أَقْسَمَ سُبْحَانه بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرَهَا , عَلَى أَنَّ الْقِيَامَة حَقّ . وَ | النَّازِعَات | : الْمَلَائِكَة الَّتِي تَنْزِع أَرْوَاح الْكُفَّار ; قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَكَذَا قَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمَسْرُوق وَمُجَاهِد : هِيَ الْمَلَائِكَة تَنْزِع نُفُوس بَنِي آدَم . قَالَ اِبْن مَسْعُود : يُرِيد أَنْفُس الْكُفَّار يَنْزِعهَا مَلَك الْمَوْت مِنْ أَجْسَادهمْ , مِنْ تَحْت كُلّ شَعْرَة , وَمِنْ تَحْت الْأَظَافِير وَأُصُول الْقَدَمَيْنِ نَزْعًا كَالسَّفُّودِ يُنْزَع مِنْ الصُّوف الرُّطَب , يُغْرِقهَا , أَيْ يَرْجِعهَا فِي أَجْسَادهمْ , ثُمَّ يَنْزِعهَا فَهَذَا عَمَله بِالْكُفَّارِ . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : نُزِعَتْ أَرْوَاحُهُمْ , ثُمَّ غَرِقَتْ , ثُمَّ حُرِقَتْ ; ثُمَّ قُذِفَ بِهَا فِي النَّار . وَقِيلَ : يَرَى الْكَافِر نَفْسه فِي وَقْت النَّزْع كَأَنَّهَا تَغْرَق . وَقَالَ السُّدِّيّ : وَ | النَّازِعَات | هِيَ النُّفُوس حِين تَغْرَق فِي الصُّدُور . مُجَاهِد : هِيَ الْمَوْت يَنْزِع النُّفُوس . الْحَسَن وَقَتَادَة : هِيَ النُّجُوم تُنْزَع مِنْ أُفُق إِلَى أُفُق ; أَيْ تَذْهَب , مِنْ قَوْلهمْ : نَزَعَ إِلَيْهِ أَيْ ذَهَبَ , أَوْ مِنْ قَوْلهمْ : نَزَعَتْ الْخَيْل أَيْ جَرَتْ . | غَرْقًا | أَيْ إِنَّهَا تَغْرَق وَتَغِيب وَتَطْلُع مِنْ أُفُق إِلَى أُفُق آخَر . وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة وَابْن كَيْسَان وَالْأَخْفَش . وَقِيلَ : النَّازِعَات الْقِسِيّ تَنْزِع بِالسِّهَامِ ; قَالَهُ عَطَاء وَعِكْرِمَة . وَ | غَرْقًا | بِمَعْنَى إِغْرَاقًا ; وَإِغْرَاق النَّازِع فِي الْقَوْس أَنْ يَبْلُغ غَايَة الْمَدّ , حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى النَّصْل . يُقَال : أَغْرَقَ فِي الْقَوْس أَيْ اِسْتَوْفَى مَدَّهَا , وَذَلِكَ بِأَنْ تَنْتَهِي إِلَى الْعَقَب الَّذِي عِنْد النِّصْف الْمَلْفُوف عَلَيْهِ . وَالِاسْتِغْرَاق الِاسْتِيعَاب . وَيُقَال لِقِشْرَةِ الْبَيْضَة الدَّاخِلَة : | غِرْقِئ | . وَقِيلَ : هُمْ الْغُزَاة الرُّمَاة . قُلْت : هُوَ وَاَلَّذِي قَبْله سَوَاء ; لِأَنَّهُ إِذَا أَقْسَمَ بِالْقِسِيِّ فَالْمُرَاد النَّازِعُونَ بِهَا تَعْظِيمًا لَهَا ; وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : | وَالْعَادِيَات ضَبْحًا | [ الْعَادِيَات : 1 ] وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَرَادَ بِالْإِغْرَاقِ : الْمُبَالَغَة فِي النَّزْع وَهُوَ سَائِر فِي جَمِيع وُجُوه تَأْوِيلهَا . وَقِيلَ : هِيَ الْوَحْش تَنْزِع مِنْ الْكَلَأ وَتَنْفِر . حَكَاهُ يَحْيَى اِبْن سَلَّام . وَمَعْنَى | غَرْقًا | أَيْ إِبْعَادًا فِي النَّزْع .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي الْمَلَائِكَة تَنْشِط نَفْس الْمُؤْمِن فَتَقْبِضهَا كَمَا يُنْشَط الْعِقَال مِنْ يَد الْبَعِير : إِذَا حُلَّ عَنْهُ . وَحَكَى هَذَا الْقَوْل الْفَرَّاء ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِي سَمِعْت مِنْ الْعَرَب أَنْ يَقُولُوا أَنُشِطَتْ وَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَال . وَرَبْطهَا نَشْطهَا وَالرَّابِط النَّاشِط , وَإِذَا رَبَطْت الْحَبْل فِي يَد الْبَعِير فَقَدْ نَشِطْته , فَأَنْتَ نَاشِط , وَإِذَا حَلَلْته فَقَدْ أَنَشَطْته وَأَنْتَ مُنْشِط . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هِيَ أَنْفُس الْمُؤْمِنِينَ عِنْد الْمَوْت تَنْشَط لِلْخُرُوجِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِن [ يَحْضُرُهُ الْمَوْت ] إِلَّا وَتُعْرَض عَلَيْهِ الْجَنَّة قَبْل أَنْ يَمُوت , فَيَرَى فِيهَا مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَأَهْلِهِ مِنْ الْحُورِ الْعِين , فَهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَيْهَا , فَنَفْسه إِلَيْهِمْ نَشِطَة أَنْ تَخْرُج فَتَأْتِيَهُمْ . وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : يَعْنِي أَنْفُس الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ تَنْشَط كَمَا يَنْشَط الْعَقِب , الَّذِي يُعْقَب بِهِ السَّهْم . وَالْعَقَب بِالتَّحْرِيكِ : الْعَصَب الَّذِي تُعْمَل مِنْهُ الْأَوْتَار , الْوَاحِدَة عَقَبَة ; تَقُول مِنْهُ : عَقَبَ السَّهْم وَالْقَدَح وَالْقَوْس عَقْبًا : إِذَا لَوَى شَيْئًا مِنْهُ عَلَيْهِ . وَالنَّشْط : الْجَذْب بِسُرْعَةٍ , وَمِنْهُ الْأُنْشُوطَة : عُقْدَة يَسْهُل اِنْحِلَالُهَا إِذَا جُذِبَتْ مِثْل عُقْدَة التِّكَّة . وَقَالَ أَبُو زَيْد : نَشِطْت الْحَبْل أَنَشِطُهُ نَشْطًا : عَقَدْته بِأُنْشُوطَةٍ , وَأَنْشَطْته أَيْ حَلَلْته , وَأَنْشَطْت الْحَبْل أَيْ مَدَدْته حَتَّى يَنْحَلَّ . وَقَالَ الْفَرَّاء : أُنْشِطَ الْعِقَال أَيْ حُلَّ , وَنُشِطَ : أَيْ رُبِطَ الْحَبْل فِي يَدَيْهِ . وَقَالَ اللَّيْث : أَنَشَطْته بِأُنْشُوطَةٍ وَأُنْشُوطَتَيْنِ أَيْ أَوْثَقْته , وَأَنْشَطْت الْعِقَال : أَيْ مَدَدْت أَنَشُوطَته فَانْحَلَّتْ . قَالَ : وَيُقَال نَشِطَ بِمَعْنَى أَنْشَطَ , لُغَتَانِ بِمَعْنًى ; وَعَلَيْهِ يَصِحّ قَوْل اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور أَوَّلًا . وَعَنْهُ أَيْضًا : النَّاشِطَات الْمَلَائِكَة لِنَشَاطِهَا , تَذْهَب وَتَجِيء بِأَمْرِ اللَّه حَيْثُمَا كَانَ . وَعَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : هِيَ الْمَلَائِكَة تَنْشَط أَرْوَاح الْكُفَّار , مَا بَيْن الْجِلْد وَالْأَظْفَار , حَتَّى تُخْرِجهَا مِنْ أَجْوَافهمْ نَشْطًا بِالْكَرْبِ وَالْغَمّ , كَمَا تَنْشَط الصُّوف مِنْ سَفُّود الْحَدِيد , وَهِيَ مِنْ النَّشْط بِمَعْنَى الْجَذْب ; يُقَال : نَشِطْت الدَّلْو أَنَشِطهَا بِالْكَسْرِ , وَأَنْشُطهَا بِالضَّمِّ : أَيْ نَزَعْتهَا . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : بِئْر أَنَشَاط : أَيْ قَرِيبَة الْقَعْر , تُخْرَج الدَّلْو مِنْهَا بِجَذْبَةٍ وَاحِدَة . وَبِئْر نَشُوط ; قَالَ : وَهِيَ الَّتِي لَا يُخْرَج مِنْهَا الدَّلْو حَتَّى تَنْشَط كَثِيرًا . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الْمَوْت يَنْشَط نَفْس الْإِنْسَان . السُّدِّيّ : هِيَ النُّفُوس حِين تَنْشَط مِنْ الْقَدَمَيْنِ . وَقِيلَ : النَّازِعَات : أَيْدِي الْغُزَاة أَوْ أَنْفُسهمْ , تَنْزِع الْقِسِيّ بِإِغْرَاقِ السِّهَام , وَهِيَ الَّتِي تَنْشَط الْأَوْهَاق . عِكْرِمَة وَعَطَاء : هِيَ الْأَوْهَاق تَنْشَط السِّهَام . وَعَنْ عَطَاء أَيْضًا وَقَتَادَة وَالْحَسَن وَالْأَخْفَش : هِيَ النُّجُوم تَنْشَط مِنْ أُفُق إِلَى أُفُق : أَيْ تَذْهَب . وَكَذَا فِي الصِّحَاح . | وَالنَّاشِطَات نَشْطًا | يَعْنِي النُّجُوم مِنْ بُرْج إِلَى بُرْج , كَالثَّوْرِ النَّاشِط مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد . وَالْهُمُوم تَنْشَط بِصَاحِبِهَا ; قَالَ هِمْيَان بْن قُحَافَة : <br>أَمْسَتْ هُمُومِي تُنْشِط الْمَنَاشِطَا .......... الشَّامَ بِي طُورًا وَطُورًا وَاسِطَا <br>أَبُو عُبَيْدَة وَعَطَاء أَيْضًا : النَّاشِطَات : هِيَ الْوَحْش حِين تُنْشِط مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد , كَمَا أَنَّ الْهُمُوم تُنْشِط الْإِنْسَان مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد ; وَأَنْشَدَ قَوْل هِمْيَان : <br>أَمْسَتْ هُمُومِي ... ( الْبَيْت ) <br>وَقِيلَ : | وَالنَّازِعَات | لِلْكَافِرِينَ | وَالنَّاشِطَات | لِلْمُؤْمِنِينَ , فَالْمَلَائِكَة يَجْذِبُونَ رُوح الْمُؤْمِن بِرِفْقٍ , وَالنَّزْع جَذْب بِشِدَّةٍ , وَالنَّشْط جَذْب بِرِفْقٍ . وَقِيلَ : هُمَا جَمِيعًا لِلْكُفَّارِ وَالْآيَتَانِ بَعْدَهُمَا لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْد فِرَاق الدُّنْيَا .
قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هِيَ الْمَلَائِكَة تَسْبَح بِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ . الْكَلْبِيّ : هِيَ الْمَلَائِكَة تَقْبِض أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ , كَاَلَّذِي يَسْبَح فِي الْمَاء , فَأَحْيَانًا يَنْغَمِس وَأَحْيَانًا يَرْتَفِع , يَسُلُّونَهَا سَلًّا رَفِيقًا بِسُهُولَةٍ , ثُمَّ يَدَعُونَهَا حَتَّى تَسْتَرِيح . وَقَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح : هِيَ الْمَلَائِكَة يَنْزِلُونَ مِنْ السَّمَاء مُسْرِعِينَ لِأَمْرِ اللَّه , كَمَا يُقَال لِلْفَرَسِ الْجَوَاد سَابِح : إِذَا أَسْرَعَ فِي جَرْيه . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : الْمَلَائِكَة تَسْبَح فِي نُزُولهَا وَصُعُودهَا . وَعَنْهُ أَيْضًا : السَّابِحَات : الْمَوْت يَسْبَح فِي أَنْفُس بَنِي آدَم . وَقِيلَ : هِيَ الْخَيْل الْغُزَاة ; قَالَ عَنْتَرَة : <br>وَالْخَيْل تَعْلَم حِين تَسْ .......... بَحُ فِي حِيَاض الْمَوْت سَبْحَا <br>وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : <br>مِسَحَّ إِذَا مَا السَّابِحَات عَلَى الْوَنَى .......... أَثَرْنَ غُبَارًا بِالْكَدِيدِ الْمُرَكَّل <br>قَتَادَة وَالْحَسَن : هِيَ النُّجُوم تَسْبَح فِي أَفْلَاكِهَا , وَكَذَا الشَّمْس وَالْقَمَر ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | كُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ | . عَطَاء : هِيَ السُّفُن تَسْبَح فِي الْمَاء . اِبْن عَبَّاس : السَّابِحَات أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ تَسْبَح شَوْقًا إِلَى لِقَاء اللَّه وَرَحْمَته حِين تَخْرُج .
قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هِيَ الْمَلَائِكَة تَسْبِق الشَّيَاطِين بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام . وَقَالَهُ مَسْرُوق وَمُجَاهِد . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَأَبِي رَوْق : هِيَ الْمَلَائِكَة سَبَقَتْ اِبْن آدَم بِالْخَيْرِ وَالْعَمَل الصَّالِح . وَقِيلَ : تَسْبِق بَنِي آدَم إِلَى الْعَمَل الصَّالِح فَتَكْتُبهُ . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : الْمَوْت يَسْبِق الْإِنْسَان . مُقَاتِل : هِيَ الْمَلَائِكَة تَسْبِق بِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّة . اِبْن مَسْعُود : هِيَ أَنْفُس الْمُؤْمِنِينَ تَسْبِق , إِلَى الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَقْبِضُونَهَا وَقَدْ عَايَنَتْ السُّرُور , شَوْقًا إِلَى لِقَاء اللَّه تَعَالَى وَرَحْمَته . وَنَحْوهُ عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : هِيَ النُّفُوس تَسْبِق بِالْخُرُوجِ عِنْد الْمَوْت . وَقَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن وَمَعْمَر : هِيَ النُّجُوم يَسْبِق بَعْضهَا بَعْضًا فِي السَّيْر . عَطَاء : هِيَ الْخَيْل الَّتِي تَسْبِق إِلَى الْجِهَاد . وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ تَكُون السَّابِقَات مَا تَسْبِق مِنْ الْأَرْوَاح قَبْل الْأَجْسَاد إِلَى جَنَّة أَوْ نَار ; قَالَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : ذَكَرَ | فَالسَّابِقَات | بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّة مِنْ الَّتِي قَبْلهَا ; أَيْ وَاَللَّائِي يَسْبَحْنَ فَيَسْبِقْنَ , تَقُول : قَامَ فَذَهَبَ ; فَهَذَا يُوجِب أَنْ يَكُون الْقِيَام سَبَبًا لِلذَّهَابِ , وَلَوْ قُلْت : قَامَ وَذَهَبَ , لَمْ يَكُنْ الْقِيَام سَبَبًا لِلذَّهَابِ .
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد الْمَلَائِكَة . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا الْمَلَائِكَة ; قَالَ الْجُمْهُور . وَالْقَوْل الثَّانِي هِيَ الْكَوَاكِب السَّبْعَة . حَكَاهُ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل . وَفِي تَدْبِيرهَا الْأَمْر وَجْهَانِ : أَحَدهمَا تَدْبِير طُلُوعهَا وَأُفُولهَا . الثَّانِي تَدْبِيرهَا مَا قَضَاهُ اللَّه تَعَالَى فِيهَا مِنْ تَقَلُّب الْأَحْوَال . وَحَكَى هَذَا الْقَوْل أَيْضًا الْقُشَيْرِيّ فِي تَفْسِيره , وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّقَ كَثِيرًا مِنْ تَدْبِير أَمْر الْعَالَم بِحَرَكَاتِ النُّجُوم , فَأُضِيفَ التَّدْبِير إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّه , كَمَا يُسَمَّى الشَّيْء بِاسْمِ مَا يُجَاوِرهُ . وَعَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُدَبِّرَاتِ الْمَلَائِكَة , فَتَدْبِيرهَا نُزُولهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام وَتَفْصِيله ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَهُوَ إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَلَكِنْ لَمَّا نَزَلَتْ الْمَلَائِكَة بِهِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : | نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين | [ الشُّعَرَاء : 193 ] . وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : | فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبك | [ الْبَقَرَة : 97 ] . يَعْنِي جِبْرِيل نَزَّلَهُ عَلَى قَلْب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَرَوَى عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس : | فَالْمُدَبِّرَات أَمْرًا | : الْمَلَائِكَة وُكِّلَتْ بِتَدْبِيرِ أَحْوَال الْأَرْض فِي الرِّيَاح وَالْأَمْطَار وَغَيْر ذَلِكَ . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابَاط : تَدْبِير أَمْر الدُّنْيَا إِلَى أَرْبَعَة ; جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَمَلَك الْمَوْت وَاسْمه عِزْرَائِيل وَإِسْرَافِيل , فَأَمَّا جِبْرِيل فَمُوَكَّل بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُود , وَأَمَّا مِيكَائِيل فَمُوَكَّل بِالْقَطْرِ وَالنَّبَات , وَأَمَّا مَلَك الْمَوْت فَمُوَكَّل بِقَبْضِ الْأَنْفُس فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , وَأَمَّا إِسْرَافِيل فَهُوَ يَنْزِل بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ , وَلَيْسَ مِنْ الْمَلَائِكَة أَقْرَب مِنْ إِسْرَافِيل , وَبَيْنه وَبَيْن الْعَرْش مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَامٍ . وَقِيلَ : أَيْ وُكِّلُوا بِأُمُورٍ عَرَّفَهُمْ اللَّه بِهَا . وَمِنْ أَوَّل السُّورَة إِلَى هُنَا قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ , وَلِلَّهِ أَنْ يُقْسِم بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقه , وَلَيْسَ لَنَا ذَلِكَ إِلَّا بِهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَجَوَاب الْقَسَم مُضْمَر , كَأَنَّهُ قَالَ : وَالنَّازِعَات وَكَذَا وَكَذَا لَتُبْعَثُنَّ وَلَتُحَاسَبُنَّ . أُضْمِرَ لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِالْمَعْنَى ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : | أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَة | أَلَسْت تَرَى أَنَّهُ كَالْجَوَابِ لِقَوْلِهِمْ : | أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَة | نُبْعَث ؟ فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : | أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَة | ؟ وَقَالَ قَوْم : وَقَعَ الْقَسَم عَلَى قَوْله : | إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَة لِمَنْ يَخْشَى | [ النَّازِعَات : 26 ] وَهَذَا اِخْتِيَار التِّرْمِذِيّ بْن عَلِيّ . أَيْ فِيمَا قَصَصْت مِنْ ذِكْر يَوْم الْقِيَامَة وَذِكْر مُوسَى وَفِرْعَوْن | لَعِبْرَة لِمَنْ يَخْشَى | وَلَكِنْ وَقَعَ الْقَسَم عَلَى مَا فِي السُّورَة مَذْكُورًا ظَاهِرًا بَارِزًا أَحْرَى وَأَقْمَن مِنْ أَنْ يُؤْتَى بِشَيْءٍ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِيمَا قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا قَبِيح ; لِأَنَّ الْكَلَام قَدْ طَالَ فِيمَا بَيْنهمَا . وَقِيلَ : جَوَاب الْقَسَم | هَلْ أَتَاك حَدِيث مُوسَى | لِأَنَّ الْمَعْنَى قَدْ أَتَاك .
وَقِيلَ : الْجَوَاب | يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة | عَلَى تَقْدِير لَيَوْم تَرْجُف , فَحُذِفَ اللَّام . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَتَقْدِيره يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة وَتَتْبَعُهَا الرَّادِفَة وَالنَّازِعَات غَرْقًا . وَقَالَ السِّجِسْتَانِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا مِنْ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير , كَأَنَّهُ قَالَ : فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وَالنَّازِعَات . اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ الْفَاء لَا يُفْتَح بِهَا الْكَلَام , وَالْأَوَّل الْوَجْه . وَقِيلَ : إِنَّمَا وَقَعَ الْقَسَم عَلَى أَنَّ قُلُوب أَهْل النَّار تَرْجُفُ , وَأَبْصَارهمْ تَخْشَع , فَانْتِصَاب | يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة | عَلَى هَذَا الْمَعْنَى , وَلَكِنْ لَمْ يَقَع عَلَيْهِ . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ قُلُوب وَاجِفَة يَوْم تَرْجُف , وَقِيلَ : اُنْتُصِبَ بِإِضْمَارِ اُذْكُرْ وَ | تَرْجُف | أَيْ تَضْطَرِب . وَالرَّاجِفَة : أَيْ الْمُضْطَرِبَة كَذَا قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد ; قَالَ : هِيَ الْأَرْض , وَالرَّادِفَة السَّاعَة . مُجَاهِد : الرَّاجِفَة الزَّلْزَلَة
الصَّيْحَة . وَعَنْهُ أَيْضًا وَابْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة : هُمَا الصَّيْحَتَانِ . أَيْ النَّفْخَتَانِ . أَمَّا الْأُولَى فَتُمِيت كُلّ شَيْء بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى , وَأَمَّا الثَّانِيَة فَتُحْيِي كُلّ شَيْء بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى . وَجَاءَ فِي الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : : ( بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَة ) وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا : الرَّادِفَة حِين تَنْشَقّ السَّمَاء وَتُحْمَل الْأَرْض وَالْجِبَال فَتُدَكّ دَكَّة وَاحِدَة , وَذَلِكَ بَعْد الزَّلْزَلَة . وَقِيلَ : الرَّاجِفَة تَحَرُّك الْأَرْض , وَالرَّادِفَة زَلْزَلَة أُخْرَى تُفْنِي الْأَرَضِينَ | . فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر | النَّمْل | مَا فِيهِ كِفَايَة فِي النَّفْخ فِي الصُّور . وَأَصْل الرَّجْفَة الْحَرَكَة , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | يَوْم تَرْجُف الْأَرْض | وَلَيْسَتْ الرَّجْفَة هَهُنَا مِنْ الْحَرَكَة فَقَطْ , بَلْ مِنْ قَوْلِهِمْ : رَجَفَ الرَّعْد يَرْجُف رَجْفًا وَرَجِيفًا : أَيْ أَظْهَرَ الصَّوْت وَالْحَرَكَة , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْأَرَاجِيف , لِاضْطِرَابِ الْأَصْوَات بِهَا , وَإِفَاضَة النَّاس فِيهَا ; قَالَ : <br>أَبَا الْأَرَاجِيف يَا اِبْن اللُّؤْم تُوعِدُنِي .......... وَفِي الْأَرَاجِيف خِلْت اللُّؤْم وَالْخَوَرَا <br>وَعَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ رُبْع اللَّيْل قَامَ ثُمَّ قَالَ : [ يَا أَيّهَا النَّاس اُذْكُرُوا اللَّه , جَاءَتْ الرَّاجِفَة تَتْبَعهَا الرَّادِفَة , جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ ] .
أَيْ خَائِفَة وَجِلَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعَلَيْهِ عَامَّة الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ السُّدِّيّ : زَائِلَة عَنْ أَمَاكِنهَا . نَظِيره | إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر | [ غَافِر : 18 ] . وَقَالَ الْمُؤَرِّج : قَلِقَة مُسْتَوْفِزَة , مُرْتَكِضَة غَيْر سَاكِنَة . وَقَالَ الْمُبَرِّد : مُضْطَرِبَة . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب , وَالْمُرَاد قُلُوب الْكُفَّار ; يُقَال وَجَفَ الْقَلْب يَجِف وَجِيَفًا إِذَا خَفَقَ , كَمَا يُقَال : وَجَبَ يَجِب وَجِيبًا , وَمِنْهُ وَجِيف الْفَرَس وَالنَّاقَة فِي الْعَدْو , وَالْإِيجَاف حَمْل الدَّابَّة عَلَى السَّيْر السَّرِيع , قَالَ : <br>بُدِّلْنَ بَعْد جِرَّة صَرِيفًا .......... وَبَعْد طُول النَّفَس الْوَجِيفَا <br>وَ | قُلُوب | رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ | وَاجِفَة | صِفَتهَا . وَ | أَبْصَارهَا خَاشِعَة | خَبَرهَا .
وَ | قُلُوب | رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ | وَاجِفَة | صِفَتهَا . وَ | أَبْصَارهَا خَاشِعَة | خَبَرهَا ; مِثْل قَوْله | وَلَعَبْد مُؤْمِن خَيْر مِنْ مُشْرِك | [ الْبَقَرَة : 221 ] . وَمَعْنَى | خَاشِعَة | مُنْكَسِرَة ذَلِيلَة مِنْ هَوْل مَا تَرَى . نَظِيره : | خَاشِعَة أَبْصَارهمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّة | [ الْقَلَم : 43 ] . وَالْمَعْنَى أَبْصَار أَصْحَابهَا , فَحُذِفَ الْمُضَاف .
أَيْ يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ , إِذَا قِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ , قَالُوا مُنْكِرِينَ مُتَعَجِّبِينَ : أَنُرَدُّ بَعْد مَوْتنَا إِلَى أَوَّل الْأَمْر , فَنَعُود أَحْيَاء كَمَا كُنَّا قَبْل الْمَوْت ؟ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ : | أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا | يُقَال : رَجَعَ فُلَان فِي حَافِرَته , وَعَلَى حَافِرَته , أَيْ رَجَعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ ; قَالَهُ قَتَادَة . وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : <br>أَحَافِرَة عَلَى صَلَع وَشَيْب .......... مَعَاذ اللَّه مِنْ سَفَهٍ وَعَار <br>يَقُول : أَأَرْجِعُ إِلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ فِي شَبَابِي مِنْ الْغَزَل وَالصِّبَا بَعْد أَنْ شِبْت وَصَلِعْت ! وَيُقَال : رَجَعَ عَلَى حَافِرَته : أَيْ الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ . وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَل : النَّقْد عِنْد الْحَافِرَة . قَالَ يَعْقُوب : أَيْ عِنْد أَوَّل كَلِمَة . وَيُقَال : اِلْتَقَى الْقَوْم فَاقْتَتَلُوا عِنْد الْحَافِرَة . أَيْ عِنْد أَوَّل مَا اِلْتَقَوْا وَقِيلَ : الْحَافِرَة الْعَاجِلَة ; أَيْ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَنَصِير أَحْيَاء كَمَا كُنَّا ؟ قَالَ الشَّاعِر : <br>آلَيْت لَا أَنْسَاكُمْ فَاعْلَمُوا .......... حَتَّى يُرَدَّ النَّاس فِي الْحَافِرَة <br>وَقِيلَ : الْحَافِرَة : الْأَرْض الَّتِي تُحْفَر فِيهَا قُبُورُهُمْ , فَهِيَ بِمَعْنَى الْمَحْفُورَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | مَاء دَافِق | وَ | عِيشَة رَاضِيَة | . وَالْمَعْنَى أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي قُبُورنَا أَحْيَاء . قَالَهُ مُجَاهِد وَالْخَلِيل وَالْفَرَّاء . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ الْأَرْض الْحَافِرَة ; لِأَنَّهَا مُسْتَقَرّ الْحَوَافِر , كَمَا سُمِّيَتْ الْقَدَم أَرْضًا ; لِأَنَّهَا عَلَى الْأَرْض . وَالْمَعْنَى أَإِنَّا لَرَاجِعُونَ بَعْد الْمَوْت إِلَى الْأَرْض فَنَمْشِي عَلَى أَقْدَامِنَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْحَافِرَة : النَّار , وَقَرَأَ | تِلْكَ إِذًا كَرَّة خَاسِرَة | . وَقَالَ مُقَاتِل وَزَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْحَافِرَة فِي كَلَام الْعَرَب : الدُّنْيَا . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة : | الْحَفِرَةِ | بِغَيْرِ أَلِف , مَقْصُور مِنْ الْحَافِر . وَقِيلَ : الْحَفِرَة : الْأَرْض الْمُنْتِنَة بِأَجْسَادِ مَوْتَاهَا ; مِنْ قَوْلهمْ : حَفِرَتْ أَسْنَانه , إِذَا رَكِبَهَا الْوَسَخ مِنْ ظَاهِرهَا وَبَاطِنهَا . يُقَال : فِي أَسْنَانه حَفَر , وَقَدْ حَفَرَتْ تَحْفِر حَفْرًا , مِثْل كَسَرَ يَكْسِر كَسْرًا إِذَا فَسَدَتْ أُصُولهَا . وَبَنُو أَسَد يَقُولُونَ : فِي أَسْنَانه حَفَر بِالتَّحْرِيكِ . وَقَدْ حَفِرَتْ مِثَال تَعِبَ تَعَبًا , وَهِيَ أَرْدَأ اللُّغَتَيْنِ قَالَهُ فِي الصِّحَاح .
أَيْ بَالِيَة مُتَفَتِّتَة . يُقَال : نَخِرَ الْعَظْم بِالْكَسْرِ : أَيْ بَلِيَ وَتَفَتَّتَ ; يُقَال : عِظَام نَخِرَة . وَكَذَا قَرَأَ الْجُمْهُور مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَمَكَّة وَالشَّامّ وَالْبَصْرَة , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; لِأَنَّ الْآثَار الَّتِي تُذْكَر فِيهَا الْعِظَام , نَظَرْنَا فِيهَا فَرَأَيْنَا نَخِرَة لَا نَاخِرَة . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْنه عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن الزُّبَيْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر | نَاخِرَة | بِأَلِفٍ , وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاء وَالطَّبَرِيّ وَأَبُو مُعَاذ النَّحْوِيّ ; لِوِفَاقِ رُءُوس الْآي . وَفِي الصِّحَاح : وَالنَّاخِر مِنْ الْعِظَام الَّتِي تَدْخُل الرِّيح فِيهِ ثُمَّ تَخْرُج مِنْهُ وَلَهَا نَخِير . وَيُقَال : مَا بِهَا نَاخِر , أَيْ مَا بِهَا أَحَد . حَكَاهُ يَعْقُوب عَنْ الْبَاهِلِيّ . وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : النَّاخِرَة الَّتِي لَمْ تَنْخُر بَعْد , أَيْ لَمْ تَبْلَ وَلَا بُدّ أَنْ تَنْخُر . وَقِيلَ : النَّاخِر الْمُجَوَّفَة . وَقِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى ; كَذَلِكَ تَقُول الْعَرَب : نَخِرَ الشَّيْء فَهُوَ نَخِر وَنَاخِر ; كَقَوْلِهِمْ : طَمِعَ فَهُوَ طَمِع وَطَامِع , وَحَذِر وَحَاذِر , وَبَخِل وَبَاخِل , وَفَرِه وَفَارِه ; قَالَ الشَّاعِر : <br>يَظَلّ بِهَا الشَّيْخ الَّذِي كَانَ بَادِنَا .......... يَدِبُّ عَلَى عِوَج لَهُ نَخِرَات <br>عُوج : يَعْنِي قَوَائِم . وَفِي بَعْض التَّفْسِير : نَاخِرَة بِالْأَلِفِ : بَالِيَة , وَنَخِرَة : تَنْخُر فِيهَا الرِّيح أَيْ تَمُرّ فِيهَا , عَلَى عَكْس الْأَوَّل ; قَالَ : <br>مِنْ بَعْد مَا صِرْت عِظَامًا نَاخِرَهْ <br>وَقَالَ بَعْضهمْ : النَّاخِرَة : الَّتِي أُكِلَتْ أَطْرَافهَا وَبَقِيَتْ أَوْسَاطهَا . وَالنَّخِرَة : الَّتِي فَسَدَتْ كُلّهَا . قَالَ مُجَاهِد : نَخِرَة أَيْ مَرْفُوتَة ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | عِظَامًا وَرُفَاتًا | وَنُخْرَة الرِّيح بِالضَّمِّ : شِدَّة هُبُوبهَا . وَالنُّخْرَة أَيْضًا وَالنُّخَرَة مِثَال الْهُمَزَة : مُقَدَّم أَنْف الْفَرَس وَالْحِمَار وَالْخِنْزِير ; يُقَال : هَشَّمَ نُخْرَته : أَيْ أَنْفه .
أَيْ رَجْعَة خَائِبَة , كَاذِبَة بَاطِلَة , أَيْ لَيْسَتْ كَائِبَة ; قَالَهُ الْحَسَن وَغَيْره . الرَّبِيع بْن أَنَس : | خَاسِرَة | عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهَا . وَقِيلَ : أَيْ هِيَ كَرَّة خُسْرَان . وَالْمَعْنَى أَهْلهَا خَاسِرُونَ ; كَمَا يُقَال : تِجَارَة رَابِحَة أَيْ يَرْبَح صَاحِبهَا . وَلَا شَيْء أَخْسَر مِنْ كَرَّة تَقْتَضِي الْمَصِير إِلَى النَّار . وَقَالَ قَتَادَة وَمُحَمَّد بْن كَعْب : أَيْ لَئِنْ رَجَعْنَا أَحْيَاء بَعْد الْمَوْت لَنُحْشَرَنَّ بِالنَّارِ , وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا ; لِأَنَّهُمْ أُوعِدُوا بِالنَّارِ . وَالْكَرّ : الرُّجُوع ; يُقَال : كَرَّهُ , وَكَرَّ بِنَفْسِهِ , يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى . وَالْكَرَّة : الْمَرَّة , وَالْجَمْع الْكَرَّات .
ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سُهُولَة الْبَعْث عَلَيْهِ فَقَالَ : | فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة | . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَفْخَة وَاحِدَة
| فَإِذَا هُمْ | أَيْ الْخَلَائِق أَجْمَعُونَ | بِالسَّاهِرَةِ | أَيْ عَلَى وَجْه الْأَرْض , بَعْد مَا كَانُوا فِي بَطْنهَا . قَالَ الْفَرَّاء : سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْم ; لِأَنَّ فِيهَا نَوْم الْحَيَوَان وَسَهَرهمْ . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْفَلَاة وَوَجْه الْأَرْض سَاهِرَة , بِمَعْنَى ذَات سَهَر ; لِأَنَّهُ يُسْهَر فِيهَا خَوْفًا مِنْهَا , فَوَصَفَهَا بِصِفَةِ مَا فِيهَا ; وَاسْتَدَلَّ اِبْن عَبَّاس وَالْمُفَسِّرُونَ بِقَوْلِ أُمَيَّة اِبْن أَبِي الصَّلْت : <br>وَفِيهَا لَحْم سَاهِرَة وَبَحْر .......... وَمَا فَاهُوا بِهِ لَهُمْ مُقِيم <br>وَقَالَ آخَر يَوْم ذِي قَار لِفَرَسِهِ : <br>أَقْدَم مَحَاج إِنَّهَا الْأَسَاوِرَهْ .......... وَلَا يَهُولَنك رِجْل نَادِره <br><br>فَإِنَّمَا قَصْرك تُرْب السَّاهِرَهْ .......... ثُمَّ تَعُود بَعْدهَا فِي الْحَافِرَهْ <br><br>مِنْ بَعْد مَا صِرْت عِظَامًا نَاخِرَهْ <br>وَفِي الصِّحَاح . وَيُقَال : السَّاهُور : ظِلّ السَّاهِرَة , وَهِيَ وَجْه الْأَرْض . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ | , قَالَ أَبُو كَبِير الْهُذَلِيّ : <br>يَرْتَدْنَ سَاهِرَة كَأَنَّ جَمِيمهَا .......... وَعَمِيمهَا أَسْدَاف لَيْل مُظْلِم <br>وَيُقَال : السَّاهُور : كَالْغِلَافِ لِلْقَمَرِ يَدْخُل فِيهِ إِذَا كُسِفَ , وَأَنْشَدُوا قَوْل أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : <br>قَمَر وَسَاهُور يُسَلُّ وَيُغْمَد <br>وَأَنْشَدُوا لِآخَر فِي وَصْف اِمْرَأَة : <br>كَأَنَّهَا عِرْق سَامٍ عِنْد ضَارِبه .......... أَوْ شُقَّة خَرَجَتْ مِنْ جَوْف سَاهُور <br>يُرِيد شُقَّة الْقَمَر . وَقِيلَ : السَّاهِرَة : هِيَ الْأَرْض الْبَيْضَاء . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَرْض مِنْ فِضَّة لَمْ يُعْصَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهَا قَطُّ خَلَقَهَا حِينَئِذٍ . وَقِيلَ : أَرْض جَدَّدَهَا اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : السَّاهِرَة اِسْم الْأَرْض السَّابِعَة يَأْتِي بِهَا اللَّه تَعَالَى فَيُحَاسِب عَلَيْهَا الْخَلَائِق , وَذَلِكَ حِين تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : السَّاهِرَة : أَرْض الشَّام . وَهْب بْن مُنَبِّه : جَبَل بَيْت الْمَقْدِس . عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاتِكَة : إِنَّهُ اِسْم مَكَان مِنْ الْأَرْض بِعَيْنِهِ , بِالشَّامِ , وَهُوَ الصَّقْع الَّذِي بَيْن جَبَل أَرِيحَاء وَجَبَل حسان يَمُدّهُ اللَّه كَيْف يَشَاء . قَتَادَة : هِيَ جَهَنَّم أَيْ فَإِذَا هَؤُلَاءِ الْكُفَّار فِي جَهَنَّم . وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا سَاهِرَة ; لِأَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ . وَقِيلَ : السَّاهِرَة : بِمَعْنَى الصَّحْرَاء عَلَى سَفِير جَهَنَّم ; أَيْ يُوقَفُونَ بِأَرْضِ الْقِيَامَة , فَيَدُوم السَّهَر حِينَئِذٍ . وَيُقَال : السَّاهِرَة : الْأَرْض الْبَيْضَاء الْمُسْتَوِيَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ السَّرَاب يَجْرِي فِيهَا مِنْ قَوْلهمْ عَيْن سَاهِرَة : جَارِيَة الْمَاء , وَفِي ضِدّهَا : نَائِمَة ; قَالَ الْأَشْعَث بْن قَيْس : <br>وَسَاهِرَة يُضْحِي السَّرَاب مُجَلِّلًا .......... لِأَقْطَارِهَا قَدْ جِئْتهَا مُتَلَثِّمَا <br>أَوْ لِأَنَّ سَالِكهَا لَا يَنَام خَوْف الْهَلَكَة .
أَيْ قَدْ جَاءَك وَبَلَغَك | حَدِيث مُوسَى | وَهَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَيْ إِنَّ فِرْعَوْن كَانَ أَقْوَى مِنْ كُفَّار عَصْرك , ثُمَّ أَخَذْنَاهُ , وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ . وَقِيلَ : | هَلْ | بِمَعْنَى | مَا | أَيْ مَا أَتَاك , وَلَكِنْ أُخْبِرْت بِهِ , فَإِنَّ فِيهِ عِبْرَة لِمَنْ يَخْشَى . وَقَدْ مَضَى مِنْ خَبَر مُوسَى وَفِرْعَوْن فِي غَيْر مَوْضِع مَا فِيهِ كِفَايَة .
وَفِي | طُوًى | ثَلَاث قِرَاءَات : قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن عَامِر وَالْكُوفِيُّونَ | طَوًى | مُنَوَّنًا وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد لِخِفَّةِ الِاسْم الْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِين ; لِأَنَّهُ مَعْدُول مِثْل عُمَر وَقُثَم قَالَ الْفَرَّاء : طُوَى : وَادٍ بَيْن الْمَدِينَة وَمِصْر . قَالَ : وَهُوَ مَعْدُول عَنْ طَاوٍ , كَمَا عُدِلَ عُمَر عَنْ عَامِر وَقَرَأَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة | طِوًى | بِكَسْرِ الطَّاء , وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو , عَلَى مَعْنَى الْمُقَدَّس مَرَّة بَعْد مَرَّة ; قَالَ الزَّجَّاج ; وَأَنْشَدَ : <br>أَعَاذِل إِنَّ اللَّوْم فِي غَيْر كُنْهه .......... عَلَيَّ طِوًى مِنْ غَيِّك الْمُتَرَدِّد <br>أَيْ هُوَ لَوْم مُكَرَّر عَلَيَّ . وَقِيلَ : ضَمّ الطَّاء وَكَسْرُهَا لُغَتَانِ , وَقَدْ مَضَى فِي | طَه | الْقَوْل فِيهِ .
| اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن | أَيْ نَادَاهُ رَبُّهُ , فَحُذِفَ ; لِأَنَّ النِّدَاء قَوْل ; فَكَأَنَّهُ ; قَالَ لَهُ رَبُّهُ | اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن | . | إِنَّهُ طَغَى | أَيْ جَاوَزَ الْقَدْر فِي الْعِصْيَان . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن قَالَ : كَانَ فِرْعَوْن عِلْجًا مِنْ هَمْدَان . وَعَنْ مُجَاهِد قَالَ : كَانَ مِنْ أَهْل إِصْطَخْر . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا قَالَ : مِنْ أَهْل أَصْبَهَان , يُقَال : لَهُ ذُو ظُفْر , طُولُهُ أَرْبَعَة أَشْبَار . وَقَالَ صَخْر بْن جُوَيْرِيَة : لَمَّا بَعَثَ اللَّه مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : | اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن | إِلَى قَوْله | وَأَهْدِيك إِلَى رَبِّك فَتَخْشَى | وَلَنْ يَفْعَل , فَقَالَ : يَا رَبّ , وَكَيْف أَذْهَب إِلَيْهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَفْعَل ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ اِمْضِ إِلَى مَا أَمَرْتُك بِهِ , فَإِنَّ فِي السَّمَاء اِثْنَيْ عَشَر أَلْف مَلَك يَطْلُبُونَ عِلْم الْقَدَر , فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَا يُدْرِكُوهُ .
أَيْ تُسْلِم فَتَطْهُر مِنْ الذُّنُوب . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هَلْ لَك أَنْ تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير | تَزَّكَّى | بِتَشْدِيدِ الزَّاي , عَلَى إِدْغَام التَّاء فِي الزَّاي ; لِأَنَّ أَصْلَهَا تَتَزَكَّى . الْبَاقُونَ : | تَزَكَّى | بِتَخْفِيفِ الزَّاي عَلَى مَعْنَى طَرْح التَّاء . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : | تَزَّكَّى | بِالتَّشْدِيدِ تَتَصَدَّق بِالصَّدَقَةِ , وَ | تَزَكَّى | يَكُون زَكِيًّا مُؤْمِنًا . وَإِنَّمَا دَعَا فِرْعَوْن لِيَكُونَ زَكِيًّا مُؤْمِنًا . قَالَ : فَلِهَذَا اِخْتَرْنَا التَّخْفِيف . وَقَالَ صَخْر بْن جُوَيْرِيَة : لَمَّا بَعَثَ اللَّه مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : | اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن | إِلَى قَوْله | وَأَهْدِيك إِلَى رَبّك فَتَخْشَى | وَلَنْ يَفْعَل , فَقَالَ : يَا رَبّ , وَكَيْف أَذْهَب إِلَيْهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَفْعَل ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ اِمْضِ إِلَى مَا أَمَرْتُك بِهِ , فَإِنَّ فِي السَّمَاء اِثْنَيْ عَشَر أَلْف مَلَك يَطْلُبُونَ عِلْم الْقَدَر , فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَا يُدْرِكُوهُ .
| وَأَهْدِيك إِلَى رَبِّك | أَيْ وَأَرْشُدُك إِلَى طَاعَة رَبّك | فَتَخْشَى | أَيْ تَخَافهُ وَتَتَّقِيه . وَقَالَ صَخْر بْن جُوَيْرِيَة : لَمَّا بَعَثَ اللَّه مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : | اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن | إِلَى قَوْله | وَأَهْدِيك إِلَى رَبّك فَتَخْشَى | وَلَنْ يَفْعَل , فَقَالَ : يَا رَبّ , وَكَيْف أَذْهَب إِلَيْهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَفْعَل ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ اِمْضِ إِلَى مَا أَمَرْتُك بِهِ , فَإِنَّ فِي السَّمَاء اِثْنَيْ عَشَر أَلْف مَلَك يَطْلُبُونَ عِلْم الْقَدَر , فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَا يُدْرِكُوهُ .
أَيْ الْعَلَامَة الْعُظْمَى وَهِيَ الْمُعْجِزَة وَقِيلَ : الْعَصَا . وَقِيلَ : الْيَد الْبَيْضَاء تَبْرُق كَالشَّمْسِ . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : الْآيَة الْكُبْرَى قَالَ الْعَصَا . الْحَسَن : يَده وَعَصَاهُ . وَقِيلَ : فَلْق الْبَحْر . وَقِيلَ : الْآيَة : إِشَارَة إِلَى جَمِيع آيَاته وَمُعْجِزَاته .
| فَكَذَّبَ | أَيْ كَذَّبَ نَبِيَّ اللَّه مُوسَى | وَعَصَى | أَيْ عَصَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
أَيْ وَلَّى مُدْبِرًا مُعْرِضًا عَنْ الْإِيمَان | يَسْعَى | أَيْ يَعْمَل بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْض . وَقِيلَ : يَعْمَل فِي نِكَايَة مُوسَى . وَقِيلَ : | أَدْبَرَ يَسْعَى | هَارِبًا مِنْ الْحَيَّة .
| فَحَشَرَ | أَيْ جَمَعَ أَصْحَابَهُ لِيَمْنَعُوهُ مِنْهَا . وَقِيلَ : جَمَعَ جُنُوده لِلْقِتَالِ وَالْمُحَارَبَة , وَالسَّحَرَة لِلْمُعَارَضَةِ . وَقِيلَ : حَشَرَ النَّاس لِلْحُضُورِ . | فَنَادَى | أَيْ قَالَ لَهُمْ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; فَنَادَى فَحَشَرَ ; لِأَنَّ النِّدَاء يَكُون قَبْل الْحَشْر .
أَيْ لَا رَبّ لَكُمْ فَوْقِي . وَيُرْوَى : أَنَّ إِبْلِيس تَصَوَّرَ لِفِرْعَوْن فِي صُورَة الْإِنْس بِمِصْر فِي الْحَمَّام , فَأَنْكَرَهُ فِرْعَوْن , فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس : وَيْحك ! أَمَا تَعْرِفنِي ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : وَكَيْف وَأَنْتَ خَلَقْتنِي ؟ أَلَسْت الْقَائِل أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ فِي كِتَاب الْعَرَائِس . وَقَالَ عَطَاء : كَانَ صَنَعَ لَهُمْ أَصْنَامًا صِغَارًا وَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهَا , فَقَالَ أَنَا رَبّ أَصْنَامكُمْ . وَقِيلَ : أَرَادَ الْقَادَة وَالسَّادَة . هُوَ رَبّهمْ , وَأُولَئِكَ , هُمْ أَرْبَاب السَّفَلَة .
أَيْ نَكَال قَوْله : | مَا عَلِمْت لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي | [ الْقَصَص : 38 ] وَقَوْله بَعْد : | أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى | [ النَّازِعَات : 24 ] قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة . وَكَانَ بَيْن الْكَلِمَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سَنَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَالْمَعْنَى : أَمْهَلَهُ فِي الْأُولَى , ثُمَّ أَخَذَهُ فِي الْآخِرَة , فَعَذَّبَهُ بِكَلِمَتَيْهِ . وَقِيلَ : نَكَال الْأُولَى : هُوَ أَنْ أُغْرِقَهُ , وَنَكَال الْآخِرَة : الْعَذَاب فِي الْآخِرَة . وَقَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ عَذَاب أَوَّل عُمْره وَآخِره وَقِيلَ : الْآخِرَة قَوْله | أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى | وَالْأُولَى تَكْذِيبه لِمُوسَى . عَنْ قَتَادَة أَيْضًا . وَ | نَكَال | مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر الْمُؤَكِّد فِي قَوْل الزَّجَّاج ; لِأَنَّ مَعْنَى أَخَذَهُ اللَّه : نَكَّلَ اللَّه بِهِ , فَأُخْرِجَ [ نَكَال ] مَكَان مَصْدَر مِنْ مَعْنَاهُ , لَا مِنْ لَفْظه . وَقِيلَ : نَصْب بِنَزْعِ حَرْف الصِّفَة . أَيْ فَأَخَذَهُ اللَّه بِنَكَالِ الْآخِرَة , فَلَمَّا نُزِعَ الْخَافِض نُصِبَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : أَيْ أَخَذَهُ اللَّه أَخْذًا نَكَالًا , أَيْ لِلنَّكَالِ . وَالنَّكَال : اِسْم لِمَا جُعِلَ نَكَالًا لِلْغَيْرِ أَيْ عُقُوبَة لَهُ حَتَّى يُعْتَبَر بِهِ . يُقَال : نَكَّلَ فُلَان بِفُلَان : إِذَا أَثْخَنَهُ عُقُوبَة . وَالْكَلِمَة مِنْ الِامْتِنَاع , وَمِنْهُ النُّكُول عَنْ الْيَمِين , وَالنِّكْل الْقَيْد . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الْمُزَّمِّل | وَالْحَمْد لِلَّهِ .
| إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَة | أَيْ اِعْتِبَارًا وَعِظَة . | لِمَنْ يَخْشَى | أَيْ يَخَاف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
| أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا | يُرِيد أَهْل مَكَّة , أَيْ أَخَلْقُكُمْ بَعْد الْمَوْت أَشَدُّ فِي تَقْدِيركُمْ | أَمْ السَّمَاء | فَمَنْ قَدَرَ عَلَى السَّمَاء قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | لَخَلْقُ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَكْبَرُ مِنْ خَلْق النَّاس | [ غَافِر : 57 ] وَقَوْله تَعَالَى : | أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُق مِثْلَهُمْ | [ يس : 81 ] , فَمَعْنَى الْكَلَام التَّقْرِيع وَالتَّوْبِيخ . ثُمَّ وَصَفَ السَّمَاء فَقَالَ : | بَنَاهَا | أَيْ رَفَعَهَا فَوْقكُمْ كَالْبِنَاءِ .
| رَفَعَ سَمْكَهَا | أَيْ أَعْلَى سَقْفهَا فِي الْهَوَاء ; يُقَال : سَمَكْت الشَّيْء أَيْ رَفَعْته فِي الْهَوَاء , وَسَمَكَ الشَّيْء سُمُوكًا : اِرْتَفَعَ وَقَالَ الْفَرَّاء : كُلّ شَيْء حَمَلَ شَيْئًا مِنْ الْبِنَاء وَغَيْره فَهُوَ سَمْكٌ . وَبِنَاء مَسْمُوك وَسَنَام سَامِك تَامِك أَيْ عَالٍ , وَالْمَسْمُوكَات : السَّمَوَات . وَيُقَال : اُسْمُكْ فِي الدَّيْم , أَيْ اِصْعَدْ فِي الدَّرَجَة . | فَسَوَّاهَا | أَيْ خَلَقَهَا خَلْقًا مُسْتَوِيًا , لَا تَفَاوُتَ فِيهِ , وَلَا شُقُوق , وَلَا فَطُور .
أَيْ جَعَلَهُ مُظْلِمًا ; غَطِشَ اللَّيْل وَأَغْطَشَهُ اللَّه ; كَقَوْلِك : ظَلِمَ [ اللَّيْل ] وَأَظْلَمَهُ اللَّه . وَيُقَال أَيْضًا : أَغْطَشَ اللَّيْلُ بِنَفْسِهِ . وَأَغْطَشَهُ اللَّه كَمَا يُقَال : أَظْلَمَ اللَّيْل , وَأَظْلَمَهُ اللَّه . وَالْغَطَش وَالْغَبَش : الظُّلْمَة . وَرَجُل أَغْطَش : أَيْ أَعْمَى , أَوْ شَبِيه بِهِ , وَقَدْ غَطِشَ , وَالْمَرْأَة غَطْشَاء ; وَيُقَال : لَيْلَة غَطْشَاء , وَلَيْل أَغْطَش وَفَلَاة غَطْشَى لَا يُهْتَدَى لَهَا ; قَالَ الْأَعْشَى : <br>وَيَهْمَاء بِاللَّيْلِ غَطْشَى الْفَلَا .......... ةِ يُؤْنِسنِي صَوْت فَيَادِهَا <br>وَقَالَ الْأَعْشَى أَيْضًا : <br>عَقَرْت لَهُمْ مَوْهِنًا نَاقَتِي .......... وَغَامِرهمْ مُدْلَهِمّ غَطِشْ <br>يَعْنِي بِغَامِرِهِمْ لَيْلهمْ ; لِأَنَّهُ غَمَرَهُمْ بِسَوَادِهِ . وَأَضَافَ اللَّيْل إِلَى السَّمَاء ; لِأَنَّ اللَّيْل يَكُون بِغُرُوبِ الشَّمْس , وَالشَّمْس مُضَاف إِلَى السَّمَاء , وَيُقَال : نُجُوم اللَّيْل ; لِأَنَّ ظُهُورهَا بِاللَّيْلِ .|وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا|أَيْ أَبْرَزَ نَهَارهَا وَضَوْءَهَا وَشَمْسهَا . وَأَضَافَ الضُّحَى إِلَى السَّمَاء كَمَا أَضَافَ إِلَيْهَا اللَّيْل ; لِأَنَّ فِيهَا سَبَب الظَّلَام وَالضِّيَاء وَهُوَ غُرُوب الشَّمْس وَطُلُوعهَا .
أَيْ بَسَطَهَا . وَهَذَا يُشِير إِلَى كَوْن الْأَرْض بَعْد السَّمَاء . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي أَوَّل | الْبَقَرَة | عِنْد قَوْله تَعَالَى : | هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء | [ الْبَقَرَة : 29 ] مُسْتَوْفًى وَالْعَرَب تَقُول : دَحَوْت الشَّيْء أَدْحُوهُ دَحْوًا : إِذَا بَسَطْته . وَيُقَال لِعُشِّ النَّعَامَة أَدْحَى ; لِأَنَّهُ مَبْسُوط عَلَى وَجْه الْأَرْض . وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : <br>وَبَثَّ الْخَلْق فِيهَا إِذْ دَحَاهَا .......... فَهُمْ قُطَّانُهَا حَتَّى التَّنَادِي <br>وَأَنْشَدَ الْمُبَرِّد : <br>دَحَاهَا فَلَمَّا رَآهَا اِسْتَوَتْ .......... عَلَى الْمَاء أَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا <br>وَقِيلَ : دَحَاهَا سَوَّاهَا ; وَمِنْهُ قَوْل زَيْد بْن عَمْرو : <br>وَأَسْلَمْت وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ .......... لَهُ الْأَرْض تَحْمِل صَخْرًا ثِقَالَا <br><br>دَحَاهَا فَلَمَّا اِسْتَوَتْ شَدَّهَا .......... بِأَيْدٍ وَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا <br>وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : خَلَقَ اللَّه الْكَعْبَة وَوَضَعَهَا عَلَى الْمَاء عَلَى أَرْبَعَة أَرْكَان , قَبْل أَنْ يَخْلُق الدُّنْيَا بِأَلْفِ عَام , ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْت الْبَيْت . وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ | بَعْد | فِي مَوْضِع | مَعَ | كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْأَرْض مَعَ ذَلِكَ دَحَاهَا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | عُتُلّ بَعْد ذَلِكَ زَنِيم | [ الْقَلَم : 13 ] . وَمِنْهُ قَوْلهمْ : أَنْتَ أَحْمَق وَأَنْتَ بَعْد هَذَا سَيِّئُ الْخُلُق , قَالَ الشَّاعِر : <br>فَقُلْت لَهَا عَنِّي إِلَيْك فَإِنَّنِي .......... حَرَام وَإِنِّي بَعْد ذَاكَ لَبِيب <br>أَيْ مَعَ ذَلِكَ لَبِيب . وَقِيلَ : بَعْد : بِمَعْنَى قَبْل ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر | [ الْأَنْبِيَاء : 105 ] أَيْ مِنْ قَبْل الْفُرْقَان , قَالَ أَبُو خِرَاش الْهُذَلِيّ : <br>حَمِدْتُ إِلَهِي بَعْد عُرْوَة إِذْ نَجَا .......... خِرَاش وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْض <br>وَزَعَمُوا أَنَّ خِرَاشًا نَجَا قَبْل عُرْوَة . وَقِيلَ : | دَحَاهَا | : حَرَثَهَا وَشَقَّهَا . قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَقِيلَ : دَحَاهَا مَهَّدَهَا لِلْأَقْوَاتِ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب وَقِرَاءَة الْعَامَّة | وَالْأَرْض | بِالنَّصْبِ , أَيْ دَحَا الْأَرْض . وَقَرَأَ الْحَسَن وَعَمْرو بْن مَيْمُون | وَالْأَرْضُ | بِالرَّفْعِ , عَلَى الِابْتِدَاء ; لِرُجُوعِ الْهَاء . وَيُقَال : دَحَا يَدْحُو دَحْوًا وَدَحَى يَدْحَى دَحْيًا ; كَقَوْلِهِمْ : طَغَى يَطْغَى وَيَطْغُو , وَطَغِيَ يَطْغَى , وَمَحَا يَمْحُو وَيَمْحَى , وَلَحَى الْعُود يَلْحَى وَيَلْحُو , فَمَنْ قَالَ : يَدْحُو قَالَ دَحَوْت وَمَنْ قَالَ يَدْحَى قَالَ دَحَيْت
| أَخْرَجَ مِنْهَا | أَيْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَرْض | مَاءَهَا | أَيْ الْعُيُون الْمُتَفَجِّرَة بِالْمَاءِ . | وَمَرْعَاهَا | أَيْ النَّبَات الَّذِي يُرْعَى . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : دَلَّ بِشَيْئَيْنِ عَلَى جَمِيع مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْأَرْض قُوتًا وَمَتَاعًا لِلْأَنَامِ مِنْ الْعُشْب وَالشَّجَر وَالْحَبّ وَالتَّمْر وَالْعَصْف وَالْحَطَب وَاللِّبَاس وَالنَّار وَالْمِلْح ; لِأَنَّ النَّار مِنْ الْعِيدَانِ وَالْمِلْح مِنْ الْمَاء .
قِرَاءَة الْعَامَّة | وَالْجِبَال | بِالنَّصْبِ , أَيْ وَأَرْسَى الْجِبَال | أَرْسَاهَا | يَعْنِي : أَثْبَتَهَا فِيهَا أَوْتَادًا لَهَا . وَقَرَأَ الْحَسَن وَعَمْرو بْن مَيْمُون وَعَمْرو بْن عُبَيْد وَنَصْر بْن عَاصِم | وَالْجِبَال | بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء . وَيُقَال : هَلَّا أُدْخِلَ حَرْف الْعَطْف عَلَى | أَخْرَجَ | فَيُقَال : | إِنَّهُ حَال بِإِضْمَارِ قَدْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ | [ النِّسَاء : 90 ] .
| مَتَاعًا لَكُمْ | أَيْ مَنْفَعَة لَكُمْ | وَلِأَنْعَامِكُمْ | مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم . وَ | مَتَاعًا | نَصْب عَلَى الْمَصْدَر مِنْ غَيْر اللَّفْظ ; لِأَنَّ مَعْنَى | أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا | أَمَتَعَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : نَصْب بِإِسْقَاطِ حَرْف الصِّفَة تَقْدِيره لِتَتَمَتَّعُوا بِهِ مَتَاعًا .
أَيْ الدَّاهِيَة الْعُظْمَى , وَهِيَ النَّفْخَة الثَّانِيَة , الَّتِي يَكُون مَعَهَا الْبَعْث , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة الضَّحَّاك عَنْهُ , وَهُوَ قَوْل الْحَسَن . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالضَّحَّاك : أَنَّهَا الْقِيَامَة ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَطِمّ عَلَى كُلّ شَيْء , فَتَعُمُّ مَا سِوَاهَا لِعِظَمِ هَوْلِهَا ; أَيْ تَقَلُّبه . وَفِي أَمْثَالهمْ : <br>( جَرَى الْوَادِي فَطَمَّ عَلَى الْقَرِيِّ ) <br>الْمُبَرِّد : الطَّامَّة عِنْد الْعَرَب الدَّاهِيَة الَّتِي لَا تُسْتَطَاع , وَإِنَّمَا أُخِذَتْ فِيمَا أَحْسَب مِنْ قَوْلهمْ : طَمَّ الْفَرَس طَمِيمًا إِذَا اِسْتَفْرَغَ جَهْده فِي الْجَرْي , وَطَمَّ الْمَاء إِذَا مَلَأ النَّهَر كُلّه . غَيْره : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ طَمَّ السَّيْل الرَّكِيَّة أَيْ دَفَنَهَا , وَالطَّمّ : الدَّفْن وَالْعُلُوّ . وَقَالَ الْقَاسِم بْن الْوَلِيد الْهَمْدَانِيّ : الطَّامَّة الْكُبْرَى حِين يُسَاق أَهْل الْجَنَّة إِلَى الْجَنَّة وَأَهْل النَّار إِلَى النَّار . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل مُجَاهِد : وَقَالَ سُفْيَان : هِيَ السَّاعَة الَّتِي يُسْلِم فِيهَا أَهْل النَّار إِلَى الزَّبَانِيَة . أَيْ الدَّاهِيَة الَّتِي طَمَّتْ وَعَظُمَتْ ; قَالَ : <br>إِنَّ بَعْض الْحُبّ يُعْمِي وَيُصِمّ .......... وَكَذَاك الْبُغْض أَدْهَى وَأَطَمّ<br>
أَيْ مَا عَمِلَ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ .
| وَبُرِّزَتْ الْجَحِيم | أَيْ ظَهَرَتْ . | لِمَنْ يَرَى | قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُكْشَف عَنْهَا فَيَرَاهَا تَتَلَظَّى كُلُّ ذِي بَصَر . وَقِيلَ : الْمُرَاد الْكَافِر لِأَنَّهُ الَّذِي يَرَى النَّار بِمَا فِيهَا مِنْ أَصْنَاف الْعَذَاب . وَقِيلَ : يَرَاهَا الْمُؤْمِن لِيَعْرِف قَدْر النِّعْمَة , وَيُصْلَى الْكَافِر بِالنَّارِ . وَجَوَاب | فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة | مَحْذُوف أَيْ إِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة دَخَلَ أَهْل النَّار النَّار وَأَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة . وَقَرَأَ مَالِك بْن دِينَار : | وَبَرَزَتْ الْجَحِيم | . عِكْرِمَة : وَغَيْره : | لِمَنْ تَرَى | بِالتَّاءِ , أَيْ لِمَنْ تَرَاهُ الْجَحِيم , أَوْ لِمَنْ تَرَاهُ أَنْتَ يَا مُحَمَّد . وَالْخِطَاب لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام , وَالْمُرَاد بِهِ النَّاس .
أَيْ تَجَاوَزَ الْحَدّ فِي الْعِصْيَان . قِيلَ : نَزَلَتْ فِي النَّضْر وَابْنه الْحَارِث , وَهِيَ عَامَّة فِي كُلّ كَافِر آثَرَ الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة . وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير قَالَ : مَنْ اِتَّخَذَ مِنْ طَعَام وَاحِد ثَلَاثَة أَلْوَان فَقَدْ طَغَى .
قِيلَ : نَزَلَتْ فِي النَّضْر وَابْنه الْحَارِث , وَهِيَ عَامَّة فِي كُلّ كَافِر آثَرَ الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة . وَرَوَى جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك قَالَ : قَالَ حُذَيْفَة : أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْ يُؤْثِرُوا مَا يَرَوْنَ عَلَى مَا يَعْلَمُونَ . وَيُرْوَى أَنَّهُ وُجِدَ فِي الْكُتُب : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ | لَا يُؤْثِر عَبْد لِي دُنْيَاهُ عَلَى آخِرَته , إِلَّا بَثَثْت عَلَيْهِ هُمُومه وَضَيَّعْته , ثُمَّ لَا أُبَالِي فِي أَيّهَا هَلَكَ | .
أَيْ مَأْوَاهُ . وَالْأَلِف وَاللَّام بَدَل مِنْ الْهَاء .
أَيْ حَذِرَ مَقَامه بَيْن يَدَيْ رَبّه . وَقَالَ الرَّبِيع : مَقَامه يَوْم الْحِسَاب . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَقَامًا قَدْ خَافَهُ الْمُؤْمِنُونَ . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ خَوْفه فِي الدُّنْيَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِنْد مُوَاقَعَة الذَّنْب فَيُقْلِع . نَظِيره : | وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ | [ الرَّحْمَن : 46 ] . وَالْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي مُصْعَب بْن عُمَيْر وَأَخِيهِ عَامِر بْن عُمَيْر ; فَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَمَّا مَنْ طَغَى فَهُوَ أَخ لِمُصْعَبِ بْن عُمَيْر أُسِرَ يَوْم بَدْر , فَأَخَذَتْهُ الْأَنْصَار فَقَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا أَخُو مُصْعَب بْن عُمَيْر , فَلَمْ يَشُدُّوهُ فِي الْوَثَاق , وَأَكْرَمُوهُ وَبَيَّتُوهُ عِنْدهمْ , فَلَمَّا أَصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَب بْن عُمَيْر حَدِيثه ; فَقَالَ : مَا هُوَ لِي بِأَخٍ , شُدُّوا أَسِيركُمْ , فَإِنَّ أُمَّهُ أَكْثَر أَهْل الْبَطْحَاء حُلِيًّا وَمَالًا . فَأَوْثَقُوهُ حَتَّى بَعَثَتْ أُمُّهُ فِي فَدَائِهِ . | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه | فَمُصْعَب بْن عُمَيْر , وَقَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ يَوْم أُحُد حِين تَفَرَّقَ النَّاس عَنْهُ , حَتَّى نَفَذَتْ الْمَشَاقِص فِي جَوْفه . وَهِيَ السِّهَام , فَلَمَّا رَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَشَحِّطًا فِي دَمه قَالَ : [ عِنْد اللَّه أَحْتَسِبُك ] وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : [ لَقَدْ رَأَيْته وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ مَا تُعْرَف قِيمَتهمَا وَإِنَّ شِرَاك نَعْلَيْهِ مِنْ ذَهَب ] . وَقِيلَ : إِنَّ مُصَعَّب بْن عُمَيْر قَتَلَ أَخَاهُ عَامِرًا يَوْم بَدْر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رَجُلَيْنِ : أَبِي جَهْل بْن هِشَام الْمَخْزُومِيّ وَمُصْعَب بْن عُمَيْر الْعَبْدَرِيّ . وَقَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه | فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ لَهُ غُلَام يَأْتِيه بِطَعَامٍ , وَكَانَ يَسْأَلهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْت بِهَذَا , فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَلْهُ وَأَكَلَهُ , فَقَالَ لَهُ غُلَامه : لِمَ لَا تَسْأَلُنِي الْيَوْم ؟ فَقَالَ : نَسِيت , فَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا الطَّعَام . فَقَالَ : تَكَهَّنْت لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَعْطَوْنِيهِ . فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَته وَقَالَ : يَا رَبّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوق فَأَنْتَ حَبَسْته فَنَزَلَتْ : | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبِّهِ | . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي مَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ وَقَدَرَ عَلَيْهَا فِي خَلْوَة ثُمَّ تَرَكَهَا مِنْ خَوْف اللَّه . وَنَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس . يَعْنِي مَنْ خَافَ عِنْد الْمَعْصِيَة مَقَامه بَيْن يَدَيْ اللَّه , فَانْتَهَى عَنْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .|وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى|أَيْ زَجَرَهَا عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمَحَارِم . وَقَالَ سَهْل : تَرْك الْهَوَى مِفْتَاح الْجَنَّة ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْس عَنْ الْهَوَى | قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : أَنْتُمْ فِي زَمَان يَقُود الْحَقّ الْهَوَى , وَسَيَأْتِي زَمَان يَقُود الْهَوَى الْحَقّ فَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَان . وَالْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي مُصْعَب بْن عُمَيْر وَأَخِيهِ عَامِر بْن عُمَيْر ; فَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَمَّا مَنْ طَغَى فَهُوَ أَخ لِمُصْعَبِ بْن عُمَيْر أُسِرَ يَوْم بَدْر , فَأَخَذَتْهُ الْأَنْصَار فَقَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا أَخُو مُصْعَب بْن عُمَيْر , فَلَمْ يَشُدُّوهُ فِي الْوَثَاق , وَأَكْرَمُوهُ وَبَيَّتُوهُ عِنْدهمْ , فَلَمَّا أَصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَب بْن عُمَيْر حَدِيثه ; فَقَالَ : مَا هُوَ لِي بِأَخٍ , شُدُّوا أَسِيركُمْ , فَإِنَّ أُمّه أَكْثَر أَهْل الْبَطْحَاء حُلِيًّا وَمَالًا . فَأَوْثَقُوهُ حَتَّى بَعَثَتْ أُمّه فِي فَدَائِهِ . | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه | فَمُصْعَب بْن عُمَيْر , وَقَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ يَوْم أُحُد حِين تَفَرَّقَ النَّاس عَنْهُ , حَتَّى نَفَذَتْ الْمَشَاقِص فِي جَوْفه . وَهِيَ السِّهَام , فَلَمَّا رَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَشَحِّطًا فِي دَمه قَالَ : [ عِنْد اللَّه أَحْتَسِبُك ] وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : [ لَقَدْ رَأَيْته وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ مَا تُعْرَف قِيمَتُهُمَا وَإِنَّ شِرَاك نَعْلَيْهِ مِنْ ذَهَب ] . وَقِيلَ : إِنَّ مُصْعَب بْن عُمَيْر قَتَلَ أَخَاهُ عَامِرًا يَوْم بَدْر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رَجُلَيْنِ : أَبِي جَهْل بْن هِشَام الْمَخْزُومِيّ وَمُصْعَب بْن عُمَيْر الْعَبْدَرِيّ . وَقَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه | فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ لَهُ غُلَام يَأْتِيه بِطَعَامٍ , وَكَانَ يَسْأَلهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْت بِهَذَا , فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَل وَأَكَلَهُ , فَقَالَ لَهُ غُلَامه : لِمَ لَا تَسْأَلنِي الْيَوْم ؟ فَقَالَ : نَسِيت , فَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا الطَّعَام . فَقَالَ : تَكَهَّنْت لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَعْطَوْنِيهِ . فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَته وَقَالَ : يَا رَبّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوق فَأَنْتَ حَبَسْته فَنَزَلَتْ : | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه | . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي مَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ وَقَدَرَ عَلَيْهَا فِي خَلْوَة ثُمَّ تَرَكَهَا مِنْ خَوْف اللَّه . وَنَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس . يَعْنِي مَنْ خَافَ عِنْد الْمَعْصِيَة مَقَامه بَيْن يَدَيْ اللَّه , فَانْتَهَى عَنْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ الْمَنْزِل . وَالْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي مُصْعَب بْن عُمَيْر وَأَخِيهِ عَامِر بْن عُمَيْر ; فَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَمَّا مَنْ طَغَى فَهُوَ أَخ لِمُصْعَبِ بْن عُمَيْر أُسِرَ يَوْم بَدْر , فَأَخَذَتْهُ الْأَنْصَار فَقَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا أَخُو مُصْعَب بْن عُمَيْر , فَلَمْ يَشُدُّوهُ فِي الْوَثَاق , وَأَكْرَمُوهُ وَبَيَّتُوهُ عِنْدهمْ , فَلَمَّا أَصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَب بْن عُمَيْر حَدِيثه ; فَقَالَ : مَا هُوَ لِي بِأَخٍ , شُدُّوا أَسِيرَكُمْ , فَإِنَّ أُمّه أَكْثَر أَهْل الْبَطْحَاء حُلِيًّا وَمَالًا . فَأَوْثَقُوهُ حَتَّى بَعَثَتْ أُمّه فِي فَدَائِهِ . | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه | فَمُصْعَب بْن عُمَيْر , وَقَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ يَوْم أُحُد حِين تَفَرَّقَ النَّاس عَنْهُ , حَتَّى نَفَذَتْ الْمَشَاقِص فِي جَوْفه . وَهِيَ السِّهَام , فَلَمَّا رَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَشَحِّطًا فِي دَمه قَالَ : [ عِنْد اللَّه أَحْتَسِبُك ] وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : [ لَقَدْ رَأَيْته وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ مَا تُعْرَف قِيمَتهمَا وَإِنَّ شِرَاك نَعْلَيْهِ مِنْ ذَهَب ] . وَقِيلَ : إِنَّ مُصْعَب بْن عُمَيْر قَتَلَ أَخَاهُ عَامِرًا يَوْم بَدْر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رَجُلَيْنِ : أَبِي جَهْل بْن هِشَام الْمَخْزُومِيّ وَمُصْعَب بْن عُمَيْر الْعَبْدَرِيّ . وَقَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبِّهِ | فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ لَهُ غُلَام يَأْتِيه بِطَعَامٍ , وَكَانَ يَسْأَلهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْت بِهَذَا , فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَل وَأَكَلَهُ , فَقَالَ لَهُ غُلَامه : لِمَ لَا تَسْأَلنِي الْيَوْم ؟ فَقَالَ : نَسِيت , فَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا الطَّعَام . فَقَالَ : تَكَهَّنْت لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَعْطَوْنِيهِ . فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَته وَقَالَ : يَا رَبّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوق فَأَنْتَ حَبْسَته فَنَزَلَتْ : | وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه | . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي مَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ وَقَدَرَ عَلَيْهَا فِي خَلْوَة ثُمَّ تَرَكَهَا مِنْ خَوْف اللَّه . وَنَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس . يَعْنِي مَنْ خَافَ عِنْد الْمَعْصِيَة مَقَامه بَيْن يَدَيْ اللَّه , فَانْتَهَى عَنْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَهُ اِبْن عَبَّاس : سَأَلَ مُشْرِكُو مَكَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى تَكُون السَّاعَة اِسْتِهْزَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْآيَة . وَقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى : | فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا | ؟ لَمْ يَزَلْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَل عَنْ السَّاعَة , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة | إِلَى رَبّك مُنْتَهَاهَا | . وَمَعْنَى | مُرْسَاهَا | أَيْ قِيَامهَا . قَالَ الْفَرَّاء : رُسُوّهَا قِيَامهَا كَرُسُوِّ السَّفِينَة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَيْ مُنْتَهَاهَا , وَمَرْسَى السَّفِينَة حَيْثُ , تَنْتَهِي . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس . الرَّبِيع بْن أَنَس : مَتَى زَمَانهَا . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | بَيَان ذَلِكَ . وَعَنْ الْحَسَن أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ لَا تَقُوم السَّاعَة إِلَّا بِغَضْبَةٍ يَغْضَبهَا رَبّك ] .
أَيْ فِي أَيّ شَيْء أَنْتَ يَا مُحَمَّد مِنْ ذِكْر الْقِيَامَة وَالسُّؤَال عَنْهَا ؟ وَلَيْسَ لَك السُّؤَال عَنْهَا . وَهَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : لَمْ يَزَلْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَل عَنْ السَّاعَة حَتَّى نَزَلَتْ : | فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبّك مُنْتَهَاهَا | أَيْ مُنْتَهَى عِلْمهَا ; فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ سَأَلَ اللَّه أَنْ يُعَرِّفَهُ ذَلِكَ , فَقِيلَ لَهُ : لَا تَسْأَل , فَلَسْت فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون إِنْكَارًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي مَسْأَلَتِهِمْ لَهُ ; أَيْ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلُوك بَيَانه , وَلَسْت مِمَّنْ يَعْلَمُهُ . رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَالذِّكْرَى بِمَعْنَى الذِّكْر .
أَيْ مُنْتَهَى عِلْمهَا , فَلَا يُوجَد عِنْد غَيْره عِلْم السَّاعَة ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي | [ الْأَعْرَاف : 187 ] وَقَوْله تَعَالَى : | إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة | [ لُقْمَان : 34 ] .<BR> أَيْ مُنْتَهَى عِلْمهَا , فَلَا يُوجَد عِنْد غَيْره عِلْم السَّاعَة ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي | [ الْأَعْرَاف : 187 ] وَقَوْله تَعَالَى : | إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة | [ لُقْمَان : 34 ] .'
أَيْ مُخَوِّف ; وَخَصَّ الْإِنْذَار بِمَنْ يَخْشَى , لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ , وَإِنْ كَانَ مُنْذِرًا لِكُلِّ مُكَلَّف ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِنَّمَا تُنْذِر مَنْ اِتَّبَعَ الذِّكْر وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ | [ يس : 11 ] . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | مُنْذِر | بِالْإِضَافَةِ غَيْر مَنُون ; طَلَب التَّخْفِيف , وَإِلَّا فَأَصْله التَّنْوِين ; لِأَنَّهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّمَا لَا يُنَوَّن فِي الْمَاضِي . قَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز التَّنْوِين وَتَرْكه ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | بَالِغ أَمْره | [ الطَّلَاق : 3 ] , وَ | بَالِغ أَمْرِهِ | وَ | مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ | [ الْأَنْفَال : 18 ] وَ | مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ | وَالتَّنْوِين هُوَ الْأَصْل , وَبِهِ قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَالْأَعْرَج وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَعَيَّاش عَنْ أَبِي عَمْرو | مُنْذِر | مُنَوَّنًا , وَتَكُون فِي مَوْضِع نَصْب , وَالْمَعْنَى نَصْب , إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِإِنْذَارِك مَنْ يَخْشَى السَّاعَة . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ تَكُون الْإِضَافَة لِلْمَاضِي , نَحْو ضَارِب زَيْد أَمْس ; لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْإِنْذَار , الْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ : أَحْوَال الْآخِرَة غَيْر مَحْسُوسَة , وَإِنَّمَا هِيَ رَاحَة الرُّوح أَوْ تَأَلُّمهَا مِنْ غَيْر حِسّ .
| كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا | يَعْنِي الْكُفَّار يَرَوْنَ السَّاعَة | لَمْ يَلْبَثُوا | أَيْ فِي دُنْيَاهُمْ , | إِلَّا عَشِيَّة | أَيْ قَدْر عَشِيَّة | أَوْ ضُحَاهَا | أَيْ أَوْ قَدْر الضُّحَى الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْعَشِيَّة , وَالْمُرَاد تَقْلِيل مُدَّة الدُّنْيَا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : | لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار | [ الْأَحْقَاف : 35 ] . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا . وَقِيلَ : | لَمْ يَلْبَثُوا | فِي قُبُورهمْ | إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا | , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اسْتَقْصَرُوا مُدَّة لُبْثِهِمْ فِي الْقُبُور لِمَا عَايَنُوا مِنْ الْهَوْل . وَقَالَ الْفَرَّاء : يَقُول الْقَائِل : وَهَلْ لِلْعَشِيَّةِ ضُحًى ؟ وَإِنَّمَا الضُّحَى لِصَدْرِ النَّهَار , وَلَكِنْ أُضِيفَ الضُّحَى إِلَى الْعَشِيَّة , وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي يَكُون فِيهِ عَلَى عَادَة الْعَرَب ; يَقُولُونَ : آتِيك الْغَدَاة أَوْ عَشِيَّتهَا , وَآتِيك الْعَشِيَّة أَوْ غَدَاتهَا , فَتَكُون الْعَشِيَّة فِي مَعْنَى آخِر النَّهَار , وَالْغَدَاة فِي مَعْنَى أَوَّل النَّهَار ; قَالَ : وَأَنْشَدَنِي بَعْض بَنِي عُقَيْل : <br>نَحْنُ صَبَّحْنَا عَامِرًا فِي دَارهَا .......... جُرْدًا تَعَادَى طَرَفَيْ نَهَارِهَا <br><br>عَشِيَّة الْهِلَال أَوْ سِرَارهَا <br>أَرَادَ : عَشِيَّة الْهِلَال , أَوْ سِرَار الْعَشِيَّة , فَهُوَ أَشَدُّ مِنْ آتِيكَ الْغَدَاةَ أَوْ عَشِيَّهَا .