أَقْسَمَ بِالْفَجْرِ . | وَلَيَالٍ عَشْرٍ . وَالشَّفْع وَالْوَتْر . وَاللَّيْل إِذَا يَسْرِ | أَقْسَام خَمْسَة . وَاخْتُلِفَ فِي | الْفَجْر | , فَقَالَ قَوْم : الْفَجْر هُنَا : اِنْفِجَار الظُّلْمَة عَنْ النَّهَار مِنْ كُلّ يَوْم قَالَهُ عَلِيّ وَابْن الزُّبَيْر وَابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهُ النَّهَار كُلّه , وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْفَجْرِ ; لِأَنَّهُ أَوَّله . وَقَالَ اِبْن مُحَيْصِن عَنْ عَطِيَّة عَنْ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي الْفَجْر يَوْم الْمُحَرَّم . وَمِثْله قَالَ قَتَادَة . قَالَ : هُوَ فَجْر أَوَّل يَوْم مِنْ الْمُحَرَّم , مِنْهُ تَنْفَجِر السَّنَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : صَلَاة الصُّبْح . وَرَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : | وَالْفَجْر | : يُرِيد صَبِيحَة يَوْم النَّحْر ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ لِكُلِّ يَوْم لَيْلَة قَبْله إِلَّا يَوْم النَّحْر لَمْ يَجْعَل لَهُ لَيْلَة قَبْله وَلَا لَيْلَة بَعْده ; لِأَنَّ يَوْم عَرَفَة لَهُ لَيْلَتَانِ : لَيْلَة قَبْله وَلَيْلَة بَعْده , فَمَنْ أَدْرَكَ الْمَوْقِف لَيْلَة بَعْد عَرَفَة , فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجّ إِلَى طُلُوع الْفَجْر , فَجْر يَوْم النَّحْر . وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد . وَقَالَ عِكْرِمَة : | وَالْفَجْر | قَالَ : اِنْشِقَاق الْفَجْر مِنْ يَوْم جَمْع . وَعَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : | وَالْفَجْر | آخِر أَيَّام الْعَشْر , إِذَا دَفَعْت مِنْ جَمْع .
قَالَ الضَّحَّاك : فَجْر ذِي الْحِجَّة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَرَنَ الْأَيَّام بِهِ فَقَالَ : | وَلَيَالٍ عَشْر | أَيْ لَيَالٍ عَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ فِي قَوْله : | وَلَيَالٍ عَشْر | هُوَ عَشْر ذِي الْحِجَّة , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مَسْرُوق هِيَ الْعَشْر الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي قِصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام | وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ | [ الْأَعْرَاف : 142 ] , وَهِيَ أَفْضَل أَيَّام السَّنَة . وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : ( | وَالْفَجْر وَلَيَالٍ عَشْر | - قَالَ : عَشْر الْأَضْحَى ) فَهِيَ لَيَالٍ عَشْر عَلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّ لَيْلَة يَوْم النَّحْر دَاخِلَة فِيهِ , إِذْ قَدْ خَصَّهَا اللَّه بِأَنْ جَعَلَهَا مَوْقِفًا لِمَنْ لَمْ يُدْرِك الْوُقُوف يَوْم عَرَفَة . وَإِنَّمَا نُكِّرَتْ وَلَمْ تُعَرَّف لِفَضِيلَتِهَا عَلَى غَيْرهَا , فَلَوْ عُرِّفَتْ لَمْ تُسْتَقْبَل بِمَعْنَى الْفَضِيلَة الَّذِي فِي التَّنْكِير , فَنُكِّرَتْ مِنْ بَيْن مَا أَقْسَمَ بِهِ , لِلْفَضِيلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هِيَ الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان وَقَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَيَمَان وَالطَّبَرِيّ : هِيَ الْعَشْر الْأَوَّل مِنْ الْمُحَرَّم , الَّتِي عَاشِرُهَا يَوْم عَاشُورَاء . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس | وَلَيَالِ عَشْرٍ | ( بِالْإِضَافَةِ ) يُرِيد : وَلَيَالِي أَيَّام عَشْر .
الشَّفْع : الِاثْنَانِ , وَالْوَتْر : الْفَرْد . وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ عِمْرَان بْن الْحُصَيْن عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ ( الشَّفْع وَالْوَتْر : الصَّلَاة , مِنْهَا شَفْع , وَمِنْهَا وَتْر ) . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( | وَالْفَجْر وَلَيَالٍ عَشْر | - قَالَ : هُوَ الصُّبْح , وَعَشْر النَّحْر , وَالْوَتْر يَوْم عَرَفَة , وَالشَّفْع : يَوْم النَّحْر ) . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة . وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس , وَقَالَ : حَدِيث أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر هُوَ الَّذِي صَحَّ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَصَحّ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن . فَيَوْم عَرَفَة وَتْر ; لِأَنَّهُ تَاسِعُهَا , وَيَوْم النَّحْر شَفْع ; لِأَنَّهُ عَاشِرهَا . وَعَنْ أَبِي أَيُّوب قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْله تَعَالَى : | وَالشَّفْع وَالْوَتْر | فَقَالَ : ( الشَّفْع : يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر , وَالْوَتْر لَيْلَة يَوْم النَّحْر ) . وَقَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : الشَّفْع خَلْقُهُ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا | [ النَّبَأ : 8 ] وَالْوَتْر هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . فَقِيلَ لِمُجَاهِدٍ : أَتَرْوِيهِ عَنْ أَحَد ؟ قَالَ : نَعَمْ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَنَحْوه قَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَمَسْرُوق وَأَبُو صَالِح وَقَتَادَة , قَالُوا : الشَّفْع : الْخَلْق , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَمَنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ | [ الذَّارِيَات : 49 ] : الْكُفْر وَالْإِيمَان . , وَالشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة , وَالْهُدَى وَالضَّلَال , وَالنُّور وَالظُّلْمَة , وَاللَّيْل وَالنَّهَار , وَالْحَرّ وَالْبَرْد , وَالشَّمْس وَالْقَمَر , وَالصَّيْف وَالشِّتَاء , وَالسَّمَاء وَالْأَرْض , وَالْجِنّ وَالْإِنْس . وَالْوَتْر : هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : | قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد . اللَّه الصَّمَد | [ الْإِخْلَاص : 2 ] . وَقَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اِسْمًا , وَاَللَّه وَتْر يُحِبّ الْوَتْر ) . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : الشَّفْع : صَلَاة الصُّبْح | وَالْوَتْر : صَلَاة الْمَغْرِب . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس وَأَبُو الْعَالِيَة : هِيَ صَلَاة الْمَغْرِب , الشَّفْع فِيهَا رَكْعَتَانِ , وَالْوَتْر الثَّالِثَة . وَقَالَ اِبْن الزُّبَيْر : الشَّفْع : يَوْمَا مِنًى : الْحَادِي عَشَرَ , وَالثَّانِي عَشَرَ . وَالثَّالِث عَشَرَ الْوَتْر قَالَ اللَّه تَعَالَى : | فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ | . وَقَالَ الضَّحَّاك : الشَّفْع : عَشْر ذِي الْحِجَّة , وَالْوَتْر : أَيَّام مِنًى الثَّلَاثَة . وَهُوَ قَوْل عَطَاء . وَقِيلَ : إِنَّ الشَّفْع وَالْوَتْر : آدَم وَحَوَّاء ; لِأَنَّ آدَم كَانَ فَرْدًا فَشُفِعَ بِزَوْجَتِهِ حَوَّاء , فَصَارَ شَفْعًا بَعْد وَتْر . رَوَاهُ اِبْن أَبِي نَجِيح , وَحَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَفِي رِوَايَة : الشَّفْع : آدَم وَحَوَّاء , وَالْوَتْر هُوَ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : الشَّفْع وَالْوَتْر : الْخَلْق ; لِأَنَّهُمْ شَفْع وَوَتْر , فَكَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِالْخَلْقِ . وَقَدْ يُقْسِم اللَّه تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته لِعِلْمِهِ , وَيُقْسِم بِأَفْعَالِهِ لِقُدْرَتِهِ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : | وَمَا خَلَقَ الذَّكَر وَالْأُنْثَى | [ اللَّيْل : 3 ] . وَيُقْسِم بِمَفْعُولَاتِهِ , لِعَجَائِب صُنْعه كَمَا قَالَ : | وَالشَّمْس وَضُحَاهَا | , | وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا | [ الشَّمْس : 5 ] , | وَالسَّمَاء وَالطَّارِق | [ الطَّارِق : 1 ] . وَقِيلَ : الشَّفْع : دَرَجَات الْجَنَّة , وَهِيَ ثَمَان . وَالْوَتْر , دِرْكَات النَّار ; لِأَنَّهَا سَبْعَة . وَهَذَا قَوْل الْحُسَيْن بْن الْفَضْل كَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّار . وَقِيلَ : الشَّفْع : الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَالْوَتْر : الْكَعْبَة . وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّانَ : الشَّفْع : الْأَيَّام وَاللَّيَالِي , وَالْوَتْر : الْيَوْم الَّذِي لَا لَيْلَة بَعْده , وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : الْوَتْر : هُوَ اللَّه , وَهُوَ الشَّفْع أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ | [ الْمُجَادَلَة : 7 ] . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : الشَّفْع : تَضَادُّ أَوْصَاف الْمَخْلُوقِينَ : الْعِزّ وَالذُّلّ , وَالْقُدْرَة وَالْعَجْز , وَالْقُوَّة وَالضَّعْف , وَالْعِلْم وَالْجَهْل , وَالْحَيَاة وَالْمَوْت , وَالْبَصَر وَالْعَمَى , وَالسَّمْع وَالصَّمَم , وَالْكَلَام وَالْخَرَس . وَالْوَتْر : اِنْفِرَاد صِفَات اللَّه تَعَالَى : عِزٌّ بِلَا ذُلّ , وَقُدْرَة بِلَا عَجْز , وَقُوَّة بِلَا ضَعْف , وَعِلْم بِلَا جَهْل , وَحَيَاة بِلَا مَوْت , وَبَصَر بِلَا عَمَى , وَكَلَام بِلَا خَرَس , وَسَمْع بِلَا صَمَم , وَمَا وَازَاهَا . وَقَالَ الْحَسَن : الْمُرَاد بِالشَّفْعِ وَالْوَتْر : الْعَدَد كُلّه ; لِأَنَّ الْعَدَد لَا يَخْلُو عَنْهُمَا , وَهُوَ إِقْسَام بِالْحِسَابِ . وَقِيلَ : الشَّفْع : مَسْجِدَيْ مَكَّة وَالْمَدِينَة , وَهُمَا الْحَرَمَانِ . وَالْوَتْر : مَسْجِد بَيْت الْمَقْدِس . وَقِيلَ : الشَّفْع : الْقَرْن بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة , أَوْ التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ . وَالْوَتْر : الْإِفْرَاد فِيهِ . وَقِيلَ : الشَّفْع : الْحَيَوَان ; لِأَنَّهُ ذَكَر وَأُنْثَى . وَالْوَتْر : الْجَمَاد . وَقِيلَ : الشَّفْع : مَا يَنْمَى , وَالْوَتْر : مَا لَا يَنْمَى . وَقِيلَ غَيْر هَذَا . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأَصْحَابه وَالْكِسَائِيّ وَحَمْزَة وَخَلَف | وَالْوِتْر | بِكَسْرِ الْوَاو . وَالْبَاقُونَ ( بِفَتْحِ الْوَاو ) , وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَفِي الصِّحَاح : الْوِتْر ( بِالْكَسْرِ ) : الْفَرْد , وَالْوَتْر ( بِفَتْحِ الْوَاو ) : الذَّحْل . هَذِهِ لُغَة أَهْل الْعَالِيَة . فَأَمَّا لُغَة أَهْل الْحِجَاز فَبِالضِّدِّ مِنْهُمْ . فَأَمَّا تَمِيم فَبِالْكَسْرِ فِيهِمَا .
وَهَذَا قَسَم خَامِس . وَبَعْدَمَا أَقْسَمَ بِاللَّيَالِيِ الْعَشْر عَلَى الْخُصُوص , أَقْسَمَ بِاللَّيْلِ عَلَى الْعُمُوم . وَمَعْنَى | يَسْرِي | أَيْ يُسْرَى فِيهِ كَمَا يُقَال : لَيْل نَائِم , وَنَهَار صَائِم . قَالَ : <br>لَقَدْ لُمْتِنَا يَا أُمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى .......... وَنِمْت وَمَا لَيْل الْمَطِيِّ بِنَائِمِ <br>وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار | [ سَبَأ : 33 ] . وَهَذَا قَوْل أَكْثَر أَهْل الْمَعَانِي , وَهُوَ قَوْل الْقُتَبِيّ وَالْأَخْفَش . وَقَالَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ : مَعْنَى | يَسْرِي | : سَارَ فَذَهَبَ . وَقَالَ قَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة : جَاءَ وَأَقْبَلَ . وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم : | وَاللَّيْل إِذَا يَسْرِ | قَالَ : إِذَا اِسْتَوَى . وَقَالَ عِكْرِمَة وَالْكَلْبِيّ وَمُجَاهِد وَمُحَمَّد بْن كَعْب فِي قَوْله : | وَاللَّيْل | : هِيَ لَيْلَة الْمُزْدَلِفَة خَاصَّة لِاخْتِصَاصِهَا بِاجْتِمَاعِ النَّاس فِيهَا لِطَاعَةِ اللَّه . وَقِيلَ : لَيْلَة الْقَدْر لِسَرَايَةِ الرَّحْمَة فِيهَا , وَاخْتِصَاصهَا بِزِيَادَةِ الثَّوَاب فِيهَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ عُمُوم اللَّيْل كُلّه .</p><p>قُلْت : وَهُوَ الْأَظْهَر , كَمَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَيَعْقُوب | يَسْرِي | بِإِثْبَاتِ الْيَاء فِي الْحَالَيْنِ , عَلَى الْأَصْل ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَجْزُومَةٍ , فَثَبَتَتْ فِيهَا الْيَاء . وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو بِإِثْبَاتِهَا فِي الْوَصْل , وَبِحَذْفِهَا فِي الْوَقْف , وَرُوِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : كَانَ الْكِسَائِيّ يَقُول مَرَّة بِإِثْبَاتِ الْيَاء فِي الْوَصْل , وَبِحَذْفِهَا فِي الْوَقْف , اِتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ . ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَذْف الْيَاء فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا ; لِأَنَّهُ رَأْس آيَة , وَهِيَ قِرَاءَة أَهْل الشَّام وَالْكُوفَة , وَاخْتِيَار أَبِي عُبَيْد , اِتِّبَاعًا لِلْخَطِّ ; لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمُصْحَف بِغَيْرِ يَاء . قَالَ الْخَلِيل : تَسْقُط الْيَاء مِنْهَا اِتِّفَاقًا لِرُءُوسِ الْآي . قَالَ الْفَرَّاء : قَدْ تَحْذِف الْعَرَب الْيَاء , وَتَكْتَفِي بِكَسْرِ مَا قَبْلهَا . وَأَنْشَدَ بَعْضهمْ : <br>كَفَّاك كَفٌّ مَا تُلِيقُ دِرْهَمًا .......... جُودًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا <br>يُقَال : فُلَان مَا يُلِيق دِرْهَمًا مِنْ جُودِهِ أَيْ مَا يُمْسِكُهُ , وَلَا يَلْصَق بِهِ . وَقَالَ الْمُؤَرِّج : سَأَلْت الْأَخْفَش عَنْ الْعِلَّة فِي إِسْقَاط الْيَاء مِنْ | يَسْرِ | فَقَالَ : لَا أُجِيبك حَتَّى تَبِيت عَلَى بَاب دَارِي سَنَة , فَبِتّ عَلَى بَاب دَاره سَنَة فَقَالَ : اللَّيْل لَا يَسْرِي وَإِنَّمَا يُسْرَى فِيهِ فَهُوَ مَصْرُوف , وَكُلّ مَا صَرَفْته عَنْ جِهَته بَخَسْته مِنْ إِعْرَابه أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى : | وَمَا كَانَتْ أُمُّك بَغِيًّا | [ مَرْيَم : 28 ] , لَمْ يَقُلْ بَغِيَّة ; لِأَنَّهُ صَرَفَهَا عَنْ بَاغِيَة . الزَّمَخْشَرِيّ : وَيَاء | يَسْرِي | تُحْذَف فِي الدَّرَج , اِكْتِفَاء عَنْهَا بِالْكَسْرَةِ , وَأَمَّا فِي الْوَقْف فَتُحْذَف مَعَ الْكَسْرَة . وَهَذِهِ الْأَسْمَاء كُلّهَا مَجْرُورَة بِالْقَسَمِ , وَالْجَوَاب مَحْذُوف , وَهُوَ لَيُعَذَّبَنَّ يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : | أَلَمْ تَرَ كَيْف فَعَلَ رَبّك | إِلَى قَوْله تَعَالَى | فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبّك سَوْط عَذَاب | [ الْفَجْر : 6 - 13 ] . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ هُوَ | إِنَّ رَبّك لَبِالْمِرْصَادِ | [ الْفَجْر : 14 ] .
وَقَالَ مُقَاتِل : | هَلْ | هُنَا فِي مَوْضِع إِنَّ تَقْدِيره : إِنَّ فِي ذَلِكَ قَسَمًا لِذِي حِجْر . فَ | هَلْ | عَلَى هَذَا , فِي مَوْضِع جَوَاب الْقَسَم . وَقِيلَ : هِيَ عَلَى بَابهَا مِنْ الِاسْتِفْهَام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْرِير كَقَوْلِك : أَلَمْ أُنْعِم عَلَيْك إِذَا كُنْت قَدْ أَنْعَمْت . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِذَلِكَ التَّأْكِيد لِمَا أَقْسَمَ بِهِ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ . وَالْمَعْنَى | : بَلْ فِي ذَلِكَ مَقْنَع لِذِي حِجْر . وَالْجَوَاب عَلَى هَذَا : | إِنَّ رَبّك لَبِالْمِرْصَادِ | [ الْفَجْر : 14 ] . أَوْ مُضْمَر مَحْذُوف .|قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ|أَيْ لِذِي لُبّ وَعَقْل . قَالَ الشَّاعِر : <br>وَكَيْف يُرْجَى أَنْ تَتُوبَ وَإِنَّمَا .......... يُرْجَى مِنْ الْفَتَيَانِ مَنْ كَانَ ذَا حِجْرِ <br>كَذَا قَالَ عَامَّة الْمُفَسِّرِينَ إِلَّا أَنَّ أَبَا مَالِك قَالَ : | لِذِي حِجْر | : لِذِي سِتْر مِنْ النَّاس . وَقَالَ الْحَسَن : لِذِي حِلْم . قَالَ الْفَرَّاء : الْكُلّ يَرْجِع إِلَى مَعْنًى وَاحِد : لِذِي حِجْر , وَلِذِي عَقْل , وَلِذِي حِلْم , وَلِذِي سِتْر الْكُلّ بِمَعْنَى الْعَقْل . وَأَصْل الْحِجْر : الْمَنْع . يُقَال لِمَنْ مَلَكَ نَفْسه وَمَنَعَهَا : إِنَّهُ لَذُو حِجْر وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَجَر , لِامْتِنَاعِهِ بِصَلَابَتِهِ : وَمِنْهُ حَجَرَ الْحَاكِم عَلَى فُلَان , أَيْ مَنَعَهُ وَضَبَطَهُ عَنْ التَّصَرُّف وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الْحُجْرَة حُجْرَة , لِامْتِنَاعِ مَا فِيهَا بِهَا . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْعَرَب تَقُول : إِنَّهُ لِذُو حِجْر : إِذَا كَانَ قَاهِرًا لِنَفْسِهِ , ضَابِطًا لَهَا كَأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ حَجَرْت عَلَى الرَّجُل .
| رَبّك | أَيْ مَالِكُك وَخَالِقُك . | بِعَادٍ | قِرَاءَة الْعَامَّة | بِعَادٍ | مُنَوَّنًا . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة | بِعَادٍ إِرَم | مُضَافًا . فَمَنْ لَمْ يُضِفْ جَعَلَ | إِرَم | اِسْمه , وَلَمْ يَصْرِفْهُ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ عَادًا اِسْم أَبِيهِمْ , وَإِرَم اِسْم الْقَبِيلَة وَجَعَلَهُ بَدَلًا مِنْهُ , أَوْ عَطْف بَيَان . وَمَنْ قَرَأَهُ بِالْإِضَافَةِ وَلَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ اِسْم أُمّهمْ , أَوْ اِسْم بَلْدَتهمْ . وَتَقْدِيره : بِعَادٍ أَهْل إِرَم . كَقَوْلِهِ : | وَاسْأَلْ الْقَرْيَة | [ يُوسُف : 82 ] وَلَمْ تَنْصَرِفْ - قَبِيلَة كَانَتْ أَوْ أَرْضًا - لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيث . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | إِرَم | بِكَسْرِ الْهَمْزَة . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا | بِعَادَ إِرَمَ | مَفْتُوحَتَيْنِ , وَقُرِئَ | بِعَادَ إِرْم | بِسُكُونِ الرَّاء , عَلَى التَّخْفِيف كَمَا قُرِئَ | بِوَرْقِكُمْ | . وَقُرِئَ | بِعَادٍ إِرَمِ ذَات الْعِمَاد | بِإِضَافَةِ | إِرَم | - إِلَى - | ذَات الْعِمَاد | . وَالْإِرَم : الْعَلَم . أَيْ بِعَادٍ أَهْل ذَات الْعَلَم . وَقُرِئَ | بِعَادٍ إِرَمَ ذَات الْعِمَاد | أَيْ جَعَلَ اللَّه ذَات الْعِمَاد رَمِيمًا . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة | أَرَمَ | بِفَتْحِ الْهَمْزَة . قَالَ مُجَاهِد : مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة شَبَّهَهُمْ بِالْآرَامِ , الَّتِي هِيَ الْأَعْلَام , وَاحِدهَا : أَرَم . وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير أَيْ وَالْفَجْر وَكَذَا وَكَذَا إِنَّ رَبّك لَبِالْمِرْصَادِ أَلَمْ تَرَ . أَيْ أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمك إِلَى مَا فَعَلَ رَبّك بِعَادٍ . وَهَذِهِ الرُّؤْيَة رُؤْيَة الْقَلْب , وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَاد عَامّ . وَكَانَ أَمْر عَادَ وَثَمُود عِنْدهمْ مَشْهُورًا إِذْ كَانُوا فِي بِلَاد الْعَرَب , وَحِجْر ثَمُود مَوْجُود الْيَوْم . وَأَمْر فِرْعَوْن كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ جِيرَانهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَاسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَخْبَار , وَبِلَاد فِرْعَوْن مُتَّصِلَة بِأَرْضِ الْعَرَب . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة | الْبُرُوج | وَغَيْرهَا | بِعَادٍ | أَيْ بِقَوْمِ عَادٍ . فَرَوَى شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : إِنْ كَانَ الرَّجُل مِنْ قَوْم عَادٍ لَيَتَّخِذ الْمِصْرَاع مِنْ حِجَارَة , وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُقِلُّوهُ , وَإِنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيُدْخِل قَدَمَهُ فِي الْأَرْض فَتَدْخُل فِيهَا .
| إِرَم | قِيلَ هُوَ سَام بْن نُوح قَالَهُ اِبْن إِسْحَاق . وَرَوَى عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس - وَحَكَى عَنْ اِبْن إِسْحَاق أَيْضًا - قَالَ : عَادَ بْن إِرَم . فَإِرَم عَلَى هَذَا أَبُو عَادٍ , وَعَاد بْن إِرَم بْن عَوْص بْن سَام بْن نُوح . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل : هُوَ اِسْم جَدّ عَادٍ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانَ سَام بْن نُوح لَهُ أَوْلَاد , إِرَم بْن سَام , وَأَرْفَخْشَذ بْن سَام . فَمِنْ وَلَد إِرَم بْن سَام الْعَمَالِقَة وَالْفَرَاعِنَة وَالْجَبَابِرَة وَالْمُلُوك الطُّغَاة وَالْعُصَاة . وَقَالَ مُجَاهِد : | إِرَم | أُمَّة مِنْ الْأُمَم . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّ مَعْنَى إِرَم : الْقَدِيمَة , وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي نَجِيح . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهَا الْقَوِيَّة . وَقَالَ قَتَادَة : هِيَ قَبِيلَة مِنْ عَادٍ . وَقِيلَ : هُمَا عَادَانِ . فَالْأُولَى هِيَ إِرَم قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى | [ النَّجْم : 50 ] . فَقِيلَ لِعَقِبِ عَاد بْن عَوْص بْن إِرَم بْن سَام بْن نُوح : عَاد كَمَا يُقَال لِبَنِي هَاشِم : هَاشِم . ثُمَّ قِيلَ لِلْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ : عَادٌ الْأُولَى , وَإِرَم : تَسْمِيَة لَهُمْ بِاسْمِ جَدّهمْ . وَلِمَنْ بَعْدهمْ : عَاد الْأَخِيرَة . قَالَ اِبْن الرُّقَيَّات : <br>مَجْدًا تَلِيدًا بَنَاهُ أَوَّلُهُمْ .......... أَدْرَكَ عَادًا وَقَبْلَهُ إِرَمَا <br>وَقَالَ مَعْمَر : | إِرَم | : إِلَيْهِ مَجْمَع عَاد وَثَمُود . وَكَانَ يُقَال : عَاد إِرَم , وَعَاد ثَمُود . وَكَانَتْ الْقَبَائِل تَنْتَسِب إِلَى إِرَم . | ذَات الْعِمَاد , الَّتِي لَمْ يُخْلَق مِثْلهَا فِي الْبِلَاد | قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة عَطَاء : كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ طُولُهُ خَمْسمِائَةِ ذِرَاع , وَالْقَصِير مِنْهُمْ طُوله ثَلَثمِائَةِ ذِرَاع بِذِرَاعِ نَفْسه . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّ طُول الرَّجُل مِنْهُمْ كَانَ سَبْعِينَ ذِرَاعًا . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ بَاطِل ; لِأَنَّ فِي الصَّحِيح : ( إِنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي الْهَوَاء , فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْق يَنْقُصُ إِلَى الْآن ) . وَزَعَمَ قَتَادَة : أَنَّ طُول الرَّجُل مِنْهُمْ اِثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : | ذَات الْعِمَاد | ذَات الطُّول . يُقَال : رَجُل مُعَمَّد إِذَا كَانَ طَوِيلًا . وَنَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . وَعَنْ قَتَادَة أَيْضًا : كَانُوا عِمَادًا لِقَوْمِهِمْ يُقَال : فُلَان عَمِيد الْقَوْم وَعَمُودهمْ : أَيْ سَيِّدهمْ . وَعَنْهُ أَيْضًا : قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ بِأَبْيَاتِهِمْ لِلِانْتِجَاعِ , وَكَانُوا أَهْل خِيَام وَأَعْمِدَة , يَنْتَجِعُونَ الْغُيُوث , وَيَطْلُبُونَ الْكَلَأ , ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ . وَقِيلَ : | ذَات الْعِمَاد | أَيْ ذَات الْأَبْنِيَة الْمَرْفُوعَة عَلَى الْعُمُد . وَكَانُوا يَنْصِبُونَ الْأَعْمِدَة , فَيَبْنُونَ عَلَيْهَا الْقُصُور . قَالَ اِبْن زَيْد : | ذَات الْعِمَاد | يَعْنِي إِحْكَام الْبُنْيَان بِالْعُمُدِ . وَفِي الصِّحَاح : وَالْعِمَاد : الْأَبْنِيَة الرَّفِيعَة , تُذَكَّر وَتُؤَنَّث . قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : <br>وَنَحْنُ إِذَا عِمَادِ الْحَيِّ خَرَّتْ .......... عَلَى الْأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِينَا <br>وَالْوَاحِدَة عِمَادَة . وَفُلَان طَوِيل الْعِمَاد : إِذَا كَانَ مَنْزِلُهُ مَعْلَمًا لِزَائِرِهِ . وَالْأَحْفَاض : جَمْع حَفَض ( بِالتَّحْرِيكِ ) وَهُوَ مَتَاع الْبَيْت إِذَا هُيِّئَ لِيُحْمَل أَيْ خَرَّتْ عَلَى الْمَتَاع . وَيُرْوَى | عَنْ الْأَحْفَاضِ | أَيْ خَرَّتْ عَنْ الْإِبِل الَّتِي تَحْمِل خُرْثِيَّ الْبَيْت . وَقَالَ الضَّحَّاك : | ذَات الْعِمَاد | ذَات الْقُوَّة وَالشِّدَّة , مَأْخُوذ مِنْ قُوَّة الْأَعْمِدَة دَلِيله قَوْله تَعَالَى : | وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ مِنَّا قُوَّة | [ فُصِّلَتْ : 15 ] . وَرَوَى عَوْف عَنْ خَالِد الرَّبْعِيّ | إِرَم ذَات الْعِمَاد | قَالَ : هِيَ دِمَشْق . وَهُوَ قَوْل عِكْرِمَة وَسَعِيد الْمَقْبُرِيّ . رَوَاهُ اِبْن وَهْب وَأَشْهَب عَنْ مَالِك . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : هِيَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة .
الضَّمِير فِي | مِثْلهَا | يَرْجِع إِلَى الْقَبِيلَة . أَيْ لَمْ يُخْلَق مِثْل الْقَبِيلَة فِي الْبِلَاد : قُوَّة وَشِدَّة , وَعِظَم أَجْسَاد , وَطُول قَامَة عَنْ الْحَسَن وَغَيْره . وَفِي حَرْف عَبْد اللَّه | الَّتِي لَمْ يُخْلَق مِثْلهمْ فِي الْبِلَاد | . وَقِيلَ : يَرْجِع لِلْمَدِينَةِ . وَالْأَوَّل أَظْهَر , وَعَلَيْهِ الْأَكْثَر , حَسَبَ مَا ذَكَرْنَاهُ . وَمَنْ جَعَلَ | إِرَم | مَدِينَة قَدَّرَ حَذْفًا الْمَعْنَى : كَيْف فَعَلَ رَبّك بِمَدِينَةِ عَادٍ إِرَم , أَوْ بَعْد صَاحِبه إِرَم . وَإِرَم عَلَى هَذَا : مُؤَنَّثَة مَعْرِفَة . وَاخْتَارَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّهَا دِمَشْق ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبِلَاد مِثْلهَا . ثُمَّ أَخَذَ يَنْعَتُهَا بِكَثْرَةِ مِيَاهِهَا وَخَيْرَاتِهَا . ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة لَعَجَائِبَ , لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْمَنَارَة , فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة الظَّاهِر وَالْبَاطِن عَلَى الْعُمُد , وَلَكِنْ لَهَا أَمْثَال , فَأَمَّا دِمَشْق فَلَا مِثْل لَهَا . وَقَدْ رَوَى مَعْن عَنْ مَالِك أَنَّ كِتَابًا وُجِدَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ , فَلَمْ يُدْرَ مَا هُوَ ؟ فَإِذَا فِيهِ : | أَنَا شَدَّاد بْن عَادٍ , الَّذِي رَفَعَ الْعِمَاد , بَنَيْتهَا حِين لَا شَيْب وَلَا مَوْت | . قَالَ مَالِك : إِنْ كَانَ لَتَمُرُّ بِهِمْ مِائَةُ سَنَة لَا يَرَوْنَ فِيهَا جِنَازَة . وَذُكِرَ عَنْ ثَوْر بْن زَيْد أَنَّهُ قَالَ : أَنَا شَدَّاد بْن عَادٍ , وَأَنَا رَفَعْت الْعِمَاد , وَأَنَا الَّذِي شَدَدْت بِذِرَاعِي بَطْن الْوَاد , وَأَنَا الَّذِي كَنَزْت كَنْزًا عَلَى سَبْعَة أَذْرُعٍ , لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا أُمَّةُ مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِعَادٍ اِبْنَانِ : شَدَّاد وَشَدِيد فَمَلَكَا وَقَهَرَا , ثُمَّ مَاتَ شَدِيد , وَخَلَصَ الْأَمْر لِشَدَّادٍ فَمَلَكَ الدُّنْيَا , وَدَانَتْ لَهُ مُلُوكهَا فَسَمِعَ بِذِكْرِ الْجَنَّة , فَقَالَ : أَبْنِي مِثْلهَا . فَبَنَى إِرَم فِي بَعْض صَحَارَى عَدَن , فِي ثَلَثمِائَةِ سَنَة , وَكَانَ عُمُرُهُ تِسْعمِائَةِ 4 سَنَة . وَهِيَ مَدِينَة عَظِيمَة , قُصُورهَا مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَأَسَاطِينهَا مِنْ الزَّبَرْجَد وَالْيَاقُوت , وَفِيهَا أَصْنَاف الْأَشْجَار وَالْأَنْهَار الْمُطَّرِدَة . وَلَمَّا تَمَّ بِنَاؤُهَا سَارَ إِلَيْهَا بِأَهْلِ مَمْلَكَته , فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَسِيرَة يَوْم وَلَيْلَة , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ صَيْحَة مِنْ السَّمَاء فَهَلَكُوا . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن قِلَابَةَ : أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَب إِبِل لَهُ , فَوَقَعَ عَلَيْهَا , فَحَمَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِمَّا ثَمَّ , وَبَلَغَ خَبَرُهُ مُعَاوِيَة فَاسْتَحْضَرَهُ , فَقَصَّ عَلَيْهِ , فَبَعَثَ إِلَى كَعْب فَسَأَلَهُ , فَقَالَ : هِيَ إِرَم ذَات الْعِمَاد , وَسَيَدْخُلُهَا رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِك , أَحْمَرُ أَشْقَرُ قَصِيرٌ , عَلَى حَاجِبه خَال , وَعَلَى عَقِبِهِ خَال , يَخْرُج فِي طَلَب إِبِل لَهُ ثُمَّ اِلْتَفَتَ فَأَبْصَرَ اِبْن قِلَابَةَ , وَقَالَ : هَذَا وَاَللَّه ذَلِكَ الرَّجُل . وَقِيلَ : أَيْ لَمْ يُخْلَق مِثْل أَبْنِيَة عَادَ الْمَعْرُوفَة بِالْعُمُدِ . فَالْكِنَايَة لِلْعِمَادِ . وَالْعِمَاد عَلَى هَذَا جَمْع عُمُد . وَقِيلَ : الْإِرَم : الْهَلَاك يُقَال : أَرِمَ بَنُو فُلَان : أَيْ هَلَكُوا وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَرَأَ الضَّحَّاك : | أَرَمَّ ذَاتَ الْعِمَاد | أَيْ أَهْلَكَهُمْ , فَجَعَلَهُمْ رَمِيمًا .
ثَمُود : هُمْ قَوْم صَالِح . و | جَابُوا | : قَطَعُوا . وَمِنْهُ : فُلَان يَجُوب الْبِلَاد , أَيْ يَقْطَعهَا . وَإِنَّمَا سُمِّيَ جَيْب الْقَمِيص ; لِأَنَّهُ جَيْب أَيْ قَطْع . قَالَ الشَّاعِر وَكَانَ قَدْ نَزَلَ عَلَى اِبْن الزُّبَيْر بِمَكَّة , فَكَتَبَ لَهُ بِسِتِّينَ وَسْقًا يَأْخُذهَا بِالْكُوفَةِ . فَقَالَ : <br>رَاحَتْ رَوَاحًا قَلُوصِي وَهِيَ حَامِدَةٌ .......... آلَ الزُّبَيْرِ وَلَمْ تَعْدِلْ بِهِمْ أَحَدًا <br><br>رَاحَتْ بِسِتِّينَ وَسْقًا فِي حَقِيبَتهَا .......... مَا حَمَلَتْ حِمْلَهَا الْأَدْنَى وَلَا السَّدَدَا <br><br>مَا إِنْ رَأَيْت قَلُوصًا قَبْلهَا حَمَلَتْ .......... سِتِّينَ وَسْقًا وَلَا جَابَتْ بِهِ بَلَدًا <br>أَيْ قَطَعَتْ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : أَوَّل مَنْ نَحَتَ الْجِبَال وَالصُّوَر وَالرُّخَام : ثَمُود . فَبَنَوْا مِنْ الْمَدَائِن أَلْفًا وَسَبْعمِائَةِ مَدِينَة كُلّهَا مِنْ الْحِجَارَة . وَمِنْ الدُّور وَالْمَنَازِل أَلْفَيْ أَلْف وَسَبْعُمِائَةِ أَلْف , كُلّهَا مِنْ الْحِجَارَة . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : | وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا آمِنِينَ | [ الْحِجْر : 82 ] . وَكَانُوا لِقُوَّتِهِمْ يُخْرِجُونَ الصُّخُور , وَيَنْقُبُونَ الْجِبَال , وَيَجْعَلُونَهَا بُيُوتًا لِأَنْفُسِهِمْ . | بِالْوَادِي | أَيْ بِوَادِي الْقُرَى قَالَهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق . وَرَوَى أَبُو الْأَشْهَب عَنْ أَبِي نَضْرَة قَالَ : أَتَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غُزَاة تَبُوك عَلَى وَادِي ثَمُود , وَهُوَ عَلَى فَرَس أَشْقَر , فَقَالَ : ( أَسْرِعُوا السَّيْر , فَإِنَّكُمْ فِي وَادٍ مَلْعُون ) . وَقِيلَ : الْوَادِي بَيْن جِبَال , وَكَانُوا يَنْقُبُونَ فِي تِلْكَ الْجِبَال بُيُوتًا وَدُورًا وَأَحْوَاضًا . وَكُلّ مُنْفَرَجٍ بَيْن جِبَال أَوْ تِلَال يَكُون مَسْلَكًا لِلسَّيْلِ وَمَنْفَذًا فَهُوَ وَادٍ .
أَيْ الْجُنُود وَالْعَسَاكِر وَالْجُمُوع وَالْجُيُوش الَّتِي تَشُدّ مُلْكه قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : كَانَ يُعَذِّب النَّاس بِالْأَوْتَادِ , وَيَشُدُّهُمْ بِهَا إِلَى أَنْ يَمُوتُوا تَجَبُّرًا مِنْهُ وَعُتُوًّا . وَهَكَذَا فَعَلَ بِامْرَأَتِهِ آسِيَة وَمَاشِطَة اِبْنَتِهِ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ فِي آخِر سُورَة | التَّحْرِيم | . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : كَانَتْ لَهُ صَخْرَة تُرْفَع بِالْبَكَرَاتِ , ثُمَّ يُؤْخَذ الْإِنْسَان فَتُوتَد لَهُ أَوْتَاد الْحَدِيد , ثُمَّ يُرْسِل تِلْكَ الصَّخْرَة عَلَيْهِ فَتَشْدَخُهُ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | ص | مِنْ ذِكْر أَوْتَادِهِ مَا فِيهِ كِفَايَة . وَالْحَمْد لِلَّهِ .
يَعْنِي عَادًا وَثَمُودَ وَفِرْعَوْن | طَغَوْا | أَيْ تَمْرُدُوا وَعَتَوْا وَتَجَاوَزُوا الْقَدْر فِي الظُّلْم وَالْعُدْوَان .
أَيْ الْجَوْر وَالْأَذَى . و | الَّذِينَ طَغَوْا | أَحْسَن الْوُجُوه فِيهِ أَنْ يَكُون فِي مَحِلّ النَّصْب عَلَى الذَّمّ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا عَلَى : هُمْ الَّذِينَ طَغَوْا , أَوْ مَجْرُورًا عَلَى وَصْف الْمَذْكُورِينَ : عَاد , وَثَمُود , وَفِرْعَوْن .
أَيْ أَفْرَغَ عَلَيْهِمْ وَأَلْقَى يُقَال : صَبَّ عَلَى فُلَان خُلْعَة , أَيْ أَلْقَاهَا عَلَيْهِ . وَقَالَ النَّابِغَة : <br>فَصَبَّ عَلَيْهِ اللَّهُ أَحْسَنَ صُنْعِهِ .......... وَكَانَ لَهُ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ نَاصِرَا<br>|سَوْطَ عَذَابٍ|أَيْ نَصِيب عَذَاب . وَيُقَال : شِدَّته ; لِأَنَّ السَّوْط كَانَ عِنْدهمْ نِهَايَة مَا يُعَذَّب بِهِ . قَالَ الشَّاعِر : <br>أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَظْهَرَ دِينَهُ .......... وَصَبَّ عَلَى الْكُفَّار سَوْطَ عَذَابِ <br>وَقَالَ الْفَرَّاء : وَهِيَ كَلِمَة تَقُولهَا الْعَرَب لِكُلِّ نَوْع مِنْ أَنْوَاع الْعَذَاب . وَأَصْل ذَلِكَ أَنَّ السَّوْط هُوَ عَذَابهمْ الَّذِي يُعَذَّبُونَ بِهِ , فَجَرَى لِكُلِّ عَذَاب إِذْ كَانَ فِيهِ عِنْدهمْ غَايَة الْعَذَاب . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ عَذَاب يُخَالِط اللَّحْم وَالدَّم مِنْ قَوْلهمْ : سَاطَهُ يَسُوطهُ سَوْطًا أَيْ خَلَطَهُ , فَهُوَ سَائِط . فَالسَّوْط : خَلْط الشَّيْءِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمِسْوَاط . وَسَاطَهُ أَيْ خَلَطَهُ , فَهُوَ سَائِط , وَأَكْثَر ذَلِكَ يُقَال : سَوَّطَ فُلَان أُمُورَهُ . قَالَ : <br>فَسُطْهَا ذَمِيمَ الرَّأْيِ غَيْرَ مُوَفَّقٍ .......... فَلَسْت عَلَى تَسْوِيطِهَا بِمُعَانِ <br>قَالَ أَبُو زَيْد : يُقَال أَمْوَالهمْ سَوِيطَة بَيْنهمْ أَيْ مُخْتَلِطَة . حَكَاهُ عَنْهُ يَعْقُوب . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ جَعَلَ سَوْطَهُمْ الَّذِي ضَرَبَهُمْ بِهِ الْعَذَاب . يُقَال : سَاطَ دَابَّتَهُ يَسُوطُهَا أَيْ ضَرَبَهَا بِسَوْطِهِ . وَعَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد : كَانَ الْحَسَن إِذَا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة قَالَ : إِنَّ عِنْد اللَّه أَسْوَاطًا كَثِيرَة , فَأَخَذَهُمْ بِسَوْطٍ مِنْهَا . وَقَالَ قَتَادَة : كُلّ شَيْء عَذَّبَ اللَّه تَعَالَى بِهِ فَهُوَ سَوْط عَذَاب .
أَيْ يَرْصُد عَمَل كُلّ إِنْسَان حَتَّى يُجَازِيَهُ بِهِ قَالَهُ الْحَسَن وَعِكْرِمَة . وَقِيلَ : أَيْ عَلَى طَرِيق الْعِبَاد لَا يَفُوتهُ أَحَد . وَالْمَرْصَد وَالْمِرْصَاد : الطَّرِيق . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | التَّوْبَة | وَالْحَمْد لِلَّهِ . فَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنَّ عَلَى جَهَنَّم سَبْعَ قَنَاطِرَ , يُسْأَل الْإِنْسَان عِنْد أَوَّل قَنْطَرَة عَنْ الْإِيمَان , فَإِنْ جَاءَ بِهِ تَامًّا جَازَ إِلَى الْقَنْطَرَة الثَّانِيَة , ثُمَّ يُسْأَل عَنْ الصَّلَاة , فَإِنْ جَاءَ بِهَا جَازَ إِلَى الثَّالِثَة , ثُمَّ يُسْأَل عَنْ الزَّكَاة , فَإِنْ جَاءَ بِهَا جَازَ إِلَى الرَّابِعَة . ثُمَّ يُسْأَل عَنْ صِيَام شَهْر رَمَضَان , فَإِنْ جَاءَ بِهِ جَازَ إِلَى الْخَامِسَة . ثُمَّ يُسْأَل عَنْ الْحَجّ وَالْعُمْرَة , فَإِنْ جَاءَ بِهِمَا جَازَ إِلَى السَّادِسَة . ثُمَّ يُسْأَل عَنْ صِلَة الرَّحِم , فَإِنْ جَاءَ بِهَا جَازَ إِلَى السَّابِعَة . ثُمَّ يُسْأَل عَنْ الْمَظَالِم , وَيُنَادِي مُنَادٍ : أَلَا مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ فَلْيَأْتِ فَيُقْتَصّ لِلنَّاسِ مِنْهُ , يُقْتَصّ لَهُ مِنْ النَّاس فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : | إِنَّ رَبّك لَبِالْمِرْصَادِ | . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : | لَبِالْمِرْصَادِ | يَعْنِي جَهَنَّم عَلَيْهَا ثَلَاث قَنَاطِر : قَنْطَرَة فِيهَا الرَّحِم , وَقَنْطَرَة فِيهَا الْأَمَانَة , وَقَنْطَرَة فِيهَا الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .</p><p>قُلْت : أَيْ حِكْمَته وَإِرَادَته وَأَمْره . وَاَللَّه أَعْلَم . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس , أَيْضًا | لَبِالْمِرْصَادِ | أَيْ يَسْمَع وَيَرَى .</p><p>قُلْت : هَذَا قَوْل حَسَن | يَسْمَع | أَقْوَالهمْ وَنَجْوَاهُمْ , و | يَرَى | أَيْ يَعْلَم أَعْمَالهمْ وَأَسْرَارهمْ , فَيُجَازِي كَلَا بِعَمَلِهِ . وَعَنْ بَعْض الْعَرَب أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَيْنَ رَبّك ؟ فَقَالَ : بِالْمِرْصَادِ . وَعَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ السُّورَة عِنْد الْمَنْصُور حَتَّى بَلَغَ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ : | إِنَّ رَبّك لَبِالْمِرْصَادِ | يَا أَبَا جَعْفَر قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : عَرَّضَ لَهُ فِي هَذَا النِّدَاء , بِأَنَّهُ بَعْض مَنْ تُوُعِّدَ بِذَلِكَ مِنْ الْجَبَابِرَة فَلِلَّهِ دَرُّهُ . أَيّ أَسَد فَرَّاس كَانَ بَيْن يَدَيْهِ ؟ يَدُقّ الظَّلَمَة بِإِنْكَارِهِ , وَيَقْمَع أَهْل الْأَهْوَاء وَالْبِدَع بِاحْتِجَاجِهِ !
يَعْنِي الْكَافِر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد عُتْبَة بْن رَبِيعَة وَأَبَا حُذَيْفَة بْن الْمُغِيرَة . وَقِيلَ : أُمَيَّة بْن خَلَف . وَقِيلَ : أُبَيّ بْن خَلَف .|إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ|أَيْ اِمْتَحَنَهُ وَاخْتَبَرَهُ بِالنِّعْمَةِ . و | مَا | : زَائِدَة صِلَة .|فَأَكْرَمَهُ|بِالْمَالِ .|وَنَعَّمَهُ|بِمَا أَوْسَعَ عَلَيْهِ .|فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي|فَيَفْرَح بِذَلِكَ وَلَا يَحْمَدهُ .
أَيْ اِمْتَحَنَهُ بِالْفَقْرِ وَاخْتَبَرَهُ .|فَقَدَرَ|أَيْ ضَيَّقَ|عَلَيْهِ رِزْقَهُ|عَلَى مِقْدَار الْبُلْغَة .|فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي|أَيْ أَوْلَانِي هَوَانًا . وَهَذِهِ صِفَة الْكَافِر الَّذِي لَا يُؤْمِن بِالْبَعْثِ : وَإِنَّمَا الْكَرَامَة عِنْده وَالْهَوَان بِكَثْرَةِ الْحَظّ فِي الدُّنْيَا وَقِلَّته . فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَالْكَرَامَة عِنْده أَنْ يُكْرِمَهُ اللَّه بِطَاعَتِهِ وَتَوْفِيقه , الْمُؤَدِّي إِلَى حَظّ الْآخِرَة , وَإِنْ وَسَّعَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَمِدَهُ وَشَكَرَهُ .</p><p>قُلْت : الْآيَتَانِ صِفَة كُلّ كَافِر . وَكَثِير مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَظُنّ أَنَّ مَا أَعْطَاهُ اللَّه لِكَرَامَتِهِ وَفَضِيلَتِهِ عِنْد اللَّه , وَرُبَّمَا يَقُول بِجَهْلِهِ : لَوْ لَمْ أَسْتَحِقَّ هَذَا لَمْ يُعْطِنِيهِ اللَّه . وَكَذَا إِنْ قَتَرَ عَلَيْهِ يَظُنّ أَنَّ ذَلِكَ لِهَوَانِهِ عَلَى اللَّه . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | فَقَدَرَ | مُخَفَّفَة الدَّال . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر مُشَدَّدًا , وَهُمَا لُغَتَانِ . وَالِاخْتِيَار التَّخْفِيف لِقَوْلِهِ : | وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ | [ الطَّلَاق : 7 ] . قَالَ أَبُو عَمْرو : | قُدِرَ | أَيْ قُتِرَ . و | قَدَّرَ | مُشَدَّدًا : هُوَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَكْفِيهِ , وَلَوْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ مَا قَالَ | رَبِّي أَهَانَنِ | . وَقَرَأَ أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرو | رَبِّيَ | بِفَتْحِ الْيَاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ . وَأَسْكَنَ الْبَاقُونَ . وَأَثْبَتَ الْبَزِّيّ وَابْن مُحَيْصِن وَيَعْقُوب الْيَاء مِنْ | أَكْرَمَنِ | , و | أَهَانَنِ | فِي الْحَالَيْنِ ; لِأَنَّهَا اِسْم فَلَا تُحْذَف . وَأَثْبَتَهَا الْمَدَنِيُّونَ فِي الْوَصْل دُون الْوَقْف , اِتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ . وَخَيَّرَ أَبُو عَمْرو فِي إِثْبَاتهَا فِي الْوَصْل أَوْ حَذْفهَا ; لِأَنَّهَا رَأْس آيَة , وَحَذَفَهَا فِي الْوَقْف لِخَطِّ الْمُصْحَف . الْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا ; لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِغَيْرِ يَاء , وَالسُّنَّة أَلَّا يُخَالَف خَطّ الْمُصْحَف ; لِأَنَّهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة .
رَدٌّ , أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا يُظَنّ , فَلَيْسَ الْغِنَى لِفَضْلِهِ , وَلَا الْفَقْر لِهَوَانِهِ , وَإِنَّمَا الْفَقْر وَالْغِنَى مِنْ تَقْدِيرِي وَقَضَائِي . وَقَالَ الْفَرَّاء : | كَلَّا | فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُون هَكَذَا , وَلَكِنْ يَحْمَد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْغِنَى وَالْفَقْر . وَفِي الْحَدِيث : ( يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : كَلَّا إِنِّي لَا أُكْرِم مَنْ أَكْرَمْت بِكَثْرَةِ الدُّنْيَا , وَلَا أُهِينُ مَنْ أَهَنْت بِقِلَّتِهَا , إِنَّمَا أُكْرِم مَنْ أَكْرَمْت بِطَاعَتِي , وَأُهِينُ مَنْ أَهَنْت بِمَعْصِيَتِي ) .|بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ|إِخْبَار عَنْ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ مِنْ مَنْع الْيَتِيم الْمِيرَاث , وَأَكْل مَالِهِ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب | يُكْرِمُونَ | , و | يَحُضُّونَ | و | يَأْكُلُونَ | , و | يُحِبُّونَ | بِالْيَاءِ ; لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْر الْإِنْسَان , وَالْمُرَاد بِهِ الْجِنْس , فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْع . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فِي الْأَرْبَعَة , عَلَى الْخِطَاب وَالْمُوَاجَهَة كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا . وَتَرْك إِكْرَام الْيَتِيم بِدَفْعِهِ عَنْ حَقّه , وَأَكْل مَاله كَمَا ذَكَرْنَا . قَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي قَدَامَة بْن مَظْعُون وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْر أُمَيَّة بْن خَلَف .
أَيْ لَا يَأْمُرُونَ أَهْلِيهِمْ بِإِطْعَامِ مِسْكِين يَجِيئُهُمْ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ | وَلَا تَحَاضُّونَ | بِفَتْحِ التَّاء وَالْحَاء وَالْأَلِف . أَيْ يَحُضُّ بَعْضهمْ بَعْضًا . وَأَصْله تَتَحَاضُّونَ , فَحُذِفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهَا . وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد . وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّيْزَرِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ وَالسُّلَمِيّ | تُحَاضُّونَ | بِضَمِّ التَّاء , وَهُوَ تُفَاعِلُونَ مِنْ الْحَضّ , وَهُوَ الْحَثّ .
أَيْ مِيرَاث الْيَتَامَى . وَأَصْله الْوِرَاث مِنْ وَرِثْت , فَأَبْدَلُوا الْوَاو تَاء كَمَا قَالُوا فِي تُجَاه وَتُخَمَة وَتُكَأَة وَتُؤَدَة وَنَحْو ذَلِكَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .|أَكْلًا لَمًّا|أَيْ شَدِيدًا قَالَهُ السُّدِّيّ . قِيلَ | لَمًّا | : جَمْعًا مِنْ قَوْلهمْ : لَمَمْت الطَّعَام لَمًّا إِذَا أَكَلْته جَمْعًا قَالَهُ الْحَسَن وَأَبُو عُبَيْدَة . وَأَصْل اللَّمّ فِي كَلَام الْعَرَب : الْجَمْع يُقَال : لَمَمْت الشَّيْء أُلِمّهُ لَمًّا : إِذَا جَمَعْته , وَمِنْهُ يُقَال : لَمَّ اللَّه شَعَثَهُ , أَيْ جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أُمُوره . قَالَ النَّابِغَة : <br>وَلَسْت بِمُسْتَبِقٍ أَخًا لَا تُلِمُّهُ .......... عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبِ <br>وَمِنْهُ قَوْلهمْ : إِنَّ دَارك لَمُومَة , أَيْ تُلِمُّ النَّاس وَتَرُبُّهُمْ وَتَجْمَعُهُمْ . وَقَالَ الْمِرْنَاق الطَّائِيّ يَمْدَح عَلْقَمَة اِبْن سَيْف : <br>لَأَحَبَّنِي حُبَّ الصَّبِيِّ وَلَمَّنِي .......... لَمَّ الْهَدِيِّ إِلَى الْكَرِيمِ الْمَاجِدِ <br>وَقَالَ اللَّيْث : اللَّمّ الْجَمْع الشَّدِيد وَمِنْهُ حَجَر مَلْمُوم , وَكَتِيبَة مَلْمُومَة . فَالْآكِل يَلُمُّ الثَّرِيد , فَيَجْمَعُهُ لُقَمًا ثُمَّ يَأْكُلهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : يَسُفُّهُ سَفًّا : وَقَالَ الْحَسَن : يَأْكُل نَصِيبه وَنَصِيب غَيْره . قَالَ الْحُطَيْئَة : <br>إِذَا كَانَ لَمًّا يَتْبَعُ الذَّمَّ رَبَّهُ .......... فَلَا قَدَّسَ الرَّحْمَنُ تِلْكَ الطَّوَاحِنَا <br>يَعْنِي أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ فِي أَكْلهمْ بَيْن نَصِيبهمْ وَنَصِيب غَيْرهمْ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مَالَهُ أَلَمَّ بِمَالِ غَيْره فَأَكَلَهُ , وَلَا يُفَكِّر : أَكَلَ مِنْ خَبِيث أَوْ طَيِّب . قَالَ : وَكَانَ أَهْل الشِّرْك لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَلَا الصِّبْيَان , بَلْ يَأْكُلُونَ مِيرَاثَهُمْ مَعَ مِيرَاثِهِمْ , وَتُرَاثَهُمْ مَعَ تُرَاثِهِمْ . وَقِيلَ : يَأْكُلُونَ مَا جَمَعَهُ الْمَيِّت مِنْ الظُّلْم وَهُوَ عَالِم بِذَلِكَ , فَيُلِمُّ فِي الْأَكْل بَيْن حَرَامه وَحَلَاله . وَيَجُوز أَنْ يَذُمّ الْوَارِث الَّذِي ظَفَر بِالْمَالِ سَهْلًا , مَهْلًا , مِنْ غَيْر أَنْ يَعْرَق فِيهِ جَبِينه , فَيُسْرِف فِي إِنْفَاقه , وَيَأْكُلهُ أَكْلًا وَاسِعًا , جَامِعًا بَيْن الْمُشْتَهَيَات مِنْ الْأَطْعِمَة وَالْأَشْرِبَة وَالْفَوَاكِه , كَمَا يَفْعَل الْوُرَّاث الْبَطَّالُونَ .
أَيْ كَثِيرًا , حَلَاله وَحَرَامه . وَالْجَمّ الْكَثِير . يُقَال : جَمَّ الشَّيْء يَجُمّ جُمُومًا , فَهُوَ جَمّ وَجَامّ . وَمِنْهُ جَمَّ الْمَاء فِي الْحَوْض : إِذَا اِجْتَمَعَ وَكَثُرَ . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>إِنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا .......... وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا <br>وَالْجَمَّة : الْمَكَان الَّذِي يَجْتَمِع فِيهِ مَاؤُهُ . وَالْجَمُوم : الْبِئْر الْكَثِيرَة الْمَاء . وَالْجَمُومُ : الْمَصْدَر يُقَال : جَمَّ الْمَاء يَجُمّ جُمُومًا : إِذَا كَثُرَ فِي الْبِئْر وَاجْتَمَعَ , بَعْدَمَا اُسْتُقِيَ مَا فِيهَا .
قَوْله تَعَالَى : | كَلَّا | أَيْ مَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْأَمْر . فَهُوَ رَدّ لِانْكِبَابِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا , وَجَمْعهمْ لَهَا فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَنْدَم يَوْم تُدَكّ الْأَرْض , وَلَا يَنْفَع النَّدَم . وَالدَّكّ : الْكَسْر وَالدَّقّ وَقَدْ تَقَدَّمَ . أَيْ زُلْزِلَتْ الْأَرْض , وَحُرِّكَتْ تَحْرِيكًا بَعْد تَحْرِيك . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ زُلْزِلَتْ فَدَكَّ بَعْضُهَا بَعْضًا . وَقَالَ الْمُبَرِّد : أَيْ أُلْصِقَتْ وَذَهَبَ اِرْتِفَاعهَا . يُقَال نَاقَة دَكَّاء , أَيْ لَا سَنَام لَهَا , وَالْجَمْع دُكّ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الْأَعْرَاف | و | الْحَاقَّة | الْقَوْل فِي هَذَا . وَيَقُولُونَ : دَكَّ الشَّيْء أَيْ هُدِمَ . قَالَ : <br>هَلْ غَيْرُ غَارٍ دَكَّ غَارًا فَانْهَدَمْ <br>| دَكًّا دَكًّا | أَيْ مَرَّة بَعْد مَرَّة زُلْزِلَتْ فَكَسَرَ بَعْضهَا بَعْضًا فَتَكَسَّرَ كُلّ شَيْء عَلَى ظَهْرهَا . وَقِيلَ : دُكَّتْ جِبَالهَا وَأَنْشَازُهَا حَتَّى اِسْتَوَتْ . وَقِيلَ : دُكَّتْ أَيْ اِسْتَوَتْ فِي الِانْفِرَاش فَذَهَبَ دُورهَا وَقُصُورهَا وَجِبَالهَا وَسَائِر أَبْنِيَتهَا . وَمِنْهُ سُمِّيَ الدُّكَّان , لِاسْتِوَائِهِ فِي الِانْفِرَاش . وَالدَّكّ : حَطَّ الْمُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض بِالْبَسِيطِ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس : تُمَدُّ الْأَرْض مَدَّ الْأَدِيم .
أَيْ أَمْره وَقَضَاؤُهُ قَالَهُ الْحَسَن . وَهُوَ مِنْ بَاب حَذْف الْمُضَاف . وَقِيلَ : أَيْ جَاءَهُمْ الرَّبّ بِالْآيَاتِ الْعَظِيمَة وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَام | [ الْبَقَرَة : 210 ] , أَيْ بِظُلَلٍ . وَقِيلَ : جَعَلَ مَجِيء الْآيَات مَجِيئًا لَهُ , تَفْخِيمًا لِشَأْنِ تِلْكَ الْآيَات . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي الْحَدِيث : ( يَا بْن آدَم , مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي , وَاسْتَسْقَيْتُك فَلَمْ تَسْقِنِي , وَاسْتَطْعَمْتُك فَلَمْ تُطْعِمنِي ) . وَقِيلَ : | وَجَاءَ رَبّك | أَيْ زَالَتْ الشُّبَه ذَلِكَ الْيَوْم , وَصَارَتْ الْمَعَارِف ضَرُورِيَّة , كَمَا تَزُول الشُّبَه وَالشَّكّ عِنْد مَجِيء الشَّيْء الَّذِي كَانَ يُشَكّ فِيهِ . قَالَ أَهْل الْإِشَارَة : ظَهَرَتْ قُدْرَته وَاسْتَوْلَتْ , وَاَللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُوصَف بِالتَّحَوُّلِ مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان , وَأَنَّى لَهُ التَّحَوُّل وَالِانْتِقَال , وَلَا مَكَان لَهُ وَلَا أَوَان , وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ وَقْت وَلَا زَمَان ; لِأَنَّ فِي جَرَيَان الْوَقْت عَلَى الشَّيْء فَوْت الْأَوْقَات , وَمَنْ فَاتَهُ شَيْء فَهُوَ عَاجِز .|وَالْمَلَكُ|أَيْ الْمَلَائِكَة .|صَفًّا صَفًّا|أَيْ صُفُوفًا .
قَالَ اِبْن مَسْعُود وَمُقَاتِل : تُقَادُ جَهَنَّمُ بِسَبْعِينَ أَلْف زِمَام , كُلّ زِمَام بِيَدِ سَبْعِينَ أَلْف مَلَك , لَهَا تَغَيُّظ وَزَفِير , حَتَّى تُنْصَب عَنْ يَسَار الْعَرْش . وَفِي صَحِيح , مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ , لَهَا سَبْعُونَ أَلْف زِمَام , مَعَ كُلّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْف مَلَك يَجُرُّونَهَا ) . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : لَمَّا نَزَلَتْ | وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّم | تَغَيَّرَ لَوْن رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُرِفَ فِي وَجْهه . حَتَّى اِشْتَدَّ عَلَى أَصْحَابه , ثُمَّ قَالَ : ( أَقْرَأَنِي جِبْرِيل | كَلَّا إِذَا دُكَّتْ الْأَرْض دَكًّا دَكًّا | الْآيَة وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّم ) . قَالَ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , كَيْف يُجَاء بِهَا ؟ قَالَ : ( تُؤْتَى بِهَا تُقَاد بِسَبْعِينَ أَلْف زِمَام , يَقُود بِكُلِّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , فَتَشْرُد شَرْدَةً لَوْ تُرِكَتْ لَأَحْرَقَتْ أَهْل الْجَمْع ثُمَّ تَعْرِض لِي جَهَنَّم فَتَقُول : مَا لِي وَلَك يَا مُحَمَّد , إِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ لَحْمَك عَلَيَّ ) فَلَا يَبْقَى أَحَد إِلَّا قَالَ نَفْسِي نَفْسِي ! إِلَّا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَقُول : رَبّ أُمَّتِي ! رَبّ أُمَّتِي !|يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ|أَيْ يَتَّعِظ وَيَتُوب . وَهُوَ الْكَافِر , أَوْ مَنْ هَمَّتْهُ مُعْظَم الدُّنْيَا .|وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى|أَيْ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ الِاتِّعَاظ وَالتَّوْبَة وَقَدْ فَرَّطَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا . وَيُقَال : أَيْ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ مَنْفَعَة الذِّكْرَى . فَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف , وَإِلَّا فَبَيْنَ | يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ | وَبَيْنَ | وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى | تَنَافٍ , قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ .
أَيْ فِي حَيَاتِي . فَاللَّام بِمَعْنَى فِي . وَقِيلَ : أَيْ قَدَّمْت عَمَلًا صَالِحًا لِحَيَاتِي , أَيْ لَحَيَاةٍ لَا مَوْت فِيهَا . وَقِيلَ : حَيَاة أَهْل النَّار لَيْسَتْ هَنِيئَة , فَكَأَنَّهُمْ لَا حَيَاة لَهُمْ فَالْمَعْنَى : يَا لَيْتَنِي قَدَّمْت مِنْ الْخَيْر لِنَجَاتِي مِنْ النَّار , فَأَكُون فِيمَنْ لَهُ حَيَاة هَنِيئَة .
أَيْ لَا يُعَذِّب كَعَذَابِ اللَّه أَحَد , وَلَا يُوثِق كَوَثَاقِهِ أَحَد . وَالْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ | لَا يُعَذَّب | | وَلَا يُوثَق | بِفَتْحِ الذَّال وَالثَّاء , أَيْ لَا يُعَذَّب أَحَد فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ الْكَافِرَ يَوْمَئِذٍ , وَلَا يُوثَق كَمَا يُوثَق الْكَافِر . وَالْمُرَاد إِبْلِيس ; لِأَنَّ الدَّلِيل قَامَ عَلَى أَنَّهُ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا , لِأَجْلِ إِجْرَامه فَأَطْلَقَ الْكَلَام لِأَجْلِ مَا صَحِبَهُ مِنْ التَّفْسِير . وَقِيلَ : إِنَّهُ أُمَيَّة بْن خَلَف حَكَاهُ الْفَرَّاء . يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعَذَّب كَعَذَابِ هَذَا الْكَافِر الْمُعَيَّن أَحَد , وَلَا يُوثَق بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَال كَوَثَاقِهِ أَحَد لِتَنَاهِيهِ فِي كُفْره وَعِنَاده . وَقِيلَ : أَيْ لَا يُعَذَّب مَكَانه أَحَد , فَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ فِدَاء . وَالْعَذَاب بِمَعْنَى التَّعْذِيب , وَالْوَثَاق بِمَعْنَى الْإِيثَاق . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَبَعْد عَطَائِك الْمِائَةَ الرِّتَاعَا <br>وَقِيلَ : لَا يُعَذَّب أَحَد لَيْسَ بِكَافِرٍ عَذَاب الْكَافِر . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم فَتْح الذَّال وَالثَّاء . وَتَكُون الْهَاء ضَمِير الْكَافِر ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوف : أَنَّهُ لَا يُعَذِّب أَحَد كَعَذَابِ اللَّه . وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الذَّال وَالثَّاء . وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا عَمْرو رَجَعَ إِلَى قِرَاءَة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون الضَّمِير لِلْكَافِرِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَة أَيْ لَا يُعَذِّب أَحَدٌ أَحَدًا مِثْل تَعْذِيب هَذَا الْكَافِر فَتَكُون الْهَاء لِلْكَافِرِ . وَالْمُرَاد بِ | أَحَد | الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ تَعْذِيب أَهْل النَّار .
أَيْ لَا يُعَذِّب كَعَذَابِ اللَّه أَحَد , وَلَا يُوثِقُ كَوَثَاقِهِ أَحَد . وَالْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ | لَا يُعَذَّب | | وَلَا يُوثَق | بِفَتْحِ الذَّال وَالثَّاء , أَيْ لَا يُعَذَّب أَحَد فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ الْكَافِرَ يَوْمَئِذٍ , وَلَا يُوثَق كَمَا يُوثَق الْكَافِر . وَالْمُرَاد إِبْلِيس ; لِأَنَّ الدَّلِيل قَامَ عَلَى أَنَّهُ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا , لِأَجْلِ إِجْرَامه فَأَطْلَقَ الْكَلَام لِأَجْلِ مَا صَحِبَهُ مِنْ التَّفْسِير . وَقِيلَ : إِنَّهُ أُمَيَّة بْن خَلَف حَكَاهُ الْفَرَّاء . يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعَذَّب كَعَذَابِ هَذَا الْكَافِر الْمُعَيَّن أَحَد , وَلَا يُوثَق بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَال كَوَثَاقِهِ أَحَد لِتَنَاهِيهِ فِي كُفْره وَعِنَاده . وَقِيلَ : أَيْ لَا يُعَذَّب مَكَانه أَحَد , فَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ فِدَاء . وَالْعَذَاب بِمَعْنَى التَّعْذِيب , وَالْوَثَاق بِمَعْنَى الْإِيثَاق . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَبَعْد عَطَائِك الْمِائَةَ الرِّتَاعَا <br>وَقِيلَ : لَا يُعَذَّب أَحَد لَيْسَ بِكَافِرِ عَذَاب الْكَافِر . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم فَتْح الذَّال وَالثَّاء . وَتَكُون الْهَاء ضَمِير الْكَافِر ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوف : أَنَّهُ لَا يُعَذَّب أَحَد كَعَذَابِ اللَّه . وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الذَّال وَالثَّاء . وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا عَمْرو رَجَعَ إِلَى قِرَاءَة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون الضَّمِير لِلْكَافِرِ عَلَى قُرَّاءَهُ الْجَمَاعَة أَيْ لَا يُعَذَّب أَحَد أَحَدًا مِثْل تَعْذِيب هَذَا الْكَافِر فَتَكُون الْهَاء لِلْكَافِرِ . وَالْمُرَاد ب | أَحَد | الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ تَعْذِيب أَهْل النَّار .
لَمَّا ذَكَرَ حَال مِنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الدُّنْيَا فَاتَّهَمَ اللَّه فِي إِغْنَائِهِ , وَإِفْقَاره , ذَكَرَ حَال مَنْ اِطْمَأَنَّتْ نَفْسه إِلَى اللَّه تَعَالَى . فَسَلَّمَ لِأَمْرِهِ , وَاتَّكَلَ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة لِأَوْلِيَاءِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَالنَّفْس الْمُطْمَئِنَّة | السَّاكِنَة الْمُوقِنَة أَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّه رَبّهَا , فَأَخْبَتَتْ لِذَلِكَ قَالَهُ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ الْمُطْمَئِنَّة بِثَوَابِ اللَّه . وَعَنْهُ الْمُؤْمِنَة . وَقَالَ الْحَسَن : الْمُؤْمِنَة الْمُوقِنَة . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : الرَّاضِيَة بِقَضَاءِ اللَّه , الَّتِي عَلِمَتْ أَنَّ مَا أَخْطَأَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهَا , وَأَنَّ مَا أَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئهَا . وَقَالَ مُقَاتِل : الْآمِنَة مِنْ عَذَاب اللَّه . وَفِي حَرْف أُبَيّ بْن كَعْب | يَأَيَّتُهَا النَّفْس الْآمِنَة الْمُطْمَئِنَّة | . وَقِيلَ : الَّتِي عَمِلَتْ عَلَى يَقِين بِمَا وَعَدَ اللَّه فِي كِتَابه . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : الْمُطْمَئِنَّة هُنَا : الْمُخْلِصَة . وَقَالَ اِبْن عَطَاء : الْعَارِفَة الَّتِي لَا تَصْبِر عَنْهُ طَرْفَة عَيْن . وَقِيلَ : الْمُطْمَئِنَّة بِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى بَيَانه | الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبهمْ بِذِكْرِ اللَّه | [ الرَّعْد : 38 ] . وَقِيلَ : الْمُطْمَئِنَّة بِالْإِيمَانِ , الْمُصَدِّقَة بِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمُطْمَئِنَّة ; لِأَنَّهَا بُشِّرَتْ بِالْجَنَّةِ عِنْد الْمَوْت , وَعِنْد الْبَعْث , وَيَوْم الْجَمْع . وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَعْنِي نَفْس حَمْزَة . وَالصَّحِيح أَنَّهَا عَامَّة فِي كُلّ نَفْس مُؤْمِن مُخْلِص طَائِع . قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْبِض رُوح عَبْده الْمُؤْمِن , اِطْمَأَنَّتْ النَّفْس إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَاطْمَأَنَّ اللَّه إِلَيْهَا . وَقَالَ عَمْرو بْن الْعَاص : إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِن أَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ , وَأَرْسَلَ مَعَهُمَا تُحْفَة مِنْ الْجَنَّة , فَيَقُولَانِ لَهَا : اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الْمُطْمَئِنَّة رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً , وَمَرْضِيًّا عَنْك , اُخْرُجِي إِلَى رَوْح وَرَيْحَان , وَرَبٍّ رَاضٍ غَيْرِ غَضْبَان , فَتَخْرُج كَأَطْيَب رِيح الْمِسْك وَجَدَ أَحَدٌ مِنْ أَنْفه عَلَى ظَهْر الْأَرْض . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَالَ سَعِيد بْن زَيْد : قَرَأَ رَجُل عِنْد النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - | يَا أَيَّتهَا النَّفْس الْمُطْمَئِنَّة | , فَقَالَ أَبُو بَكْر : مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا رَسُول اللَّه فَقَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ الْمَلَك يَقُولهَا لَك يَا أَبَا بَكْر ) . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مَاتَ اِبْن عَبَّاس بِالطَّائِفِ , فَجَاءَ طَائِر لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقَتِهِ طَائِرٌ قَطُّ , فَدَخَلَ نَعْشَهُ , ثُمَّ لَمْ يُرَ خَارِجًا مِنْهُ , فَلَمَّا دُفِنَ تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى شَفِير الْقَبْر - لَا يُدْرَى مَنْ تَلَاهَا - : | يَا أَيَّتهَا النَّفْس الْمُطْمَئِنَّة اِرْجِعِي إِلَى رَبّك رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً | . وَرَوَى الضَّحَّاك أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَان بْن عَفَّان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِين وَقَفَ بِئْر رُومَةَ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي خُبَيْبٍ بْن عَدِيّ الَّذِي صَلَبَهُ أَهْل مَكَّة , وَجَعَلُوا وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَة فَحَوَّلَ اللَّه وَجْهه نَحْو الْقِبْلَة . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ إِلَى صَاحِبك وَجَسَدِك قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَعَطَاء . وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَدَلِيله قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس | فَادْخُلِي فِي عَبْدِي | عَلَى التَّوْحِيد , فَيَأْمُر اللَّه تَعَالَى الْأَرْوَاح غَدًا أَنْ تَرْجِع إِلَى الْأَجْسَاد . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود | فِي جَسَد عَبْدِي | . وَقَالَ الْحَسَن : اِرْجِعِي إِلَى ثَوَاب رَبّك وَكَرَامَته . وَقَالَ أَبُو صَالِح : الْمَعْنَى : اِرْجِعِي إِلَى اللَّه . وَهَذَا عِنْد الْمَوْت .
أَيْ فِي أَجْسَاد عِبَادِي دَلِيلُهُ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذَا يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَهُ الضَّحَّاك . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْجَنَّة هِيَ دَار الْخُلُود الَّتِي هِيَ مَسْكَن الْأَبْرَار , وَدَار الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَار . وَمَعْنَى | فِي عِبَادِي | أَيْ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِي كَمَا قَالَ : | لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ | [ الْعَنْكَبُوت : 9 ] . وَقَالَ الْأَخْفَش : | فِي عِبَادِي | أَيْ فِي حِزْبِي وَالْمَعْنَى وَاحِد . أَيْ اِنْتَظِمِي فِي سِلْكِهِمْ .
مَعَهُم.