islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
13415

67-الملك

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

سُورَة الْمُلْك مَكِّيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع . وَتُسَمَّى الْوَاقِيَة وَالْمُنْجِيَة . وَهِيَ ثَلَاثُونَ آيَة رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ضَرَبَ رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِبَاءَهُ عَلَى قَبْر وَهُوَ لَا يَحْسِب أَنَّهُ قَبْر , فَإِذَا قُبِرَ إِنْسَان يَقْرَأ سُورَة | الْمُلْك | حَتَّى خَتَمَهَا , فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , ضَرَبْت خِبَائِي عَلَى قَبْر وَأَنَا لَا أَحْسِب أَنَّهُ قَبْر , فَإِذَا قَبْر إِنْسَان يَقْرَأ سُورَة | الْمُلْك | حَتَّى خَتَمَهَا ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هِيَ الْمَانِعَة هِيَ الْمُنْجِيَة تُنْجِيه مِنْ عَذَاب الْقَبْر ) . قَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب . وَعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَدِدْت أَنَّ | تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك | فِي قَلْب كُلّ مُؤْمِن ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ سُورَة مِنْ كِتَاب اللَّه مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى أَخْرَجَتْهُ مِنْ النَّار يَوْم الْقِيَامَة وَأَدْخَلَتْهُ الْجَنَّة وَهِيَ سُورَة | تَبَارَكَ | ) . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ , وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : إِذَا وُضِعَ الْمَيِّت فِي قَبْره فَيُؤْتَى مِنْ قِبَل رِجْلَيْهِ , فَيُقَال : لَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِ سَبِيل , فَإِنَّهُ كَانَ يَقُوم بِسُورَةِ | الْمُلْك | عَلَى قَدَمَيْهِ . ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَل رَأْسه , فَيَقُول لِسَانه : لَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِ سَبِيل , إِنَّهُ كَانَ يَقْرَأ بِي سُورَة | الْمُلْك | ثُمَّ قَالَ : هِيَ الْمَانِعَة مِنْ عَذَاب اللَّه , وَهِيَ فِي التَّوْرَاة سُورَة | الْمُلْك | مَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَة فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْيَبَ . وَرُوِيَ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا كُلّ لَيْلَة لَمْ يَضُرّهُ الْفَتَّان .</p><p>| تَبَارَكَ | تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ الْحَسَن : تَقَدَّسَ . وَقِيلَ دَامَ . فَهُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا أَوَّل لِوُجُودِهِ وَلَا آخِر لِدَوَامِهِ .|الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ|أَيْ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بِيَدِهِ الْمُلْك يُعِزّ مَنْ يَشَاء وَيُذِلّ مَنْ يَشَاء , وَيُحْيِي وَيُمِيت , وَيُغْنِي وَيُفْقِر , وَيُعْطِي وَيَمْنَع . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : لَهُ مُلْك النُّبُوَّة الَّتِي أَعَزَّ بِهَا مَنْ اِتَّبَعَهُ وَذَلَّ بِهَا مَنْ خَالَفَهُ .|وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|مِنْ إِنْعَام وَانْتِقَام .

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : </subtitle>قِيلَ : الْمَعْنَى خَلَقَكُمْ لِلْمَوْتِ وَالْحَيَاة ; يَعْنِي لِلْمَوْتِ فِي الدُّنْيَا وَالْحَيَاة فِي الْآخِرَة وَقَدَّمَ الْمَوْت عَلَى الْحَيَاة ; لِأَنَّ الْمَوْت إِلَى الْقَهْر أَقْرَب ; كَمَا قَدَّمَ الْبَنَات عَلَى الْبَنِينَ فَقَالَ : | يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا | [ الشُّورَى : 49 ] . وَقِيلَ : قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَقْدَم ; لِأَنَّ الْأَشْيَاء فِي الِابْتِدَاء كَانَتْ فِي حُكْم الْمَوْت كَالنُّطْفَةِ وَالتُّرَاب وَنَحْوه . وَقَالَ قَتَادَة : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَذَلَّ بَنِي آدَم بِالْمَوْتِ وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَار حَيَاة ثُمَّ دَار مَوْت وَجَعَلَ الْآخِرَة دَار جَزَاء ثُمَّ دَار بَقَاء ) . وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْلَا ثَلَاث مَا طَأْطَأَ اِبْن آدَم رَأْسه الْفَقْر وَالْمَرَض وَالْمَوْت وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَوَثَّاب ) .</p><p>الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة : | الْمَوْت وَالْحَيَاة | قَدَّمَ الْمَوْت عَلَى الْحَيَاة , لِأَنَّ أَقْوَى النَّاس دَاعِيًا إِلَى الْعَمَل مَنْ نَصَبَ مَوْته بَيْنَ عَيْنَيْهِ ; فَقُدِّمَ لِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِع إِلَى الْغَرَض الْمَسُوق لَهُ الْآيَة أَهَمّ قَالَ الْعُلَمَاء : الْمَوْت لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْض وَلَا فِنَاء صِرْف , وَإِنَّمَا هُوَ اِنْقِطَاع تَعَلُّق الرُّوح بِالْبَدَنِ وَمُفَارَقَته , وَحَيْلُولَة بَيْنهمَا , وَتَبَدُّل حَال وَانْتِقَال مِنْ دَار إِلَى دَار . وَالْحَيَاة عَكْس ذَلِكَ . وَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل أَنَّ الْمَوْت وَالْحَيَاة جِسْمَانِ , فَجُعِلَ الْمَوْت فِي هَيْئَة كَبْش لَا يَمُرّ بِشَيْءٍ وَلَا يَجِد رِيحه إِلَّا مَاتَ , وَخَلَقَ الْحَيَاة عَلَى صُورَة فَرَس أُنْثَى بَلْقَاء - وَهِيَ الَّتِي كَانَ جِبْرِيل وَالْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام يَرْكَبُونَهَا - خُطْوَتهَا مَدّ الْبَصَر , فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل , لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ يَجِد رِيحهَا إِلَّا حَيِيَ , وَلَا تَطَأ عَلَى شَيْء إِلَّا حَيِيَ . وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ السَّامِرِيّ مِنْ أَثَرهَا فَأَلْقَاهُ عَلَى الْعِجْل فَحَيِيَ . حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَالْمَاوَرْدِيّ مَعْنَاهُ عَنْ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ . قُلْت : وَفِي التَّنْزِيل | قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَك الْمَوْت الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ | , [ السَّجْدَة : 11 ] , | وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة | [ الْأَنْفَال : 50 ] ثُمَّ | تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا | [ الْأَنْعَام : 61 ] , ثُمَّ قَالَ : | اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِينَ مَوْتهَا | [ الزُّمَر : 42 ] . فَالْوَسَائِط مَلَائِكَة مُكْرَمُونَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْمُمِيت عَلَى الْحَقِيقَة , وَإِنَّمَا يُمَثَّل الْمَوْت بِالْكَبْشِ فِي الْآخِرَة وَيُذْبَح عَلَى الصِّرَاط ; حَسْب مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَر الصَّحِيح . وَمَا ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس يَحْتَاج إِلَى خَبَر صَحِيح يَقْطَع الْعُذْر . وَاَللَّه أَعْلَم . وَعَنْ مُقَاتِل أَيْضًا : خَلَقَ الْمَوْت ; يَعْنِي النُّطْفَة وَالْعَلَقَة وَالْمُضْغَة , وَخَلَقَ الْحَيَاة ; يَعْنِي خَلَقَ إِنْسَانًا وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوح فَصَارَ إِنْسَانًا . قُلْت : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى | لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا ||لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا|وَتَقَدَّمَ الْكَلَام فِيهِ فِي سُورَة | الْكَهْف | . وَقَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله تَعَالَى : | الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا | أَيْ أَكْثَركُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَن اِسْتِعْدَادًا , وَمِنْهُ أَشَدّ خَوْفًا وَحَذَرًا . وَقَالَ اِبْن عُمَر : تَلَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك - حَتَّى بَلَغَ - أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا | فَقَالَ : ( أَوْرَع عَنْ مَحَارِم اللَّه وَأَسْرَع فِي طَاعَة اللَّه ) . وَقِيلَ : مَعْنَى | لِيَبْلُوَكُمْ | لِيُعَامِلكُمْ مُعَامَلَة الْمُخْتَبِر ; أَيْ لِيَبْلُوَ الْعَبْد بِمَوْتِ مَنْ يَعِزّ عَلَيْهِ لِيُبَيِّن صَبْره , وَبِالْحَيَاةِ لِيُبَيِّن شُكْره . وَقِيلَ : خَلَقَ اللَّه الْمَوْت لِلْبَعْثِ وَالْجَزَاء , وَخَلَقَ الْحَيَاة لِلِابْتِلَاءِ . فَاللَّام فِي | لِيَبْلُوَكُمْ | تَتَعَلَّق بِخَلْقِ الْحَيَاة لَا بِخَلْقِ الْمَوْت ; ذَكَرَهُ الزَّجَّاج . وَقَالَ الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج أَيْضًا : لَمْ تَقَع الْبَلْوَى عَلَى | أَيّ | لِأَنَّ فِيمَا بَيْنَ الْبَلْوَى و | أَيّ | إِضْمَار فِعْل ; كَمَا تَقُول : بَلَوْتُكُمْ لِأَنْظُر أَيّكُمْ أَطْوَع . وَمِثْله قَوْله تَعَالَى : | سَلْهُمْ أَيّهمْ بِذَلِكَ زَعِيم | [ الْقَلَم : 40 ] أَيْ سَلْهُمْ ثُمَّ اُنْظُرْ أَيّهمْ . فَ | أَيّكُمْ | رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ | أَحْسَن | خَبَره . وَالْمَعْنَى : لِيَبْلُوَكُمْ فَيَعْلَم أَوْ فَيَنْظُر أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا .|وَهُوَ الْعَزِيزُ|فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ عَصَاهُ .|الْغَفُورُ|لِمَنْ تَابَ .

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ

أَيْ بَعْضهَا فَوْق بَعْض . وَالْمُلْتَزِق مِنْهَا أَطْرَافهَا ; كَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . و | طِبَاقًا | نَعْت لِ | سَبْع | فَهُوَ وَصْف بِالْمَصْدَرِ . وَقِيلَ : مَصْدَر بِمَعْنَى الْمُطَابَقَة ; أَيْ خَلَقَ سَبْع سَمَوَات وَطَبَّقَهَا تَطْبِيقًا أَوْ مُطَابَقَة . أَوْ عَلَى طُوبِقَتْ طِبَاقًا . وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : نُصِبَ | طِبَاقًا | لِأَنَّهُ مَفْعُول ثَانٍ . قُلْت : فَيَكُون | خَلَقَ | بِمَعْنَى جَعَلَ وَصَيَّرَ . وَطِبَاق جَمْع طَبَق ; مِثْل جَمَل وَجِمَال . وَقِيلَ : جَمْع طَبَقَة . وَقَالَ أَبَان بْن تَغْلِب : سَمِعْت بَعْض الْأَعْرَاب يَذُمّ رَجُلًا فَقَالَ : شَرّه طِبَاق , وَخَيْره غَيْر بَاقٍ . وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن سَبْع سَمَوَات طِبَاقٍ ; بِالْخَفْضِ عَلَى النَّعْت لِسَمَوَاتٍ . وَنَظِيره | وَسَبْع سُنْبُلَات خُضْر | [ يُوسُف : 46 ] .|مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ|قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | مِنْ تَفَوُّتٍ | بِغَيْرِ أَلِف مُشَدَّدَة . وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَأَصْحَابه . الْبَاقُونَ | مِنْ تَفَاوُت | بِأَلِفٍ . وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل التَّعَاهُد وَالتَّعَهُّد , وَالتَّحَمُّل وَالتَّحَامُل , وَالتَّظَهُّر وَالتَّظَاهُر , وَتَصَاغُر وَتَصَغُّر , وَتَضَاعُف وَتَضَعُّف , وَتَبَاعُد وَتَبَعُّد ; كُلّه بِمَعْنًى . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد | مِنْ تَفَوُّتٍ | وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر : | أَمِثْلِي يُتَفَوَّت عَلَيْهِ فِي بَنَاته | ! النَّحَّاس : وَهَذَا أَمْر مَرْدُود عَلَى أَبِي عُبَيْد , لِأَنَّ يُتَفَوَّت يُفْتَات بِهِمْ . | وَتَفَاوُت | فِي الْآيَة أَشْبَه . كَمَا يُقَال تَبَايَنَ يُقَال : تَفَاوَتَ الْأَمْر إِذَا تَبَايَنَ وَتَبَاعَدَ ; أَيْ فَاتَ بَعْضهَا بَعْضًا . أَلَا تَرَى أَنَّ قَبْله قَوْله تَعَالَى : | الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَوَات طِبَاقًا | . وَالْمَعْنَى : مَا تَرَى فِي خَلْق الرَّحْمَن مِنْ اِعْوِجَاج وَلَا تَنَاقُض وَلَا تَبَايُن - بَلْ هِيَ مُسْتَقِيمَة مُسْتَوِيَة دَالَّة عَلَى خَالِقهَا - وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ صُوَره وَصِفَاته . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِذَلِكَ السَّمَوَات خَاصَّة ; أَيْ مَا تَرَى فِي خَلْق السَّمَوَات مِنْ عَيْب . وَأَصْله مِنْ الْفَوْت , وَهُوَ أَنْ يَفُوت شَيْء شَيْئًا فَيَقَع الْخَلَل لِقِلَّةِ اِسْتِوَائِهَا ; يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْل اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَنْ تَفَرَّقَ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يُقَال : تَفَوَّتَ الشَّيْء أَيْ فَاتَ . ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يَنْظُرُوا فِي خَلْقه لِيَعْتَبِرُوا بِهِ فَيَتَفَكَّرُوا فِي قُدْرَته : فَقَالَ :|فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ|أَيْ اُرْدُدْ طَرْفك إِلَى السَّمَاء . وَيُقَال : قَلِّبْ الْبَصَر فِي السَّمَاء . وَيُقَال : اِجْهَدْ بِالنَّظَرِ إِلَى السَّمَاء . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَإِنَّمَا قَالَ : | فَارْجِعْ | بِالْفَاءِ وَلَيْسَ قَبْله فِعْل مَذْكُور ; لِأَنَّهُ قَالَ : | مَا تَرَى | . وَالْمَعْنَى اُنْظُرْ ثُمَّ اِرْجِعْ الْبَصَر هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور ; قَالَهُ قَتَادَة . وَالْفُطُور : الشُّقُوق , عَنْ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك . وَقَالَ قَتَادَة : مِنْ خَلَل . السُّدِّيّ : مِنْ خُرُوق . اِبْن عَبَّاس : مِنْ وَهَن . وَأَصْله مِنْ التَّفَطُّر وَالِانْفِطَار وَهُوَ الِانْشِقَاق . قَالَ الشَّاعِر : <br>بَنَى لَكُمْ بِلَا عَمَد سَمَاء .......... وَزَيَّنَهَا فَمَا فِيهَا فُطُور <br>وَقَالَ آخَر : <br>شَقَقْتِ الْقَلْب ثُمَّ ذَرَرْتِ فِيهِ .......... هَوَاكِ فَلِيمَ فَالْتَأَمَ الْفُطُور <br><br>تَغَلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغ شَرَاب .......... وَلَا سُكْر وَلَمْ يَبْلُغ سُرُور<br>

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ

| كَرَّتَيْنِ | فِي مَوْضِع الْمَصْدَر ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ رَجْعَتَيْنِ , أَيْ مَرَّة بَعْد أُخْرَى . وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالنَّظَرِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا نَظَرَ فِي الشَّيْء مَرَّة لَا يَرَى عَيْبه مَا لَمْ يَنْظُر إِلَيْهِ مَرَّة أُخْرَى . فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ وَإِنْ نَظَرَ فِي السَّمَاء مَرَّتَيْنِ لَا يَرَى فِيهَا عَيْبًا بَلْ يَتَحَيَّر بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خَاسِئًا | أَيْ خَاشِعًا صَاغِرًا مُتَبَاعِدًا عَنْ أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ . يُقَال : خَسَأْت الْكَلْب أَيْ أَبْعَدْته وَطَرَدْته . وَخَسَأَ الْكَلْب بِنَفْسِهِ , يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى . وَانْخَسَأَ الْكَلْب أَيْضًا . وَخَسَأَ بَصَره خَسَأَ وَخُسُوءًا أَيْ سَدِرَ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :|يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا|وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْخَاسِئ الَّذِي لَمْ يَرَ مَا يَهْوَى .|وَهُوَ حَسِيرٌ|أَيْ قَدْ بَلَغَ الْغَايَة فِي الْإِعْيَاء . فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِل ; مِنْ الْحُسُور الَّذِي هُوَ الْإِعْيَاء . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَفْعُولًا مِنْ حَسَرَهُ بُعْدُ الشَّيْء , وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>مَنْ مَدّ طَرْفًا إِلَى مَا فَوْق غَايَته .......... اِرْتَدَّ خَسْآن مِنْهُ الطَّرْف قَدْ حَسِرَا <br>يُقَال : قَدْ حَسَرَ بَصَره يَحْسِر حُسُورًا , أَيْ كَلَّ وَانْقَطَعَ نَظَره مِنْ طُول مَدًى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَهُوَ حَسِير وَمَحْسُور أَيْضًا . قَالَ : <br>نَظَرْت إِلَيْهَا بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى .......... فَعَادَ إِلَيَّ الطَّرْف وَهُوَ حَسِير <br>وَقَالَ آخَر يَصِف نَاقَة : <br>فَشَطْرَهَا نَظَر الْعَيْنَيْنِ مَحْسُور <br>نُصِبَ | شَطْرهَا | عَلَى الظَّرْف , أَيْ نَحْوهَا . وَقَالَ آخَر : <br>وَالْخَيْل شُعْث مَا تَزَال جِيَادهَا .......... حَسْرَى تُغَادِر بِالطَّرِيقِ سِخَالَهَا <br>وَقِيلَ : إِنَّهُ النَّادِم . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>مَا أَنَا الْيَوْم عَلَى شَيْء خَلَا .......... يَا ابْنَةَ اِلْقَيْن تَوَلَّى بِحَسِرْ <br>الْمُرَاد بِ | كَرَّتَيْنِ | هَاهُنَا التَّكْثِير . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ : | يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خَاسِئًا وَهُوَ حَسِير | وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى كَثْرَة النَّظَر .

وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ

جَمْع مِصْبَاح وَهُوَ السِّرَاج . وَتُسَمَّى الْكَوَاكِب مَصَابِيح لِإِضَاءَتِهَا .|وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ|أَيْ جَعَلْنَا شُهُبهَا ; فَحُذِفَ الْمُضَاف . دَلِيله | إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة فَأَتْبَعَهُ شِهَاب ثَاقِب | [ الصَّافَّات : 10 ] . وَعَلَى هَذَا فَالْمَصَابِيح لَا تَزُول وَلَا يُرْجَم بِهَا . وَقِيلَ : إِنَّ الضَّمِير رَاجِع إِلَى الْمَصَابِيح عَلَى أَنَّ الرَّجْم مِنْ أَنْفُس الْكَوَاكِب , وَلَا يَسْقُط الْكَوْكَب نَفْسه إِنَّمَا يَنْفَصِل مِنْهُ شَيْء يُرْجَم بِهِ مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص ضَوْءُهُ وَلَا صُورَته . قَالَهُ أَبُو عَلِيّ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ : كَيْفَ تَكُون زِينَة وَهِيَ رُجُوم لَا تَبْقَى . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهَذَا عَلَى أَنْ يَكُون الِاسْتِرَاق مِنْ مَوْضِع الْكَوَاكِب . وَالتَّقْدِير الْأَوَّل عَلَى أَنْ يَكُون الِاسْتِرَاق مِنْ الْهَوَى الَّذِي هُوَ دُون مَوْضِع الْكَوَاكِب . الْقُشَيْرِيّ : وَأَمْثَل مِنْ قَوْل أَبِي عَلِيّ أَنْ نَقُول : هِيَ زِينَة قَبْل أَنْ يُرْجَم بِهَا الشَّيَاطِين . وَالرُّجُوم جَمْع رَجْم ; وَهُوَ مَصْدَر سُمِّيَ بِهِ مَا يُرْجَم بِهِ . قَالَ قَتَادَة : خَلَقَ اللَّه تَعَالَى النُّجُوم لِثَلَاثٍ : زِينَة لِلسَّمَاءِ , وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ , وَعَلَامَات يُهْتَدَى بِهَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَالْأَوْقَات . فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْر ذَلِكَ فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْم لَهُ بِهِ , وَتَعَدَّى وَظَلَمَ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : وَاَللَّه مَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل الْأَرْض فِي السَّمَاء نَجْم , وَلَكِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ الْكِهَانَة سَبِيلًا وَيَتَّخِذُونَ النُّجُوم عِلَّة .|وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ|أَيْ أَعْتَدْنَا لِلشَّيَاطِينِ أَشَدّ الْحَرِيق ; يُقَال : سُعِرَتْ النَّار فَهِيَ مَسْعُورَة وَسَعِير ; مِثْل مَقْتُولَة وَقَتِيل .

وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

يَعْنِي الْكُفَّار .

إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ

يَعْنِي الْكُفَّار .|سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا|أَيْ صَوْتًا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الشَّهِيق لِجَهَنَّم عِنْد إِلْقَاء الْكُفَّار فِيهَا ; تَشْهَق إِلَيْهِمْ شَهْقَة الْبَغْلَة لِلشَّعِيرِ , ثُمَّ تَزْفِر زَفْرَة لَا يَبْقَى أَحَد إِلَّا خَافَ . وَقِيلَ : الشَّهِيق مِنْ الْكُفَّار عِنْد إِلْقَائِهِمْ فِي النَّار قَالَهُ عَطَاء . وَالشَّهِيق فِي الصَّدْر , وَالزَّفِير فِي الْحَلْق . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | هُود | .|وَهِيَ تَفُورُ|أَيْ تَغْلِي ; وَمِنْهُ قَوْل حَسَّان : <br>تَرَكْتُمْ قِدْركُمْ لَا شَيْء فِيهَا .......... وَقِدْر الْقَوْم حَامِيَة تَفُور <br>قَالَ مُجَاهِد : تَفُور بِهِمْ كَمَا يَفُور الْحَبّ الْقَلِيل فِي الْمَاء الْكَثِير . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَغْلِي بِهِمْ عَلَى الْمِرْجَل ; وَهَذَا مِنْ شِدَّة لَهَب النَّار مِنْ شِدَّة الْغَضَب ; كَمَا تَقُول فُلَان يَفُور غَيْظًا .

تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ

يَعْنِي تَتَقَطَّع وَيَنْفَصِل بَعْضهَا مِنْ بَعْض ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَابْن زَيْد : تَتَفَرَّق . | مِنْ الْغَيْظ | مِنْ شِدَّة الْغَيْظ عَلَى أَعْدَاء اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : | مِنْ الْغَيْظ | مِنْ الْغَلَيَان . وَأَصْل | تَمَيَّز | تَتَمَيَّز .|كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ|أَيْ جَمَاعَة مِنْ الْكُفَّار .|سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا|عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ وَالتَّقْرِيع|أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ|أَيْ رَسُول فِي الدُّنْيَا يُنْذِركُمْ هَذَا الْيَوْم حَتَّى تَحْذَرُوا .

قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ

أَنْذَرَنَا وَخَوَّفَنَا .|فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ|أَيْ عَلَى أَلْسِنَتكُمْ .|إِنْ أَنْتُمْ|يَا مَعْشَر الرُّسُل .|إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ|اِعْتَرَفُوا بِتَكْذِيبِ الرُّسُل , ثُمَّ اِعْتَرَفُوا بِجَهْلِهِمْ فَقَالُوا وَهُمْ فِي النَّار :

وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ

مِنْ النُّذُر - يَعْنِي الرُّسُل - مَا جَاءُوا بِهِ|أَوْ نَعْقِلُ|عَنْهُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ كُنَّا نَسْمَع الْهُدَى أَوْ نَعْقِلهُ , أَوْ لَوْ كُنَّا نَسْمَع سَمَاع مَنْ يَعِي وَيُفَكِّر , أَوْ نَعْقِل عَقْل مَنْ يُمَيِّز وَيَنْظُر . وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَمْ يُعْطَ مِنْ الْعَقْل شَيْئًا . وَقَدْ مَضَى فِي | الطُّور | بَيَانه وَالْحَمْد لِلَّهِ .|مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ|يَعْنِي مَا كُنَّا مِنْ أَهْل النَّار . وَعَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : | لَقَدْ نَدِمَ الْفَاجِر يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَع أَوْ نَعْقِل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السَّعِير

فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ

أَيْ بِتَكْذِيبِهِمْ الرُّسُل . وَالذَّنْب هَاهُنَا بِمَعْنَى الْجَمْع ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْل . يُقَال : خَرَجَ عَطَاء النَّاس أَيْ أَعْطَيْتهمْ .|فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ|أَيْ فَبُعْدًا لَهُمْ مِنْ رَحْمَة اللَّه . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو صَالِح : هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّم يُقَال لَهُ السُّحْق . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَأَبُو جَعْفَر | فَسُحُقًا | بِضَمِّ الْحَاء , وَرُوِيَتْ عَنْ عَلِيّ . الْبَاقُونَ بِإِسْكَانِهَا , وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل السُّحُت وَالرُّعُب . الزَّجَّاج : وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ أَسْحَقهُمْ اللَّه سُحْقًا ; أَيْ بَاعَدَهُمْ بُعْدًا . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : <br>يَجُول بِأَطْرَافِ الْبِلَاد مُغَرِّبًا .......... وَتَسْحَقهُ رِيح الصَّبَا كُلّ مَسْحَقِ <br>وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : الْقِيَاس إِسْحَاقًا ; فَجَاءَ الْمَصْدَر عَلَى الْحَذْف ; كَمَا قِيلَ : <br>وَإِنْ أَهْلَك فَذَلِكَ كَانَ قَدْرِي <br>أَيْ تَقْدِيرِي . وَقِيلَ : إِنَّ قَوْله تَعَالَى : | إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَال كَبِير | مِنْ قَوْل خَزَنَة جَهَنَّم لِأَهْلِهَا .

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

نَظِيره : | مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ | [ ق : 33 ] وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ . أَيْ يَخَافُونَ اللَّه وَيَخَافُونَ عَذَابه الَّذِي هُوَ بِالْغَيْبِ ; وَهُوَ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة .|لَهُمْ مَغْفِرَةٌ|لِذُنُوبِهِمْ|وَأَجْرٌ كَبِيرٌ|وَهُوَ الْجَنَّة .

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

اللَّفْظ لَفْظ الْأَمْر وَالْمُرَاد بِهِ الْخَبَر ; يَعْنِي إِنْ أَخْفَيْتُمْ كَلَامكُمْ فِي أَمْر|مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ جَهَرْتُمْ بِهِ فَ | إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور | يَعْنِي بِمَا فِي الْقُلُوب مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ . اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ; فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَسِرُّوا قَوْلكُمْ كَيْ لَا يَسْمَع رَبّ مُحَمَّد ; فَنَزَلَتْ : | وَأَسِرُّوا قَوْلكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ | . يَعْنِي : أَسِرُّوا قَوْلكُمْ فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ فِي سَائِر الْأَقْوَال . أَوْ اجْهَرُوا بِهِ ; أَعْلِنُوهُ .|إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ|ذَات الصُّدُور مَا فِيهَا ; كَمَا يُسَمَّى وَلَد الْمَرْأَة وَهُوَ جَنِين | ذَا بَطْنهَا | . ثُمَّ قَالَ :

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

يَعْنِي أَلَا يَعْلَم السِّرّ مَنْ خَلَقَ السِّرّ . يَقُول أَنَا خَلَقْت السِّرّ فِي الْقَلْب أَفَلَا أَكُون عَالِمًا بِمَا فِي قُلُوب الْعِبَاد . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : إِنْ شِئْت جَعَلْت | مَنْ | اِسْمًا لِلْخَالِقِ جَلَّ وَعَزَّ ; وَيَكُون الْمَعْنَى : أَلَا يَعْلَم الْخَالِق خَلْقه . وَإِنْ شِئْت جَعَلْته اِسْمًا لِلْمَخْلُوقِ , وَالْمَعْنَى : أَلَا يَعْلَم اللَّه مَنْ خَلَقَ . وَلَا بُدّ أَنْ يَكُون الْخَالِق عَالِمًا بِمَا خَلَقَهُ وَمَا يَخْلُقهُ . قَالَ اِبْن الْمُسَيِّب : بَيْنَمَا رَجُل وَاقِف بِاللَّيْلِ فِي شَجَر كَثِير وَقَدْ عَصَفَتْ الرِّيح فَوَقَعَ فِي نَفْس الرَّجُل : أَتَرَى اللَّه يَعْلَم مَا يَسْقُط مِنْ هَذَا الْوَرَق ؟ فَنُودِيَ مِنْ جَانِب الْغَيْضَة بِصَوْتٍ عَظِيم : أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ|وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ|وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الْإسْفِرايِينِيّ : مِنْ أَسْمَاء صِفَات الذَّات مَا هُوَ لِلْعِلْمِ ; مِنْهَا | الْعَلِيم | وَمَعْنَاهُ تَعْمِيم جَمِيع الْمَعْلُومَات . وَمِنْهَا | الْخَبِير | وَيَخْتَصّ بِأَنْ يَعْلَم مَا يَكُون قَبْل أَنْ يَكُون . وَمِنْهَا | الْحَكِيم | وَيَخْتَصّ بِأَنْ يَعْلَم دَقَائِق الْأَوْصَاف . وَمِنْهَا | الشَّهِيد | وَيَخْتَصّ بِأَنْ يَعْلَم الْغَائِب وَالْحَاضِر وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَغِيب عَنْهُ شَيْء , وَمِنْهَا الْحَافِظ وَيَخْتَصّ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى . وَمِنْهَا | الْمُحْصِي | وَيَخْتَصّ بِأَنَّهُ لَا تَشْغَلهُ الْكَثْرَة عَنْ الْعِلْم ; مِثْل ضَوْء النُّور وَاشْتِدَاد الرِّيح وَتَسَاقُط الْأَوْرَاق ; فَيَعْلَم عِنْد ذَلِكَ أَجْزَاء الْحَرَكَات فِي كُلّ وَرَقَة . وَكَيْفَ لَا يَعْلَم وَهُوَ الَّذِي يَخْلُق ! وَقَدْ قَالَ : | أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير | .

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ

أَيْ سَهْلَة تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا . وَالذَّلُول الْمُنْقَاد الَّذِي يَذِلّ لَك وَالْمَصْدَر الذُّلّ وَهُوَ اللِّين وَالِانْقِيَاد . أَيْ لَمْ يَجْعَل الْأَرْض بِحَيْثُ يَمْتَنِع الْمَشْي فِيهَا بِالْحُزُونَةِ وَالْغِلْظَة . وَقِيلَ : أَيْ ثَبَتَّهَا بِالْجِبَالِ لِئَلَّا تَزُول بِأَهْلِهَا ; وَلَوْ كَانَتْ تَتَكَفَّأ مُتَمَائِلَة لَمَا كَانَتْ مُنْقَادَة لَنَا . وَقِيلَ : أَشَارَ إِلَى التَّمَكُّن مِنْ الزَّرْع وَالْغَرْس وَشَقّ الْعُيُون وَالْأَنْهَار وَحَفْر الْآبَار .|فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا|هُوَ أَمْر إِبَاحَة , وَفِيهِ إِظْهَار الِامْتِنَان . وَقِيلَ : هُوَ خَبَر بِلَفْظِ الْأَمْر ; أَيْ لِكَيْ تَمْشُوا فِي أَطْرَافهَا وَنَوَاحِيهَا وَآكَامهَا وَجِبَالهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَبَشِير بْن كَعْب : | فِي مَنَاكِبهَا | فِي جِبَالهَا . وَرُوِيَ أَنَّ بَشِير بْن كَعْب كَانَتْ لَهُ سُرِّيَّة فَقَالَ لَهَا : إِنْ أَخْبَرْتِنِي مَا مَنَاكِب الْأَرْض فَأَنْتِ حُرَّة ؟ فَقَالَتْ : مَنَاكِبهَا جِبَالهَا . فَصَارَتْ حُرَّة , فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجهَا فَسَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاء فَقَالَ : دَعْ مَا يَرِيبك إِلَى مَا لَا يَرِيبك . مُجَاهِد : فِي أَطْرَافهَا . وَعَنْهُ أَيْضًا : فِي طُرُقهَا وَفِجَاجهَا . وَقَالَهُ السُّدِّيّ وَالْحَسَن . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : فِي جَوَانِبهَا . وَمَنْكِبَا الرَّجُل : جَانِبَاهُ . وَأَصْل الْمَنْكِب الْجَانِب ; وَمِنْهُ مَنْكِب الرَّجُل . وَالرِّيح النَّكْبَاء . وَتَنَكَّبَ فُلَان عَنْ فُلَان . يَقُول : اِمْشُوا حَيْثُ أَرَدْتُمْ فَقَدْ جَعَلْتهَا لَكُمْ ذَلُولًا لَا تَمْتَنِع . وَحَكَى قَتَادَة عَنْ أَبِي الْجَلْد أَنَّ الْأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَلْف فَرْسَخ ; فَلِلسُّودَانِ اِثْنَا عَشَرَ أَلْف , وَلِلرُّومِ ثَمَانِيَة آلَاف , وَلِلْفُرْسِ ثَلَاثَة آلَاف , وَلِلْعَرَبِ أَلْف .|وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ|أَيْ مِمَّا أَحَلَّهُ لَكُمْ ; قَالَهُ الْحَسَن . وَقِيلَ : مِمَّا أَتَيْته لَكُمْ .|وَإِلَيْهِ النُّشُورُ|الْمَرْجِع . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاء لَا تَفَاوُت فِيهَا , وَالْأَرْض ذَلُولًا قَادِر عَلَى أَنْ يَنْشُركُمْ .

أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَأَمِنْتُمْ عَذَاب مَنْ فِي السَّمَاء إِنْ عَصَيْتُمُوهُ . وَقِيلَ : تَقْدِيره أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء قُدْرَته وَسُلْطَانه وَعَرْشه وَمَمْلَكَته . وَخَصَّ السَّمَاء وَإِنْ عَمَّ مُلْكه تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْإِلَه الَّذِي تَنْفُذ قُدْرَته فِي السَّمَاء لَا مَنْ يُعَظِّمُونَهُ فِي الْأَرْض . وَقِيلَ : هُوَ إِشَارَة إِلَى الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ : إِلَى جِبْرِيل وَهُوَ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِالْعَذَابِ . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : أَأَمِنْتُمْ خَالِق مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض كَمَا خَسَفَهَا بِقَارُونَ .|فَإِذَا هِيَ تَمُورُ|أَيْ تَذْهَب وَتَجِيء . وَالْمَوْر : الِاضْطِرَاب بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيء . قَالَ الشَّاعِر : <br>رَمَيْنَ فَأَقْصَدْنَ الْقُلُوب وَلَنْ تَرَى .......... دَمًا مَائِرًا إِلَّا جَرَى فِي الْحَيَازِم <br>جَمْع حَيْزُوم وَهُوَ وَسَط الصَّدْر . وَإِذَا خُسِفَ بِإِنْسَانٍ دَارَتْ بِهِ الْأَرْض فَهُوَ الْمَوْر . وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ : أَمِنْتُمْ مَنْ فَوْق السَّمَاء ; كَقَوْلِهِ : | فَسِيحُوا فِي الْأَرْض | [ التَّوْبَة : 2 ] أَيْ فَوْقهَا لَا بِالْمُمَاسَّةِ وَالتَّحَيُّز لَكِنْ بِالْقَهْرِ وَالتَّدْبِير . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَمِنْتُمْ مَنْ عَلَى السَّمَاء ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوع النَّخْل | [ طَه : 71 ] أَيْ عَلَيْهَا . وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُدِيرهَا وَمَالِكهَا ; كَمَا يُقَال : فُلَان عَلَى الْعِرَاق وَالْحِجَاز ; أَيْ وَالِيهَا وَأَمِيرهَا . وَالْأَخْبَار فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة صَحِيحَة مُنْتَشِرَة , مُشِيرَة إِلَى الْعُلُوّ ; لَا يَدْفَعهَا إِلَّا مُلْحِد أَوْ جَاهِل مُعَانِد . وَالْمُرَاد بِهَا تَوْقِيره وَتَنْزِيهه عَنْ السُّفْل وَالتَّحْت . وَوَصْفه بِالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَة لَا بِالْأَمَاكِنِ وَالْجِهَات وَالْحُدُود لِأَنَّهَا صِفَات الْأَجْسَام . وَإِنَّمَا تُرْفَع الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ إِلَى السَّمَاء لِأَنَّ السَّمَاء مَهْبِط الْوَحْي , وَمَنْزِل الْقَطْر , وَمَحَلّ الْقُدْس , وَمَعْدِن الْمُطَهَّرِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَإِلَيْهَا تُرْفَع أَعْمَال الْعِبَاد , وَفَوْقهَا عَرْشه وَجَنَّته ; كَمَا جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة قِبْلَة لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاة , وَلِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَمْكِنَة وَهُوَ غَيْر مُحْتَاج إِلَيْهَا , وَكَانَ فِي أَزَلِهِ قَبْل خَلْق الْمَكَان وَالزَّمَان . وَلَا مَكَان لَهُ وَلَا زَمَان . وَهُوَ الْآن عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ . وَقَرَأَ قُنْبُل عَنْ اِبْن كَثِير | النُّشُور وَامِنْتُمْ | بِقَلْبِ الْهَمْزَة الْأُولَى وَاوًا وَتَخْفِيف الثَّانِيَة . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ وَأَهْل الشَّام سِوَى أَبِي عَمْرو وَهِشَام بِالتَّخْفِيفِ فِي الْهَمْزَتَيْنِ , وَخَفَّفَ الْبَاقُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعه .

أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ

أَيْ حِجَارَة مِنْ السَّمَاء كَمَا أَرْسَلَهَا عَلَى قَوْم لُوط وَأَصْحَاب الْفِيل . وَقِيلَ : رِيح فِيهَا حِجَارَة وَحَصْبَاء . وَقِيلَ : سَحَاب فِيهِ حِجَارَة .|فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ|أَيْ إِنْذَارِي . وَقِيلَ : النَّذِير بِمَعْنَى الْمُنْذِر . يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَعْلَمُونَ صِدْقه وَعَاقِبَة تَكْذِيبكُمْ .

وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ

يَعْنِي كُفَّار الْأُمَم ; كَقَوْمِ نُوح وَعَادٍ وَثَمُود وَقَوْم لُوط وَأَصْحَاب مَدْيَن وَأَصْحَاب الرَّسّ وَقَوْم فِرْعَوْن|فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ|أَيْ إِنْكَارِي وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَأَثْبَتَ وَرْش الْيَاء فِي | نَذِيرِي , وَنَكِيرِي | فِي الْوَصْل . وَأَثْبَتَهَا يَعْقُوب فِي الْحَالَيْنِ . وَحَذَفَ الْبَاقُونَ اِتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ .

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ

قَوْله تَعَالَى : | أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر فَوْقهمْ صَافَّات | أَيْ كَمَا ذَلَّلَ الْأَرْض لِلْآدَمِيِّ ذَلَّلَ الْهَوَاء لِلطُّيُورِ . و | صَافَّات | أَيْ بَاسِطَات أَجْنِحَتهنَّ فِي الْجَوّ عِنْد طَيَرَانهَا ; لِأَنَّهُنَّ إِذَا بَسَطْنَهَا صَفَفْنَ قَوَائِمهَا صَفًّا . | وَيَقْبِضْنَ | أَيْ يَضْرِبْنَ بِهَا جُنُوبهنَّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : يُقَال لِلطَّائِرِ إِذَا بَسَطَ جَنَاحَيْهِ : صَافٌّ , وَإِذَا ضَمَّهُمَا فَأَصَابَا جَنْبه : قَابِض ; لِأَنَّهُ يَقْبِضهُمَا . قَالَ أَبُو خِرَاش : <br>يُبَادِر جُنْح اللَّيْل فَهُوَ مُوَائِل .......... يَحُثّ الْجَنَاح بِالتَّبَسُّطِ وَالْقَبْض <br>وَقِيلَ : وَيَقْبِضْنَ أَجْنِحَتهنَّ بَعْد بَسْطهَا إِذَا وَقَفْنَ مِنْ الطَّيَرَان . وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى | صَافَّات | عَطَفَ الْمُضَارِع عَلَى اِسْم الْفَاعِل ; كَمَا عَطَفَ اِسْم الْفَاعِل عَلَى الْمُضَارِع فِي قَوْل الشَّاعِر : <br>بَاتَ يُعَشِّيهَا بِعَضْبٍ بَاتِر .......... يَقْصِد فِي أَسْوُقهَا وَجَائِر <br>| مَا يُمْسِكهُنَّ | أَيْ مَا يُمْسِك الطَّيْر فِي الْجَوّ وَهِيَ تَطِير إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . | إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِير | .

أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : حِزْب وَمَنَعَة لَكُمْ .|لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ|فَيَدْفَع عَنْكُمْ مَا أَرَادَ بِكُمْ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ . وَلَفْظ الْجُنْد يُوَحَّد ; وَلِهَذَا قَالَ : | هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْد لَكُمْ | وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار ; أَيْ لَا جُنْد لَكُمْ يَدْفَع عَنْكُمْ عَذَاب اللَّه | مِنْ دُون الرَّحْمَن | أَيْ مَنْ سِوَى الرَّحْمَن .|الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي|مِنْ الشَّيَاطِين ; تَغُرّهُمْ بِأَنْ لَا عَذَاب وَلَا حِسَاب .

أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ

أَيْ يُعْطِيكُمْ مَنَافِع الدُّنْيَا . وَقِيلَ الْمَطَر مِنْ آلِهَتكُمْ .|يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ|يَعْنِي اللَّه تَعَالَى رِزْقه .|رِزْقَهُ بَلْ|أَيْ تَمَادَوْا وَأَصَرُّوا .|لَجُّوا فِي|طُغْيَان|عُتُوٍّ|عَنْ الْحَقّ .

أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر | مُكِبًّا | أَيْ مُنَكِّسًا رَأْسه لَا يَنْظُر أَمَامه وَلَا يَمِينه وَلَا شِمَاله ; فَهُوَ لَا يَأْمَن مِنْ الْعُثُور وَالِانْكِبَاب عَلَى وَجْهه . كَمَنْ يَمْشِي سَوِيًّا مُعْتَدِلًا نَاظِرًا مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذَا فِي الدُّنْيَا ; وَيَجُوز أَنْ يُرِيد بِهِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيق فَيَعْتَسِف ; فَلَا يَزَال يَنْكَبّ عَلَى وَجْهه . وَأَنَّهُ لَيْسَ كَالرَّجُلِ السَّوِيّ الصَّحِيح الْبَصِير الْمَاشِي فِي الطَّرِيق الْمُهْتَدِي لَهُ . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ الْكَافِر أَكَبَّ عَلَى مَعَاصِي اللَّه فِي الدُّنْيَا فَحَشَرَهُ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة عَلَى وَجْهه . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْكَلْبِيّ : عَنَى بِاَلَّذِي يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهه أَبَا جَهْل , وَبِاَلَّذِي يَمْشِي سَوِيًّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ أَبُو بَكْر . وَقِيلَ حَمْزَة . وَقِيلَ عَمَّار اِبْن يَاسِر ; قَالَهُ عِكْرِمَة . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي الْكَافِر وَالْمُؤْمِن ; أَيْ أَنَّ الْكَافِر لَا يَدْرِي أَعَلَى حَقّ هُوَ أُمّ عَلَى بَاطِل . أَيْ أَهَذَا الْكَافِر أَهْدَى أَوْ الْمُسْلِم الَّذِي يَمْشِي سَوِيًّا مُعْتَدِلًا يُبْصِر لِلطَّرِيقِ وَهُوَ | عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم | وَهُوَ الْإِسْلَام . وَيُقَال : أَكَبَّ الرَّجُل عَلَى وَجْهه ; فِيمَا لَا يَتَعَدَّى بِالْأَلِفِ . فَإِذَا تَعَدَّى قِيلَ : كَبَّهُ اللَّه لِوَجْهِهِ ; بِغَيْرِ أَلِف .

قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ

أَمَرَ نَبِيّه أَنْ يُعَرِّفهُمْ قُبْح شِرْكهمْ مَعَ اِعْتِرَافهمْ بِأَنَّ اللَّه خَلَقَهُمْ .|وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ|يَعْنِي الْقُلُوب|قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ|أَيْ لَا تَشْكُرُونَ هَذِهِ النِّعَم , وَلَا تُوَحِّدُونَ اللَّه تَعَالَى . تَقُول : قَلَّمَا أَفْعَل كَذَا ; أَيْ لَا أَفْعَلهُ .

قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

أَيْ خَلَقَكُمْ فِي الْأَرْض ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : نَشَرَكُمْ فِيهَا وَفَرَّقَكُمْ عَلَى ظَهْرهَا ; قَالَهُ اِبْن شَجَرَة .|وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ|حَتَّى يُجَازِيَ كُلًّا بِعَمَلِهِ .

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

أَيْ مَتَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَتَى هَذَا الْعَذَاب الَّذِي تَعِدُونَنَا بِهِ وَهَذَا اِسْتِهْزَاء مِنْهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .

قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ

أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد عِلْم وَقْت قِيَام السَّاعَة عِنْد اللَّه فَلَا يَعْلَمهُ غَيْره . نَظِيره : | قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي | [ الْأَعْرَاف : 187 ] الْآيَة .|وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ|أَيْ مُخَوِّف وَمُعَلِّم لَكُمْ .

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ

مَصْدَر بِمَعْنَى مُزْدَلَفًا أَيْ قَرِيبًا ; قَالَ مُجَاهِد . الْحَسَن عِيَانًا . وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى : فَلَمَّا رَأَوْهُ يَعْنِي الْعَذَاب , وَهُوَ عَذَاب الْآخِرَة . وَقَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي عَذَاب بَدْر . وَقِيلَ : أَيْ رَأَوْا مَا وُعِدُوا مِنْ الْحَشْر قَرِيبًا مِنْهُمْ . وَدَلَّ عَلَيْهِ | تُحْشَرُونَ | . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا رَأَوْا عَمَلهمْ السَّيِّئ قَرِيبًا .|سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا|أَيْ فُعِلَ بِهَا السُّوء . وَقَالَ الزَّجَّاج : تَبَيَّنَ فِيهَا السُّوء أَيْ سَاءَهُمْ ذَلِكَ الْعَذَاب وَظَهَرَ عَلَى وُجُوههمْ سِمَة تَدُلّ عَلَى كُفْرهمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه | [ آل عِمْرَان : 106 ] . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن مُحَيْصِن وَابْن عَامِر وَالْكِسَائِيّ | سئت | بِإِشْمَامِ الضَّمّ . وَكَسَرَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ إِشْمَام طَلَبًا لِلْخِفَّةِ . وَمَنْ ضَمَّ لَاحَظَ الْأَصْل .|وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ|قَالَ الْفَرَّاء : | تَدَّعُونَ | تَفْتَعِلُونَ مِنْ الدُّعَاء وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء أَيْ تَتَمَنَّوْنَ وَتَسْأَلُونَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَكْذِبُونَ ; وَتَأْوِيله : هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ مِنْ أَجْله تَدَّعُونَ الْأَبَاطِيل وَالْأَحَادِيث ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | تَدَّعُونَ | بِالتَّشْدِيدِ , وَتَأْوِيله مَا ذَكَرْنَاهُ . وَقَرَأَ قَتَادَة وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَالضَّحَّاك وَيَعْقُوب | تَدْعُونَ | مُخَفَّفَة . قَالَ قَتَادَة : هُوَ قَوْلهمْ | رَبّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطّنَا | [ ص : 16 ] . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ قَوْلهمْ | اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء | [ الْأَنْفَال : 32 ] الْآيَة . وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس : | تَدَّعُونَ | تَسْتَعْجِلُونَ ; يُقَال : دَعَوْت بِكَذَا إِذَا طَلَبْته ; وَادَّعَيْت اِفْتَعَلْت مِنْهُ . النَّحَّاس : | تَدَّعُونَ وَتَدْعُونَ | بِمَعْنًى وَاحِد ; كَمَا يُقَال : قَدَرَ وَاقْتَدَرَ , وَعَدَا وَاعْتَدَى ; إِلَّا أَنَّ فِي | اِفْتَعَلَ | مَعْنَى شَيْء بَعْد شَيْء , و | فَعَلَ | يَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير .

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

قَوْله تَعَالَى : | قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّه | أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد - يُرِيد مُشْرِكِي مَكَّة , وَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ مَوْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | أَمْ يَقُولُونَ شَاعِر نَتَرَبَّص بِهِ رَيْب الْمَنُون | [ الطُّور : 30 ] - أَرَأَيْتُمْ إِنْ مِتْنَا أَوْ رُحِمْنَا فَأُخِّرَتْ آجَالنَا فَمَنْ يُجِيركُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه ; فَلَا حَاجَة بِكُمْ إِلَى التَّرَبُّص بِنَا وَلَا إِلَى اِسْتِعْجَال قِيَام السَّاعَة . وَأَسْكَنَ الْيَاء فِي | أَهْلَكَنِي | اِبْن مُحَيْصِن وَالْمُسَيِّبِيّ وَشَيْبَة وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة . وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ . وَكُلّهمْ فَتَحَ الْيَاء فِي | وَمَنْ مَعِيَ | إِلَّا أَهْل الْكُوفَة فَإِنَّهُمْ سَكَّنُوهَا . وَفَتَحَهَا حَفْص كَالْجَمَاعَةِ .

قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

قَوْله تَعَالَى : | قُلْ هُوَ الرَّحْمَن آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ | قَرَأَ الْكِسَائِيّ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر ; وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيّ . الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . وَهُوَ تَهْدِيد لَهُمْ . وَيُقَال : لِمَ أَخَّرَ مَفْعُول | آمَنَّا | وَقَدَّمَ مَفْعُول | تَوَكَّلْنَا | فَيُقَال : لِوُقُوعِ | آمَنَّا | تَعْرِيضًا بِالْكَافِرِينَ حِينَ وَرَدَ عَقِيب ذِكْرهمْ . كَأَنَّهُ قِيلَ : آمَنَّا وَلَمْ نُكَفِّر كَمَا كَفَّرْتُمْ . ثُمَّ قَالَ | وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا | خُصُوصًا لَمْ نَتَّكِل عَلَى مَا أَنْتُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَيْهِ مِنْ رِجَالكُمْ وَأَمْوَالكُمْ ; قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ .

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ

يَا مَعْشَر قُرَيْش|إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا|أَيْ غَائِرًا ذَاهِبًا فِي الْأَرْض لَا تَنَالهُ الدِّلَاء . وَكَانَ مَاؤُهُمْ مِنْ بِئْرَيْنِ : بِئْر زَمْزَم وَبِئْر مَيْمُون .|فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ|أَيْ جَارٍ ; قَالَهُ قَتَادَة وَالضَّحَّاك . فَلَا بُدّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَقُولُوا لَا يَأْتِينَا بِهِ إِلَّا اللَّه ; فَقُلْ لَهُمْ لِمَ تُشْرِكُونَ بِهِ مَنْ لَا يَقْدِر عَلَى أَنْ يَأْتِيَكُمْ . يُقَال : غَارَ الْمَاء يَغُور غَوْرًا ; أَيْ نَضَبَ . وَالْغَوْر : الْغَائِر ; وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ ; كَمَا تَقُول : رَجُل عَدْل وَرِضًا . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | الْكَهْف | وَمَضَى الْقَوْل فِي الْمَعْنَى فِي سُورَة | الْمُؤْمِنُونَ | وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : | بِمَاءٍ مَعِين | أَيْ ظَاهِر تَرَاهُ الْعُيُون ; فَهُوَ مَفْعُول . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ مَعَنَ الْمَاء أَيْ كَثُرَ ; فَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيل . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ عَذْب . وَاَللَّه أَعْلَم .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس