islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
15525

56-الواقعة

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ

سُورَة الْوَاقِعَة مَكِّيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَجَابِر وَعَطَاء . وَقَالَ اِبْن قَتَادَة : إِلَّا آيَة مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : | وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ | [ الْوَاقِعَة : 82 ] . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مَكِّيَّة إِلَّا أَرْبَع آيَات , مِنْهَا آيَتَانِ | أَفَبِهَذَا الْحَدِيث أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ . وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ | [ الْوَاقِعَة : 81 - 82 ] نَزَلَتَا فِي سَفَره إِلَى مَكَّة , وَقَوْله تَعَالَى : | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآَخِرِينَ | [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] نَزَلَتَا فِي سَفَره إِلَى الْمَدِينَة . وَقَالَ مَسْرُوق : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَم نَبَأ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ , وَنَبَأ أَهْل الْجَنَّة , وَنَبَأ أَهْل النَّار , وَنَبَأ أَهْل الدُّنْيَا , وَنَبَأ أَهْل الْآخِرَة , فَلْيَقْرَأْ سُورَة الْوَاقِعَة . وَذَكَرَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فِي | التَّمْهِيد | و |التَّعْلِيق | وَالثَّعْلَبِيّ أَيْضًا : أَنَّ عُثْمَان دَخَلَ عَلَى اِبْن مَسْعُود يَعُودهُ فِي مَرَضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ : مَا تَشْتَكِي ؟ قَالَ : ذُنُوبِي . قَالَ : فَمَا تَشْتَهِي ؟ قَالَ : رَحْمَة رَبِّي . قَالَ : أَفَلَا نَدْعُو لَك طَبِيبًا ؟ قَالَ : الطَّبِيب أَمْرَضَنِي . قَالَ : أَفَلَا نَأْمُر لَك بِعَطَاءٍ لَك ؟ قَالَ : لَا حَاجَة لِي فِيهِ , حَبَسْته عَنِّي فِي حَيَاتِي , وَتَدْفَعهُ لِي عِنْد مَمَاتِي ؟ قَالَ : يَكُون لِبَنَاتِك مِنْ بَعْدك . قَالَ : أَتَخْشَى عَلَى بَنَاتِي الْفَاقَة مِنْ بَعْدِي ؟ إِنِّي أَمَرْتهنَّ أَنْ يَقْرَأْنَ سُورَة | الْوَاقِعَة | كُلّ لَيْلَة , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ قَرَأَ سُورَة الْوَاقِعَة كُلّ لَيْلَة لَمْ تُصِبْهُ فَاقَة أَبَدًا .</p><p>| إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة | أَيْ قَامَتْ الْقِيَامَة , وَالْمُرَاد النَّفْخَة الْأَخِيرَة . وَسُمِّيَتْ وَاقِعَة لِأَنَّهَا تَقَع عَنْ قُرْب . وَقِيلَ : لِكَثْرَةِ مَا يَقَع فِيهَا مِنْ الشَّدَائِد . وَفِيهِ إِضْمَار , أَيْ اُذْكُرُوا إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : | إِذَا | صِلَة , أَيْ وَقَعَتْ الْوَاقِعَة , كَقَوْلِهِ : | اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة | [ الْقَمَر : 1 ] و | أَتَى أَمْر اللَّه | [ النَّحْل : 1 ] وَهُوَ كَمَا يُقَال : قَدْ جَاءَ الصَّوْم أَيْ دَنَا وَاقْتَرَبَ . وَعَلَى الْأَوَّل | إِذَا | لِلْوَقْتِ , وَالْجَوَاب قَوْله : | فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة | [ الْوَاقِعَة : 8 ] .

لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ

الْكَاذِبَة مَصْدَر بِمَعْنَى الْكَذِب , وَالْعَرَب قَدْ تَضَع الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَوْضِع الْمَصْدَر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | لَا تَسْمَع فِيهَا لَاغِيَة | [ الْغَاشِيَة : 11 ] أَيْ لَغْو , وَالْمَعْنَى لَا يُسْمَع لَهَا كَذِب , قَالَهُ الْكِسَائِيّ . وَمِنْهُ قَوْل الْعَامَّة : عَائِذًا بِاَللَّهِ أَيْ مَعَاذ اللَّه , وَقُمْ قَائِمًا أَيْ قُمْ قِيَامًا . وَلِبَعْضِ نِسَاء الْعَرَب تُرَقِّص اِبْنهَا : <br>قُمْ قَائِمًا قُمْ قَائِمَا .......... أَصَبْت عَبْدًا نَائِمَا <br>وَقِيلَ : الْكَاذِبَة صِفَة وَالْمَوْصُوف مَحْذُوف , أَيْ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا حَال كَاذِبَة , أَوْ نَفْس كَاذِبَة , أَيْ كُلّ مَنْ يُخْبِر عَنْ وَقْعَتهَا صَادِق . وَقَالَ الزَّجَّاج : | لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة | أَيْ لَا يَرُدّهَا شَيْء . وَنَحْوه قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا أَحَد يُكَذِّب بِهَا . وَقَالَ الْكِسَائِيّ أَيْضًا : لَيْسَ لَهَا تَكْذِيب , أَيْ يَنْبَغِي أَلَّا يُكَذِّب بِهَا أَحَد . وَقِيلَ : إِنَّ قِيَامهَا جَدّ لَا هَزْل فِيهِ .

خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ

قَالَ عِكْرِمَة وَمُقَاتِل وَالسُّدِّيّ : خَفَضَتْ الصَّوْت فَأَسْمَعَتْ مَنْ دَنَا وَرَفَعَتْ مَنْ نَأَى , يَعْنِي أَسْمَعَتْ الْقَرِيب وَالْبَعِيد . وَقَالَ السُّدِّيّ : خَفَضَتْ الْمُتَكَبِّرِينَ وَرَفَعَتْ الْمُسْتَضْعَفِينَ . وَقَالَ قَتَادَة : خَفَضَتْ أَقْوَامًا فِي عَذَاب اللَّه , وَرَفَعَتْ , أَقْوَامًا إِلَى طَاعَة اللَّه . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : خَفَضَتْ أَعْدَاء اللَّه فِي النَّار , وَرَفَعَتْ أَوْلِيَاء اللَّه فِي الْجَنَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : خَفَضَتْ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَرْفُوعِينَ , وَرَفَعَتْ , أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَخْفُوضِينَ . وَقَالَ اِبْن عَطَاء : خَفَضَتْ أَقْوَامًا بِالْعَدْلِ , وَرَفَعَتْ آخَرِينَ بِالْفَضْلِ . وَالْخَفْض وَالرَّفْع يُسْتَعْمَلَانِ عِنْد الْعَرَب فِي الْمَكَان وَالْمَكَانَة , وَالْعِزّ وَالْمَهَانَة . وَنَسَبَ سُبْحَانه الْخَفْض وَالرَّفْع لِلْقِيَامَةِ تَوَسُّعًا وَمَجَازًا عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي إِضَافَتهَا الْفِعْل إِلَى الْمَحَلّ وَالزَّمَان وَغَيْرهمَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ الْفِعْل , يَقُولُونَ : لَيْل نَائِم وَنَهَار صَائِم . وَفِي التَّنْزِيل : | بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار | [ سَبَأ : 33 ] وَالْخَافِض وَالرَّافِع عَلَى الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ اللَّه وَحْده , فَرَفَعَ أَوْلِيَاءَهُ فِي أَعْلَى الدَّرَجَات , وَخَفَضَ أَعْدَاءَهُ فِي أَسْفَل الدَّرَكَات . وَقَرَأَ الْحَسَن وَعِيسَى الثَّقَفِيّ | خَافِضَة رَافِعَة | بِالنَّصْبِ . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ , وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الْحَال . وَهُوَ عِنْد الْفَرَّاء عَلَى إِضْمَار فِعْل , وَالْمَعْنَى : إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة . لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة وَقَعَتْ : خَافِضَة رَافِعَة . وَالْقِيَامَة لَا شَكّ فِي وُقُوعهَا , وَأَنَّهَا تَرْفَع أَقْوَامًا وَتَضَع آخَرِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ .

إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا

أَيْ زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره , يُقَال : رَجَّهُ يَرُجّهُ رَجًّا أَيْ حَرَّكَهُ وَزَلْزَلَهُ . وَنَاقَة رَجَّاء أَيْ عَظِيمَة السَّنَام . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ رَكِبَ الْبَحْر حِين يَرْتَجّ فَلَا ذِمَّة لَهُ ) يَعْنِي إِذَا اِضْطَرَبَتْ أَمْوَاجه . قَالَ الْكَلْبِيّ : وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَوْحَى إِلَيْهَا اِضْطَرَبَتْ فَرَقًا مِنْ اللَّه تَعَالَى . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : تَرْتَجّ كَمَا يَرْتَجّ الصَّبِيّ فِي الْمَهْد حَتَّى يَنْهَدِم كُلّ مَا عَلَيْهَا , وَيَنْكَسِر كُلّ شَيْء عَلَيْهَا مِنْ الْجِبَال وَغَيْرهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس الرَّجَّة الْحَرَكَة الشَّدِيدَة يُسْمَع لَهَا صَوْت . وَمَوْضِع | إِذَا | نُصِبَ عَلَى الْبَدَل مِنْ | إِذَا وَقَعَتْ | . وَيَجُوز أَنْ يَنْتَصِب ب | خَافِضَة رَافِعَة | أَيْ تَخْفِض وَتَرْفَع وَقْت رَجّ الْأَرْض وَبَسّ الْجِبَال , لِأَنَّ عِنْد ذَلِكَ يَنْخَفِض مَا هُوَ مُرْتَفِع , وَيَرْتَفِع مَا هُوَ مُنْخَفِض . وَقِيلَ : أَيْ وَقَعَتْ الْوَاقِعَة إِذَا رُجَّتْ الْأَرْض , قَالَهُ الزَّجَّاج وَالْجُرْجَانِيّ . وَقِيلَ : أَيْ اُذْكُرْ | إِذَا رُجَّتْ الْأَرْض رَجًّا | مَصْدَر وَهُوَ دَلِيل عَلَى تَكْرِير الزَّلْزَلَة .

وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا

أَيْ فُتِّتَتْ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . مُجَاهِد : كَمَا يُبَسّ الدَّقِيق أَيْ يُلَتّ . وَالْبَسِيسَة السَّوِيق أَوْ الدَّقِيق يُلَتّ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَل وَلَا يُطْبَخ وَقَدْ يُتَّخَذ زَادًا . قَالَ الرَّاجِز : <br>لَا تَخْبِزَا خُبْزًا وَبُسَّا بَسًّا .......... وَلَا تُطِيلَا بِمُنَاخٍ حَبْسَا <br>وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَة : أَنَّهُ لِصّ مِنْ غَطَفَان أَرَادَ أَنْ يَخْبِز فَخَافَ أَنْ يُعْجَل عَنْ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ عَجِينًا . وَالْمَعْنَى أَنَّهَا خُلِطَتْ فَصَارَتْ كَالدَّقِيقِ الْمَلْتُوت بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاء . أَيْ تَصِير الْجِبَال تُرَابًا فَيَخْتَلِط الْبَعْض بِالْبَعْضِ . وَقَالَ الْحَسَن : وَبُسَّتْ قُلِعَتْ مِنْ أَصْلهَا فَذَهَبَتْ , نَظِيره : | يَنْسِفهَا رَبِّي نَسْفًا | [ طَه : 105 ] . وَقَالَ عَطِيَّة : بُسِطَتْ كَالرَّمْلِ وَالتُّرَاب . وَقِيلَ : اِلْبَسْ السُّوق أَيْ سِيقَتْ الْجِبَال . قَالَ أَبُو زَيْد : اِلْبَسْ السُّوق , وَقَدْ بَسَسْت الْإِبِل أَبُسّهَا بِالضَّمِّ بَسًّا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : بَسَسْت الْإِبِل وَأَبْسَسْت لُغَتَانِ إِذَا زَجَرْتهَا وَقُلْت لَهَا بِسْ بِسْ . وَفِي الْحَدِيث . ( يَخْرُج قَوْم مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الْيَمَن وَالشَّام وَالْعِرَاق يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَة خَيْر لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) وَمِنْهُ الْحَدِيث الْآخَر : ( جَاءَكُمْ أَهْل الْيَمَن يَبُسُّونَ عِيَالهمْ ) وَالْعَرَب تَقُول : جِيءَ بِهِ مِنْ حَسِّك وَبَسِّك . وَرَوَاهُمَا أَبُو زَيْد بِالْكَسْرِ , فَمَعْنَى مِنْ حَسِّك مِنْ حَيْثُ أَحْسَسْته , وَبَسِّك مِنْ حَيْثُ بَلَغَهُ مَسِيرك . وَقَالَ مُجَاهِد : سَالَتْ سَيْلًا . عِكْرِمَة : هُدَّتْ هَدًّا . مُحَمَّد بْن كَعْب : سُيَّرَتْ سَيْرًا , وَمِنْهُ قَوْل الْأَغْلَب الْعِجْلِيّ : وَقَالَ الْحَسَن : قُطِعَتْ قَطْعًا . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .

فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا

قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْهَبَاء الرَّهْج الَّذِي يَسْطَع مِنْ حَوَافِر الدَّوَابّ ثُمَّ يَذْهَب , فَجَعَلَ اللَّه أَعْمَالهمْ كَذَلِكَ . وَقَالَ مُجَاهِد : الْهَبَاء هُوَ الشُّعَاع الَّذِي يَكُون فِي الْكُوَّة كَهَيْئَةِ الْغُبَار . وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَيْضًا : هُوَ مَا تَطَايَرَ مِنْ النَّار إِذَا اِضْطَرَبَتْ يَطِير مِنْهَا شَرَر فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا . وَقَالَهُ عَطِيَّة . وَقَدْ مَضَى فِي | الْفُرْقَان | عِنْد قَوْله تَعَالَى : | وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا | [ الْفُرْقَان : 23 ] وَقِرَاءَة الْعَامَّة | مُنْبَثًّا | بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة أَيْ مُتَفَرِّقًا مِنْ قَوْله تَعَالَى : | وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة | [ لُقْمَان : 10 ] أَيْ فَرَّقَ وَنَشَرَ . وَقَرَأَ مَسْرُوق وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو حَيْوَة | مُنْبَتًّا | بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة أَيْ مُنْقَطِعًا مِنْ قَوْلهمْ : بَتَّهُ اللَّه أَيْ قَطَعَهُ , وَمِنْهُ الْبَتَات .

وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً

أَيْ أَصْنَافًا ثَلَاثَة كُلّ صِنْف يُشَاكِل مَا هُوَ مِنْهُ , كَمَا يُشَاكِل الزَّوْج الزَّوْجَة , ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُمْ فَقَالَ : | فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة | | وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة | و | السَّابِقُونَ |.

فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ

فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ الَّذِينَ يُؤْخَذ بِهِمْ ذَات الْيَمِين إِلَى الْجَنَّة

وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ

وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة هُمْ الَّذِينَ يُؤْخَذ بِهِمْ ذَات الشِّمَال إِلَى النَّار , قَالَهُ السُّدِّيّ . وَالْمَشْأَمَة الْمَيْسَرَة وَكَذَلِكَ الشَّأْمَة . يُقَال : قَعَدَ فُلَان شَأْمَة . وَيُقَال : يَا فُلَان شَائِم بِأَصْحَابِك , أَيْ خُذْ بِهِمْ شَأْمَة أَيْ ذَات الشِّمَال . وَالْعَرَب تَقُول لِلْيَدِ الشِّمَال الشُّؤْمَى , وَلِلْجَانِبِ الشِّمَال الْأَشْأَم . وَكَذَلِكَ يُقَال لِمَا جَاءَ عَنْ الْيَمِين الْيُمْن , وَلِمَا جَاءَ عَنْ الشِّمَال الشُّؤْم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ الَّذِينَ كَانُوا عَنْ يَمِين حِين أُخْرِجَتْ الذُّرِّيَّة مِنْ صُلْبه فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَلَا أُبَالِي . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ الَّذِينَ أُخِذُوا مِنْ شِقّ آدَم الْأَيْمَن يَوْمئِذٍ , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة الَّذِينَ أُخِذُوا مِنْ شِقّ آدَم الْأَيْسَر . وَقَالَ عَطَاء وَمُحَمَّد بْن كَعْب : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِشِمَالِهِ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة هُمْ أَهْل الْحَسَنَات , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة هُمْ أَهْل السَّيِّئَات . وَقَالَ الْحَسَن وَالرَّبِيع : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة الْمَيَامِين عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة , وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة الْمَشَائِيم عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَة الْقَبِيحَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث الْإِسْرَاء عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُل عَنْ يَمِينه أَسْوِدَة وَعَنْ يَسَاره أَسْوِدَة - قَالَ - فَإِذَا نَظَرَ قِبَل يَمِينه ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَل شِمَاله بَكَى - قَالَ - فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالِابْن الصَّالِح - قَالَ - قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذِهِ الْأَسْوِدَة الَّتِي عَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله نَسَم بَنِيهِ فَأَهْل الْيَمِين أَهْل الْجَنَّة وَالْأَسْوِدَة الَّتِي عَنْ شِمَاله أَهْل النَّار ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَالَ الْمُبَرِّد : وَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة أَصْحَاب التَّقَدُّم , وَأَصْحَاب الشَّأْمَة أَصْحَاب التَّأَخُّر . وَالْعَرَب تَقُول : اِجْعَلْنِي فِي يَمِينك وَلَا تَجْعَلنِي فِي شِمَالك , أَيْ اجْعَلنِي مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا تَجْعَلنَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ . وَالتَّكْرِير فِي | مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة | . و | مَا أَصْحَاب الْمَشْأَمَة | لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْجِيب , كَقَوْلِهِ : | الْحَاقَّة مَا الْحَاقَّة | [ الْحَاقَّة : 1 - 2 ] و | الْقَارِعَة مَا الْقَارِعَة | [ الْقَارِعَة : 1 - 2 ] كَمَا يُقَال : زَيْد مَا زَيْد ! وَفِي حَدِيث أُمّ زَرْع رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ ! وَالْمَقْصُود تَكْثِير مَا لِأَصْحَابِ الْمَيْمَنَة مِنْ الثَّوَاب وَلِأَصْحَابِ الْمَشْأَمَة مِنْ الْعِقَاب . وَقِيلَ : | أَصْحَاب | رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر | مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة | كَأَنَّهُ قَالَ : | فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة | مَا هُمْ , الْمَعْنَى : أَيّ شَيْء هُمْ . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ تَكُون | مَا | تَأْكِيدًا , وَالْمَعْنَى فَاَلَّذِينَ يُعْطُونَ كِتَابهمْ بِأَيْمَانِهِمْ هُمْ أَصْحَاب التَّقَدُّم وَعُلُوّ الْمَنْزِلَة .

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ

رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( السَّابِقُونَ الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقّ قَبِلُوهُ وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : إِنَّهُمْ الْأَنْبِيَاء . الْحَسَن وَقَتَادَة : السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَان مِنْ كُلّ أُمَّة . وَنَحْوه عَنْ عِكْرِمَة . مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ , دَلِيله قَوْله تَعَالَى : | وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار | [ التَّوْبَة : 100 ] . وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : هُمْ السَّابِقُونَ إِلَى الْجِهَاد , وَأَوَّل النَّاس رَوَاحًا إِلَى الصَّلَاة . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُمْ السَّابِقُونَ إِلَى الصَّلَوَات الْخَمْس . الضَّحَّاك : إِلَى الْجِهَاد . سَعِيد بْن جُبَيْر : إِلَى التَّوْبَة وَأَعْمَال الْبِرّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ | [ آل عِمْرَان : 133 ] ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ : | أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ | [ الْمُؤْمِنُونَ : 61 ] . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ أَرْبَعَة , مِنْهُمْ سَابِق أُمَّة مُوسَى وَهُوَ حِزْقِيل مُؤْمِن آل فِرْعَوْن , وَسَابِق أُمَّة عِيسَى وَهُوَ حَبِيب النَّجَّار صَاحِب أَنْطَاكِيَّة , وَسَابِقَانِ فِي أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ شُمَيْط بْن الْعَجْلَان : النَّاس ثَلَاثَة , فَرَجُل اِبْتَكَرَ لِلْخَيْرِ فِي حَدَاثَة سِنّه دَاوَمَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا فَهَذَا هُوَ السَّابِق الْمُقَرَّب , وَرَجُل اِبْتَكَرَ عُمْره بِالذُّنُوبِ ثُمَّ طُول الْغَفْلَة ثُمَّ رَجَعَ بِتَوْبَتِهِ حَتَّى خَتَمَ لَهُ بِهَا فَهَذَا مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , وَرَجُل اِبْتَكَرَ عُمْره بِالذُّنُوبِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى خُتِمَ لَهُ بِهَا فَهَذَا مِنْ أَصْحَاب الشِّمَال . وَقِيلَ : هُمْ كُلّ مَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْء مِنْ أَشْيَاء الصَّلَاح . ثُمَّ قِيلَ : | السَّابِقُونَ | رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي تَوْكِيد لَهُ وَالْخَبَر | أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ | وَقَالَ الزَّجَّاج : | السَّابِقُونَ | رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي خَبَره , وَالْمَعْنَى السَّابِقُونَ إِلَى طَاعَة اللَّه هُمْ السَّابِقُونَ إِلَى رَحْمَة اللَّه

أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ

مِنْ صِفَتهمْ . وَقِيلَ : إِذَا خَرَجَ رَجُل مِنْ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ مَنْزِله فِي الْجَنَّة كَانَ لَهُ ضَوْء يَعْرِفهُ بِهِ مَنْ دُونه .

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ

أَيْ جَمَاعَة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة . | وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ | أَيْ مِمَّنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْحَسَن : ثُلَّة مِمَّنْ قَدْ مَضَى قَبْل هَذِهِ الْأُمَّة , وَقَلِيل مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنْهُمْ بِكَرَمِك . وَسُمُّوا قَلِيلًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلهمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمِينَ كَثُرُوا فَكَثُرَ السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَان مِنْهُمْ , فَزَادُوا عَلَى عَدَد مَنْ سَبَقَ إِلَى التَّصْدِيق مِنْ أُمَّتنَا . وَقِيلَ : لَمَّا نَزَلَ هَذَا شَقَّ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ : | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ | [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُع أَهْل الْجَنَّة بَلْ ثُلُث أَهْل الْجَنَّة بَلْ نِصْف أَهْل الْجَنَّة وَتُقَاسِمُونَهُمْ فِي النِّصْف الثَّانِي ) رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة , ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيْره . وَمَعْنَاهُ ثَابِت فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود . وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَنْسُوخَة وَالْأَشْبَه أَنَّهَا مُحْكَمَة لِأَنَّهَا خَبَر , وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَمَاعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ . قَالَ الْحَسَن : سَابِقُو مَنْ مَضَى أَكْثَر مِنْ سَابِقِينَا , وَلِذَلِكَ قَالَ : | وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ |

وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ

وَقَالَ فِي أَصْحَاب الْيَمِين وَهُمْ سِوَى السَّابِقِينَ : | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ | [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُون أُمَّتِي شَطْر أَهْل الْجَنَّة ) ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى : | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ | [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] قَالَ مُجَاهِد : كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة . وَرَوَى سُفْيَان عَنْ أَبَان عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الثُّلَّتَانِ جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي ) يَعْنِي | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ | [ الْوَاقِعَة : 39 - 40 ] . وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كِلَا الثُّلَّتَيْنِ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي أَوَّل أُمَّته , وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي آخِرهَا , وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : | فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه | [ فَاطِر : 32 ] . وَقِيلَ : | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ | أَيْ مِنْ أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة . | وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ | يُسَارِع فِي الطَّاعَات حَتَّى يَلْحَق دَرَجَة الْأَوَّلِينَ , وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( خَيْركُمْ قَرْنِي ) ثُمَّ سَوَّى فِي أَصْحَاب الْيَمِين بَيْن الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ . وَالثُّلَّة مِنْ ثَلَلْت الشَّيْء أَيْ قَطَعْته , فَمَعْنَى ثُلَّة كَمَعْنَى فِرْقَة , قَالَهُ الزَّجَّاج .

عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ

أَيْ السَّابِقُونَ فِي الْجَنَّة | عَلَى سُرُر | , أَيْ مَجَالِسهمْ عَلَى سُرُر جَمْع سَرِير .|مَوْضُونَةٍ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْسُوخَة بِالذَّهَبِ . وَقَالَ عِكْرِمَة : مُشَبَّكَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : | مَوْضُونَة | مَصْفُوفَة , كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : | عَلَى سُرَر مَصْفُوفَة | [ الطُّور : 20 ] . وَعَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ مُجَاهِد : مَرْمُولَة بِالذَّهَبِ . وَفِي التَّفَاسِير : | مَوْضُونَة | أَيْ مَنْسُوجَة بِقُضْبَانِ الذَّهَب مُشَبَّكَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد - وَالْوَضْن النَّسْج الْمُضَاعَف وَالنَّضْد , يُقَال : وَضَنَ فُلَان الْحَجَر وَالْآجُرّ بَعْضه فَوْق بَعْض فَهُوَ مَوْضُون , وَدِرْع مَوْضُونَة أَيْ مُحْكَمَة فِي النَّسْج مِثْل مَصْفُوفَة , قَالَ الْأَعْشَى : <br>وَمِنْ نَسْج دَاوُد مَوْضُونَة .......... تُسَاق مَعَ الْحَيّ عِيرًا فَعِيرَا <br>وَقَالَ أَيْضًا : <br>وَبَيْضَاء كَالنَّهْيِ مَوْضُونَة .......... لَهَا قَوْنَس فَوْق جَيْب الْبَدَن <br>وَالسَّرِير الْمَوْضُون : الَّذِي سَطْحه بِمَنْزِلَةِ الْمَنْسُوج , وَمِنْهُ الْوَضِين : بِطَان مِنْ سُيُور يُنْسَج فَيَدْخُل بَعْضه فِي بَعْض , وَمِنْهُ قَوْله : <br>إِلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينهَا<br>

مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ

أَيْ عَلَى السُّرَر|مُتَقَابِلِينَ|أَيْ لَا يَرَى بَعْضهمْ قَفَا بَعْض , بَلْ تَدُور بِهِمْ الْأَسِرَّة , وَهَذَا فِي الْمُؤْمِن وَزَوْجَته وَأَهْله , أَيْ يَتَّكِئُونَ مُتَقَابِلِينَ . قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : طُول كُلّ سَرِير ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاع , فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْد أَنْ يَجْلِس عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا اِرْتَفَعَتْ .

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ

أَيْ غِلْمَان لَا يَمُوتُونَ , قَالَ مُجَاهِد . الْحَسَن وَالْكَلْبِيّ : لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : <br>وَهَلْ يَنْعَمْنَ إِلَّا سَعِيد مُخَلَّد .......... قَلِيل الْهُمُوم مَا يَبِيت بِأَوْجَال <br>وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مُخَلَّدُونَ مُقَرَّطُونَ , يُقَال لِلْقُرْطِ الْخَلَدَة وَلِجَمَاعَةِ الْحُلِيّ الْخِلْدَة . وَقِيلَ : مُسَوَّرُونَ وَنَحْوه عَنْ الْفَرَّاء , قَالَ الشَّاعِر : <br>وَمُخَلَّدَات بِاللُّجَيْنِ كَأَنَّمَا .......... أَعْجَازهنَّ أَقَاوِز الْكُثْبَان <br>وَقِيلَ : مُقَرَّطُونَ يَعْنِي مُمَنْطَقُونَ مِنْ الْمَنَاطِق . وَقَالَ عِكْرِمَة : | مُخَلَّدُونَ | مُنَعَّمُونَ . وَقِيلَ : عَلَى سِنّ وَاحِدَة أَنْشَأَهُمْ اللَّه لِأَهْلِ الْجَنَّة يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا شَاءَ مِنْ غَيْر وِلَادَة . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ : الْوِلْدَان هَا هُنَا وِلْدَان الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا وَلَا حَسَنَة لَهُمْ وَلَا سَيِّئَة . وَقَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ : أَطْفَال الْمُشْرِكِينَ هُمْ خَدَم أَهْل الْجَنَّة . قَالَ الْحَسَن : لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَات يُجْزَوْنَ بِهَا , وَلَا سَيِّئَات يُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا , فَوُضِعُوا فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالْمَقْصُود : أَنَّ أَهْل الْجَنَّة عَلَى أَتَمّ السُّرُور وَالنِّعْمَة , وَالنِّعْمَة إِنَّمَا تَتِمّ بِاحْتِفَافِ الْخَدَم وَالْوِلْدَان بِالْإِنْسَانِ .

بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ

أَكْوَاب جَمْع كُوب وَقَدْ مَضَى فِي | الزُّخْرُف | وَهِيَ الْآنِيَة الَّتِي لَا عُرَى لَهَا وَلَا خَرَاطِيم , وَالْأَبَارِيق الَّتِي لَهَا عُرَى وَخَرَاطِيم وَاحِدهَا إِبْرِيق , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْرُق لَوْنه مِنْ صَفَائِهِ .|وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ|مَضَى فِي | وَالصَّافَّات | الْقَوْل فِيهِ . وَالْمَعِين الْجَارِي مِنْ مَاء أَوْ خَمْر , غَيْر أَنَّ الْمُرَاد فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخَمْر الْجَارِيَة مِنْ الْعُيُون . وَقِيلَ : الظَّاهِرَة لِلْعُيُونِ فَيَكُون | مَعِين | مَفْعُولًا مِنْ الْمُعَايَنَة . وَقِيلَ : هُوَ فَعِيل مِنْ الْمَعْن وَهُوَ الْكَثْرَة . وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَخَمْرِ الدُّنْيَا الَّتِي تُسْتَخْرَج بِعَصْرٍ وَتَكَلُّف وَمُعَالَجَة .

لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ

أَيْ لَا تَنْصَدِع رُءُوسهمْ مِنْ شُرْبهَا , أَيْ إِنَّهَا لَذَّة بِلَا أَذًى بِخِلَافِ شَرَاب الدُّنْيَا .|وَلَا يُنْزِفُونَ|تَقَدَّمَ فِي | وَالصَّافَّات | أَيْ لَا يَسْكَرُونَ فَتَذْهَب . عُقُولهمْ . وَقَرَأَ مُجَاهِد : | لَا يُصَدَّعُونَ | بِمَعْنَى لَا يَتَصَدَّعُونَ أَيْ لَا يَتَفَرَّقُونَ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ | [ الرُّوم : 43 ] . وَقَرَأَ أَهْل الْكُوفَة | يَنْزِفُونَ | بِكَسْرِ الزَّاي , أَيْ لَا يَنْفَد شَرَابهمْ وَلَا تَفْنَى خَمْرهمْ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>لَعَمْرِي لَئِنْ أَنَزَفْتُمْ أَوْ صَحَوْتُمْ .......... لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمْ آل أَبْجَرَا <br>وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : فِي الْخَمْر أَرْبَع خِصَال : السُّكْر وَالصُّدَاع وَالْقَيْء وَالْبَوْل , وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى خَمْر الْجَنَّة فَنَزَّهَهَا عَنْ هَذِهِ الْخِصَال .

وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ

أَيْ يَتَخَيَّرُونَ مَا شَاءُوا لِكَثْرَتِهَا . وَقِيلَ : وَفَاكِهَة مُتَخَيَّرَة مُرْضِيَة , وَالتَّخَيُّر الِاخْتِيَار .

وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ

رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْكَوْثَر ؟ قَالَ : ( ذَاكَ نَهَر أَعْطَانِيهِ اللَّه تَعَالَى - يَعْنِي فِي الْجَنَّة - أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل فِيهِ طَيْر أَعْنَاقهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُر ) قَالَ عُمَر : إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكَلَتهَا أَحْسَن مِنْهَا ) قَالَ : حَدِيث حَسَن . وَخَرَّجَهُ الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّة طَيْرًا مِثْل أَعْنَاق الْبُخْت تَصْطَفّ عَلَى يَد وَلِيّ اللَّه فَيَقُول أَحَدهَا يَا وَلِيّ اللَّه رَعَيْت فِي مُرُوج تَحْت الْعَرْش وَشَرِبْت مِنْ عُيُون التَّسْنِيم فَكُلْ مِنِّي فَلَا يَزَلْنَ يَفْتَخِرْنَ بَيْن يَدَيْهِ حَتَّى يَخْطِر عَلَى قَلْبه أَكْل أَحَدهَا فَتَخِرّ بَيْن يَدَيْهِ عَلَى أَلْوَان مُخْتَلِفَة فَيَأْكُل مِنْهَا مَا أَرَادَ فَإِذَا شَبِعَ تَجَمَّعَ عِظَام الطَّائِر فَطَارَ يَرْعَى فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَ ) فَقَالَ عُمَر : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّهَا لَنَاعِمَة . فَقَالَ : ( آكِلهَا أَنْعَم مِنْهَا ) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّة لَطَيْرًا فِي الطَّائِر مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْف رِيشَة فَيَقَع عَلَى صَحْفَة الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة ثُمَّ يَنْتَفِض فَيَخْرُج مِنْ كُلّ رِيشَة لَوْن طَعَام أَبْيَض مِنْ الثَّلْج وَأَبْرَد وَأَلْيَن مِنْ الزُّبْد وَأَعْذَب مِنْ الشَّهْد لَيْسَ فِيهِ لَوْن يُشْبِه صَاحِبه فَيَأْكُل مِنْهُ مَا أَرَادَ ثُمَّ يَذْهَب فَيَطِير ) .

وَحُورٌ عِينٌ

قُرِئَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْب وَالْجَرّ , فَمَنْ جَرَّ وَهُوَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَغَيْرهمَا جَازَ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى | بِأَكْوَابٍ | وَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَنَعَّمُونَ بِأَكْوَابٍ وَفَاكِهَة وَلَحْم وَحُور , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَجَازَ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى | جَنَّات | أَيْ هُمْ فِي | جَنَّات النَّعِيم | وَفِي حُور عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف , كَأَنَّهُ قَالَ : وَفِي مُعَاشَرَة حُور . الْفَرَّاء : الْجَرّ عَلَى الْإِتْبَاع فِي اللَّفْظ وَإِنْ اِخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْحُور لَا يُطَاف بِهِنَّ , قَالَ الشَّاعِر : <br>إِذَا مَا الْغَانِيَات بَرَزْنَ يَوْمًا .......... وَزَجَجْنَ الْحَوَاجِب وَالْعَيُونَا <br>وَالْعَيْن لَا تُزَجَّج وَإِنَّمَا تُكَحَّل . وَقَالَ آخَر : <br>وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى .......... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا <br>وَقَالَ قُطْرُب : هُوَ مَعْطُوف عَلَى الْأَكْوَاب وَالْأَبَارِيق مِنْ غَيْر حَمْل عَلَى الْمَعْنَى . قَالَ : وَلَا يُنْكَر أَنْ يُطَاف عَلَيْهِمْ بِالْحُورِ وَيَكُون لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَذَّة . وَمَنْ نَصَبَ وَهُوَ الْأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ وَالنَّخَعِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر الثَّقَفِيّ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ , فَهُوَ عَلَى تَقْدِير إِضْمَار فِعْل , كَأَنَّهُ قَالَ : وَيُزَوَّجُونَ حُورًا عِينًا . وَالْحَمْل فِي النَّصْب عَلَى الْمَعْنَى أَيْضًا حَسَن , لِأَنَّ مَعْنَى يُطَاف عَلَيْهِمْ بِهِ يُعْطُونَهُ . وَمَنْ رَفَعَ وَهُمْ الْجُمْهُور - وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم - فَعَلَى مَعْنَى وَعِنْدهمْ حُور عِين , لِأَنَّهُ لَا يُطَاف عَلَيْهِمْ بِالْحُورِ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَمَنْ قَالَ : | وَحُور عِين | بِالرَّفْعِ وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ لَا يُطَاف بِهِنَّ يَلْزَمهُ ذَلِكَ فِي فَاكِهَة وَلَحْم , لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُطَاف بِهِ وَلَيْسَ يُطَاف إِلَّا بِالْخَمْرِ وَحْدهَا . وَقَالَ الْأَخْفَش : يَجُوز أَنْ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى لَهُمْ أَكْوَاب وَلَهُمْ حُور عِين . وَجَازَ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى | ثُلَّة | و | ثُلَّة | اِبْتِدَاء وَخَبَره | عَلَى سُرَر مَوْضُونَة | وَكَذَلِكَ | وَحُور عِين | وَابْتَدَأَ بِالنَّكِرَةِ لِتَخْصِيصِهَا بِالصِّفَةِ .

كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ

أَيْ مِثْل أَمْثَال | اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون | أَيْ الَّذِي لَمْ تَمَسّهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَقَع عَلَيْهِ الْغُبَار فَهُوَ أَشَدّ مَا يَكُون صَفَاء وَتَلَأْلُؤًا , أَيْ هُنَّ فِي تَشَاكُل أَجْسَادهنَّ فِي الْحُسْن مِنْ جَمِيع جَوَانِبهنَّ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>كَأَنَّمَا خُلِقَتْ فِي قِشْر لُؤْلُؤَة .......... فَكُلّ أَكْنَافهَا وَجْه لِمِرْصَادِ<br>

جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

أَيْ ثَوَابًا وَنَصَبَهُ عَلَى الْمَفْعُول لَهُ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى الْمَصْدَر , لِأَنَّ مَعْنَى | يَطُوف عَلَيْهِمْ وِلْدَان مُخَلَّدُونَ | يُجَازُونَ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْحُور الْعِين فِي | وَالطُّور | وَغَيْرهَا . وَقَالَ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَلَقَ اللَّه الْحُور الْعِين مِنْ الزَّعْفَرَان ) وَقَالَ خَالِد بْن الْوَلِيد : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَيَمْسِك التُّفَّاحَة مِنْ تُفَّاح الْجَنَّة فَتَنْفَلِق فِي يَده فَتَخْرُج مِنْهَا حَوْرَاء لَوْ نَظَرَتْ لِلشَّمْسِ لَأَخْجَلَتْ الشَّمْس مِنْ حُسْنهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ التُّفَّاحَة ) فَقَالَ لَهُ رَجُل : يَا أَبَا سُلَيْمَان إِنَّ هَذَا لَعَجَب وَلَا يَنْقُص مِنْ التُّفَّاحَة ؟ قَالَ : نَعَمْ كَالسِّرَاجِ الَّذِي يُوقَد مِنْهُ سِرَاج آخَر وَسُرُج وَلَا يَنْقُص , وَاَللَّه عَلَى مَا يَشَاء قَدِير . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : خَلَقَ اللَّه الْحُور الْعِين مِنْ أَصَابِع رِجْلَيْهَا إِلَى رُكْبَتَيْهَا مِنْ الزَّعْفَرَان , وَمِنْ رُكْبَتَيْهَا إِلَى ثَدْيَيْهَا مِنْ الْمِسْك الْأَذْفَر , وَمِنْ ثَدْيَيْهَا إِلَى عُنُقهَا مِنْ الْعَنْبَر الْأَشْهَب , وَمِنْ عُنُقهَا إِلَى رَأْسهَا مِنْ الْكَافُور الْأَبْيَض , عَلَيْهَا سَبْعُونَ أَلْف حُلَّة مِثْل شَقَائِق النُّعْمَان , إِذَا أَقْبَلَتْ يَتَلَأْلَأ وَجْههَا نُورًا سَاطِعًا كَمَا تَتَلَأْلَأ الشَّمْس لِأَهْلِ الدُّنْيَا , وَإِذَا أَدْبَرَتْ يُرَى كَبِدهَا مِنْ رِقَّة ثِيَابهَا وَجِلْدهَا , فِي رَأْسهَا سَبْعُونَ أَلْف ذُؤَابَة مِنْ الْمِسْك الْأَذْفَر , لِكُلِّ ذُؤَابَة مِنْهَا وَصِيفَة تَرْفَع ذَيْلهَا وَهِيَ تُنَادِي : هَذَا ثَوَاب الْأَوْلِيَاء | جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ | [ السَّجْدَة : 17 ] .

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا

قَالَ اِبْن عَبَّاس : بَاطِلًا وَلَا كَذِبًا . وَاللَّغْو مَا يُلْغَى مِنْ الْكَلَام , وَالتَّأْثِيم مَصْدَر أَثَّمْته أَيْ قُلْت لَهُ أَثِمْت . مُحَمَّد بْن كَعْب : | وَلَا تَأْثِيمًا | أَيْ لَا يُؤَثِّم بَعْضهمْ بَعْضًا . مُجَاهِد : | لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا | شَتْمًا وَلَا مَأْثَمًا .

إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا

| قِيلًا | مَنْصُوب ب | يَسْمَعُونَ | أَوْ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ لَكِنْ يَقُولُونَ قِيلًا أَوْ يَسْمَعُونَ . و | سَلَامًا سَلَامًا | مَنْصُوبَانِ بِالْقَوْلِ , أَيْ إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْخَيْر . أَوْ عَلَى الْمَصْدَر أَيْ إِلَّا أَنْ يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ سَلَامًا . أَوْ يَكُون وَصْفًا ل | قِيلًا | , وَالسَّلَام الثَّانِي بَدَل مِنْ الْأَوَّل , وَالْمَعْنَى إِلَّا قِيلًا يَسْلَم فِيهِ مِنْ اللَّغْو . وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى تَقْدِير سَلَام عَلَيْكُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ يُحَيِّي بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : تُحَيِّيهِمْ الْمَلَائِكَة أَوْ يُحَيِّيهِمْ رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ .

وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ

رَجَعَ إِلَى ذِكْر مَنَازِل أَصْحَاب الْمَيْمَنَة وَهُمْ السَّابِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَالتَّكْرِير لِتَعْظِيمِ شَأْن النَّعِيم الَّذِي هُمْ فِيهِ .<BR> رَجَعَ إِلَى ذِكْر مَنَازِل أَصْحَاب الْمَيْمَنَة وَهُمْ السَّابِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَالتَّكْرِير لِتَعْظِيمِ شَأْن النَّعِيم الَّذِي هُمْ فِيهِ .'

فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ

أَيْ فِي نَبْقَ قَدْ خُضِّدَ شَوْكه أَيْ قُطِعَ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : حَدَّثَنَا صَفْوَان عَنْ سُلَيْم بْن عَامِر قَالَ : كَانَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إِنَّهُ لَيَنْفَعنَا الْأَعْرَاب وَمَسَائِلهمْ , قَالَ : أَقْبَلَ أَعْرَابِيّ يَوْمًا , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن شَجَرَة مُؤْذِيَة , وَمَا كُنْت أَرَى فِي الْجَنَّة شَجَرَة تُؤْذِي صَاحِبهَا ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَا هِيَ ) قَالَ : السِّدْر فَإِنَّ لَهُ شَوْكًا مُؤْذِيًا , فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوَلَيْسَ يَقُول | فِي سِدْر مَخْضُود | خَضَّدَ اللَّه شَوْكه فَجَعَلَ مَكَان كُلّ شَوْكَة ثَمَرَة فَإِنَّهَا تُنْبِت ثَمَرًا يَفْتُق الثَّمَر مِنْهَا عَنْ اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ الطَّعَام مَا فِيهِ لَوْن يُشْبِه الْآخَر ) . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى وَجّ ( وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ مُخَصَّب ) فَأَعْجَبَهُمْ سِدْره , فَقَالُوا : يَا لَيْتَ لَنَا مِثْل هَذَا , فَنَزَلَتْ . قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت يَصِف الْجَنَّة : <br>إِنَّ الْحَدَائِق فِي الْجِنَان ظَلِيلَة .......... فِيهَا الْكَوَاعِب سِدْرهَا مَخْضُود <br>وَقَالَ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : | فِي سِدْر مَخْضُود | وَهُوَ الْمُوقِر حَمْلًا . وَهُوَ قَرِيب مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْخَبَر . سَعِيد بْن جُبَيْر : ثَمَرهَا أَعْظَم مِنْ الْقِلَال . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة | النَّجْم | عِنْد قَوْله تَعَالَى : | عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى | [ النَّجْم : 14 ] وَأَنَّ ثَمَرهَا مِثْل قِلَال هَجَر مِنْ حَدِيث أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ

الطَّلْح شَجَر الْمَوْز وَاحِده طَلْحَة . قَالَهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمْ . وَقَالَ الْحَسَن : لَيْسَ هُوَ مَوْز وَلَكِنَّهُ شَجَر لَهُ ظِلّ بَارِد رُطَب . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة : شَجَر عِظَام لَهُ شَوْك , قَالَ بَعْض الْحُدَاة وَهُوَ الْجَعْدِيّ : <br>بَشَّرَهَا دَلِيلهَا وَقَالَا .......... غَدًا تَرَيْنَ الطَّلْح وَالْأَحْبَالَا <br>فَالطَّلْح كُلّ شَجَر عَظِيم كَثِير الشَّوْك . الزَّجَّاج : يَجُوز أَنْ يَكُون فِي الْجَنَّة وَقَدْ أُزِيلَ شَوْكه . وَقَالَ الزَّجَّاج أَيْضًا : كَشَجَرِ أُمّ غَيْلَان لَهُ نُور طَيِّب جِدًّا فَخُوطِبُوا وَوُعِدُوا بِمَا يُحِبُّونَ مِثْله , إِلَّا أَنَّ فَضْله عَلَى مَا فِي الدُّنْيَا كَفَضْلِ سَائِر مَا فِي الْجَنَّة عَلَى مَا فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : طَلْح الْجَنَّة يُشْبِه طَلْح الدُّنْيَا لَكِنْ لَهُ ثَمَر أَحْلَى مِنْ الْعَسَل . وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : | وَطَلْع مَنْضُود | بِالْعَيْنِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة | وَنَخْل طَلْعهَا هَضِيم | [ الشُّعَرَاء : 148 ] وَهُوَ خِلَاف الْمُصْحَف . فِي رِوَايَة أَنَّهُ قُرِئَ بَيْن يَدَيْهِ | وَطَلْح مَنْضُود | فَقَالَ : مَا شَأْن الطَّلْح ؟ إِنَّمَا هُوَ | وَطَلْع مَنْضُود | ثُمَّ قَالَ : | لَهَا طَلْع نَضِيد | [ ق : 10 ] فَقِيلَ لَهُ : أَفَلَا نُحَوِّلهَا ؟ فَقَالَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهَاج الْقُرْآن وَلَا يُحَوَّل . فَقَدْ اِخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَة وَلَمْ يَرَ إِثْبَاتهَا فِي الْمُصْحَف لِمُخَالَفَةِ مَا رَسْمه مُجْمَع عَلَيْهِ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ . وَأَسْنَدَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يُونُس عَنْ مُجَالِد عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد قَالَ : قَرَأْت عِنْد عَلِيّ أَوْ قُرِئْت عِنْد عَلِيّ - شَكَّ مُجَالِد - | وَطَلْح مَنْضُود | فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا بَال الطَّلْح ؟ أَمَا تَقْرَأ | وَطَلْع | ثُمَّ قَالَ : | لَهَا طَلْع نَضِيد | [ ق : 10 ] فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَنَحُكُّهَا مِنْ الْمُصْحَف ؟ فَقَالَ : لَا لَا يُهَاج الْقُرْآن الْيَوْم . قَالَ أَبُو بَكْر : وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَا فِي الْمُصْحَف وَعَلِمَ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَاب , وَأَبْطَلَ الَّذِي كَانَ فَرَّطَ مِنْ قَوْله . وَالْمَنْضُود الْمُتَرَاكِب الَّذِي قَدْ نُضِّدَ أَوَّله وَآخِره بِالْحَمْلِ , لَيْسَتْ لَهُ سُوق بَارِزَة بَلْ هُوَ مَرْصُوص , وَالنَّضْد هُوَ الرَّصّ وَالْمُنَضَّد الْمَرْصُوص , قَالَ النَّابِغَة : <br>خَلَّتْ سَبِيل أَتِيّ كَانَ يَحْبِسهُ .......... وَرَفَّعَتْهُ إِلَى السِّجْفَيْنِ فَالنَّضَد <br>وَقَالَ مَسْرُوق : أَشْجَار الْجَنَّة مِنْ عُرُوقهَا إِلَى أَفْنَانهَا نَضِيدَة ثَمَر كُلّه , كُلَّمَا أَكَلَ ثَمَرَة عَادَ مَكَانهَا أَحْسَن مِنْهَا .

وَظِلٍّ مَمْدُودٍ

أَيْ دَائِم بَاقٍ لَا يَزُول وَلَا تَنْسَخهُ الشَّمْس , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدّ الظِّلّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا | [ الْفُرْقَان : 45 ] وَذَلِكَ بِالْغَدَاةِ وَهِيَ مَا بَيْن الْإِسْفَار إِلَى طُلُوع الشَّمْس حَسَب مَا تَقَدَّمَ بَيَانه هُنَاكَ . وَالْجَنَّة كُلّهَا ظِلّ لَا شَمْس مَعَهُ . قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : يَعْنِي ظِلّ الْعَرْش . وَقَالَ عَمْرو بْن مَيْمُون : مَسِيرَة سَبْعِينَ أَلْف سَنَة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : تَقُول الْعَرَب لِلدَّهْرِ الطَّوِيل وَالْعُمْر الطَّوِيل وَالشَّيْء الَّذِي لَا يَنْقَطِع مَمْدُود , وَقَالَ لَبِيد : <br>غَلَبَ الْعَزَاء وَكُنْت غَيْر مُغَلَّب .......... دَهْر طَوِيل دَائِم مَمْدُود <br>وَفِي صَحِيح التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَفِي الْجَنَّة شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا مِائَة عَام لَا يَقْطَعهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ | وَظِلّ مَمْدُود | .

وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ

أَيْ جَارٍ لَا يَنْقَطِع وَأَصْل السَّكْب الصَّبّ , يُقَال : سَكَبَهُ سَكْبًا , وَالسُّكُوب اِنْصِبَابه . يُقَال : سَكَبَ سُكُوبًا , وَانْسَكَبَ اِنْسِكَابًا , أَيْ وَمَاء مَصْبُوب يَجْرِي اللَّيْل وَالنَّهَار فِي غَيْر أُخْدُود لَا يَنْقَطِع عَنْهُمْ . وَكَانَتْ الْعَرَب أَصْحَاب بَادِيَة وَبِلَاد حَارَّة , وَكَانَتْ الْأَنْهَار فِي بِلَادهمْ عَزِيزَة لَا يَصِلُونَ إِلَى الْمَاء إِلَّا بِالدَّلْوِ وَالرِّشَاء فَوُعِدُوا فِي الْجَنَّة خِلَاف ذَلِكَ , وَوُصِفَ لَهُمْ أَسْبَاب النُّزْهَة الْمَعْرُوفَة فِي الدُّنْيَا , وَهِيَ الْأَشْجَار وَظِلَالهَا وَالْمِيَاه وَالْأَنْهَار وَاطِّرَادهَا .

وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ

أَيْ لَيْسَتْ بِالْقَلِيلَةِ الْعَزِيزَة كَمَا كَانَتْ فِي بِلَادهمْ

لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ

أَيْ فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات كَانْقِطَاعِ فَوَاكِه الصَّيْف فِي الشِّتَاء | وَلَا مَمْنُوعَة | أَيْ لَا يُحْظَر عَلَيْهَا كَثِمَارِ الدُّنْيَا . وَقِيلَ : | وَلَا مَمْنُوعَة | أَيْ لَا يُمْنَع مَنْ أَرَادَهَا بِشَوْكٍ وَلَا بُعْد وَلَا حَائِط , بَلْ إِذَا اشْتَهَاهَا الْعَبْد دَنَتْ مِنْهُ حَتَّى يَأْخُذهَا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَذُلِّلَتْ قُطُوفهَا تَذْلِيلًا | [ الْإِنْسَان : 14 ] . وَقِيلَ : لَيْسَتْ مَقْطُوعَة بِالْأَزْمَانِ , وَلَا مَمْنُوعَة بِالْأَثْمَانِ . وَاَللَّه أَعْلَم .

وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ

رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : | وَفُرُش مَرْفُوعَة | قَالَ : ( اِرْتِفَاعهَا لَكُمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة ) قَالَ : حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث رِشْدِين بْن سَعْد . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم فِي تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث : الْفُرُش فِي الدَّرَجَات , وَمَا بَيْن الدَّرَجَات كَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَقِيلَ : إِنَّ الْفُرُش هُنَا كِنَايَة عَنْ النِّسَاء اللَّوَاتِي فِي الْجَنَّة وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهُنَّ ذِكْر , وَلَكِنَّ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : | وَفُرُش مَرْفُوعَة | دَالّ , لِأَنَّهَا مَحَلّ النِّسَاء , فَالْمَعْنَى وَنِسَاء مُرْتَفِعَات الْأَقْدَار فِي حُسْنهنَّ وَكَمَالهنَّ , دَلِيله قَوْله تَعَالَى :

إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً

أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ خَلْقًا وَأَبْدَعْنَاهُنَّ إِبْدَاعًا . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْمَرْأَة فِرَاشًا وَلِبَاسًا وَإِزَارًا , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : | هُنَّ لِبَاس لَكُمْ | . ثُمَّ قِيلَ : عَلَى هَذَا هُنَّ الْحُور الْعِين , أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ مِنْ غَيْر وِلَادَة . وَقِيلَ : الْمُرَاد نِسَاء بَنِي آدَم , أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ خَلْقًا جَدِيدًا وَهُوَ الْإِعَادَة , أَيْ أَعَدْنَاهُنَّ إِلَى حَال الشَّبَاب وَكَمَال الْجَمَال . وَالْمَعْنَى أَنْشَأْنَا الْعَجُوز وَالصَّبِيَّة إِنْشَاء وَاحِدًا , وَأُضْمِرْنَ وَلَمْ يَتَقَدَّم ذِكْرهنَّ , لِأَنَّهُنَّ قَدْ دَخَلْنَ فِي أَصْحَاب الْيَمِين , وَلِأَنَّ الْفُرُش كِنَايَة عَنْ النِّسَاء كَمَا تَقَدَّمَ . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : | إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء | قَالَ : ( مِنْهُنَّ الْبِكْر وَالثَّيِّب ) . وَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : | إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا | فَقَالَ ( يَا أُمّ سَلَمَة هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي الدُّنْيَا عَجَائِز شُمْطًا عُمْشًا رُمْصًا جَعَلَهُنَّ اللَّه بَعْد الْكِبَر أَتْرَابًا عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء | أَسْنَدَهُ النَّحَّاس عَنْ أَنَس قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَفَعَهُ | إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء | قَالَ ( هُنَّ الْعَجَائِز الْعُمْش الرُّمْص كُنَّ فِي الدُّنْيَا عُمْشًا رُمْصًا )

فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا

وَقَالَ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله | إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء | الْآيَة قَالَ : ( هُنَّ عَجَائِز الدُّنْيَا أَنْشَأَهُنَّ اللَّه خَلْقًا جَدِيدًا كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجهنَّ وَجَدُوهُنَّ أَبْكَارًا ) فَلَمَّا سَمِعَتْ عَائِشَة ذَلِكَ قَالَتْ : وَاوَجَعَاه ! فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ هُنَاكَ وَجَع ) .

عُرُبًا أَتْرَابًا

فَقَالَ : ( يَا أُمّ سَلَمَة هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي الدُّنْيَا عَجَائِز شُمْطًا عُمْشًا رُمْصًا جَعَلَهُنَّ اللَّه بَعْد الْكِبَر أَتْرَابًا عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء ) أَسْنَدَهُ النَّحَّاس عَنْ أَنَس قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَفَعَهُ | إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء | قَالَ ( هُنَّ الْعَجَائِز الْعُمْش الرُّمْص كُنَّ فِي الدُّنْيَا عُمْشًا رُمْصًا ) . وَقَالَ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله | إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء | الْآيَة قَالَ : ( هُنَّ عَجَائِز الدُّنْيَا أَنْشَأَهُنَّ اللَّه خَلْقًا جَدِيدًا كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجهنَّ وَجَدُوهُنَّ أَبْكَارًا ) فَلَمَّا سَمِعَتْ عَائِشَة ذَلِكَ قَالَتْ : وَاوَجَعَاه ! فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ هُنَاكَ وَجَع ) . | عُرُبًا | جَمْع عَرُوب . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : الْعُرُب الْعَوَاشِق لِأَزْوَاجِهِنَّ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : إِنَّهَا الْعَرُوب الْمَلِقَة . عِكْرِمَة : الْغَنِجَة . اِبْن زَيْد : بِلُغَةِ أَهْل الْمَدِينَة . وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد : <br>وَفِي الْخِبَاء عَرُوب غَيْر فَاحِشَة .......... رَيًّا الرَّوَادِف يَعْشَى دُونهَا الْبَصَر <br>وَهِيَ الشَّكِلَة بِلُغَةِ أَهْل مَكَّة . وَعَنْ زَيْد بْن أَسْلَم أَيْضًا : الْحَسَنَة الْكَلَام . وَعَنْ عِكْرِمَة أَيْضًا وَقَتَادَة : الْعُرُب الْمُتَحَبِّبَات إِلَى أَزْوَاجهنَّ , وَاشْتِقَاقه مِنْ أَعْرَبَ إِذَا بَيَّنَ , فَالْعَرُوب تُبَيِّن مَحَبَّتهَا لِزَوْجِهَا بِشَكْلٍ وَغُنْج وَحُسْن كَلَام . وَقِيلَ : إِنَّهَا الْحَسَنَة التَّبَعُّل لِتَكُونَ أَلَذّ اِسْتِمْتَاعًا . وَرَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | عُرُبًا | قَالَ : ( كَلَامهنَّ عَرَبِيّ ) . وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم | عُرْبًا | بِإِسْكَانِ الرَّاء . وَضَمَّ الْبَاقُونَ وَهُمَا جَائِزَانِ فِي جَمْع فَعُول . | أَتْرَابًا | عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء وَسِنّ وَاحِدَة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة . يُقَال فِي النِّسَاء أَتْرَاب وَفِي الرِّجَال أَقْرَان . وَكَانَتْ الْعَرَب تَمِيل إِلَى مَنْ جَاوَزَتْ حَدّ الصِّبَا مِنْ النِّسَاء وَانْحَطَّتْ عَنْ الْكِبَر . وَقِيلَ : | أَتْرَابًا | أَمْثَالًا وَأَشْكَالًا , قَالَهُ مُجَاهِد . السُّدِّيّ : أَتْرَاب فِي الْأَخْلَاق لَا تَبَاغُض بَيْنهنَّ وَلَا تَحَاسُد .

لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ

قِيلَ : الْحُور الْعِين لِلسَّابِقِينَ , وَالْأَتْرَاب الْعُرُب لِأَصْحَابِ الْيَمِين . | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ | رَجَعَ الْكَلَام إِلَى قَوْله تَعَالَى : | وَأَصْحَاب الْيَمِين مَا أَصْحَاب الْيَمِين | أَيْ هُمْ | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ | وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي مَعْنَاهُ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمُجَاهِد وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالضَّحَّاك :

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ

يَعْنِي مِنْ سَابِقِي هَذِهِ الْأُمَّة

وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ

مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ آخِرهَا , يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة | ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ . وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ | فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي ) . وَقَالَ الْوَاحِدِيّ : أَصْحَاب الْجَنَّة نِصْفَانِ مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة وَنِصْف مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة . وَهَذَا يَرُدّهُ مَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه عَنْ بُرَيْدَة بْن خَصِيب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَهْل الْجَنَّة عِشْرُونَ وَمِائَة صَفّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِر الْأُمَم ) . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن . و | ثُلَّة | رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاء , أَوْ عَلَى حَذْف خَبَر حَرْف الصِّفَة , وَمَجَازه : لِأَصْحَابِ الْيَمِين ثُلَّتَانِ : ثُلَّة مِنْ هَؤُلَاءِ وَثُلَّة مِنْ هَؤُلَاءِ . وَالْأَوَّلُونَ الْأُمَم الْمَاضِيَة , وَالْآخِرُونَ هَذِهِ الْأُمَّة عَلَى الْقَوْل الثَّانِي .

وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ

ذَكَرَ مَنَازِل أَهْل النَّار وَسَمَّاهُمْ أَصْحَاب الشِّمَال , لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ كُتُبهمْ بِشَمَائِلِهِمْ , ثُمَّ عَظَّمَ ذِكْرهمْ فِي الْبَلَاء وَالْعَذَاب فَقَالَ : | مَا أَصْحَاب الشِّمَال .

فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ

وَالسَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة الَّتِي تَدْخُل فِي مَسَامّ الْبَدَن . وَالْمُرَاد هُنَا حَرّ النَّار وَلَفْحهَا .|وَحَمِيمٍ|أَيْ مَاء حَارّ قَدْ اِنْتَهَى حَرّه , إِذَا أَحْرَقَتْ النَّار أَكْبَادهمْ وَأَجْسَادهمْ فَزِعُوا إِلَى الْحَمِيم , كَاَلَّذِي يَفْزَع مِنْ النَّار إِلَى الْمَاء لِيُطْفِئ بِهِ الْحَرّ فَيَجِدهُ حَمِيمًا حَارًّا فِي نِهَايَة الْحَرَارَة وَالْغَلَيَان . وَقَدْ مَضَى فِي | مُحَمَّد | | وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ | [ مُحَمَّد : 15 ] .

وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ

أَيْ يَفْزَعُونَ مِنْ السَّمُوم إِلَى الظِّلّ كَمَا يَفْزَع أَهْل الدُّنْيَا فَيَجِدُونَهُ ظِلًّا مِنْ يَحْمُوم , أَيْ مِنْ دُخَان جَهَنَّم أَسْوَد شَدِيد السَّوَاد . عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا . وَكَذَلِكَ الْيَحْمُوم فِي اللُّغَة : الشَّدِيد السَّوَاد وَهُوَ يَفْعُول مِنْ الْحَمّ وَهُوَ الشَّحْم الْمُسْوَدّ بِاحْتِرَاقِ النَّار . وَقِيلَ : هُوَ الْمَأْخُوذ مِنْ الْحُمَم وَهُوَ الْفَحْم . وَقَالَ الضَّحَّاك : النَّار سَوْدَاء وَأَهْلهَا سُود وَكُلّ مَا فِيهَا أَسْوَد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : النَّار سَوْدَاء . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْيَحْمُوم جَبَل فِي جَهَنَّم يَسْتَغِيث إِلَى ظِلّه أَهْل النَّار .</p><p>وَقِيلَ : | وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم | أَيْ مِنْ النَّار يُعَذَّبُونَ بِهَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | لَهُمْ مِنْ فَوْقهمْ ظُلَل مِنْ النَّار وَمِنْ تَحْتهمْ ظُلَل | [ الزُّمَر : 16 ] .

لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ

بَلْ حَارّ لِأَنَّهُ مِنْ دُخَان شَفِير جَهَنَّم .|وَلَا كَرِيمٍ|عَذْب , عَنْ الضَّحَّاك . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : وَلَا حَسُنَ مَنْظَره , وَكُلّ مَا لَا خَيْر فِيهِ فَلَيْسَ بِكَرِيمٍ .

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ

أَيْ إِنَّمَا اِسْتَحَقُّوا هَذِهِ الْعُقُوبَة لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُتَنَعِّمِينَ بِالْحَرَامِ . وَالْمُتْرَف الْمُنَعَّم , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَالَ السُّدِّيّ : | مُتْرَفِينَ | أَيْ مُشْرِكِينَ .

وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ

أَيْ يُقِيمُونَ عَلَى الشِّرْك , عَنْ الْحَسَن وَالضَّحَّاك وَابْن زَيْد . وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد : الذَّنْب الْعَظِيم الَّذِي لَا يَتُوبُونَ مِنْهُ . الشَّعْبِيّ : هُوَ الْيَمِين الْغَمُوس وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِر , يُقَال : حَنِثَ فِي يَمِينه أَيْ لَمْ يَبَرّهَا وَرَجَعَ فِيهَا . وَكَانُوا يُقْسِمُونَ أَنْ لَا بَعْث , وَأَنَّ الْأَصْنَام أَنْدَاد اللَّه فَذَلِكَ حِنْثهمْ , قَالَ اللَّه تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ : | وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَا يَبْعَث اللَّه مَنْ يَمُوت | [ النَّحْل : 38 ] وَفِي الْخَبَر : كَانَ يَتَحَنَّث فِي حِرَاء , أَيْ يَفْعَل مَا يُسْقِط عَنْ نَفْسه الْحِنْث وَهُوَ الذَّنْب .

وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ

هَذَا اِسْتِبْعَاد مِنْهُمْ لِأَمْرِ الْبَعْث وَتَكْذِيب لَهُ .

أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ

قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ

لَهُمْ يَا مُحَمَّد|إِنَّ الْأَوَّلِينَ|مِنْ آبَائِكُمْ|وَالْآخِرِينَ|مِنْكُمْ

لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة . وَمَعْنَى الْكَلَام الْقَسَم وَدُخُول اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى : | لَمَجْمُوعُونَ | هُوَ دَلِيل الْقَسَم فِي الْمَعْنَى , أَيْ إِنَّكُمْ لَمَجْمُوعُونَ قَسَمًا حَقًّا خِلَاف قَسَمكُمْ الْبَاطِل

ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ

عَنْ الْهُدَى|الْمُكَذِّبُونَ|بِالْبَعْثِ

لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ

وَهُوَ شَجَر كَرِيه الْمَنْظَر , كَرِيه الطَّعْم , وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي سُورَة | وَالصَّافَّات | .

فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ

أَيْ مِنْ الشَّجَرَة , لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ الشَّجَر شَجَرَة . وَيَجُوز أَنْ تَكُون | مِنْ | الْأُولَى زَائِدَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَفْعُول مَحْذُوفًا كَأَنَّهُ قَالَ : | لَآكِلُونَ مِنْ شَجَر مِنْ زَقُّوم | طَعَامًا . وَقَوْله : | مِنْ زَقُّوم | صِفَة لِشَجَرٍ , وَالصِّفَة إِذَا قَدَّرْت الْجَار زَائِدًا نُصِبَتْ عَلَى الْمَعْنَى , أَوْ جَرَرْت عَلَى اللَّفْظ , فَإِنْ قَدَّرْت الْمَفْعُول مَحْذُوفًا لَمْ تَكُنْ الصِّفَة إِلَّا فِي مَوْضِع جَرّ .

فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ

أَيْ عَلَى الزَّقُّوم أَوْ عَلَى الْأَكْل أَوْ عَلَى الشَّجَر , لِأَنَّهُ يُذَكَّر وَيُؤَنَّث .|مِنَ الْحَمِيمِ|وَهُوَ الْمَاء الْمَغْلِيّ الَّذِي قَدْ اِشْتَدَّ غَلَيَانه وَهُوَ صَدِيد أَهْل النَّار . أَيْ يُوَرِّثهُمْ حَرّ مَا يَأْكُلُونَ مِنْ الزَّقُّوم مَعَ الْجُوع الشَّدِيد عَطَشًا فَيَشْرَبُونَ مَاء يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُزِيل الْعَطَش فَيَجِدُونَهُ حَمِيمًا مُغْلًى .

فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ

قِرَاءَة نَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة | شُرْب | بِضَمِّ الشِّين . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ , تَقُول الْعَرَب : شَرِبْت شُرْبًا وَشَرْبًا وَشِرْبًا وَشُرُبًا بِضَمَّتَيْنِ . قَالَ أَبُو زَيْد : سَمِعْت الْعَرَب تَقُول بِضَمِّ الشِّين وَفَتْحهَا وَكَسْرهَا , وَالْفَتْح هُوَ الْمَصْدَر الصَّحِيح , لِأَنَّ كُلّ مَصْدَر مِنْ ذَوَات الثَّلَاثَة فَأَصْله فَعْل , أَلَا تَرَى أَنَّك تَرُدّهُ إِلَى الْمَرَّة الْوَاحِدَة , فَتَقُول : فَعْلَة نَحْو شَرْبَة وَبِالضَّمِّ الِاسْم . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَفْتُوح وَالِاسْم مَصْدَرَانِ , فَالشُّرْب كَالْأَكْلِ , وَالشُّرْب كَالذُّكْرِ , وَالشِّرْب بِالْكَسْرِ الْمَشْرُوب كَالطَّحْنِ الْمَطْحُون . وَالْهِيم الْإِبِل الْعِطَاش الَّتِي لَا تُرْوَى لِدَاءٍ يُصِيبهَا , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ , وَقَالَ عِكْرِمَة أَيْضًا : هِيَ الْإِبِل الْمِرَاض . الضَّحَّاك : الْهِيم الْإِبِل يُصِيبهَا دَاء تَعْطَش مِنْهُ عَطَشًا شَدِيدًا , وَاحِدهَا أَهْيَم وَالْأُنْثَى هَيْمَاء . وَيُقَال لِذَلِكَ الدَّاء الْهُيَام , قَالَ قَيْس بْن الْمُلَوَّح : <br>يُقَال بِهِ دَاء الْهُيَام أَصَابَهُ .......... وَقَدْ عَلِمْت نَفْسِي مَكَان شِفَائِهَا <br>وَقَوْم هِيم أَيْضًا أَيْ عِطَاش , وَقَدْ هَامُوا هُيَامًا . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول فِي الْإِبِل : هَائِم وَهَائِمَة وَالْجَمْع هِيم , قَالَ لَبِيد : <br>أَجَزْت إِلَى مَعَارِفهَا بِشُعْثِ .......... وَأَطْلَاح مِنْ الْعِيدِيّ هِيم <br>وَقَالَ الضَّحَّاك وَالْأَخْفَش وَابْن عُيَيْنَة وَابْن كَيْسَان : الْهِيم الْأَرْض السَّهْلَة ذَات الرَّمَل . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس : فَيَشْرَبُونَ شُرْب الرِّمَال الَّتِي لَا تُرْوَى بِالْمَاءِ . الْمَهْدَوِيّ : وَيُقَال لِكُلِّ مَا لَا يُرْوَى مِنْ الْإِبِل وَالرَّمَل أَهِيم وَهَيْمَاء . وَفِي الصِّحَاح : وَالْهُيَام بِالضَّمِّ أَشَدّ الْعَطَش . وَالْهُيَام كَالْجُنُونِ مِنْ الْعِشْق . وَالْهُيَام دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فَتَهِيم فِي الْأَرْض لَا تَرْعَى . يُقَال : نَاقَة هَيْمَاء . وَالْهَيْمَاء أَيْضًا الْمَفَازَة لَا مَاء بِهَا . وَالْهَيَام بِالْفَتْحِ : الرَّمْل الَّذِي لَا يَتَمَاسَك أَنْ يَسِيل مِنْ الْيَد لِلِينِهِ وَالْجَمْع هِيم مِثْل قَذَال وَقُذُل . وَالْهِيَام بِالْكَسْرِ الْإِبِل الْعِطَاش الْوَاحِد هَيْمَان , وَنَاقَة هَيْمَاء مِثْل عَطْشَان وَعَطْشَى .

هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ

أَيْ رِزْقهمْ الَّذِي يُعَدّ لَهُمْ , كَالنُّزُلِ الَّذِي يُعَدّ لِلْأَضْيَافِ تَكْرِمَة لَهُمْ , وَفِيهِ تَهَكُّم , كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : | فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم | [ آل عِمْرَان : 21 ] وَكَقَوْلِ أَبِي السَّعْد الضَّبِّيّ : <br>وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّار بِالْجَيْشِ ضَافَنَا .......... جَعَلْنَا اِلْقَنَا وَالْمُرْهَفَات لَهُ نُزُلَا <br>وَقَرَأَ يُونُس بْن حَبِيب وَعَبَّاس عَنْ أَبِي عَمْرو | هَذَا نُزْلُهُمْ | بِإِسْكَانِ الزَّاي , وَقَدْ مَضَى فِي آخِر | آل عِمْرَان | الْقَوْل فِيهِ . | يَوْم الدِّين | يَوْم الْجَزَاء , يَعْنِي فِي جَهَنَّم

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ

أَيْ فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ ؟ لِأَنَّ الْإِعَادَة كَالِابْتِدَاءِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى نَحْنُ خَلَقْنَا رِزْقكُمْ فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ أَنَّ هَذَا طَعَامكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا ؟

أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ

أَيْ مَا تَصُبُّونَهُ مِنْ الْمَنِيّ فِي أَرْحَام النِّسَاء .

أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ

أَيْ تُصَوِّرُونَ مِنْهُ الْإِنْسَان|أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ|الْمُقَدِّرُونَ الْمُصَوِّرُونَ . وَهَذَا اِحْتِجَاج عَلَيْهِمْ وَبَيَان لِلْآيَةِ الْأُولَى , أَيْ إِذَا أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّا خَالِقُوهُ لَا غَيْرنَا فَاعْتَرِفُوا بِالْبَعْثِ . وَقَرَأَ أَبُو السِّمَال وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع وَأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ : | تَمْنُونَ | بِفَتْحِ التَّاء وَهُمَا لُغَتَانِ أَمْنَى وَمَنَى , وَأَمْذَى وَمَذَى يُمْنِي وَيَمْنِي وَيُمْذِي وَيَمْذِي . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَخْتَلِف مَعْنَاهَا عِنْدِي , فَيَكُون أَمْنَى إِذَا أَنْزَلَ عَنْ جِمَاع , وَمَنَى إِذَا أَنْزَلَ عَنْ الِاحْتِلَام . وَفِي تَسْمِيَة الْمَنِيّ مَنِيًّا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا لِإِمْنَائِهِ وَهُوَ إِرَاقَته . الثَّانِي لِتَقْدِيرِهِ , وَمِنْهُ الْمَنَا الَّذِي يُوزَن بِهِ لِأَنَّهُ مِقْدَار لِذَلِكَ , وَكَذَلِكَ الْمَنِيّ مِقْدَار صَحِيح لِتَصْوِيرِ الْخِلْقَة .

نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ

احْتِجَاج أَيْضًا , أَيْ الَّذِي يَقْدِر عَلَى الْإِمَاتَة يَقْدِر عَلَى الْخَلْق , وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْخَلْق قَدَرَ عَلَى الْبَعْث . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَحُمَيْد وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير | قَدَرْنَا | بِتَخْفِيفِ الدَّال . الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ , قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ سَوَّيْنَا بَيْن أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض . وَقِيلَ : قَضَيْنَا . وَقِيلَ : كَتَبْنَا , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب , فَلَا أَحَد يَبْقَى غَيْره عَزَّ وَجَلَّ .|وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ|أَيْ إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نُبَدِّل أَمْثَالكُمْ لَمْ يَسْبِقنَا أَحَد , أَيْ لَمْ يَغْلِبنَا . | بِمَسْبُوقِينَ | مَعْنَاهُ بِمَغْلُوبِينَ .

عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ

وَقَالَ الطَّبَرِيّ : الْمَعْنَى نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنكُمْ الْمَوْت | عَلَى أَنْ نُبَدِّل أَمْثَالكُمْ | بَعْد مَوْتكُمْ بِآخَرِينَ مِنْ جِنْسكُمْ , وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ فِي آجَالكُمْ , أَيْ لَا يَتَقَدَّم مُتَأَخِّر وَلَا يَتَأَخَّر مُتَقَدِّم .|وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ|مِنْ الصُّوَر وَالْهَيْئَات . قَالَ الْحَسَن : أَيْ نَجْعَلكُمْ قِرَدَة وَخَنَازِير كَمَا فَعَلْنَا بِأَقْوَامٍ قَبْلكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى نُنْشِئكُمْ فِي الْبَعْث عَلَى غَيْر صُوَركُمْ فِي الدُّنْيَا , فَيُجَمَّل الْمُؤْمِن بِبَيَاضِ وَجْهه , وَيُقَبَّح الْكَافِر بِسَوَادِ وَجْهه . سَعِيد بْن جُبَيْر : قَوْله تَعَالَى : | فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ | يَعْنِي فِي حَوَاصِل طَيْر سُود تَكُون بِبَرَهُوت كَأَنَّهَا الْخَطَاطِيف , وَبَرَهُوت وَادٍ فِي الْيَمَن . وَقَالَ مُجَاهِد : | فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ | فِي أَيّ خَلْق شِئْنَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى نُنْشِئكُمْ فِي عَالَم لَا تَعْلَمُونَ , وَفِي مَكَان لَا تَعْلَمُونَ .

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ

أَيْ إِذْ خَلَقْتُمْ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُضْغَة وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا , عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره . قَتَادَة وَالضَّحَّاك : يَعْنِي خَلْق آدَم عَلَيْهِ السَّلَام .|فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ|أَيْ فَهَلَّا تَذَكَّرُونَ . وَفِي الْخَبَر : عَجَبًا كُلّ الْعَجَب لِلْمُكَذِّبِ بِالنَّشْأَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ يَرَى النَّشْأَة الْأُولَى , وَعَجَبًا لِلْمُصَدِّقِ بِالنَّشْأَةِ الْآخِرَة وَهُوَ لَا يَسْعَى لِدَارِ الْقَرَار . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | النَّشْأَة | بِالْقَصْرِ . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو : | النَّشَاءَة | بِالْمَدِّ , وَقَدْ مَضَى فِي | الْعَنْكَبُوت | بَيَانه .

أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ

هَذِهِ حُجَّة أُخْرَى , أَيْ أَخْبِرُونِي عَمَّا تَحْرُثُونَ مِنْ أَرْضكُمْ فَتَطْرَحُونَ فِيهَا الْبَذْر , أَنْتُمْ تُنْبِتُونَهُ وَتُحَصِّلُونَهُ زَرْعًا فَيَكُون فِيهِ السُّنْبُل وَالْحَبّ أَمْ نَحْنُ نَفْعَل ذَلِكَ ؟ وَإِنَّمَا مِنْكُمْ الْبَذْر وَشَقّ الْأَرْض , فَإِذَا أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ إِخْرَاج السُّنْبُل مِنْ الْحَبّ لَيْسَ إِلَيْكُمْ , فَكَيْفَ تُنْكِرُونَ إِخْرَاج الْأَمْوَات مِنْ الْأَرْض وَإِعَادَتهمْ ؟ ! وَأَضَافَ الْحَرْث إِلَيْهِمْ وَالزَّرْع إِلَيْهِ تَعَالَى , لِأَنَّ الْحَرْث فِعْلهمْ وَيَجْرِي عَلَى اِخْتِيَارهمْ , وَالزَّرْع مِنْ فِعْل اللَّه تَعَالَى وَيَنْبُت عَلَى اِخْتِيَاره لَا عَلَى اِخْتِيَارهمْ . وَكَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَقُولَن أَحَدكُمْ زَرَعْت وَلْيَقُلْ حَرَثْت فَإِنَّ الزَّارِع هُوَ اللَّه ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْل اللَّه تَعَالَى :

أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ

وَالْمُسْتَحَبّ لِكُلِّ مَنْ يُلْقِي الْبَذْر فِي الْأَرْض أَنْ يَقْرَأ بَعْد الِاسْتِعَاذَة | أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ | الْآيَة , ثُمَّ يَقُول : بَلْ اللَّه الزَّارِع وَالْمُنْبِت وَالْمُبَلِّغ , اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّد , وَارْزُقْنَا ثَمَره , وَجَنِّبْنَا ضَرَره , وَاِجْعَلْنَا لِأَنْعُمِك مِنْ الشَّاكِرِينَ , وَلِآلَائِك مِنْ الذَّاكِرِينَ , وَبَارِكْ لَنَا فِيهِ يَا رَبّ الْعَالَمِينَ . وَيُقَال : إِنَّ هَذَا الْقَوْل أَمَان لِذَلِكَ الزَّرْع مِنْ جَمِيع الْآفَات : الدُّود وَالْجَرَاد وَغَيْر ذَلِكَ , سَمِعْنَاهُ مِنْ ثِقَة وَجَرَّبَ فَوَجَدَ كَذَلِكَ . وَمَعْنَى | أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ | أَيْ تَجْعَلُونَهُ زَرْعًا . وَقَدْ يُقَال : فُلَان زَرَّاع كَمَا يُقَال حَرَّاث , أَيْ يَفْعَل مَا يَئُول إِلَى أَنْ يَكُون زَرْعًا يُعْجِب الزُّرَّاع . وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الزَّرْع عَلَى بَذْر الْأَرْض وَتَكْرِيبهَا تَجَوُّزًا . قُلْت : فَهُوَ نَهْي إِرْشَاد وَأَدَب لَا نَهْي حَظْر وَإِيجَاب , وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَا يَقُولَن أَحَدكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلْيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي ) وَقَدْ مَضَى فِي | يُوسُف | الْقَوْل فِيهِ . وَقَدْ بَالَغَ بَعْض الْعُلَمَاء فَقَالَ : لَا يَقُلْ حَرَثْت فَأَصَبْت , بَلْ يَقُلْ : أَعَانَنِي اللَّه فَحَرَثْت , وَأَعْطَانِي بِفَضْلِهِ مَا أَصَبْت . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَتَتَضَمَّن هَذِهِ الْآيَة أَمْرَيْنِ , أَحَدهمَا : الِامْتِنَان عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَنْبَتَ زَرْعهمْ حَتَّى عَاشُوا بِهِ لِيَشْكُرُوهُ عَلَى نِعْمَته عَلَيْهِمْ . الثَّانِي : الْبُرْهَان الْمُوجِب لِلِاعْتِبَارِ , لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْبَتَ زَرْعهمْ بَعْد تَلَاشِي بَذْره , وَانْتِقَاله إِلَى اِسْتِوَاء حَاله مِنْ الْعَفَن وَالتَّتْرِيب حَتَّى صَارَ زَرْعًا أَخْضَر , ثُمَّ جَعَلَهُ قَوِيًّا مُشْتَدًّا أَضْعَاف مَا كَانَ عَلَيْهِ , فَهُوَ بِإِعَادَةِ مَنْ أَمَاتَ أَخَفّ عَلَيْهِ وَأَقْدَر , وَفِي هَذَا الْبُرْهَان مَقْنَع لِذَوِي الْفِطَر السَّلِيمَة . ثُمَّ قَالَ

لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ

أَيْ مُتَكَسِّرًا يَعْنِي الزَّرْع . وَالْحُطَام الْهَشِيم الْهَالِك الَّذِي لَا يُنْتَفَع بِهِ فِي مَطْعَم وَلَا غِذَاء , فَنُبِّهَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا أَوْلَاهُمْ بِهِ مِنْ النِّعَم فِي زَرْعهمْ إِذْ لَمْ يَجْعَلهُ حُطَامًا لِيَشْكُرُوهُ . الثَّانِي : لِيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ فِي أَنْفُسهمْ , كَمَا أَنَّهُ يَجْعَل الزَّرْع حُطَامًا إِذَا شَاءَ وَكَذَلِكَ يُهْلِكهُمْ إِذَا شَاءَ لِيَتَّعِظُوا فَيَنْزَجِرُوا .|فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ|أَيْ تَعْجَبُونَ بِذَهَابِهَا وَتَنْدَمُونَ مِمَّا حَلَّ بِكُمْ , قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَفِي الصِّحَاح : وَتَفَكَّهَ أَيْ تَعَجَّبَ , وَيُقَال : تَنَدَّمَ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ | أَيْ تَنْدَمُونَ . وَتَفَكَّهْت بِالشَّيْءِ تَمَتَّعْت بِهِ . وَقَالَ يَمَان : تَنْدَمُونَ عَلَى نَفَقَاتكُمْ , دَلِيله : | فَأَصْبَحَ يُقَلِّب كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا | [ الْكَهْف : 42 ] وَقَالَ عِكْرِمَة : تَلَاوَمُونَ وَتَنْدَمُونَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه الَّتِي أَوْجَبَتْ عُقُوبَتكُمْ حَتَّى نَالَتْكُمْ فِي زَرْعكُمْ . اِبْن كَيْسَان : تَحْزَنُونَ , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَفِيهِ لُغَتَانِ : تَفَكَّهُونَ وَتَفَكَّنُونَ : قَالَ الْفَرَّاء : وَالنُّون لُغَة عُكْل . وَفِي الصِّحَاح : اِلْتَفَكُّن التَّنَدُّم عَلَى مَا فَاتَ . وَقِيلَ : التَّفَكُّه التَّكَلُّم فِيمَا لَا يَعْنِيك , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُزَاحِ فُكَاهَة بِالضَّمِّ , فَأَمَّا الْفُكَاهَة بِالْفَتْحِ فَمَصْدَر فَكِهَ الرَّجُل بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَكِه إِذَا كَانَ طَيِّب النَّفْس مَزَّاحًا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | فَظَلْتُمْ | بِفَتْحِ الظَّاء . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه | فَظِلْتُمْ | بِكَسْرِ الظَّاء وَرَوَاهَا هَارُون عَنْ حُسَيْن عَنْ أَبِي بَكْر . فَمَنْ فَتَحَ فَعَلَى الْأَصْل . وَالْأَصْل ظَلَلْتُمْ فَحَذَفَ اللَّام الْأُولَى تَخْفِيفًا , وَمَنْ كَسَرَ نَقَلَ كَسْرَة اللَّام الْأُولَى إِلَى الظَّاء ثُمَّ حَذَفَهَا .

إِنَّا لَمُغْرَمُونَ

وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل | أَإِنَّا | بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَام , وَرَوَاهُ عَاصِم عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش . الْبَاقُونَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَة عَلَى الْخَبَر , أَيْ يَقُولُونَ | إِنَّا لَمُغْرَمُونَ | أَيْ مُعَذَّبُونَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة قَالَا : وَالْغَرَام الْعَذَاب , وَمِنْهُ قَوْل اِبْن الْمُحَلِّم : <br>وَثِقْت بِأَنَّ الْحِفْظ مِنِّي سَجِيَّة .......... وَأَنَّ فُؤَادِي مُتْبَل بِك مُغْرَم <br>وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : لَمُولَع بِنَا , وَمِنْهُ قَوْل النَّمِر بْن تَوْلَب : <br>سَلَا عَنْ تَذَكُّره تُكْتَمَا .......... وَكَانَ رَهِينًا بِهَا مُغْرَمَا <br>يُقَال : أُغْرِمَ فُلَان بِفُلَانَة , أَيْ أُولِعَ بِهَا وَمِنْهُ الْغَرَام وَهُوَ الشَّرّ اللَّازِم . وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا : لَمُلْقُونَ شَرًّا . وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : مُهْلِكُونَ . النَّحَّاس : | إِنَّا لَمُغْرَمُونَ | مَأْخُوذ مِنْ الْغَرَام وَهُوَ الْهَلَاك , كَمَا قَالَ : <br>يَوْم النِّسَار وَيَوْم الْجِفَا .......... كَانَا عَذَابًا وَكَانَا غَرَامَا <br>وَالضَّحَّاك وَابْن كَيْسَان : هُوَ مِنْ الْغُرْم , وَالْمُغْرَم الَّذِي ذَهَبَ مَاله بِغَيْرِ عِوَض , أَيْ غَرِمْنَا الْحَبّ الَّذِي بَذَرْنَاهُ . وَقَالَ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ : مُحَاسَبُونَ .

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ

أَيْ حُرِمْنَا مَا طَلَبنَا مِنْ الرِّيع . وَالْمَحْرُوم الْمَمْنُوع مِنْ الرِّزْق . وَالْمَحْرُوم ضِدّ الْمَرْزُوق وَهُوَ الْمُحَارِف فِي قَوْل قَتَادَة . وَعَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَرْضِ الْأَنْصَار فَقَالَ : ( مَا يَمْنَعكُمْ مِنْ الْحَرْث ) قَالُوا : الْجُدُوبَة , فَقَالَ : ( لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول أَنَا الزَّارِع إِنْ شِئْت زَرَعْت بِالْمَاءِ وَإِنْ شِئْت زَرَعْت بِالرِّيحِ وَإِنْ شِئْت زَرَعْت بِالْبَذْرِ ) ثُمَّ تَلَا | أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ | . قُلْت : وَفِي هَذَا الْخَبَر وَالْحَدِيث الَّذِي قَبْله مَا يُصَحِّح قَوْل مَنْ أَدْخَلَ الزَّارِع فِي أَسْمَاء اللَّه سُبْحَانه , وَأَبَاهُ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء , وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي ( الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ) .

أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ

لِتُحْيُوا بِهِ أَنْفُسكُمْ , وَتُسَكِّنُوا بِهِ عَطَشكُمْ , لِأَنَّ الشَّرَاب إِنَّمَا يَكُون تَبَعًا لِلْمَطْعُومِ , وَلِهَذَا جَاءَ الطَّعَام مُقَدَّمًا فِي الْآيَة قَبْل , أَلَا تَرَى أَنَّك تَسْقِي ضَيْفك بَعْد أَنْ تُطْعِمهُ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَلَوْ عَكَسْت قَعَدْت تَحْت قَوْل أَبِي الْعَلَاء : <br>إِذَا سُقِيَتْ ضُيُوف النَّاس مَحْضًا .......... سَقَوْا أَضْيَافهمْ شَبِمًا زُلَالَا <br>وَسُقِيَ بَعْض الْعَرَب فَقَالَ : أَنَا لَا أَشْرَب إِلَّا عَلَى ثَمِيلَة .

أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ

أَيْ السَّحَاب , الْوَاحِدَة مُزْنَة , فَقَالَ الشَّاعِر : <br>فَنَحْنُ كَمَاءِ الْمُزْن مَا فِي نِصَابنَا .......... كَهَام وَلَا فِينَا يُعَدّ بَخِيل <br>وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا أَنَّ الْمُزْن السَّحَاب . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالثَّوْرِيّ : الْمُزْن السَّمَاء وَالسَّحَاب . وَفِي الصِّحَاح : أَبُو زَيْد : الْمُزْنَة السَّحَابَة الْبَيْضَاء وَالْجَمْع مُزْن , وَالْمُزْنَة الْمَطْرَة , قَالَ : <br>أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مُزْنَة .......... وَعُفْر الظِّبَاء فِي الْكِنَاس تَقَمَّع<br>|أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ|أَيْ فَإِذَا عَرَفْتُمْ بِأَنِّي أَنْزَلْته فَلِمَ لَا تَشْكُرُونِي بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لِي ؟ وَلِمَ تُنْكِرُونَ قُدْرَتِي عَلَى الْإِعَادَة ؟ .

لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ

أَيْ مِلْحًا شَدِيد الْمُلُوحَة , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الْحَسَن : مُرًّا قُعَاعًا لَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي شُرْب وَلَا زَرْع وَلَا غَيْرهمَا .|فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ|أَيْ فَهَلَّا تَشْكُرُونَ الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ بِكُمْ .

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ

أَيْ أَخْبِرُونِي عَنْ النَّار الَّتِي تُظْهِرُونَهَا بِالْقَدْحِ مِنْ الشَّجَر الرُّطَب

أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ

يَعْنِي الَّتِي تَكُون مِنْهَا الزِّنَاد وَهِيَ الْمَرْخ وَالْعَفَار , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : فِي كُلّ شَجَر نَار , وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخ وَالْعَفَار , أَيْ اُسْتَكْثَرَ مِنْهَا , كَأَنَّهُمَا أَخَذَا مِنْ النَّار مَا هُوَ حَسْبهمَا . وَيُقَال : لِأَنَّهُمَا يُسْرِعَانِ الْوَرْي . يُقَال : أَوْرَيْت النَّار إِذَا قَدَحْتهَا . وَوَرَى الزَّنْد يَرِي إِذَا انْقَدَحَ مِنْهُ النَّار . وَفِيهِ لُغَة أُخْرَى : وَوَرِيَ الزَّنْد يَرِي بِالْكَسْرِ فِيهِمَا .|أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ|أَيْ الْمُخْتَرِعُونَ الْخَالِقُونَ , أَيْ فَإِذَا عَرَفْتُمْ قُدْرَتِي فَاشْكُرُونِي وَلَا تُنْكِرُوا قُدْرَتِي عَلَى الْبَعْث .

نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ

يَعْنِي نَار الدُّنْيَا مَوْعِظَة لِلنَّارِ الْكُبْرَى , قَالَ قَتَادَة . وَمُجَاهِد : تَبْصِرَة لِلنَّاسِ مِنْ الظَّلَام . وَصَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ نَاركُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِد بَنُو آدَم جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَار جَهَنَّم ) فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه : إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَة , قَالَ : ( فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلّهنَّ مِثْل حَرّهَا ) .|وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ|قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ مَنْفَعَة لِلْمُسَافِرِينَ , سُمُّوا بِذَلِكَ لِنُزُولِهِمْ الْقَوَى وَهُوَ الْقَفْر . الْفَرَّاء : إِنَّمَا يُقَال لِلْمُسَافِرِينَ : مُقْوِينَ إِذَا نَزَلُوا الْقِيّ وَهِيَ الْأَرْض الْقَفْر الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا . وَكَذَلِكَ الْقَوَى وَالْقَوَاء بِالْمَدِّ وَالْقَصْر , وَمَنْزِل قَوَاء لَا أَنِيس بِهِ , يُقَال : أَقْوَتْ الدَّار وَقَوِيَتْ أَيْضًا أَيْ خَلَتْ مِنْ سُكَّانهَا , قَالَ النَّابِغَة : <br>يَا دَار مَيَّة بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَد .......... أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِف الْأَمَد <br>وَقَالَ عَنْتَرَة : <br>حُيِّيت مِنْ طَلَل تَقَادَمَ عَهْده .......... أَقْوَى وَأَقْفَر بَعْد أُمّ الْهَيْثَم <br>وَيُقَال : أَقْوَى أَيْ قَوِيَ وَقَوِيَ أَصْحَابه , وَأَقْوَى إِذَا سَافَرَ أَيْ نَزَلَ الْقَوَاء وَالْقِيّ . وَقَالَ مُجَاهِد : | لِلْمُقْوِينَ | الْمُسْتَمْتَعِينَ بِهَا مِنْ النَّاس أَجْمَعِينَ فِي الطَّبْخ وَالْخَبْز وَالِاصْطِلَاء وَالِاسْتِضَاءَة , وَيَتَذَكَّر بِهَا نَار جَهَنَّم فَيُسْتَجَار بِاَللَّهِ مِنْهَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : لِلْجَائِعِينَ فِي , إِصْلَاح طَعَامهمْ . يُقَال : أَقْوَيْت مُنْذُ كَذَا وَكَذَا , أَيْ مَا أَكَلْت شَيْئًا , وَبَاتَ فُلَان الْقَوَاء وَبَاتَ الْقَفْر إِذَا بَاتَ جَائِعًا عَلَى غَيْر طَعْم , قَالَ الشَّاعِر : <br>وَإِنِّي لَأَخْتَار الْقَوَى طَاوِيَ الْحَشَى .......... مُحَافَظَة مِنْ أَنْ يُقَال لَئِيم <br>وَقَالَ الرَّبِيع وَالسُّدِّيّ : | الْمُقْوِينَ | الْمُنْزِلِينَ الَّذِينَ لَا زِنَاد مَعَهُمْ , يَعْنِي نَارًا يُوقِدُونَ فَيَخْتَبِزُونَ بِهَا ؟ وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ قُطْرُب : الْمُقْوِيّ مِنْ الْأَضْدَاد يَكُون بِمَعْنَى الْفَقِير وَيَكُون بِمَعْنَى الْغَنِيّ , يُقَال : أَقْوَى الرَّجُل إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زَاد , وَأَقْوَى إِذَا قَوِيَتْ دَوَابّه وَكَثُرَ مَاله . الْمَهْدَوِيّ : وَالْآيَة تَصْلُح لِلْجَمِيعِ , لِأَنَّ النَّار يَحْتَاج إِلَيْهَا الْمُسَافِر وَالْمُقِيم وَالْغَنِيّ وَالْفَقِير . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ أَنَّ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل . الْقُشَيْرِيّ : وَخَصَّ الْمُسَافِر بِالِانْتِفَاعِ بِهَا لِأَنَّ اِنْتِفَاعه بِهَا أَكْثَر مِنْ مَنْفَعَة الْمُقِيم , لِأَنَّ أَهْل الْبَادِيَة لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ النَّار يُوقِدُونَهَا لَيْلًا لِتَهْرُب مِنْهُمْ السِّبَاع , وَفِي كَثِير مِنْ حَوَائِجهمْ .

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ

أَيْ فَنَزِّهِ اللَّه عَمَّا أَضَافَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْأَنْدَاد , وَالْعَجْز عَنْ الْبَعْث .

فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ

| لَا | صِلَة فِي قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ , وَالْمَعْنَى فَأُقْسِم , بِدَلِيلِ قَوْله : | وَإِنَّهُ لَقَسَم | . وَقَالَ الْفَرَّاء : هِيَ نَفْي , وَالْمَعْنَى لَيْسَ الْأَمْر كَمَا تَقُولُونَ , ثُمَّ أَسْتَأْنَفَ | أُقْسِم | . وَقَدْ يَقُول الرَّجُل : لَا وَاَللَّه مَا كَانَ كَذَا فَلَا يُرِيد بِهِ نَفْي الْيَمِين , بَلْ يُرِيد بِهِ نَفْي كَلَام تَقَدَّمَ . أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ذَكَرْت , بَلْ هُوَ كَذَا . وَقِيلَ : | لَا | بِمَعْنَى إِلَّا لِلتَّنْبِيهِ كَمَا قَالَ : <br>أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيّهَا الطَّلَل الْبَالِي <br>وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى فَضِيلَة الْقُرْآن لِيَتَدَبَّرُوهُ , وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا سِحْر وَلَا كِهَانَة كَمَا زَعَمُوا . وَقَرَأَ الْحَسَن وَحُمَيْد وَعِيسَى بْن عُمَر فَلْأُقْسِمُ | بِغَيْرِ أَلِف بَعْد اللَّام عَلَى التَّحْقِيق وَهُوَ فِعْل حَال وَيُقَدَّر مُبْتَدَأ مَحْذُوف , التَّقْدِير : فَلَأَنَا أُقْسِم بِذَلِكَ . وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِقْبَال لَلَزِمَتْ النُّون , وَقَدْ جَاءَ حَذْف النُّون مَعَ الْفِعْل الَّذِي يُرَاد بِهِ الِاسْتِقْبَال وَهُوَ شَاذّ .|بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ|مَوَاقِع النُّجُوم مَسَاقِطهَا وَمَغَارِبهَا فِي قَوْل قَتَادَة وَغَيْره . عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : مَنَازِلهَا . الْحَسَن : اِنْكِدَارهَا وَانْتِثَارهَا يَوْم الْقِيَامَة . الضَّحَّاك : هِيَ الْأَنْوَاء الَّتِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ إِذَا مُطِرُوا قَالُوا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَكُون قَوْله تَعَالَى : | فَلَا أُقْسِم | مُسْتَعْمَلًا عَلَى حَقِيقَته مِنْ نَفْي الْقَسَم . الْقُشَيْرِيّ : هُوَ قَسَم , وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِم بِمَا يُرِيد , وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُقْسِم بِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته الْقَدِيمَة . قُلْت : يَدُلّ عَلَى هَذَا قِرَاءَة الْحَسَن | فَلْأُقْسِمُ | وَمَا أَقْسَمَ بِهِ سُبْحَانه مِنْ مَخْلُوقَاته فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد بِمَوَاقِع النُّجُوم نُزُول الْقُرْآن نُجُومًا , أَنْزَلَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ مِنْ السَّمَاء الْعُلْيَا إِلَى السَّفَرَة الْكَاتِبِينَ , فَنَجَّمَهُ السَّفَرَة عَلَى جِبْرِيل عِشْرِينَ لَيْلَة , وَنَجَّمَهُ جِبْرِيل عَلَى مُحَمَّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام عِشْرِينَ سَنَة , فَهُوَ يُنْزِلهُ عَلَى الْأَحْدَاث مِنْ أُمَّته , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال حَدَّثَنَا هَمَّام عَنْ الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَرْض نُجُومًا , وَفُرِّقَ بَعْد ذَلِكَ خَمْس آيَات خَمْس آيَات وَأَقَلّ وَأَكْثَر , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : | فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم .

وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ

وَحَكَى الْفَرَّاء عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ مَوَاقِع النُّجُوم هُوَ مُحْكَم الْقُرْآن . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | بِمَوْقِعِ | عَلَى التَّوْحِيد , وَهِيَ قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَالنَّخَعِيّ وَالْأَعْمَش وَابْن مُحَيْصِن وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب . الْبَاقُونَ عَلَى الْجَمْع فَمَنْ أَفْرَدَ فَلِأَنَّهُ اِسْم جِنْس يُؤَدِّي الْوَاحِد فِيهِ عَنْ الْجَمْع , وَمَنْ جَمَعَ فَلِاخْتِلَافِ أَنْوَاعه .

إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ

قِيلَ : إِنَّ الْهَاء تَعُود عَلَى الْقُرْآن , أَيْ إِنَّ الْقُرْآن لَقَسَم عَظِيم , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقِيلَ : مَا أَقْسَمَ اللَّه بِهِ عَظِيم | إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم | ذُكِرَ الْمُقْسَم عَلَيْهِ , أَيْ أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم إِنَّ هَذَا الْقُرْآن قُرْآن كَرِيم , لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا كِهَانَة , وَلَيْسَ بِمُفْتَرًى , بَلْ هُوَ قُرْآن كَرِيم مَحْمُود , جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى مُعْجِزَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ كَرِيم عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , لِأَنَّهُ كَلَام رَبّهمْ , وَشِفَاء صُدُورهمْ , كَرِيم عَلَى أَهْل السَّمَاء , لِأَنَّهُ تَنْزِيل رَبّهمْ وَوَحْيه . وَقِيلَ : | كَرِيم | أَيْ غَيْر مَخْلُوق . وَقِيلَ : | كَرِيم | لِمَا فِيهِ مِنْ كَرِيم الْأَخْلَاق وَمَعَانِي الْأُمُور . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يُكَرِّم حَافِظه , وَيُعَظَّم قَارِئُهُ .

فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ

مَصُون عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : مَكْنُون مَحْفُوظ عَنْ الْبَاطِل . وَالْكِتَاب هُنَا كِتَاب فِي السَّمَاء , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . عِكْرِمَة : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِيهِمَا ذِكْر الْقُرْآن وَمَنْ يَنْزِل عَلَيْهِ . السُّدِّيّ : الزَّبُور . مُجَاهِد وَقَتَادَة : هُوَ الْمُصْحَف الَّذِي فِي أَيْدِينَا .

لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ

اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى | لَا يَمَسّهُ | هَلْ هُوَ حَقِيقَة فِي الْمَسّ بِالْجَارِحَةِ أَوْ مَعْنًى ؟ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي | الْمُطَهَّرُونَ | مَنْ هُمْ ؟ فَقَالَ أَنَس وَسَعِيد وَابْن جُبَيْر : لَا يَمَسّ ذَلِكَ الْكِتَاب إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ مِنْ الذُّنُوب وَهُمْ الْمَلَائِكَة . وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَابْن زَيْد : إِنَّهُمْ الَّذِينَ طُهِّرُوا مِنْ الذُّنُوب كَالرُّسُلِ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالرُّسُل مِنْ بَنِي آدَم , فَجِبْرِيل النَّازِل بِهِ مُطَهَّر , وَالرُّسُل الَّذِينَ يَجِيئهُمْ بِذَلِكَ مُطَهَّرُونَ . الْكَلْبِيّ : هُمْ السَّفَرَة الْكِرَام الْبَرَرَة . وَهَذَا كُلّه قَوْل وَاحِد , وَهُوَ نَحْو مَا اِخْتَارَهُ مَالِك حَيْثُ قَالَ : أَحْسَن مَا سَمِعْت فِي قَوْله | لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ | أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَة الَّتِي فِي | عَبَسَ وَتَوَلَّى | [ عَبَسَ : 1 ] : | فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُف مُكَرَّمَة . مَرْفُوعَة مُطَهَّرَة . بِأَيْدِي سَفَرَة . كِرَام بَرَرَة | [ عَبَسَ : 12 - 16 ] يُرِيد أَنَّ الْمُطَهَّرِينَ هُمْ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ وُصِفُوا بِالطَّهَارَةِ فِي سُورَة | عَبَسَ | . وَقِيلَ : مَعْنَى | لَا يَمَسّهُ | لَا يَنْزِل بِهِ | إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ | أَيْ الرُّسُل مِنْ الْمَلَائِكَة عَلَى الرُّسُل مِنْ الْأَنْبِيَاء . وَقِيلَ : لَا يَمَسّ اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي هُوَ الْكِتَاب الْمَكْنُون إِلَّا الْمَلَائِكَة الْمُطَهَّرُونَ . وَقِيلَ : إِنَّ إِسْرَافِيل هُوَ الْمُوَكَّل بِذَلِكَ , حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَنَالهُ فِي وَقْت وَلَا تَصِل إِلَيْهِ بِحَالٍ , وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ مَجَال . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّهُ الَّذِي بِأَيْدِي الْمَلَائِكَة فِي الصُّحُف فَهُوَ قَوْل مُحْتَمَل , وَهُوَ اِخْتِيَار مَالِك . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْكِتَابِ الْمُصْحَف الَّذِي بِأَيْدِينَا , وَهُوَ الْأَظْهَر . وَقَدْ رَوَى مَالِك وَغَيْره أَنَّ فِي كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُسْخَته : ( مِنْ مُحَمَّد النَّبِيّ إِلَى شُرَحْبِيل بْن عَبْد كُلَال وَالْحَارِث بْن عَبْد كُلَال وَنُعَيْم بْن عَبْد كُلَال قِيلَ ذِي رُعَيْن وَمَعَافِر وَهَمْدَان أَمَّا بَعْد ) وَكَانَ فِي كِتَابه : أَلَّا يَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر . وَقَالَ اِبْن عُمَر : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا وَأَنْت طَاهِر ) . وَقَالَتْ أُخْت عُمَر لِعُمَر عِنْد إِسْلَامه وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهَا وَدَعَا بِالصَّحِيفَةِ : | لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ | فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَأَسْلَمَ . وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل سُورَة | طَه | . وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ قَتَادَة وَغَيْره : | لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ | مِنْ الْأَحْدَاث وَالْأَنْجَاس . الْكَلْبِيّ : مِنْ الشِّرْك . الرَّبِيع بْن أَنَس : مِنْ الذُّنُوب وَالْخَطَايَا . وَقِيلَ : مَعْنَى | لَا يَمَسّهُ | لَا يَقْرَؤُهُ | إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ | إِلَّا الْمُوَحِّدُونَ , قَالَهُ مُحَمَّد بْن فُضَيْل وَعَبْدَة . قَالَ عِكْرِمَة : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَنْهَى أَنْ يُمَكَّن أَحَد مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ قِرَاءَة الْقُرْآن وَقَالَ الْفَرَّاء : لَا يَجِد طَعْمه وَنَفْعه وَبَرَكَته إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ , أَيْ الْمُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ اِخْتِيَار الْبُخَارِيّ , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَاقَ طَعْم الْإِيمَان مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا ) . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : لَا يُعْرَف تَفْسِيره وَتَأْوِيله إِلَّا مَنْ طَهَّرَهُ اللَّه مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : لَا يُوَفَّق لِلْعَمَلِ بِهِ إِلَّا السُّعَدَاء . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يَمَسّ ثَوَابه إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ . وَرَوَاهُ مُعَاذ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قِيلَ : ظَاهِر الْآيَة خَبَر عَنْ الشَّرْع , أَيْ لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ شَرْعًا , فَإِنْ وُجِدَ خِلَاف ذَلِكَ فَهُوَ غَيْر الشَّرْع , وَهَذَا اِخْتِيَار الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . وَأُبْطِلَ أَنْ يَكُون لَفْظه لَفْظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمْر . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة | الْبَقَرَة | . الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون أَمْرًا وَتَكُون ضَمَّة السِّين ضَمَّة إِعْرَاب . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَهْيًا وَتَكُون ضَمَّة بِنَاء السِّين ضَمَّة بِنَاء وَالْفِعْل مَجْزُوم . السَّادِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَسّ الْمُصْحَف عَلَى غَيْر وُضُوء , فَالْجُمْهُور عَلَى الْمَنْع مِنْ مَسّه لِحَدِيثِ عَمْرو بْن حَزْم . وَهُوَ مَذْهَب عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَسَعِيد بْن زَيْد وَعَطَاء وَالزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد , وَجَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء مِنْهُمْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ . وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَبِي حَنِيفَة , فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسّهُ الْمُحْدِث , وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس وَالشَّعْبِيّ وَغَيْرهمَا . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسّ ظَاهِره وَحَوَاشِيه وَمَا لَا مَكْتُوب فِيهِ , وَأَمَّا الْكِتَاب فَلَا يَمَسّهُ إِلَّا طَاهِر . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا إِنْ سَلَّمَهُ مِمَّا يُقَوِّي الْحُجَّة عَلَيْهِ , لِأَنَّ حَرِيم الْمَمْنُوع مَمْنُوع . وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْن حَزْم أَقْوَى دَلِيل عَلَيْهِ . وَقَالَ مَالِك : لَا يَحْمِلهُ غَيْر طَاهِر بِعَلَاقَةٍ وَلَا عَلَى وِسَادَة . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا بَأْس بِذَلِكَ . وَلَمْ يُمْنَع مِنْ حَمْله بِعَلَاقَةٍ أَوْ مَسّه بِحَائِلٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَكَم وَحَمَّاد وَدَاوُد بْن عَلِيّ أَنَّهُ لَا بَأْس بِحَمْلِهِ وَمَسّه لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِر طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا , إِلَّا أَنَّ دَاوُد قَالَ : لَا يَجُوز لِلْمُشْرِكِ حَمْله . وَاحْتَجُّوا فِي إِبَاحَة ذَلِكَ بِكِتَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَيْصَر , وَهُوَ مَوْضِع ضَرُورَة فَلَا حُجَّة فِيهِ . وَفِي مَسّ الصِّبْيَان إِيَّاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا الْمَنْع اِعْتِبَارًا بِالْبَالِغِ . وَالثَّانِي الْجَوَاز , لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ لَمْ يَحْفَظ الْقُرْآن , لِأَنَّ تَعَلُّمهُ حَال الصِّغَر , وَلِأَنَّ الصَّبِيّ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ طَهَارَة إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ , لِأَنَّ النِّيَّة لَا تَصِحّ مِنْهُ , فَإِذَا جَازَ أَنْ يَحْمِلهُ عَلَى غَيْر طَهَارَة كَامِلَة جَازَ أَنْ يَحْمِلهُ مُحْدِثًا .

تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

أَيْ مُنَزَّل , كَقَوْلِهِمْ : ضَرْب الْأَمِير وَنَسْج الْيَمَن . وَقِيلَ : | تَنْزِيل | صِفَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم | . وَقِيلَ : أَيْ هُوَ تَنْزِيل .

أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ

يَعْنِي الْقُرْآن|أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ|أَيْ مُكَذِّبُونَ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء وَغَيْرهمَا . وَالْمُدَّهِن الَّذِي ظَاهِره خِلَاف بَاطِنه , كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِالدُّهْنِ فِي سُهُولَة ظَاهِره . وَقَالَ مُقَاتِل بْن سُلَيْمَان وَقَتَادَة : مُدْهِنُونَ كَافِرُونَ , نَظِيره : | وَدُّوا لَوْ تُدْهِن فَيُدْهِنُونَ | [ الْقَلَم : 9 ] . وَقَالَ الْمُؤَرِّج : الْمُدَّهِن الْمُنَافِق أَوْ الْكَافِر الَّذِي يَلِين جَانِبه لِيُخْفِيَ كُفْره , وَالْإِدْهَان وَالْمُدَاهَنَة التَّكْذِيب وَالْكُفْر وَالنِّفَاق , وَأَصْله اللِّين , وَأَنْ يُسِرّ خِلَاف مَا يُظْهِر , وَقَالَ أَبُو قَيْس بْن الْأَسْلَت : <br>الْحَزْم وَالْقُوَّة خَيْر مِنَ .......... الْإِدْهَان وَالْفَهَّة وَالْهَاع <br>وَأَدْهَنَ وَدَاهَنَ وَاحِد . وَقَالَ قَوْم : دَاهَنْت بِمَعْنَى وَارَيْت وَأَدْهَنْت بِمَعْنَى غَشَشْت . وَقَالَ الضَّحَّاك : | مُدْهِنُونَ | مُعْرِضُونَ . مُجَاهِد : مُمُالِئُونَ الْكُفَّار عَلَى الْكُفْر بِهِ . اِبْن كَيْسَان : الْمُدَّهِن الَّذِي لَا يَعْقِل مَا حَقّ اللَّه عَلَيْهِ وَيَدْفَعهُ بِالْعِلَلِ . وَقَالَ بَعْض اللُّغَوِيِّينَ : مُدْهِنُونَ تَارِكُونَ لِلْجَزْمِ فِي قَبُول الْقُرْآن .

وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَجْعَلُونَ شُكْركُمْ التَّكْذِيب . وَذَكَرَ الْهَيْثَم بْن عَدِيّ : أَنَّ مِنْ لُغَة أَزْد شَنُوءَة مَا رِزْق فُلَان ؟ أَيْ مَا شُكْره . وَإِنَّمَا صَلَحَ أَنْ يُوضَع اِسْم الرِّزْق مَكَان شُكْره , لِأَنَّ شُكْر الرِّزْق يَقْتَضِي الزِّيَادَة فِيهِ فَيَكُون الشُّكْر رِزْقًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . فَقِيلَ : | وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ | أَيْ شُكْر رِزْقكُمْ الَّذِي لَوْ وُجِدَ مِنْكُمْ لَعَادَ رِزْقًا لَكُمْ | أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ | بِالرِّزْقِ أَيْ تَضَعُوا الرِّزْق مَكَان الشُّكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة | أَيْ [ الْأَنْفَال : 35 ] أَيْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ مَكَان الصَّلَاة . فَفِيهِ بَيَان أَنَّ مَا أَصَابَ الْعِبَاد مِنْ خَيْر فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرَوْهُ مِنْ قِبَل الْوَسَائِط الَّتِي جَرَتْ الْعَادَة بِأَنْ تَكُنْ أَسْبَابًا , بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَرَوْهُ مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى , ثُمَّ يُقَابِلُونَهُ بِشُكْرٍ إِنْ كَانَ نِعْمَة , أَوْ صَبْر إِنْ كَانَ مَكْرُوهًا تَعَبُّدًا لَهُ وَتَذَلُّلًا . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ | وَتَجْعَلُونَ شُكْركُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ | حَقِيقَة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الِاسْتِسْقَاء بِالْأَنْوَاءِ , وَهُوَ قَوْل الْعَرَب : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا , رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مُطِرَ النَّاس عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَصْبَحَ مِنْ النَّاس شَاكِر وَمِنْهُمْ كَافِر قَالُوا هَذِهِ رَحْمَة اللَّه وَقَالَ بَعْضهمْ لَقَدْ صَدَقَ نَوْء كَذَا وَكَذَا , قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : | فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم حَتَّى بَلَغَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ | . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَفَر فَعَطِشُوا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَعَوْت اللَّه لَكُمْ فَسُقِيتُمْ لَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ هَذَا الْمَطَر بِنَوْءِ كَذَا ) فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه مَا هَذَا بِحِينِ الْأَنْوَاء . فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا رَبّه فَهَاجَتْ رِيح ثُمَّ هَاجَتْ سَحَابَة فَمُطِرُوا , فَمَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عِصَابَة مِنْ أَصْحَابه بِرَجُلٍ يَغْتَرِف بِقَدَحٍ لَهُ وَهُوَ يَقُول سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا , وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ رِزْق اللَّه فَنَزَلَتْ : | وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ | أَيْ شُكْركُمْ لِلَّهِ عَلَى رِزْقه إِيَّاكُمْ | أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ | بِالنِّعْمَةِ وَتَقُولُونَ سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا , كَقَوْلِك : جَعَلْت إِحْسَانِي إِلَيْك إِسَاءَة مِنْك إِلَيَّ , وَجَعَلْت إِنْعَامِي لَدَيْك أَنْ اِتَّخَذْتنِي عَدُوًّا . وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ زَيْد بْن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الصُّبْح بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْر سَمَاء كَانَتْ مِنْ اللَّيْل , فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاس وَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : ( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِن بِي وَكَافِر بِالْكَوْكَبِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته فَذَلِكَ مُؤْمِن بِي كَافِر بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ مُؤْمِن بِالْكَوْكَبِ كَافِر بِي ) . قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : لَا أُحِبّ أَحَدًا أَنْ يَقُول مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا , وَإِنْ كَانَ النَّوْء عِنْدنَا الْوَقْت الْمَخْلُوق لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع , وَلَا يُمْطِر وَلَا يَحْبِس شَيْئًا مِنْ الْمَطَر , وَاَلَّذِي أُحِبّ أَنْ يَقُول : مُطِرْنَا وَقْت كَذَا كَمَا تَقُول مُطِرْنَا شَهْر كَذَا , وَمَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا , وَهُوَ يُرِيد أَنَّ النَّوْء أَنْزَلَ الْمَاء , كَمَا عَنَى بَعْض أَهْل الشِّرْك مِنْ الْجَاهِلِيَّة بِقَوْلِهِ فَهُوَ كَافِر , حَلَال دَمه إِنْ لَمْ يَتُبْ . وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَاكِيًا عَنْ اللَّه سُبْحَانه : ( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِن بِي وَكَافِر ) فَمَعْنَاهُ عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ : أَمَّا أَحَدهمَا فَإِنَّ الْمُعْتَقِد بِأَنَّ النَّوْء هُوَ الْمُوجِب لِنُزُولِ الْمَاء , وَهُوَ الْمُنْشِئ لِلسَّحَابِ دُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ كَافِر كُفْرًا صَرِيحًا يَجِب اِسْتِتَابَته عَلَيْهِ وَقَتْله إِنْ أَبَى لِنَبْذِهِ الْإِسْلَام وَرَدّه الْقُرْآن . وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَعْتَقِد أَنَّ النَّوْء يُنْزِل اللَّه بِهِ الْمَاء , وَأَنَّهُ سَبَب الْمَاء عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّه وَسَبَقَ فِي عِلْمه , وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مُبَاحًا , فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا كُفْرًا بِنِعْمَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَجَهْلًا بِلَطِيفِ حِكْمَته فِي أَنَّهُ يُنْزِل الْمَاء مَتَى شَاءَ , مَرَّة بِنَوْءِ كَذَا , وَمَرَّة بِنَوْءِ كَذَا , وَكَثِيرًا مَا يَنُوء النَّوْء فَلَا يَنْزِل مَعَهُ شَيْء مِنْ الْمَاء , وَذَلِكَ مِنْ اللَّه تَعَالَى لَا مِنْ النَّوْء . وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْح , ثُمَّ يَتْلُو : | مَا يَفْتَح اللَّه لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَة فَلَا مُمْسِك لَهَا | [ فَاطِر : 2 ] قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا عِنْدِي نَحْو قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته ) . وَمِنْ هَذَا الْبَاب قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب لِلْعَبَّاسِ بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين اِسْتَسْقَى بِهِ : يَا عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْء الثُّرَيَّا ؟ فَقَالَ الْعَبَّاس : الْعُلَمَاء يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَعْتَرِض فِي الْأُفُق سَبْعًا بَعْد سُقُوطهَا . فَمَا مَضَتْ سَابِعَة حَتَّى مُطِرُوا , فَقَالَ عُمَر : الْحَمْد لِلَّهِ هَذَا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته . وَكَانَ عُمَر رَحِمَهُ اللَّه قَدْ عَلِمَ أَنَّ نَوْء الثُّرَيَّا وَقْت يُرْجَى فِيهِ الْمَطَر وَيُؤَمَّل فَسَأَلَهُ عَنْهُ أَخَرَجَ أَمْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّة ؟ . وَرَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا فِي بَعْض أَسْفَاره يَقُول : مُطِرْنَا بِبَعْضِ عَثَانِين الْأَسَد , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَذَبْت بَلْ هُوَ سُقْيَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ سُفْيَان : عَثَانِين الْأَسَد الذِّرَاع وَالْجَبْهَة . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | تُكَذِّبُونَ | مِنْ التَّكْذِيب . وَقَرَأَ الْمُفَضَّل عَنْ عَاصِم وَيَحْيَى بْن وَثَّاب | تَكْذِبُونَ | بِفَتْحِ التَّاء مُخَفَّفًا . وَمَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا . وَثَبَتَ مِنْ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاث لَنْ يَزِلْنَ فِي أُمَّتِي التَّفَاخُر فِي الْأَحْسَاب وَالنِّيَاحَة وَالْأَنْوَاء ) وَلَفْظ مُسْلِم فِي هَذَا ( أَرْبَع فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْر فِي الْأَحْسَاب وَالطَّعْن فِي الْأَنْسَاب وَالِاسْتِسْقَاء بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَة ) .

فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ

أَيْ فَهَلَّا إِذَا بَلَغَتْ النَّفْس أَوْ الرُّوح الْحُلْقُوم . وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهَا ذِكْر , لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوف , قَالَ حَاتِم . <br>أَمَاوِيّ مَا يُغْنِي الثَّرَاء عَنْ الْفَتَى .......... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْر <br>وَفِي حَدِيث : ( إِنَّ مَلَك الْمَوْت لَهُ أَعْوَان يَقْطَعُونَ الْعُرُوق يَجْمَعُونَ الرُّوح شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِي بِهَا إِلَى الْحُلْقُوم فَيَتَوَفَّاهَا مَلَك الْمَوْت ) .

وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ

أَمْرِي وَسُلْطَانِي . وَقِيلَ : تَنْظُرُونَ إِلَى الْمَيِّت لَا تَقْدِرُونَ لَهُ عَلَى شَيْء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْل الْمَيِّت يَنْتَظِرُونَ مَتَى تَخْرُج نَفْسه . ثُمَّ قِيلَ : هُوَ رَدّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلهمْ لِإِخْوَانِهِمْ | لَوْ كَانُوا عِنْدنَا مَا مَاتُوا وَمَا قَاتَلُوا | [ آل عِمْرَان : 156 ] أَيْ فَهَلْ رَدُّوا رُوح الْوَاحِد مِنْهُمْ إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَهَلَّا إِذَا بَلَغَتْ نَفْس أَحَدكُمْ الْحُلْقُوم عِنْد النَّزْع وَأَنْتُمْ حُضُور أَمْسَكْتُمْ رُوحه فِي جَسَده , مَعَ حِرْصكُمْ عَلَى اِمْتِدَاد عُمُره , وَحُبّكُمْ لِبَقَائِهِ . وَهَذَا رَدّ لِقَوْلِهِمْ : | نَمُوت وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر | [ الْجَاثِيَة : 24 ] . وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب لِمَنْ هُوَ فِي النَّزْع , أَيْ إِنْ لَمْ يَكُ مَا بِك مِنْ اللَّه فَهَلَّا حَفِظْت عَلَى نَفْسك الرُّوح .

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ

أَيْ بِالْقُدْرَةِ وَالْعِلْم وَالرُّؤْيَة . قَالَ عَامِر بْن عَبْد الْقَيْس : مَا نَظَرَ إِلَى شَيْء إِلَّا رَأَيْت اللَّه تَعَالَى أَقْرَب إِلَيَّ مِنْهُ . وَقِيلَ أَرَادَ وَرُسُلنَا الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ قَبْضه | أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْكُمْ ||وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ|أَيْ لَا تَرَوْنَهُمْ .

فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ

أَيْ فَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مُحَاسَبِينَ وَلَا مَجْزِيِّينَ بِأَعْمَالِكُمْ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | أَإِنَّا لَمَدِينُونَ | [ الصَّافَّات : 53 ] أَيْ مَجْزِيُّونَ مُحَاسَبُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : غَيْر مَمْلُوكِينَ وَلَا مَقْهُورِينَ . قَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره : دِنْته مَلَكْته , وَأَنْشَدَ لِلْحُطَيْئَة : <br>لَقَدْ دُيِّنْتِ أَمْر بَنِيك حَتَّى .......... تَرَكْتِهِمُ أَدَقَّ مِنْ الطَّحِين <br>يَعْنِي مُلِّكْت . وَدَانَهُ أَيْ أَذَلَّهُ وَاسْتَعْبَدَهُ , يُقَال : دِنْته فَدَّان . وَقَدْ مَضَى فِي | الْفَاتِحَة | الْقَوْل فِي هَذَا عِنْد قَوْله تَعَالَى : | يَوْم الدِّين | .

تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

تَرْجِعُونَ الرُّوح إِلَى الْجَسَد .|إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ|أَيْ وَلَنْ تَرْجِعُوهَا فَبَطَلَ زَعْمكُمْ أَنَّكُمْ غَيْر مَمْلُوكِينَ وَلَا مُحَاسَبِينَ . و | تَرْجِعُونَهَا | جَوَاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم | وَلِقَوْلِهِ : | فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ | أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِد , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَرُبَّمَا أَعَادَتْ الْعَرَب الْحَرْفَيْنِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ | [ الْبَقَرَة : 38 ] أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِد وَهُمَا شَرْطَانِ . وَقِيلَ : حُذِفَ أَحَدهمَا لِدَلَالَةِ الْآخَر عَلَيْهِ . وَقِيلَ : فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير , مَجَازهَا : فَلَوْلَا وَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا , تَرُدُّونَ نَفْس هَذَا الْمَيِّت إِلَى جَسَده إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم .

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ

ذَكَرَ طَبَقَات الْخَلْق عِنْد الْمَوْت وَعِنْد الْبَعْث , وَبَيَّنَ دَرَجَاتهمْ فَقَالَ : | فَأَمَّا إِنْ كَانَ | هَذَا الْمُتَوَفَّى | مِنْ الْمُقَرَّبِينَ | وَهُمْ السَّابِقُونَ .

فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ

وَقِرَاءَة الْعَامَّة | فَرَوْح | بِفَتْحِ الرَّاء وَمَعْنَاهُ عِنْد اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : فَرَاحَة مِنْ الدُّنْيَا . قَالَ الْحَسَن : الرَّوْح الرَّحْمَة . الضَّحَّاك : الرَّوْح الِاسْتِرَاحَة . الْقُتَبِيّ : الْمَعْنَى لَهُ فِي الْقَبْر طِيب نَسِيم . وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْن عَطَاء : الرَّوْح النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه , وَالرَّيْحَان الِاسْتِمَاع لِكَلَامِهِ وَوَحْيه , | وَجَنَّة نَعِيم | هُوَ أَلَّا يُحْجَب فِيهَا عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَنَصْر بْن عَاصِم وَالْجَحْدَرِيّ وَرُوَيْس وَزَيْد عَنْ يَعْقُوب | فَرُوح | بِضَمِّ الرَّاء , وَرُوِيَتْ عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَالَ الْحَسَن : الرُّوح الرَّحْمَة , لِأَنَّهَا كَالْحَيَاةِ لِلْمَرْحُومِ . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | فَرُوح | بِضَمِّ الرَّاء وَمَعْنَاهُ فَبَقَاء لَهُ وَحَيَاة فِي الْجَنَّة وَهَذَا هُوَ الرَّحْمَة . | وَرَيْحَان | قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر : أَيْ رِزْق . قَالَ مُقَاتِل : هُوَ الرِّزْق بِلُغَةِ حِمْيَر , يُقَال : خَرَجْت أَطْلُب رَيْحَان اللَّه أَيْ رِزْقه , قَالَ النَّمِر بْن تَوْلَب : <br>سَلَام الْإِلَه وَرَيْحَانه .......... وَرَحْمَته وَسَمَاءٌ دِرَرْ <br>وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ الْجَنَّة . الضَّحَّاك : الرَّحْمَة . وَقِيلَ هُوَ الرَّيْحَان الْمَعْرُوف الَّذِي يُشَمّ . قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا . الرَّبِيع بْن خَيْثَم : هَذَا عِنْد الْمَوْت وَالْجَنَّة مَخْبُوءَة لَهُ إِلَى أَنْ يُبْعَث . أَبُو الْجَوْزَاء : هَذَا عِنْد قَبْض رُوحه يَتَلَقَّى بِضَبَائِر الرَّيْحَان . أَبُو الْعَالِيَة : لَا يُفَارِق أَحَد رُوحه مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُؤْتَى بِغُصْنَيْنِ مِنْ رَيْحَان فَيَشُمّهُمَا ثُمَّ يُقْبَض رُوحه فِيهِمَا , وَأَصْل رَيْحَان وَاشْتِقَاقه تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة | الرَّحْمَن | فَتَأَمَّلْهُ . وَقَدْ سَرَدَ الثَّعْلَبِيّ فِي الرَّوْح وَالرَّيْحَان أَقْوَالًا كَثِيرَة سِوَى مَا ذَكَرْنَا مَنْ أَرَادَهَا وَجَدَهَا هُنَاكَ .

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ

أَيْ إِنْ كَانَ هَذَا الْمُتَوَفَّى مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين

فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ

أَيْ لَسْت تَرَى مِنْهُمْ إِلَّا مَا تُحِبّ مِنْ السَّلَامَة فَلَا تَهْتَمّ لَهُمْ , فَإِنَّهُمْ يَسْلَمُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه . وَقِيلَ : الْمَعْنَى سَلَام لَك مِنْهُمْ , أَيْ أَنْتَ سَالِم مِنْ الِاغْتِمَام لَهُمْ . وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقِيلَ : أَيْ إِنَّ أَصْحَاب الْيَمِين يَدْعُونَ لَك يَا مُحَمَّد بِأَنْ يُصَلِّي اللَّه عَلَيْك وَيُسَلِّم . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْك يَا مُحَمَّد . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ سَلِمْت أَيّهَا الْعَبْد مِمَّا تَكْرَه فَإِنَّك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , فَحُذِفَ إِنَّك . وَقِيلَ : إِنَّهُ يُحَيَّا بِالسَّلَامِ إِكْرَامًا , فَعَلَى هَذَا فِي مَحَلّ السَّلَام ثَلَاثَة أَقَاوِيل : أَحَدهَا عِنْد قَبْض رُوحه فِي الدُّنْيَا يُسَلِّم عَلَيْهِ مَلَك الْمَوْت , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : إِذَا جَاءَ مَلَك الْمَوْت لِيَقْبِض رُوح الْمُؤْمِن قَالَ : رَبّك يُقْرِئك السَّلَام . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة | النَّحْل | عِنْد قَوْله تَعَالَى : | الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة طَيِّبِينَ | [ النَّحْل : 32 ] . الثَّانِي عِنْد مُسَاءَلَته فِي الْقَبْر يُسَلِّم عَلَيْهِ مُنْكَر وَنَكِير . الثَّالِث عِنْد بَعْثه فِي الْقِيَامَة تُسَلِّم عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة قَبْل وُصُوله إِلَيْهَا . قُلْت : وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تُسَلِّم عَلَيْهِ فِي الْمَوَاطِن الثَّلَاثَة وَيَكُون ذَلِكَ إِكْرَامًا بَعْد إِكْرَام . وَاَللَّه أَعْلَم . وَجَوَاب | إِنَّ | عِنْد الْمُبَرِّد مَحْذُوف التَّقْدِير مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْء | فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين | إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين | فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين | فَحُذِفَ جَوَاب الشَّرْط لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ , كَمَا حُذِفَ الْجَوَاب فِي نَحْو قَوْلك أَنْتَ ظَالِم إِنْ فَعَلْت , لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ . وَمَذْهَب الْأَخْفَش أَنَّ الْفَاء جَوَاب | أَمَّا | و | إِنْ| , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْفَاء جَوَاب | أَمَّا | وَقَدْ سَدَّتْ مَسَدّ جَوَاب | إِنْ | عَلَى التَّقْدِير الْمُتَقَدِّم , وَالْفَاء جَوَاب لَهُمَا عَلَى هَذَا الْحَدّ . وَمَعْنَى | أَمَّا | عِنْد الزَّجَّاج : الْخُرُوج مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء , أَيْ دَعْ مَا كُنَّا فِيهِ وَخُذْ فِي غَيْره .

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ

بِالْبَعْثِ|الضَّالِّينَ|عَنْ الْهُدَى وَطَرِيق الْحَقّ

فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ

أَيْ فَلَهُمْ رِزْق مِنْ حَمِيم , كَمَا قَالَ : | ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ . لَآكِلُونَ | وَكَمَا قَالَ : | ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيم | [ الصَّافَّات : 67 ] | وَتَصْلِيَة جَحِيم | إِدْخَال فِي النَّار . وَقِيلَ : إِقَامَة فِي الْجَحِيم وَمُقَاسَاة لِأَنْوَاعِ عَذَابهَا , يُقَال : أَصْلَاهُ النَّار وَصَلَّاهُ , أَيْ جَعَلَهُ يَصْلَاهَا وَالْمَصْدَر هَهُنَا أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُول , كَمَا يُقَال : لِفُلَانٍ إِعْطَاء مَال أَيْ يُعْطَى الْمَال . وَقُرِئَ

وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ

بِكَسْرِ التَّاء أَيْ وَنُزُل مِنْ تَصْلِيَة جَحِيم . ثُمَّ أَدْغَمَ أَبُو عَمْرو التَّاء فِي الْجِيم وَهُوَ بَعِيد .

إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ

أَيْ هَذَا الَّذِي قَصَصْنَاهُ مَحْض الْيَقِين وَخَالِصه . وَجَازَ إِضَافَة الْحَقّ إِلَى الْيَقِين وَهُمَا وَاحِد لِاخْتِلَافِ لَفْظهمَا . قَالَ الْمُبَرِّد : هُوَ كَقَوْلِك عَيْن الْيَقِين وَمَحْض الْيَقِين , فَهُوَ مِنْ بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه عِنْد الْكُوفِيِّينَ . وَعِنْد الْبَصْرِيِّينَ حَقّ الْأَمْر الْيَقِين أَوْ الْخَبَر الْيَقِين . وَقِيلَ : هُوَ تَوْكِيد . وَقِيلَ : أَصْل الْيَقِين أَنْ يَكُون نَعْتًا ل ( الْحَقّ ) فَأُضِيفَ الْمَنْعُوت إِلَى النَّعْت عَلَى الِاتِّسَاع وَالْمَجَاز , كَقَوْلِهِ : | وَلَدَار الْآخِرَة | [ يُوسُف : 109 ] وَقَالَ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة : إِنَّ اللَّه لَيْسَ بِتَارِكٍ أَحَدًا مِنْ النَّاس حَتَّى يَقِفهُ عَلَى الْيَقِين مِنْ هَذَا الْقُرْآن , فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَأَيْقَنَ فِي الدُّنْيَا فَنَفَعَهُ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة , وَأَمَّا الْكَافِر فَأَيْقَنَ يَوْم الْقِيَامَة حِين لَا يَنْفَعهُ الْيَقِين .

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ

أَيْ نَزِّه اللَّه تَعَالَى عَنْ السُّوء . وَالْبَاء زَائِدَة أَيْ سَبِّحْ اِسْم رَبّك , وَالِاسْم الْمُسَمَّى . وَقِيلَ : | فَسَبِّحْ | أَيْ فَصَلِّ بِذِكْرِ رَبّك وَبِأَمْرِهِ . وَقِيلَ : فَاذْكُرْ اِسْم رَبّك الْعَظِيم وَسَبِّحْهُ . وَعَنْ عُقْبَة بْن عَامِر قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ | فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبّك الْعَظِيم | قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِجْعَلُوهَا فِي رُكُوعكُمْ ) وَلَمَّا نَزَلَتْ | سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى | [ الْأَعْلَى : 1 ] قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ ) خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد . وَاَللَّه أَعْلَم .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس