islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
16218

109-الكافرون

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ

وَفِي التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَنَس : أَنَّهَا تَعْدِل ثُلُث الْقُرْآن . وَفِي كِتَاب ( الرَّدّ لِأَبِي بَكْر الْأَنْبَارِيّ ) : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن نَاجِيَة قَالَ : حَدَّثَنَا يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيّ وَأَبُو نُعَيْم عَنْ مُوسَى بْن وَرْدَان عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ | قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ | تَعْدِل رُبُع الْقُرْآن ] . وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا عَنْ أَنَس . وَخَرَّجَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفَجْر فِي سَفَر , فَقَرَأَ | قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ | . و | قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد | , ثُمَّ قَالَ : [ قَرَأْت بِكُمْ ثُلُث الْقُرْآن وَرُبُعه ] . وَرَوَى جُبَيْر بْن مُطْعِم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ أَتُحِبُّ يَا جُبَيْر إِذَا خَرَجْت سَفْرًا أَنْ تَكُون مِنْ أَمْثَل أَصْحَابك هَيْئَة وَأَكْثَرهمْ زَادًا ] ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ : ( فَاقْرَأْ هَذِهِ السُّوَر الْخَمْس مِنْ أَوَّل | قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ | [ الْكَافِرُونَ : 1 ] إِلَى - | قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس | [ النَّاس : 1 ] وَافْتَتِحْ قِرَاءَتك بِبَسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ) . قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْت غَيْر كَثِير الْمَال , إِذَا سَافَرْت أَكُون أَبَذّهمْ هَيْئَة , وَأَقَلّهمْ زَادًا , فَمُذْ قَرَأْتهنَّ صِرْت مِنْ أَحْسَنهمْ هَيْئَة , وَأَكْثَرهمْ زَادًا , حَتَّى أَرْجِع مِنْ سَفَرِي ذَلِكَ . وَقَالَ فَرْوَة بْن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ : قَالَ رَجُل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي قَالَ : ( اِقْرَأْ عِنْد مَنَامك | قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ | فَإِنَّهَا بَرَاءَة مِنْ الشِّرْك ) . خَرَّجَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ فِي الْقُرْآن أَشَدّ غَيْظًا لِإِبْلِيس مِنْهَا ; لِأَنَّهَا تَوْحِيد وَبَرَاءَة مِنْ الشِّرْك . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : كَانَ يُقَال | لِقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ | , و | قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد | الْمُقَشْقِشَتَانِ ; أَيْ أَنَّهُمَا تُبْرِئَانِ مِنْ النِّفَاق . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : كَمَا يُقَشْقِش الْهِنَاء الْجَرَب فَيُبْرِئهُ . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : يُقَال لِلْقُرْحِ وَالْجُدَرِيّ إِذَا يَبِسَ وَتَقَرَّفَ , وَلِلْجَرَبِ فِي الْإِبِل إِذَا قَفَلَ : قَدْ تَوَسَّفَ جِلْده , وَتَقَشَّرَ جِلْده , وَتَقَشْقَشَ جِلْده .</p><p>| قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ | ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ سَبَب نُزُولهَا أَنَّ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَالْعَاص بْن وَائِل , وَالْأَسْوَد بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَأُمَيَّة بْن خَلَف ; لَقُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُد , وَتَعْبُد مَا نَعْبُد , وَنَشْتَرِك نَحْنُ وَأَنْتَ فِي أَمْرنَا كُلّه , فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْت بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا , كُنَّا قَدْ شَارَكْنَاك فِيهِ , وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ . وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا بِيَدِك , كُنْت قَدْ شَرِكْتنَا فِي أَمْرنَا , وَأَخَذْت بِحَظِّك مِنْهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ | قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ | .</p><p>وَقَالَ أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ اِسْتَلَمْت بَعْض هَذِهِ الْآلِهَة لَصَدَّقْنَاك ; فَنَزَلَ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ السُّورَة فَيَئِسُوا مِنْهُ , وَآذَوْهُ , وَآذَوْا أَصْحَابه . وَالْأَلِف وَاللَّام تَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْمَعْهُود وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ صِفَة لِأَيِّ ; لِأَنَّهَا مُخَاطَبَة لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَى كُفْره , فَهِيَ مِنْ الْخُصُوص الَّذِي جَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُوم . وَنَحْوه عَنْ الْمَاوَرْدِيّ : نَزَلَتْ جَوَابًا , وَعَنَى بِالْكَافِرِينَ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ . لَا جَمِيع الْكَافِرِينَ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ , فَعَبَدَ اللَّه , وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى كُفْره . , وَهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْقَوْل , وَهُمْ الْمَذْكُورُونَ .</p><p>قَالَ أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِيّ : وَقَرَأَ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآن : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا | لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ | وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب , وَذَلِكَ اِفْتِرَاء عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ , وَتَضْعِيف لِمَعْنَى هَذِهِ السُّورَة , وَإِبْطَال مَا قَصَدَهُ اللَّه مِنْ أَنْ يُذِلّ نَبِيّه لِلْمُشْرِكِينَ بِخِطَابِهِ إِيَّاهُمْ بِهَذَا الْخِطَاب الزَّرِيّ , وَإِلْزَامهمْ مَا يَأْنَف مِنْهُ كُلّ ذِي لُبّ وَحِجًا . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَدَّعِيه مِنْ اللَّفْظ الْبَاطِل , قِرَاءَتنَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى , وَتَزِيد تَأْوِيلًا لَيْسَ عِنْدهمْ فِي بَاطِلهمْ وَتَحْرِيفهمْ . فَمَعْنَى قِرَاءَتنَا : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ; دَلِيل صِحَّة هَذَا : أَنَّ الْعَرَبِيّ إِذَا قَالَ لِمُخَاطِبِهِ قُلْ لِزَيْدٍ أَقْبِلْ إِلَيْنَا , فَمَعْنَاهُ قُلْ لِزَيْدٍ يَا زَيْد أَقْبِلْ إِلَيْنَا . فَقَدْ وَقَعَتْ قِرَاءَتنَا عَلَى كُلّ مَا عِنْدهمْ , وَسَقَطَ مِنْ بَاطِلهمْ أَحْسَن لَفْظ وَأَبْلَغ مَعْنًى ; إِذْ كَانَ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام يَعْتَمِدهُمْ فِي نَادِيهمْ , فَيَقُول لَهُمْ : | يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ | . وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ مِنْ أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى الْكُفْر , وَيَدْخُلُوا فِي جُمْلَة أَهْله إِلَّا وَهُوَ مَحْرُوس مَمْنُوع مِنْ أَنْ تَنْبَسِط عَلَيْهِ مِنْهُمْ يَد , أَوْ تَقَع بِهِ مِنْ جِهَتهمْ أَذِيَّة . فَمَنْ لَمْ يَقْرَأ | قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ | كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّه , أَسْقَطَ آيَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَسَبِيل أَهْل الْإِسْلَام أَلَّا يُسَارِعُوا إِلَى مِثْلهَا , وَلَا يَعْتَمِدُوا نَبِيّهمْ بِاخْتِزَالِ الْفَضَائِل عَنْهُ , الَّتِي مَنَحَهُ اللَّه إِيَّاهَا , وَشَرَّفَهُ بِهَا .</p><p>وَأَمَّا وَجْه التَّكْرَار فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ فِي قَطْع أَطْمَاعهمْ ; كَمَا تَقُول : وَاَللَّه لَا أَفْعَل كَذَا , ثُمَّ وَاَللَّه لَا أَفْعَلهُ . قَالَ أَكْثَر أَهْل الْمَعَانِي : نَزَلَ الْقُرْآن بِلِسَانِ الْعَرَب , وَمِنْ مَذَاهِبهمْ التَّكْرَار إِرَادَة التَّأْكِيد وَالْإِفْهَام , كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبهمْ الِاخْتِصَار إِرَادَة التَّخْفِيف وَالْإِيجَاز ; لِأَنَّ خُرُوج الْخَطِيب وَالْمُتَكَلِّم مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء أَوْلَى مِنْ اِقْتِصَاره فِي الْمُقَام عَلَى شَيْء وَاحِد ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | [ الرَّحْمَن : 13 ] . | وَيْل يَوْمئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ | [ الْمُطَفِّفِينَ : 10 ] . | كَلَّا سَيَعْلَمُونَ , ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ | [ النَّبَأ : 4 - 5 ] . و | فَإِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا | [ الشَّرْح : 5 - 6 ] . كُلّ هَذَا عَلَى التَّأْكِيد . وَقَدْ يَقُول الْقَائِل : إِرْم إِرْم , اِعْجَلْ اِعْجَلْ ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : ( فَلَا آذَن , ثُمَّ لَا آذَن , إِنَّمَا فَاطِمَة بَضْعَة مِنِّي ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>هَلَّا سَأَلْت جُمُوع كِنْدَة .......... يَوْم وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنَا <br>وَقَالَ آخَر : <br>يَا لَبَكْر أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا .......... يَا لَبَكْر أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَار <br>وَقَالَ آخَر : <br>يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ .......... خَيْر تَمِيم كُلّهَا وَأَكْرَمَهْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>يَا أَقْرَع بْن حَابِس يَا أَقْرَع .......... إِنَّك إِنْ يُصْرَع أَخُوك تُصْرَع <br>وَقَالَ آخَر : <br>أَلَا يَا اِسْلَمِي ثُمَّ اِسْلَمِي ثُمَّتَ اِسْلَمِي .......... ثَلَاث تَحِيَّات وَإِنْ لَمْ تَكَلَّم <br>وَمِثْله كَثِير . وَقِيلَ : هَذَا عَلَى مُطَابَقَة قَوْلهمْ : تَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , ثُمَّ نَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , ثُمَّ تَعْبُد آلِهَتنَا وَنَعْبُد إِلَهك , فَنَجْرِي عَلَى هَذَا أَبَدًا سَنَة وَسَنَة . فَأُجِيبُوا عَنْ كُلّ مَا قَالُوهُ بِضِدِّهِ ; أَيْ إِنَّ هَذَا لَا يَكُون أَبَدًا .

لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَتْ قُرَيْش لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَحْنُ نُعْطِيك مِنْ الْمَال مَا تَكُون بِهِ أَغْنَى رَجُل بِمَكَّة , وَنُزَوِّجك مَنْ شِئْت , وَنَطَأ عَقِبك ; أَيْ نَمْشِي خَلْفك , وَتَكُفّ عَنْ شَتْم آلِهَتنَا , فَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَنَحْنُ نَعْرِض عَلَيْك خَصْلَة وَاحِدَة هِيَ لَنَا وَلَك صَلَاح , تَعْبُد آلِهَتنَا اللَّات وَالْعُزَّى سَنَة , وَنَحْنُ نَعْبُد إِلَهك سَنَة ; فَنَزَلَتْ السُّورَة . فَكَانَ التَّكْرَار فِي | لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ | ; لِأَنَّ الْقَوْم كَرَّرُوا عَلَيْهِ مَقَالهمْ مَرَّة بَعْد مَرَّة . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : إِنَّمَا كَرَّرَ بِمَعْنَى التَّغْلِيظ . وَقِيلَ : أَيْ | لَا أَعْبُد | السَّاعَة | مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ | السَّاعَة | مَا أَعْبُد | . ثُمَّ قَالَ : | وَلَا أَنَا عَابِد | فِي الْمُسْتَقْبَل | مَا عَبَدْتُمْ . وَلَا أَنْتُمْ | فِي الْمُسْتَقْبَل | عَابِدُونَ مَا أَعْبُد | . قَالَهُ الْأَخْفَش وَالْمُبَرِّد . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَان , فَإِذَا مَلُّوا وَثَنًا , وَسَئِمُوا الْعِبَادَة لَهُ , رَفَضُوهُ , ثُمَّ أَخَذُوا وَثَنًا غَيْره بِشَهْوَةِ نُفُوسهمْ , فَإِذَا مَرُّوا بِحِجَارَةٍ تُعْجِبهُمْ أَلْقَوْا هَذِهِ وَرَفَعُوا تِلْكَ , فَعَظَّمُوهَا وَنَصَبُوهَا آلِهَة يَعْبُدُونَهَا ; فَأُمِرَ عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَقُول لَهُمْ : | لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ | الْيَوْم مِنْ هَذِهِ الْآلِهَة الَّتِي بَيْن أَيْدِيكُمْ .

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ

أَيْ وَإِنَّمَا تَعْبُدُونَ الْوَثَن الَّذِي اِتَّخَذْتُمُوهُ , وَهُوَ عِنْدكُمْ الْآن . | وَلَا أَنَا عَابِد مَا عَبَدْتُمْ | أَيْ بِالْأَمْسِ مِنْ الْآلِهَة الَّتِي رَفَضْتُمُوهَا , وَأَقْبَلْتُمْ عَلَى هَذِهِ . | وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد | فَإِنِّي أَعْبُد إِلَهِي . وَقِيلَ : إِنَّ قَوْله تَعَالَى : | لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد | فِي الِاسْتِقْبَال .

وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ

عَلَى نَفْي الْعِبَادَة مِنْهُ لِمَا عَبَدُوا فِي الْمَاضِي .

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ

عَلَى التَّكْرِير فِي اللَّفْظ دُون الْمَعْنَى , مِنْ قِبَل أَنَّ التَّقَابُل يُوجِب أَنْ يَكُون : وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا عَبَدْت , فَعَدَلَ عَنْ لَفْظ عَبَدْت إِلَى أَعْبُد , إِشْعَارًا بِأَنَّ مَا عُبِدَ فِي الْمَاضِي هُوَ الَّذِي يُعْبَد فِي الْمُسْتَقْبَل , مَعَ أَنَّ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل قَدْ يَقَع أَحَدهمَا مَوْقِع الْآخَر . وَأَكْثَر مَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي أَخْبَار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ : | مَا أَعْبُد | , وَلَمْ يَقُلْ : مَنْ أَعْبُد ; لِيُقَابِل بِهِ | وَلَا أَنَا عَابِد مَا عَبَدْتُمْ | وَهِيَ أَصْنَام وَأَوْثَان , وَلَا يَصْلُح فِيهَا إِلَّا | مَا | دُون | مَنْ | فَحَمَلَ الْأَوَّل عَلَى الثَّانِي , لِيَتَقَابَل الْكَلَام وَلَا يَتَنَافَى . وَقَدْ جَاءَتْ | مَا | لِمَنْ يَعْقِل . وَمِنْهُ قَوْلهمْ : سُبْحَان مَا سَخَّرَكُنَّ لَنَا . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى الْآيَات وَتَقْدِيرهَا : قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُد الْأَصْنَام الَّتِي تَعْبُدُونَهَا , وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَعْبُدهُ ; لِإِشْرَاكِكُمْ بِهِ , وَاِتِّخَاذكُمْ الْأَصْنَام , فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَعْبُدُونَهُ , فَأَنْتُمْ كَاذِبُونَ ; لِأَنَّكُمْ تَعْبُدُونَهُ مُشْرِكِينَ . فَأَنَا لَا أَعْبُد مَا عَبَدْتُمْ , أَيْ مِثْل عِبَادَتكُمْ ; | فَمَا | مَصْدَرِيَّة . وَكَذَلِكَ | وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد | مَصْدَرِيَّة أَيْضًا ; مَعْنَاهُ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مِثْل عِبَادَتِي , الَّتِي هِيَ تَوْحِيد .

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

فِيهِ مَعْنَى التَّهْدِيد ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ | [ الْقَصَص : 55 ] أَيْ إِنْ رَضِيتُمْ بِدِينِكُمْ , فَقَدْ رَضِينَا بِدِينِنَا . وَكَانَ هَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ , فَنُسِخَ بِآيَةِ السَّيْف . وَقِيلَ : السُّورَة كُلّهَا مَنْسُوخَة . وَقِيلَ : مَا نُسِخَ مِنْهَا شَيْء لِأَنَّهَا خَبَر . وَمَعْنَى | لَكُمْ دِينكُمْ | أَيْ جَزَاء دِينكُمْ , وَلِيَ جَزَاء دِينِي . وَسَمَّى دِينهمْ دِينًا , لِأَنَّهُمْ اِعْتَقَدُوهُ وَتَوَلَّوْهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَكُمْ جَزَاؤُكُمْ وَلِيَ جَزَائِي ; لِأَنَّ الدِّين الْجَزَاء . وَفَتَحَ الْيَاء مِنْ | وَلِيَ دِين | نَافِع , وَالْبَزِّيّ عَنْ اِبْن كَثِير بِاخْتِلَافِ عَنْهُ , وَهِشَام عَنْ اِبْن عَامِر , وَحَفْص عَنْ عَاصِم . وَأَثْبَتَ الْيَاء فِي | دِينِي | فِي الْحَالَيْنِ نَصْر بْن عَاصِم وَسَلَّام وَيَعْقُوب ; قَالُوا : لِأَنَّهَا اِسْم مِثْل الْكَاف فِي دِينكُمْ , وَالتَّاء فِي قُمْت . الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاء , مِثْل قَوْله تَعَالَى : | فَهُوَ يَهْدِينِ | [ الشُّعَرَاء : 78 ] | فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ | [ آل عِمْرَان : 50 ] وَنَحْوه , اِكْتِفَاء بِالْكِسْرَةِ , وَاتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَف , فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ يَاء .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس