هي خمس آيات، وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت بمكة "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل". الاستفهام في قوله: 1- "ألم تر" لتقرير رؤيته صلى الله عليه وسلم بإنكار عدمها. قال الفراء: المعنى ألم تخبر. وقال الزجاج: ألم تعلم، وهو تعجيب له صلى الله عليه وسلم بما فعله الله "بأصحاب الفيل" الذين قصدوا تخريب الكعبة من الحبشة، وكيف منصوبة بالفعل الذي بعدها، ومعلقة لفعل الرؤية والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون لكل من يصلح له. والمعنى: قد علمت يا محمد، أو علم الناس الموجودون في عصرك ومن بعدهم بما بلغكم من الأخبار المتواترة من قصة أصحاب الفيل وما فعل الله بهم فما لكم لا تؤمنون؟ والفيل هو الحيوان المعروف، وجمعه أفيال، وفيول، وفيلة. قال ابن السكيت: ولا تقول أفيلة، وصاحبه فيال، وسيأتي ذكر قصة أصحاب الفيل إن شاء الله.
2- "ألم يجعل كيدهم في تضليل" أي ألم يجعل مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة واستباحة أهلها في تضليل عما قصدوا إليه حتى لم يصلوا إلى البيت ولا إلى ما أرادوه بكيدهم، والهمزة للتقرير كأنه قيل: قد جعل كيدهم في تضليل، والكيد: هو إرادة المضرة بالغير، لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشاً والسبي، ويكيدوا البيت الحرام بالتخريب.
3- "وأرسل عليهم طيراً أبابيل" أي أقاطيع يتبع بعضها بعضاً كالإبل المؤبلة. قال أبو عبيدة: أبابيل جماعات في تفرقة، يقال جاءت الخيل أبابيل: أي جماعات من ههنا وههنا. قال النحاس: وحقيقته أنها جماعات عظام، يقال فلان توبل على فلان: أي تعظم عليه وتكبر، وهو مشتق من الإبل، وهو من الجمع الذي لا واحد له. وقال بعضهم: واحده أبول مثل عجول. وقال بعضهم: أبيل. قال الواحدي: ولم نر أحداً يجعل لها واحداً. قال الفراء: لا واحد له من لفظه. وزعم الرؤاسي وكان ثقة أنه سمع في واحدها: أبالة مشدداً. وحكى الفراء أيضاً: أبالة بالتخفيف. قال سعيد بن جبير: كانت طيراً من السماء لم ير قبلها ولا بعدها. قال قتادة: هي طير سود جاءت من قبل البحر فوجاً فوجاً مع كل طائر ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره لا يصيب شيئاً إلا هشمه. وقيل كانت طيراً خضراً خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع. وقيل كان لها خراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب. وقيل في صفتها غير ذلك، والعرب تستعمل الأبابيل في الطير كما في قول الشاعر: تراهم إلى الداعي سراعاً كأنهم أبابيل طير تحت دجن مسجن وتستعملها في غير الطير كقول الآخر: كادت تهد من الأصوات راحلتي أن سألت الأرض بالجرد الأبابيل
4- "ترميهم بحجارة من سجيل" الجملة في محل نصب صفة لطير. قرأ الجمهور "ترميهم" بالفوقية. وقرأ أبو حنيفة وأبو معمر وعيسى وطلحة بالتحتية، واسم الجمع يذكر ويؤنث. وقيل: الضمير في القراءة الثانية لله عز وجل. قال الزجاج: "من سجيل" أي مما كتب عليهم العذاب به، مشتقاً من السجل. قال في الصحاح قالوا: هي حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم. قال عبد الرحمن بن أبزى: "من سجيل" من السماء، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط، وقيل: من الجحيم التي هي سجين، ثم أبدلت النون لاماً، ومنه قول ابن مقبل: ضرباً تواصت به الأبطال سجيلا وإنما هو سجيناً. قال عكرمة: كانت ترميهم بحجارة معها، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري، وكان الحجر كالحمصة وفوق العدسة، وقد قدمنا الكلام في سجيل في سورة هود.
5- "فجعلهم كعصف مأكول" أي جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب فرمت به من أسفل، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزائه. وقيل المعنى: أنهم صاروا كورق زرع قد أكلت منه الدواب وبقي منه بقايا، أو أكلت حبه فبقي بدون حبه. والعصف جمع عصفة وعصافة وعصيفة، وقد قدمنا الكلام في العصف في سورة الرحمن فارجع إليه. وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح فأتاهم عبد المطلب فقال: إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحداً، قالوا: لا نرجع حتى نهدمه وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر، فدعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سوداء عليها الطين، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك الإنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه. وأخرج ابن المنذر والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عنه قال: أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب، فقال لملكهم. لما جاء بك إلينا؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شيء؟ فقال: أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن، فجئت أخيف أهله، فقال: إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع، فأبى إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه، وتخلف عبد المطلب، فقام على جبل فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله، فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل التي قال الله: "ترميهم بحجارة من سجيل" فجعل الفيل يعج عجاً "فجعلهم كعصف مأكول" وقصة أصحاب الفيل مبسوطة مطولة في كتب التاريخ والسير فلا نطول بذكرها. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: "ترميهم بحجارة من سجيل" قال: حجارة مثل البندق وبها تضح حمرة مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر [في] منقاره حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت عليهم تلك الحجارة فلم تعد عسكرهم. وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء والضحاك عنه أن أبرهم الأشرم قدم من اليمن يريد هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل يريد مجتمعة، لها خراطيم تحمل حصاة في منقارها وحصاتين في رجليها، ترسل واحدة على رأس الرجل فيسيل لحمه ودمه ويبقى عظاماً خاوية لا لحم عليها ولا جلد ولا دم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عنه أيضاً "فجعلهم كعصف مأكول" يقول: كالتبن. وأخرج ابن إسحاق في السيرة والواقدي وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن عائشة قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان. وأخرج الواقدي نحوه عن أسماء بنت أبي بكر. وأخرج أبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل. وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل.