أَيْ الْقِيَامَة وَالسَّاعَة ; كَذَا قَالَ عَامَّة الْمُفَسِّرِينَ .وَذَلِكَ أَنَّهَا تَقْرَع الْخَلَائِق بِأَهْوَالِهَا وَأَفْزَاعهَا . وَأَهْل اللُّغَة يَقُولُونَ : تَقُول الْعَرَب قَرَعَتْهُمْ الْقَارِعَة , وَفَقَرَتْهُمْ الْفَاقِرَة ; إِذَا وَقَعَ بِهِمْ أَمْر فَظِيع . قَالَ اِبْن أَحْمَر : <br>وَقَارِعَة مِنْ الْأَيَّام لَوْلَا .......... سَبِيلهمْ لَزَاحَتْ عَنْك حِينَا <br>وَقَالَ آخَر : <br>مَتَى تَقْرَع بِمَرْوَتِكُمْ نَسُؤْكُمْ .......... وَلَمْ تُوقَد لَنَا فِي الْقِدْر نَار <br>وَقَالَ تَعَالَى : | وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة | [ الرَّعْد : 31 ] وَهِيَ الشَّدِيدَة مِنْ شَدَائِد الدَّهْر .
اِسْتِفْهَام ; أَيْ أَيّ شَيْء هِيَ الْقَارِعَة ؟
كَلِمَة اِسْتِفْهَام عَلَى جِهَة التَّعْظِيم وَالتَّفْخِيم لِشَأْنِهَا , كَمَا قَالَ : | الْحَاقَّة . مَا الْحَاقَّة . وَمَا أَدْرَاك مَا الْحَاقَّة | [ الْحَاقَّة : 1 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
| يَوْم | مَنْصُوب عَلَى الظَّرْف , تَقْدِيره : تَكُون الْقَارِعَة يَوْم يَكُون النَّاس كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث . قَالَ قَتَادَة : الْفَرَاش الطَّيْر الَّذِي يَتَسَاقَط فِي النَّار وَالسِّرَاج . الْوَاحِد فَرَاشَّة , وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : إِنَّهُ الْهَمَج الطَّائِر , مِنْ بَعُوض وَغَيْره ; وَمِنْهُ الْجَرَاد . وَيُقَال : هُوَ أَطْيَش مِنْ فَرَاشَة .وَقَالَ : <br>طُوَيِّش مِنْ نَفَر أَطْيَاش .......... أَطْيَش مِنْ طَائِرَة الْفَرَاش <br>وَقَالَ آخَر : <br>وَقَدْ كَانَ أَقْوَام رَدَدْت قُلُوبهمْ .......... إِلَيْهِمْ وَكَانُوا كَالْفَرَاشِ مِنْ الْجَهْل <br>وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلِي وَمَثَلكُمْ كَمَثَلِ رَجُل أَوْقَدَ نَارًا , فَجَعَلَ الْجَنَادِب وَالْفَرَاش يَقَعْنَ فِيهَا , وَهُوَ يَذُبّهُنَّ عَنْهَا , وَأَنَا آخِذ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّار , وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي ) . وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة . وَالْمَبْثُوث الْمُتَفَرِّق . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : | كَأَنَّهُمْ جَرَاد مُنْتَشِر | [ الْقَمَر : 7 ] . فَأَوَّل حَالهمْ كَالْفَرَاشِ لَا وَجْه لَهُ , يَتَحَيَّر فِي كُلّ وَجْه , ثُمَّ يَكُونُونَ كَالْجَرَادِ ; لِأَنَّ لَهَا وَجْهًا تَقْصِدهُ . وَالْمَبْثُوث : الْمُتَفَرِّق وَالْمُنْتَشِر . وَإِنَّمَا ذُكِرَ عَلَى اللَّفْظ : كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر | [ الْقَمَر : 20 ] وَلَوْ قَالَ الْمَبْثُوثَة [ فَهُوَ ] كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة | [ الْحَاقَّة : 7 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْفَرَّاء : | كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث | كَغَوْغَاء الْجَرَاد , يَرْكَب بَعْضهَا بَعْضًا . كَذَلِكَ النَّاس , يَجُول بَعْضهمْ فِي بَعْض إِذَا بُعِثُوا .
أَيْ الصُّوف الَّذِي يُنْفَش بِالْيَدِ , أَيْ تَصِير هَبَاء وَتَزُول ; كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِع آخَر : | هَبَاء مُنْبَثًّا | [ الْوَاقِعَة : 6 ] وَأَهْل اللُّغَة يَقُولُونَ : الْعِهْن الصُّوف الْمَصْبُوغ .وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | سَأَلَ سَائِل | .
قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي الْمِيزَان فِي | الْأَعْرَاف وَالْكَهْف وَالْأَنْبِيَاء | . وَأَنَّ لَهُ كِفَّة وَلِسَانًا تُوزَن فِيهِ الصُّحُف الْمَكْتُوب فِيهَا الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات . ثُمَّ قِيلَ : إِنَّهُ مِيزَان وَاحِد بِيَدِ جِبْرِيل يَزِن أَعْمَال بَنِي آدَم , فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْع . وَقِيلَ : مَوَازِين , كَمَا قَالَ : فَلِكُلِّ حَادِثَة لَهَا مِيزَان وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ .وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | وَقِيلَ : إِنَّ الْمَوَازِين الْحُجَج وَالدَّلَائِل , قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى , وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : <br>قَدْ كُنْت قَبْل لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّة .......... عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِم مِيزَانه<br>
أَيْ عَيْش مَرْضِيّ , يَرْضَاهُ صَاحِبه . وَقِيلَ : | عِيشَة رَاضِيَة | أَيْ فَاعِلَة لِلرِّضَا , وَهُوَ اللِّين وَالِانْقِيَاد لِأَهْلِهَا . فَالْفِعْل لِلْعِيشَةِ لِأَنَّهَا أَعْطَتْ الرِّضَا مِنْ نَفْسهَا , وَهُوَ اللِّين وَالِانْقِيَاد . فَالْعِيشَة كَلِمَة تَجْمَع النِّعَم الَّتِي فِي الْجَنَّة , فَهِيَ فَاعِلَة لِلرِّضَا , كَالْفُرُشِ الْمَرْفُوعَة , وَارْتِفَاعهَا مِقْدَار مِائَة عَام , فَإِذَا دَنَا مِنْهَا وَلِيّ اللَّه اِتَّضَعَتْ حَتَّى يَسْتَوِي عَلَيْهَا , ثُمَّ تَرْتَفِع كَهَيْئَتِهَا , وَمِثْل الشَّجَرَة فَرْعهَا , كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الِارْتِفَاع , فَإِذَا اِشْتَهَى وَلِيّ اللَّه ثَمَرَتهَا تَدَلَّتْ إِلَيْهِ , حَتَّى يَتَنَاوَلهَا وَلِيّ اللَّه قَاعِدًا وَقَائِمًا , وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | قُطُوفهَا دَانِيَة | [ الْحَاقَّة : 23 ] .وَحَيْثُمَا مَشَى أَوْ يَنْتَقِل مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان , جَرَى مَعَهُ نَهْر حَيْثُ شَاءَ , عُلُوًّا وَسُفْلًا , وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا | [ الْإِنْسَان : 6 ] . فَيُرْوَى فِي الْخَبَر ( إِنَّهُ يُشِير بِقَضِيَّتِهِ فَيَجْرِي مِنْ غَيْر أُخْدُود حَيْثُ شَاءَ مِنْ قُصُوره وَفِي مَجَالِسه ) . فَهَذِهِ الْأَشْيَاء كُلّهَا عِيشَة قَدْ أَعْطَتْ الرِّضَا مِنْ نَفْسهَا , فَهِيَ فَاعِلَة لِلرِّضَا , وَهِيَ انْذَلَّتْ وَانْقَادَتْ بَذْلًا وَسَمَاحَة .
قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي الْمِيزَان فِي | الْأَعْرَاف وَالْكَهْف وَالْأَنْبِيَاء | .وَأَنَّ لَهُ كِفَّة وَلِسَانًا تُوزَن فِيهِ الصُّحُف الْمَكْتُوب فِيهَا الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات . ثُمَّ قِيلَ : إِنَّهُ مِيزَان وَاحِد بِيَدِ جِبْرِيل يَزِن أَعْمَال بَنِي آدَم , فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْع . وَقِيلَ : مَوَازِين , كَمَا قَالَ : فَلِكُلِّ حَادِثَة لَهَا مِيزَان وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ . وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | وَقِيلَ : إِنَّ الْمَوَازِين الْحُجَج وَالدَّلَائِل , قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى , وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : <br>قَدْ كُنْت قَبْل لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّة .......... عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِم مِيزَانه<br>
يَعْنِي جَهَنَّم . وَسَمَّاهَا أُمًّا , لِأَنَّهُ يَأْوِي إِلَيْهَا كَمَا يَأْوِي إِلَى أُمّه , قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَمِنْهُ قَوْل أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : <br>فَالْأَرْض مَعْقِلنَا وَكَانَتْ أُمّنَا .......... فِيهَا مَقَابِرنَا وَفِيهَا نُولَد <br>وَسُمِّيَتْ النَّار هَاوِيَة ; لِأَنَّهُ يُهْوَى فِيهَا مَعَ بُعْد قَعْرهَا . وَيُرْوَى أَنَّ الْهَاوِيَة اِسْم الْبَاب الْأَسْفَل مِنْ النَّار . وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَى | فَأُمّه هَاوِيَة | فَمَصِيره إِلَى النَّار . عِكْرِمَة : لِأَنَّهُ يَهْوِي فِيهَا عَلَى أُمّ رَأْسه . الْأَخْفَش : | أُمّه | : مُسْتَقَرّه , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .وَقَالَ الشَّاعِر : <br>يَا عَمْرو لَوْ نَالَتْك أَرْمَاحنَا .......... كُنْت كَمَنْ تَهْوِي بِهِ الْهَاوِيَة <br>وَالْهَاوِيَة : الْمَهْوَاة . وَتَقُول : هَوَتْ أُمّه , فَهِيَ هَاوِيَة , أَيْ ثَاكِلَة , قَالَ كَعْب بْن سَعْد الْغَنَوِيّ : <br>هَوَتْ أُمّه مَا يَبْعَث الصُّبْح غَادِيًا .......... وَمَاذَا يُؤَدِّي اللَّيْل حِين يَئُوب <br>وَالْمَهْوَى وَالْمَهْوَاة : مَا بَيْن الْجَبَلَيْنِ , وَنَحْو ذَلِكَ .وَتَهَاوَى الْقَوْم فِي الْمَهْوَاة : إِذَا سَقَطَ بَعْضهمْ فِي إِثْر بَعْض .
الْأَصْل | مَا هِيَ | فَدَخَلَتْ الْهَاء لِلسَّكْتِ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَيَعْقُوب وَابْن مُحَيْصِن | مَا هِيَ نَار | بِغَيْرِ هَاء فِي الْوَصْل , وَوَقَفُوا بِهَا . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة الْحَاقَّة بَيَانه .
أَيْ شَدِيدَة الْحَرَارَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( نَاركُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِد اِبْن آدَم جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرّ جَهَنَّم ) قَالُوا : وَاَللَّه إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَة يَا رَسُول اللَّه . قَالَ ( فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا , كُلّهَا مِثْل حَرّهَا ) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا ثَقُلَ مِيزَان مَنْ ثَقُلَ مِيزَانه ; لِأَنَّهُ وُضِعَ فِيهِ الْحَقّ , وَحَقّ لِمِيزَانٍ يَكُون فِيهِ الْحَقّ أَنْ يَكُون ثَقِيلًا .وَإِنَّمَا خَفَّ مِيزَان مَنْ خَفَّ مِيزَانه ; لِأَنَّهُ وُضِعَ فِيهِ الْبَاطِل , وَحَقّ لِمِيزَانٍ يَكُون فِيهِ الْبَاطِل أَنْ يَكُون خَفِيفًا . وَفِي الْخَبَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ الْمَوْتَى يَسْأَلُونَ الرَّجُل يَأْتِيهِمْ عَنْ رَجُل مَاتَ قَبْله , فَيَقُول ذَلِكَ مَاتَ قَبْلِي , أَمَا مَرَّ بِكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ لَا وَاَللَّه , فَيَقُول إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمّه الْهَاوِيَة , فَبِئْسَ الْأُمّ , وَبِئْسَ الْمُرَبِّيَة ) . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِكَمَالِهِ فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | , وَالْحَمْد لِلَّهِ .