islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
14321

78-النبأ

عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ

| عَمَّ | لَفْظ اِسْتِفْهَام ; وَلِذَلِكَ سَقَطَتْ مِنْهَا أَلِف | مَا | , لِيَتَمَيَّز الْخَبَر عَنْ الِاسْتِفْهَام . وَكَذَلِكَ ( فِيمَ , وَمِمَّ ) إِذَا اِسْتَفْهَمْت . وَالْمَعْنَى عَنْ أَيّ شَيْء يَسْأَل بَعْضهمْ بَعْضًا وَقَالَ الزَّجَّاج : أَصْل | عَمَّ | عَنْ مَا فَأُدْغِمَتْ النُّون فِي الْمِيم , لِأَنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي الْغُنَّة . وَالضَّمِير فِي | يَتَسَاءَلُونَ | لِقُرَيْشٍ . وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش تَجْلِس لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن فَتَتَحَدَّث فِيمَا بَيْنَهَا فَمِنْهُمْ الْمُصَدِّق وَمِنْهُمْ الْمُكَذِّب بِهِ فَنَزَلَتْ | عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ | ؟ وَقِيلَ : | عَمَّ | بِمَعْنَى : فِيمَ يَتَشَدَّد الْمُشْرِكُونَ وَيَخْتَصِمُونَ .

عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ

أَيْ يَتَسَاءَلُونَ | عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيم | فَعَنْ لَيْسَ تَتَعَلَّق بِـ | يَتَسَاءَلُونَ | الَّذِي فِي التِّلَاوَة ; لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَم دُخُول حَرْف الِاسْتِفْهَام فَيَكُون | عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيم | كَقَوْلِك : كَمْ مَالُك أَثَلَاثُونَ أَمْ أَرْبَعُونَ ؟ فَوَجَبَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اِمْتِنَاع تَعَلُّقِهِ بِـ | يَتَسَاءَلُونَ | الَّذِي فِي التِّلَاوَة , وَإِنَّمَا يَتَعَلَّق بِـ يَتَسَاءَلُونَ آخَر مُضْمَر . وَحَسُنَ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ يَتَسَاءَلُونَ ; قَالَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله : | عَنْ | مُكَرَّر إِلَّا أَنَّهُ مُضْمَر , كَأَنَّهُ قَالَ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ أَعْنِ النَّبَإِ الْعَظِيم ؟ فَعَلَى هَذَا يَكُون مُتَّصِلًا بِالْآيَةِ الْأُولَى . وَ | النَّبَأ الْعَظِيم | أَيْ الْخَبَر الْكَبِير .

الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ

أَيْ يُخَالِف فِيهِ بَعْضهمْ بَعْضًا , فَيُصَدِّق وَاحِد وَيُكَذِّب آخَر ; فَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ الْقُرْآن ; دَلِيله قَوْله : | قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم . أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ | فَالْقُرْآن نَبَأ وَخَبَر وَقَصَص , وَهُوَ نَبَأ عَظِيم الشَّأْن . وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : هُوَ الْبَعْث بَعْد الْمَوْت صَارَ النَّاس فِيهِ رَجُلَيْنِ : مُصَدِّق وَمُكَذِّب . وَقِيلَ : أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاء كَثِيرَة , فَأَخْبَرَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِاخْتِلَافِهِمْ ,

كَلَّا سَيَعْلَمُونَ

ثُمَّ هَدَّدَهُمْ فَقَالَ : | كَلَّا سَيَعْلَمُونَ | أَيْ سَيَعْلَمُونَ عَاقِبَة الْقُرْآن , أَوْ سَيَعْلَمُونَ الْبَعْث : أَحَقّ هُوَ أَمْ بَاطِل . وَ | كَلَّا | رَدّ عَلَيْهِمْ فِي إِنْكَارهمْ الْبَعْث أَوْ تَكْذِيبهمْ الْقُرْآن , فَيُوقَف عَلَيْهَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى حَقًّا أَوْ | أَلَا | فَيُبْدَأ بِهَا . وَالْأَظْهَر أَنَّ سُؤَالهمْ إِنَّمَا كَانَ عَنْ الْبَعْث ; قَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : | إِنَّ يَوْم الْفَصْل كَانَ مِيقَاتًا | [ النَّبَأ : 17 ] يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ عَنْ الْبَعْث .

ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ

أَيْ حَقًّا لَيَعْلَمُنَّ صِدْق مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن وَمِمَّا ذَكَرَهُ لَهُمْ مِنْ الْبَعْث بَعْد الْمَوْت . وَقَالَ الضَّحَّاك : | كَلَّا سَيَعْلَمُونَ | يَعْنِي الْكَافِرِينَ عَاقِبَة تَكْذِيبهمْ . | ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ | يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ عَاقِبَة تَصْدِيقهمْ . وَقِيلَ : بِالْعَكْسِ أَيْضًا . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ وَعِيد بَعْد وَعِيد . وَقِرَاءَة الْعَامَّة فِيهِمَا بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | يَتَسَاءَلُونَ | وَقَوْله : | هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ | . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة وَمَالِك بْن دِينَار بِالتَّاءِ فِيهِمَا .

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا

دَلَّهُمْ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْث ; أَيْ قُدْرَتُنَا عَلَى إِيجَاد هَذِهِ الْأُمُور أَعْظَم مِنْ قُدْرَتِنَا عَلَى الْإِعَادَة . وَالْمِهَاد : الْوِطَاء وَالْفِرَاش . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : | الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا | [ الْبَقَرَة : 22 ] وَقُرِئَ | مَهْدًا | . وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَهُمْ كَالْمَهْدِ لِلصَّبِيِّ , وَهُوَ مَا يُمَهَّد لَهُ فَيُنَوَّم عَلَيْهِ

وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا

أَيْ لِتَسْكُن وَلَا تَتَكَفَّأ وَلَا تَمِيل بِأَهْلِهَا .

وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا

أَيْ أَصْنَافًا : ذَكَرًا وَأُنْثَى . وَقِيلَ : أَلْوَانًا . وَقِيلَ : يَدْخُل فِي هَذَا كُلّ زَوْج مِنْ قَبِيح وَحَسَن , وَطَوِيل وَقَصِير ; لِتَخْتَلِف الْأَحْوَال فَيَقَع الِاعْتِبَار , فَيَشْكُر الْفَاضِل وَيَصْبِر الْمَفْضُول .

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا

| جَعَلْنَا | مَعْنَاهُ صَيَّرْنَا ; وَلِذَلِكَ تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولَيْنِ . | سُبَاتًا | الْمَفْعُول الثَّانِي , أَيْ رَاحَة لِأَبْدَانِكُمْ , وَمِنْهُ يَوْم السَّبْت أَيْ يَوْم الرَّاحَة ; أَيْ قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيل : اِسْتَرِيحُوا فِي هَذَا الْيَوْم , فَلَا تَعْمَلُوا فِيهِ شَيْئًا . وَأَنْكَرَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ هَذَا وَقَالَ : لَا يُقَال لِلرَّاحَةِ سُبَات . وَقِيلَ : أَصْله التَّمَدُّد ; يُقَال : سَبَتَتْ الْمَرْأَة شَعْرَهَا : إِذَا حَلَّتْهُ وَأَرْسَلَتْهُ , فَالسُّبَات كَالْمَدِّ , وَرَجُل مَسْبُوت الْخَلْق : أَيْ مَمْدُود . وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُل أَنْ يَسْتَرِيح تَمَدَّدَ , فَسُمِّيَتْ الرَّاحَة سَبْتًا . وَقِيلَ : أَصْله الْقَطْع ; يُقَال : سَبَتَ شَعْره سَبْتًا : حَلَقَهُ ; وَكَأَنَّهُ إِذَا نَامَ اِنْقَطَعَ عَنْ النَّاس وَعَنْ الِاشْتِغَال , فَالسُّبَات يُشْبِه الْمَوْت , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ تُفَارِقْهُ الرُّوح . وَيُقَال : سَيْر سَبْت : أَيْ سَهْل لَيِّن ; قَالَ الشَّاعِر : <br>وَمَطْوِيَّة الْأَقْرَاب أَمَّا نَهَارهَا .......... فَسَبْت وَأَمَّا لَيْلهَا فَذَمِيل<br>

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا

أَيْ تَلْبِسكُمْ ظُلْمَته وَتَغْشَاكُمْ ; قَالَهُ الطَّبَرِيّ . وَقَالَ اِبْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ : أَيْ سَكَنًا لَكُمْ .

وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا

فِيهِ إِضْمَار , أَيْ وَقْت مَعَاش , أَيْ مُتَصَرَّفًا لِطَلَبِ الْمَعَاش وَهُوَ كُلّ مَا يُعَاش بِهِ مِنْ الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَغَيْر ذَلِكَ | فَمَعَاشًا | عَلَى هَذَا اِسْم زَمَان , لِيَكُونَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّل . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْعَيْش عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف .

وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا

أَيْ سَبْع سَمَوَات مُحْكَمَات ; أَيْ مُحْكَمَة الْخَلْق وَثِيقَة الْبُنْيَان .

وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا

أَيْ وَقَّادًا وَهِيَ الشَّمْس . وَجَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ ; لِأَنَّهَا تَعَدَّتْ لِمَفْعُولٍ وَاحِد وَالْوَهَّاج الَّذِي لَهُ وَهَج ; يُقَال : وَهَجَ يَهِج وَهْجًا وَوَهَجًا وَوَهَجَانًا . وَيُقَال لِلْجَوْهَرِ إِذَا تَلَأْلَأَ تَوَهَّجَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَهَّاجًا مُنِيرًا مُتَلَأْلِئًا .

وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا

قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : وَالْمُعْصِرَات الرِّيَاح . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس : كَأَنَّهَا تَعْصِر السَّحَاب . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّهَا السَّحَاب . وَقَالَ سُفْيَان وَالرَّبِيع وَأَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : أَيْ السَّحَائِب الَّتِي تَنْعَصِر بِالْمَاءِ وَلَمَّا تُمْطِرْ بَعْد , كَالْمَرْأَةِ الْمُعْصِر الَّتِي قَدْ دَنَا حَيْضهَا وَلَمْ تَحِضْ , قَالَ أَبُو النَّجْم : <br>تَمْشِي الْهُوَيْنَى مَائِلًا خِمَارهَا .......... قَدْ أَعَصَرَتْ أَوْ قَدْ دَنَا إِعْصَارُهَا <br>وَقَالَ آخَر : <br>فَكَانَ مِجَنِّي دُون مَنْ كُنْت أَتَّقِي .......... ثَلَاث شُخُوص كَاعِبَانِ وَمُعْصِر <br>وَقَالَ آخَر : <br>وَذِي أُشُر كَالْأُقْحُوَانِ يَزِينهُ .......... ذَهَاب الصَّبَا وَالْمُعْصِرَاتُ الرَّوَائِحُ <br>فَالرِّيَاح تُسَمَّى مُعْصِرَات ; يُقَال : أَعَصَرَتْ الرِّيح تُعْصِر إِعْصَارًا : إِذَا أَثَارَتْ الْعَجَاج , وَهِيَ الْإِعْصَار , وَالسُّحُب أَيْضًا تُسَمَّى الْمُعْصِرَات لِأَنَّهَا تُمْطِر . وَقَالَ قَتَادَة أَيْضًا : الْمُعْصِرَات السَّمَاء , النَّحَّاس : هَذِهِ الْأَقْوَال صِحَاح ; يُقَال لِلرِّيَاحِ الَّتِي تَأْتِي بِالْمَطَرِ مُعْصِرَات , وَالرِّيَاح تُلَقِّح السَّحَاب , فَيَكُون الْمَطَر , وَالْمَطَر يَنْزِل مِنْ الرِّيح عَلَى هَذَا . وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْأَقْوَال وَاحِدَة , وَيَكُون الْمَعْنَى وَأَنْزَلْنَا مِنْ ذَوَات الرِّيَاح الْمُعْصِرَات | مَاء ثَجَّاجًا | وَأَصَحّ الْأَقْوَال أَنَّ الْمُعْصِرَات ; السَّحَاب . كَذَا الْمَعْرُوف أَنَّ الْغَيْث مِنْهَا , وَلَوْ كَانَ ( بِالْمُعْصِرَاتِ ) لَكَانَ الرِّيح أَوْلَى . وَفِي الصِّحَاح : وَالْمُعْصِرَات السَّحَائِب تَعْتَصِر بِالْمَطَرِ . وَأُعْصِرَ الْقَوْم أَيْ أُمْطِرُوا ; وَمِنْهُ قَرَأَ بَعْضهمْ | وَفِيهِ يُعْصِرُونَ | وَالْمُعْصِر : الْجَارِيَة أَوَّل مَا أَدْرَكَتْ وَحَاضَتْ ; يُقَال : قَدْ أَعَصَرَتْ كَأَنَّهَا دَخَلَتْ عَصْر شَبَابهَا أَوْ بَلَغَتْهُ ; قَالَ الرَّاجِز : <br>جَارِيَة بِسَفَوَانَ دَارهَا .......... تَمْشِي الْهُوَيْنَى سَاقِطًا خِمَارُهَا <br><br>قَدْ أَعَصَرَتْ أَوْ قَدْ دَنَا إِعْصَارهَا <br>وَالْجَمْع : مَعَاصِر , وَيُقَال : هِيَ الَّتِي قَارَبَتْ الْحَيْض ; لِأَنَّ الْإِعْصَار فِي الْجَارِيَة كَالْمُرَاهَقَةِ فِي الْغُلَام . سَمِعْته مِنْ أَبِي الْغَوْث الْأَعْرَابِيّ . قَالَ غَيْره : وَالْمُعْصِر السَّحَابَة الَّتِي حَانَ لَهَا أَنْ تُمْطِر ; يُقَال أَجَنَّ الزَّرْع فَهُوَ مُجِنّ : أَيْ صَارَ إِلَى أَنْ يُجِنّ , وَكَذَلِكَ السَّحَاب إِذَا صَارَ إِلَى أَنْ يُمْطِر فَقَدْ أَعْصَرَ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : يُقَال سَحَاب مُعْصِر أَيْ مُمْسِك لِلْمَاءِ , وَيُعْتَصَر مِنْهُ شَيْء بَعْد شَيْء , وَمِنْهُ الْعَصَر بِالتَّحْرِيكِ لِلْمَلْجَأِ الَّذِي يُلْجَأ إِلَيْهِ , وَالْعُصْرَة بِالضَّمِّ أَيْضًا الْمَلْجَأ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة | يُوسُف | وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ أَبُو زُبَيْد : <br>صَادِيًا يَسْتَغِيث غَيْر مُغَاث .......... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَة الْمَنْجُود <br>وَمِنْهُ الْمُعْصِر لِلْجَارِيَةِ الَّتِي قَدْ قَرُبَتْ مِنْ الْبُلُوغ يُقَال لَهَا مُعْصِر ; لِأَنَّهَا تُحْبَس فِي الْبَيْت , فَيَكُون الْبَيْت لَهَا عَصْرًا . وَفِي قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة | وَأَنْزَلْنَا بِالْمُعْصِرَاتِ | . وَاَلَّذِي فِي الْمَصَاحِف | مِنْ الْمُعْصِرَات | قَالَ أُبَيّ بْن كَعْب وَالْحَسَن وَابْن جُبَيْر وَزَيْد بْن أَسْلَمَ وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : | مِنْ الْمُعْصِرَات | أَيْ مِنْ السَّمَوَات . | مَاء ثَجَّاجًا | صَبَّابًا مُتَتَابِعًا ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا . يُقَال : ثَجَجْت دَمَهُ فَأَنَا أَثَجُّهُ ثَجًّا , وَقَدْ ثَجَّ الدَّم يَثُجّ ثُجُوجًا , وَكَذَلِكَ الْمَاء , فَهُوَ لَازِم وَمُتَعَدٍّ . وَالثَّجَّاج فِي الْآيَة الْمُنْصَبّ . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ الصَّبَّاب , وَهُوَ مُتَعَدٍّ كَأَنَّهُ يَثُجّ نَفْسه أَيْ يَصُبّ . وَقَالَ عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : <br>فَثَجَّ أَعْلَاهُ ثُمَّ اِرْتَجَّ أَسْفَله .......... وَضَاقَ ذَرْعًا بِحَمْلِ الْمَاء مُنْصَاح <br>وَفِي حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْحَجّ الْمَبْرُور فَقَالَ : [ الْعَجّ وَالثَّجّ ] فَالْعَجّ : رَفْع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ , وَالثَّجّ : إِرَاقَة الدِّمَاء وَذَبْح الْهَدَايَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : ثَجَّاجًا كَثِيرًا . وَالْمَعْنَى وَاحِد .

لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا

| لِنُخْرِج بِهِ | أَيْ بِذَلِكَ الْمَاء | حَبًّا | كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِير وَغَيْر ذَلِكَ | وَنَبَاتًا | مِنْ الْأَبِّ , وَهُوَ مَا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ مِنْ الْحَشِيش .

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا

| وَجَنَّات | أَيْ بَسَاتِين | أَلْفَافًا | أَيْ مُلْتَفَّة بَعْضهَا بِبَعْضٍ لِتَشَعُّبِ أَغْصَانهَا , وَلَا وَاحِد لَهُ كَالْأَوْزَاعِ وَالْأَخْيَاف . وَقِيلَ : وَاحِد الْأَلْفَاف لِفّ بِالْكَسْرِ وَلُفّ بِالضَّمِّ . ذَكَرَهُ الْكِسَائِيّ , قَالَ : <br>جَنَّةٌ لُفٌّ وَعَيْشٌ مُغْدِق .......... وَنَدَامَى كُلُّهُمْ بِيضٌ زُهُر <br>وَعَنْهُ أَيْضًا وَأَبِي عُبَيْدَة : لَفِيف كَشَرِيف وَأَشْرَاف . وَقِيلَ : هُوَ جَمْع الْجَمْع . حَكَاهُ الْكِسَائِيّ . يُقَال : جَنَّة لَفَّاء وَنَبْت لِفّ وَالْجَمْع لُفّ بِضَمِّ اللَّام مِثْل حُمْر , ثُمَّ يُجْمَع اللَّفّ أَلْفَافًا . الزَّمَخْشَرِيّ : وَلَوْ قِيلَ جَمْع مُلْتَفَّة بِتَقْدِيرِ حَذْف الزَّوَائِد لَكَانَ وَجِيهًا . وَيُقَال : شَجَرَة لَفَّاء وَشَجَر لَفّ وَامْرَأَة لَفَّاء : أَيْ غَلِيظَة السَّاق مُجْتَمِعَة اللَّحْم . وَقِيلَ : التَّقْدِير : وَنُخْرِج بِهِ جَنَّات أَلْفَافًا , فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . ثُمَّ هَذَا الِالْتِفَاف وَالِانْضِمَام مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْجَار فِي الْبَسَاتِين تَكُون مُتَقَارِبَة , فَالْأَغْصَان مِنْ كُلّ شَجَرَة مُتَقَارِبَة لِقُوَّتِهَا .

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا

أَيْ وَقْتًا وَمَجْمَعًا وَمِيعَادًا لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , لِمَا وَعَدَ اللَّه مِنْ الْجَزَاء وَالثَّوَاب . وَسُمِّيَ يَوْم الْفَصْل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَفْصِل فِيهِ بَيْن خَلْقه .

يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا

| يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور | أَيْ لِلْبَعْثِ | فَتَأْتُونَ | أَيْ إِلَى مَوْضِع الْعَرْض . | أَفْوَاجًا | أَيْ أُمَمًا , كُلّ أُمَّة مَعَ إِمَامِهِمْ . وَقِيلَ : زُمَرًا وَجَمَاعَات . الْوَاحِد : فَوْج . وَنَصَبَ يَوْمًا بَدَلًا مِنْ الْيَوْم الْأَوَّل . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث مُعَاذ بْن جَبَل قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ! أَرَأَيْت قَوْل اللَّه تَعَالَى : | يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا | فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مُعَاذ [ بْن جَبَل ] : لَقَدْ سَأَلْت عَنْ أَمْر عَظِيم ) ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ بَاكِيًا , ثُمَّ قَالَ : ( يُحْشَر عَشَرَة أَصْنَاف مِنْ أُمَّتِي أَشْتَاتًا قَدْ مَيَّزَهُمْ اللَّه تَعَالَى مِنْ جَمَاعَات الْمُسْلِمِينَ , وَبَدَّلَ صُوَرَهُمْ , فَمِنْهُمْ عَلَى صُورَة الْقِرَدَة وَبَعْضهمْ عَلَى صُورَة الْخَنَازِير وَبَعْضهمْ مُنَكَّسُونَ : أَرْجُلهمْ أَعْلَاهُمْ , وَوُجُوههمْ يُسْحَبُونَ عَلَيْهَا , وَبَعْضهمْ عُمْي يَتَرَدَّدُونَ , وَبَعْضهمْ صُمّ بُكْم لَا يَعْقِلُونَ , وَبَعْضهمْ يَمْضُغُونَ أَلْسِنَتهمْ , فَهِيَ مُدَلَّاة عَلَى صُدُورهمْ , يَسِيل الْقَيْح مِنْ أَفْوَاههمْ لُعَابًا , يَتَقَذَّرهُمْ أَهْل الْجَمْع , وَبَعْضهمْ مُقَطَّعَة أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ , وَبَعْضهمْ مُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوع مِنْ النَّار , وَبَعْضهمْ أَشَدّ نَتْنًا مِنْ الْجِيَف , وَبَعْضهمْ مُلْبَسُونَ جَلَابِيب سَابِغَة مِنْ الْقَطِرَان لَاصِقَة بِجُلُودِهِمْ ; فَأَمَّا الَّذِينَ عَلَى صُورَة الْقِرَدَة فَالْقَتَّات مِنْ النَّاس - يَعْنِي النَّمَّام - وَأَمَّا الَّذِينَ عَلَى صُورَة الْخَنَازِير , فَأَهْل السُّحْت وَالْحَرَام وَالْمَكْس . وَأَمَّا الْمُنَكَّسُونَ رُءُوسهمْ وَوُجُوههمْ , فَأَكَلَة الرِّبَا , وَالْعُمْي : مَنْ يَجُور فِي الْحُكْم , وَالصُّمّ الْبُكْم : الَّذِينَ يُعْجَبُونَ بِأَعْمَالِهِمْ . وَاَلَّذِينَ يَمْضُغُونَ أَلْسِنَتهمْ : فَالْعُلَمَاء وَالْقُصَّاص الَّذِينَ يُخَالِف قَوْلهمْ فِعْلهمْ . وَالْمُقَطَّعَة أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ : فَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْجِيرَان . وَالْمُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوع النَّار : فَالسُّعَاة بِالنَّاسِ إِلَى السُّلْطَان وَاَلَّذِينَ هُمْ أَشَدّ نَتْنًا مِنْ الْجِيَف فَاَلَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِالشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّات , وَيَمْنَعُونَ حَقّ اللَّه مِنْ أَمْوَالهمْ . وَاَلَّذِينَ يَلْبَسُونَ الْجَلَابِيب : فَأَهْل الْكِبْر وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء ) .

وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا

أَيْ لِنُزُولِ الْمَلَائِكَة ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | وَيَوْم تَشَقَّقَ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا | [ الْفُرْقَان : 25 ] . وَقِيلَ : تَقَطَّعَتْ , فَكَانَتْ قِطَعًا كَالْأَبْوَابِ فَانْتِصَاب الْأَبْوَاب عَلَى هَذَا التَّأْوِيل بِحَذْفِ الْكَاف . وَقِيلَ : التَّقْدِير فَكَانَتْ ذَات أَبْوَاب ; لِأَنَّهَا تَصِير كُلّهَا أَبْوَابًا . وَقِيلَ : أَبْوَابهَا طُرُقهَا . وَقِيلَ : تَنْحَلّ وَتَتَنَاثَر , حَتَّى تَصِير فِيهَا أَبْوَاب . وَقِيلَ : إِنَّ لِكُلِّ عَبْد بَابَيْنِ فِي السَّمَاء : بَابًا لِعَمَلِهِ , وَبَابًا لِرِزْقِهِ , فَإِذَا قَامَتْ الْقِيَامَة اِنْفَتَحَتْ الْأَبْوَاب . وَفِي حَدِيث الْإِسْرَاء : ( ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل , فَقِيلَ : مَنْ أَنْتَ قَالَ : جِبْرِيل . قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد . قِيلَ : وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ . فَفُتِحَ لَنَا ) .

وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا

أَيْ لَا شَيْء كَمَا أَنَّ السَّرَاب كَذَلِكَ : يَظُنُّهُ الرَّائِي مَاء وَلَيْسَ بِمَاءٍ . وَقِيلَ : | سُيِّرَتْ | نُسِفَتْ مِنْ أُصُولهَا . وَقِيلَ : أُزِيلَتْ عَنْ مَوَاضِعِهَا .

إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا

مِفْعَال مِنْ الرَّصَد وَالرَّصَد : كُلّ شَيْء كَانَ أَمَامك . قَالَ الْحَسَن : إِنَّ عَلَى النَّار رَصَدًا , لَا يَدْخُل أَحَد الْجَنَّة حَتَّى يَجْتَاز عَلَيْهِ , فَمَنْ جَاءَ بِجَوَازٍ جَازَ , وَمَنْ لَمْ يَجِئْ بِجَوَازٍ حُبِسَ . وَعَنْ سُفْيَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : عَلَيْهَا ثَلَاث قَنَاطِر . وَقِيلَ | مِرْصَادًا | ذَات أَرْصَاد عَلَى النَّسَب ; أَيْ تَرْصُد مَنْ يَمُرّ بِهَا . وَقَالَ مُقَاتِل : مَحْبِسًا . وَقِيلَ : طَرِيقًا وَمَمَرًّا , فَلَا سَبِيل إِلَى الْجَنَّة حَتَّى يَقْطَع جَهَنَّم . وَفِي الصِّحَاح : وَالْمِرْصَاد : الطَّرِيق . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ : أَنَّ الْمِرْصَاد الْمَكَان الَّذِي يَرْصُد فِيهِ الْوَاحِد الْعَدُوّ , نَحْو الْمِضْمَار : الْمَوْضِع الَّذِي تُضْمَر فِيهِ الْخَيْل . أَيْ هِيَ مُعَدَّة لَهُمْ ; فَالْمِرْصَاد بِمَعْنَى الْمَحَلّ ; فَالْمَلَائِكَة يَرْصُدُونَ الْكُفَّار حَتَّى يَنْزِلُوا بِجَهَنَّمَ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ أَبِي سِنَان أَنَّهَا بِمَعْنَى رَاصِدَة , تُجَازِيهِمْ بِأَفْعَالِهِمْ . وَفِي الصِّحَاح : الرَّاصِد الشَّيْء : الرَّاقِب لَهُ ; تَقُول : رَصَدَهُ يَرْصُدهُ رَصْدًا وَرَصَدًا , وَالتَّرَصُّد : التَّرَقُّب . وَالْمَرْصَد : مَوْضِع الرَّصَد . الْأَصْمَعِيّ : رَصَدْته أَرْصُدهُ : تَرَقَّبْته , وَأَرْصَدْته : أَعْدَدْت لَهُ . وَالْكِسَائِيّ : مِثْله . قُلْت : فَجَهَنَّم مُعَدَّة مُتَرَصِّدَة , مُتَفَعِّل مِنْ الرَّصَد وَهُوَ التَّرَقُّب ; أَيْ هِيَ مُتَطَلِّعَة لِمَنْ يَأْتِي . وَالْمِرْصَاد مِفْعَال مِنْ أَبْنِيَة الْمُبَالَغَة كَالْمِعْطَارِ وَالْمِغْيَار , فَكَأَنَّهُ يَكْثُر مِنْ جَهَنَّم اِنْتِظَار الْكُفَّار .

لِلطَّاغِينَ مَآَبًا

بَدَل مِنْ قَوْله : | مِرْصَادًا | وَالْمَآب : الْمَرْجِع , أَيْ مَرْجِعًا يَرْجِعُونَ إِلَيْهَا ; يُقَال : آبَ يَئُوب أَوْبَة : إِذَا رَجَعَ . وَقَالَ قَتَادَة : مَأْوَى وَمَنْزِلًا . وَالْمُرَاد بِالطَّاغِينَ مَنْ طَغَى فِي دِينه بِالْكُفْرِ , أَوْ فِي دُنْيَاهُ بِالظُّلْمِ .

لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا

أَيْ مَاكِثِينَ فِي النَّار مَا دَامَتْ الْأَحْقَاب , وَهِيَ لَا تَنْقَطِع , فَكُلَّمَا مَضَى حُقُب جَاءَ حُقُب . وَالْحُقُب بِضَمَّتَيْنِ : الدَّهْر وَالْأَحْقَاب الدُّهُور . وَالْحِقْبَة بِالْكَسْرِ : السَّنَة ; وَالْجَمْع حِقَب ; قَالَ مُتَمِّم بْن نُوَيْرَة التَّمِيمِيّ : <br>وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَة حِقْبَة .......... مِنْ الدَّهْر حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا <br><br>فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا .......... لِطُولِ اِجْتِمَاع لَمْ نَبِتْ لَيْلَة مَعًا <br>وَالْحُقْب بِالضَّمِّ وَالسُّكُون : ثَمَانُونَ سَنَة . وَقِيلَ : أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلّ , عَلَى مَا يَأْتِي , وَالْجَمْع : أَحْقَاب . وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة ; [ لَابِثِينَ ] فِيهَا أَحْقَاب الْآخِرَة الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا ; فَحَذَفَ الْآخِرَة لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ ; إِذْ فِي الْكَلَام ذِكْر الْآخِرَة , وَهُوَ كَمَا يُقَال : أَيَّام الْآخِرَة ; أَيْ أَيَّام بَعْد أَيَّام إِلَى غَيْر نِهَايَة , وَإِنَّمَا كَانَ يَدُلّ عَلَى التَّوْقِيت لَوْ قَالَ خَمْسَة أَحْقَاب أَوْ عَشَرَة أَحْقَاب . وَنَحْوه وَذَكَرَ الْأَحْقَاب لِأَنَّ الْحُقْب كَانَ أَبْعَد شَيْء عِنْدهمْ , فَتَكَلَّمَ بِمَا تَذْهَب إِلَيْهِ أَوْهَامهمْ وَيَعْرِفُونَهَا , وَهِيَ كِنَايَة عَنْ التَّأْبِيد , أَيْ يَمْكُثُونَ فِيهَا أَبَدًا . وَقِيلَ : ذَكَرَ الْأَحْقَاب دُون الْأَيَّام ; لِأَنَّ الْأَحْقَاب أَهْوَل فِي الْقُلُوب , وَأَدُلّ عَلَى الْخُلُود . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب ; وَهَذَا الْخُلُود فِي حَقّ الْمُشْرِكِينَ . وَيُمْكِن حَمْل الْآيَة عَلَى الْعُصَاة الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار بَعْد أَحْقَاب . وَقِيلَ : الْأَحْقَاب وَقْت لِشُرْبِهِمْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق , فَإِذَا اِنْقَضَتْ فَيَكُون لَهُمْ نَوْع آخَر مِنْ الْعِقَاب ; وَلِهَذَا قَالَ : | لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا . لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا . إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا | . وَ | لَابِثِينَ | اِسْم فَاعِل مِنْ لَبِثَ , وَيُقَوِّيه أَنَّ الْمَصْدَر مِنْهُ اللُّبْث بِالْإِسْكَانِ , كَالشُّرْبِ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | لَبِثِينَ | بِغَيْرِ أَلِف وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم وَأَبِي عُبَيْد , وَهُمَا لُغَتَانِ ; يُقَال : رَجُل لَابِث وَلَبِث , مِثْل طَمِع وَطَامِع , وَفَرِه وَفَارِه . وَيُقَال : هُوَ لَبِثٌ بِمَكَانِ كَذَا : أَيْ قَدْ صَارَ اللُّبْث شَأْنه , فَشُبِّهَ بِمَا هُوَ خِلْقَة فِي الْإِنْسَان نَحْو حَذِر وَفَرِق ; لِأَنَّ بَاب فَعِل إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَكُون خِلْقَة فِي الشَّيْء فِي الْأَغْلَب , وَلَيْسَ كَذَلِكَ اِسْم الْفَاعِل مِنْ لَبِثَ . وَالْحُقْب : ثَمَانُونَ سَنَة فِي قَوْل اِبْن عُمَر وَابْن مُحَيْصِن وَأَبِي هُرَيْرَة , وَالسَّنَة ثَلَاثمِائِة يَوْم وَسِتُّونَ يَوْمًا , وَالْيَوْم أَلْف سَنَة مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَرَوَى اِبْن عُمَر هَذَا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَالسَّنَة ثَلَاثمِائِة يَوْم وَسِتُّونَ يَوْمًا كُلّ يَوْم مِثْل أَيَّام الدُّنْيَا . وَعَنْ اِبْن عُمَر أَيْضًا : الْحُقْب : أَرْبَعُونَ سَنَة . السُّدِّيّ : سَبْعُونَ سَنَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ أَلْف شَهْر . رَوَاهُ أَبُو أُمَامَة مَرْفُوعًا . بَشِير بْن كَعْب : ثَلَاثمِائِة سَنَة . الْحَسَن : الْأَحْقَاب لَا يَدْرِي أَحَدٌ كَمْ هِيَ , وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّهَا مِائَة حُقْب , وَالْحُقْب الْوَاحِد مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْف سَنَة , الْيَوْم مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ . وَعَنْ أَبِي أُمَامَة أَيْضًا , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّ الْحُقْب الْوَاحِد ثَلَاثُونَ أَلْف سَنَة ] ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَالْأَوَّل الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ قُطْرُب : هُوَ الدَّهْر الطَّوِيل غَيْر الْمَحْدُود . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ وَاَللَّه لَا يَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ دَخَلَهَا حَتَّى يَكُون فِيهَا أَحْقَابًا , الْحُقْب بِضْع وَثَمَانُونَ سَنَة , وَالسَّنَة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا , كُلّ يَوْم أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ ; فَلَا يَتَّكِلَن أَحَدكُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُج مِنْ النَّار ] . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . الْقُرَظِيّ : الْأَحْقَاب : ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حُقْبًا كُلّ حُقْب سَبْعُونَ خَرِيفًا , كُلّ خَرِيف سَبْعمِائَةِ سَنَة , كُلّ سَنَة ثَلَاثمِائِة وَسِتُّونَ يَوْمًا , كُلّ يَوْم أَلْف سَنَة . قُلْت : هَذِهِ أَقْوَال مُتَعَارِضَة , وَالتَّحْدِيد فِي الْآيَة لِلْخُلُودِ , يَحْتَاج إِلَى تَوْقِيف يَقْطَع الْعُذْر , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَابِتٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنَّمَا الْمَعْنَى - وَاَللَّه أَعْلَم - مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا ; أَيْ لَابِثِينَ فِيهَا أَزْمَانًا وَدُهُورًا , كُلَّمَا مَضَى زَمَن يَعْقُبهُ زَمَن , وَدَهْر يَعْقُبهُ دَهْر , هَكَذَا أَبَد الْآبِدِينَ مِنْ غَيْر اِنْقِطَاع . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَى | لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا | لَا غَايَة لَهَا اِنْتِهَاء , فَكَأَنَّهُ قَالَ أَبَدًا . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَمُقَاتِل : إِنَّهَا مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا | يَعْنِي أَنَّ الْعَدَد قَدْ اِنْقَطَعَ , وَالْخُلُود قَدْ حَصَلَ . قُلْت : وَهَذَا بَعِيد ; لِأَنَّهُ خَبَر , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : | وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى يَلِجَ الْجَمَل فِي سَمّ الْخِيَاط | [ الْأَعْرَاف : 40 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . هَذَا فِي حَقّ الْكُفَّار , فَأَمَّا الْعُصَاة الْمُوَحِّدُونَ فَصَحِيح وَيَكُون النَّسْخ بِمَعْنَى التَّخْصِيص . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : الْمَعْنَى | لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا | أَيْ فِي الْأَرْض ; إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَيَكُون الضَّمِير فِي | لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا | لِجَهَنَّم . وَقِيلَ : وَاحِد الْأَحْقَاب حُقْب وَحِقْبَة ; قَالَ : <br>فَإِنْ تَنَأَ عَنْهَا حِقْبَة لَا تُلَاقِهَا .......... فَأَنْتَ بِمَا أَحْدَثْتَهُ بِالْمُجَرَّبِ <br>وَقَالَ الْكُمَيْت : <br>مَرَّ لَهَا بَعْد حِقْبَة حِقَب<br>

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا

| لَا يَذُوقُونَ فِيهَا | أَيْ فِي الْأَحْقَاب | بَرْدًا وَلَا شَرَابًا | الْبَرْد : النَّوْم فِي قَوْل أَبِي عُبَيْدَة وَغَيْره ; قَالَ الشَّاعِر : <br>وَلَوْ شِئْت حَرَّمْت النِّسَاء سِوَاكُمْ .......... وَإِنْ شِئْت لَمْ أَطْعَم نُقَاخًا وَلَا بَرْدًا <br>وَقَالَهُ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَالْكِسَائِيّ وَالْفَضْل بْن خَالِد وَأَبُو مُعَاذ النَّحْوِيّ ; وَأَنْشَدُوا قَوْل الْكِنْدِيّ : <br>بَرَدَتْ مَرَاشِفُهَا عَلَيَّ فَصَدَّنِي .......... عَنْهَا وَعَنْ تَقْبِيلِهَا الْبَرْد <br>يَعْنِي النَّوْم . وَالْعَرَب تَقُول : مَنَعَ الْبَرْد الْبَرْد , يَعْنِي : أَذْهَبَ الْبَرْد النَّوْم . قُلْت : وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيث أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سُئِلَ هَلْ فِي الْجَنَّة نَوْم . فَقَالَ : [ لَا ; النَّوْم أَخُو الْمَوْت , وَالْجَنَّة لَا مَوْت فِيهَا ] فَكَذَلِكَ النَّار ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : | لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا | [ فَاطِر : 36 ] وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْبَرْد : بَرْد الشَّرَاب . وَعَنْهُ أَيْضًا : الْبَرْد النَّوْم : وَالشَّرَاب الْمَاء . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْد رِيح , وَلَا ظِلّ , وَلَا نَوْم . فَجَعَلَ الْبَرْد بَرْد كُلّ شَيْء لَهُ رَاحَة , وَهَذَا بَرْد يَنْفَعهُمْ , فَأَمَّا الزَّمْهَرِير فَهُوَ بَرْد يَتَأَذَّوْنَ بِهِ , فَلَا يَنْفَعهُمْ , فَلَهُمْ مِنْهُ مِنْ الْعَذَاب مَا اللَّه أَعْلَم بِهِ . وَقَالَ الْحَسَن وَعَطَاء وَابْن زَيْد : بَرْدًا : أَيْ رَوْحًا وَرَاحَة ; قَالَ الشَّاعِر : <br>فَلَا الظِّلّ مِنْ بَرْد الضُّحَى تَسْتَطِيعهُ .......... وَلَا الْفَيْء أَوْقَات الْعَشِيّ تَذُوق <br>| لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا | جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الطَّاغِينَ , أَوْ نَعْت لِلْأَحْقَابِ ; فَالْأَحْقَاب ظَرْف زَمَان , وَالْعَامِل فِيهِ | لَابِثِينَ | أَوْ | لَبِثِينَ | عَلَى تَعْدِيَة فَعِل .

إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا

اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ الْبَرْد النَّوْم , وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْبُرُودَة كَانَ بَدَلًا مِنْهُ . وَالْحَمِيم : الْمَاء الْحَارّ ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْحَمِيم : دُمُوع أَعْيُنهمْ , تُجْمَع فِي حِيَاض ثُمَّ يُسْقَوْنَهُ . قَالَ النَّحَّاس : أَصْل الْحَمِيم : الْمَاء الْحَارّ , وَمِنْهُ اُشْتُقَّ الْحَمَّام , وَمِنْهُ الْحُمَّى , وَمِنْهُ | وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم | : إِنَّمَا يُرَاد بِهِ النِّهَايَة فِي الْحَرّ . وَالْغَسَّاق : صَدِيد أَهْل النَّار وَقَيْحهمْ . وَقِيلَ الزَّمْهَرِير . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِتَشْدِيدِ السِّين , وَقَدْ مَضَى فِي | ص | الْقَوْل فِيهِ .

جَزَاءً وِفَاقًا

أَيْ مُوَافِقًا لِأَعْمَالِهِمْ . عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا ; فَالْوِفَاق بِمَعْنَى الْمُوَافَقَة كَالْقِتَالِ بِمَعْنَى الْمُقَاتَلَة . وَ | جَزَاء | نَصْب عَلَى الْمَصْدَر , أَيْ جَازَيْنَاهُمْ جَزَاء وَافَقَ أَعْمَالَهُمْ ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش . وَقَالَ الْفَرَّاء أَيْضًا : هُوَ جَمْع الْوَفْق , وَالْوَفْق وَاللَّفْق وَاحِد . وَقَالَ مُقَاتِل . وَافَقَ الْعَذَاب الذَّنْب , فَلَا ذَنْب أَعْظَم مِنْ الشِّرْك , وَلَا عَذَاب أَعْظَم مِنْ النَّار . وَقَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة : كَانَتْ أَعْمَالهمْ سَيِّئَة , فَأَتَاهُمْ اللَّه بِمَا يَسُوءهُمْ .

إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا

| إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ | أَيْ لَا يَخَافُونَ | حِسَابًا | أَيْ مُحَاسَبَة عَلَى أَعْمَالهمْ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يَرْجُونَ ثَوَاب حِسَاب . الزَّجَّاج : أَيْ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ فَيَرْجُونَ حِسَابهمْ .

وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا

أَيْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء . وَقِيلَ : بِمَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْكُتُب . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | كِذَّابًا | بِتَشْدِيدِ الذَّال , وَكَسْر الْكَاف , عَلَى كَذَّبَ , أَيْ كَذَّبُوا تَكْذِيبًا كَبِيرًا . قَالَ الْفَرَّاء : هِيَ لُغَة يَمَانِيَّة فَسِيحَة ; يَقُولُونَ : كَذَّبْت [ بِهِ ] كِذَّابًا , وَخَرَّقْت الْقَمِيص خِرَّاقًا ; وَكُلّ فِعْل فِي وَزْن ( فَعَّلَ ) فَمَصْدَره فِعَّال مُشَدَّد فِي لُغَتهمْ ; وَأَنْشَدَ بَعْض الْكِلَابِيِّينَ : <br>لَقَدْ طَالَ مَا ثَبَّطْتنِي عَنْ صَحَابَتِي .......... وَعَنْ حِوَج قَضَاؤُهَا مِنْ شِفَائِنَا <br>وَقَرَأَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ | كِذَابًا | بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ مَصْدَر أَيْضًا . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : التَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد جَمِيعًا : مَصْدَر الْمُكَاذَبَة , كَقَوْلِ الْأَعْشَى : <br>فَصَدَقْتهَا وَكَذَبْتهَا .......... وَالْمَرْء يَنْفَعهُ كِذَابه <br>أَبُو الْفَتْح : جَاءَا جَمِيعًا مَصْدَر كَذَّبَ وَكَذَّبَ جَمِيعًا . الزَّمَخْشَرِيّ : | كِذَابًا | بِالتَّخْفِيفِ مَصْدَر كَذَبَ ; بِدَلِيلِ قَوْله : <br>فَصَدَقْتهَا وَكَذَبْتهَا .......... وَالْمَرْء يَنْفَعهُ كِذَابُهُ <br>وَهُوَ مِثْل قَوْله : | أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا | [ نُوح : 17 ] يَعْنِي وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أَفَكَذَبُوا كِذَابًا . أَوْ تَنْصِبهُ | بِكَذَّبُوا | . لِأَنَّهُ يَتَضَمَّن مَعْنَى كَذَبُوا ; لِأَنَّ كُلّ مُكَذِّب بِالْحَقِّ كَاذِب ; لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عِنْد الْمُسْلِمِينَ كَاذِبِينَ , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدهمْ كَاذِبِينَ , فَبَيْنهمْ مُكَاذَبَة . وَقَرَأَ اِبْن عُمَر | كُذَّابًا | بِضَمِّ الْكَاف وَالتَّشْدِيد , جَمْع كَاذِب ; قَالَهُ أَبُو حَاتِم . وَنَصْبه عَلَى الْحَال الزَّمَخْشَرِيّ . وَقَدْ يَكُون الْكُذَّاب : بِمَعْنَى الْوَاحِد الْبَلِيغ فِي الْكَذِب , يُقَال : رَجُل كُذَّاب , كَقَوْلِك حُسَّان وَبُخَّال , فَيَجْعَلهُ صِفَة لِمَصْدَرِ | كَذَّبُوا | أَيْ تَكْذِيبًا كُذَّابًا مُفْرِطًا كَذِبه . وَفِي الصِّحَاح : وَقَوْله تَعَالَى : | وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا | وَهُوَ أَحَد مَصَادِر الْمُشَدَّد ; لِأَنَّ مَصْدَره قَدْ يَجِيء عَلَى ( تَفْعِيل ) مِثْل التَّكْلِيم وَعَلَى ( فِعَّال ) كِذَّاب وَعَلَى ( تَفْعِلَة ) مِثْل تَوْصِيَة , وَعَلَى ( مُفَعَّل ) ; | وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلّ مُمَزَّق | .

وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا

| كُلّ | نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل يَدُلّ عَلَيْهِ | أَحْصَيْنَاهُ | أَيْ وَأَحْصَيْنَا كُلّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال | وَكُلُّ شَيْء | بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء . | كِتَابًا | نَصْب عَلَى الْمَصْدَر ; لِأَنَّ مَعْنَى أَحْصَيْنَا : كَتَبْنَا , أَيْ كَتَبْنَاهُ كِتَابًا . ثُمَّ قِيلَ : أَرَادَ بِهِ الْعِلْم , فَإِنَّ مَا كُتِبَ كَانَ أَبْعَد مِنْ النِّسْيَان . وَقِيلَ : أَيْ كَتَبْنَاهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ لِتَعْرِفهُ الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ : أَرَادَ مَا كُتِبَ عَلَى الْعِبَاد مِنْ أَعْمَالهمْ . فَهَذِهِ كِتَابَة صَدَرَتْ عَنْ الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلِينَ بِالْعِبَادِ بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِالْكِتَابَةِ ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : | وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ | [ الِانْفِطَار : 10 - 11 ] .

فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا

قَالَ أَبُو بَرْزَة : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشَدّ آيَة فِي الْقُرْآن ؟ فَقَالَ : قَوْله تَعَالَى : | فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا | أَيْ | كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرهَا | [ النِّسَاء : 56 ] وَ | كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا | [ الْإِسْرَاء : 97 ] .

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا

ذَكَرَ جَزَاء مَنْ اِتَّقَى مُخَالَفَة أَمْر اللَّه | مَفَازًا | مَوْضِع فَوْز وَنَجَاة وَخَلَاص مِمَّا فِيهِ أَهْل النَّار . وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْفَلَاةِ إِذَا قَلَّ مَاؤُهَا : مَفَازَة , تَفَاؤُلًا بِالْخَلَاصِ مِنْهَا .

حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا

هَذَا تَفْسِير الْفَوْز . وَقِيلَ : | إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا | إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ حَدَائِق ; جَمْع حَدِيقَة , وَهِيَ الْبُسْتَان الْمَحُوط عَلَيْهِ ; يُقَال أَحْدَقَ بِهِ : أَيْ أَحَاطَ . وَالْأَعْنَاب : جَمَعَ عِنَب , أَيْ كَرُومِ أَعْنَاب , فَحُذِفَ .

وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا

كَوَاعِب : جَمْع كَاعِب وَهِيَ النَّاهِد ; يُقَال : كَعَبَتْ الْجَارِيَة تَكْعَب كُعُوبًا , وَكَعَّبَتْ تُكَعِّب تَكْعِيبًا , وَنَهَدَتْ تَنْهَد نُهُودًا . وَقَالَ الضَّحَّاك : كَكَوَاعِب الْعَذَارَى ; وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن عَاصِم : <br>وَكَمْ مِنْ حَصَانٍ قَدْ حَوَيْنَا كَرِيمَة .......... وَمِنْ كَاعِب لَمْ تَدْرِ مَا الْبُؤْس مُعْصِر <br>وَالْأَتْرَاب : الْأَقْرَان فِي السِّنّ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الْوَاقِعَة | الْوَاحِد : تِرْب .

وَكَأْسًا دِهَاقًا

قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَابْن زَيْد وَابْن عَبَّاس : مُتْرَعَة مَمْلُوءَة ; يُقَال : أَدَهَقْت الْكَأْس : أَيْ مَلَأْتهَا , وَكَأْس دِهَاق أَيْ مُمْتَلِئَة ; قَالَ : <br>أَلَا فَاسْقِنِي صِرْفًا سَقَانِي السَّاقِي .......... مِنْ مَائِهَا بِكَأْسِك الدِّهَاق <br>وَقَالَ خِدَاش بْن زُهَيْر : <br>أَتَانَا عَامِر يَبْغِي قِرَانَا .......... فَأَتْرَعْنَا لَهُ كَأْسًا دِهَاقَا <br>وَقَالَ سَعْد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : مُتَتَابِعَة , يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا ; وَمِنْهُ اِدَّهَقَتْ الْحِجَارَة ادِّهَاقًا , وَهُوَ شِدَّة تَلَازُمهَا وَدُخُول بَعْضهَا فِي بَعْض ; فَالْمُتَتَابِع كَالْمُتَدَاخِلِ . وَعَنْ عِكْرِمَة أَيْضًا وَزَيْد بْن أَسْلَمَ : صَافِيَة ; قَالَ الشَّاعِر : <br>لَأَنْتِ إِلَى الْفُؤَادِ أَحَبُّ قُرْبًا .......... مِنْ الصَّادِي إِلَى كَأْسٍ دِهَاق <br>وَهُوَ جَمْع دَهَق , وَهُوَ خَشَبَتَانِ [ يُغْمَز ] بِهِمَا [ السَّاق ] . وَالْمُرَاد بِالْكَأْسِ الْخَمْر , فَالتَّقْدِير : خَمْرًا ذَات دِهَاق , أَيْ عُصِرَتْ وَصُفِّيَتْ ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَفِي الصِّحَاح : وَأَدْهَقْت الْمَاء : أَيْ أَفْرَغْته إِفْرَاغًا شَدِيدًا : قَالَ أَبُو عَمْرو : وَالدَّهَق - بِالتَّحْرِيكِ : ضَرْب مِنْ الْعَذَاب . وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَشْكَنْجَهْ . الْمُبَرِّد : وَالْمَدْهُوق : الْمُعَذَّب بِجَمِيعِ الْعَذَاب الَّذِي لَا فُرْجَة فِيهِ . اِبْن الْأَعْرَابِيّ : دَهَقْت الشَّيْء كَسَرْته وَقَطَعْته , وَكَذَلِكَ دَهْدَقْته : وَأَنْشَدَ لِحُجْر بْن خَالِد : <br>نُدَهْدِق بِضْع اللَّحْم لِلْبَاعِ وَالنَّدَى .......... وَبَعْضهمْ تَغْلِي بِذَمٍّ مَنَاقِعه <br>وَدَهْمَقْته بِزِيَادَةِ الْمِيم : مِثْله . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : الدَّهْمَقَة : لِين الطَّعَام وَطِيبه وَرِقَّته , وَكَذَلِكَ كُلّ شَيْء لَيِّن ; وَمِنْهُ حَدِيث عُمَر : لَوْ شِئْت أَنْ يُدَهْمِق لِي لَفَعَلْت , وَلَكِنَّ اللَّه عَابَ قَوْمًا فَقَالَ : | أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا | [ الْأَحْقَاف : 20 ] .

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا

| لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا | أَيْ فِي الْجَنَّة | لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا | اللَّغْو : الْبَاطِل , وَهُوَ مَا يُلْغَى مِنْ الْكَلَام وَيُطْرَح ; وَمِنْهُ الْحَدِيث : [ إِذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْم الْجُمْعَة وَالْإِمَام يَخْطُب فَقَدْ لَغَوْت ] وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة إِذَا شَرِبُوا لَمْ تَتَغَيَّر عُقُولُهُمْ , وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا بِلَغْوٍ ; بِخِلَافِ أَهْل الدُّنْيَا . | وَلَا كِذَّابًا | تَقَدَّمَ , أَيْ لَا يُكَذِّب بَعْضُهُمْ بَعْضًا , وَلَا يَسْمَعُونَ كَذِبًا . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ | كِذَابًا | بِالتَّخْفِيفِ مِنْ كَذَبْت كِذَابًا أَيْ لَا يَتَكَاذَبُونَ فِي الْجَنَّة . وَقِيلَ : هُمَا مَصْدَرَانِ لِلتَّكْذِيبِ , وَإِنَّمَا خَفَّفَهَا هَهُنَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُقَيَّدَة بِفِعْلٍ يَصِير مَصْدَرًا لَهُ , وَشُدِّدَ قَوْله : | وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا | لِأَنَّ كَذَّبُوا يُقَيِّد الْمَصْدَر بِالْكِذَّابِ .

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا

| جَزَاء مِنْ رَبّك | نَصْب عَلَى الْمَصْدَر . لِأَنَّ الْمَعْنَى جَزَاهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْره , جَزَاءَهُ وَكَذَلِكَ | عَطَاء | لِأَنَّ مَعْنَى أَعْطَاهُمْ وَجَزَاهُمْ وَاحِد . أَيْ أَعْطَاهُمْ عَطَاء . | حِسَابًا | أَيْ كَثِيرًا , قَالَهُ قَتَادَة ; يُقَال : أَحْسَبْت فُلَانًا : أَيْ كَثَّرْت لَهُ الْعَطَاء حَتَّى قَالَهُ حَسْبِي . قَالَ : <br>وَنُقْفِي وَلِيدَ الْحَيِّ إِنْ كَانَ جَائِعًا .......... وَنُحْسِبُهُ إِنْ كَانَ لَيْسَ بِجَائِعِ <br>وَقَالَ الْقُتَبِيّ : وَنَرَى أَصْل هَذَا أَنْ يُعْطِيَهُ حَتَّى يَقُول حَسْبِي . وَقَالَ الزَّجَّاج : | حِسَابًا | أَيْ مَا يَكْفِيهِمْ . وَقَالَهُ الْأَخْفَش . يُقَال : أَحْسَبنِي كَذَا : أَيْ كَفَانِي . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : حَاسَبَهُمْ فَأَعْطَاهُمْ بِالْحَسَنَةِ عَشْرًا . مُجَاهِد : حِسَابًا لِمَا عَمِلُوا , فَالْحِسَاب بِمَعْنَى الْعَدّ . أَيْ بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُ فِي وَعْد الرَّبّ , فَإِنَّهُ وَعَدَ لِلْحَسَنَةِ عَشْرًا , وَوَعَدَ لِقَوْمٍ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْف , وَقَدْ وَعَدَ لِقَوْمٍ جَزَاء لَا نِهَايَة لَهُ وَلَا مِقْدَارًا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب | [ الزُّمَر : 10 ] . وَقَرَأَ أَبُو هَاشِم | عَطَاء حَسَّابًا | بِفَتْحِ الْحَاء , وَتَشْدِيد السِّين , عَلَى وَزْن فَعَّال أَيْ كَفَافًا ; قَالَ الْأَصْمَعِيّ : تَقُول الْعَرَب : حَسَّبْت الرَّجُل بِالتَّشْدِيدِ : إِذَا أَكْرَمْته ; وَأَنْشَدَ قَوْل الشَّاعِر : <br>إِذَا أَتَاهُ ضَيْفه يُحَسِّبهُ <br>وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس . | حِسَانًا | بِالنُّونِ .

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا

قَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير وَزَيْد عَنْ يَعْقُوب , وَالْمُفَضَّل عَنْ عَاصِم : | رَبُّ | بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف , | الرَّحْمَن | خَبَره . أَوْ بِمَعْنَى : هُوَ رَبّ السَّمَوَات , وَيَكُون | الرَّحْمَن | مُبْتَدَأ ثَانِيًا . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَعْقُوب وَابْن مُحَيْصِن كِلَاهُمَا بِالْخَفْضِ , نَعْتًا لِقَوْلِهِ : | جَزَاء مِنْ رَبِّك | أَيْ جَزَاء مِنْ رَبِّك رَبِّ السَّمَوَات الرَّحْمَن . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : | رَبّ السَّمَوَات | خَفْضًا عَلَى النَّعْت , | الرَّحْمَن | رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء , أَيْ هُوَ الرَّحْمَن . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَقَالَ : هَذَا أَعْدَلهَا ; خَفْض | رَبّ | لِقُرْبِهِ مِنْ قَوْله : | مِنْ رَبّك | فَيَكُون نَعْتًا لَهُ , وَرَفْع | الرَّحْمَن | لِبُعْدِهِ مِنْهُ , عَلَى الِاسْتِئْنَاف , وَخَبَره | لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ||لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا|أَيْ لَا يَمْلِكُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ إِلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُمْ فِيهِ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : | لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا | بِالشَّفَاعَةِ إِلَّا بِإِذْنِهِ . وَقِيلَ : الْخِطَاب : الْكَلَام ; أَيْ لَا يَمْلِكُونَ أَنْ يُخَاطِبُوا الرَّبّ سُبْحَانه إِلَّا بِإِذْنِهِ ; دَلِيله : | لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ | [ هُود : 105 ] . وَقِيلَ : أَرَادَ الْكُفَّار | لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا | , فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَشْفَعُونَ . قُلْت : بَعْد أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ | وَقَوْله تَعَالَى : | يَوْمئِذٍ لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا | [ طَه : 109 ] .

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا

| يَوْم | نَصْب عَلَى الظَّرْف ; أَيْ يَوْم لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا يَوْم يَقُوم الرُّوح . وَاخْتُلِفَ فِي الرُّوح عَلَى أَقْوَال ثَمَانِيَة : الْأَوَّل : أَنَّهُ مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا خَلَقَ اللَّه مَخْلُوقًا بَعْد الْعَرْش أَعْظَم مِنْهُ , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَامَ هُوَ وَحْده صَفًّا وَقَامَتْ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ صَفًّا , فَيَكُون عِظَم خَلْقه مِثْل صُفُوفهمْ . وَنَحْو مِنْهُ عَنْ اِبْن مَسْعُود ; قَالَ : الرُّوح مَلَك أَعْظَم مِنْ السَّمَوَات السَّبْع , وَمِنْ الْأَرَضِينَ السَّبْع , وَمِنْ الْجِبَال . وَهُوَ حِيَال السَّمَاء الرَّابِعَة , يُسَبِّح اللَّه كُلّ يَوْم اِثْنَتَيْ عَشْرَة أَلْف تَسْبِيحَة ; يَخْلُق اللَّه مِنْ كُلّ تَسْبِيحَة مَلَكًا , فَيَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَحْده صَفًّا , وَسَائِر الْمَلَائِكَة صَفًّا . الثَّانِي : أَنَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . قَالَهُ الشَّعْبِيّ وَالضَّحَّاك وَسَعِيد بْن جُبَيْر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ عَنْ يَمِين الْعَرْش نَهَرًا مِنْ نُور , مِثْل السَّمَوَات السَّبْع , وَالْأَرَضِينَ السَّبْع , وَالْبِحَار السَّبْع , يَدْخُل جِبْرِيل كُلّ يَوْم فِيهِ سَحَرًا فَيَغْتَسِل , فَيَزْدَاد نُورًا عَلَى نُوره , وَجَمَالًا عَلَى جَمَاله , وَعِظَمًا عَلَى عِظَمه , ثُمَّ يَنْتَفِض فَيَخْلُق اللَّه مِنْ كُلّ قَطْرَة تَقَع مِنْ رِيشه سَبْعِينَ أَلْف مَلَك , يَدْخُل مِنْهُمْ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْفًا الْبَيْت الْمَعْمُور , وَالْكَعْبَة سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِمَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ وَهْب : إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَاقِف بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى تَرْعَد فَرَائِصه ; يَخْلُق اللَّه تَعَالَى مِنْ كُلّ رَعْدَة مِائَة أَلْف مَلَك , فَالْمَلَائِكَة صُفُوف بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى مُنَكَّسَة رُءُوسُهُمْ , فَإِذَا أَذِنَ اللَّه لَهُمْ فِي الْكَلَام قَالُوا : لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ ; وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : | يَوْم يَقُوم الرُّوح وَالْمَلَائِكَة صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن | فِي الْكَلَام | وَقَالَ صَوَابًا | يَعْنِي قَوْل : | لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ | . وَالثَّالِث : رَوَى اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : [ الرُّوح فِي هَذِهِ الْآيَة جُنْد مِنْ جُنُود اللَّه تَعَالَى , لَيْسُوا مَلَائِكَة , لَهُمْ رُءُوس وَأَيْدٍ وَأَرْجُل , يَأْكُلُونَ الطَّعَام ] . ثُمَّ قَرَأَ | يَوْم يَقُوم الرُّوح وَالْمَلَائِكَة صَفًّا | فَإِنَّ هَؤُلَاءِ جُنْد , وَهَؤُلَاءِ جُنْد . وَهَذَا قَوْل أَبِي صَالِح وَمُجَاهِد . وَعَلَى هَذَا هُمْ خَلْق عَلَى صُورَة بَنِي آدَم , كَالنَّاسِ وَلَيْسُوا بِنَاسٍ . الرَّابِع : أَنَّهُمْ أَشْرَاف الْمَلَائِكَة ; قَالَهُ مُقَاتِل بْن حَيَّان . الْخَامِس : أَنَّهُمْ حَفَظَة عَلَى الْمَلَائِكَة ; قَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح . السَّادِس : أَنَّهُمْ بَنُو آدَم , قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . فَالْمَعْنَى ذَوُو الرُّوح . وَقَالَ الْعَوْفِيّ وَالْقُرَظِيّ : هَذَا مِمَّا كَانَ يَكْتُمهُ اِبْن عَبَّاس ; قَالَ : الرُّوح : خَلْق مِنْ خَلْق اللَّه عَلَى صُوَر بَنِي آدَم , وَمَا نَزَلَ مَلَك مِنْ السَّمَاء إِلَّا وَمَعَهُ وَاحِد مِنْ الرُّوح . السَّابِع : أَرْوَاح بَنِي آدَم تَقُوم صَفًّا , فَتَقُوم الْمَلَائِكَة صَفًّا , وَذَلِكَ بَيْن النَّفْخَتَيْنِ , قَبْل أَنْ تُرَدّ إِلَى الْأَجْسَاد ; قَالَهُ عَطِيَّة . الثَّامِن : أَنَّهُ الْقُرْآن ; قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ , وَقَرَأَ | وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحًا مِنْ أَمَرْنَا | . وَ | صَفًّا | : مَصْدَر أَيْ يَقُومُونَ صُفُوفًا . وَالْمَصْدَر يُنْبِئ عَنْ الْوَاحِد وَالْجَمْع , كَالْعَدْلِ , وَالصَّوْم . وَيُقَال لِيَوْمِ الْعِيد : يَوْم الصَّفّ . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : | وَجَاءَ رَبُّك وَالْمَلَك صَفًّا صَفًّا | [ الْفَجْر : 22 ] هَذَا يَدُلّ عَلَى الصُّفُوف , وَهَذَا حِين الْعَرْض وَالْحِسَاب . قَالَ مَعْنَاهُ الْقُتَبِيّ وَغَيْره . وَقِيلَ : يَقُوم الرُّوح صَفًّا , وَالْمَلَائِكَة صَفًّا , فَهُمْ صَفَّانِ . وَقِيلَ : يَقُوم الْكُلّ صَفًّا وَاحِدًا .|لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا|| لَا يَتَكَلَّمُونَ | أَيْ لَا يَشْفَعُونَ | إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن | فِي الشَّفَاعَة | وَقَالَ صَوَابًا | يَعْنِي حَقًّا ; قَالَهُ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد . وَقَالَ أَبُو صَالِح : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يَشْفَعُونَ لِمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَأَصْل الصَّوَاب . السَّدَاد مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل , وَهُوَ مَنْ أَصَابَ يُصِيب إِصَابَة ; كَالْجَوَابِ مِنْ أَجَابَ يُجِيب إِجَابَة . وَقِيلَ : | لَا يَتَكَلَّمُونَ | يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالرُّوح الَّذِينَ قَامُوا صَفًّا , لَا يَتَكَلَّمُونَ هَيْبَة وَ إِجْلَالًا | إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن | فِي الشَّفَاعَة وَهُمْ قَدْ قَالُوا صَوَابًا , وَأَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ اللَّه تَعَالَى وَيُسَبِّحُونَهُ . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّ الرُّوح يَقُول يَوْم الْقِيَامَة : لَا يَدْخُل أَحَد الْجَنَّة إِلَّا بِالرَّحْمَةِ , وَلَا النَّار إِلَّا بِالْعَمَلِ . وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : | وَقَالَ صَوَابًا | .

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا

قَوْله تَعَالَى : | ذَلِكَ الْيَوْم الْحَقّ | أَيْ الْكَائِن الْوَاقِع | فَمَنْ شَاءَ اِتَّخَذَ إِلَى رَبّه مَآبًا | أَيْ مَرْجِعًا بِالْعَمَلِ الصَّالِح ; كَأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ خَيْرًا رَدَّهُ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَإِذَا عَمِلَ شَرًّا عَدَّهُ مِنْهُ . وَيَنْظُر إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : [ وَالْخَيْر كُلّه بِيَدَيْك , وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك ] . وَقَالَ قَتَادَة : | مَآبًا | : سَبِيلًا .

إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا

يُخَاطِب كُفَّار قُرَيْش وَمُشْرِكِي الْعَرَب ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَا نُبْعَث . وَالْعَذَاب عَذَاب الْآخِرَة , وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيب , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : | كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا | [ النَّازِعَات : 46 ] قَالَ مَعْنَاهُ الْكَلْبِيّ وَغَيْره . وَقَالَ قَتَادَة : عُقُوبَة الدُّنْيَا ; لِأَنَّهَا أَقْرَب الْعَذَابَيْنِ . قَالَ مُقَاتِل : هِيَ قَتْل قُرَيْش بِبَدْرٍ . وَالْأَظْهَر أَنَّهُ عَذَاب الْآخِرَة , وَهُوَ الْمَوْت وَالْقِيَامَة ; لِأَنَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَته , فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة رَأَى مَقْعَده مِنْ الْجَنَّة , وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل النَّار رَأَى الْخِزْيَ وَالْهَوَان ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : | يَوْم يَنْظُر الْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ||يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ|بَيَّنَ وَقْت ذَلِكَ الْعَذَاب ; أَيْ أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا فِي ذَلِكَ الْيَوْم , وَهُوَ يَوْم يَنْظُر الْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ , أَيْ يَرَاهُ وَقِيلَ : يَنْظُر إِلَى مَا قَدَّمَتْ فَحُذِفَ إِلَى . وَالْمَرْء هَهُنَا الْمُؤْمِن فِي قَوْل الْحَسَن ; أَيْ يَجِد لِنَفْسِهِ عَمَلًا , فَأَمَّا الْكَافِر فَلَا يَجِد لِنَفْسِهِ عَمَلًا , فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُون تُرَابًا . وَلَمَّا قَالَ : | وَيَقُول الْكَافِر | عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَرْءِ الْمُؤْمِن . وَقِيلَ : الْمَرْء هَهُنَا : أُبَيّ بْن خَلَف وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ قَوْله : | يَوْم يَنْظُر الْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ | فِي أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الْأَسَد الْمَخْزُومِيّ : | وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | : فِي أَخِيهِ الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد .|وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ|أَبُو جَهْل . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي كُلّ أَحَد وَإِنْسَان يَرَى فِي ذَلِكَ الْيَوْم جَزَاء مَا كَسَبَ . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ قَوْله : | يَوْم يَنْظُر الْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ | فِي أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الْأَسَد الْمَخْزُومِيّ : | وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | : فِي أَخِيهِ الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : سَمِعْت أَبَا الْقَاسِم بْن حَبِيب يَقُول : الْكَافِر : هَهُنَا إِبْلِيس وَذَلِكَ أَنَّهُ عَابَ آدَم بِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تُرَاب , وَافْتَخَرَ بِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَار , فَإِذَا عَايَنَ يَوْم الْقِيَامَة مَا فِيهِ آدَم وَبَنُوهُ مِنْ الثَّوَاب وَالرَّاحَة , وَالرَّحْمَة , وَرَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الشِّدَّة وَالْعَذَاب , تَمَنَّى أَنَّهُ يَكُون بِمَكَانِ آدَم , فَيَقُول : | يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | قَالَ : وَرَأَيْته فِي بَعْض التَّفَاسِير لِلْقُشَيْرِيّ أَبِي نَصْر . وَقِيلَ : أَيْ يَقُول إِبْلِيس يَا لَيْتَنِي خُلِقْت مِنْ التُّرَاب وَلَمْ أَقُلْ أَنَا خَيْر مِنْ آدَم . وَعَنْ اِبْن عُمَر : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مُدَّتْ الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم , وَحُشِرَ الدَّوَابّ وَالْبَهَائِم وَالْوُحُوش , ثُمَّ يُوضَع الْقِصَاص بَيْن الْبَهَائِم , حَتَّى يُقْتَصّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاء مِنْ الشَّاة الْقَرْنَاء بِنَطْحَتِهَا , فَإِذَا فُرِغَ مِنْ الْقِصَاص بَيْنهَا قِيلَ لَهَا : كُونِي تُرَابًا , فَعِنْد ذَلِكَ يَقُول الْكَافِر : | يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | . وَنَحْوه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة , بِأَحْوَالِ الْمَوْتَى وَأُمُور الْآخِرَة | , مُجَوَّدًا وَالْحَمْد لِلَّهِ . ذَكَرَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن نَافِع , قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن شَبِيب , قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَر , قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَر بْن بُرْقَان الْجَزْرِيّ , عَنْ يَزِيد بْن الْأَصَمّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَحْشُر الْخَلْق كُلّهمْ مِنْ دَابَّة وَطَائِر وَإِنْسَان , ثُمَّ يُقَال لِلْبَهَائِمِ وَالطَّيْر كُونِي تُرَابًا , فَعِنْد ذَلِكَ | يَقُول الْكَافِر : يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | . وَقَالَ قَوْم : | يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | : أَيْ لَمْ أُبْعَث , كَمَا قَالَ : | يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ | . وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد : إِذَا قُضِيَ بَيْن النَّاس , وَأُمِرَ بِأَهْلِ الْجَنَّة إِلَى الْجَنَّة , وَأَهْل النَّار إِلَى النَّار , قِيلَ لِسَائِرِ الْأُمَم وَلِمُؤْمِنِي الْجِنّ : عُودُوا تُرَابًا , فَيَعُودُونَ تُرَابًا , فَعِنْد ذَلِكَ يَقُول الْكَافِر حِين يَرَاهُمْ | يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | . وَقَالَ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم : مُؤْمِنُو الْجِنّ يَعُودُونَ تُرَابًا . وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالزَّهْرِيّ وَالْكَلْبِيّ وَمُجَاهِد : مُؤْمِنُو الْجَنَّة حَوْل الْجَنَّة فِي رَبَض وَرِحَاب وَلَيْسُوا فِيهَا . وَهَذَا أَصَحّ , وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الرَّحْمَن | بَيَان هَذَا , وَأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ : يُثَابُونَ وَيُعَاقَبُونَ , فَهُمْ كَبَنِي آدَم , وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس