قال مقاتل: فمنكم من يموت كبيراً ومنكم من يموت صغيراً. وقال الضحاك: معناه أنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء "وما نحن بمسبوقين" بمغلوبين، بل قادرين.
61- "على أن نبدل أمثالكم" أي نأتي بخلق مثلكم. قال الزجاج: إن أردنا أن نخلق خلقاً غيركم لم يسبقنا سابقاً ولا يفوتنا. قال ابن جرير: المعنى نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم وما نحن بمسبوقين في آجالكم: أي لا يتقدم متأخر ولا يتأخر متقدم " وننشئكم في ما لا تعلمون " من الصور والهيئات. قال الحسن. أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم، وقيل المعنى: ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا. وقال سعيد بن المسيب: فيما لا تعلمون: يعني في حواصل طيور سود تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف. وبرهوت واد باليمن. وقال مجاهد " في ما لا تعلمون " يعني في أي خلق شئنا، ومن كان قادراً على هذا فهو قادر على البعث.
62- "ولقد علمتم النشأة الأولى" وهي ابتداء الخلق من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة ولم تكونوا قبل ذلك شيئاً. وقال قتادة والضحاك: يعني خلق آدم من تراب "فلولا تذكرون" أي فهلا تذكرون قدرة الله سبحانه على النشأة الأخيرة وتقيسونها على النشأة الأولى. وقرأ الجمهور "النشأة" بالقصر، وقرأ مجاهد والحسن وابن كثير وأبو عمرو بالمد، وقد مضى تفسير هذا في سورة العنكبوت.
63- "أفرأيتم ما تحرثون" أي خبروني ما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيه البذر.
64- " أأنتم تزرعونه " أي تنبتونه وتجعلونه زرعاً فيكون فيه السنبل الحب "أم نحن الزارعون" أي المنبتون له الجاعلون له زرعاً لا أنتم. قال المبرد: يقال زرعه الله: أي أنماه، فإذا أقررتم بهذا فكيف تنكرون البعث.
65- " لو نشاء لجعلناه حطاما " أي لو نشاء لجعنا ما تحرثون حطاماً: أي متحطماً متكسراً، والحطام: الهشم الذي لا ينتفع به ولا يحصل منه حب ولا شيء مما يطلب من الحرث "فظلتم تفكهون" أي صرتم تعجبون. قال الفراء: تفكهون تتعجبون فيما نزل بكم في زرعكم. قال في الصحاح: وتفكه تعجب، يقال تندم. قال الحسن وقتادة وغيرهما: معنى الآية: تعجبون من ذهابها وتندمون مما حل بكم. وقال عكرمة: تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله. وقال أبو عمرو والكسائي: هو التلهف على ما فات. قرأ الجمهور "فظلتم" بفتح الظاء مع لام واحدة. وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية عنه بكسر الظاء. وقرأ ابن عباس والجحدري فظلتم بلامين: أولاهما مكسورة على الأصل، وروي عن الجحدري فتحها، وهي لغة. وقرأ الجمهور تفكهون وقرأ أبو حزام العكلي تفكنون بالنون مكان الهاء: أي تندمون. قال ابن خالويه: تفكه تعجب، وتفكن تندم. وفي الصحاح التفكن التندم.
66- "إنا لمغرمون" قرأ الجمهور بهمزة واحدة على الخبر، وقرأ أبو بكر والمفضل وزر بن حبيش بهمزتين على الاستفهام، والجنلة بتقدير القول: أي تقولون إنا لمغرمون: أي ملزمون غرماً بما هلك من زرعنا، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، قاله الضحاك وابن كيسان. وقيل [معناه] إنا لمعذبون، قاله قتادة وغيره. وقال مجاهد وعكرمة: لمولع بنا، ومنه قول النمر بن تولب: سلا عن تذكره تكتما وكان رهينا بها مغرما يقال أغرم فلان بفلان: أي أولع. وقال مقاتل: مهلكون. قال النحاس: مأخوذ من الغرام، وهو الهلاك ومنه قول الشاعر: ويوم النسار ويوم الجبا ر كان عليكم عذاباً مقيماً والظاهر من السياق المعنى الأول: أي إنا لمغرمون بذهاب ما حرثناه ومصيره حطاماً.
ثم أضربوا عن قولهم هذا وانتقلوا فقالوا: 67- "بل نحن محرومون" أي حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا، والمحروم الممنوع من الرزق الذي لا حظ له فيه، وهو المحارف.
68- "أفرأيتم الماء الذي تشربون" فتسكنون به ما يلحقكم من العطش وتدفعون به ما ينزل بكم من الظمأ. واقتصر سبحانه على ذكر الشرب مع كثرة فوائد الماء ومنافعه، لأنه أعظم فوائده وأجل منافعه.
69- " أأنتم أنزلتموه من المزن " أي السحاب. قال في الصحاح: قال أبو زيد: المزنة السحابة البيضاء، والجمع مزن والمزنة المطر. قال الشاعر: ألم تر أن الله أنزل مزنة وعفر الظبا في الكنائس تقمع ومما يدل على أنه السحاب قول الشاعر: نحن كماء المزن ما في نصابنا كهام ولا فينا يعد بخيل وقول الآخر: فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها "أم نحن المنزلون" له بقدرتنا دون غيرنا، فإذا عرفتم ذلك، فكيف لا تقرون بالتوحيد وتصدقون بالبعث.
ثم بين لهم سبحانه لهم سبحانه أنه لو يشاء لسلبهم هذه النعمة فقال: 70- "لو نشاء جعلناه أجاجاً" الأجاج الماء الشديد الملوحة الذي لا يمكن شربه، وقال الحسن: هو الماء المر الذي لا ينتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما "فلولا تشكرون" أي فهلا تشكرون نعمة الله الذي خلق لكم ماء عذباً تشربون منه وتنتفعون به.
71- "أفرأيتم النار التي تورون" أي أخبروني عنها، ومعنى تورون: تستخرجونها بالقدح من الشجر الرطب، يقال أوريت النار إذا قدحتها.
72- " أأنتم أنشأتم شجرتها " التي يكون منها الزنود، وهي المرخ والعفار، تقول العرب: في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار "أم نحن المنشئون" لها بقدرتنا دونكم، ومعنى الإنشاء الخلق، وعبر عنه بالغنشاء للدلالة على ما في ذلك من بديع الصنعة وعجيب القدرة.
73- "نحن جعلناها تذكرة" أي جعلنا هذه النار التي في الدنيا تذكرة لنار جهنم الكبرى. قال مجاهد وقتادة: تبصرة للناس في الظلام، وقال عطاء: موعظة ليتعظ بها المؤمن "ومتاعاً للمقوين" أي منفعة للذين ينزلون بالقواء، وهي الأرض القفر كالمسافرين وأهل البوادي النازلين في المقفرة، يقال أرض قواء بالمد والصر: أي مقفرة، ومنه قول النابغة: يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد وقال عنترة: حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقر بعد أم الهيثم وقول الآخر: ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق ويقال أقوى إذا سافر: أي نزل القوى. وقال مجاهد المقوين المستمتعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة، وتذكر نار جهنم. وقال ابن زيد: للجائعين في إصلاح طعامهم، يقال: أقويت منذ كذا وكذا: أي ما أكلت شيئاً، وبات فلان القوي: أي بات جائعاً، ومنه قول الشاعر: وإني لأختار القوي طاوي الحشا محافظة من أن يقال لئيم وقال قطرب: [القوى] من الأضداد يكون بمعنى الفقر، ويكون بمعنى الغنى، يقال أقوى الرجل إذا لم يكن معه زاد، وأقوى إذا قويت دوابه وكثر ماله. وحكى الثعلبي عن أكثر المفسرين القول الأول، وهو الظاهر.
74- "فسبح باسم ربك العظيم" الفاء لترتيب ما بعدها من ذكر الله سبحانه، وتنزيهه على ما قبلها مما عدده من النعم التي أنعم بها على عباده وجحود المشركين لها وتكذيبهم بها. وقد أخرج البزار وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الشعب وضعفه عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم زرعت، ولكن يقول حرثت". قال أبو هريرة: ألم تسمعوا الله يقول " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "تفكهون" قال: تعجبون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. قال: "المزن" السحاب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس "نحن جعلناها تذكرة" قال: تذكرة للنار الكبرى "ومتاعاً للمقوين" قال: للمسافرين.
قوله: 75- "فلا أقسم" ذهب جمهور المفسرين إلى أن لا مزيدة للتوكيد، والمعنى: فأقسم، ويؤيد هذا قوله بعد: "وإنه لقسم" وقال جماعة من المفسرين: إنها للنفي، وإن المنفي بها محذوف، وهو كلام الكفار الجاحدين. قال الفراء: هي نفي، والمعنى: ليس الأمر كما تقولون. ثم استأنف فقال أقسم، وضعف هذا بأن حذف اسم لا وخبرها غير جائز، كما قال أبو حيان وغيره. وقيل إنها لام الابتداء، والأصل فلا اقسم فأشعت الفتحة فتولد منها ألف، كقول الشاعر: أعوذ بالله من العقراب وقد قرأ هكذا فلأقسم بدون ألف الحسن وحميد وعيسى بن عمر، وعلى هذا القول، وهذه القراءة يقدر مبتدأ محذوف، والتقدير: فلأنا أقسم بذلك. وقيل إن لا هنا بمعنى ألا التي للتنبيه، وهو بعيد. وقيل لا هنا على ظاهرها، وإنها لنفي القسم: أي فلا أقسم على هذا لأن الأمر أوضح من ذلك.
وهذا مدفوع بقوله: 76- "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" مع تعيين المقسم به والمقسم عليه، ومعنى قوله: "بمواقع النجوم" مساقطها، وهي مغاربها كذا قال قتادة وغيره. وقال عطاء بن أبي رباح: منازلها. وقال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة، وقال الضحاك: هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون مطرنا بنوء كذا. وقيل المراد بمواقع النجوم نزول القرآن نجوماً من اللوح المحفوظ، وبه قال السدي وغيره، وحكى الفراء عن ابن مسعود أن مواقع النجوم هو محكم القرآن. قرأ الجمهور "مواقع" على الجمع، وقرأ ابن مسعود والنخعي وحمزة والكسائي وابن محيصن وورش عن يعقوب بموقع على الإفراد. قال المبرد: موقع هاهنا مصدر، فهو يصلح للواحد والجمع. ثم أخبر سبحانه عن تعظيم هذا القسم وتفخيمه فقال: "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" هذه الجملة معترضة بين المقسم به والمقسم عليه، وقوله: "لو تعلمون" جملة معترضة بين جزأي الجملة المعترضة، فهو اعتراض في اعتراض. قال الفراء والزجاج: هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن، والضمير في إنه على القسم الذي يدل عليه أقسم، والمعنى أن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون.
ثم ذكر سبحانه المقسم عليه فقال: 77- "إنه لقرآن كريم" أي كرمه الله وأعزه ورفع قدره على جكميع الكتب، وكرمه عن أن يكون سحراً أو كهانة أو كذباً، وقيل إنه كريم لما فيه من كرم الأخلاق ومعالي الأمور، وقيل لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه. وحكى الواحدي عن أهل المعاني أن وصف القرآن بالكريم، لأن من شأنه أن يعطي الخير الكثير بالدلائل التي تؤدي إلى الحق في الدين. قال الأزهري: الكريم اسم جامع لما يحمد، والقرآن كريم يحمد لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة.
78- "في كتاب مكنون" أي مستور مصون، وقيل محفوظ عن الباطل، وهو اللوح المحفوظ قاله جماعة، وقيل هو كتاب. وقال عكرمة: هو التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن ومن ينزل عليه، وقال السدي: هو الزبور. وقال مجاهد وقتادة: هو المصحف الذي في أيدينا.
79- "لا يمسه إلا المطهرون" قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون: أي لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون، وهم الملائكة، وقيل هم الملائكة والرسل من بني آدم، ومعنى لا يمسه المس الحقيقي، وقيل معناه: لا ينزل به إلا المطهرون، وقيل معناه: لا يقرأه، وعلى كون المراد بالكتاب المكنون هو القرآن، فقيل "لا يمسه إلا المطهرون" من الأحداث والأنجاس. كذا قال قتادة وغيره: وقال الكلبي المطهرون من الشرك. وقال الربيع بن أنس: المطهرون من الذنوب والخطايا. وقال محمد بن الفضل وغيره: معنى لا يمسه: أي المؤمنون. وقال الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق. وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف، وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي. وروي عن ابن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة، أنه يجوز للمحدث مسه، وقد أوضحنا ما هو الحق في هذا في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. قرأ الجمهور "المطهرون" بتخفيف الطاء وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول. وقرأ سلمان الفارسي بكسر الهاء على أنه اسم فاعل: أي المطهرون أنفسهم. وقرأ نافع بن عمرو في رواية عنهما، عيسى بن عمر بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة، اسم مفعول من أطهر، وقرأ الحسن وزيد بن علي وعبد الله بن عوف بتشديد الطاء وكسر الهاء وأصله المتطهرون.
80- "تنزيل من رب العالمين" قرأ الجمهور بالرفع، وقرئ بالنصب، فالرفع على أنه صفة أخرى لقرآن، أو خبر مبتدأ محذوف، والنصب على الحال.
81- "أفبهذا الحديث أنتم مدهنون" الإشارة إلى القرآن المنعوت بالنعوت السابقة، والمدهن والمداهن المنافق. كذا قال الزجاج وغيره. وقال عطاء وغيره: هو الكذاب. وقال مقاتل بن سليمان وقتادة: مدهنون كافرون، كما في قوله: "ودوا لو تدهن فيدهنون" وقال الضحاك: مدهنون معرضون، وقال مجاهد: ممالئون للكفار على الكفر، وقال أبو كيسان: المدهن الذي لا يعقل حق الله عليه ويدفعه بالعلل. والأول أولى لأن أصل المدهن الذي ظاهره خلاف باطنه كأنه يشبه الدهن في سهولته. قال المؤرج: المدهن المنافق الذي يلين ليخفي كفره، والإدهان والمداهنة: التكذيب والكفر والنفاق. وأصله اللين، وأن يسر خلاف ما يظهر، وقال في الكشاف مدهنون: أي متهاونون به كمن يدهن في الأمر: أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاوناً به انتهى. قال الراغب: والإدهان في الأصل مثل التدهين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة، وترك الجد: كما جعل التقريد، وهو نزع القراد عبارة عن ذلك، ويؤيد ما ذكره قول أبي قيس بن الأسلت: الحزم والقوة خير من الـ إدهان والعهه والهاع
82- "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" في الكلام مضاف محذوف، كما حكاه الواحدي عن المفسرين: أي تجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون بنعمة الله فتضعون التكذيب موضع الشكر. وقال الهيثم: إن أزدشنوءة يقولون ما رزق فلان: أي ما شكر، وعلى هذه اللغة لا يكون في الآية مضاف محذوف بل معنى الرزق الشكر. ووجه التعبير بالرزق عن الشكر أن الشكر يفيض زيادة الرزق فيكون الشكر رزقاً تعبيراً بالسبب عن المسبب، ومما يدخل تحت هذه الآية قول الكفار إذا سقاهم الله، وأنزل عليهم المطر: سقينا بنوء كذا، ومطرنا بنوء كذا قل الأزهري: معنى الآية وتجعلون بدل شكركم رزقكم الذي رزقكم الله التكذيب بأنه من عند الله الرزاق. وقرأ علي وابن عباس وتجعلون شكركم وقرأ الجمهور "أنكم تكذبون" بالتشديد من التكذيب، وقرأ علي وعاصم في رواية عنه بالتخفيف من الكذب.
83- "فلولا إذا بلغت الحلقوم" أي فهلاً إذا بلغت الروح أو النفس الحلقوم عند الموت، ولم يتقدم لها ذكر، لأن المعنى مفهوم عندهم إذا جاءوا بمثل هذه العبارة، ومنه قول حاتم طي: أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
84- "وأنتم حينئذ تنظرون" إلى ما هو فيه ذلك الذي بلغت نفسه أو روحه الحلقوم. قال الزجاج: وأنتم يا أهل الميت في تلك الحال ترون الميت قد صار إلى أن تخرج نفسه، والمعنى أنهم في تلك الحال لا يمكنهم الدفع عنه، ولا يستطيعون شيئاً ينفعه أو يخفف عنه ما هو فيه.
85- "ونحن أقرب إليه منكم" أي بالعلم والقدرة والرؤية، وقيل أراد ورسلنا الذين يتولون قبضه أقرب إليه منكم "ولكن لا تبصرون" أي لا تدركون ذلك لجهلكم بأن الله أقرب إلى عبده من حبل الوريد، أو لا تبصرون ملائكة الموت الذين يحضرون الميت ويتولون قبضه.
86- " فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها " يقال دان السلطان رعيته: إذا ساسهم واستعبدهم. قال الفراء: دنته ملكته، وأشد للحطيئة: لقد دنت أمر بنيك حتى تركتهم أدق من الطحين أي ملكت، ويقال دانه: إذا أذله واستعبده، وقيل معنى مدينين محاسبين، وقيل مجزيين، ومنه قول الشاعر: ولم يبق سوى العدوا ن دناهم كما دنوا والمعنى الأول أصق بمعنى الآية: أي فهلا إن كنتم غير مربوبين وملوكين ترجعونها: أي النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مقرها الذي كانت فيه.
87- "إن كنتم صادقين" ولن ترجعوها فبطل زعمكم إنكم غير مربوبين ولا مملوكين، والعامل في قوله إذا بلغت هو قوله ترجعونها، ولولا الثانية تأكيد للأولى قال الفراء: وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد.
ثم ذكر سبحانه طبقات الخلق عند الموت وبعده فقال: 88- "فأما إن كان من المقربين" أي السابقين من الثلاثة الأصناف المتقدم تفصيل أحوالهم.
89- " فروح وريحان وجنة نعيم " وقرأ الجمهور " روح " بفتح الراء، ومعناه الراحة من الدنيا والاستراحة من أحوالهم. وقال الحسن: الروح الرحمة. وقال مجاهد: الروح الفرح وقرأ ابن عباسء وعائشة والحسن وقتادة ونصر بن عاصم والجحدري " فروح " بضم الراء، ورويت هذه القراءة عن يعقوب، قيل وسعيد بن جبير ومقاتل. قال مقاتل: هو الرزق بلغة حمير، يقال خرجت أطلب ريحان الله: أي رزقه، ومنه قول النمر بن تولب. سلامالإله وريحانه ورحمته وسماء درر وقال قتادة: إنه الجنة. وقال الضحاك: هو الرحمة. وقال الحسن: هو الريحان المعروف الذي يشم. قال قتادة والربيع بن خثيم: هذا عند الموت، والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث، وكذا قال أبو الجوزاء وأبو العالية، ومعنى وجنة نعيم أنها ذات تنعم، وارتفاع روح وما بعده على الابتداء، والخبر محذوف: أي فله روح.
90- "وأما إن كان" ذلك المتوفى "من أصحاب اليمين" وقد تقدم ذكر وتفصيل أحوالهم وما أعده الله لهم من الجزاء.
91- "فسلام لك من أصحاب اليمين" أي لست ترى فيهم إلا ما تحب من السلامة فلا تهتم بهم فإنه يسلمون من عذاب الله، وقيل المعنى: سلام لك منهم: أي أنت سالم من الاغتمام بهم، وقيل المعنى: إنهم يدعون لك ويسلمون عليك، وقيل إنه صلى الله عليه وسلم يحيي بالسلام إكراماً، وقيل هو إخبار من الله سبحانه بتسليم بعضهم على بعض، وقيل المعنى: سلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين.
92- "وأما إن كان من المكذبين الضالين" أي المكذبين بالبعث الضالين عن الهدى، وهم أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم، وتفصيل أحوالهم.
93- "فنزل من حميم" أي فله نزل يعد لنزوله من حميم، وهو الماء الذي قد تناهت حرارته، وذلك بعد أن يأكل من الزقوم كما تقدم بيانه.
94- "وتصلية جحيم" يقال أصلاه النار وصلاه: أي إذا جعله في النار، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أو إلى المكان. قال المبرد: وجواب الشرط في هذه الثلاثة المواضع محذوف والتقدير: مهما يكن من شيء فروح الخ. وقال الأخفش: إن الفاء في المواضع الثلاثة هي جواب أما وجواب حرف الشرط. قرأ الجمهور "وتصلية" بالرفع عطفاً علي فنزل. وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجر عطفاً على حميم: أي فنزل من حميح ومن تصلية جحيم.
95- "إن هذا لهو حق اليقين" الإشارة إلى ما ذكر في هذه السورة، أو إلى المذكور قريباً من أحوال المتفرقين لهو حق اليقين: أي محض اليقين وخالصه، وإضافة حق إلى اليقين من باب إضافة الشيء إلى نفسه. قال المبرد: هو كقولك عن اليقين ومحض اليقين، هذا عند الكوفيين وجوزوا ذلك لاختلاف اللفظ، وأما البصريون فيجعلون المضاف إليه محذوفاً، والتقدير: حق الأمر اليقين أو الخبر اليقين.
والفاء في 96- "فسبح باسم ربك العظيم" لترتيب ما بعدها على ما قبلها: أي نزهه عما لا يليق بشأنه، والباء متعلقة بمحذوف: أي فسبح ملتبساً باسم ربك للتبرك به. وقيل المعنى: فصل بذكر ربك، وقيل الباء زائدة، والاسم بمعنى الذات. وقيل هي للتعدية لأن سبح يتعدى بنفسه تارة ويتعدى بالحرف أخرى، والأول أولى. وقد أخرج النسائي وابن جرير ومحمد بن نصر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين، وفي لفظ: ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوماً، ثم قرأ "فلا أقسم بمواقع النجوم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه "فلا أقسم بمواقع النجوم" قال القرآن "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" قال: القرآن. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: نجوم القرآن حين ينزل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في المعرفة من طرق عن ابن عباس أيضاً "لا يمسه إلا المطهرون" قال: الكتاب المنزل في السماء لا يمسه إلا الملائكة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أنس "لا يمسه إلا المطهرون" قال: الملائكة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن علقمة قال: أتينا سلمان الفارسي فخرج علينا من كنيف، فقلنا له: لو توضأت يا أيا عبد الله ثم قرأت علينا سورة كذا وكذا، قال: إنما قال الله " في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون " وهو الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة، ثم قرأ علينا من القرآن ما شئنا. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود وابن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: لا تمس القرآن إلا على طهر. وأخرجه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر. وأخرجه أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال: قرأ في صحيفة عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ولا يمس القرآن إلا طاهر" وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمرو وعثمان بن أبي العاص، وفي أسانيدها نظر. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان لا يمس المصحف إلا متوضئاً. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن زيد قال: كنا مع سلمان فانطلق إلى حاجة، فتوارى عنا ثم خرج إلينا، فقلنا: لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن، فقال: سلوني، فإني لن أمسه إنما يمسه المطهرون ثم تلا "لا يمسه إلا المطهرون". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يمس القرآن إلا طاهر" وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن كتب له في عهده: أن لا يمس القرآن إلا طاهر". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أنتم مدهنون" قال: مكذبون. وأخرج مسلم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال "مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا. فنزلت هذه الآية "فلا أقسم بمواقع النجوم" حتى بلغ "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون"" وأصل الحديث بدون ذكر أنه سبب نزول الآية ثابت في الصحيحين من حديث ومعنى هذه القرىءة الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم، والريحان: الرزق في الجنة، قاله مجاهد زيد بن خالد الجهني. ومن حديث أبي سعيد الخدري. وفي الباب أحاديث. وأخرج أحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. والضياء في المختارة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" قال: شكركم، تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عائشة قالت: ما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن إلا آيات يسيرة قوله: "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" قال: شكركم. وأخرج ابن مردويه عن علي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ " وتجعلون رزقكم "" وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وتجعلون شكركم قال: يعني الأنواء وما مطر قوم إلا أصبح كافرا كانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون. وأخرج ابن مردويه عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قرأ وتجعلون شكركم وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "غير مدينين" قال: غير محاسبين. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن خيثم "فأما إن كان من المقربين" الآية قال: هذا له عند الموت "وجنة نعيم" تخبأ له الجنة إلى يوم يبعث " وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم " قال: هذا عند الموت "وتصلية جحيم" قال: تخبأ له الجحيم إلى يوم البعث. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فروح" قال: رائحة "وريحان" قال: استراحة. وأخرج ابن جرير عنه قال: يعني بالريحان المستريح من الدنيا "وجنة نعيم" يقول: مغفرة ورحمة. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال: الريحان الرزق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "فسلام لك من أصحاب اليمين" قال: تأتيه الملائكة بالسلام من قبل الله تسلم عليه وتخبره أنه من أصحاب اليمين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "إن هذا لهو حق اليقين" قال: ما قصصنا عليك في هذه السورة. وأخرج عنه أيضاً "فسبح باسم ربك العظيم" قال: فصل لربك. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر الجهني قال "لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم " فسبح باسم ربك العظيم " قال: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: اجعلوها في سجودكم".