islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
16327

55-الرحمن

الرَّحْمَنُ

سُورَة الرَّحْمَن مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِلَّا آيَة مِنْهَا هِيَ قَوْله تَعَالَى : | يَسْأَلهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض | [ الرَّحْمَن : 29 ] الْآيَة . وَهِيَ سِتّ وَسَبْعُونَ آيَة .</p><p>وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَمُقَاتِل : هِيَ مَدَنِيَّة كُلّهَا . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحُّ لِمَا رَوَى عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : أَوَّل مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بِمَكَّة بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن مَسْعُود ; وَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَة قَالُوا : مَا سَمِعَتْ قُرَيْش هَذَا الْقُرْآن يُجْهَر بِهِ قَطُّ , فَمَنْ رَجُل يُسْمِعهُمُوهُ ؟ فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : أَنَا , فَقَالُوا : إِنَّا نَخْشَى عَلَيْك , وَإِنَّمَا نُرِيد رَجُلًا لَهُ عَشِيرَة يَمْنَعُونَهُ , فَأَبَى ثُمَّ قَامَ عِنْد الْمَقَام فَقَالَ : | بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | [ الرَّحْمَن : 1 - 2 ] ثُمَّ تَمَادَى رَافِعًا بِهَا صَوْته وَقُرَيْش فِي أَنْدِيَتهَا , فَتَأَمَّلُوا وَقَالُوا : مَا يَقُول اِبْن أُمّ عَبْد ؟ قَالُوا : هُوَ يَقُول الَّذِي يَزْعُم مُحَمَّد أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ , ثُمَّ ضَرَبُوهُ حَتَّى أَثَّرُوا فِي وَجْهه . وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يُصَلِّي الصُّبْح بِنَخْلَةَ , فَقَرَأَ سُورَة | الرَّحْمَن | وَمَرَّ النَّفَر مِنْ الْجِنّ فَآمَنُوا بِهِ . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ جَابِر قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابه فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَة | الرَّحْمَن | مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرهَا فَسَكَتُوا , فَقَالَ : ( لَقَدْ قَرَأْتهَا عَلَى الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْت كُلَّمَا أَتَيْت عَلَى قَوْله : | فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | [ الرَّحْمَن : 13 ] قَالُوا لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمك رَبّنَا نُكَذِّب فَلَك الْحَمْد ) قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّة وَاَللَّه أَعْلَم .</p><p>وَرُوِيَ أَنَّ قَيْس بْن عَاصِم الْمِنْقَرِيّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُتْلُ عَلَيَّ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْك , فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَة | الرَّحْمَن | فَقَالَ : أَعِدْهَا , فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا , فَقَالَ : وَاَللَّه إِنَّ لَهُ لَطَلَاوَة , وَإِنَّ عَلَيْهِ لَحَلَاوَة , وَأَسْفَله لَمُغْدِق , وَأَعْلَاهُ مُثْمِر , وَمَا يَقُول هَذَا بَشَر , وَأَنَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لِكُلِّ شَيْء عَرُوس وَعَرُوس الْقُرْآن سُورَة الرَّحْمَن ) .</p><p>قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَامِر الشَّعْبِيّ : | الرَّحْمَن | فَاتِحَة ثَلَاث سُوَر إِذَا جُمِعْنَ كُنَّ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى | الر | و | حم | و | ن | فَيَكُون مَجْمُوع هَذِهِ | الرَّحْمَن | .

عَلَّمَ الْقُرْآَنَ

أَيْ عَلَّمَهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى جَمِيع النَّاس . وَأُنْزِلَتْ حِين قَالُوا : وَمَا الرَّحْمَن ؟ وَقِيلَ : نَزَلَتْ جَوَابًا لِأَهْلِ مَكَّة حِين قَالُوا : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر وَهُوَ رَحْمَن الْيَمَامَة , يَعْنُونَ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | . وَقَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى | عَلَّمَ الْقُرْآن | أَيْ سَهَّلَهُ لِأَنْ يُذْكَر وَيُقْرَأ كَمَا قَالَ : | وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن لِلذِّكْرِ | [ الْقَمَر : 17 ] . وَقِيلَ : جَعَلَهُ عَلَامَة لِمَا تَعَبَّدَ النَّاس بِهِ .

خَلَقَ الْإِنْسَانَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالْحَسَن يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام .

عَلَّمَهُ الْبَيَانَ

أَسْمَاء كُلّ شَيْء . وَقِيلَ : عَلَّمَهُ اللُّغَات كُلّهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَابْن كَيْسَان : الْإِنْسَان هَاهُنَا يُرَاد بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْبَيَان بَيَان الْحَلَال مِنْ الْحَرَام , وَالْهُدَى مِنْ الضَّلَال . وَقِيلَ : مَا كَانَ وَمَا يَكُون , لِأَنَّهُ بَيَّنَ عَنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَيَوْم الدِّين . وَقَالَ الضَّحَّاك : | الْبَيَان | الْخَيْر وَالشَّرّ . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : هُوَ مَا يَنْفَعهُ وَمَا يَضُرّهُ , وَقَالَهُ قَتَادَة . وَقِيلَ : | الْإِنْسَان | يُرَاد بِهِ جَمِيع النَّاس فَهُوَ اِسْم لِلْجِنْسِ و | الْبَيَان | عَلَى هَذَا الْكَلَام وَالْفَهْم , وَهُوَ مِمَّا فُضِّلَ بِهِ الْإِنْسَان عَلَى سَائِر الْحَيَوَان . وَقَالَ السُّدِّيّ : عَلَّمَ كُلّ قَوْم لِسَانهمْ الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ . وَقَالَ يَمَان : الْكِتَابَة وَالْخَطّ بِالْقَلَمِ . نَظِيره : | عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَان مَا لَمْ يَعْلَم | [ الْعَلَق : 4 - 5 ] .

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ

أَيْ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ مَعْلُوم فَأَضْمَرَ الْخَبَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَأَبُو مَالِك : أَيْ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ فِي مَنَازِل لَا يَعْدُوَانِهَا وَلَا يَحِيدَانِ عَنْهَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَابْن كَيْسَان : يَعْنِي أَنَّ بِهِمَا تُحْسَب الْأَوْقَات وَالْآجَال وَالْأَعْمَار , وَلَوْلَا اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَمْ يَدْرِ أَحَد كَيْف يَحْسُب شَيْئًا لَوْ كَانَ الدَّهْر كُلّه لَيْلًا أَوْ نَهَاره . وَقَالَ السُّدِّيّ : | بِحُسْبَانٍ | تَقْدِير آجَالهمَا أَيْ تَجْرِي بِآجَالٍ كَآجَالِ النَّاس , فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمَا هَلَكَا , نَظِيره : | كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى | [ الزُّمَر : 5 ] . وَقَالَ الضَّحَّاك : بِقَدَرٍ . مُجَاهِد : | بِحُسْبَانٍ | كَحُسْبَانِ الرَّحَى يَعْنِي قُطْبهَا يَدُورَانِ فِي مِثْل الْقُطْب . وَالْحُسْبَان قَدْ يَكُون مَصْدَر حَسَبْته أَحْسُبهُ بِالضَّمِّ حَسْبًا وَحُسْبَانًا , مِثْل الْغُفْرَان وَالْكُفْرَان وَالرُّجْحَان , وَحِسَابَة أَيْضًا أَيْ عَدَدْته . وَقَالَ الْأَخْفَش : وَيَكُون جَمَاعَة الْحِسَاب مِثْل شِهَاب وَشُهْبَان . وَالْحُسْبَان أَيْضًا بِالضَّمِّ الْعَذَاب وَالسِّهَام الْقِصَار , وَقَدْ مَضَى فِي | الْكَهْف | الْوَاحِدَة حُسْبَانَة , وَالْحُسْبَانَة أَيْضًا الْوِسَادَة الصَّغِيرَة , تَقُول مِنْهُ : حَسَّبْته إِذَا وَسَّدْته , قَالَ نُهَيك الْفَزَارِي : <br>لَثَوَيْت غَيْر مُحَسَّب <br>أَيْ غَيْر مُوَسَّد يَعْنِي غَيْر مُكَرَّم وَلَا مُكَفَّن

وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : النَّجْم مَا لَا سَاقَ لَهُ وَالشَّجَر مَا لَهُ سَاقَ , وَأَنْشَدَ اِبْن عَبَّاس قَوْل صَفْوَان بْن أَسَد التَّمِيمِيّ : <br>لَقَدْ أَنْجَمَ الْقَاع الْكَبِير عِضَاهَهُ .......... وَتَمَّ بِهِ حَيًّا تَمِيم وَوَائِلِ <br>وَقَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : <br>مُكَلَّل بِأُصُولِ النَّجْم تَنْسِجهُ .......... رِيح الْجَنُوب لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ <br>وَاشْتِقَاق النَّجْم مِنْ نَجَمَ الشَّيْء يَنْجُم بِالضَّمِّ نُجُومًا ظَهَرَ وَطَلَعَ , وَسُجُودهمَا بِسُجُودِ ظِلَالهمَا , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقَالَ الْفَرَّاء : سُجُودهمَا أَنَّهُمَا يَسْتَقْبِلَانِ الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ ثُمَّ يَمِيلَانِ مَعَهَا حَتَّى يَنْكَسِر الْفَيْء . وَقَالَ الزَّجَّاج : سُجُودهمَا دَوَرَان الظِّلّ مَعَهُمَا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : | يَتَفَيَّئُوا ظِلَاله | [ النَّحْل : 48 ] . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد : النَّجْم نَجْم السَّمَاء , وَسُجُوده فِي قَوْل مُجَاهِد دَوَرَان ظِلّه , وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ , حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقِيلَ : سُجُود النَّجْم أُفُوله , وَسُجُود الشَّجَر إِمْكَان الِاجْتِنَاء لِثَمَرِهَا , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : إِنَّ جَمِيع ذَلِكَ مُسَخَّر لِلَّهِ , فَلَا تَعْبُدُوا النَّجْم كَمَا عَبَدَ قَوْم مِنْ الصَّابِئِينَ النُّجُوم , وَعَبَدَ كَثِير مِنْ الْعَجَم الشَّجَر . وَالسُّجُود الْخُضُوع , وَالْمَعْنِيّ بِهِ آثَار الْحُدُوث , حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . النَّحَّاس : أَصْل السُّجُود فِي اللُّغَة الِاسْتِسْلَام وَالِانْقِيَاد لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَهُوَ مِنْ الْمَوَات كُلّهَا اِسْتِسْلَامهَا لِأَمْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَانْقِيَادهَا لَهُ , وَمِنْ الْحَيَوَان كَذَلِكَ وَيَكُون مِنْ سُجُود الصَّلَاة , وَأَنْشَدَ مُحَمَّد بْن يَزِيد فِي النَّجْم بِمَعْنَى النُّجُوم قَالَ : <br>فَبَاتَتْ تَعُدّ النَّجْم فِي مُسْتَحِيرَة .......... سَرِيع بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا<br>

وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ

وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال | وَالسَّمَاءُ | بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء وَاخْتَارَ ذَلِكَ لَمَّا عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ : | وَالنَّجْم وَالشَّجَر يَسْجُدَانِ | فَجَعَلَ الْمَعْطُوف مُرَكَّبًا مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَر كَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ . الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَار فِعْل يَدُلّ عَلَيْهِ مَا بَعْده .|وَوَضَعَ الْمِيزَانَ|أَيْ الْعَدْل , عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ , أَيْ وَضَعَ فِي الْأَرْض الْعَدْل الَّذِي أَمَرَ بِهِ , يُقَال . : وَضَعَ اللَّه الشَّرِيعَة . وَوَضَعَ فُلَان كَذَا أَيْ أَلْقَاهُ , وَقِيلَ : عَلَى هَذَا الْمِيزَان الْقُرْآن , لِأَنَّ فِيهِ بَيَان مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْل الْحُسَيْن بْن الْفَضْل . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة - أَيْضًا - وَالضَّحَّاك : هُوَ الْمِيزَان ذُو اللِّسَان الَّذِي يُوزَن بِهِ لِيَنْتَصِف بِهِ النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر بِالْعَدْلِ , يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : | وَأَقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ | وَالْقِسْط الْعَدْل . وَقِيلَ : هُوَ الْحُكْم . وَقِيلَ : أَرَادَ وَضْع الْمِيزَان فِي الْآخِرَة لِوَزْنِ الْأَعْمَال . وَأَصْل مِيزَان مِوْزَان وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | الْقَوْل فِيهِ .

أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ

مَوْضِع | أَنْ | يَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا عَلَى تَقْدِير حَذْف حَرْف الْجَرّ كَأَنَّهُ قَالَ : لِئَلَّا تَطْغَوْا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا | [ النِّسَاء : 176 ] . وَيَجُوز أَلَّا يَكُون لـ | ـأَنْ | مَوْضِع مِنْ الْإِعْرَاب فَتَكُون بِمَعْنَى أَيْ و | تَطْغَوْا | عَلَى هَذَا التَّقْدِير مَجْزُومًا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَانْطَلَقَ الْمَلَأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا | [ ص : 6 ] أَيْ اِمْشُوا . وَالطُّغْيَان مُجَاوَزَة الْحَدّ . فَمَنْ قَالَ : الْمِيزَان الْعَدْل قَالَ طُغْيَانه الْجَوْر . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ الْمِيزَان الَّذِي يُوزَن بِهِ قَالَ طُغْيَانه الْبَخْس . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ لَا تَخُونُوا مَنْ وُزِنْتُمْ لَهُ . وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَر الْمَوَالِي ! وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ النَّاس : الْمِكْيَال وَالْمِيزَان . وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ الْحُكْم قَالَ : طُغْيَانه التَّحْرِيف . وَقِيلَ : فِيهِ إِضْمَار , أَيْ وَضَعَ الْمِيزَان وَأَمَرَكُمْ أَلَّا تَطْغَوْا فِيهِ .

وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ

أَيْ اِفْعَلُوهُ مُسْتَقِيمًا بِالْعَدْلِ . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَقِيمُوا لِسَان الْمِيزَان بِالْقِسْطِ وَالْعَدْل . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : الْإِقَامَة بِالْيَدِ وَالْقِسْط بِالْقَلْبِ . وَقَالَ مُجَاهِد : الْقِسْط الْعَدْل بِالرُّومِيَّةِ . وَقِيلَ : هُوَ كَقَوْلِك أَقَامَ الصَّلَاة أَيْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتهَا , وَأَقَامَ النَّاس أَسْوَاقهمْ أَيْ أَتَوْهَا لِوَقْتِهَا . أَيْ لَا تَدَعُوا التَّعَامُل بِالْوَزْنِ بِالْعَدْلِ .|وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ|وَلَا تَنْقُصُوا الْمِيزَان وَلَا تَبْخَسُوا الْكَيْل وَالْوَزْن , وَهَذَا كَقَوْلِهِ : | وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان | [ هُود : 84 ] . وَقَالَ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة : اِعْدِلْ يَا اِبْن آدَم كَمَا تُحِبّ أَنْ يُعْدَل لَك , وَأَوْفِ كَمَا تُحِبّ أَنْ يُوفَى لَك , فَإِنَّ الْعَدْل صَلَاح النَّاس . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَا تُخْسِرُوا مِيزَان حَسَنَاتكُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَيَكُون ذَلِكَ حَسْرَة عَلَيْكُمْ . وَكَرَّرَ الْمِيزَان لِحَالِ رُءُوس الْآي . وَقِيلَ : التَّكْرِير لِلْأَمْرِ بِإِيفَاءِ الْوَزْن وَرِعَايَة الْعَدْل فِيهِ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | تُخْسِرُوا | بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر السِّين . وَقَرَأَ بِلَال بْن أَبِي بُرْدَة وَأَبَان عَنْ عُثْمَان | تَخْسَرُوا | بِفَتْحِ التَّاء وَالسِّين وَهُمَا لُغَتَانِ , يُقَال : أَخْسَرْت الْمِيزَان وَخَسَرْته كَأَجْبَرْتُهُ وَجَبَرْته . وَقِيلَ : | تَخْسَرُوا | بِفَتْحِ التَّاء وَالسِّين مَحْمُول عَلَى تَقْدِير حَذْف حَرْف الْجَرّ , وَالْمَعْنَى وَلَا تَخْسَرُوا فِي الْمِيزَان .

وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ

الْأَنَام النَّاس , عَنْ اِبْن عَبَّاس . الْحَسَن : الْجِنّ وَالْإِنْس . الضَّحَّاك : كُلّ مَا دَبَّ عَلَى وَجْه الْأَرْض , وَهَذَا عَامّ .

فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ

أَيْ كُلّ مَا يَتَفَكَّه بِهِ الْإِنْسَان مِنْ أَلْوَان الثِّمَار .|وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ|الْأَكْمَام جَمْع كِمّ بِالْكَسْرِ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالْكِمَّة بِالْكَسْرِ وَالْكِمَامَة وِعَاء الطَّلْع وَغِطَاء النَّوْر وَالْجَمْع كِمَام وَأَكِمَّة وَأَكْمَام وَالْأَكَامِيم أَيْضًا . وَكُمَّ الْفَصِيلُ إِذَا أُشْفِقَ عَلَيْهِ فَسُتِرَ حَتَّى يَقْوَى , قَالَ الْعَجَّاج : <br>بَلْ لَوْ شَهِدْتَ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوا .......... بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا <br>وَتُكُمُّوا أَيْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ وَغُطُّوا . وَأَكَمَّتْ النَّخْلَةُ وَكَمَّمَتْ أَيْ أَخْرَجَتْ أَكْمَامَهَا . وَالْكِمَام بِالْكَسْرِ وَالْكِمَامَة أَيْضًا مَا يُكَمّ بِهِ فَم الْبَعِير لِئَلَّا يَعَضّ , تَقُول مِنْهُ : بَعِير مَكْمُوم أَيْ مَحْجُوم . وَكَمَّمْت الشَّيْء غَطَّيْته . وَالْكَمُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا وَغَطَّاهُ , وَمِنْهُ كُمُّ الْقَمِيص بِالضَّمِّ وَالْجَمْع أَكْمَام وَكِمَمَة , مِثْل حَبّ وَحِبَبَة . وَالْكُمَّة الْقَلَنْسُوَة الْمُدَوَّرَة , لِأَنَّهَا تُغَطِّي الرَّأْس . قَالَ : <br>فَقُلْت لَهُمْ كِيلُو بِكُمَّةِ بَعْضكُمْ .......... دَرَاهِمكُمْ إِنِّي كَذَلِكَ أَكْيَلُ <br>قَالَ الْحَسَن : | ذَات الْأَكْمَام | أَيْ ذَات اللِّيف فَإِنَّ النَّخْلَة قَدْ تُكَمَّم بِاللِّيفِ , وَكِمَامهَا لِيفهَا الَّذِي فِي أَعْنَاقهَا . اِبْن زَيْد : ذَات الطَّلْع قَبْل أَنْ يَتَفَتَّق . وَقَالَ عِكْرِمَة : ذَات الْأَحْمَال .

وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ

الْحَبّ الْحِنْطَة وَالشَّعِير وَنَحْوهمَا , وَالْعَصْف التِّبْن , عَنْ الْحَسَن وَغَيْره . مُجَاهِد : وَرَق الشَّجَر وَالزَّرْع . اِبْن عَبَّاس : تِبْن الزَّرْع وَوَرَقه الَّذِي تَعْصِفهُ الرِّيَاح . سَعِيد بْن جُبَيْر : بَقْل الزَّرْع أَيْ أَوَّل مَا يَنْبُت مِنْهُ , وَقَالَهُ الْفَرَّاء . وَالْعَرَب تَقُول : خَرَجْنَا نَعْصِف الزَّرْع إِذَا قَطَعُوا مِنْهُ قَبْل أَنْ يُدْرِك . وَكَذَا فِي الصِّحَاح : وَعَصَفْت الزَّرْع أَيْ جَزَزْته قَبْل أَنْ يُدْرِك . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : الْعَصْف وَرَق الزَّرْع الْأَخْضَر إِذَا قُطِعَ رُءُوسه وَيَبِسَ , نَظِيره : | فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول | [ الْفِيل : 5 ] . الْجَوْهَرِيّ : وَقَدْ أَعْصَفَ الزَّرْعُ , وَمَكَان مُعْصِف أَيْ كَثِير الزَّرْع . قَالَ أَبُو قَيْس بْن الْأَسْلَت الْأَنْصَارِيّ : <br>إِذَا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرهَا .......... زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ <br>وَالْعَصْف أَيْضًا الْكَسْب , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز [ الْعَجَّاج ] : <br>بِغَيْرِ مَا عَصْف وَلَا اِصْطِرَاف <br>وَكَذَلِكَ الِاعْتِصَاف . وَالْعَصِيفَة الْوَرَق الْمُجْتَمِع الَّذِي يَكُون فِيهِ السُّنْبُل . وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْعَصْف وَالْعَصِيفَة وَرَق السُّنْبُل . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت تَقُول الْعَرَب لِوَرَقِ الزَّرْع الْعَصْف وَالْعَصِيفَة وَالْجِلّ بِكَسْرِ الْجِيم . قَالَ عَلْقَمَة بْن عَبْدَة : <br>تَسْقِي مَذَانِب قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتهَا .......... حَدُورهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاء مَطْمُوم <br>وَفِي الصِّحَاح : وَالْجِلّ بِالْكَسْرِ قَصَب الزَّرْع إِذَا حُصِدَ . وَالرَّيْحَان الرِّزْق , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . الضَّحَّاك : هِيَ لُغَة حِمْيَر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : أَنَّهُ الرَّيْحَان الَّذِي يُشَمّ , وَقَالَهُ اِبْن زَيْد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّهُ خُضْرَة الزَّرْع . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْعَصْف الْمَأْكُول مِنْ الزَّرْع , وَالرَّيْحَان مَا لَا يُؤْكَل . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّ الْعَصْف الْوَرَق الَّذِي لَا يُؤْكَل , وَالرَّيْحَان هُوَ الْحَبّ الْمَأْكُول . وَقِيلَ : الرَّيْحَان كُلّ بَقْلَة طَيِّبَة الرِّيح سُمِّيَتْ رَيْحَانًا , لِأَنَّ الْإِنْسَان يَرَاحُ لَهَا رَائِحَةً طَيِّبَة . أَيْ يَشُمّ فَهُوَ فَعْلَان رَوْحَان مِنْ الرَّائِحَة , وَأَصْل الْيَاء فِي الْكَلِمَة وَاو قُلِبَ يَاء لِلْفَرْقِ بَيْنه وَبَيْن الرُّوحَانِيّ وَهُوَ كُلّ شَيْء لَهُ رُوح . قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال شَيْء رُوحَانِيّ وَرَيْحَانِيّ أَيْ لَهُ رُوح . وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى وَزْن فَيْعَلَان فَأَصْله رَيْوَحَان فَأُبْدِلَ مِنْ الْوَاو يَاء وَأُدْغِمَ كَهَيِّنٍ وَلَيِّن , ثُمَّ أُلْزِمَ التَّخْفِيف لِطُولِهِ وَلِحَاق الزَّائِدَتَيْنِ الْأَلِف وَالنُّون , وَالْأَصْل فِيمَا يَتَرَكَّب مِنْ الرَّاء وَالْوَاو وَالْحَاء الِاهْتِزَاز وَالْحَرَكَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالرَّيْحَان نَبْت مَعْرُوف , وَالرَّيْحَان الرِّزْق , تَقُول : خَرَجْت أَبْتَغِي رَيْحَان اللَّه , قَالَ النَّمِر بْن تَوْلَب : <br>سَلَام الْإِلَه وَرَيْحَانه .......... وَرَحْمَته وَسَمَاء دِرَرْ <br>وَفِي الْحَدِيث : | الْوَلَد مِنْ رَيْحَان اللَّه | . وَقَوْلهمْ : سُبْحَانَ اللَّه وَرَيْحَانَهُ , نَصَبُوهُمَا عَلَى الْمَصْدَر يُرِيدُونَ تَنْزِيهًا لَهُ وَاسْتِرْزَاقًا . وَأَمَّا قَوْله : | وَالْحَبّ ذُو الْعَصْف وَالرَّيْحَان | فَالْعَصْف سَاق الزَّرْع , وَالرَّيْحَان وَرَقه , عَنْ الْفَرَّاء . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْف وَالرَّيْحَانُ | بِالرَّفْعِ فِيهَا كُلّهَا عَلَى الْعَطْف عَلَى الْفَاكِهَة . وَنَصَبَهَا كُلّهَا اِبْن عَامِر وَأَبُو حَيْوَة وَالْمُغِيرَة عَطْفًا عَلَى الْأَرْض . وَقِيلَ : بِإِضْمَارِ فِعْل , أَيْ وَخَلَقَ الْحَبّ ذَا الْعَصْف وَالرَّيْحَان , فَمِنْ هَذَا الْوَجْه يَحْسُن الْوَقْف عَلَى | ذَات الْأَكْمَام | . وَجَرَّ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | الرَّيْحَان | عَطْفًا عَلَى الْعَصْف , أَيْ فِيهَا الْحَبّ ذُو الْعَصْف وَالرَّيْحَان , وَلَا يَمْتَنِع ذَلِكَ عَلَى قَوْل مَنْ جَعَلَ الرَّيْحَان الرِّزْق , فَيَكُون كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْحَبّ ذُو الرِّزْق . وَالرِّزْق مِنْ حَيْثُ كَانَ الْعَصْف رِزْقًا , لِأَنَّ الْعَصْف رِزْق لِلْبَهَائِمِ , وَالرَّيْحَان رِزْق لِلنَّاسِ , وَلَا شُبْهَة فِيهِ فِي قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهُ الرَّيْحَان الْمَشْمُوم .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | | لَلْجِنُّ أَحْسَنُ مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ قِ : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] .. <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْيٌ وَأَلْيٌ أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَمُ الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِرِ <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ

لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانه خَلْق الْعَالَم الْكَبِير مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض , وَمَا فِيهِمَا مِنْ الدَّلَالَات عَلَى وَحْدَانِيَّته وَقُدْرَته ذَكَرَ خَلْق الْعَالَم الصَّغِير فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل يَعْنِي آدَم .|مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ|الصَّلْصَال الطِّين الْيَابِس الَّذِي يُسْمَع لَهُ صَلْصَلَة , شَبَّهَهُ بِالْفَخَّارِ الَّذِي طُبِخَ . وَقِيلَ : هُوَ طِين خُلِطَ بِرَمْلٍ . وَقِيلَ : هُوَ الطِّين الْمُنْتِن مِنْ صَلَّ اللَّحْم وَأَصَلَّ إِذَا أَنْتَنَ , وَقَدْ مَضَى فِي | الْحِجْر | . وَقَالَ هُنَا : | مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّارِ | وَقَالَ هُنَاكَ : | مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون | [ الْحِجْر : 26 ] . وَقَالَ : | إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِين لَازِب | [ الصَّافَّات : 11 ] . وَقَالَ : | كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب | [ آل عِمْرَان : 59 ] وَذَلِكَ مُتَّفَق الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ تُرَاب الْأَرْض فَعَجَنَهُ فَصَارَ طِينًا , ثُمَّ اِنْتَقَلَ فَصَارَ كَالْحَمَإِ الْمَسْنُون , ثُمَّ اِنْتَقَلَ فَصَارَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ .

وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ

قَالَ الْحَسَن : الْجَانّ إِبْلِيس وَهُوَ أَبُو الْجِنّ . وَقِيلَ : الْجَانّ وَاحِد الْجِنّ , وَالْمَارِج اللَّهَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَ : خَلَقَ اللَّه الْجَانّ مِنْ خَالِص النَّار . وَعَنْهُ أَيْضًا مِنْ لِسَانهَا الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إِذَا اِلْتَهَبَتْ . وَقَالَ اللَّيْث : الْمَارِج الشُّعْلَة السَّاطِعَة ذَات اللَّهَب الشَّدِيد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ اللَّهَب الَّذِي يَعْلُو النَّار فَيَخْتَلِط بَعْضه بِبَعْضٍ أَحْمَر وَأَصْفَر وَأَخْضَر , وَنَحْوه عَنْ مُجَاهِد , وَكُلّه مُتَقَارِب الْمَعْنَى . وَقِيلَ : الْمَارِج كُلّ أَمْر مُرْسَل غَيْر مَمْنُوع , وَنَحْوه قَوْل الْمُبَرِّد , قَالَ الْمُبَرِّد : الْمَارِج النَّار الْمُرْسَلَة الَّتِي لَا تُمْنَع . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْحَسَن : الْمَارِج خَلْط النَّار , وَأَصْله مِنْ مَرِجَ إِذَا اِضْطَرَبَ وَاخْتَلَطَ , وَيُرْوَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ نَارَيْنِ فَمَرَجَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى , فَأَكَلَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَهِيَ نَار السَّمُوم فَخَلَقَ مِنْهَا إِبْلِيس . قَالَ الْقُشَيْرِيّ وَالْمَارِج فِي اللُّغَة الْمُرْسَل أَوْ الْمُخْتَلَط وَهُوَ فَاعِل بِمَعْنَى مَفْعُول , كَقَوْلِهِ : | مَاء دَافِق | [ الطَّارِق : 6 ] و | عِيشَة رَاضِيَة | [ الْحَاقَّة : 21 ] وَالْمَعْنَى ذُو مَرْج , قَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح : و | مَارِج مِنْ نَار | نَار لَا دُخَان لَهَا خُلِقَ مِنْهَا الْجَانّ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَان | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْع الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْتِ مُسْلِمَةً .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِرِ <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ

أَيْ هُوَ رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ . وَفِي الصَّافَّات | وَرَبّ الْمَشَارِق | [ الصَّافَّات : 5 ] وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي ذَلِكَ هُنَالِكَ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ

أَيْ خَلَّى وَأَرْسَلَ وَأَهْمَلَ , يُقَال : مَرَجَ السُّلْطَان النَّاس إِذَا أَهْمَلَهُمْ . وَأَصْل الْمَرْج الْإِهْمَال كَمَا تُمْرَج الدَّابَّة فِي الْمَرْعَى . وَيُقَال : مَرَجَ خَلَطَ . وَقَالَ الْأَخْفَش : وَيَقُول قَوْم أَمْرَج الْبَحْرَيْنِ مِثْل مَرَجَ , فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى .|الْبَحْرَيْنِ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : بَحْر السَّمَاء وَبَحْر الْأَرْض , وَقَالَهُ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر .|يَلْتَقِيَانِ|فِي كُلّ عَام . وَقِيلَ : يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا . وَقَالَ الْحَسَن , وَقَتَادَة : بَحْر فَارِس وَالرُّوم . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّهُ الْبَحْر الْمَالِح وَالْأَنْهَار الْعَذْبَة . وَقِيلَ : بَحْر الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا . وَقِيلَ : بَحْر اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان .

بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ

أَيْ حَاجِز فَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , قَالَهُ الضَّحَّاك . وَعَلَى الْقَوْل الثَّانِي الْأَرْض الَّتِي بَيْنهمَا وَهِيَ الْحِجَاز , قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة . وَعَلَى غَيْرهمَا مِنْ الْأَقْوَال الْقُدْرَة الْإِلَهِيَّة عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي | الْفُرْقَان | . وَفِي الْخَبَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | أَنَّ اللَّه تَعَالَى كَلَّمَ النَّاحِيَة الْغَرْبِيَّة فَقَالَ : إِنِّي جَاعِل فِيك عِبَادًا لِي يُسَبِّحُونِي وَيُكَبِّرُونِي وَيُهَلِّلُونِي وَيُمَجِّدُونِي فَكَيْف أَنْتِ لَهُمْ ؟ فَقَالَتْ : أُغْرِقهُمْ يَا رَبّ . قَالَ : إِنِّي أَحْمِلهُمْ عَلَى يَدِي , وَأَجْعَل بَأْسك فِي نَوَاحِيك . ثُمَّ كَلَّمَ النَّاحِيَة الشَّرْقِيَّة فَقَالَ : إِنِّي جَاعِل فِيك عِبَادًا لِي يُسَبِّحُونِي وَيُكَبِّرُونِي وَيُهَلِّلُونِي وَيُمَجِّدُونِي فَكَيْف أَنْتِ لَهُمْ ؟ قَالَتْ : أُسَبِّحك مَعَهُمْ إِذَا سَبَّحُوك , وَأُكَبِّرك مَعَهُمْ إِذَا كَبَّرُوك , وَأُهَلِّلُكَ مَعَهُمْ إِذَا هَلَّلُوكَ , وَأُمَجِّدك مَعَهُمْ إِذَا مَجَّدُوك , فَأَثَابَهَا اللَّه الْحِلْيَة وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا , وَتَحَوَّلَ أَحَدهمَا مِلْحًا أُجَاجًا , وَبَقِيَ الْآخَر عَلَى حَالَته عَذْبًا فُرَاتًا | ذَكَرَ هَذَا الْخَبَر التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِح بْن مُحَمَّد , حَدَّثَنَا الْقَاسِم الْعُمَرِيّ عَنْ سَهْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : | لَا يَبْغِيَانِ | قَالَ قَتَادَة : لَا يَبْغِيَانِ عَلَى النَّاس فَيُغْرِقَانِهِمْ , جَعَلَ بَيْنهمَا وَبَيْن النَّاس يَبَسًا . وَعَنْهُ أَيْضًا وَمُجَاهِد : لَا يَبْغِي أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه فَيَغْلِبهُ . اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى | لَا يَبْغِيَانِ | أَنْ يَلْتَقِيَا , وَتَقْدِير الْكَلَام : مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ , لَوْلَا الْبَرْزَخ الَّذِي بَيْنهمَا لَا يَبْغِيَانِ أَنْ يَلْتَقِيَا . وَقِيلَ : الْبَرْزَخ مَا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , أَيْ بَيْنهمَا مُدَّة قَدَّرَهَا اللَّه وَهِيَ مُدَّة الدُّنْيَا فَهُمَا لَا يَبْغِيَانِ , فَإِذَا أَذِنَ اللَّه فِي اِنْقِضَاء الدُّنْيَا صَارَ الْبَحْرَانِ شَيْئًا وَاحِدًا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَإِذَا الْبِحَار فُجِّرَتْ | [ الِانْفِطَار : 3 ] . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْبَحْرَانِ طَرِيق الْخَيْر وَالشَّرّ , وَالْبَرْزَخ الَّذِي بَيْنهمَا التَّوْفِيق وَالْعِصْمَة .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ

أَيْ يَخْرُج لَكُمْ مِنْ الْمَاء اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان , كَمَا يَخْرُج مِنْ التُّرَاب الْحَبّ وَالْعَصْف وَالرَّيْحَان . وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عُمَر | يُخْرَج | بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . الْبَاقُونَ | يَخْرُج | بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الرَّاء عَلَى أَنَّ اللُّؤْلُؤ هُوَ الْفَاعِل . وَقَالَ : | مِنْهُمَا | وَإِنَّمَا يَخْرُج مِنْ الْمِلْح لَا الْعَذْب لِأَنَّ الْعَرَب تَجْمَع الْجِنْسَيْنِ ثُمَّ تُخْبِر عَنْ أَحَدهمَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ | [ الْأَنْعَام : 130 ] وَإِنَّمَا الرُّسُل مِنْ الْإِنْس دُون الْجِنّ , قَالَ الْكَلْبِيّ وَغَيْره . قَالَ الزَّجَّاج : قَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّه فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدهمَا شَيْء فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُمَا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَلَمْ تَرَوْا كَيْف خَلَقَ اللَّه سَبْع سَمَاوَات طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ نُورًا | [ نُوحَ : 15 ] وَالْقَمَر فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَلَكِنْ أَجْمَلَ ذِكْر السَّبْع فَكَأَنَّ مَا فِي إِحْدَاهُنَّ فِيهِنَّ . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ الْفَارِسِيّ : هَذَا مِنْ بَاب حَذْف الْمُضَاف , أَيْ مِنْ إِحْدَاهُمَا , كَقَوْلِهِ : | عَلَى رَجُل مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم | [ الزُّخْرُف 31 ] أَيْ مِنْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ . وَقَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : زَعَمَ قَوْم أَنَّهُ يَخْرُج اللُّؤْلُؤ مِنْ الْعَذْب . وَقِيلَ : هُمَا بَحْرَانِ يَخْرُج مِنْ أَحَدهمَا اللُّؤْلُؤ وَمِنْ الْآخَر الْمَرْجَان . اِبْن عَبَّاس : هُمَا بَحْرًا السَّمَاء وَالْأَرْض . فَإِذَا وَقَعَ مَاء السَّمَاء فِي صَدَف الْبَحْر اِنْعَقَدَ لُؤْلُؤًا فَصَارَ خَارِجًا مِنْهُمَا , وَقَالَهُ الطَّبَرِيّ . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَلَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ نَوَاة كَانَتْ فِي جَوْف صَدَفَة , فَأَصَابَتْ الْقَطْرَة بَعْض النَّوَاة وَلَمْ تُصِبْ الْبَعْض , فَكَانَ حَيْثُ أَصَابَ الْقَطْرَة مِنْ النَّوَاة لُؤْلُؤَة وَسَائِرهَا نَوَاة . وَقِيلَ : إِنَّ الْعَذْب وَالْمِلْح قَدْ يَلْتَقِيَانِ , فَيَكُون الْعَذْب كَاللِّقَاحِ لِلْمِلْحِ , فَنُسِبَ إِلَيْهِمَا كَمَا يُنْسَب الْوَلَد إِلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَإِنْ وَلَدَتْهُ الْأُنْثَى , لِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّهُ لَا يَخْرُج اللُّؤْلُؤ إِلَّا مِنْ وَضْع يَلْتَقِي فِيهِ الْعَذْب وَالْمِلْح . وَقِيلَ : الْمَرْجَان عِظَام اللُّؤْلُؤ وَكِبَاره , قَالَهُ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَاللُّؤْلُؤ صِغَاره . وَعَنْهُمَا أَيْضًا بِالْعَكْسِ : إِنَّ اللُّؤْلُؤ كِبَار اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان صِغَاره , وَقَالَهُ الضَّحَّاك وَقَتَادَة . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو مَالِك : الْمَرْجَان الْخَرَز الْأَحْمَر .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ

يَعْنِي السُّفُن . وَقَرَأَ يَعْقُوب | الْجَوَارِي | بِيَاءٍ فِي الْوَقْف , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ .|الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ|قِرَاءَة الْعَامَّة | الْمُنْشَآت | بِفَتْحِ الشِّين , قَالَ قَتَادَة : أَيْ الْمَخْلُوقَات لِلْجَرْيِ مَأْخُوذ مِنْ الْإِنْشَاء . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ السُّفُن الَّتِي رُفِعَ قِلْعهَا , قَالَ : وَإِذَا لَمْ يُرْفَع قِلْعهَا فَلَيْسَتْ بِمُنْشَآتٍ . وَقَالَ الْأَخْفَش : إِنَّهَا الْمُجْرَيَات . وَفِي الْحَدِيث : أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَأَى سُفُنًا مُقْلَعَة , فَقَالَ : وَرَبّ هَذِهِ الْجَوَارِي الْمُنْشَآت مَا قَتَلْت عُثْمَان وَلَا مَالَأْت فِي قَتْله . وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ | الْمُنْشِئَات | بِكَسْرِ الشِّين أَيْ الْمُنْشِئَات السَّيْر , أُضِيفَ الْفِعْل إِلَيْهَا عَلَى التَّجَوُّز وَالِاتِّسَاع . وَقِيلَ : الرَّافِعَات الشُّرُع أَيْ الْقُلُع . وَمَنْ فَتَحَ الشِّين قَالَ : الْمَرْفُوعَات الشُّرُع .|كَالْأَعْلَامِ|أَيْ كَالْجِبَالِ , وَالْعَلَم الْجَبَل الطَّوِيل , قَالَ : <br>إِذَا قَطَعْنَ عَلَمًا بَدَا عَلَم <br>فَالسُّفُن فِي الْبَحْر كَالْجِبَالِ فِي الْبَرّ , وَقَدْ مَضَى فِي | الشُّورَى | بَيَانه .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ . وَقَرَأَ يَعْقُوب | الْجَوَارِي | بِيَاءٍ فِي الْوَقْف وَحَذَفَ الْبَاقُونَ

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ

الضَّمِير فِي | عَلَيْهَا | لِلْأَرْضِ , وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهَا فِي أَوَّل السُّورَة فِي قَوْله تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | [ الرَّحْمَن : 10 ] وَقَدْ يُقَال : هُوَ أَكْرَمُ مَنْ عَلَيْهَا يَعْنُونَ الْأَرْض وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَتْ الْمَلَائِكَة هَلَكَ أَهْل الْأَرْض فَنَزَلَتْ : | كُلّ شَيْء هَالِك إِلَّا وَجْهه | [ الْقَصَص : 88 ] فَأَيْقَنَتْ الْمَلَائِكَة بِالْهَلَاكِ , وَقَالَهُ مُقَاتِل . وَوَجْه النِّعْمَة فِي فَنَاء الْخَلْق التَّسْوِيَة بَيْنهمْ فِي الْمَوْت , وَمَعَ الْمَوْت تَسْتَوِي الْأَقْدَام . وَقِيلَ : وَجْه النِّعْمَة أَنَّ الْمَوْت سَبَب النَّقْل إِلَى دَار الْجَزَاء وَالثَّوَاب .

وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ

أَيْ وَيَبْقَى اللَّه , فَالْوَجْه عِبَارَة عَنْ وُجُوده وَذَاته سُبْحَانه , قَالَ الشَّاعِر : <br>قَضَى عَلَى خَلْقه الْمَنَايَا .......... فَكُلّ شَيْء سِوَاهُ فَانِي <br>وَهَذَا الَّذِي اِرْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا : اِبْن فَوْرَك وَأَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرهمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْوَجْه عِبَارَة عَنْهُ كَمَا قَالَ : | وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام | وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَأَمَّا الْوَجْه فَالْمُرَاد بِهِ عِنْد مُعْظَم أَئِمَّتنَا وُجُود الْبَارِي تَعَالَى , وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ شَيْخنَا . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | وَيَبْقَى وَجْه رَبّك | وَالْمَوْصُوف بِالْبَقَاءِ عِنْد تَعَرُّض الْخَلْق لِلْفَنَاءِ وُجُود الْبَارِي تَعَالَى . وَقَدْ مَضَى فِي | الْبَقَرَة | الْقَوْل فِي هَذَا عِنْد قَوْله تَعَالَى : | فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه | [ الْبَقَرَة : 115 ] وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى مُسْتَوْفًى . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : قَالَ قَوْم هُوَ صِفَة زَائِدَة عَلَى الذَّات لَا تُكَيَّف , يَحْصُل بِهَا الْإِقْبَال عَلَى مَنْ أَرَادَ الرَّبُّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِكْرَامِ . وَالصَّحِيح أَنْ يُقَال : وَجْهه وُجُوده وَذَاته , يُقَال : هَذَا وَجْه الْأُمّ وَوَجْه الصَّوَاب وَعَيْن الصَّوَاب . وَقِيلَ : أَيْ يَبْقَى الظَّاهِر بِأَدِلَّتِهِ كَظُهُورِ الْإِنْسَان بِوَجْهِهِ . وَقِيلَ : وَتَبْقَى الْجِهَة الَّتِي يُتَقَرَّب بِهَا إِلَى اللَّه .|ذُو الْجَلَالِ|الْجَلَال عَظَمَة اللَّه وَكِبْرِيَاؤُهُ وَاسْتِحْقَاقه صِفَات الْمَدْح , يُقَال : جَلَّ الشَّيْء أَيْ عَظُمَ وَأَجْلَلْته أَيْ عَظَّمْته , وَالْجَلَال اِسْم مِنْ جَلَّ .|وَالْإِكْرَامِ|أَيْ هُوَ أَهْل لِأَنْ يُكْرَم عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ مِنْ الشِّرْك , كَمَا تَقُول : أَنَا أُكْرِمك عَنْ هَذَا , وَمِنْهُ إِكْرَام الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَيْنِ , الِاسْمَيْنِ لُغَة وَمَعْنًى فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى مُسْتَوْفًى . وَرَوَى أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلِظُّوا ب ( يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ) . وَرُوِيَ أَنَّهُ مِنْ قَوْل اِبْن مَسْعُود , وَمَعْنَاهُ : اِلْزَمُوا ذَلِكَ فِي الدُّعَاء . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْإِلْظَاظ لُزُوم الشَّيْء وَالْمُثَابَرَة عَلَيْهِ . وَيُقَال : الْإِلْظَاظ الْإِلْحَاح . وَعَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ . أَنَّ رَجُلًا أَلَحَّ فَجَعَلَ يَقُول : اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ! اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ! فَنُودِيَ : إِنِّي قَدْ سَمِعْت فَمَا حَاجَتك ؟

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ

قِيلَ : الْمَعْنَى يَسْأَلهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات الرَّحْمَة , وَمَنْ فِي الْأَرْض الرِّزْق . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو صَالِح : أَهْل السَّمَاوَات يَسْأَلُونَهُ الْمَغْفِرَة وَلَا يَسْأَلُونَهُ الرِّزْق , وَأَهْل الْأَرْض يَسْأَلُونَهُمَا جَمِيعًا . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : وَتَسْأَل الْمَلَائِكَة الرِّزْق لِأَهْلِ الْأَرْض , فَكَانَتْ الْمَسْأَلَتَانِ جَمِيعًا مِنْ أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض لِأَهْلِ الْأَرْض . وَفِي الْحَدِيث : | إِنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة مَلَكًا لَهُ أَرْبَعَة أَوْجُه وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِبَنِي آدَم وَوَجْه كَوَجْهِ الْأَسَد وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِلسِّبَاعِ وَوَجْه كَوَجْهِ الثَّوْر وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِلْبَهَائِمِ وَوَجْه كَوَجْهِ النَّسْر وَهُوَ يَسْأَل اللَّه الرِّزْق لِلطَّيْرِ | . وَقَالَ اِبْن عَطَاء : إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ الْقُوَّة عَلَى الْعِبَادَة . | كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن | هَذَا كَلَام مُبْتَدَأ . وَانْتَصَبَ | كُلَّ يَوْم | ظَرْفًا , لِقَوْلِهِ : | فِي شَأْن | أَوْ ظَرْفًا لِلسُّؤَالِ , ثُمَّ يَبْتَدِئ | هُوَ فِي شَأْن | . وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :|كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ|قَالَ : ( مِنْ شَأْنه أَنْ يَغْفِر ذَنْبًا وَيُفَرِّج كَرْبًا وَيَرْفَع قَوْمًا وَيَضَع آخَرِينَ ) . وَعَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن | قَالَ : | يَغْفِر ذَنْبًا وَيَكْشِف كَرْبًا وَيُجِيب دَاعِيًا | . وَقِيلَ : مِنْ شَأْنه أَنْ يُحْيِي وَيُمِيت , وَيُعِزّ وَيُذِلّ , وَيَرْزُق وَيَمْنَع . وَقِيلَ : أَرَادَ شَأْنه فِي يَوْمَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . قَالَ اِبْن بَحْر : الدَّهْر كُلّه يَوْمَانِ , أَحَدهمَا مُدَّة أَيَّام الدُّنْيَا , وَالْآخَر يَوْم الْقِيَامَة , فَشَأْنه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي أَيَّام الدُّنْيَا الِابْتِلَاء وَالِاخْتِبَار بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي وَالْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة وَالْإِعْطَاء وَالْمَنْع , وَشَأْنه يَوْم الْقِيَامَة الْجَزَاء وَالْحِسَاب , وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِذَلِكَ الْإِخْبَار عَنْ شَأْنه فِي كُلّ يَوْم مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا وَهُوَ الظَّاهِر . وَالشَّأْن فِي اللُّغَة الْخَطْب الْعَظِيم وَالْجَمْع الشُّؤُون وَالْمُرَاد بِالشَّأْنِ هَاهُنَا الْجَمْع كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | ثُمَّ يُخْرِجك طِفْلًا | [ غَافِر 67 ] . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : شَأْنه سَوْق الْمَقَادِير إِلَى الْمَوَاقِيت . وَقَالَ عَمْرو بْن مَيْمُون فِي قَوْله تَعَالَى : | كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن | مِنْ شَأْنه أَنْ يُمِيت حَيًّا , وَيُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا شَاءَ , وَيُعِزّ ذَلِيلًا , وَيُذِلّ عَزِيزًا . وَسَأَلَ بَعْض الْأُمَرَاء وَزِيره عَنْ قَوْله تَعَالَى : | كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن | فَلَمْ يَعْرِف مَعْنَاهَا , وَاسْتَمْهَلَهُ إِلَى الْغَد فَانْصَرَفَ كَئِيبًا إِلَى مَنْزِله فَقَالَ لَهُ غُلَام لَهُ أَسْوَد : مَا شَأْنك ؟ فَأَخْبَرَهُ . فَقَالَ لَهُ : عُدْ إِلَى الْأَمِير فَإِنِّي أُفَسِّرهَا لَهُ , فَدَعَاهُ فَقَالَ : أَيّهَا الْأَمِير ! شَأْنه أَنْ يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار , وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل , وَيُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت , وَيُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ , وَيَشْفِي سَقِيمًا , وَيُسْقِم سَلِيمًا , وَيَبْتَلِي مُعَافًى , وَيُعَافِي مُبْتَلًى , وَيُعِزّ ذَلِيلًا وَيُذِلّ عَزِيزًا , وَيُفْقِر غَنِيًّا وَيُغْنِي فَقِيرًا , فَقَالَ لَهُ : فَرَّجْت - عَنِّي فَرَّجَ اللَّه عَنْك , ثُمَّ أَمَرَ بِخَلْعِ ثِيَاب الْوَزِير وَكَسَاهَا الْغُلَام , فَقَالَ : يَا مَوْلَايَ ! هَذَا مِنْ شَأْن اللَّه تَعَالَى . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن طَاهِر : أَنَّهُ دَعَا الْحُسَيْن بْن الْفَضْل وَقُلْ لَهُ : أَشْكَلَتْ عَلَيَّ ثَلَاث آيَات دَعَوْتُك لِتَكْشِفهَا لِي : قَوْله تَعَالَى : | فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ | [ الْمَائِدَة : 31 ] وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّدَم تَوْبَة . وَقَوْله : | كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن | وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْقَلَم جَفَّ بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَوْله : | وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى | [ النَّجْم : 39 ] . فَمَا بَال الْأَضْعَاف ؟ فَقَالَ الْحُسَيْن : يَجُوز أَلَّا يَكُون النَّدَم تَوْبَة فِي تِلْكَ الْأُمَّة , وَيَكُون تَوْبَة فِي هَذِهِ الْأُمَّة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّ هَذِهِ الْأُمَّة بِخَصَائِص لَمْ تُشَارِكهُمْ فِيهَا الْأُمَم . وَقِيلَ : إِنَّ نَدَم قَابِيل لَمْ يَكُنْ عَلَى قَتْل هَابِيل وَلَكِنْ عَلَى حَمْله . وَأَمَّا قَوْله : | كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن | فَإِنَّهَا شُؤُون يُبْدِيهَا لَا شُؤُون يَبْتَدِيهَا . وَأَمَّا قَوْله : | وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى | [ النَّجْم : 39 ] فَمَعْنَاهُ : لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا سَعَى عَدْلًا وَلِي أَنْ أَجْزِيَهُ بِوَاحِدَةٍ أَلْفًا فَضْلًا . فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ . وَقَبَّلَ رَأْسه وَسَوَّغَ خَرَاجه .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ

يُقَال : فَرَغْت مِنْ الشُّغْل أَفْرُغ فُرُوغًا وَفَرَاغًا وَتَفَرَّغْت لِكَذَا وَاسْتَفْرَغْت مَجْهُودِي فِي كَذَا أَيْ بَذَلْته . وَاَللَّه تَعَالَى لَيْسَ لَهُ شُغْل يَفْرُغ مِنْهُ , إِنَّمَا الْمَعْنَى سَنَقْصِدُ لِمُجَازَاتِكُمْ أَوْ مُحَاسَبَتكُمْ , وَهَذَا وَعِيد وَتَهْدِيد لَهُمْ كَمَا يَقُول الْقَائِل لِمَنْ يُرِيد تَهْدِيده : إِذًا أَتَفَرَّغ لَك أَيْ أَقْصِدك . وَفَرَغَ بِمَعْنَى قَصَدَ , وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي مِثْل هَذَا لِجَرِيرٍ : <br>الْآنَ وَقَدْ فَرَغْت إِلَى نُمَيْر .......... فَهَذَا حِينَ كُنْت لَهَا عَذَابَا <br>يُرِيد وَقَدْ قَصَدْت . وَقَالَ أَيْضًا وَأَنْشَدَهُ النَّحَّاس : <br>فَرَغْت إِلَى الْعَبْد الْمُقَيَّد فِي الْحِجْلِ <br>وَفِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَايَعَ الْأَنْصَار لَيْلَة الْعَقَبَة , صَاحَ الشَّيْطَان : يَا أَهْل الْجُبَاجِب ! هَذَا مُذَمَّم يُبَايِع بَنِي قَيْلَة عَلَى حَرْبكُمْ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَة أَمَا وَاَللَّه يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَأَتَفَرَّغَنَّ لَك | أَيْ أَقْصِد إِلَى إِبْطَال أَمْرك . وَهَذَا اِخْتِيَار الْقُتَبِيّ وَالْكِسَائِيّ وَغَيْرهمَا . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى وَعَدَ عَلَى التَّقْوَى وَأَوْعَدَ عَلَى الْفُجُور , ثُمَّ قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ | مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ وَنُوصِل كُلًّا إِلَى مَا وَعَدْنَاهُ , أَيْ أَقْسِم ذَلِكَ وَأَتَفَرَّغ مِنْهُ . قَالَهُ الْحَسَن وَمُقَاتِل وَابْن زَيْد . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه وَأُبَيّ | سَنَفْرُغُ إِلَيْكُمْ | وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم | سَيُفْرَغُ لَكُمْ | بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَقَرَأَ اِبْن شِهَاب وَالْأَعْرَج | سَنَفْرَغُ لَكُمْ | بِفَتْحِ النُّون وَالرَّاء , قَالَ الْكِسَائِيّ : هِيَ لُغَة تَمِيم يَقُولُونَ فَرَغَ يَفْرَغ , وَحَكَى أَيْضًا فَرَغَ يَفْرَغ وَرَوَاهُمَا هُبَيْرَة عَنْ حَفْص عَنْ عَاصِم . وَرَوَى الْجُعْفِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو | سَيَفْرَغُ | بِفَتْحِ الْيَاء وَالرَّاء , وَرُوِيَتْ عَنْ اِبْن هُرْمُز . وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيّ | سَنِفْرَغُ لَكُمْ | بِكَسْرِ النُّون وَفَتْح الرَّاء , وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | سَيَفْرُغُ لَكُمْ | بِالْيَاءِ . الْبَاقُونَ بِالنُّونِ وَهِيَ لُغَة تِهَامَة . وَالثَّقَلَانِ الْجِنّ وَالْإِنْس , سُمِّيَا بِذَلِكَ لِعِظَمِ شَأْنهمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا فِي الْأَرْض مِنْ غَيْرهمَا بِسَبَبِ التَّكْلِيف - وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ثِقْل عَلَى الْأَرْض أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَأَخْرَجَتْ الْأَرْض أَثْقَالهَا | [ الزَّلْزَلَة : 2 ] وَمِنْهُ قَوْلهمْ : أَعْطِهِ ثِقْله أَيْ وَزْنه . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْمَعَانِي : كُلّ شَيْء لَهُ قَدْر وَوَزْن يُنَافَس فِيهِ فَهُوَ ثِقْل . وَمِنْهُ قِيلَ لِبَيْضِ النَّعَام ثِقْل , لِأَنَّ وَاجِده وَصَائِده يَفْرَح بِهِ إِذَا ظَفِرَ بِهِ . وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق : سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ , لِأَنَّهُمَا مُثْقَلَانِ بِالذُّنُوبِ . وَقَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ | فَجَمَعَ , ثُمَّ قَالَ : | أَيُّهَ الثَّقَلَانِ | لِأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ وَكُلّ فَرِيق جَمْع , وَكَذَا قَوْله تَعَالَى : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ | وَلَمْ يَقُلْ إِنْ اِسْتَطَعْتُمَا , لِأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ فِي حَال الْجَمْع , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ | [ النَّمْل : 45 ] و | هَذَانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ | [ الْحَجّ : 19 ] وَلَوْ قَالَ : سَنَفْرُغُ لَكُمَا , وَقَالَ : إِنْ اِسْتَطَعْتُمَا لَجَازَ . وَقَرَأَ أَهْل الشَّام | أَيُّهُ الثَّقَلَان | بِضَمِّ الْهَاء . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ .</p><p>مَسْأَلَة : هَذِهِ السُّورَة و | الْأَحْقَاف | و | قُلْ أُوحِيَ | دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجِنّ مُخَاطَبُونَ مُكَلَّفُونَ مَأْمُورُونَ مَنْهِيُّونَ مُثَابُونَ مُعَاقَبُونَ كَالْإِنْسِ سَوَاء , مُؤْمِنهمْ كَمُؤْمِنِهِمْ , وَكَافِرهمْ كَكَافِرِهِمْ , لَا فَرْق بَيْننَا وَبَيْنهمْ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ

ذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك قَالَ إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمَرَ اللَّه السَّمَاء الدُّنْيَا فَتَشَقَّقَتْ بِأَهْلِهَا , فَتَكُون الْمَلَائِكَة عَلَى حَافَّاتهَا حَتَّى يَأْمُرهُمْ الرَّبّ , فَيَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْض فَيُحِيطُونَ بِالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا , ثُمَّ يَأْمُر اللَّه السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا كَذَلِكَ فَيَنْزِلُونَ فَيَكُونُونَ صَفًّا مِنْ خَلْف ذَلِكَ الصَّفّ , ثُمَّ السَّمَاء الثَّالِثَة ثُمَّ الرَّابِعَة ثُمَّ الْخَامِسَة ثُمَّ السَّادِسَة ثُمَّ السَّابِعَة , فَيَنْزِل الْمَلَك الْأَعْلَى فِي بِهَائِهِ وَمُلْكه وَمُجَنَّبَته الْيُسْرَى جَهَنَّم , فَيَسْمَعُونَ زَفِيرهَا وَشَهِيقهَا , فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنْ أَقْطَارهَا إِلَّا وَجَدُوا صُفُوفًا مِنْ الْمَلَائِكَة , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَار السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ | وَالسُّلْطَان الْعُذْر . وَقَالَ الضَّحَّاك أَيْضًا : بَيْنَمَا النَّاس فِي أَسْوَاقهمْ اِنْفَتَحَتْ السَّمَاء , وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَة , فَتَهْرَبُ الْجِنّ وَالْإِنْس , فَتُحْدِق بِهِمْ الْمَلَائِكَة , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ | ذَكَرَهُ النَّحَّاس . قُلْت . فَعَلَى هَذَا يَكُون فِي الدُّنْيَا , وَعَلَى مَا ذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك يَكُون فِي الْآخِرَة . وَعَنْ الضَّحَّاك أَيْضًا : إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنْ الْمَوْت فَاهْرُبُوا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض فَاعْلَمُوهُ , وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَى : | لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ | لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي عَلَيْكُمْ . قَتَادَة : لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِمَلَكٍ وَلَيْسَ لَكُمْ مَلَك . وَقِيلَ : لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا إِلَى سُلْطَان , الْبَاء بِمَعْنَى إِلَى , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَقَدْ أَحْسَنَ بِي | [ يُوسُف : 100 ] أَيْ إِلَيَّ . قَالَ الشَّاعِر : <br>أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسَنِي لَا مَلُولَة .......... لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّة إِنْ تَقَلَّتِ <br>وَقَوْله : | فَانْفُذُوا | أَمْر تَعْجِيز .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ

أَيْ لَوْ خَرَجْتُمْ أُرْسِلَ عَلَيْكُمْ شُوَاظ مِنْ نَار , وَأَخَذَكُمْ الْعَذَاب الْمَانِع مِنْ النُّفُوذ . وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِالنُّفُوذِ بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُعَاقِب الْعُصَاة عَذَابًا بِالنَّارِ . وَقِيلَ : أَيْ بِآلَاءِ رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَل عَلَيْكُمَا شُوَاظ مِنْ نَار وَنُحَاس عُقُوبَة عَلَى ذَلِكَ التَّكْذِيب . وَقِيلَ : يُحَاط عَلَى الْخَلَائِق بِالْمَلَائِكَةِ وَبِلِسَانٍ مِنْ نَار ثُمَّ يُنَادَوْنَ | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | , فَتِلْكَ النَّار قَوْله : | يُرْسَل عَلَيْكُمَا شُوَاظ مِنْ نَار | وَالشُّوَاظ فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره اللَّهَب الَّذِي لَا دُخَان لَهُ . وَالنَّحَّاس : الدُّخَان الَّذِي لَا لَهَب فِيهِ , وَمِنْهُ قَوْل أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت يَهْجُو حَسَّان بْن ثَابِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , كَذَا وَقَعَ فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ اِبْن أَبِي الصَّلْت , وَفِي | الصِّحَاح | و | الْوَقْف وَالِابْتِدَاء | لِابْنِ الْبَارِي : أُمَيَّة بْن خَلَف قَالَ : <br>أَلَا مَنْ مُبْلِغ حَسَّان عَنِّي .......... مُغَلْغَلَة تَدُبُّ إِلَى عُكَاظ <br><br>أَلَيْسَ أَبُوك فِينَا كَانَ قَيْنًا .......... لَدَى الْقَيْنَات فَسْلًا فِي الْحِفَاظ <br><br>يَمَانِيًّا يَظَلّ يَشُدّ كِيرًا .......... وَيَنْفُخُ دَائِبًا لَهَب الشُّوَاظ <br>فَأَجَابَهُ حَسَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : <br>هَجَوْتُك فَاخْتَضَعْت لَهَا بِذُلٍّ .......... بِقَافِيَّةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ <br>وَقَالَ رُؤْبَة : <br>إِنَّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنَا أَقْيَاظًا .......... وَنَار حَرْب تُسْعِر الشُّوَاظَا <br>وَقَالَ مُجَاهِد : الشُّوَاظ اللَّهَب الْأَخْضَر الْمُنْقَطِع مِنْ النَّار . الضَّحَّاك : هُوَ الدُّخَان الَّذِي يَخْرُج مِنْ اللَّهَب لَيْسَ بِدُخَانِ الْحَطَب . وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الشُّوَاظ النَّار وَالدُّخَان جَمِيعًا , قَالَهُ عَمْرو وَحَكَاهُ الْأَخْفَش عَنْ بَعْض الْعَرَب . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير | شِوَاظ | بِكَسْرِ الشِّين . الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وَهُمَا لُغَتَانِ , مِثْل صُوَار وَصِوَار لِقَطِيعِ الْبَقَر . | وَنُحَاس | قِرَاءَة الْعَامَّة | وَنُحَاسٌ | بِالرَّفْعِ عَطْف عَلَى | شُوَاظٌ | . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَمُجَاهِد وَأَبُو عَمْرو | وَنُحَاسٍ | بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى النَّار . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : مَنْ قَالَ إِنَّ الشُّوَاظ النَّار وَالدُّخَان جَمِيعًا فَالْجَرّ فِي | النُّحَاس | عَلَى هَذَا بَيِّن . فَأَمَّا الْجَرّ عَلَى قَوْل مَنْ جَعَلَ الشُّوَاظ اللَّهَب الَّذِي لَا دُخَان فِيهِ فَبَعِيد لَا يَسُوغ إِلَّا عَلَى تَقْدِير حَذْف مَوْصُوف كَأَنَّهُ قَالَ : | يُرْسَل عَلَيْكُمَا شُوَاظ مِنْ نَار | وَشَيْء مِنْ نُحَاس , فَشَيْء مَعْطُوف عَلَى شُوَاظ , وَمِنْ نُحَاس جُمْلَة هِيَ صِفَة لِشَيْءٍ , وَحُذِفَ شَيْء , وَحُذِفَتْ مِنْ لِتَقَدُّمِ ذِكْرهَا فِي | مِنْ نَار | كَمَا حُذِفَتْ عَلَى مِنْ قَوْلهمْ : عَلَى مَنْ تَنْزِل أَنْزِل أَيْ عَلَيْهِ . فَيَكُون | نُحَاس | عَلَى هَذَا مَجْرُورًا بِمِنْ الْمَحْذُوفَة . وَعَنْ مُجَاهِد وَحُمَيْد وَعِكْرِمَة وَأَبِي الْعَالِيَة | وَنِحَاس | بِكَسْرِ النُّون لُغَتَانِ كَالشُّوَاظِ وَالشِّوَاظ . وَالنِّحَاس بِالْكَسْرِ أَيْضًا الطَّبِيعَة وَالْأَصْل , يُقَال : فُلَان كَرِيم النِّحَاس وَالنُّحَاس أَيْضًا بِالضَّمِّ أَيْ كَرِيم النِّجَار . وَعَنْ مُسْلِم بْن جُنْدَب | وَنَحْسٌ | بِالرَّفْعِ . وَعَنْ حَنْظَلَة بْن مُرَّة بْن النُّعْمَان الْأَنْصَارِيّ | وَنَحْسٍ | بِالْجَرِّ عَطْف عَلَى نَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون | وَنِحَاس | بِالْكَسْرِ جَمْع نَحْس كَصَعْبٍ وَصِعَاب | وَنَحْس | بِالرَّفْعِ عَطْف عَلَى | شُوَاظ | وَعَنْ الْحَسَن | وَنُحُس | بِالضَّمِّ فِيهِمَا جَمْع نَحْس . وَيَجُوز أَنْ يَكُون أَصْله وَنُحُوس فَقُصِرَ بِحَذْفِ وَاوه حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ عِنْد قَوْله : | وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ | [ النَّحْل : 16 ] . وَعَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة | وَنَحُسُّ | بِفَتْحِ النُّون وَضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد السِّين مِنْ حَسَّ يَحُسّ حَسًّا إِذَا اِسْتَأْصَلَ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ | [ آل عِمْرَان : 152 ] وَالْمَعْنَى وَنُقْتَل بِالْعَذَابِ . وَعَلَى الْقِرَاءَة الْأُولَى | وَنُحَاس | فَهُوَ الصُّفْر الْمُذَاب يُصَبّ عَلَى رُءُوسهمْ , قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَسَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّ النُّحَاس الدُّخَان الَّذِي لَا لَهَب فِيهِ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْخَلِيل , وَهُوَ مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب بِهَذَا الْمَعْنَى , قَالَ نَابِغَة بَنِي جَعْدَة : <br>يُضِيء كَضَوْءِ سِرَاج السَّلِيـ .......... ـطِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّه فِيهِ نُحَاسَا <br>قَالَ الْأَصْمَعِيّ : سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُول السَّلِيط دُهْن السِّمْسِم بِالشَّامِ وَلَا دُخَان فِيهِ . وَقَالَ مُقَاتِل : هِيَ خَمْسَة أَنْهَار مِنْ صُفْر مُذَاب , تَجْرِي مِنْ تَحْت الْعَرْش عَلَى رُءُوس أَهْل النَّار , ثَلَاثَة أَنْهَار عَلَى مِقْدَار اللَّيْل وَنَهَرَانِ عَلَى مِقْدَار النَّهَار . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : النُّحَاس الْمُهْل . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ دُرْدِيّ الزَّيْت الْمَغْلِيّ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هُوَ النَّار الَّتِي لَهَا رِيح شَدِيدَة .|فَلَا تَنْتَصِرَانِ|أَيْ لَا يَنْصُر بَعْضكُمْ بَعْضًا يَعْنِي الْجِنّ وَالْإِنْس .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ

أَيْ اِنْصَدَعَتْ يَوْم الْقِيَامَة|فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ|الدِّهَان الدُّهْن , عَنْ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا . وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صَارَتْ فِي صَفَاء الدُّهْن , وَالدِّهَان عَلَى هَذَا جَمْع دُهْن . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة : الْمَعْنَى فَكَانَتْ حَمْرَاء . وَقِيلَ : الْمَعْنَى تَصِير فِي حُمْرَة الْوَرْد وَجَرَيَان الدُّهْن , أَيْ تَذُوب مَعَ الِانْشِقَاق حَتَّى تَصِير حَمْرَاء مِنْ حَرَارَة نَار جَهَنَّم , وَتَصِير مِثْل الدُّهْن لِرِقَّتِهَا وَذَوَبَانهَا . وَقِيلَ : الدِّهَان الْجِلْد الْأَحْمَر الصِّرْف , ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْد وَالْفَرَّاء . أَيْ تَصِير السَّمَاء حَمْرَاء كَالْأَدِيمِ لِشِدَّةِ حَرّ النَّار . اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى فَكَانَتْ كَالْفَرَسِ الْوَرْد , يُقَال لِلْكُمَيْتِ : وَرْد إِذَا كَانَ يَتَلَوَّن بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْفَرَس الْوَرْد , فِي الرَّبِيع كُمَيْت أَصْفَر , وَفِي أَوَّل الشِّتَاء كُمَيْت أَحْمَر , فَإِذَا اِشْتَدَّ الشِّتَاء كَانَ كُمَيْتًا أَغْبَرَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : أَرَادَ الْفَرَس الْوَرْدِيَّة , تَكُون فِي الرَّبِيع وَرْدَة إِلَى الصُّفْرَة , فَإِذَا اِشْتَدَّ الْبَرْد كَانَتْ وَرْدَة حَمْرَاء , فَإِذَا كَانَ بَعْد ذَلِكَ كَانَتْ وَرْدَة إِلَى الْغَبَرَة , فَشَبَّهَ تَلَوُّن السَّمَاء بِتَلَوُّنِ الْوَرْد مِنْ الْخَيْل . وَقَالَ الْحَسَن : | كَالدِّهَانِ | أَيْ كَصَبِّ الدُّهْن فَإِنَّك إِذَا صَبَبْته تَرَى فِيهِ أَلْوَانًا . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : الْمَعْنَى أَنَّهَا تَصِير كَعَكَرِ الزَّيْت , وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهَا تَمُرّ وَتَجِيء . قَالَ الزَّجَّاج : أَصْل الْوَاو وَالرَّاء وَالدَّال لِلْمَجِيءِ وَالْإِتْيَان . وَهَذَا قَرِيب مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَرَس الْوَرْدَة تَتَغَيَّر أَلْوَانهَا . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهَا الْيَوْم خَضْرَاء وَسَيَكُونُ لَهَا لَوْن أَحْمَر , حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَزَعَمَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّ أَصْل لَوْن السَّمَاء الْحُمْرَة , وَأَنَّهَا لِكَثْرَةِ الْحَوَائِل وَبُعْد الْمَسَافَة تُرَى بِهَذَا اللَّوْن الْأَزْرَق , وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِعُرُوقِ الْبَدَن , وَهِيَ حَمْرَاء كَحُمْرَةِ الدَّم وَتُرَى بِالْحَائِلِ زَرْقَاء , فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَإِنَّ السَّمَاء لِقُرْبِهَا مِنْ النَّوَاظِر يَوْم الْقِيَامَة وَارْتِفَاع الْحَوَاجِز تُرَى حَمْرَاء , لِأَنَّهُ أَصْل لَوْنهَا . وَاَللَّه أَعْلَمُ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ

هَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى : | وَلَا يُسْأَل عَنْ ذُنُوبهمْ الْمُجْرِمُونَ | [ الْقَصَص : 78 ] وَأَنَّ الْقِيَامَة مَوَاطِن لِطُولِ ذَلِكَ الْيَوْم , فَيُسْأَل فِي بَعْض وَلَا يُسْأَل فِي بَعْض , وَهَذَا قَوْل عِكْرِمَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يُسْأَلُونَ إِذَا اِسْتَقَرُّوا فِي النَّار . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : لَا يُسْأَلُونَ عَنْ ذُنُوبهمْ , لِأَنَّ اللَّه حَفِظَهَا عَلَيْهِمْ , وَكَتَبَتْهَا عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة . رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ الْحَسَن وَمُجَاهِد أَيْضًا : الْمَعْنَى لَا تَسْأَل الْمَلَائِكَة عَنْهُمْ , لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ , دَلِيله مَا بَعْده . وَقَالَهُ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى : | فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ | [ الْحِجْر : 92 ] وَقَوْله : | فَيَوْمئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبه إِنْس وَلَا جَانّ | وَقَالَ : لَا يَسْأَلهُمْ لِيَعْرِف ذَلِكَ مِنْهُمْ , لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ , وَلَكِنَّهُ يَسْأَلهُمْ لِمَ عَمِلْتُمُوهَا سُؤَال تَوْبِيخ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : لَا يُسْأَل غَيْر الْمُجْرِم عَنْ ذَنْب الْمُجْرِم . وَقَالَ قَتَادَة : كَانَتْ الْمَسْأَلَة قَبْل , ثُمَّ خُتِمَ عَلَى أَفْوَاه الْقَوْم وَتَكَلَّمَتْ الْجَوَارِح شَاهِدَة عَلَيْهِمْ . وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ قَالَ : | فَيَلْقَى الْعَبْد فَيَقُول أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْك وَأُسَوِّدْك وَأُزَوِّجْك وَأُسَخِّرْ لَك الْخَيْل وَالْإِبِل وَأَذَرْك تَرْأَس وَتَرْبَع فَيَقُول بَلَى فَيَقُول أَفَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيَّ فَيَقُول لَا فَيَقُول إِنِّي أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُول لَهُ مِثْل ذَلِكَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ مِثْل ذَلِكَ فَيَقُول يَا رَبّ آمَنْت بِك وَبِكِتَابِك وَبِرَسُولِك وَصَلَّيْت وَصُمْت وَتَصَدَّقْت وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اِسْتَطَاعَ فَيَقُول هَاهُنَا إِذًا ثُمَّ يُقَال لَهُ الْآن نَبْعَث شَاهِدنَا عَلَيْك فَيَفْتَكِر فِي نَفْسه مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَد عَلَيَّ فَيُخْتَم عَلَى فِيهِ وَيُقَال لِفَخِذِهِ وَلَحْمه وَعِظَامه اِنْطِقِي فَتَنْطِق فَخِذه وَلَحْمه وَعِظَامه بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِر مِنْ نَفْسه وَذَلِكَ الْمُنَافِق وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَط اللَّه عَلَيْهِ | وَقَدْ مَضَى هَذَا الْحَدِيث فِي | حم السَّجْدَة | وَغَيْرهَا .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ

يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ

قَالَ الْحَسَن : سَوَاد الْوَجْه وَزُرْقَة الْأَعْيُن , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَنَحْشُر الْمُجْرِمِينَ يَوْمئِذٍ زُرْقًا | [ طَه : 102 ] وَقَالَ تَعَالَى : | يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه | [ آل عِمْرَان : 106 ] .|فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ|أَيْ تَأْخُذ الْمَلَائِكَة بِنَوَاصِيهِمْ , أَيْ بِشُعُورِ مُقَدَّم رُءُوسهمْ وَأَقْدَامهمْ فَيَقْذِفُونَهُمْ فِي النَّار . وَالنَّوَاصِي جَمْع نَاصِيَة . وَقَالَ الضَّحَّاك : يُجْمَع بَيْن نَاصِيَته وَقَدَمَيْهِ فِي سِلْسِلَة مِنْ وَرَاء ظَهْره . وَعَنْهُ : يُؤْخَذ بِرِجْلَيْ الرَّجُل فَيُجْمَع بَيْنهمَا وَبَيْن نَاصِيَته حَتَّى يَنْدَقّ ظَهْره ثُمَّ يُلْقَى فِي النَّار . وَقِيلَ : يُفْعَل ذَلِكَ بِهِ لِيَكُونَ أَشَدّ لِعَذَابِهِ وَأَكْثَرَ لِتَشْوِيهِهِ . وَقِيلَ : تَسْحَبهُمْ الْمَلَائِكَة إِلَى النَّار , تَارَة تَأْخُذ بِنَاصِيَتِهِ وَتَجُرّهُ عَلَى وَجْهه , وَتَارَة تَأْخُذ بِقَدَمَيْهِ وَتَسْحَبهُ عَلَى رَأْسه .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ

أَيْ يُقَال لَهُمْ هَذِهِ النَّار الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا فَكَذَّبْتُمْ .

يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ

قَالَ قَتَادَة : يَطُوفُونَ مَرَّة بَيْن الْحَمِيم وَمَرَّة بَيْن الْجَحِيم , وَالْجَحِيم النَّار , وَالْحَمِيم الشَّرَاب . وَفِي قَوْله تَعَالَى : | آن | ثَلَاثَة أَوْجُه , أَحَدهَا أَنَّهُ الَّذِي اِنْتَهَى حَرّه وَحَمِيمه . قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ : <br>وَتُخْضَبْ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وَخَانَتْ .......... بِأَحْمَرَ مِنْ نَجِيع الْجَوْف آنِ <br>قَالَ قَتَادَة : | آنٍ | طُبِخَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض , يَقُول : إِذَا اِسْتَغَاثُوا مِنْ النَّار جُعِلَ غِيَاثهمْ ذَلِكَ . وَقَالَ كَعْب : | آن | وَادٍ مِنْ أَوْدِيَة جَهَنَّم يَجْتَمِع فِيهِ صَدِيد أَهْل النَّار فَيُغْمَسُونَ بِأَغْلَالِهِمْ فِيهِ حَتَّى تَنْخَلِع أَوْصَالهمْ , ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَقَدْ أَحْدَثَ اللَّه لَهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا فَيُلْقَوْنَ فِي النَّار , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | يَطُوفُونَ بَيْنهَا وَبَيْن حَمِيم آن | . وَعَنْ كَعْب أَيْضًا : أَنَّهُ الْحَاضِر . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّهُ الَّذِي قَدْ آن شُرْبه وَبَلَغَ غَايَته . وَالنِّعْمَة فِيمَا وُصِفَ مِنْ هَوْل الْقِيَامَة وَعِقَاب الْمُجْرِمِينَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزَّجْر عَنْ الْمَعَاصِي وَالتَّرْغِيب فِي الطَّاعَات . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَى عَلَى شَابّ فِي اللَّيْل يَقْرَأ | فَإِذَا اِنْشَقَّتْ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَة كَالدِّهَانِ | [ الرَّحْمَن : 37 ] فَوَقَفَ الشَّابّ وَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَة وَجَعَلَ يَقُول : وَيْحِي مِنْ يَوْم تَنْشَقّ فِيهِ السَّمَاء وَيْحِي ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | وَيْحَك يَا فَتَى مِثْلهَا فُو الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ بَكَتْ مَلَائِكَة السَّمَاء لِبُكَائِك | .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : </subtitle>الْأُولَى : لَمَّا ذَكَرَ أَحْوَال أَهْل النَّار ذَكَرَ مَا أَعَدَّ لِلْأَبْرَارِ . وَالْمَعْنَى خَافَ مَقَامه بَيْن يَدَيْ رَبّه لِلْحِسَابِ فَتَرَكَ الْمَعْصِيَة . ف | مَقَام | مَصْدَر بِمَعْنَى الْقِيَام . وَقِيلَ : خَافَ قِيَام رَبّه عَلَيْهِ أَيْ إِشْرَافه وَاطِّلَاعه عَلَيْهِ , بَيَانه قَوْله تَعَالَى : | أَفَمَنْ هُوَ قَائِم عَلَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ | [ الرَّعْد : 33 ] . وَقَالَ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : هُوَ الرَّجُل يَهُمّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُر اللَّه فَيَدَعهَا مِنْ خَوْفه .</p><p>الثَّانِيَة : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجِهِ : إِنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَأَنْتِ طَالِق أَنَّهُ لَا يَحْنَث إِنْ كَانَ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ وَتَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّه وَحَيَاء مِنْهُ . وَقَالَ بِهِ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَفْتَى بِهِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ : جَنَّة لِخَوْفِهِ مِنْ رَبّه , وَجَنَّة لِتَرْكِهِ شَهْوَته . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ خَافَ مَقَام رَبّه بَعْد أَدَاء الْفَرَائِض . وَقِيلَ : الْمَقَام الْمَوْضِع , أَيْ خَافَ مَقَامه بَيْن يَدَيْ رَبّه لِلْحِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَقَام لِلْعَبْدِ ثُمَّ يُضَاف إِلَى اللَّه , وَهُوَ كَالْأَجَلِ فِي قَوْله : | فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ | [ الْأَعْرَاف : 34 ] وَقَوْله فِي مَوْضِع آخَر : | إِنَّ أَجَل اللَّه إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّر | [ نُوح : 4 ] .|جَنَّتَانِ|أَيْ لِمَنْ خَافَ جَنَّتَانِ عَلَى حِدَة , فَلِكُلِّ خَائِف جَنَّتَانِ . وَقِيلَ : جَنَّتَانِ لِجَمِيعِ الْخَائِفِينَ , وَالْأَوَّل أَظْهَر . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : | الْجَنَّتَانِ بُسْتَانَانِ فِي عَرْض الْجَنَّة كُلّ بُسْتَان مَسِيرَة مِائَة عَام فِي وَسَط كُلّ بُسْتَان دَار مِنْ نُور وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء إِلَّا يَهْتَزّ نَغْمَة وَخُضْرَة , قَرَارهَا ثَابِت وَشَجَرهَا ثَابِت | ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَنَّتَيْنِ جَنَّته الَّتِي خُلِقَتْ لَهُ وَجَنَّة وَرِثَهَا . وَقِيلَ : إِحْدَى الْجَنَّتَيْنِ مَنْزِله وَالْأُخْرَى مَنْزِل أَزْوَاجه كَمَا يَفْعَلهُ رُؤَسَاء الدُّنْيَا . وَقِيلَ : إِنَّ إِحْدَى الْجَنَّتَيْنِ مَسْكَنه وَالْأُخْرَى بُسْتَانه . وَقِيلَ : إِنَّ إِحْدَى الْجَنَّتَيْنِ أَسَافِل الْقُصُور وَالْأُخْرَى أَعَالِيهَا . وَقَالَ مُقَاتِل : هُمَا جَنَّة عَدْن وَجَنَّة النَّعِيم . وَقَالَ الْفَرَّاء : إِنَّمَا هِيَ جَنَّة وَاحِدَة , فَثَنَّى لِرُءُوسِ الْآي . وَأَنْكَرَ الْقُتَبِيّ هَذَا وَقَالَ : لَا يَجُوز أَنْ يُقَال خَزَنَة النَّار عِشْرُونَ إِنَّمَا قَالَ تِسْعَة عَشَرَ لِمُرَاعَاةِ رُءُوس الْآي . وَأَيْضًا قَالَ : | ذَوَاتَا أَفْنَان | . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : قَالَ الْفَرَّاء قَدْ تَكُون جَنَّة فَتُثَنَّى فِي الشِّعْر , وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَعْظَم الْغَلَط عَلَى كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | جَنَّتَانِ | وَيَصِفهُمَا بِقَوْلِهِ : | فِيهِمَا | فَيَدَع الظَّاهِر وَيَقُول : يَجُوز أَنْ تَكُون جَنَّة وَيَحْتَجّ بِالشِّعْرِ ! وَقِيلَ : إِنَّمَا كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ لِيُضَاعَف لَهُ السُّرُور بِالتَّنَقُّلِ مِنْ جِهَة إِلَى جِهَة . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ خَاصَّة حِين ذَكَرَ ذَات يَوْم الْجَنَّة حِين أُزْلِفَتْ وَالنَّار حِين بُرِّزَتْ , قَالَهُ عَطَاء وَابْن شَوْذَب . وَقَالَ الضَّحَّاك : بَلْ شَرِبَ ذَات يَوْم لَبَنًا عَلَى ظَمَإٍ فَأَعْجَبَهُ , فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ غَيْر حِلّ فَاسْتَقَاءَهُ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُر إِلَيْهِ , فَقَالَ : | رَحِمَك اللَّه لَقَدْ أُنْزِلَتْ فِيك آيَة | وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ

ذَوَاتَا أَفْنَانٍ

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : أَيْ ذَوَاتَا أَلْوَان مِنْ الْفَاكِهَة الْوَاحِد فَنّ . وَقَالَ مُجَاهِد : الْأَفْنَان الْأَغْصَان وَاحِدهَا فَنَن , قَالَ النَّابِغَة : <br>بُكَاء حَمَامَة تَدْعُو هَدِيلًا .......... مُفَجَّعَة عَلَى فَنَن تُغَنِّي <br>وَقَالَ آخَر يَصِف طَائِرَيْنِ : <br>بَاتَا عَلَى غُصْن بَانٍ فِي ذُرَى فَنَن .......... يُرَدِّدَانِ لُحُونًا ذَات أَلْوَان <br>أَرَادَ بِاللُّحُونِ اللُّغَات . وَقَالَ آخَر : <br>مَا هَاجَ شَوْقَك مِنْ هَدِيل حَمَامَة .......... تَدْعُو عَلَى فَنَن الْغُصُون حَمَامَا <br><br>تَدْعُو أَبَا فَرْخَيْنِ صَادَفَ ضَارِيًا .......... ذَا مِخْلَبَيْنِ مِنْ الصُّقُور قَطَامَا <br>وَالْفَنَن جَمْعه أَفْنَان ثُمَّ الْأَفَانِين , وَقَالَ يَصِف رَحًى : <br>لَهَا زِمَام مِنْ أَفَانِين الشَّجَر <br>وَشَجَرَة فَنَّاء أَيْ ذَات أَفْنَان وَفَنْوَاء أَيْضًا عَلَى غَيْر قِيَاس . وَفِي الْحَدِيث : | إِنَّ أَهْل الْجَنَّة مُرْد مُكَحَّلُونَ أُولُو أَفَانِين | يُرِيد أُولُو فَنَن وَهُوَ جَمْع أَفْنَان , وَأَفْنَان جَمْع فَنَن وَهُوَ الْخُصْلَة مِنْ الشَّعْر شُبِّهَ بِالْغُصْنِ . ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ . وَقُلْ : | ذَوَاتَا أَفْنَان | أَيْ ذَوَاتَا سَعَة وَفَضْل عَلَى مَا سِوَاهُمَا , قَالَهُ قَتَادَة . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَعِكْرِمَة : إِنَّ الْأَفْنَان ظِلّ الْأَغْصَان عَلَى الْحِيطَان .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ

أَيْ فِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عَيْن جَارِيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَجْرِيَانِ مَاء بِالزِّيَادَةِ وَالْكَرَامَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَهْل الْجَنَّة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالْحَسَن : تَجْرِيَانِ بِالْمَاءِ الزُّلَال إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ التَّسْنِيم وَالْأُخْرَى السَّلْسَبِيل . وَعَنْهُ أَيْضًا : عَيْنَانِ مِثْل الدُّنْيَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة , حَصْبَاؤُهُمَا الْيَاقُوت الْأَحْمَر وَالزَّبَرْجَد الْأَخْضَر , وَتُرَابهمَا الْكَافُور , وَحَمْأَتهمَا الْمِسْك الْأَذْفَر , وَحَافَّتَاهُمَا الزَّعْفَرَان . وَقَالَ عَطِيَّة : إِحْدَاهُمَا مِنْ مَاء غَيْر آسِن , وَالْأُخْرَى مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ . وَقِيلَ : تَجْرِيَانِ مِنْ جَبَل مِنْ مِسْك . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : فِيهِمَا عَنَيَانِ تَجْرِيَانِ لِمَنْ كَانَتْ عَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا تَجْرِيَانِ مِنْ مَخَافَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ

أَيْ صِنْفَانِ وَكِلَاهُمَا حُلْو يُسْتَلَذّ بِهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا فِي الدُّنْيَا شَجَرَة حُلْوَة وَلَا مُرَّة إِلَّا وَهِيَ فِي الْجَنَّة حَتَّى الْحَنْظَل إِلَّا أَنَّهُ حُلْو . وَقِيلَ : ضَرْبَانِ رَطْب وَيَابِس لَا يَقْصُر هَذَا عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضْل وَالطِّيبِ . وَقِيلَ : أَرَادَ تَفْضِيل هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ عَلَى الْجَنَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ دُونهمَا , فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا هُنَا عَيْنَيْنِ جَارِيَتَيْنِ , وَذَكَرَ ثَمَّ عَيْنَيْنِ تَنْضَحَانِ بِالْمَاءِ وَالنَّضْح دُون الْجَرْي , فَكَأَنَّهُ قَالَ : فِي تَيْنِكَ الْجَنَّتَيْنِ مِنْ كُلّ فَاكِهَة نَوْع , وَفِي هَذِهِ الْجَنَّة مِنْ كُلّ فَاكِهَة نَوْعَانِ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ يُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ

هُوَ نَصْب عَلَى الْحَال . وَالْفُرُش جَمْع فِرَاش . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة | فُرْش | بِإِسْكَانِ الرَّاء|بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ|جَمْع بِطَانَة وَهِيَ الَّتِي تَحْت الظِّهَارَة وَالْإِسْتَبْرَق مَا غَلُظَ مِنْ الدِّيبَاج وَخَشُنَ , أَيْ إِذَا كَانَتْ الْبِطَانَة الَّتِي تَلِي الْأَرْض هَكَذَا فَمَا ظَنّك بِالظِّهَارَةِ , قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة . وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : الْبَطَائِن مِنْ إِسْتَبْرَق فَمَا الظَّوَاهِر ؟ قَالَ : هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّه : | فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن | [ السَّجْدَة : 17 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّمَا وَصَفَ لَكُمْ بَطَائِنهَا لِتَهْتَدِي إِلَيْهِ قُلُوبكُمْ , فَأَمَّا الظَّوَاهِر فَلَا يَعْلَمهَا إِلَّا اللَّه . وَفِي الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : | ظَوَاهِرهَا نُور يَتَلَأْلَأ | . وَعَنْ الْحَسَن : بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق , وَظَوَاهِرهَا مِنْ نُور جَامِد . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : الْبَطَائِن هِيَ الظَّوَاهِر , وَهُوَ قَوْل الْفَرَّاء , وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة . وَالْعَرَب تَقُول لِلظَّهْرِ بَطْنًا , فَيَقُولُونَ : هَذَا ظَهْر السَّمَاء , وَهَذَا بَطْن السَّمَاء , لِظَاهِرِهَا الَّذِي نَرَاهُ . وَأَنْكَرَ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره هَذَا , وَقَالُوا : لَا يَكُون هَذَا إِلَّا فِي الْوَجْهَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ إِذَا وَلِيَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا قَوْمًا , كَالْحَائِطِ بَيْنك وَبَيْن قَوْم , وَعَلَى ذَلِكَ أَمْر السَّمَاء .|وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ|الْجَنَى مَا يُجْتَنَى مِنْ الشَّجَر , يُقَال : أَتَانَا بِجَنَاةٍ طَيِّبَة لِكُلِّ مَا يُجْتَنَى . وَثَمَر جَنِيّ عَلَى فَعِيل حِينَ جُنِيَ , وَقَالَ : <br>هَذَا جَنَايَ وَخِيَاره فِيهْ .......... إِذْ كُلّ جَانٍ يَده إِلَى فِيهْ <br>وَقُرِئَ | جِنَى | بِكَسْرِ الْجِيم . | دَانٍ | قَرِيب . قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَدْنُو الشَّجَرَة حَتَّى يَجْتَنِيَهَا وَلِيّ اللَّه إِنْ شَاءَ قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا وَإِنْ شَاءَ مُضْطَجِعًا , لَا يَرُدّ يَدَهُ بُعْدٌ وَلَا شَوْكٌ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ

قِيلَ : فِي الْجَنَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ . قَالَ الزَّجَّاج : وَإِنَّمَا قَالَ : | فِيهِنَّ | وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمَا , لِأَنَّهُ عَنَى الْجَنَّتَيْنِ وَمَا أُعِدَّ لِصَاحِبِهِمَا مِنْ النَّعِيم . وَقِيلَ : | فِيهِنَّ | يَعُود عَلَى الْفُرُش الَّتِي بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق , أَيْ فِي هَذِهِ الْفُرُش | قَاصِرَات الطَّرْف | أَيْ نِسَاء قَاصِرَات الطَّرْف , قَصَرْنَ أَعْيُنهنَّ عَلَى أَزْوَاجهنَّ فَلَا يَرَيْنَ غَيْرهمْ . وَقَدْ مَضَى فِي | وَالصَّافَّات | وَوُحِّدَ الطَّرْف مَعَ الْإِضَافَة إِلَى الْجَمْع لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَر , مِنْ طَرَفَتْ عَيْنه تَطْرِف طَرْفًا , ثُمَّ سُمِّيَتْ الْعَيْن بِذَلِكَ فَأَدَّى عَنْ الْوَاحِد وَالْجَمْع , كَقَوْلِهِمْ : قَوْم عَدْل وَصَوْم .|لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ|أَيْ لَمْ يُصِبْهُنَّ بِالْجِمَاعِ قَبْل أَزْوَاجهنَّ هَؤُلَاءِ أَحَد , الْفَرَّاء : وَالطَّمْث الِافْتِضَاض وَهُوَ النِّكَاح بِالتَّدْمِيَةِ , طَمَثَهَا يَطْمِثهَا وَيَطْمُثُهَا طَمْثًا إِذَا اِفْتَضَّهَا . وَمِنْهُ قِيلَ : اِمْرَأَة طَامِث أَيْ حَائِض . وَغَيْر الْفَرَّاء يُخَالِفهُ فِي هَذَا وَيَقُول : طَمَثَهَا بِمَعْنَى وَطِئَهَا عَلَى أَيّ الْوُجُوه كَانَ . إِلَّا أَنَّ قَوْل الْفَرَّاء أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ | لَمْ يَطْمُثْهُنَّ | بِضَمِّ الْمِيم , يُقَال : طَمَثَتْ الْمَرْأَة تَطْمُثُ بِالضَّمِّ حَاضَتْ . وَطَمِثَتْ بِالْكَسْرِ لُغَة فَهِيَ طَامِث , وَقَالَ الْفَرَزْدَق : <br>وَقَعْنَ إِلَيَّ لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي .......... وَهُنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْض النَّعَام <br>وَقِيلَ : | لَمْ يَطْمِثهُنَّ | لَمْ يَمْسَسْهُنَّ , قَالَ أَبُو عَمْرو : وَالطَّمْث الْمَسّ وَذَلِكَ فِي كُلّ شَيْء يُمَسّ وَيُقَال لِلْمَرْتَعِ : مَا طَمَثَ ذَلِكَ الْمَرْتَعَ قَبْلنَا أَحَدٌ , وَمَا طَمَثَ هَذِهِ النَّاقَة حَبْل , أَيْ مَا مَسَّهَا عِقَال . وَقَالَ الْمُبَرِّد : أَيْ لَمْ يُذَلِّلهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ , وَالطَّمْث التَّذْلِيل . وَقَرَأَ الْحَسَن | جَأَنّ | بِالْهَمْزَةِ . الثَّالِثَة : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجِنّ تَغْشَى كَالْإِنْسِ , وَتَدْخُل الْجَنَّة وَيَكُون لَهُمْ فِيهَا جِنِّيَّات . قَالَ ضَمْرَة : لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ أَزْوَاج مِنْ الْحُور الْعِين , فَالْإِنْسِيَّات لِلْإِنْسِ , وَالْجِنِّيَّات لِلْجِنِّ . وَقِيلَ : أَيْ لَمْ يَطْمِث مَا وَهَبَ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنّ فِي الْجَنَّة مِنْ الْحُور الْعِين مِنْ الْجِنِّيَّات جِنٌّ , وَلَمْ يَطْمِث مَا وَهَبَ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْس فِي الْجَنَّة مِنْ الْحُور الْعِين مِنْ الْإِنْسِيَّات إِنْسٌ , وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنّ لَا تَطَأ بَنَات آدَم فِي الدُّنْيَا . ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . قُلْت : قَدْ مَضَى فِي | النَّمْل | الْقَوْل فِي هَذَا وَفِي | الْإِسْرَاء | أَيْضًا , وَأَنَّهُ جَائِز أَنْ تَطَأ بَنَات آدَم . وَقَدْ قَالَ مُجَاهِد : إِذَا جَامَعَ الرَّجُل وَلَمْ يُسَمِّ اِنْطَوَى الْجَانّ عَلَى إِحْلِيله فَجَامَعَ مَعَهُ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ | وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ الْحُور الْعِين بِأَنَّهُ لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ . يُعْلِمك أَنَّ نِسَاء الْآدَمِيَّات قَدْ يَطْمِثهُنَّ الْجَانّ , وَأَنَّ الْحُور الْعِين قَدْ بَرِئْنَ مِنْ هَذَا الْعَيْب وَنُزِّهْنَ , وَالطَّمْث الْجِمَاع . ذَكَرَهُ بِكَمَالِهِ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم , وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ أَيْضًا وَالثَّعْلَبِيّ وَغَيْرهمَا وَاَللَّه أَعْلَمُ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ

كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ

رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | إِنَّ الْمَرْأَة مِنْ نِسَاء أَهْل الْجَنَّة لَيُرَى بَيَاض سَاقَيْهَا مِنْ وَرَاء سَبْعِينَ حُلَّة حَتَّى يُرَى مُخّهَا | وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : | كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان | فَأَمَّا الْيَاقُوت فَإِنَّهُ حَجَر لَوْ أَدْخَلْت فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اِسْتَصْفَيْتَهُ لَأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُرْوَى مَوْقُوفًا . وَقَالَ عَمْرو بْن مَيْمُون : إِنَّ الْمَرْأَة مِنْ الْحُور الْعِين لَتَلْبَس سَبْعِينَ حُلَّة فَيُرَى مُخّ سَاقهَا مِنْ وَرَاء ذَلِكَ , كَمَا يُرَى الشَّرَاب الْأَحْمَر فِي الزُّجَاجَة الْبَيْضَاء . وَقَالَ الْحَسَن : هُنَّ فِي صَفَاء الْيَاقُوت , وَبَيَاض الْمَرْجَان .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ

| هَلْ | فِي الْكَلَام عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه : تَكُون بِمَعْنَى قَدْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | هَلْ أَتَى عَلَى الْإِحْسَان حِين مِنْ الدَّهْر | [ الْإِنْسَان : 1 ] , وَبِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا | [ الْأَعْرَاف : 44 ] , وَبِمَعْنَى الْأَمْر كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ | [ الْمَائِدَة : 91 ] , وَبِمَعْنَى مَا فِي الْجَحْد كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَهَلْ عَلَى الرُّسُل إِلَّا الْبَلَاغ | [ النَّحْل : 35 ] , و | هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان | . قَالَ عِكْرِمَة : أَيْ هَلْ جَزَاء مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِلَّا الْجَنَّة . اِبْن عَبَّاس : مَا جَزَاء مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَعَمِلَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْجَنَّة . وَقِيلَ : هَلْ جَزَاء مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يُحْسَن إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة , قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَرَوَى أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ | هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان | ثُمَّ قَالَ : | هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ | قَالُوا اللَّه وَرَسُول أَعْلَمُ , قَالَ : | يَقُول مَا جَزَاء مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّة | . وَرَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : | يَقُول اللَّه هَلْ جَزَاء مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ بِمَعْرِفَتِي وَتَوْحِيدِي إِلَّا أَنْ أُسْكِنهُ جَنَّتِي وَحَظِيرَة قُدْسِي بِرَحْمَتِي | وَقَالَ الصَّادِق : هَلْ جَزَاء مَنْ أَحْسَنْت عَلَيْهِ فِي الْأَزَل إِلَّا حِفْظ الْإِحْسَان عَلَيْهِ فِي الْأَبَد . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَنِيفَة وَالْحَسَن : هِيَ مُسْجَلَة لِلْبَرِّ وَالْفَاجِر , أَيْ مُرْسَلَة عَلَى الْفَاجِر فِي الدُّنْيَا وَالْبَرّ فِي الْآخِرَة .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ

أَيْ وَلَهُ مِنْ دُون الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ جَنَّتَانِ أُخْرَيَانِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَمِنْ دُونهمَا فِي الدَّرَج . اِبْن زَيْد : وَمِنْ دُونهمَا فِي الْفَضْل . اِبْن عَبَّاس : وَالْجَنَّات لِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه , فَيَكُون فِي الْأُولَيَيْنِ النَّخْل وَالشَّجَر , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الزَّرْع وَالنَّبَات وَمَا اِنْبَسَطَ . الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون | وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ | لِأَتْبَاعِهِ لِقُصُورِ مَنْزِلَتهمْ عَنْ مَنْزِلَته , إِحْدَاهُمَا لِلْحُورِ الْعِين , وَالْأُخْرَى لِلْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ , لِيَتَمَيَّز بِهِمَا الذُّكُور عَنْ الْإِنَاث . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : هِيَ أَرْبَع : جَنَّتَانِ مِنْهَا لِلسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ | فِيهِمَا مِنْ كُلّ فَاكِهَة زَوْجَانِ | [ الرَّحْمَن : 52 ] و | عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ | [ الرَّحْمَن : 50 ] , وَجَنَّتَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِين | فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان | [ الرَّحْمَن : 68 ] و | فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ | [ الرَّحْمَن : 66 ] . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَهَب لِلْمُقَرَّبِينَ , وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ وَرِق لِأَصْحَابِ الْيَمِين . قُلْت : إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَلِيمِيّ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَسَن بْن الْحُسَيْن فِي كِتَاب | مِنْهَاج الدِّين لَهُ | , وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس | وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ | [ الرَّحْمَن : 46 ] إِلَى قَوْله : | مُدْهَامَّتَانِ | قَالَ : تَانِكَ لِلْمُقَرَّبِينَ , وَهَاتَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِين . وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ نَحْوه . وَلَمَّا وَصَفَ اللَّه الْجَنَّتَيْنِ أَشَارَ إِلَى الْفَرْق بَيْنهمَا فَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : | فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ | [ الرَّحْمَن : 50 ] وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ : | فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ | [ الرَّحْمَن : 66 ] أَيْ فَوَّارَتَانِ وَلَكِنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْجَارِيَتَيْنِ لِأَنَّ النَّضْخ دُون الْجَرْي . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : | فِيهِمَا مِنْ كُلّ فَاكِهَة زَوْجَانِ | [ الرَّحْمَن : 52 ] فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ . وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ : | فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان | [ الرَّحْمَن : 68 ] وَلَمْ يَقُلْ مِنْ كُلّ فَاكِهَة , وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : | مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق | [ الرَّحْمَن : 54 ] وَهُوَ الدِّيبَاج , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ | مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَف خُضْر وَعَبْقَرِيّ حِسَان | [ الرَّحْمَن : 76 ] وَالْعَبْقَرِيّ الْوَشْي , وَلَا شَكَّ أَنَّ الدِّيبَاج أَعْلَى مِنْ الْوَشْي , وَالرَّفْرَف كِسَر الْخِبَاء , وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفُرُش الْمُعَدَّة لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا أَفْضَل مِنْ فَضْل الْخِبَاء . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي صِفَة الْحُور : | كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان | [ الرَّحْمَن : 58 ] , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ | فِيهِنَّ خَيْرَات حِسَان | [ الرَّحْمَن : 70 ] وَلَيْسَ كُلّ حُسْن كَحُسْنِ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : | ذَوَاتَا أَفْنَان | [ الرَّحْمَن : 48 ] وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

مُدْهَامَّتَانِ

أَيْ خَضْرَاوَانِ كَأَنَّهُمَا مِنْ شِدَّة خُضْرَتهمَا سَوْدَاوَانِ , وَوَصَفَ الْأُولَيَيْنِ بِكَثْرَةِ الْأَغْصَان , وَالْأُخْرَيَيْنِ بِالْخُضْرَةِ وَحْدهَا , وَفِي هَذَا كُلّه تَحْقِيق لِلْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْنَا بِقَوْلِهِ | وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ | وَلَعَلَّ مَا لَمْ يُذْكَر مِنْ تَفَاوُت مَا بَيْنهمَا أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف لَمْ يَذْكُر أَهْل هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ أَهْل الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ؟ قُلْ : الْجِنَان الْأَرْبَع لِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه إِلَّا أَنَّ الْخَائِفِينَ لَهُمْ مَرَاتِب , فَالْجَنَّتَانِ الْأُولَيَانِ لِأَعْلَى الْعِبَاد رُتْبَة فِي الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَالْجَنَّتَانِ الْأُخْرَيَانِ لِمَنْ قَصَرَتْ حَاله فِي الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَمَذْهَب الضَّحَّاك أَنَّ الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ يَاقُوت وَزُمُرُّد وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْأُولَيَيْنِ , وَقَوْله : | وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ | أَيْ و مِنْ أَمَامهمَا وَمِنْ قَبْلهمَا . وَإِلَى هَذَا الْقَوْل ذَهَبَ أَبُو عَبْد اللَّه التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي | نَوَادِر الْأُصُول | فَقَالَ : وَمَعْنَى | وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ | أَيْ دُون هَذَا إِلَى الْعَرْش , أَيْ أَقْرَب وَأَدْنَى إِلَى الْعَرْش , وَأَخَذَ يُفَضِّلهُمَا عَلَى الْأُولَيَيْنِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ . وَقَالَ مُقَاتِل : الْجَنَّتَانِ الْأُولَيَانِ جَنَّة عَدْن وَجَنَّة النَّعِيم , وَالْأُخْرَيَانِ جَنَّة الْفِرْدَوْس وَجَنَّة الْمَأْوَى . قَوْله تَعَالَى : | مُدْهَامَّتَانِ | أَيْ خَضْرَاوَانِ مِنْ الرِّيّ , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَالَ مُجَاهِد : مُسْوَدَّتَانِ . وَالدُّهْمَة فِي اللُّغَة السَّوَاد , يُقَال : فَرَس أَدْهَم وَبَعِير أَدْهَم وَنَاقَة دَهْمَاء أَيْ اِشْتَدَّتْ زُرْقَته حَتَّى الْبَيَاض الَّذِي فِيهِ , فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى اِشْتَدَّ السَّوَاد فَهُوَ جَوْن . وَادْهَمَّ الْفَرَس اِدْهِمَامًا أَيْ صَارَ أَدْهَمَ . وَادْهَامَّ الشَّيْء اِدْهِيمَامًا أَيْ اِسْوَادَّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | مُدْهَامَّتَانِ | أَيْ سَوْدَاوَانِ مِنْ شِدَّة الْخُضْرَة مِنْ الرَّيّ , وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ أَخْضَر أَسْوَد . وَقَالَ لَبِيد يَرْثِي قَتْلَى هَوَازِن : <br>وَجَاءُوا بِهِ فِي هَوْدَج وَوَرَاءَهُ .......... كَتَائِب خُضْر فِي نَسِيج السَّنَوَّرِ <br>السَّنَوَّرُ لَبُوس مِنْ قِدٍّ كَالدِّرْعِ . وَسُمِّيَتْ قُرَى الْعِرَاق سَوَادًا لِكَثْرَةِ خُضْرَتهَا . وَيُقَال لِلَّيْلِ الْمُظْلِم : أَخْضَر وَيُقَال : أَبَادَ اللَّه خَضْرَاءَهُمْ أَيْ سَوَادهمْ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ

أَيْ فَوَّارَتَانِ بِالْمَاءِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَالنَّضْخ بِالْخَاءِ أَكْثَر مِنْ النَّضْح بِالْحَاءِ . وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى نَضَّاخَتَانِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَة , وَقَالَهُ الْحَسَن وَمُجَاهِد . اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس أَيْضًا وَأَنَس : تَنْضَخ عَلَى أَوْلِيَاء اللَّه بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَر وَالْكَافُور فِي دُور أَهْل الْجَنَّة كَمَا يَنْضَخ رَشّ الْمَطَر . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِه وَالْمَاء . التِّرْمِذِيّ : قَالُوا بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِه وَالنِّعَم وَالْجَوَارِي الْمُزَيَّنَات وَالدَّوَابّ الْمُسْرَجَات وَالثِّيَاب الْمُلَوَّنَات . قَالَ التِّرْمِذِيّ : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّضْخ أَكْثَر مِنْ الْجَرْي . وَقِيلَ : تَنْبُعَانِ ثُمَّ تَجْرِيَانِ .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ

قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَيْسَ الرُّمَّان وَالنَّخْل مِنْ الْفَاكِهَة , لِأَنَّ الشَّيْء لَا يُعْطَف عَلَى نَفْسه إِنَّمَا يُعْطَف عَلَى غَيْره وَهَذَا ظَاهِر الْكَلَام . وَقَالَ الْجُمْهُور : هُمَا مِنْ الْفَاكِهَة وَإِنَّمَا أَعَادَ ذِكْر النَّخْل وَالرُّمَّان لِفَضْلِهِمَا وَحُسْن مَوْقِعهمَا عَلَى الْفَاكِهَة , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى | [ الْبَقَرَة : 238 ] وَقَوْله : | مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وَمِيكَال | [ الْبَقَرَة : 98 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا كَرَّرَهَا لِأَنَّ النَّخْل وَالرُّمَّان كَانَا عِنْدهمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت بِمَنْزِلَةِ الْبُرّ عِنْدنَا , لِأَنَّ النَّخْل عَامَّة قُوتِهِمْ , وَالرُّمَّان كَالثَّمَرَاتِ , فَكَانَ يَكْثُر غَرْسهمَا عِنْدهمْ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمَا , وَكَانَتْ الْفَوَاكِه عِنْدهمْ مِنْ أَلْوَان الثِّمَار الَّتِي يُعْجَبُونَ بِهَا , فَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفَاكِهَة ثُمَّ ذَكَرَ النَّخْل وَالرُّمَّان لِعُمُومِهِمَا وَكَثْرَتهمَا عِنْدهمْ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة إِلَى مَا وَالَاهَا مِنْ أَرْض الْيَمَن , فَأَخْرَجَهُمَا فِي الذِّكْر مِنْ الْفَوَاكِه وَأَفْرَدَ الْفَوَاكِه عَلَى حِدَتهَا . وَقِيلَ : أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ النَّخْل ثَمَره فَاكِهَة وَطَعَام , وَالرُّمَّان فَاكِهَة وَدَوَاء , فَلَمْ يَخْلُصَا لِلتَّفَكُّهِ , وَمِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه , وَهِيَ الْمَسْأَلَة</p><p>إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَأَكَلَ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا لَمْ يَحْنَث . وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَالنَّاس . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الرُّمَّانَة فِي الْجَنَّة مِثْل الْبَعِير الْمُقَتَّب . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان عَنْ حَمَّاد عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَخْل الْجَنَّة جُذُوعهَا زُمُرُّد أَخْضَر , وَكَرَانِيفهَا ذَهَب أَحْمَر , وَسَعَفهَا كِسْوَة لِأَهْلِ الْجَنَّة , مِنْهَا مُقَطَّعَاتهمْ وَحُلَلهمْ , وَثَمَرهَا أَمْثَال الْقِلَال وَالدِّلَاء , أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن , وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل , وَأَلْيَن مِنْ الزُّبْد , لَيْسَ فِيهِ عَجَمٌ . قَالَ : وَحَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : نَخْل الْجَنَّة نَضِيد مِنْ أَصْلهَا إِلَى فَرْعهَا , وَثَمَرهَا أَمْثَال الْقِلَال كُلَّمَا نُزِعَتْ ثَمَرَة عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى , وَإِنَّ مَاءَهَا لَيَجْرِيَ فِي غَيْر أُخْدُود , وَالْعُنْقُود اِثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : </subtitle>الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : | فِيهِنَّ خَيْرَات حِسَان | يَعْنِي النِّسَاء الْوَاحِدَة خَيْرَة عَلَى مَعْنَى ذَوَات خَيْر . وَقِيلَ : | خَيِّرَات | بِمَعْنَى خَيْرَات فَخُفِّفَ , كَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ . اِبْن الْمُبَارَك : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة عَنْ سَعِيد بْن عَامِر قَالَ : لَوْ أَنَّ خَيْرَة مِنْ | خَيْرَات حِسَان | اِطَّلَعَتْ مِنْ السَّمَاء لَأَضَاءَتْ لَهَا , وَلَقَهَرَ ضَوْء وَجْههَا الشَّمْس وَالْقَمَر , وَلَنَصِيفٌ تُكْسَاهُ خَيْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . | حِسَان | أَيْ حِسَان الْخَلْق , وَإِذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : | حِسَان | فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِر أَنْ يَصِف حُسْنهنَّ ! وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة : | خَيْرَات | الْأَخْلَاق | حِسَان | الْوُجُوه . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة . وَقَالَ أَبُو صَالِح : لِأَنَّهُنَّ عَذَارَى أَبْكَار .</p><p>وَقَرَأَ قَتَادَة وَابْن السَّمَيْقَع وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ وَبَكْر بْن حَبِيب السَّهْمِيّ | خَيِّرَات | بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْأَصْل . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ خَيْرَات جَمْع خَيْر وَالْمَعْنَى ذَوَات خَيْر . وَقِيلَ : مُخْتَارَات . قَالَ التِّرْمِذِيّ : فَالْخَيْرَات مَا اِخْتَارَهُنَّ اللَّه فَأَبْدَعَ خَلْقهنَّ بِاخْتِيَارِهِ , فَاخْتِيَار اللَّه لَا يُشْبِه اِخْتِيَار الْآدَمِيِّينَ . ثُمَّ قَالَ : | حِسَان | فَوَصَفَهُنَّ بِالْحُسْنِ فَإِذَا وَصَفَ خَالِق الْحُسْن شَيْئًا بِالْحُسْنِ فَانْظُرْ مَا هُنَاكَ . وَفِي الْأُولَيَيْنِ ذَكَرَ بِأَنَّهُنَّ | قَاصِرَات الطَّرْف | [ الرَّحْمَن : 56 ] و | كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان | [ الرَّحْمَن : 58 ] فَانْظُرْ كَمْ بَيْن الْخَيْرَة وَهِيَ مُخْتَارَة اللَّه , وَبَيْن قَاصِرَات الطَّرْف . وَفِي الْحَدِيث : | إِنَّ الْحُور الْعِين يَأْخُذ بَعْضهنَّ بِأَيْدِي بَعْض وَيَتَغَنَّيْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ تَسْمَع الْخَلَائِق بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَلَا بِمِثْلِهَا نَحْنُ الرَّاضِيَات فَلَا نَسْخَط أَبَدًا وَنَحْنُ الْمُقِيمَات فَلَا نَظْعَن أَبَدًا وَنَحْنُ الْخَالِدَات فَلَا نَمُوت أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَات فَلَا نَبْؤُس أَبَدًا وَنَحْنُ خَيْرَات حِسَان حَبِيبَات لِأَزْوَاجٍ كِرَام | . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث . عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : إِنَّ الْحُور الْعِين إِذَا قُلْنَ هَذِهِ الْمَقَالَة أَجَابَهُنَّ الْمُؤْمِنَات مِنْ نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا : نَحْنُ الْمُصَلِّيَات وَمَا صَلَّيْتُنَّ , وَنَحْنُ الصَّائِمَات وَمَا صُمْتُنَّ , وَنَحْنُ الْمُتَوَضِّئَات وَمَا تَوَضَّأْتُنَّ , وَنَحْنُ الْمُتَصَدِّقَات وَمَا تَصَدَّقْتُنَّ . فَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه , عَنْهَا : فَغَلَبْنَهُنَّ وَاَللَّه .</p><p>الثَّانِيَة : وَاخْتُلِفَ أَيّهمَا أَكْثَرُ حُسْنًا وَأَبْهَرُ جَمَالًا الْحُور أَوْ الْآدَمِيَّات ؟ فَقِيلَ : الْحُور لِمَا ذُكِرَ مِنْ وَصْفهنَّ فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة , وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي دُعَائِهِ عَلَى الْمَيِّت فِي الْجِنَازَة : | وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجه | . وَقِيلَ : الْآدَمِيَّات أَفْضَلُ مِنْ الْحُور الْعِين بِسَبْعِينَ أَلْف ضِعْف , وَرُوِيَ مَرْفُوعًا . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : وَأَخْبَرَنَا رِشْدِين عَنْ ابْن أَنْعُم عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَة , قَالَ : إِنَّ نِسَاء الدُّنْيَا مَنْ دَخَلَ مِنْهُنَّ الْجَنَّة فُضِّلْنَ عَلَى الْحُور الْعِين بِمَا عَمِلْنَ فِي الدُّنْيَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْحُور الْعِين الْمَذْكُورَات فِي الْقُرْآن هُنَّ الْمُؤْمِنَات مِنْ أَزْوَاج النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ يُخْلَقْنَ فِي الْآخِرَة عَلَى أَحْسَنِ صُورَة , قَالَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ . وَالْمَشْهُور أَنَّ الْحُور الْعِين لَسْنَ مِنْ نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هُنَّ مَخْلُوقَات فِي الْجَنَّة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : | لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ | وَأَكْثَرُ نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا مَطْمُوثَات , وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | إِنَّ أَقَلّ سَاكِنِي الْجَنَّة النِّسَاء | فَلَا يُصِيب كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ اِمْرَأَة , وَوَعَدَ الْحُور الْعِين لِجَمَاعَتِهِمْ , فَثَبَتَ أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْر نِسَاء الدُّنْيَا .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ

| حُور | جَمْع حَوْرَاء , وَهِيَ الشَّدِيدَة بَيَاض الْعَيْن الشَّدِيدَة سَوَادهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ . | مَقْصُورَات | مَحْبُوسَات مَسْتُورَات | فِي الْخِيَام | فِي الْحِجَال لَسْنَ بِالطَّوَّافَاتِ فِي الطُّرُق , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْخَيْمَة دُرَّة مُجَوَّفَة . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ : هِيَ فَرْسَخ فِي فَرْسَخ لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مِصْرَاع مِنْ ذَهَب . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى | حُور مَقْصُورَات فِي الْخِيَام | : بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَة أَنَّ سَحَابَة أَمْطَرَتْ مِنْ الْعَرْش فَخُلِقَتْ الْحُور مِنْ قَطَرَات الرَّحْمَة , ثُمَّ ضُرِبَ عَلَى كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ خَيْمَة عَلَى شَاطِئ الْأَنْهَار سَعَتهَا أَرْبَعُونَ مِيلًا وَلَيْسَ لَهَا بَاب , حَتَّى إِذَا دَخَلَ وَلِيّ اللَّه الْجَنَّة اِنْصَدَعَتْ الْخَيْمَة عَنْ بَاب لِيَعْلَم وَلِيّ اللَّه أَنَّ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَدَم لَمْ تَأْخُذهَا , فَهِيَ مَقْصُورَة قَدْ قُصِرَ بِهَا عَنْ أَبْصَار الْمَخْلُوقِينَ . وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ : | فِيهِنَّ قَاصِرَات الطَّرْف | [ الرَّحْمَن : 56 ] قَصَرْنَ طَرْفهنَّ عَلَى الْأَزْوَاج وَلَمْ يَذْكُر أَنَّهُنَّ مَقْصُورَات , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُورَات أَعْلَى وَأَفْضَلُ . وَقَالَ مُجَاهِد : | مَقْصُورَات | قَدْ قُصِرْنَ عَلَى أَزْوَاجهنَّ فَلَا يُرِدْنَ بَدَلًا مِنْهُمْ . وَفِي الصِّحَاح : وَقَصَرْت الشَّيْء أَقْصُرهُ قَصْرًا حَبَسْته , وَمِنْهُ مَقْصُورَة الْجَامِع , وَقَصَرْت الشَّيْء عَلَى كَذَا إِذَا لَمْ تُجَاوِز إِلَى غَيْره , وَامْرَأَة قَصِيرَة وَقَصُورَة أَيْ مَقْصُورَة فِي الْبَيْت لَا تُتْرَك أَنْ تَخْرُج , قَالَ كُثَيِّر : <br>وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ كُلّ قَصِيرَة .......... إِلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ الْقَصَائِرُ <br><br>عَنَيْت قَصِيرَات الْحِجَال وَلَمْ أُرِدْ .......... قِصَار الْخُطَا شَرُّ النِّسَاء الْبَحَاتِرُ <br>وَأَنْشَدَهُ الْفَرَّاء قَصُورَة , ذَكَرَهُ اِبْن السِّكِّيت . وَرَوَى أَنَس قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَرَرْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي فِي الْجَنَّة بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ قِبَاب الْمَرْجَان فَنُودِيتُ مِنْهُ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه فَقُلْت : يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ : هَؤُلَاءِ جَوَار مِنْ الْحُور الْعِين اِسْتَأْذَنَ رَبّهنَّ فِي أَنْ يُسَلِّمْنَ عَلَيْك فَأَذِنَ لَهُنَّ فَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَات فَلَا نَمُوت أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَات فَلَا نَبْؤُس أَبَدًا وَنَحْنُ الرَّاضِيَات فَلَا نَسْخَط أَبَدًا أَزْوَاج رِجَال كِرَام | ثُمَّ قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | حُور مَقْصُورَات فِي الْخِيَام | أَيْ مَحْبُوسَات حَبْس صِيَانَة وَتَكْرِمَة . وَرُوِيَ عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد الْأَشْهَلِيَّة أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ! إِنَّا مَعْشَر النِّسَاء مَحْصُورَات مَقْصُورَات , قَوَاعِد بُيُوتكُمْ وَحَوَامِل أَوْلَادكُمْ , فَهَلْ نُشَارِككُمْ فِي الْأَجْر ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | نَعَمْ إِذَا أَحْسَنْتُنَّ تَبَعُّلَ أَزْوَاجكُنَّ وَطَلَبْتُنَّ مَرْضَاتهمْ | .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ

أَيْ لَمْ يَمْسَسْهُنَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْل . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | يَطْمِثهُنَّ | بِكَسْرِ الْمِيم . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَالْأَعْرَج وَالشِّيرَازِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ بِضَمِّ الْمِيم فِي الْحَرْفَيْنِ . وَكَانَ الْكِسَائِيّ يَكْسِر إِحْدَاهُمَا وَيَضُمّ الْأُخْرَى وَيُخَيِّر فِي ذَلِكَ , فَإِذَا رَفَعَ الْأُولَى كَسَرَ الثَّانِيَة وَإِذَا كَسَرَ الْأُولَى رَفَعَ الثَّانِيَة . وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : كُنْت أُصَلِّي خَلْف أَصْحَاب عَلِيّ فَيَرْفَعُونَ الْمِيم , وَكُنْت أُصَلِّي خَلْف أَصْحَاب عَبْد اللَّه فَيَكْسِرُونَهَا , فَاسْتَعْمَلَ الْكِسَائِيّ الْأَثَرَيْنِ . وَهُمَا لُغَتَانِ طَمُثَ وَطَمِثَ مِثْل يَعْرُشُونَ وَيَعْكِفُونَ , فَمَنْ ضَمَّ فَلِلْجَمْعِ بَيْن اللُّغَتَيْنِ , وَمَنْ كَسَرَ فَلِأَنَّهَا اللُّغَة السَّائِرَة . وَإِنَّمَا أَعَادَ قَوْله : | لَمْ يَطْمِثهُنَّ | , لِيُبَيِّن أَنَّ صِفَة الْحُور الْمَقْصُورَات فِي الْخِيَام كَصِفَةِ الْحُور الْقَاصِرَات الطَّرْف . يَقُول : إِذَا قُصِرْنَ كَانَتْ لَهُنَّ الْخِيَام فِي تِلْكَ الْحَال .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ

الرَّفْرَف الْمَحَابِس . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الرَّفْرَف فُضُول الْفُرُش وَالْبُسُط . وَعَنْهُ أَيْضًا : الرَّفْرَف الْمَحَابِس يَتَّكِئُونَ عَلَى فُضُولهَا , وَقَالَهُ قَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن وَالْقُرَظِيّ : هِيَ الْبُسُط . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : هِيَ الزَّرَابِيّ . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : هِيَ الْمِرْفَق , وَقَالَهُ الْحَسَن أَيْضًا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : هِيَ حَاشِيَة الثَّوْب . وَقَالَ اللَّيْث : ضَرْب مِنْ الثِّيَاب الْخُضْر تُبْسَط . وَقِيلَ : الْفُرُش الْمُرْتَفِعَة . وَقِيلَ : كُلّ ثَوْب عَرِيض عِنْد الْعَرَب فَهُوَ رَفْرَف . قَالَ اِبْن مُقْبِل : <br>وَإِنَّا لَنَزَّالُونَ تَغْشَى نِعَالُنَا .......... سَوَاقِط مِنْ أَصْنَاف رَيْط وَرَفْرَف <br>وَهَذِهِ أَقْوَال مُتَقَارِبَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالرَّفْرَف ثِيَاب خُضْر تُتَّخَذُ مِنْهَا الْمَحَابِس , الْوَاحِدَة رَفْرَفَة . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : الرَّفْرَف رِيَاض الْجَنَّة , وَاشْتِقَاق الرَّفْرَف مِنْ رَفَّ يَرِفّ إِذَا اِرْتَفَعَ , وَمِنْهُ رَفْرَفَة الطَّائِر لِتَحْرِيكِهِ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاء . وَرُبَّمَا سَمَّوْا الظَّلِيم رَفْرَافًا بِذَلِكَ , لِأَنَّهُ يُرَفْرِف بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ يَعْدُو . وَرَفْرَف الطَّائِر أَيْضًا إِذَا حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ حَوْل الشَّيْء يُرِيد أَنْ يَقَع عَلَيْهِ . وَالرَّفْرَف أَيْضًا كِسْر الْخِبَاء وَجَوَانِب الدِّرْع وَمَا تَدَلَّى مِنْهَا , الْوَاحِد رَفْرَفَة . وَفِي الْخَبَر فِي وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَرَفَعَ الرَّفْرَف فَرَأَيْنَا وَجْهه كَأَنَّهُ وَرَقَة تُخَشْخِش أَيْ رَفَعَ طَرْف الْفُسْطَاط . وَقِيلَ : أَصْل الرَّفْرَف مِنْ رَفَّ النَّبْت يَرِفّ إِذَا صَارَ غَضَبًا نَضِيرًا , حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : يُقَال لِلشَّيْءِ إِذَا كَثُرَ مَاؤُهُ مِنْ النِّعْمَة وَالْغَضَاضَة حَتَّى كَادَ يَهْتَزّ : رَفَّ يَرِفّ رَفِيفًا , حَكَاهُ الْهَرَوِيّ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الرَّفْرَف شَيْء إِذَا اِسْتَوَى عَلَيْهِ صَاحِبه رَفْرَف بِهِ وَأَهْوَى بِهِ كَالْمِرْجَاحِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَرَفْعًا وَخَفْضًا يَتَلَذَّذ بِهِ مَعَ أَنِيسَته , قَالَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي | نَوَادِر الْأُصُول | وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي | التَّذْكِرَة | . قَالَ التِّرْمِذِيّ : فَالرَّفْرَف أَعْظَم خَطَرًا مِنْ الْفُرُش فَذَكَرَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ | مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق | [ الرَّحْمَن : 54 ] وَقَالَ هُنَا : | مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَف خُضْر | فَالرَّفْرَف هُوَ شَيْء إِذَا اِسْتَوَى عَلَيْهِ الْوَلِيّ رَفْرَف بِهِ , أَيْ طَارَ بِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا حَيْثُ مَا يُرِيد كَالْمِرْجَاحِ , وَأَصْله مِنْ رَفْرَف بَيْن يَدَيْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , رُوِيَ لَنَا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى جَاءَهُ الرَّفْرَف فَتَنَاوَلَهُ مِنْ جِبْرِيل وَطَارَ بِهِ إِلَى مَسْنَد الْعَرْش , فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ : | طَارَ بِي يَخْفِضنِي وَيَرْفَعنِي حَتَّى وَقَفَ بِي بَيْن يَدَيْ رَبِّي | ثُمَّ لَمَّا حَانَ الِانْصِرَاف تَنَاوَلَهُ فَطَارَ بِهِ خَفْضًا وَرَفْعًا يَهْوِي بِهِ حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى جِبْرِيل صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَجِبْرِيل يَبْكِي وَيَرْفَع صَوْته بِالتَّحْمِيدِ , فَالرَّفْرَف خَادِم مِنْ الْخَدَم بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى لَهُ خَوَاصّ الْأُمُور فِي مَحَلّ الدُّنُوّ وَالْقُرْب , كَمَا أَنَّ الْبُرَاق دَابَّة يَرْكَبهَا الْأَنْبِيَاء مَخْصُوصَة بِذَلِكَ فِي أَرْضه , فَهَذَا الرَّفْرَف الَّذِي سَخَّرَهُ اللَّه لِأَهْلِ الْجَنَّتَيْنِ الدَّانِيَتَيْنِ هُوَ مُتَّكَؤُهُمَا وَفُرُشهمَا , يُرَفْرِف بِالْوَلِيِّ عَلَى حَافَّات تِلْكَ الْأَنْهَار وَشُطُوطهَا حَيْثُ شَاءَ إِلَى خِيَام أَزْوَاجه الْخَيْرَات الْحِسَان . ثُمَّ قَالَ : | وَعَبْقَرِيّ حِسَان | فَالْعَبْقَرِيّ ثِيَاب مَنْقُوشَة تُبْسَط , فَإِذَا قَالَ خَالِق النُّقُوش إِنَّهَا حِسَان فَمَا ظَنّك بِتِلْكَ الْعَبَاقِر ! . وَقَرَأَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْجَحْدَرِيّ وَالْحَسَن وَغَيْرهمْ | مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِف | بِالْجَمْعِ غَيْر مَصْرُوف كَذَلِكَ|وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ|جَمْع رَفْرَف وَعَبْقَرِيّ . و | رَفْرَف | اِسْم لِلْجَمْعِ و | عَبْقَرِيّ | وَاحِد يَدُلّ عَلَى الْجَمْع الْمَنْسُوب إِلَى عَبْقَر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ وَاحِد رَفْرَف وَعَبْقَرِيّ رَفْرَفَة وَعَبْقَرِيَّة , وَالرَّفَارِف وَالْعَبَاقِر جَمْع الْجَمْع . وَالْعَبْقَرِيّ الطَّنَافِس الثِّخَان مِنْهَا , قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقِيلَ : الزَّرَابِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . الْحَسَن : هِيَ الْبُسُط . مُجَاهِد : الدِّيبَاج . الْقُتَبِيّ : كُلّ ثَوْب وَشْي عِنْد الْعَرَب عَبْقَرِيّ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ مَنْسُوب إِلَى أَرْض يُعْمَل فِيهَا الْوَشْي فَيُنْسَب إِلَيْهَا كُلّ وَشْي حُبِكَ . قَالَ ذُو الرُّمَّة : <br>حَتَّى كَأَنَّ رِيَاض الْقُفّ أَلْبَسَهَا .......... مِنْ وَشْي عَبْقَر تَجْلِيل وَتَنْجِيدُ <br>وَيُقَال : عَبْقَر قَرْيَة بِنَاحِيَةِ الْيَمَن تُنْسَج فِيهَا بُسُط مَنْقُوشَة . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : إِنَّ الْأَصْل فِيهِ أَنَّ عَبْقَر قَرْيَة يَسْكُنهَا الْجِنّ يُنْسَب إِلَيْهَا كُلّ فَائِق جَلِيل . وَقَالَ الْخَلِيل : كُلّ جَلِيل نَافِس فَاضِل وَفَاخِر مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَغَيْرهمْ عِنْد الْعَرَب عَبْقَرِيّ . وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاس يَفْرِي فَرِيَّهُ ) وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن الْعَلَاء وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ | فَقَالَ : رَئِيس قَوْم وَجَلِيلهمْ . وَقَالَ زُهَيْر : <br>بَخِيلٍ عَلَيْهَا جَنَّةٍ عَبْقَرِيَّة .......... جَدِيرُونَ يَوْمًا أَنْ يَنَالُوا فَيَسْتَعْلُوا <br>وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْعَبْقَرِيّ مَوْضِع تَزْعُم الْعَرَب أَنَّهُ مِنْ أَرْض الْجِنّ . قَالَ لَبِيد : <br>كُهُول وَشُبَّان كَجِنَّةِ عَبْقَرِ <br>ثُمَّ نَسَبُوا إِلَيْهِ كُلّ شَيْء يَعْجَبُونَ مِنْ حِذْقه وَجَوْدَة صَنْعَته وَقُوَّته فَقَالُوا : عَبْقَرِيّ وَهُوَ وَاحِد وَجَمْع . وَفِي الْحَدِيث : | إِنَّهُ كَانَ يَسْجُد عَلَى عَبْقَرِيّ | وَهُوَ هَذِهِ الْبُسُط الَّتِي فِيهَا الْأَصْبَاغ وَالنُّقُوش حَتَّى قَالُوا : ظُلْمُ عَبْقَرِيّ وَهَذَا عَبْقَرِيُّ قَوْمٍ لِلرَّجُلِ الْقَوِيّ . وَفِي الْحَدِيث : | فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيّه | ثُمَّ خَاطَبَهُمْ اللَّه بِمَا تَعَارَفُوهُ فَقَالَ : | وَعَبْقَرِيّ حِسَان | وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ | عَبَاقِرِيّ | وَهُوَ خَطَأ لِأَنَّ الْمَنْسُوب لَا يُجْمَع عَلَى نِسْبَته , وَقَالَ قُطْرُب : لَيْسَ بِمَنْسُوبٍ وَهُوَ مِثْل كُرْسِيّ وَكَرَاسِيّ وَبُخْتِيّ وَبَخَاتِيّ . وَرَوَى أَبُو بَكْر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ | مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِف خُضْر وَعَبَاقِر حِسَان | ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَضَمّ الضَّاد مِنْ | خُضْر | قَلِيل .

فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , لِأَنَّ الْأَنَام وَاقِع عَلَيْهِمَا . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر الْمَذْكُور أَوَّل السُّورَة , وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ | لَلْجِنّ أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | [ الرَّحْمَن : 3 ] | وَخَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَهُمَا . وَأَيْضًا قَالَ : | سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثَّقَلَانِ | [ الرَّحْمَن : 31 ] وَهُوَ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الرَّحْمَن : 33 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : خَاطَبَ الْجِنّ مَعَ الْإِنْس وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْجِنِّ ذِكْر , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ | [ ص : 32 ] . وَقَدْ سَبَقَ ذِكْر الْجِنّ فِيمَا سَبَقَ نُزُوله مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ كَالْإِنْسِ خُوطِبَ الْجِنْسَانِ بِهَذِهِ الْآيَات . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْإِنْسِ عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي | أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم | [ ق : 24 ] . وَكَذَلِكَ قَوْله [ امْرُؤ الْقَيْس ] : <br>قِفَا نَبْكِ [ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِل .......... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ ] <br><br>خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي [ عَلَى أُمّ جُنْدُب .......... نُقَضّ لُبَانَات الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ] <br>فَأَمَّا مَا بَعْد | خَلَقَ الْإِنْسَان | و | خَلَقَ الْجَانّ | [ الرَّحْمَن : 15 ] فَإِنَّهُ خِطَاب لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ , وَالصَّحِيح قَوْل الْجُمْهُور لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَالْأَرْض وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ | وَالْآلَاء النِّعَم , وَهُوَ قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ , وَاحِدهَا إِلًى وَأَلًى مِثْل مِعًى وَعَصًا , وَإِلْي وَأَلْي أَرْبَع لُغَات حَكَاهَا النَّحَّاس قَالَ : وَفِي وَاحِد | آنَاء اللَّيْل | ثَلَاث تَسْقُط مِنْهَا الْمَفْتُوحَة الْأَلِف الْمُسَكَّنَة اللَّام , وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | و | النَّجْم | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهَا الْقُدْرَة , وَتَقْدِير الْكَلَام فَبِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَاخْتَارَهُ التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ , وَقَالَ : هَذِهِ السُّورَة مِنْ بَيْن السُّوَر عَلَم الْقُرْآن , وَالْعَلَم إِمَام الْجُنْد وَالْجُنْد تَتْبَعهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ عَلَمًا لِأَنَّهَا سُورَة صِفَة الْمُلْك وَالْقُدْرَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | فَافْتَتَحَ السُّورَة بِاسْمِ الرَّحْمَن مِنْ بَيْن الْأَسْمَاء لِيَعْلَم الْعِبَاد أَنَّ جَمِيع مَا يَصِفهُ بَعْد هَذَا مِنْ أَفْعَاله وَمِنْ مُلْكه وَقُدْرَته خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ الرَّحْمَة الْعُظْمَى مِنْ رَحْمَانِيَّته فَقَالَ : | الرَّحْمَن . عَلَّمَ الْقُرْآن | ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْسَان فَقَالَ : | خَلَقَ الْإِنْسَان | ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعَ بِهِ وَمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَ حُسْبَان الشَّمْس وَالْقَمَر وَسُجُود الْأَشْيَاء مِمَّا نَجَمَ وَشَجَرَ , وَذَكَرَ رَفْع السَّمَاء وَوَضْع الْمِيزَان وَهُوَ الْعَدْل , وَوَضْعَ الْأَرْض لِلْأَنَامِ , فَخَاطَبَ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس حِين رَأَوْا مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك بِرَحْمَانِيَّتِهِ الَّتِي رَحِمَهُمْ بِهَا مِنْ غَيْر مَنْفَعَة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَشْرَكُوا بِهِ الْأَوْثَان وَكُلّ مَعْبُود اِتَّخَذُوهُ مِنْ دُونه , وَجَحَدُوا الرَّحْمَة الَّتِي خَرَجَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء بِهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ سَائِلًا لَهُمْ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّمَا كَانَ تَكْذِيبهمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ مُلْكه وَقُدْرَته شَرِيكًا يَمْلِك مَعَهُ وَيُقَدِّر مَعَهُ , فَذَلِكَ تَكْذِيبهمْ . ثُمَّ ذَكَرَ خَلْق الْإِنْسَان مِنْ صَلْصَال , وَذَكَرَ خَلْق الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار , ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : | فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ | أَيْ بِأَيِّ قُدْرَة رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ , فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ خَلْق بَعْد خَلْق قُدْرَة بَعْد قُدْرَة , فَالتَّكْرِير فِي هَذِهِ الْآيَات لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَة فِي التَّقْرِير , وَاِتِّخَاذ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا وَقَفَهُمْ عَلَى خَلْقٍ خَلْقٍ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ السُّورَة نَعْمَاءَهُ , وَذَكَّرَ خَلْقه آلَاءَهُ , ثُمَّ أَتْبَعَ كُلّ خَلَّة وَصَفَهَا وَنِعْمَة وَضَعَهَا بِهَذِهِ وَجَعَلَهَا فَاصِلَة بَيْن كُلّ نِعْمَتَيْنِ لِيُنَبِّههُمْ عَلَى النِّعَم وَيُقَرِّرهُمْ بِهَا , كَمَا تَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ فِيهِ إِحْسَانك وَهُوَ يَكْفُرهُ وَيُنْكِرهُ : أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ خَامِلًا فَعَزَزْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! أَلَمْ تَكُنْ صَرُورَة فَحَجَجْت بِك أَفَتُنْكِر هَذَا ! ؟ أَلَمْ تَكُنْ رَاجِلًا فَحَمَلْتُك أَفَتُنْكِر هَذَا ؟ ! وَالتَّكْرِير حَسَن فِي مِثْل هَذَا . قَالَ : <br>كَمْ نِعْمَة كَانَتْ لَكُمْ كَمْ كَمْ وَكَمْ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْتُلِي مُسْلِمًا إِنْ كُنْت مُسْلِمَة .......... إِيَّاكِ مِنْ دَمه إِيَّاكِ إِيَّاكِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَا تَقْطَعَنَّ الصَّدِيق مَا طَرَفَتْ .......... عَيْنَاك مِنْ قَوْل كَاشِح أَشِر <br><br>وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَارَته زُرْهُ .......... وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ <br>وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : التَّكْرِير طَرْدًا لِلْغَفْلَةِ , وَتَأْكِيدًا لِلْحُجَّةِ .

تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ

| تَبَارَكَ | تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة وَقَدْ تَقَدَّمَ . | ذِي الْجَلَال | أَيْ الْعَظَمَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ | وَالْإِكْرَام | وَقَرَأَ عَامِر | ذُو الْجَلَال | بِالْوَاوِ وَجَعَلَهُ وَصْفًا لِلِاسْمِ , وَذَلِكَ تَقْوِيَة لِكَوْنِ الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى . الْبَاقُونَ | ذِي الْجَلَال | جَعَلُوا | ذِي | صِفَة ل | رَبّك | . وَكَأَنَّهُ يُرِيد الِاسْم الَّذِي اِفْتَتَحَ بِهِ السُّورَة , فَقَالَ : | الرَّحْمَن | [ الرَّحْمَن : 1 ] فَافْتَتَحَ بِهَذَا الِاسْم , فَوَصَفَ خَلْق الْإِنْسَان وَالْجِنّ , وَخَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَصُنْعَهُ , وَأَنَّهُ | كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن | [ الرَّحْمَن : 29 ] وَوَصَفَ تَدْبِيره فِيهِمْ , ثُمَّ وَصَفَ يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْوَالهَا , وَصِفَة النَّار ثُمَّ خَتَمَهَا بِصِفَةِ الْجِنَان . ثُمَّ قَالَ فِي آخِر السُّورَة : | تَبَارَكَ اِسْم رَبّك ذِي الْجَلَال وَالْإِكْرَام | أَيْ هَذَا الِاسْم الَّذِي اِفْتَتَحَ بِهِ هَذِهِ السُّورَة , كَأَنَّهُ يُعْلِمهُمْ أَنَّ هَذَا كُلّه خَرَجَ لَكُمْ مِنْ رَحْمَتِي , فَمِنْ رَحْمَتِي خَلَقْتُكُمْ وَخَلَقْت لَكُمْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْخَلْق وَالْخَلِيقَة وَالْجَنَّة وَالنَّار , فَهَذَا كُلّه لَكُمْ مِنْ اِسْم الرَّحْمَن فَمَدَحَ اِسْمه ثُمَّ قَالَ : | ذِي الْجَلَال وَالْإِكْرَام | جَلِيل فِي ذَاته , كَرِيم فِي أَفْعَاله . وَلَمْ يَخْتَلِف الْقُرَّاء فِي إِجْرَاء النَّعْت عَلَى الْوَجْه بِالرَّفْعِ فِي أَوَّل السُّورَة , وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ وَجْه اللَّه الَّذِي يَلْقَى الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَمَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ , فَيَسْتَبْشِرُونَ بِحُسْنِ الْجَزَاء , وَجَمِيل اللِّقَاء , وَحَسَن الْعَطَاء وَاَللَّه أَعْلَمُ .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس