islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
16235

40-غافر

حم

أَمْر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الصَّبْر عَلَى الْمَكَارِه . | أَيُّوب | بَدَل .|إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ|وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر | إِنِّي | بِكَسْرِ الْهَمْزَة أَيْ قَالَ . قَالَ الْفَرَّاء : وَأَجْمَعَتْ الْقُرَّاء عَلَى أَنْ قَرَءُوا | بِنُصْبٍ | بِضَمِّ النُّون وَالتَّخْفِيف . النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط وَبَعْده مُنَاقَضَة وَغَلَط أَيْضًا ; لِأَنَّهُ قَالَ : أَجْمَعَتْ الْقُرَّاء عَلَى هَذَا , وَحَكَى بَعْده أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عَنْ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع أَنَّهُ قَرَأَ : | بِنَصَبٍ | بِفَتْحِ النُّون وَالصَّاد فَغَلِطَ عَلَى أَبِي جَعْفَر , وَإِنَّمَا قَرَأَ أَبُو جَعْفَر : | بِنُصُبٍ | بِضَمِّ النُّون وَالصَّاد ; كَذَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ الْحَسَن . فَأَمَّا | بِنَصَبٍ | فَقِرَاءَة عَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيِّ . وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْ الْحَسَن وَقَدْ حُكِيَ | بِنَصْبٍ | بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الصَّاد عَنْ أَبِي جَعْفَر . وَهَذَا كُلّه عِنْد أَكْثَر النَّحْوِيِّينَ بِمَعْنَى النَّصَب فَنُصْبٌ وَنَصَبٌ كَحُزْنٍ وَحَزَنٍ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون نُصْب جَمْع نَصَب كَوُثْنٍ وَوَثَنٍ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نُصْب بِمَعْنَى نُصُب حُذِفَتْ مِنْهُ الضَّمَّة , فَأَمَّا | وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب | [ الْمَائِدَة : 3 ] فَقِيلَ : إِنَّهُ جَمْع نِصَاب . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره : النُّصُب الشَّرّ وَالْبَلَاء . وَالنَّصَب التَّعَب وَالْإِعْيَاء . وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى : | أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب | أَيْ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ وَسْوَسَته لَا غَيْر . وَاَللَّه أَعْلَم . ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقِيلَ : إِنَّ النُّصْب مَا أَصَابَهُ فِي بَدَنه , وَالْعَذَاب مَا أَصَابَهُ فِي مَاله ; وَفِيهِ بُعْد . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إِنَّ أَيُّوب كَانَ رُومِيًّا مِنْ الْبَثَنِيَّة وَكُنْيَته أَبُو عَبْد اللَّه فِي قَوْل الْوَاقِدِيّ ; اِصْطَفَاهُ اللَّه بِالنُّبُوَّةِ , وَآتَاهُ جُمْلَة عَظِيمَة مِنْ الثَّرْوَة فِي أَنْوَاع الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد . وَكَانَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِ اللَّه ; مُوَاسِيًا لِعِبَادِ اللَّه , بَرًّا رَحِيمًا . وَلَمْ يُؤْمِن بِهِ إِلَّا ثَلَاثَة نَفَر . وَكَانَ لِإِبْلِيس مَوْقِف مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة فِي يَوْم مِنْ الْأَيَّام , فَوَقَفَ بِهِ إِبْلِيس عَلَى عَادَتِهِ ; فَقَالَ اللَّه لَهُ أَوْ قِيلَ لَهُ عَنْهُ : أَقَدَرْت مِنْ عَبْدِي أَيُّوب عَلَى شَيْء ؟ فَقَالَ : يَا رَبّ وَكَيْف أَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى شَيْء , وَقَدْ اِبْتَلَيْته بِالْمَالِ وَالْعَافِيَة , فَلَوْ اِبْتَلَيْته بِالْبَلَاءِ وَالْفَقْر وَنَزَعْت مِنْهُ مَا أَعْطَيْته لَحَالَ عَنْ حَاله , وَلَخَرَجَ عَنْ طَاعَتك , . قَالَ اللَّه : قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى أَهْله وَمَاله . فَانْحَطَّ عَدُوُّ اللَّهِ فَجَمَعَ عَفَارِيت الْجِنّ فَأَعْلَمَهُمْ , وَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ : أَكُون إِعْصَارًا فِيهِ نَار أُهْلِكُ مَالَهُ فَكَانَ ; فَجَاءَ أَيُّوبَ فِي صُورَة قَيِّمِ مَاله فَأَعْلَمَهُ بِمَا جَرَى ; فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ هُوَ أَعْطَاهُ وَهُوَ مَنَعَهُ . ثُمَّ جَاءَ قَصْرَهُ بِأَهْلِهِ وَوَلَده , فَاحْتَمَلَ الْقَصْر مِنْ نَوَاحِيه حَتَّى أَلْقَاهُ عَلَى أَهْله وَوَلَده , ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ وَأَعْلَمَهُ فَأَلْقَى التُّرَاب عَلَى رَأْسه , وَصَعِدَ إِبْلِيس إِلَى السَّمَاء فَسَبَقَتْهُ تَوْبَة أَيُّوبَ . قَالَ : يَا رَبّ سَلِّطْنِي عَلَى بَدَنِهِ . قَالَ : قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى بَدَنه إِلَّا عَلَى لِسَانه وَقَلْبه وَبَصَرِهِ , فَنَفَخَ فِي جَسَده نَفْخَةً اِشْتَعَلَ مِنْهَا فَصَارَ فِي جَسَده ثَآلِيل فَحَكَّهَا بِأَظْفَارِهِ حَتَّى دَمِيَتْ , ثُمَّ بِالْفَخَّارِ حَتَّى تَسَاقَطَ لَحْمُهُ . وَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : | مَسَّنِي الشَّيْطَان | . وَلَمْ يَخْلُصْ إِلَى شَيْء مِنْ حَشْوَة الْبَطْن ; لِأَنَّهُ لَا بَقَاء لِلنَّفَسِ إِلَّا بِهَا فَهُوَ يَأْكُل وَيَشْرَب , فَمَكَثَ كَذَلِكَ ثَلَاث سِنِينَ . فَلَمَّا غَلَبَهُ أَيُّوب اِعْتَرَضَ لِامْرَأَتِهِ فِي هَيْئَة أَعْظَم مِنْ هَيْئَة بَنِي آدَم فِي الْقَدْر وَالْجَمَال , وَقَالَ لَهَا : أَنَا إِلَه الْأَرْض , وَأَنَا الَّذِي صَنَعْت بِصَاحِبِك مَا صَنَعْت , وَلَوْ سَجَدْت لِي سَجْدَة وَاحِدَة لَرَدَدْت عَلَيْهِ أَهْله وَمَاله وَهُمْ عِنْدِي . وَعَرَضَ لَهَا فِي بَطْن الْوَادِي ذَلِكَ كُلّه فِي صُورَته ; أَيْ أَظْهَرَهُ لَهَا , فَأَخْبَرَتْ أَيُّوب فَأَقْسَمَ أَنْ يَضْرِبهَا إِنْ عَافَاهُ اللَّه . وَذَكَرُوا كَلَامًا طَوِيلًا فِي سَبَب بَلَائِهِ وَمُرَاجَعَته لِرَبِّهِ وَتَبَرُّمه مِنْ الْبَلَاء الَّذِي نَزَلَ بِهِ , وَأَنَّ النَّفَر الثَّلَاثَة الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ نَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ , وَقِيلَ : اِسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُوم فَلَمْ يَنْصُرْهُ فَابْتُلِيَ بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَقِيلَ : اِسْتَضَافَ يَوْمًا النَّاس فَمَنَعَ فَقِيرًا الدُّخُول فَابْتُلِيَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : كَانَ أَيُّوب يَغْزُو مَلِكًا وَكَانَ لَهُ غَنَم فِي وِلَايَته , فَدَاهَنَهُ لِأَجْلِهَا بِتَرْكِ غَزَوْهُ فَابْتُلِيَ . وَقِيلَ , : كَانَ النَّاس يَتَعَدَّوْنَ اِمْرَأَته وَيَقُولُونَ نَخْشَى الْعَدْوَى وَكَانُوا يَسْتَقْذِرُونَهَا ; فَلِهَذَا قَالَ . | مَسَّنِيَ الشَّيْطَان | . وَامْرَأَته ليا بِنْت يَعْقُوب . وَكَانَ أَيُّوب فِي زَمَن يَعْقُوب وَكَانَتْ أُمّه اِبْنَة لُوط . وَقِيلَ : كَانَتْ زَوْجَة أَيُّوب رَحْمَة بِنْت إفرائيم بْن يُوسُف بْن يَعْقُوب عَلَيْهِمْ السَّلَام . ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الطَّبَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ لَهُ مَكَان فِي السَّمَاء السَّابِعَة يَوْمًا مِنْ الْعَام فَقَوْل بَاطِل ; لِأَنَّهُ أُهْبِطَ مِنْهَا بِلَعْنَةٍ وَسَخَطٍ إِلَى الْأَرْض , فَكَيْف يَرْقَى إِلَى مَحَلّ الرِّضَا , وَيَجُول فِي مَقَامَات الْأَنْبِيَاء , وَيَخْتَرِق السَّمَوَات الْعُلَى , وَيَعْلُو إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى مَنَازِل الْأَنْبِيَاء , فَيَقِف مَوْقِف الْخَلِيل ؟ ! إِنَّ هَذَا لَخَطْبٌ مِنْ الْجَهَالَة عَظِيم . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ هَلْ قَدَرْت مِنْ عَبْدِي أَيُّوب عَلَى شَيْء فَبَاطِل قَطْعًا ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُكَلِّم الْكُفَّار الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُنْد إِبْلِيس الْمَلْعُون ; فَكَيْف يُكَلِّم مَنْ تَوَلَّى إِضْلَالَهُمْ ؟ ! وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه قَالَ قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى مَاله وَوَلَده فَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْقُدْرَة , وَلَكِنَّهُ بَعِيد فِي هَذِهِ الْقِصَّة . وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ نَفَخَ فِي جَسَده حِين سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَبْعَدُ , وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ قَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُق ذَلِكَ كُلّه مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لِلشَّيْطَانِ فِيهِ كَسْب حَتَّى تَقَرَّ لَهُ - لَعْنَةُ اللَّه عَلَيْهِ - عَيْنٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَنْبِيَاء فِي أَمْوَالهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَنْفُسهمْ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنَا إِلَه الْأَرْض , وَلَوْ تَرَكْت ذِكْر اللَّه وَسَجَدْت أَنْتِ لِي لَعَافَيْته , فَاعْلَمُوا وَإِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ لِأَحَدِكُمْ وَبِهِ أَلَمٌ وَقَالَ هَذَا الْكَلَام مَا جَازَ عِنْده أَنْ يَكُون إِلَهًا فِي الْأَرْض , وَأَنَّهُ يَسْجُد لَهُ , وَأَنَّهُ يُعَافِي مِنْ الْبَلَاء , فَكَيْف أَنْ تَسْتَرِيبَ زَوْجَة نَبِيّ ؟ ! وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَة سَوَادِيّ أَوْ فَدْمٍ بَرْبَرِيّ مَا سَاغَ ذَلِكَ عِنْدهَا . وَأَمَّا تَصْوِيره الْأَمْوَال وَالْأَهْل فِي وَادٍ لِلْمَرْأَةِ فَذَلِكَ مَا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ إِبْلِيس بِحَالٍ , وَلَا هُوَ فِي طَرِيق السِّحْر فَيُقَال إِنَّهُ مِنْ جِنْسه . وَلَوْ تُصُوِّرَ لَعَلِمَتْ الْمَرْأَة أَنَّهُ سِحْر كَمَا نَعْلَمهُ نَحْنُ وَهِيَ فَوْقَنَا فِي الْمَعْرِفَة بِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ زَمَان قَطُّ مِنْ السِّحْر وَحَدِيثه وَجَرْيه بَيْن النَّاس وَتَصْوِيره . قَالَ الْقَاضِي : وَاَلَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَتَذَرَّعُوا بِهِ إِلَى ذِكْر هَذَا قَوْله تَعَالَى : | إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب | فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ شَكَا مَسَّ الشَّيْطَان أَضَافُوا إِلَيْهِ مِنْ رَأْيهمْ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْسِير فِي هَذِهِ الْأَقْوَال . وَلَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمُوا وَالْأَفْعَال كُلّهَا خَيْرهَا وَشَرّهَا . فِي إِيمَانهَا وَكُفْرهَا , طَاعَتهَا وَعِصْيَانهَا , خَالِقهَا هُوَ اللَّه لَا شَرِيك لَهُ فِي خَلْقه , وَلَا فِي خَلْق شَيْء غَيْرهَا , وَلَكِنَّ الشَّرّ لَا يُنْسَب إِلَيْهِ ذِكْرًا , وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ خَلْقًا ; أَدَبًا أَدَّبَنَا بِهِ , وَتَحْمِيدًا عَلَّمَنَاهُ . وَكَانَ مِنْ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ بِهِ قَوْلٌ مِنْ جُمْلَته : ( وَالْخَيْر فِي يَدَيْك وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَمِنْهُ قَوْل إِبْرَاهِيم : | وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ | [ الشُّعَرَاء : 80 ] وَقَالَ الْفَتَى لِلْكَلِيمِ : | وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان | [ الْكَهْف : 63 ] وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ اِسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُوم فَلَمْ يَنْصُرهُ , فَمَنْ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْقَوْل . وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون قَادِرًا عَلَى نَصْره , فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ تَرْكُهُ فَيُلَام عَلَى أَنَّهُ عَصَى وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ , . أَوْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ مَنَعَ فَقِيرًا مِنْ الدُّخُول ; إِنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ فَهُوَ بَاطِل عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَم بِهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ دَاهَنَ عَلَى غَنَمِهِ الْمَلِك الْكَافِر فَلَا تَقُلْ دَاهَنَ وَلَكِنْ قُلْ دَارَى . وَدَفْع الْكَافِر وَالظَّالِم عَنْ النَّفْس أَوْ الْمَال بِالْمَالِ جَائِز ; نَعَمْ وَيَحْسُن الْكَلَام . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ الْقَاضِي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَيُّوب فِي أَمْره إِلَّا مَا أَخْبَرَنَا اللَّه عَنْهُ فِي كِتَابه فِي آيَتَيْنِ ; الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : | وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ | [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] وَالثَّانِيَة فِي : [ ص ] | أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب | . وَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِحَرْفٍ وَاحِد إِلَّا قَوْله : ( بَيْنَا أَيُّوب يَغْتَسِل إِذْ خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَاد مِنْ ذَهَبٍ ... ) الْحَدِيث . وَإِذْ لَمْ يَصِحّ عَنْهُ فِيهِ قُرْآن وَلَا سُنَّة إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ , فَمَنْ الَّذِي يُوصِل السَّامِع إِلَى أَيُّوب خَبَره , أَمْ عَلَى أَيّ لِسَان سَمِعَهُ ؟ وَالْإِسْرَائِيلِيَّات مَرْفُوضَة عِنْد الْعُلَمَاء عَلَى الْبَتَات ; فَأَعْرِضْ عَنْ سُطُورهَا بَصَرك , وَأَصْمِمْ عَنْ سَمَاعهَا أُذُنَيْك , فَإِنَّهَا لَا تُعْطِي فِكْرَك إِلَّا خَيَالًا , وَلَا تَزِيد فُؤَادَك إِلَّا خَبَالًا وَفِي الصَّحِيح وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ تَسْأَلُونَ أَهْل الْكِتَاب وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَار بِاَللَّهِ , تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ , وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُب اللَّه وَغَيَّرُوا وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُب ; فَقَالُوا : | هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا | [ الْبَقَرَة : 79 ] وَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْم عَنْ مَسْأَلَتهمْ , فَلَا وَاَللَّه مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ عَلَى عُمَر قِرَاءَته التَّوْرَاة .

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

الرَّكْض الدَّفْع بِالرِّجْلِ . يُقَال : رَكَضَ الدَّابَّةَ وَرَكَضَ ثَوْبَهُ بِرِجْلِهِ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : الرَّكْض التَّحْرِيك ; وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال رَكَضْت الدَّابَّة وَلَا يُقَال رَكَضَتْ هِيَ ; لِأَنَّ الرَّكْض إِنَّمَا هُوَ تَحْرِيك رَاكِبهَا رِجْلَيْهِ وَلَا فِعْل لَهَا فِي ذَلِكَ . وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : رَكَضْت الدَّابَّةَ فَرَكَضَتْ مِثْل جَبَرْت الْعَظْم فَجَبَرَ وَحَزَنْته فَحَزِنَ ; وَفِي الْكَلَام إِضْمَار أَيْ قُلْنَا لَهُ : | اُرْكُضْ | قَالَ الْكِسَائِيّ . وَهَذَا لَمَّا عَافَاهُ اللَّه . اِسْتَدَلَّ بَعْض جُهَّال الْمُتَزَهِّدَة ; وَطَغَام الْمُتَصَوِّفَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَيُّوبَ : | اُرْكُضْ بِرِجْلِك | عَلَى جَوَاز الرَّقْص قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ : وَهَذَا اِحْتِجَاج بَارِد ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُمِرَ بِضَرْبِ الرِّجْل فَرَحًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ شُبْهَة , وَإِنَّمَا أُمِرَ بِضَرْبِ الرَّجُل لِيَنْبُعَ الْمَاء . قَالَ اِبْن عَقِيل : أَيْنَ الدَّلَالَة فِي مُبْتَلًى أُمِرَ عِنْد كَشْف الْبَلَاء بِأَنْ يَضْرِب بِرِجْلِهِ الْأَرْض لِيَنْبُعَ الْمَاء إِعْجَازًا مِنْ الرَّقْص وَلَئِنْ جَازَ قَوْله سُبْحَانَهُ لِمُوسَى : | اِضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر | [ الْبَقَرَة : 60 ] دَلَالَة عَلَى ضَرْب المحاد بِالْقُضْبَانِ نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ التَّلَاعُب بِالشَّرْعِ . وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْض قَاصِرِيهِمْ بِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ : ( أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْك ) فَحَجَلَ , . وَقَالَ لِجَعْفَرٍ : ( أَشْبَهْت خَلْقِي وَخُلُقِي ) فَحَجَلَ . وَقَالَ لِزَيْدٍ : ( أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا ) فَحَجَلَ . وَمِنْهُمْ مَنْ اِحْتَجَّ بِأَنَّ الْحَبَشَة زَفَنَتْ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُر إِلَيْهِمْ . وَالْجَوَاب : أَمَّا الْحَجَل فَهُوَ نَوْع مِنْ الْمَشْي يُفْعَل عِنْد الْفَرَح فَأَيْنَ هُوَ وَالرَّقْص , وَكَذَلِكَ زَفْن الْحَبَشَة نَوْع مِنْ الْمَشْي يُفْعَل عِنْد اللِّقَاء لِلْحَرْبِ .|هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ|أَيْ فَرَكَضَ فَنَبَعَتْ عَيْن مَاء فَاغْتَسَلَ بِهِ , فَذَهَبَ الدَّاء مِنْ ظَاهِره , ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ فَذَهَبَ الدَّاء مِنْ بَاطِنه . وَقَالَ قَتَادَة : هُمَا عَيْنَانِ بِأَرْضِ الشَّام فِي أَرْض يُقَال لَهَا الْجَابِيَة , فَاغْتَسَلَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فَأَذْهَبَ اللَّه تَعَالَى ظَاهِر دَائِهِ , وَشَرِبَ مِنْ الْأُخْرَى فَأَذْهَبَ اللَّه تَعَالَى بَاطِن دَائِهِ . وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن وَمُقَاتِل ; قَالَ مُقَاتِل : نَبَعَتْ عَيْن حَارَّة وَاغْتَسَلَ فِيهَا فَخَرَجَ صَحِيحًا , ثُمَّ نَبَعَتْ عَيْن أُخْرَى فَشَرِبَ مِنْهَا مَاء عَذْبًا . وَقِيلَ : أُمِرَ بِالرَّكْضِ بِالرِّجْلِ لِيَتَنَاثَرَ عَنْهُ كُلّ دَاء فِي جَسَده . وَالْمُغْتَسَل الْمَاء الَّذِي يُغْتَسَل بِهِ ; قَالَ الْقُتَبِيّ . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمَوْضِع الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ ; قَالَ مُقَاتِل . الْجَوْهَرِيّ : وَاغْتَسَلْت بِالْمَاءِ , وَالْغَسُول الْمَاء الَّذِي يُغْتَسَل بِهِ , وَكَذَلِكَ الْمُغْتَسَل , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب | وَالْمُغْتَسَل أَيْضًا الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ , وَالْمَغْسِل وَالْمَغْسَل بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا مَغْسَل الْمَوْتَى وَالْجَمْع الْمَغَاسِل . وَاخْتُلِفَ كَمْ بَقِيَ أَيُّوب فِي الْبَلَاء ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : سَبْع سِنِينَ وَسَبْعَة أَشْهَر وَسَبْعَة أَيَّام وَسَبْع سَاعَات . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : أَصَابَ أَيُّوبَ الْبَلَاءُ سَبْع سِنِينَ , وَتُرِكَ يُوسُف , فِي السِّجْن سَبْع سِنِينَ , وَعُذِّبَ بُخْتُنَصَّر وَحُوِّلَ فِي السِّبَاع سَبْع سِنِينَ . ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْم . وَقِيلَ : عَشْر سِنِينَ . وَقِيلَ : ثَمَان عَشْرَة سَنَة . رَوَاهُ أَنَس مَرْفُوعًا فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : قُلْت : وَذَكَرَهُ اِبْن الْمُبَارَك ; أَخْبَرَنَا يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمًا أَيُّوب , وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْبَلَاء , وَذَكَرَ أَنَّ الْبَلَاء الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ بِهِ ثَمَان عَشْرَة سَنَة . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْقُشَيْرِيّ . وَقِيلَ : أَرْبَعِينَ سَنَة .

غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ

قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة قِيلَ لِأَيُّوبَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ آتَيْنَاك أَهْلك فِي الْجَنَّة فَإِنْ شِئْت تَرَكْنَاهُمْ لَك فِي الْجَنَّة وَإِنْ شِئْت آتَيْنَاكَهُمْ فِي الدُّنْيَا . قَالَ مُجَاهِد : فَتَرَكَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْجَنَّة وَأَعْطَاهُ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا . قَالَ النَّحَّاس : وَالْإِسْنَاد عَنْهُمَا بِذَلِكَ صَحِيح . قُلْت : وَحَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الضَّحَّاك : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود كَانَ أَهْل أَيُّوب قَدْ مَاتُوا إِلَّا اِمْرَأَته فَأَحْيَاهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْف الْبَصَر , وَآتَاهُ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : كَانَ بَنُوهُ قَدْ مَاتُوا فَأُحْيُوا لَهُ وَوُلِدَ لَهُ مِثْلهمْ مَعَهُمْ . وَقَالَ قَتَادَة وَكَعْب الْأَحْبَار وَالْكَلْبِيّ وَغَيْرهمْ . قَالَ اِبْن مَسْعُود : مَاتَ أَوْلَاده وَهُمْ سَبْعَة مِنْ الذُّكُور وَسَبْعَة مِنْ الْإِنَاث فَلَمَّا عُوفِيَ نُشِرُوا لَهُ , وَوَلَدَتْ اِمْرَأَته سَبْعَة بَنِينَ وَسَبْع بَنَات . الثَّعْلَبِيّ : وَهَذَا الْقَوْل أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْآيَة . قُلْت : لِأَنَّهُمْ مَاتُوا اِبْتِلَاء قَبْل آجَالهمْ حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة [ الْبَقَرَة ] فِي قِصَّة | الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْت | [ الْبَقَرَة : 243 ] . وَفِي قِصَّة السَّبْعِينَ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة فَمَاتُوا ثُمَّ أُحْيُوا ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْل آجَالِهِمْ , وَكَذَلِكَ هُنَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَعَلَى قَوْل مُجَاهِد وَعِكْرِمَة يَكُون الْمَعْنَى : | وَأَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ | فِي الْآخِرَة | وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ | فِي الدُّنْيَا . وَفِي الْخَبَر : إِنَّ اللَّه بَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين رَكَضَ بِرِجْلِهِ عَلَى الْأَرْض رَكْضَة فَظَهَرَتْ عَيْن مَاءٍ حَارٍّ , وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَنَفَضَهُ نَفْضَةً فَتَنَاثَرَتْ عَنْهُ الدِّيدَان , وَغَاصَ فِي الْمَاء غَوْصَة فَنَبَتَ لَحْمه وَعَادَ إِلَى مَنْزِله , وَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِ أَهْله وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ , وَنَشَأَتْ سَحَابَة عَلَى قَدْر قَوَاعِد دَاره فَأَمْطَرَتْ ثَلَاثه أَيَّام بِلَيَالِيِهَا جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : أَشَبِعْت ؟ فَقَالَ : وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ فَضْل اللَّه . فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : قَدْ أَثْنَيْت عَلَيْك بِالصَّبْرِ قَبْل وُقُوعك فِي الْبَلَاء وَبَعْده , وَلَوْلَا أَنِّي وَضَعْت تَحْت كُلّ شَعْرَة مِنْك صَبْرًا مَا صَبَرْت .|رَحْمَةً مِنَّا|أَيْ نِعْمَة مِنَّا . فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ رَحْمَة مِنْ عِنْدنَا . وَقِيلَ : اِبْتَلَيْنَاهُ لِيَعْظُمَ ثَوَابه غَدًا .|وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ|أَيْ عِبْرَة لِذَوِي الْعُقُول وَتَذْكِيرًا لِلْعِبَادِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا بَلَاء أَيُّوب وَصَبْره عَلَيْهِ وَمِحْنَته لَهُ وَهُوَ أَفْضَل أَهْل زَمَانه وَطَّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الصَّبْر عَلَى شَدَائِد الدُّنْيَا نَحْو مَا فَعَلَ أَيُّوب , فَيَكُون هَذَا تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى إِدَامَة الْعِبَادَة , وَاحْتِمَال الضَّرَر .

مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ

كَانَ أَيُّوب حَلَفَ فِي مَرَضه أَنْ يَضْرِب اِمْرَأَته مِائَة جَلْدَة ; وَفِي سَبَب ذَلِكَ <subtitle>أَرْبَعَة أَقْوَال : </subtitle>[ أَحَدهَا ] مَا حَكَاهُ اِبْن عَبَّاس أَنَّ إِبْلِيس لَقِيَهَا فِي صُورَة طَبِيب فَدَعَتْهُ لِمُدَاوَاةِ أَيُّوب , فَقَالَ أُدَاوِيه عَلَى أَنَّهُ إِذَا بَرِئَ قَالَ أَنْتَ شَفَيْتنِي , لَا أُرِيد جَزَاء سِوَاهُ . قَالَتْ : نَعَمْ فَأَشَارَتْ عَلَى أَيُّوب بِذَلِكَ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا . وَقَالَ : وَيْحَك ذَلِكَ الشَّيْطَانُ . [ الثَّانِي ] مَا حَكَاهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهَا جَاءَتْهُ بِزِيَادَة عَلَى مَا كَانَتْ تَأْتِيه مِنْ الْخُبْز , فَخَافَ خِيَانَتهَا فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا . [ الثَّالِث ] مَا حَكَاهُ يَحْيَى بْن سَلَّام وَغَيْره : أَنَّ الشَّيْطَان أَغْوَاهَا أَنْ تَحْمِل أَيُّوب عَلَى أَنْ يَذْبَح سَخْلَة تَقَرُّبًا إِلَيْهِ وَأَنَّهُ يَبْرَأ , فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا إِنْ عُوفِيَ مِائَةً . [ الرَّابِع ] قِيلَ : بَاعَتْ ذَوَائِبَهَا بِرَغِيفَيْنِ إِذْ لَمْ تَجِد شَيْئًا تَحْمِلُهُ إِلَى أَيُّوب , وَكَانَ أَيُّوب يَتَعَلَّق بِهَا إِذَا أَرَادَ الْقِيَام , فَلِهَذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا , فَلَمَّا شَفَاهُ اللَّه أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ ضِغْثًا فَيَضْرِب بِهِ , فَأَخَذَ شَمَارِيخ قَدْر مِائَة فَضَرَبَهَا ضَرْبَة وَاحِدَة . وَقِيلَ : الضِّغْث قَبْضَة حَشِيش مُخْتَلِطَة الرُّطَب بِالْيَابِسِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهُ إِثْكَال النَّخْل الْجَامِع بِشَمَارِيخِهِ . تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَة جَوَاز ضَرْب الرَّجُل اِمْرَأَتَهُ تَأْدِيبًا . وَذَلِكَ أَنَّ اِمْرَأَة أَيُّوب أَخْطَأَتْ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةً , فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَضْرِبَهَا بِعُثْكُولٍ مِنْ عَثَاكِيل النَّخْل , وَهَذَا لَا يَجُوز فِي الْحُدُود . إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّه بِذَلِكَ لِئَلَّا يَضْرِب اِمْرَأَته فَوْق حَدّ الْأَدَب . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِب اِمْرَأَته فَوْق حَدّ الْأَدَب ; وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ النِّسَاء ] بَيَانه . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحُكْم هَلْ هُوَ عَامّ أَوَخَاصّ بِأَيُّوبَ وَحْده , فَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ عَامّ لِلنَّاسِ . ذَكَرَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَحُكِيَ عَنْ الْقُشَيْرِيّ أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِأَيُّوبَ . وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم بَاقٍ , وَأَنَّهُ إِذَا ضَرَبَ بِمِائَةِ قَضِيب وَنَحْوه ضَرْبَة وَاحِدَة بَرَّ . وَرَوَى نَحْوه الشَّافِعِيّ . وَرَوَى نَحْوه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُقْعَد الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ الْوَلِيدَة , وَأَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ بِعُثْكُولٍ فِيهِ مِائَة شِمْرَاخ ضَرْبَة وَاحِدَة . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ لِعَطَاءٍ هَلْ يُعْمَل بِهَذَا الْيَوْم ؟ فَقَالَ : مَا أُنْزِلَ الْقُرْآن إِلَّا لِيُعْمَلَ بِهِ وَيُتَّبَعَ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء أَنَّهَا لِأَيُّوب خَاصَّة . وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو زَيْد عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك : مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْده مِائَة فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَة وَاحِدَة لَمْ يَبَرَّ . قَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : يُرِيد مَالِك قَوْله تَعَالَى : | لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا | [ الْمَائِدَة : 48 ] أَيْ إِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخ بِشَرِيعَتِنَا . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيد بْن عُقْبَة بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَة . وَأَنْكَرَ مَالِك هَذَا وَتَلَا قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة | [ النُّور : 2 ] وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَاب الرَّأْي . وَقَدْ اِحْتَجَّ الشَّافِعِيّ لِقَوْلِهِ بِحَدِيثٍ , وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَاده ; وَاَللَّه أَعْلَم . قُلْت : الْحَدِيث الَّذِي اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيّ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سَعِيد الْهَمْدَانِيّ , قَالَ حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْن سَهْل بْن حُنَيْف أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَار , أَنَّهُ اِشْتَكَى رَجُل مِنْهُمْ حَتَّى أَضْنَى , فَعَادَ جِلْدَة عَلَى عَظْم , فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَة لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَال قَوْمه يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ : اِسْتَفْتُوا لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنِّي قَدْ وَقَعْت عَلَى جَارِيَة دَخَلَتْ عَلَيَّ . فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنْ النَّاس مِنْ الضُّرّ مِثْل الَّذِي هُوَ بِهِ ; لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامه , مَا هُوَ إِلَّا جِلْد عَلَى عَظْم ; فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَة شِمْرَاخ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَة وَاحِدَة . قَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا مِائَة جَلْدَة , أَوْ ضَرْبًا وَلَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا وَلَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ يَكْفِيهِ مِثْل هَذَا الضَّرْب الْمَذْكُور فِي الْآيَة وَلَا يَحْنَث . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُل لَيَضْرِبَنَّ عَبْده مِائَة فَضَرَبَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا فَهُوَ بَارّ عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي . وَقَالَ مَالِك : لَيْسَ الضَّرْب إِلَّا الضَّرْب الَّذِي يُؤْلِم .|وَلَا تَحْنَثْ|دَلِيل عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين لَا يَرْفَع حُكْمًا إِذَا كَانَ مُتَرَاخِيًا . وَقَدْ مَضَى , الْقَوْل فِيهِ فِي [ الْمَائِدَة ] يُقَال : حَنِثَ فِي يَمِينه يَحْنَث إِذَا لَمْ يَبَرَّ بِهَا . وَعِنْد الْكُوفِيِّينَ الْوَاو مُقْحَمَة أَيْ فَاضْرِبْ لَا تَحْنَثْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَوْله تَعَالَى : | فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ | يَدُلّ عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمْ كَفَّارَة , وَإِنَّمَا كَانَ الْبِرّ وَالْحِنْث . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون صَدَرَ مِنْهُ نَذْر لَا يَمِين وَإِذَا كَانَ النَّذْر مُعَيَّنًا فَلَا كَفَّارَة فِيهِ عِنْد مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : فِي كُلّ نَذْر كَفَّارَة . قُلْت : قَوْل إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعهمْ كَفَّارَة لَيْسَ بِصَحِيحٍ ; فَإِنَّ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا بَقِيَ فِي الْبَلَاء ثَمَان عَشْرَة سَنَة , كَمَا فِي حَدِيث اِبْن شِهَاب , قَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ : لَقَدْ أَذْنَبْت ذَنْبًا مَا أَظُنّ أَحَدًا بَلَغَهُ . فَقَالَ أَيُّوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ , غَيْر أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَم أَنِّي كُنْت أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ فَكُلٌّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ , أَوْ عَلَى النَّفَر يَتَزَاعَمُونَ فَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي , فَأُكَفِّر عَنْ أَيْمَانهمْ إِرَادَةَ أَلَّا يَأْثَم أَحَد يَذْكُرهُ وَلَا يَذْكُرهُ إِلَّا بِحَقٍّ فَنَادَى رَبّه | أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ | [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] وَذَكَرَ الْحَدِيث . فَقَدْ أَفَادَك هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْكَفَّارَة كَانَتْ مِنْ شَرْع أَيُّوب , وَأَنَّ مَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه فَقَدْ قَامَ بِالْوَاجِبِ عَنْهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَة .|إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا|أَيْ عَلَى الْبَلَاء .|نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ|أَيْ تَوَّاب رَجَّاع مُطِيع . وَسُئِلَ سُفْيَان عَنْ عَبْدَيْنِ اُبْتُلِيَ أَحَدهمَا فَصَبَرَ , وَأُنْعِمَ عَلَى الْآخَر فَشَكَرَ ; فَقَالَ : كِلَاهُمَا سَوَاء ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَثْنَى عَلَى عَبْدَيْنِ ; أَحَدُهُمَا صَابِر وَالْآخَر شَاكِر ثَنَاء وَاحِدًا ; فَقَالَ فِي وَصْف أَيُّوب : | نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب | وَقَالَ فِي وَصْفِ سُلَيْمَان : | نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب | . قُلْت : وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْكَلَامَ صَاحِبُ الْقُوت وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ أَيُّوب فِي تَفْضِيل الْفَقِير عَلَى الْغَنِيّ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا شَيَّدَ بِهِ كَلَامه , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِنْ كِتَاب [ مَنْهَج الْعِبَاد وَمَحَجَّة السَّالِكِينَ وَالزُّهَّاد ] . وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَحَد الْأَغْنِيَاء مِنْ الْأَنْبِيَاء قَبْل الْبَلَاء وَبَعْده , وَإِنَّمَا اُبْتُلِيَ بِذَهَابِ مَاله وَوَلَده وَعَظِيم الدَّاء فِي جَسَده . وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَامه صَبَرُوا عَلَى مَا بِهِ اُمْتُحِنُوا وَفُتِنُوا . فَأَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام دَخَلَ فِي الْبَلَاء عَلَى صِفَة , فَخَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ , وَمَا تَغَيَّرَ مِنْهُ حَال وَلَا مَقَال , فَقَدْ اِجْتَمَعَ مَعَ أَيُّوب فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُود , وَهُوَ عَدَم التَّغَيُّر الَّذِي يَفْضُل فِيهِ بَعْض النَّاس بَعْضًا . وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يَكُون الْغَنِيّ الشَّاكِر وَالْفَقِير الصَّابِر سَوَاء . وَهُوَ كَمَا قَالَ سُفْيَان . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي حَدِيث اِبْن شِهَاب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَيُّوب خَرَجَ لِمَا كَانَ يَخْرُج إِلَيْهِ مِنْ حَاجَته فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : | اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب | فَاغْتَسَلَ فَأَعَادَ اللَّه لَحْمه وَشَعْره وَبَشَرَهُ عَلَى أَحْسَن مَا كَانَ ثُمَّ شَرِبَ فَأَذْهَبَ اللَّه كُلّ مَا كَانَ فِي جَوْفه مِنْ أَلَم أَوْ ضَعْف وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مِنْ السَّمَاء أَبْيَضَيْنِ فَائْتَزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى مَنْزِله وَرَاثَ عَلَى اِمْرَأَته فَأَقْبَلَتْ حَتَّى لَقِيَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْرِفهُ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ أَيْ يَرْحَمك اللَّه هَلْ رَأَيْت هَذَا الرَّجُل الْمُبْتَلَى ؟ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَتْ نَبِيّ اللَّه أَيُّوب , أَمَا وَاَللَّه مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ أَشْبَهَ بِهِ مِنْك إِذْ كَانَ صَحِيحًا . قَالَ فَإِنِّي أَيُّوب وَأَخَذَ ضِغْثًا فَضَرَبَهَا بِهِ ) فَزَعَمَ اِبْن شِهَاب أَنَّ ذَلِكَ الضِّغْث كَانَ ثُمَامًا . وَرَدَّ اللَّه إِلَيْهِ أَهْله وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ , فَأَقْبَلَتْ سَحَابَة حَتَّى سَجَلَتْ فِي أَنْدَر قَمْحه ذَهَبًا حَتَّى امْتَلَأَ , وَأَقْبَلَتْ سَحَابَة أُخْرَى إِلَى أَنْدَر شَعِيرِهِ وَقَطَّانِيهِ فَسَجَلَتْ فِيهِ وَرِقًا حَتَّى اِمْتَلَأَ .

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ

قَرَأَ اِبْن عَبَّاس : | عَبْدَنَا | بِإِسْنَادٍ صَحِيح ; رَوَاهُ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو عَنْ عَطَاء عَنْهُ , وَهِيَ قِرَاءَة مُجَاهِد وَحُمَيْد وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير ; فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة يَكُون | إِبْرَاهِيم | بَدَلًا مِنْ | عَبْدنَا | وَ | إِسْحَاق وَيَعْقُوب | عَطْف . و الْقِرَاءَة بِالْجَمْعِ أَبْيَنُ , وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم , وَيَكُون | إِبْرَاهِيم | وَمَا بَعْده عَلَى الْبَدَل . النَّحَّاس : وَشَرْح هَذَا مِنْ الْعَرَبِيَّة أَنَّك إِذَا قُلْت : رَأَيْت أَصْحَابنَا زَيْدًا وَعُمْرًا وَخَالِدًا , فَزَيْد وَعَمْرو وَخَالِد بَدَل وَهُمْ الْأَصْحَاب , وَإِذَا قُلْت رَأَيْت صَاحِبَنَا زَيْدًا وَعُمْرًا وَخَالِدًا فَزَيْد وَحْده بَدَل وَهُوَ صَاحِبُنَا , وَزَيْد وَعَمْرو عَطْف عَلَى صَاحِبنَا وَلَيْسَا بِدَاخِلَيْنِ فِي الْمُصَاحَبَة إِلَّا بِدَلِيلٍ غَيْر هَذَا , غَيْر أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَوْله : | وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب | دَاخِل فِي الْعُبُودِيَّة . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ الذَّبِيح إِسْحَاق لَا إِسْمَاعِيل , وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب [ الْإِعْلَام بِمَوْلِدِ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام ]|أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ|قَالَ النَّحَّاس : أَمَّا | الْأَبْصَار | فَمُتَّفَق عَلَى تَأْوِيلهَا أَنَّهَا الْبَصَائِر فِي الدِّين وَالْعِلْم . وَأَمَّا | الْأَيْدِي | فَمُخْتَلَف فِي تَأْوِيلهَا ; فَأَهْل التَّفْسِير يَقُولُونَ : إِنَّهَا الْقُوَّة فِي الدِّين . وَقَوْم يَقُولُونَ : | الْأَيْدِي | جَمْع يَد وَهِيَ النِّعْمَة ; أَيْ هُمْ أَصْحَاب النِّعَم ; أَيْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : هُمْ أَصْحَاب النِّعَم وَالْإِحْسَان ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْسَنُوا وَقَدَّمُوا خَيْرًا . وَهَذَا اخْتِيَار الطَّبَرِيّ .

وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ

قِرَاءَة الْعَامَّة | بِخَالِصَةٍ | مُنَوَّنَة وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم . وَقَرَأَ نَافِع وَشَيْبَة وَأَبُو جَعْفَر وَهِشَام عَنْ اِبْن عَامِر | بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّار | بِالْإِضَافَةِ فَمَنْ نَوَّنَ خَالِصَة فَـ | ذِكْرَى الدَّار | بَدَل مِنْهَا ; التَّقْدِير إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ يَذْكُرُوا الدَّار الْآخِرَة وَيَتَأَهَّبُوا لَهَا وَيَرْغَبُوا فِيهَا وَيُرَغِّبُوا النَّاس فِيهَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون | خَالِصَة | مَصْدَرًا لِخَلَصَ وَ | ذِكْرَى | فِي مَوْضِع رَفْع بِأَنَّهَا فَاعِلَة , وَالْمَعْنَى أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ خَلَصَتْ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّار ; أَيْ تَذْكِير الدَّار الْآخِرَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون | خَالِصَة | مَصْدَرًا لِأَخْلَصْت فَحُذِفَتْ الزِّيَادَة , فَيَكُون | ذِكْرَى | عَلَى هَذَا فِي مَوْضِع نَصْب , التَّقْدِير : بِأَنْ أَخْلَصُوا ذِكْرَى الدَّار . وَالدَّار يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الدُّنْيَا ; أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا الدُّنْيَا وَيَزْهَدُوا فِيهَا , وَلِتَخْلُصَ لَهُمْ بِالثَّنَاءِ الْحَسَن عَلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : | وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا | [ مَرْيَم : 50 ] وَيَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الدَّار الْآخِرَة وَتَذْكِير الْخَلْق بِهَا . وَمَنْ أَضَافَ خَالِصَة إِلَى الدَّار فَهِيَ مَصْدَر بِمَعْنَى الْإِخْلَاص , وَالذِّكْرَى مَفْعُول بِهِ أُضِيفَ إِلَيْهِ الْمَصْدَر ; أَيْ بِإِخْلَاصِهِمْ ذِكْرَى الدَّار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَصْدَر مُضَافًا إِلَى الْفَاعِل وَالْخَالِصَة مَصْدَر بِمَعْنَى الْخُلُوص ; أَيْ بِأَنْ خَلَصَتْ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّار , وَهِيَ الدَّار الْآخِرَة أَوْ الدُّنْيَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : مَعْنَى أَخْلَصْنَاهُمْ أَيْ بِذِكْرِ الْآخِرَة ; أَيْ يَذْكُرُونَ الْآخِرَة وَيَرْغَبُونَ فِيهَا وَيَزْهَدُونَ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ ذَكَرْنَا الْجَنَّة لَهُمْ .

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ

أَيْ الَّذِينَ اِصْطَفَاهُمْ مِنْ الْأَدْنَاس وَاخْتَارَهُمْ لِرِسَالَتِهِ وَمُصْطَفَيْنَ جَمْع مُصْطَفَى وَالْأَصْل مُصْتَفَى وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] عِنْد قَوْله : | إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى لَكُمْ الدِّين | [ الْبَقَرَة : 132 ] | وَالْأَخْيَار | جَمْع خَيْر . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَعَبْد الْوَارِث وَالْحَسَن وَعِيسَى الثَّقَفِيّ | أُولِي الْأَيْدِ | بِغَيْرِ يَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف عَلَى مَعْنَى أُولِي الْقُوَّة فِي طَاعَة اللَّه . وَيَجُوز أَنْ يَكُون كَمَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة وَحَذْف الْيَاء تَخْفِيفًا .

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

وَقَرَأَ أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم | وَاَلْيَسَع | بِلَامٍ مُخَفَّفَةٍ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا | وَاَلْيَسَع | . وَكَذَا قَرَأَ الْكِسَائِيّ , وَرَدَّ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ | وَاَلْيَسْع | قَالَ : لِأَنَّهُ لَا يُقَال الْيَفْعَل مِثْل الْيَحْيَى . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الرَّدّ لَا يَلْزَم , وَالْعَرَب تَقُول : الْيَعْمَل وَالْيَحْمَد , وَلَوْ نَكَّرْت يَحْيَى لَقُلْت الْيَحْيَى . وَرَدَّ أَبُو حَاتِم عَلَى مَنْ قَرَأَ | اللَّيْسَع | وَقَالَ : لَا يُوجَد لَيْسَع . وَقَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الرَّدّ لَا يَلْزَم , فَقَدْ جَاءَ فِي كَلَام الْعَرَب حَيْدَر وَزَيْنَب , وَالْحَقّ فِي هَذَا أَنَّهُ اِسْم أَعْجَمِيّ , وَالْعُجْمَة لَا تُؤْخَذ بِالْقِيَاسِ إِنَّمَا تُؤْخَذ سَمَاعًا وَالْعَرَب تُغَيِّرُهَا كَثِيرًا , فَلَا يُنْكَر أَنْ يَأْتِي الِاسْم بِلُغَتَيْنِ . قَالَ مَكِّيّ : مَنْ قَرَأَ بِلَامَيْنِ فَأَصْل الِاسْم لَيْسَع , ثُمَّ دَخَلَتْ الْأَلِف وَاللَّام لِلتَّعْرِيفِ . وَلَوْ كَانَ أَصْله يَسَع مَا دَخَلَتْهُ الْأَلِف وَاللَّام ; إِذْ لَا يَدْخُلَانِ عَلَى يَزِيد وَيَشْكُر : اِسْمَيْنِ لِرَجُلَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا مَعْرِفَتَانِ عَلَمَانِ . فَأَمَّا | لَيْسَع | نَكِرَةً فَتَدْخُلهُ الْأَلِف وَاللَّام لِلتَّعْرِيفِ , وَالْقِرَاءَة بِلَامٍ وَاحِدَة أَحَبُّ إِلَيَّ ; لِأَنَّ أَكْثَر الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ : مَنْ قَرَأَ | الْيَسَع | بِلَامٍ وَاحِدَة فَالِاسْم يَسَع , وَدَخَلَتْ الْأَلِف وَاللَّام زَائِدَتَيْنِ , كَزِيَادَتِهِمَا فِي نَحْو الْخَمْسَة عَشَرَ , وَفِي نَحْو قَوْل : <br>وَجَدْنَا الْيَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ مُبَارَكًا .......... شَدِيدًا بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ كَاهِلُهْ <br>وَقَدْ زَادُوهَا فِي الْفِعْل الْمُضَارِع نَحْو قَوْلِه : <br>فَيَسْتَخْرِجُ الْيَرْبُوعَ مِنْ نَافِقَائِهِ .......... وَمِنْ بَيْتِهِ بِالشَّيْخَةِ الْيَتَقَصَّعُ <br>يُرِيد الَّذِي يَتَقَصَّعُ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : قُرِئَ بِتَخْفِيفِ اللَّام وَالتَّشْدِيد . وَالْمَعْنَى وَاحِد فِي أَنَّهُ اِسْم لِنَبِيٍّ مَعْرُوف ; مِثْل إِسْمَاعِيل وَإِبْرَاهِيم , وَلَكِنْ خَرَجَ عَمَّا عَلَيْهِ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة بِإِدْخَالِ الْأَلِف وَاللَّام . وَتَوَهَّمَ قَوْم أَنَّ الْيَسَعَ هُوَ إِلْيَاس , وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَفْرَدَ كُلّ وَاحِد بِالذِّكْرِ . وَقَالَ وَهْب : الْيَسَع هُوَ صَاحِب إِلْيَاس , وَكَانَا قَبْل زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى . وَقِيلَ : إِلْيَاس هُوَ إِدْرِيس وَهَذَا غَيْر صَحِيح لِأَنَّ إِدْرِيس جَدّ نُوح وَإِلْيَاس مِنْ ذُرِّيَّته . وَقِيلَ : إِلْيَاس هُوَ الْخَضِر . وَقِيلَ : لَا , بَلْ الْيَسَع هُوَ الْخَضِر . | وَذَا الْكِفْل | خَرَّجَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل يُقَال لَهُ ذُو الْكِفْل لَا يَتَوَرَّع مِنْ ذَنْب عَمِلَهُ فَاتَّبَعَ اِمْرَأَة فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَد الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته اِرْتَعَدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيك قَالَتْ مِنْ هَذَا الْعَمَل وَاَللَّهِ مَا عَمِلْته قَطُّ قَالَ أَأَكْرَهْتُك قَالَتْ لَا وَلَكِنْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ الْحَاجَة قَالَ اِذْهَبِي فَهُوَ لَك وَاَللَّه لَا أَعْصِي اللَّه بَعْدهَا أَبَدًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ لَيْلَته فَوَجَدُوا مَكْتُوبًا عَلَى بَاب دَاره إِنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لِذِي الْكِفْل ) وَخَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَلَفْظه . اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّث حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ - حَتَّى عَدَّ سَبْع مَرَّات - لَمْ أُحَدِّث بِهِ وَلَكِنِّي سَمِعَتْهُ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ; سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( كَانَ ذُو الْكِفْل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْب عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ اِمْرَأَة فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَد الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته اِرْتَعَدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيك أَأَكْرَهْتُك قَالَتْ لَا وَلَكِنَّهُ عَمَل مَا عَمِلْته قَطُّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الْحَاجَة فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اِذْهَبِي فَهِيَ لَكِ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَعْصِي اللَّه بَعْدهَا أَبَدًا فَمَاتَ مِنْ لَيْلَته فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابه إِنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لِذِي الْكِفْل ) قَالَ : حَدِيث حَسَن . وَقِيلَ إِنَّ الْيَسَع لَمَّا كَبِرَ قَالَ : لَوْ اِسْتَخْلَفْت رَجُلًا عَلَى النَّاس أَنْظُر كَيْف يَعْمَل . فَقَالَ : مَنْ يَتَكَفَّل لِي بِثَلَاثٍ : بِصِيَامِ النَّهَار وَقِيَام اللَّيْل وَأَلَّا يَغْضَب وَهُوَ يَقْضِي ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ ذُرِّيَّة العيص : أَنَا ; فَرَدَّهُ ثُمَّ قَالَ مِثْلهَا مِنْ الْغَد ; فَقَالَ الرَّجُل : أَنَا ; فَاسْتَخْلَفَهُ فَوَفَّى فَأَثْنَى اللَّه عَلَيْهِ فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْل ; لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِأَمْرٍ ; قَالَ أَبُو مُوسَى وَمُجَاهِد وَقَتَادَة . وَقَالَ عَمْرو بْن الرَّحْمَن بْن الْحَارِث وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ ذَا الْكِفْل لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا , وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا فَتَكَفَّلَ بِعَمَلِ رَجُل صَالِح عِنْد مَوْته , وَكَانَ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلّ يَوْم مِائَة صَلَاة فَأَحْسَنَ اللَّه الثَّنَاء عَلَيْهِ قَالَ كَعْب : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل مَلِك كَافِر فَمَرَّ بِبِلَادِهِ رَجُل صَالِح فَقَالَ : وَاَللَّهِ إِنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الْبِلَاد حَتَّى أَعْرِض عَلَى هَذَا الْمَلِك الْإِسْلَام . فَعَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا جَزَائِي ؟ قَالَ : الْجَنَّة - وَوَصَفَهَا لَهُ - قَالَ : مَنْ يَتَكَفَّل لِي بِذَلِكَ ؟ قَالَ : أَنَا فَأَسْلَمَ الْمَلِك وَتَخَلَّى عَنْ الْمَمْلَكَة وَأَقْبَلَ عَلَى طَاعَة رَبّه حَتَّى مَاتَ , فَدُفِنَ فَأَصْبَحُوا فَوَجَدُوا يَده خَارِجَة مِنْ الْقَبْر وَفِيهَا رُقْعَة خَضْرَاء مَكْتُوب فِيهَا بِنُور أَبْيَض : إِنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لِي وَأَدْخَلَنِي الْجَنَّة وَوَفَّى عَنْ كَفَالَة فُلَان فَأَسْرَعَ النَّاس إِلَى ذَلِكَ الرَّجُل بِأَنْ يَأْخُذ عَلَيْهِمْ الْإِيمَان , وَيَتَكَفَّل لَهُمْ بِمَا تَكَفَّلَ بِهِ لِلْمَلِكِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَآمَنُوا كُلّهمْ فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْل . وَقِيلَ : كَانَ رَجُلًا عَفِيفًا يَتَكَفَّل بِشَأْنِ كُلّ إِنْسَان وَقَعَ فِي بَلَاء أَوْ تُهْمَة أَوْ مُطَالَبَة فَيُنْجِيهِ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ . وَقِيلَ : سُمِّيَ ذَا الْكِفْل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى تَكَفَّلَ لَهُ فِي سَعْيه وَعَمَله بِضِعْفِ عَمَل غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانه . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ نَبِيّ قَبْل إِلْيَاس . وَقِيلَ : هُوَ زَكَرِيَّا بِكَفَالَةِ مَرْيَم .|وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ|أَيْ مِمَّنْ اُخْتِيرَ لِلنُّبُوَّةِ .

وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

بِمَعْنَى هَذَا ذِكْر جَمِيل فِي الدُّنْيَا وَشَرَف يَذْكُرُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَبَدًا .|وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ|أَيْ لَهُمْ مَعَ هَذَا الذِّكْر الْجَمِيل فِي الدُّنْيَا حُسْن الْمَرْجِع فِي الْقِيَامَة .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ

وَالْعَدْن فِي اللُّغَة الْإِقَامَة ; يُقَال : عَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : إِنَّ فِي الْجَنَّة قَصْرًا يُقَال لَهُ عَدْن حَوْله الْبُرُوج وَالْمُرُوج فِيهِ خَمْسَة آلَاف بَاب عَلَى كُلّ بَاب خَمْسَة آلَاف حَبَرَة لَا يَدْخُلهُ إِلَّا نَبِيّ أَوْ صِدِّيق أَوْ شَهِيد .|مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ|| مُفَتَّحَة | حَال | لَهُمْ الْأَبْوَاب | رُفِعَتْ الْأَبْوَاب لِأَنَّهُ اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب مِنْهَا . وَقَالَ الْفَرَّاء : مُفَتَّحَة لَهُمْ أَبْوَابهَا . وَأَجَازَ الْفَرَّاء : | مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَاب | بِالنَّصْبِ . قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ مُفَتَّحَة الْأَبْوَاب ثُمَّ جِئْت بِالتَّنْوِينِ فَنَصَبْت . وَأَنْشَدَ هُوَ وَسِيبَوَيْهِ : <br>وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ .......... أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ <br>وَإِنَّمَا قَالَ : | مُفَتَّحَة | وَلَمْ يَقُلْ مَفْتُوحَة ; لِأَنَّهَا تُفْتَح لَهُمْ بِالْأَمْرِ لَا بِالْمَسِّ . قَالَ الْحَسَن : تُكَلَّم : اِنْفَتِحِي فَتَنْفَتِح اِنْغَلِقِي فَتَنْغَلِق . وَقِيلَ : تَفْتَح لَهُمْ الْمَلَائِكَة الْأَبْوَاب .

قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ

هُوَ حَال قُدِّمَتْ عَلَى الْعَامِل فِيهَا وَهُوَ قَوْله : | يَدْعُونَ فِيهَا ||يَدْعُونَ فِيهَا|أَيْ يَدْعُونَ فِي الْجَنَّات مُتَّكِئِينَ فِيهَا .|بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ|أَيْ بِأَلْوَانِ الْفَوَاكِه|وَشَرَابٍ|أَيْ وَشَرَاب كَثِير فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .

ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ

أَيْ عَلَى أَزْوَاجهنَّ لَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرهمْ ; وَقَد مَضَى فِي الصَّافَات .|أَتْرَابٌ|أَيْ عَلَى سِنّ وَاحِد . وَمِيلَاد اِمْرَأَة وَاحِدَة , وَقَدْ تَسَاوَيْنَ فِي الْحُسْن وَالشَّبَاب , بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْآدَمِيَّات . وَ | أَتْرَاب | جَمْع تِرْب وَهُوَ نَعْت لِقَاصِرَاتٍ ; لِأَنَّ | قَاصِرَات | نَكِرَة وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَعْرِفَة . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِف وَاللَّام يَدْخُلَانِهِ كَمَا قَالَ : <br>مِنْ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ .......... مِنْ الذَّرِّ فَوْق الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا<br>

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ

أَيْ هَذَا الْجَزَاء الَّذِي وُعِدْتُمْ بِهِ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالتَّاءِ أَيْ مَا تُوعَدُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر , وَهِيَ قِرَاءَة السُّلَمِيّ وَاخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآب | فَهُوَ خَبَر . | لِيَوْمِ الْحِسَاب | أَيْ فِي يَوْم الْحِسَاب , قَالَ الْأَعْشَى : <br>الْمُهِينِينَ مَا لَهُمْ لِزَمَانِ .......... السُّوءِ حَتَّى إِذَا أَفَاقَ أَفَاقُوا <br>أَيْ فِي زَمَان السُّوء .

فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

دَلِيل عَلَى أَنَّ نَعِيم الْجَنَّة دَائِم لَا يَنْقَطِع ; كَمَا قَالَ : | عَطَاء غَيْر مَجْذُوذ | [ هُود : 108 ] وَقَالَ : | لَهُمْ أَجْر غَيْر مَمْنُون | [ التِّين : 6 ] .

رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ

لَمَّا ذَكَرَ مَا لِلْمُتَّقِينَ ذَكَرَ مَا لِلطَّاغِينَ قَالَ الزَّجَّاج : | هَذَا | خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف أَيْ الْأَمْر هَذَا فَيُوقَف عَلَى | هَذَا | قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : | هَذَا | وَقْف حَسَن .|وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ|ثُمَّ تَبْتَدِئ | وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ | وَهُمْ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُل .|لَشَرَّ مَآبٍ|أَيْ مُنْقَلَب يَصِيرُونَ إِلَيْهِ .

يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ

أَيْ بِئْسَ مَا مَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ , أَوْ بِئْسَ الْفِرَاش لَهُمْ . وَمِنْهُ مَهْد الصَّبِيّ . وَقِيلَ : فِيهِ حَذْف أَيْ بِئْسَ مَوْضِع الْمِهَاد . وَقِيلَ : أَيْ هَذَا الَّذِي وَصَفْت لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ , ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَرْجِع فَيُوقَف عَلَى | هَذَا | أَيْضًا .

الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

| هَذَا | فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره | حَمِيم | عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ; أَيْ هَذَا حَمِيم وَغَسَّاق فَلْيَذُوقُوهُ . وَلَا يُوقَف عَلَى | فَلْيَذُوقُوهُ | وَيَجُوز أَنْ يَكُون | هَذَا | فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ | فَلْيَذُوقُوهُ | فِي مَوْضِع الْخَبَر , وَدَخَلَتْ الْفَاء لِلتَّنْبِيهِ الَّذِي فِي | هَذَا | فَيُوقَف عَلَى | فَلْيَذُوقُوهُ | وَيَرْتَفِع | حَمِيم | عَلَى تَقْدِير هَذَا حَمِيم . قَالَ النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى الْأَمْر هَذَا , وَحَمِيم وَغَسَّاق إِذَا لَمْ تَجْعَلهُمَا خَبَرًا فَرَفْعهمَا عَلَى مَعْنَى هُوَ حَمِيم وَغَسَّاق . وَالْفَرَّاء يَرْفَعُهُمَا بِمَعْنَى مِنْهُ حَمِيم وَمِنْهُ غَسَّاق وَأَنْشَدَ : <br>حَتَّى إِذَا مَا أَضَاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ .......... وَغُودِرَ الْبَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَهَا مَتَاعٌ وَأَعْوَانٌ غَدَوْنَ بِهِ .......... قِتْبٌ وَغَرْبٌ إِذَا مَا أُفْرِغَ اِنْسَحَقَا <br>وَيَجُوز أَنْ يَكُون | هَذَا | فِي مَوْضِع نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل يُفَسِّرهُ | فَلْيَذُوقُوهُ | كَمَا تَقُول زَيْدًا اِضْرِبْهُ . وَالنَّصْب فِي هَذَا أَوْلَى فَيُوقَف عَلَى | فَلْيَذُوقُوهُ | وَتَبْتَدِئ | حَمِيم وَغَسَّاق | عَلَى تَقْدِير الْأَمْر حَمِيم وَغَسَّاق . وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَهْل الْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ بِتَخْفِيفِ السِّين فِي | وَغَسَّاق | . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | وَغَسَّاق | بِالتَّشْدِيدِ , وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد فِي قَوْل الْأَخْفَش . وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف ; فَمَنْ خَفَّفَ فَهُوَ اِسْم مِثْل عَذَاب وَجَوَاب وَصَوَاب , وَمَنْ شَدَّدَ قَالَ : هُوَ اِسْم فَاعِل نُقِلَ إِلَى فَعَّال لِلْمُبَالَغَةِ , نَحْو ضَرَّاب وَقَتَّال وَهُوَ فَعَّال مِنْ غَسَقَ يَغْسِقُ فَهُوَ غَسَّاق وَغَاسِق . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الزَّمْهَرِيرُ يُخَوِّفُهُمْ بِبَرْدِهِ . وَقَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل : هُوَ الثَّلْج الْبَارِد الَّذِي قَدْ اِنْتَهَى بَرْدُهُ . وَقَالَ غَيْرهمَا . إِنَّهُ يُحْرِق بِبَرْدِهِ كَمَا يُحْرِق الْحَمِيم بِحَرِّهِ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : هُوَ قَيْح غَلِيظ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْء بِالْمَشْرِقِ لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَغْرِب , وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْء فِي الْمَغْرِب لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَشْرِق . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ مَا يَسِيل مِنْ فُرُوج الزُّنَاة وَمِنْ نَتْنِ لُحُوم الْكَفَرَة وَجُلُودهمْ مِنْ الصَّدِيد وَالْقَيْح وَالنَّتْنِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : هُوَ عُصَارَة أَهْل النَّار . وَهَذَا الْقَوْل أَشْبَهُ بِاللُّغَةِ ; يُقَال : غَسَقَ الْجُرْح يَغْسِقُ غَسْقًا إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَاء أَصْفَر ; قَالَ الشَّاعِر : <br>إِذَا مَا تَذَكَّرْت الْحَيَاةَ وَطِيبَهَا .......... إِلَيَّ جَرَى دَمْعٌ مِنْ اللَّيْلِ غَاسِق <br>أَيْ بَارِد . وَيُقَال : لَيْل غَاسِق ; لِأَنَّهُ أَبْرَدُ مِنْ النَّهَار . وَقَالَ السُّدِّيّ : الْغَسَّاق الَّذِي يَسِيل مِنْ أَعْيُنهمْ وَدُمُوعهمْ يُسْقَوْنَهُ مَعَ الْحَمِيم . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْحَمِيم دُمُوع أَعْيُنهمْ , يُجْمَع فِي حِيَاض النَّار فَيُسْقَوْنَهُ , وَالصَّدِيد الَّذِي يَخْرُج مِنْ جُلُودهمْ . وَالِاخْتِيَار عَلَى هَذَا | وَغَسَّاق | حَتَّى يَكُون مِثْل سَيَّال . وَقَالَ كَعْب : الْغَسَّاق عَيْن فِي جَهَنَّم يَسِيل إِلَيْهَا سَمُّ كُلّ ذِي حُمَّة مِنْ عَقْرَب وَحَيَّة . وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الظُّلْمَة وَالسَّوَاد . وَالْغَسَق أَوَّل ظُلْمَة اللَّيْل , وَقَدْ غَسَقَ اللَّيْل يَغْسِق إِذَا أَظْلَمَ . وَفِي التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ ( لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاق يُهْرَاق فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْل الدُّنْيَا ) . قُلْت : وَهَذَا أَشْبَه عَلَى الِاشْتِقَاق الْأَوَّل كَمَا بَيَّنَّا , إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْغَسَّاق مَعَ سَيَلَانه أَسْوَد مُظْلِمًا فَيَصِحّ الِاشْتِقَاقَانِ . وَاَللَّه أَعْلَم .

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ

قَرَأَ أَبُو عَمْرو : | وَأُخَر | جَمْع أُخْرَى مِثْل الْكُبْرَى وَالْكُبَر . الْبَاقُونَ : | وَآخَر | مُفْرَد مُذَكَّر . وَأَنْكَرَ أَبُو عَمْرو | وَآخَر | لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَزْوَاج | أَيْ لَا يُخْبَرُ بِوَاحِدٍ عَنْ جَمَاعَة . وَأَنْكَرَ عَاصِم الْجَحْدَرِيّ | وَأُخَر | قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ | وَأُخَر | لَكَانَ مِنْ شَكْلهَا . وَكِلَا الرَّدَّيْنِ لَا يَلْزَم وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ . | وَآخَر | أَيْ وَعَذَاب آخَر سِوَى الْحَمِيم وَالْغَسَّاق . | مِنْ شَكْله | قَالَ قَتَادَة : مِنْ نَحْوه . قَالَ اِبْن مَسْعُود : هُوَ الزَّمْهَرِير . وَارْتَفَعَ | وَآخَرُ | بِالِابْتِدَاءِ وَ | أَزْوَاجٌ | مُبْتَدَأ ثَانٍ وَ | مِنْ شَكْله | خَبَره وَالْجُمْلَة خَبَر | آخَر | . وَيَجُوز أَنْ يَكُون | وَآخَر | مُبْتَدَأ وَالْخَبَر مُضْمَر دَلَّ عَلَيْهِ | هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق | لِأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَلَهُمْ آخَر وَيَكُون | مِنْ شَكْله أَزْوَاج | صِفَة لِآخَر فَالْمُبْتَدَأ مُتَخَصِّص بِالصِّفَةِ وَ | أَزْوَاج | مَرْفُوع بِالظَّرْفِ . وَمَنْ قَرَأَ | وَأُخَر | أَرَادَ وَأَنْوَاع مِنْ الْعَذَاب أُخَرُ , وَمَنْ جَمَعَ وَهُوَ يُرِيد الزَّمْهَرِير فَعَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِير أَجْنَاسًا فَجُمِعَ لِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاس . أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ جُزْء مِنْهُ زَمْهَرِيرًا ثُمَّ جُمِعَ كَمَا قَالُوا : شَابَتْ مَفَارِقُهُ . أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَمْع لِمَا فِي الْكَلَام مِنْ الدَّلَالَة عَلَى جَوَاز الْجَمْع ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِير الَّذِي هُوَ نِهَايَة الْبَرْد بِإِزَاءِ الْجَمْع فِي قَوْل : | هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق | وَالضَّمِير فِي | شَكْله | يَجُوز أَنْ يَعُود عَلَى الْحَمِيم أَوْ الْغَسَّاق . أَوْ عَلَى مَعْنَى | وَآخَر مِنْ شَكْله | مَا ذَكَرْنَا , وَرُفِعَ | أُخَر | عَلَى قِرَاءَة الْجَمْع بِالِابْتِدَاءِ وَ | مِنْ شَكْله | صِفَة لَهُ وَفِيهِ ذِكْر يَعُود عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَ | أَزْوَاج | خَبَر الْمُبْتَدَإِ . وَلَا يَجُوز أَنْ يُحْمَل عَلَى تَقْدِير وَلَهُمْ أُخَر وَ | مِنْ شَكْله | صِفَة لِأُخَرَ وَ | أَزْوَاج | مُرْتَفِعَة بِالظَّرْفِ كَمَا جَازَ فِي الْإِفْرَاد ; لِأَنَّ الصِّفَة لَا ضَمِير فِيهَا مِنْ حَيْثُ اِرْتَفَعَ | أَزْوَاج | مُفْرَد , قَالَهُ أَبُو عَلِيّ . وَ | أَزْوَاج | أَيْ أَصْنَاف وَأَلْوَان مِنْ الْعَذَاب . وَقَالَ يَعْقُوب : الشَّكْل بِالْفَتْحِ الْمِثْل وَبِالْكَسْرِ الدَّلّ .

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ أَنَّ الْقَادَة إِذَا دَخَلُوا النَّار ثُمَّ دَخَلَ بَعْدهمْ الْأَتْبَاع , قَالَتْ الْخَزَنَة لِلْقَادَةِ : | هَذَا فَوْج | يَعْنِي الْأَتْبَاع وَالْفَوْج الْجَمَاعَة | مُقْتَحِم مَعَكُمْ | أَيْ دَاخِل النَّار مَعَكُمْ ; فَقَالَتْ السَّادَة : | لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ||لَا مَرْحَبًا بِهِمْ|أَيْ لَا اِتَّسَعَتْ مَنَازِلهمْ فِي النَّار . وَالرَّحْب السَّعَة , وَمِنْهُ رَحْبَةُ الْمَسْجِد وَغَيْره . وَهُوَ فِي مَذْهَب الدُّعَاء فَلِذَلِكَ نُصِبَ ; قَالَ النَّابِغَة : <br>لَا مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلَا أَهْلًا بِهِ .......... إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الْأَحِبَّةِ فِي غَدٍ <br>قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الْعَرَب تَقُول : لَا مَرْحَبًا بِك ; أَيْ لَا رَحُبَتْ عَلَيْك الْأَرْض وَلَا اِتَّسَعَتْ .|إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ|قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْقَادَة , أَيْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّار كَمَا صَلَيْنَاهَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة مُتَّصِل بِقَوْلِهِمْ : | هَذَا فَوْج مُقْتَحِم مَعَكُمْ |

وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

هُوَ مِنْ قَوْل الْأَتْبَاع وَحَكَى النَّقَّاش : أَنَّ الْفَوْج الْأَوَّل قَادَة الْمُشْرِكِينَ وَمُطْعِمُوهُمْ يَوْم بَدْر , وَالْفَوْج الثَّانِي أَتْبَاعُهُمْ بِبَدْرٍ وَالظَّاهِر مِنْ الْآيَة أَنَّهَا عَامَّة فِي كُلّ تَابِع وَمَتْبُوع .|أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا|أَيْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى الْعِصْيَان|فَبِئْسَ الْقَرَارُ|لَنَا وَلَكُمْ

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ

يَعْنِي الْأَتْبَاع|رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا|قَالَ الْفَرَّاء : مَنْ سَوَّغَ لَنَا هَذَا وَسَنَّهُ وَقَالَ غَيْره مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا الْعَذَاب بِدُعَائِهِ إِيَّانَا إِلَى الْمَعَاصِي|فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ|وَعَذَابًا بِدُعَائِهِ إِيَّانَا فَصَارَ ذَلِكَ ضِعْفًا . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : مَعْنَى عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّار الْحَيَّات وَالْأَفَاعِي . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة قَوْلُهُ تَعَالَى : | رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار | [ الْأَعْرَاف : 38 ] .

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ

يَعْنِي أَكَابِر الْمُشْرِكِينَ|مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيدُونَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; يَقُول أَبُو جَهْل : أَيْنَ بِلَال أَيْنَ صُهَيْب أَيْنَ عَمَّار أُولَئِكَ فِي الْفِرْدَوْس وَاعَجَبًا لِأَبِي جَهْل مِسْكِين ; أَسْلَمَ اِبْنه عِكْرِمَة , وَابْنَته جُوَيْرِيَة , وَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ , وَأَسْلَمَ أَخُوهُ , وَكَفَرَ هُوَ ; قَالَ : <br>وَنُورًا أَضَاءَ الْأَرْض شَرْقًا وَمَغْرِبًا .......... وَمَوْضِعُ رِجْلِي مِنْهُ أَسْوَدُ مُظْلِمُ<br>

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ

قَالَ مُجَاهِد : أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا فِي الدُّنْيَا فَأَخْطَأْنَا وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَنَافِع وَشَيْبَة وَالْمُفَضَّل وَهُبَيْرَة وَيَحْيَى وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ , : | سُخْرِيًّا | بِضَمِّ السِّين . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : مَنْ كَسَرَ جَعَلَهُ مِنْ الْهُزْء وَمَنْ ضَمَّ جَعَلَهُ مِنْ التَّسْخِير . وَقَدْ تَقَدَّمَ .|أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ|فَلَمْ نَعْلَمْ مَكَانهمْ . قَالَ الْحَسَن : كُلّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلُوا ; اِتَّخَذُوهُمْ سِخْرِيًّا , وَزَاغَتْ عَنْهُمْ أَبْصَارهمْ فِي الدُّنْيَا مُحَقِّرَة لَهُمْ . وَقِيلَ : مَعْنَى | أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار | أَيْ أَهُمْ مَعَنَا فِي النَّار فَلَا نَرَاهُمْ . وَكَانَ اِبْن كَثِير وَالْأَعْمَش وَأَبُو عُمَر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ يَقْرَءُونَ | مِنْ الْأَشْرَار اِتَّخَذْنَاهُمْ | بِحَذْفِ الْأَلِف فِي الْوَصْل . وَكَانَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَنَافِع وَعَاصِم وَابْن عَامِر يَقْرَءُونَ | أَتَّخَذْنَاهُمْ | بِقَطْعِ الْأَلِف عَلَى الِاسْتِفْهَام وَسَقَطَتْ أَلِف الْوَصْل ; لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهَا ; فَمَنْ قَرَأَ بِحَذْفِ الْأَلِف لَمْ يَقِفْ عَلَى | الْأَشْرَار | لِأَنَّ | اِتَّخَذْنَاهُمْ | حَال . وَقَالَ النَّحَّاس وَالسِّجِسْتَانِيّ : هُوَ نَعْت لِرِجَالٍ . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ النَّعْت لَا يَكُون مَاضِيًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا . وَمَنْ قَرَأَ : | أَتَّخَذْنَاهُمْ | بِقَطْعِ الْأَلِف وَقَفَ عَلَى | الْأَشْرَار | قَالَ الْفَرَّاء : وَالِاسْتِفْهَام هُنَا بِمَعْنَى التَّوْبِيخ وَالتَّعَجُّب . | أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار | إِذَا قَرَأْت بِالِاسْتِفْهَامِ كَانَتْ أَمْ لِلتَّسْوِيَةِ , وَإِذَا قَرَأْت بِغَيْرِ الِاسْتِفْهَام فَهِيَ بِمَعْنَى بَلْ .

إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ

| لَحَقٌّ | خَبَر إِنَّ وَ | تَخَاصُم | خَبَر مُبْتَدَإٍ مَحْذُوف بِمَعْنَى هُوَ تَخَاصُم . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَدَلًا مِنْ حَقّ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَرًا بَعْد خَبَر . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْضِع . أَيْ إِنَّ تَخَاصُم أَهْل النَّار فِي النَّار لَحَقٌّ . يَعْنِي قَوْلهمْ : | لَا مَرْحَبًا بِكُمْ | الْآيَة وَشِبْهه مِنْ قَوْل أَهْل النَّار .

فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ

أَيْ مُخَوِّفٌ عِقَابَ اللَّه لِمَنْ عَصَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ .|وَمَا مِنْ إِلَهٍ|أَيْ مَعْبُود|إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ|الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ

بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْت وَإِنْ نَصَبْت الْأَوَّل نَصَبْته . وَيَجُوز رَفْع الْأَوَّل وَنَصْب مَا بَعْده عَلَى الْمَدْح .|الْعَزِيزُ|مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا مِثْل لَهُ .|الْغَفَّارُ|السَّتَّار لِذُنُوبِ خَلْقه .

وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ

أَيْ وَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد|هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ|أَيْ مَا أُنْذِرُكُمْ بِهِ مِنْ الْحِسَاب وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب خَبَر عَظِيم الْقَدْر فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَخَفَّ بِهِ . قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَة . نَظِيره قَوْله تَعَالَى : | عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيم | [ النَّبَأ : 1 - 2 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة : يَعْنِي الْقُرْآن الَّذِي أَنْبَأَكُمْ بِهِ خَبَر جَلِيل . وَقِيلَ : عَظِيم الْمَنْفَعَة | أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ |

وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَع

ذَكَرَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : أَنَّ اِسْم هَذَا الرَّجُل حَبِيب . وَقِيلَ : شَمْعَان بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ . وَفِي تَارِيخ الطَّبَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه : اِسْمه خبرك . وَقِيلَ : حِزْقِيل : ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَكْثَر الْعُلَمَاء . الزَّمَخْشَرِيّ : وَاسْمه سَمْعَان أَوْ حَبِيب . وَقِيلَ : خربيل أَوْ حزبيل . وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا أَوْ قِبْطِيًّا فَقَالَ الْحَسَن وَغَيْره : كَانَ قِبْطِيًّا . وَيُقَال : إِنَّهُ كَانَ اِبْن عَمّ فِرْعَوْن ; قَالَهُ السُّدِّيّ . قَالَ : وَهُوَ الَّذِي نَجَا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; وَلِهَذَا قَالَ : | مِنْ آلِ فِرْعَوْن | وَهَذَا الرَّجُل هُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَجَاءَ رَجُل مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى | [ الْقَصَص : 20 ] الْآيَة . وَهَذَا قَوْل مُقَاتِل . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَكُنْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مُؤْمِن غَيْره وَغَيْر اِمْرَأَة فِرْعَوْن وَغَيْر الْمُؤْمِن الَّذِي أَنْذَرَ مُوسَى فَقَالَ : | إِنَّ الْمَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك | [ الْقَصَص : 20 ] . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الصِّدِّيقُونَ حَبِيب النَّجَّار مُؤْمِن آل يس وَمُؤْمِن آل فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّي اللَّه وَالثَّالِث أَبُو بَكْر الصِّدِّيق , وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ ) وَفِي هَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَا تَعْجَب مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك . وَكَانَ هَذَا الرَّجُل لَهُ وَجَاهَة عِنْد فِرْعَوْن ; فَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِسُوءٍ . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَكْتُم إِيمَانه مِنْ آل فِرْعَوْن ; عَنْ السُّدِّيّ أَيْضًا . فَفِي الْكَلَام عَلَى هَذَا تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالتَّقْدِير : وَقَالَ رَجُل مُؤْمِن يَكْتُم إِيمَانه مِنْ آل فِرْعَوْن . فَمَنْ جَعَلَ الرَّجُل قِبْطِيًّا فَـ | مِنْ | عِنْده مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ صِفَة الرَّجُل ; التَّقْدِير ; وَقَالَ رَجُل مُؤْمِن مَنْسُوب مِنْ آل فِرْعَوْن ; أَيْ مِنْ أَهْله وَأَقَارِبه . وَمَنْ جَعَلَهُ إِسْرَائِيلِيًّا فَـ | مِنْ | مُتَعَلِّقَة بِـ | يَكْتُم | فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لِـ | يَكْتُم | . الْقُشَيْرِيّ : وَمَنْ جَعَلَهُ إِسْرَائِيلِيًّا فَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّهُ يُقَال كَتَمَهُ أَمْرَ كَذَا وَلَا يُقَال كَتَمَ مِنْهُ . قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا | [ النِّسَاء : 42 ] وَأَيْضًا مَا كَانَ فِرْعَوْن يَحْتَمِل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِثْل هَذَا الْقَوْل .<BR> ذَكَرَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : أَنَّ اِسْم هَذَا الرَّجُل حَبِيب . وَقِيلَ : شَمْعَان بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ . وَفِي تَارِيخ الطَّبَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه : اِسْمه خبرك . وَقِيلَ : حِزْقِيل : ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَكْثَر الْعُلَمَاء . الزَّمَخْشَرِيّ : وَاسْمه سَمْعَان أَوْ حَبِيب . وَقِيلَ : خربيل أَوْ حزبيل . وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا أَوْ قِبْطِيًّا فَقَالَ الْحَسَن وَغَيْره : كَانَ قِبْطِيًّا . وَيُقَال : إِنَّهُ كَانَ اِبْن عَمّ فِرْعَوْن ; قَالَهُ السُّدِّيّ . قَالَ : وَهُوَ الَّذِي نَجَا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; وَلِهَذَا قَالَ : | مِنْ آلِ فِرْعَوْن | وَهَذَا الرَّجُل هُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَجَاءَ رَجُل مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى | [ الْقَصَص : 20 ] الْآيَة . وَهَذَا قَوْل مُقَاتِل . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَكُنْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مُؤْمِن غَيْره وَغَيْر اِمْرَأَة فِرْعَوْن وَغَيْر الْمُؤْمِن الَّذِي أَنْذَرَ مُوسَى فَقَالَ : | إِنَّ الْمَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك | [ الْقَصَص : 20 ] . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الصِّدِّيقُونَ حَبِيب النَّجَّار مُؤْمِن آل يس وَمُؤْمِن آل فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّي اللَّه وَالثَّالِث أَبُو بَكْر الصِّدِّيق , وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ ) وَفِي هَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَا تَعْجَب مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك . وَكَانَ هَذَا الرَّجُل لَهُ وَجَاهَة عِنْد فِرْعَوْن ; فَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِسُوءٍ . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَكْتُم إِيمَانه مِنْ آل فِرْعَوْن ; عَنْ السُّدِّيّ أَيْضًا . فَفِي الْكَلَام عَلَى هَذَا تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالتَّقْدِير : وَقَالَ رَجُل مُؤْمِن يَكْتُم إِيمَانه مِنْ آل فِرْعَوْن . فَمَنْ جَعَلَ الرَّجُل قِبْطِيًّا فَـ | مِنْ | عِنْده مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ صِفَة الرَّجُل ; التَّقْدِير ; وَقَالَ رَجُل مُؤْمِن مَنْسُوب مِنْ آل فِرْعَوْن ; أَيْ مِنْ أَهْله وَأَقَارِبه . وَمَنْ جَعَلَهُ إِسْرَائِيلِيًّا فَـ | مِنْ | مُتَعَلِّقَة بِـ | يَكْتُم | فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لِـ | يَكْتُم | . الْقُشَيْرِيّ : وَمَنْ جَعَلَهُ إِسْرَائِيلِيًّا فَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّهُ يُقَال كَتَمَهُ أَمْرَ كَذَا وَلَا يُقَال كَتَمَ مِنْهُ . قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا | [ النِّسَاء : 42 ] وَأَيْضًا مَا كَانَ فِرْعَوْن يَحْتَمِل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِثْل هَذَا الْقَوْل .' ><B><font color=red>يَكْتُمُ إِيمَانَهُ</font></B><BR><span id=tafseer1 ><BR><BR>قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : ظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ الْمُكَلَّف إِذَا كَتَمَ إِيمَانه , وَلَمْ يَتَلَفَّظ بِهِ بِلِسَانِهِ لَا يَكُون مُؤْمِنًا بِاعْتِقَادِهِ , وَقَدْ قَالَ مَالِك : إِنَّ الرَّجُل إِذَا نَوَى بِقَلْبِهِ طَلَاق زَوْجَته أَنَّهُ يَلْزَمهُ , كَمَا يَكُون مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ وَكَافِرًا بِقَلْبِهِ . فَجَعَلَ مَدَار الْإِيمَان عَلَى الْقَلْب وَأَنَّهُ كَذَلِكَ , لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاق وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُول الْفِقْه ; بِمَا لُبَابُه أَنَّ الْمُكَلَّف إِذْ نَوَى الْكُفْر بِقَلْبِهِ كَانَ كَافِرًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ , وَأَمَّا إِذَا نَوَى الْإِيمَان بِقَلْبِهِ فَلَا يَكُون مُؤْمِنًا بِحَالٍ حَتَّى يَتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ , وَلَا تَمْنَعَهُ التَّقِيَّة وَالْخَوْف مِنْ أَنْ يَتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى , إِنَّمَا تَمْنَعهُ التَّقِيَّة مِنْ أَنْ يَسْمَعهُ غَيْره , وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْإِيمَان أَنْ يَسْمَعهُ الْغَيْر فِي صِحَّته مِنْ التَّكْلِيف , وَإِنَّمَا يُشْتَرَط سَمَاع الْغَيْر لَهُ لِيَكُفَّ عَنْ نَفْسه وَمَاله .<BR> قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : ظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ الْمُكَلَّف إِذَا كَتَمَ إِيمَانه , وَلَمْ يَتَلَفَّظ بِهِ بِلِسَانِهِ لَا يَكُون مُؤْمِنًا بِاعْتِقَادِهِ , وَقَدْ قَالَ مَالِك : إِنَّ الرَّجُل إِذَا نَوَى بِقَلْبِهِ طَلَاق زَوْجَته أَنَّهُ يَلْزَمهُ , كَمَا يَكُون مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ وَكَافِرًا بِقَلْبِهِ . فَجَعَلَ مَدَار الْإِيمَان عَلَى الْقَلْب وَأَنَّهُ كَذَلِكَ , لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاق وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُول الْفِقْه ; بِمَا لُبَابُه أَنَّ الْمُكَلَّف إِذْ نَوَى الْكُفْر بِقَلْبِهِ كَانَ كَافِرًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ , وَأَمَّا إِذَا نَوَى الْإِيمَان بِقَلْبِهِ فَلَا يَكُون مُؤْمِنًا بِحَالٍ حَتَّى يَتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ , وَلَا تَمْنَعَهُ التَّقِيَّة وَالْخَوْف مِنْ أَنْ يَتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى , إِنَّمَا تَمْنَعهُ التَّقِيَّة مِنْ أَنْ يَسْمَعهُ غَيْره , وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْإِيمَان أَنْ يَسْمَعهُ الْغَيْر فِي صِحَّته مِنْ التَّكْلِيف , وَإِنَّمَا يُشْتَرَط سَمَاع الْغَيْر لَهُ لِيَكُفَّ عَنْ نَفْسه وَمَاله .' ><B><font color=red>أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ</font></B><BR><span id=tafseer2 ><BR><BR>أَيْ لِأَنْ يَقُول وَمِنْ أَجْلِ | أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه | فَـ | أَنْ | فِي مَوْضِع نَصْب بِنَزْعِ الْخَافِض . رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص : أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ : بَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَة ; إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَوَى ثَوْبه فِي عُنُقه فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا , فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْر فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ : | أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ | لَفْظ الْبُخَارِيّ . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول مِنْ حَدِيث جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : اِجْتَمَعَتْ قُرَيْش بَعْد وَفَاة أَبِي طَالِب بِثَلَاثٍ فَأَرَادُوا قَتْلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَقْبَلَ هَذَا يَجَؤُهُ وَهَذَا يُتَلْتِلُهُ , فَاسْتَغَاثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ فَلَمْ يُغِثْهُ أَحَد إِلَّا أَبُو بَكْر وَلَهُ ضَفِيرَتَانِ , فَأَقْبَلَ يَجَأُ ذَا وَيُتَلْتِلُ ذَا وَيَقُول بِأَعْلَى صَوْته : وَيْلَكُمْ : | أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه | وَاَللَّه إِنَّهُ لَرَسُول اللَّه ; فَقُطِعَتْ إِحْدَى ضَفِيرَتَيْ أَبِي بَكْر يَوْمئِذٍ . فَقَالَ عَلِيّ : وَاَللَّه لَيَوْم أَبِي بَكْر خَيْر مِنْ مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْنِ ; إِنَّ ذَلِكَ رَجُل كَتَمَ إِيمَانه , فَأَثْنَى اللَّه عَلَيْهِ فِي كِتَابه , وَهَذَا أَبُو بَكْر أَظْهَرَ إِيمَانه وَبَذَلَ مَاله وَدَمَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قُلْت : قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّ ذَلِكَ رَجُل كَتَمَ إِيمَانه يُرِيد فِي أَوَّل أَمْره بِخِلَافِ الصِّدِّيق فَإِنَّهُ أَظْهَرَ إِيمَانه وَلَمْ يَكْتُمْهُ ; وَإِلَّا فَالْقُرْآن مُصَرِّح بِأَنَّ مُؤْمِن آل فِرْعَوْن أَظْهَرَ إِيمَانه لَمَّا أَرَادُوا قَتْل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . فِي نَوَادِر الْأُصُول أَيْضًا عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالُوا لَهَا : مَا أَشَدُّ شَيْء رَأَيْتِ الْمُشْرِكِينَ بَلَغُوا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ قُعُودًا فِي الْمَسْجِد , وَيَتَذَاكَرُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُول فِي آلِهَتِهِمْ , فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَامُوا إِلَيْهِ بِأَجْمَعِهِمْ وَكَانُوا إِذَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْء صَدَقَهُمْ , فَقَالُوا : أَلَسْت تَقُول كَذَا فِي آلِهَتِنَا قَالَ : ( بَلَى ) فَتَشَبَّثُوا فِيهِ بِأَجْمَعِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي بَكْر فَقَالَ لَهُ : أَدْرِكْ صَاحِبك . فَخَرَجَ مِنْ عِنْدنَا وَإِنَّ لَهُ غَدَائِر , فَدَخَلَ الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول : وَيْلَكُمْ | أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ | فَلُهُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْر , فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْر فَجَعَلَ لَا يَمَسّ شَيْئًا مِنْ غَدَائِره إِلَّا جَاءَ مَعَهُ , وَهُوَ يَقُول : تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ; إِكْرَام إِكْرَام .<BR></span><input name=hidtafseer2 type=hidden value='<BR><BR>أَيْ لِأَنْ يَقُول وَمِنْ أَجْلِ | أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه | فَـ | أَنْ | فِي مَوْضِع نَصْب بِنَزْعِ الْخَافِض . رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص : أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ : بَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَة ; إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَوَى ثَوْبه فِي عُنُقه فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا , فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْر فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ : | أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ | لَفْظ الْبُخَارِيّ . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول مِنْ حَدِيث جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : اِجْتَمَعَتْ قُرَيْش بَعْد وَفَاة أَبِي طَالِب بِثَلَاثٍ فَأَرَادُوا قَتْلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَقْبَلَ هَذَا يَجَؤُهُ وَهَذَا يُتَلْتِلُهُ , فَاسْتَغَاثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ فَلَمْ يُغِثْهُ أَحَد إِلَّا أَبُو بَكْر وَلَهُ ضَفِيرَتَانِ , فَأَقْبَلَ يَجَأُ ذَا وَيُتَلْتِلُ ذَا وَيَقُول بِأَعْلَى صَوْته : وَيْلَكُمْ : | أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه | وَاَللَّه إِنَّهُ لَرَسُول اللَّه ; فَقُطِعَتْ إِحْدَى ضَفِيرَتَيْ أَبِي بَكْر يَوْمئِذٍ . فَقَالَ عَلِيّ : وَاَللَّه لَيَوْم أَبِي بَكْر خَيْر مِنْ مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْنِ ; إِنَّ ذَلِكَ رَجُل كَتَمَ إِيمَانه , فَأَثْنَى اللَّه عَلَيْهِ فِي كِتَابه , وَهَذَا أَبُو بَكْر أَظْهَرَ إِيمَانه وَبَذَلَ مَاله وَدَمَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قُلْت : قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّ ذَلِكَ رَجُل كَتَمَ إِيمَانه يُرِيد فِي أَوَّل أَمْره بِخِلَافِ الصِّدِّيق فَإِنَّهُ أَظْهَرَ إِيمَانه وَلَمْ يَكْتُمْهُ ; وَإِلَّا فَالْقُرْآن مُصَرِّح بِأَنَّ مُؤْمِن آل فِرْعَوْن أَظْهَرَ إِيمَانه لَمَّا أَرَادُوا قَتْل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . فِي نَوَادِر الْأُصُول أَيْضًا عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالُوا لَهَا : مَا أَشَدُّ شَيْء رَأَيْتِ الْمُشْرِكِينَ بَلَغُوا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ قُعُودًا فِي الْمَسْجِد , وَيَتَذَاكَرُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُول فِي آلِهَتِهِمْ , فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَامُوا إِلَيْهِ بِأَجْمَعِهِمْ وَكَانُوا إِذَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْء صَدَقَهُمْ , فَقَالُوا : أَلَسْت تَقُول كَذَا فِي آلِهَتِنَا قَالَ : ( بَلَى ) فَتَشَبَّثُوا فِيهِ بِأَجْمَعِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي بَكْر فَقَالَ لَهُ : أَدْرِكْ صَاحِبك . فَخَرَجَ مِنْ عِنْدنَا وَإِنَّ لَهُ غَدَائِر , فَدَخَلَ الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول : وَيْلَكُمْ | أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ | فَلُهُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْر , فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْر فَجَعَلَ لَا يَمَسّ شَيْئًا مِنْ غَدَائِره إِلَّا جَاءَ مَعَهُ , وَهُوَ يَقُول : تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام ; إِكْرَام إِكْرَام .' ><B><font color=red>وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ</font></B><BR><span id=tafseer3 ><BR><BR>يَعْنِي الْآيَات التِّسْع | مِنْ رَبّكُمْ |<BR></span><input name=hidtafseer3 type=hidden value='<BR><BR>يَعْنِي الْآيَات التِّسْع | مِنْ رَبّكُمْ |' ><B><font color=red>وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ</font></B><BR><span id=tafseer4 ><BR><BR>وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِشَكٍّ مِنْهُ فِي رِسَالَته , وَصِدْقِهِ , وَلَكِنْ تَلَطُّفًا فِي الِاسْتِكْفَاف وَاسْتِنْزَالًا عَنْ الْأَذَى . وَلَوْ كَانَ وَ | إِنْ يَكُنْ | بِالنُّونِ جَازَ وَلَكِنْ حُذِفَتْ النُّون لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ ; وَلِأَنَّهَا نُون الْإِعْرَاب عَلَى قَوْل أَبِي عَبَّاس .<BR></span><input name=hidtafseer4 type=hidden value='<BR><BR>وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِشَكٍّ مِنْهُ فِي رِسَالَته , وَصِدْقِهِ , وَلَكِنْ تَلَطُّفًا فِي الِاسْتِكْفَاف وَاسْتِنْزَالًا عَنْ الْأَذَى . وَلَوْ كَانَ وَ | إِنْ يَكُنْ | بِالنُّونِ جَازَ وَلَكِنْ حُذِفَتْ النُّون لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ ; وَلِأَنَّهَا نُون الْإِعْرَاب عَلَى قَوْل أَبِي عَبَّاس .' ><B><font color=red>وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ</font></B><BR><span id=tafseer5 ><BR><BR>أَيْ إِنْ لَمْ يُصِبْكُمْ إِلَّا بَعْض الَّذِي يَعِدُكُمْ بِهِ هَلَكْتُمْ . وَمَذْهَب أَبِي عُبَيْدَة أَنَّ مَعْنَى | بَعْض الَّذِي يَعِدُكُمْ | كُلّ الَّذِي يَعِدُكُمْ وَأَنْشَدَ قَوْل لَبِيد : <poem type=|2|><part> تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا </part><part> أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا </part></poem> فَبَعْض بِمَعْنَى كُلّ ; لِأَنَّ الْبَعْض إِذَا أَصَابَهُمْ أَصَابَهُمْ الْكُلُّ لَا مَحَالَة لِدُخُولِهِ فِي الْوَعِيد , وَهَذَا تَرْقِيق الْكَلَام فِي الْوَعْظ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : أَنَّ الْبَعْض قَدْ يُسْتَعْمَل فِي مَوْضِع الْكُلّ تَلَطُّفًا فِي الْخِطَاب وَتَوَسُّعًا فِي الْكَلَام ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <poem type=|2|><part> قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ </part><part> وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ </part></poem> وَقِيلَ أَيْضًا : قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَذَّرَهُمْ أَنْوَاعًا مِنْ الْعَذَاب كُلّ نَوْع مِنْهَا مُهْلِكٌ ; فَكَأَنَّهُ حَذَّرَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ بَعْض تِلْكَ الْأَنْوَاع . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ مُوسَى بِعَذَابِ الدُّنْيَا أَوْ بِعَذَابِ الْآخِرَة إِنْ كَفَرُوا ; فَالْمَعْنَى يُصِبْكُمْ أَحَد الْعَذَابَيْنِ . وَقِيلَ : أَيْ يُصِبْكُمْ هَذَا الْعَذَاب الَّذِي يَقُولهُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ بَعْض الْوَعِيد , ثُمَّ يَتَرَادَف الْعَذَاب فِي الْآخِرَة أَيْضًا . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ الْعَذَاب إِنْ كَفَرُوا وَالثَّوَاب إِنْ آمَنُوا , فَإِذَا كَفَرُوا يُصِيبُهُمْ بَعْض مَا وُعِدُوا .<BR></span><input name=hidtafseer5 type=hidden value='<BR><BR>أَيْ إِنْ لَمْ يُصِبْكُمْ إِلَّا بَعْض الَّذِي يَعِدُكُمْ بِهِ هَلَكْتُمْ . وَمَذْهَب أَبِي عُبَيْدَة أَنَّ مَعْنَى | بَعْض الَّذِي يَعِدُكُمْ | كُلّ الَّذِي يَعِدُكُمْ وَأَنْشَدَ قَوْل لَبِيد : <poem type=|2|><part> تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا </part><part> أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا </part></poem> فَبَعْض بِمَعْنَى كُلّ ; لِأَنَّ الْبَعْض إِذَا أَصَابَهُمْ أَصَابَهُمْ الْكُلُّ لَا مَحَالَة لِدُخُولِهِ فِي الْوَعِيد , وَهَذَا تَرْقِيق الْكَلَام فِي الْوَعْظ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : أَنَّ الْبَعْض قَدْ يُسْتَعْمَل فِي مَوْضِع الْكُلّ تَلَطُّفًا فِي الْخِطَاب وَتَوَسُّعًا فِي الْكَلَام ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <poem type=|2|><part> قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ </part><part> وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ </part></poem> وَقِيلَ أَيْضًا : قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَذَّرَهُمْ أَنْوَاعًا مِنْ الْعَذَاب كُلّ نَوْع مِنْهَا مُهْلِكٌ ; فَكَأَنَّهُ حَذَّرَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ بَعْض تِلْكَ الْأَنْوَاع . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ مُوسَى بِعَذَابِ الدُّنْيَا أَوْ بِعَذَابِ الْآخِرَة إِنْ كَفَرُوا ; فَالْمَعْنَى يُصِبْكُمْ أَحَد الْعَذَابَيْنِ . وَقِيلَ : أَيْ يُصِبْكُمْ هَذَا الْعَذَاب الَّذِي يَقُولهُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ بَعْض الْوَعِيد , ثُمَّ يَتَرَادَف الْعَذَاب فِي الْآخِرَة أَيْضًا . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ الْعَذَاب إِنْ كَفَرُوا وَالثَّوَاب إِنْ آمَنُوا , فَإِذَا كَفَرُوا يُصِيبُهُمْ بَعْض مَا وُعِدُوا .' ><B><font color=red>إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ</font></B><BR><span id=tafseer6 ><BR><BR>عَلَى نَفْسه . وَقِيلَ : | مُسْرِف | فِي عِنَاده<BR></span><input name=hidtafseer6 type=hidden value='<BR><BR>عَلَى نَفْسه . وَقِيلَ : | مُسْرِف | فِي عِنَاده' ><B><font color=red>كَذَّابٌ</font></B><BR><span id=tafseer7 ><BR><BR>عَلَى رَبّه إِشَارَة إِلَى مُوسَى وَيَكُون هَذَا مِنْ قَوْل الْمُؤْمِن . وَقِيلَ | كَذَّاب | فِي اِدِّعَائِهِ إِشَارَة إِلَى فِرْعَوْن وَيَكُون هَذَا مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى .<BR></span><input name=hidtafseer7 type=hidden value='<BR><BR>عَلَى رَبّه إِشَارَة إِلَى مُوسَى وَيَكُون هَذَا مِنْ قَوْل الْمُؤْمِن . وَقِيلَ | كَذَّاب | فِي اِدِّعَائِهِ إِشَارَة إِلَى فِرْعَوْن وَيَكُون هَذَا مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى .'

يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ

الْمَلَأ الْأَعْلَى هُمْ الْمَلَائِكَة فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ اِخْتَصَمُوا فِي أَمْر آدَم حِين خُلِقَ فَـ | قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا | [ الْبَقَرَة : 30 ] وَقَالَ إِبْلِيسُ : | أَنَا خَيْر مِنْهُ | [ الْأَعْرَاف : 12 ] وَفِي هَذَا بَيَان أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ عَنْ قِصَّة آدَم وَغَيْره , وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّر إِلَّا بِتَأْيِيدٍ إِلَهِيّ ; فَقَدْ قَامَتْ الْمُعْجِزَة عَلَى صِدْقِهِ , فَمَا بَالُهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ تَدَبُّر الْقُرْآن لِيَعْرِفُوا صِدْقه ; وَلِهَذَا وَصَلَ قَوْله بِقَوْلِهِ : | قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ | . وَقَوْل ثَانٍ رَوَاهُ أَبُو الْأَشْهَب عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَأَلَنِي رَبِّي فَقَالَ يَا مُحَمَّد فِيمَ اِخْتَصَمَ الْمَلَأ الْأَعْلَى قُلْت فِي الْكَفَّارَات وَالدَّرَجَات قَالَ وَمَا الْكَفَّارَات قُلْت الْمَشْي عَلَى الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وَإِسْبَاغ الْوُضُوء فِي السَّبَرَات وَالتَّعْقِيب فِي الْمَسَاجِد بِانْتِظَارِ الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة قَالَ وَمَا الدَّرَجَات قُلْت إِفْشَاء السَّلَام وَإِطْعَام الطَّعَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نِيَام ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَ فِيهِ حَدِيث غَرِيب . وَعَنْ مُعَاذ بْن جَبَل أَيْضًا وَقَالَ حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَقَدْ كَتَبْنَاهُ بِكَمَالِهِ فِي كِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى , وَأَوْضَحْنَا إِشْكَالَهُ وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَدْ مَضَى فِي [ يس ] الْقَوْل فِي الْمَشْي إِلَى الْمَسَاجِد , وَأَنَّ الْخُطَا تُكَفِّر السَّيِّئَات , وَتَرْفَع الدَّرَجَات . وَقِيلَ : الْمَلَأ الْأَعْلَى الْمَلَائِكَة وَالضَّمِير فِي | يَخْتَصِمُونَ | لِفِرْقَتَيْنِ . يَعْنِي قَوْل مَنْ قَالَ مِنْهُمْ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه , وَمَنْ قَالَ آلِهَة تُعْبَدُ . وَقِيلَ : الْمَلَأ الْأَعْلَى هَا هُنَا قُرَيْش ; يَعْنِي اِخْتِصَامُهُمْ فِيمَا بَيْنهمْ سِرًّا , فَأَطْلَعَ اللَّه نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ .

وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ

أَيْ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا الْإِنْذَار . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع | إِلَّا إِنَّمَا | بِكَسْرِ الْهَمْزَة ; لِأَنَّ الْوَحْي قَوْل , كَأَنَّهُ قَالَ : يُقَال لِي إِنَّمَا أَنْتَ نَذِير مُبِين , وَمَنْ فَتَحَهَا جَعَلَهَا فِي مَوْضِع رَفْع ; لِأَنَّهَا اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . قَالَ الْفَرَّاء : كَأَنَّك قُلْت مَا يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا الْإِنْذَار , النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى إِلَّا لِأَنَّمَا . وَاَللَّه أَعْلَم .

مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ

| إِذْ | مِنْ صِلَة | يَخْتَصِمُونَ | الْمَعْنَى ; مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى حِين يَخْتَصِمُونَ حِين | قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين | . وَقِيلَ : | إِذْ قَالَ | بَدَل مِنْ | إِذْ يَخْتَصِمُونَ | وَ | يَخْتَصِمُونَ | يَتَعَلَّق بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْم بِكَلَامِ الْمَلَأ الْأَعْلَى وَقْت اِخْتِصَامهمْ .

وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ

| إِذَا | تَرُدُّ الْمَاضِي إِلَى الْمُسْتَقْبَل ; لِأَنَّهَا تُشْبِه حُرُوف الشَّرْط وَجَوَابهَا كَجَوَابِهِ ; أَيْ خَلَقْته .|وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي|أَيْ مِنْ الرُّوح الَّذِي أَمْلِكُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرِي . فَهَذَا مَعْنَى الْإِضَافَة , وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي [ النِّسَاء ] فِي قَوْله فِي عِيسَى | وَرُوح مِنْهُ | [ النِّسَاء : 171 ] .|فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ|نَصْب عَلَى الْحَال . وَهَذَا سُجُود تَحِيَّةٍ لَا سُجُود عِبَادَةٍ . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] .

يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

أَيْ اِمْتَثَلُوا الْأَمْر وَسَجَدُوا لَهُ خُضُوعًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِلَّهِ بِتَعْظِيمِهِ

وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ

| إِلَّا إِبْلِيس | أَنِفَ مِنْ السُّجُود لَهُ جَهْلًا بِأَنَّ السُّجُود لَهُ طَاعَة لِلَّهِ ; وَالْأَنَفَة مِنْ طَاعَة اللَّه اِسْتِكْبَارًا كُفْرٌ , وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ بِاسْتِكْبَارِهِ عَنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي هَذَا فِي [ الْبَقَرَة ] مُسْتَوْفًى .

الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ

أَيْ صَرَفَك وَصَدَّك|مَنَعَكَ أَنْ|أَيْ عَنْ أَنْ تَسْجُدَ|تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ|أَضَافَ خَلْقه إِلَى نَفْسه تَكْرِيمًا لَهُ , وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلّ شَيْء وَهَذَا كَمَا أَضَافَ إِلَى نَفْسه الرُّوح وَالْبَيْت وَالنَّاقَة وَالْمَسَاجِد . فَخَاطَبَ النَّاس بِمَا يَعْرِفُونَهُ فِي تَعَامُلهمْ , فَإِنَّ الرَّئِيس مِنْ الْمَخْلُوقِينَ لَا يُبَاشِر شَيْئًا بِيَدِهِ إِلَّا عَلَى سَبِيل الْإِعْظَام وَالتَّكَرُّم , فَذِكْر الْيَد هُنَا بِمَعْنَى هَذَا . قَالَ مُجَاهِد : الْيَد هَا هُنَا بِمَعْنَى التَّأَكُّد وَالصِّلَة ; مَجَازُهُ لِمَا خَلَقْت أَنَا كَقَوْلِهِ : | وَيَبْقَى وَجْه رَبّك | [ الرَّحْمَن : 27 ] أَيْ يَبْقَى رَبّك . وَقِيلَ : التَّشْبِيه فِي الْيَد فِي خَلْق اللَّه تَعَالَى دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى النِّعْمَة وَالْقُوَّة وَالْقُدْرَة ; وَإِنَّمَا هُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَات ذَاتِهِ تَعَالَى . وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْيَدِ الْقُدْرَة ; يُقَال : مَا لِي بِهَذَا الْأَمْر يَد . وَمَا لِي بِالْحَمْلِ الثَّقِيل يَدَانِ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْخَلْق لَا يَقَع إِلَّا بِالْقُدْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ . وَقَالَ الشَّاعِر : <br>تَحَمَّلْت مِنْ عَفْرَاءَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ .......... وَلَا لِلْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ يَدَانِ <br>وَقِيلَ : | لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ | لِمَا خَلَقْت بِغَيْرِ وَاسِطَة .|بِيَدَيَّ|أَيْ عَنْ السُّجُود|أَأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ|أَيْ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى رَبِّكَ . وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن صَالِح عَنْ شِبْل عَنْ اِبْن كَثِير وَأَهْل مَكَّة | بِيَدَيَّ اِسْتَكْبَرْت | مَوْصُولَة الْأَلِف عَلَى الْخَبَر وَتَكُون أَمْ مُنْقَطِعَة بِمَعْنَى بَلْ مِثْل : | أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ | [ السَّجْدَة : 3 ] وَشِبْهه . وَمَنْ اِسْتَفْهَمَ فَـ | أَمْ | مُعَادِلَة لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام وَهُوَ تَقْرِير وَتَوْبِيخ . أَيْ اِسْتَكْبَرْت بِنَفْسِك حِين أَبَيْت السُّجُود لِآدَم , أَمْ كُنْت مِنْ الْقَوْم الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فَتَكَبَّرْت لِهَذَا .

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ

قَالَ الْفَرَّاء : مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول أَنَا أَخْيَرُ مِنْهُ وَأَشَرُّ مِنْهُ ; وَهَذَا هُوَ الْأَصْل إِلَّا أَنَّهُ حُذِفَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال .|خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ|فَضَّلَ النَّار عَلَى الطِّين , وَهَذَا جَهْل مِنْهُ ; لِأَنَّ الْجَوَاهِر مُتَجَانِسَة فَقَاسَ فَأَخْطَأَ الْقِيَاس . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْأَعْرَاف ] بَيَانه .

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ

يَعْنِي مِنْ الْجَنَّة|فَإِنَّكَ رَجِيمٌ|أَيْ مَرْجُوم بِالْكَوَاكِبِ وَالشُّهُب

وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ

أَيْ طَرْدِي وَإِبْعَادِي مِنْ رَحْمَتِي|إِلَى يَوْمِ الدِّينِ|تَعْرِيف بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْر ; لِأَنَّ اللَّعْن مُنْقَطِع حِينَئِذٍ , ثُمَّ بِدُخُولِهِ النَّار يَظْهَر تَحْقِيق اللَّعْن

يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ

أَرَادَ الْمَلْعُون أَلَّا يَمُوت فَلَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ ,

مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ

فَأُخِّرَ تَهَاوُنًا بِهِ .

وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ

أُخِّرَ إِلَى وَقْت مَعْلُوم , وَهُوَ يَوْم يَمُوت الْخَلْق فِيهِ

تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ

لَمَّا طَرَدَهُ بِسَبَبِ آدَم حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّه أَنَّهُ يُضِلُّ بَنِي آدَم بِتَزْيِينِ الشَّهَوَات وَإِدْخَال الشُّبْهَة عَلَيْهِمْ , فَمَعْنَى : | لَأُغْوِيَنَّهُمْ | لَأَسْتَدْعِيَنهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِل إِلَّا إِلَى الْوَسْوَسَة , وَلَا يُفْسِد إِلَّا مَنْ كَانَ لَا يَصْلُح لَوْ لَمْ يُوَسْوِسْهُ ;

لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ

وَلِهَذَا قَالَ : | إِلَّا عِبَادك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ | أَيْ الَّذِي أَخْلَصْتهمْ لِعِبَادَتِك , وَعَصَمْتهمْ مِنِّي . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْحِجْر ] بَيَانه .

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

هَذِهِ قِرَاءَة أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَهْل الْبَصْرَة وَالْكِسَائِيّ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعَاصِم وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة بِرَفْعِ الْأَوَّل . وَأَجَازَ الْفَرَّاء فِيهِ الْخَفْض . وَلَا اِخْتِلَاف فِي الثَّانِي فِي أَنَّهُ مَنْصُوب بِـ | أَقُولُ | وَنَصْب الْأَوَّل عَلَى الْإِغْرَاء أَيْ فَاتَّبِعُوا الْحَقَّ وَاسْتَمِعُوا الْحَقّ , وَالثَّانِي بِإِيقَاعِ الْقَوْل عَلَيْهِ . وَقِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى أُحِقُّ الْحَقّ أَيْ أَفْعَلُهُ . قَالَ أَبُو عَلِيّ : الْحَقّ الْأَوَّل مَنْصُوب بِفِعْلٍ مُضْمَر أَيْ يُحِقُّ اللَّه الْحَقّ , أَوْ عَلَى الْقَسَم وَحَذْف حَرْف الْجَرّ ; كَمَا تَقُول : اللَّه لَأَفْعَلَنَّ ; وَمَجَازه : قَالَ فَبِالْحَقِّ وَهُوَ اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ . | وَالْحَقّ أَقُول | جُمْلَة اُعْتُرِضَتْ بَيْن الْقَسَم وَالْمُقْسَم عَلَيْهِ , وَهُوَ تَوْكِيد الْقِصَّة , وَإِذَا جُعِلَ الْحَقّ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ فِعْل كَانَ | لَأَمْلَأَنَّ | عَلَى إِرَادَة الْقَسَم . وَقَدْ أَجَازَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة أَنْ يَكُون الْحَقّ مَنْصُوبًا بِمَعْنَى حَقًّا | لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم | وَذَلِكَ عِنْد جَمَاعَة مِنْ النَّحْوِيِّينَ خَطَأ ; لَا يَجُوز زَيْدًا لَأَضْرِبَنَّ ; لِأَنَّ مَا بَعْد اللَّام مَقْطُوع مِمَّا قَبْلهَا فَلَا يَعْمَل فِيهِ . وَالتَّقْدِير عَلَى قَوْلِهِمَا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم حَقًّا . وَمَنْ رَفَعَ | الْحَقّ | رَفَعَهُ بِالِابْتِدَاءِ ; أَيْ فَأَنَا الْحَقّ أَوْ الْحَقّ مِنِّي . رُوِيَا جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِد . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير هَذَا الْحَقّ . وَقَوْل ثَالِث عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاء أَنَّ مَعْنَى فَالْحَقّ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم بِمَعْنَى فَالْحَقّ أَنْ أَمْلَأَ جَهَنَّم . وَفِي الْخَفْض قَوْلَانِ وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن السَّمَيْقَع وَطَلْحَةَ بْن مُصَرِّفٍ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى حَذْف حَرْف الْقَسَم . هَذَا قَوْل الْفَرَّاء قَالَ كَمَا يَقُول : اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَأَفْعَلَنَّ . وَقَدْ أَجَازَ مِثْل هَذَا سِيبَوَيْهِ وَغَلَّطَهُ فِيهِ أَبُو الْعَبَّاس وَلَمْ يُجِزْ الْخَفْض ; لِأَنَّ حُرُوف الْخَفْض لَا تُضْمَر , وَالْقَوْل الْآخَر أَنْ تَكُون الْفَاء بَدَلًا مِنْ وَاو الْقَسَم ; كَمَا أَنْشَدُوا : <br>فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْت وَمُرْضِعٍ<br>

فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ

أَيْ مِنْ نَفْسك وَذُرِّيَّتك|وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ|مِنْ بَنِي آدَم | أَجْمَعِينَ | .

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ

أَيْ مِنْ جُعْلٍ عَلَى تَبْلِيغ الْوَحْي وَكَنَّى بِهِ عَنْ غَيْر مَذْكُور . وَقِيلَ هُوَ رَاجِع إِلَى قَوْله : | أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْر مِنْ بَيْنِنَا | [ ص : 8 ] .|وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ|أَيْ لَا أَتَكَلَّف وَلَا أَتَخَرَّصُ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ . وَرَوَى مَسْرُوق عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : مَنْ سُئِلَ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ لَا أَعْلَم وَلَا يَتَكَلَّف ; فَإِنَّ قَوْله لَا أَعْلَم عِلْم , وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ | . وَعَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِلْمُتَكَلِّفِ ثَلَاث عَلَامَات يُنَازِع مَنْ فَوْقَهُ وَيَتَعَاطَى مَا لَا يَنَال وَيَقُول مَا لَا يَعْلَم ) . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض أَسْفَاره , فَسَارَ لَيْلًا فَمَرُّوا عَلَى رَجُل جَالِس عِنْد مَقْرَاةٍ لَهُ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا صَاحِب الْمَقْرَاة أَوَلَغَتْ السِّبَاعُ اللَّيْلَة فِي مَقْرَاتِك ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ لَا تُخْبِرْهُ هَذَا مُتَكَلِّف لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ ) . وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب خَرَجَ فِي رَكْب فِيهِمْ عَمْرو بْن الْعَاص حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا , فَقَالَ عَمْرو بْن الْعَاص : يَا صَاحِب الْحَوْض هَلْ تَرِد حَوْضَك السِّبَاعُ ؟ فَقَالَ عُمَر : يَا صَاحِب الْحَوْض لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاع وَتَرِد عَلَيْنَا . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الْمِيَاه فِي سُورَة [ الْفُرْقَان ] .

وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ

يَعْنِي الْقُرْآن|لِلْعَالَمِينَ|مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس .

قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ

أَيْ نَبَأ الذِّكْر وَهُوَ الْقُرْآن أَنَّهُ حَقّ | بَعْد حِين | قَالَ قَتَادَة : بَعْد الْمَوْت . وَقَالَ الزَّجَّاج . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَابْن زَيْد : يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : بَعْد الْمَوْت وَقَبْله . أَيْ لَتَظْهَر لَكُمْ حَقِيقَةُ مَا أَقُول : | بَعْدَ حِين | أَيْ فِي الْمُسْتَأْنَف أَيْ إِذَا أَخَذَتْكُمْ سُيُوف الْمُسْلِمِينَ . قَالَ السُّدِّيّ : وَذَلِكَ يَوْم بَدْر . وَكَانَ الْحَسَن يَقُول : يَا اِبْن آدَم عِنْد الْمَوْت يَأْتِيك الْخَبَر الْيَقِين . وَسُئِلَ عِكْرِمَة عَمَّنْ حَلَفَ لَيَصْنَعَنَّ كَذَا إِلَى حِين . قَالَ : إِنَّ مِنْ الْحِين مَا لَا تُدْرِكهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين | وَمِنْهُ مَا تُدْرِكهُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا | [ إِبْرَاهِيم : 25 ] مِنْ صِرَامِ النَّخْل إِلَى طُلُوعه سِتَّة أَشْهُر . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا فِي [ الْبَقَرَة ] وَ [ إِبْرَاهِيم ] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .

وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ

يُقَال سُورَة الْغُرَف . قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْرِف قَضَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي خَلْقه فَلْيَقْرَأْ سُورَة الْغُرَف . وَهِيَ مَكِّيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر بْن زَيْد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِلَّا آيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ إِحْدَاهُمَا | اللَّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ | [ الزُّمَر : 23 ] وَالْأُخْرَى | قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ | [ الزُّمَر : 53 ] الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : إِلَّا سَبْع آيَات مِنْ قَوْله تَعَالَى : | قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ | [ الزُّمَر : 53 ] إِلَى آخِر سَبْع آيَات نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ وَأَصْحَابه عَلَى مَا يَأْتِي . رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَام حَتَّى يَقْرَأ الزُّمَر وَبَنِي إِسْرَائِيل . وَهِيَ خَمْس وَسَبْعُونَ آيَة . وَقِيلَ : اِثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ آيَة . | تَنْزِيل الْكِتَاب | رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره | مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم | . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِمَعْنَى هَذَا تَنْزِيل ; قَالَ الْفَرَّاء . وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء أَيْضًا | تَنْزِيلَ | بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول بِهِ . قَالَ الْكِسَائِيّ : أَيْ اِتَّبِعُوا وَاقْرَءُوا | تَنْزِيلَ الْكِتَاب | . وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ عَلَى الْإِغْرَاء مِثْل قَوْله : | كِتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ | [ النِّسَاء : 24 ] أَيْ اِلْزَمُوا . وَالْكِتَاب الْقُرْآن . سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَكْتُوب .

قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ

أَيْ هَذَا تَنْزِيل الْكِتَاب مِنْ اللَّه وَقَدْ أَنْزَلْنَاهُ بِالْحَقِّ ; أَيْ بِالصِّدْقِ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ وَهَزْل .|فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا|| مُخْلِصًا | نَصْب عَلَى الْحَال أَيْ مُوَحِّدًا لَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى وُجُوب النِّيَّة فِي كُلّ عَمَلٍ , وَأَعْظَمُهُ الْوُضُوء الَّذِي هُوَ شَطْر الْإِيمَان , خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة وَالْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ مَالِك اللَّذَيْنِ يَقُولَانِ إِنَّ الْوُضُوء يَكْفِي مِنْ غَيْر نِيَّة , وَمَا كَانَ لِيَكُونَ مِنْ الْإِيمَان شَطْرًا وَلَا لِيُخْرِجَ الْخَطَايَا مِنْ بَيْن الْأَظَافِر وَالشَّعْر بِغَيْرِ نِيَّة .|لَهُ الدِّينَ|أَيْ الطَّاعَة . وَقِيلَ : الْعِبَادَة وَهُوَ مَفْعُول بِهِ .

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ

أَيْ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَيْء . وَفِي حَدِيث الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَتَصَدَّق بِالشَّيْءِ وَأَصْنَع الشَّيْء أُرِيد بِهِ وَجْه اللَّه وَثَنَاء النَّاس . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يَقْبَل اللَّه شَيْئًا شُورِكَ فِيهِ ) ثُمَّ تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | أَلَا لِلَّهِ الدِّين الْخَالِص | وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي | الْبَقَرَة | وَ [ النِّسَاء ] وَ [ الْكَهْف ] مُسْتَوْفًى .|وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ|يَعْنِي الْأَصْنَام وَالْخَبَر مَحْذُوف .|مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى|قَالَ قَتَادَة : كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ مَنْ رَبّكُمْ وَخَالِقُكُمْ ؟ وَمَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء ؟ قَالُوا اللَّه , فَيُقَال لَهُمْ مَا مَعْنَى عِبَادَتِكُمْ الْأَصْنَامَ ؟ قَالُوا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى , وَيَشْفَعُوا لَنَا عِنْده . قَالَ الْكَلْبِيّ : جَوَاب هَذَا الْكَلَام فِي الْأَحْقَاف | فَلَوْلَا نَصَرَهُمْ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه قُرْبَانًا آلِهَةً | [ الْأَحْقَاف : 28 ] وَالزُّلْفَى الْقُرْبَة ; أَيْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَيْهِ تَقْرِيبًا , فَوَضَعَ | زُلْفَى | فِي مَوْضِع الْمَصْدَر . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد | وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء قَالُوا مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى | وَفِي حَرْف أُبَيّ ( وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدكُمْ إِلَّا لِتُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى | ذَكَرَهُ النَّحَّاس . قَالَ : وَالْحِكَايَة فِي هَذَا بَيِّنَة .|إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ|أَيْ بَيْن أَهْل الْأَدْيَان يَوْم الْقِيَامَة فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقّ .|إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ|أَيْ مَنْ سَبَقَ لَهُ الْقَضَاء بِالْكُفْرِ لَمْ يَهْتَدِ ; أَيْ لِلدِّينِ الَّذِي اِرْتَضَاهُ وَهُوَ دِين الْإِسْلَام ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا | وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .

يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ

أَيْ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّي أَحَدًا مِنْ خَلْقه بِهَذَا مَا جَعَلَهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ .|سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ|أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ الْوَلَد

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ

أَيْ هُوَ الْقَادِر عَلَى الْكَمَال الْمُسْتَغْنِي عَنْ الصَّاحِبَة وَالْوَلَد , وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَحَقُّهُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ لَا أَنَّهُ يُشْرَك بِهِ . وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنْ يَتَعَبَّدَ الْعِبَاد بِمَا شَاءَ وَقَدْ فَعَلَ .|يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ|قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ يُلْقِي هَذَا عَلَى هَذَا وَهَذَا عَلَى هَذَا . وَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّكْوِير فِي اللُّغَة , وَهُوَ طَرْح الشَّيْء بَعْضه عَلَى بَعْض ; يُقَال كَوَّرَ الْمَتَاع أَيْ أَلْقَى بَعْضه عَلَى بَعْض ; وَمِنْهُ كَوْر الْعِمَامَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَة . قَالَ : مَا نَقَصَ مِنْ اللَّيْل دَخَلَ فِي النَّهَار وَمَا نَقَصَ مِنْ النَّهَار دَخَلَ فِي اللَّيْل . وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : | يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل | [ فَاطِر : 13 ] وَقِيلَ : تَكْوِير اللَّيْل عَلَى النَّهَار تَغْشِيَته إِيَّاهُ حَتَّى يَذْهَب ضَوْءُهُ , وَيُغْشِي النَّهَار عَلَى اللَّيْل فَيُذْهِب ظُلْمَتَهُ , وَهَذَا قَوْل قَتَادَة . وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : | يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبُهُ حَثِيثًا | [ الْأَعْرَاف : 54 ] .|وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ|أَيْ بِالطُّلُوعِ وَالْغُرُوب لِمَنَافِع الْعِبَاد .|كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى|أَيْ فِي فَلَكِهِ إِلَى أَنْ تَنْصَرِم الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة حِين تَنْفَطِر السَّمَاء وَتَنْتَثِر الْكَوَاكِب . وَقِيلَ : الْأَجَل الْمُسَمَّى هُوَ الْوَقْت الَّذِي يَنْتَهِي فِيهِ سَيْر الشَّمْس وَالْقَمَر إِلَى الْمَنَازِل الْمُرَتَّبَة لِغُرُوبِهَا وَطُلُوعهَا . قَالَ الْكَلْبِيّ : يَسِيرَانِ إِلَى أَقْصَى مَنَازِلهمَا , ثُمَّ يَرْجِعَانِ إِلَى أَدْنَى مَنَازِلهمَا لَا يُجَاوِزَانِهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان هَذَا فِي سُورَة [ يس ] .|أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ|| أَلَا | تَنْبِيه أَيْ تَنَبَّهُوا فَإِنِّي أَنَا | الْعَزِيز | الْغَالِب | الْغَفَّار | السَّاتِر لِذُنُوبِ خَلْقه بِرَحْمَتِهِ .

هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ

يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام|ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا|يَعْنِي لِيَحْصُل التَّنَاسُل , وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ الْأَعْرَاف ] وَغَيْرهَا .|وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ|أَخْبَرَ عَنْ الْأَزْوَاج بِالنُّزُولِ ; لِأَنَّهَا تَكَوَّنَتْ بِالنَّبَاتِ وَالنَّبَات بِالْمَاءِ الْمُنْزَل . وَهَذَا يُسَمَّى التَّدْرِيج ; وَمِثْله قَوْله تَعَالَى : | قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا | [ الْأَعْرَاف : 26 ] الْآيَة . وَقِيلَ : أَنْزَلَ أَنْشَأَ وَجَعَلَ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : خَلَقَ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ الْأَنْعَام فِي الْجَنَّة ثُمَّ أَنْزَلَهَا إِلَى الْأَرْض ; كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى : | وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد | [ الْحَدِيد : 25 ] فَإِنَّ آدَم لَمَّا هَبَطَ إِلَى الْأَرْض أُنْزِلَ مَعَهُ الْحَدِيد . وَقِيلَ : | وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام | أَيْ أَعْطَاكُمْ . وَقِيلَ : جَعَلَ الْخَلْق إِنْزَالًا ; لِأَنَّ الْخَلْق إِنَّمَا يَكُون بِأَمْرٍ يَنْزِل مِنْ السَّمَاء . فَالْمَعْنَى : خَلَقَ لَكُمْ كَذَا بِأَمْرِهِ النَّازِل . قَالَ قَتَادَة : مِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَر اِثْنَيْنِ وَمِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ كُلّ وَاحِد زَوْج . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا .|يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ|قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ : نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ عَظْمًا ثُمَّ لَحْمًا . اِبْن زَيْد : | خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق | خَلْقًا فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ مِنْ بَعْد خَلْقكُمْ فِي ظَهْر آدَم . وَقِيلَ : فِي ظَهْر الْأَب ثُمَّ خَلْقًا فِي بَطْن الْأُمّ ثُمَّ خَلْقًا بَعْد الْوَضْع ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَرَأَ حَمْزَة : | إِمِهَاتِكُمْ | بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَالْمِيم . وَالْكِسَائِيّ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَفَتْح الْمِيم . الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَفَتْح الْمِيم .|فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ|ظُلْمَة الْبَطْن وَظُلْمَة الرَّحِم وَظُلْمَة الْمَشِيمَة . قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك . وَقَالَ اِبْن جُبَيْر : ظُلْمَة الْمَشِيمَة وَظُلْمَة الرَّحِم وَظُلْمَة اللَّيْل . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ . وَقِيلَ : ظُلْمَة صُلْب الرَّجُل وَظُلْمَة بَطْن الْمَرْأَة وَظُلْمَة الرَّحِم . وَهَذَا مَذْهَب أَبِي عُبَيْدَة . أَيْ لَا تَمْنَعهُ الظُّلْمَة كَمَا تَمْنَع الْمَخْلُوقِينَ .|ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ|أَيْ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاء | رَبّكُمْ لَهُ الْمُلْك لَا إِلَه إِلَّا هُوَ | .|فَأَنَّى تُصْرَفُونَ|أَيْ كَيْف تَنْقَلِبُونَ وَتَنْصَرِفُونَ عَنْ عِبَادَته إِلَى عِبَادَة غَيْره .

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ

| إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْكُمْ | شَرْط وَجَوَابه . | وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر | أَيْ إِنْ يَكْفُرُوا أَيْ لَا يُحِبّ ذَلِكَ مِنْهُمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : مَعْنَاهُ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكُفْر , وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ : | إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان | [ الْإِسْرَاء : 65 ] . وَكَقَوْلِهِ : | عَيْنًا يَشْرَب بِهَا عِبَاد اللَّه | [ الْإِنْسَان : 6 ] أَيْ الْمُؤْمِنُونَ . وَهَذَا عَلَى قَوْل مَنْ لَا يُفَرِّق بَيْن الرِّضَا وَالْإِرَادَة . وَقِيلَ : لَا يَرْضَى الْكُفْر وَإِنْ أَرَادَهُ ; فَاَللَّه تَعَالَى يُرِيد الْكُفْر مِنْ الْكَافِر وَبِإِرَادَتِهِ كُفْر لَا يَرْضَاهُ وَلَا يُحِبُّهُ , فَهُوَ يُرِيد كَوْن مَا لَا يَرْضَاهُ , وَقَدْ أَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلْق إِبْلِيس وَهُوَ لَا يَرْضَاهُ , فَالْإِرَادَة غَيْر الرِّضَا . وَهَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة .|وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ|أَيْ يَرْضَى الشُّكْر لَكُمْ ; لِأَنَّ | تَشْكُرُوا | يَدُلّ عَلَيْهِ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الشُّكْر فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا . وَيَرْضَى بِمَعْنَى يُثِيب وَيُثْنِي , فَالرِّضَا عَلَى هَذَا إِمَّا ثَوَابُهُ فَيَكُون صِفَة فِعْل | لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ | [ إِبْرَاهِيم : 7 ] وَإِمَّا ثَنَاؤُهُ فَهُوَ صِفَة ذَات . وَ | يَرْضَهُ | بِالْإِسْكَانِ فِي الْهَاء قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو عَمْرو وَشَيْبَة وَهُبَيْرَة عَنْ عَاصِم . وَأَشْبَعَ الضَّمَّة اِبْن ذَكْوَان وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَالْكِسَائِيّ وَوَرْش عَنْ نَافِع . وَاخْتَلَسَ الْبَاقُونَ .|وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ|أَيْ لَا تَحْمِل حَامِلَة ثِقَل أُخْرَى , أَيْ لَا تُؤْخَذ نَفْس بِذَنْبِ غَيْرهَا , بَلْ كُلّ نَفْس مَأْخُوذَة بِجُرْمِهَا وَمُعَاقَبَة بِإِثْمِهَا . وَأَصْل الْوِزْر الثِّقَل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَوَضَعْنَا عَنْك وِزْرك | [ الشَّرْح : 2 ] . وَهُوَ هُنَا الذَّنْب ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ عَلَى ظُهُورهمْ | [ الْأَنْعَام : 31 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَالَ الْأَخْفَش : يُقَال وَزَرَ يَوْزَرُ , وَوَزَرَ يَزِر , وَوَزَرَ يَوْزَرُ وِزْرًا . وَيَجُوز إِزْرًا , كَمَا يُقَال : إِسَادَة . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة فِي الْآخِرَة , وَكَذَلِكَ الَّتِي قَبْلهَا ; فَأَمَّا الَّتِي فِي الدُّنْيَا فَقَدْ يُؤَاخَذ فِيهَا بَعْضهمْ بِجُرْمِ بَعْض , لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَنْهَ الطَّائِعُونَ الْعَاصِينَ , كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث أَبِي بَكْر فِي قَوْله : | عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ | [ الْمَائِدَة : 105 ] . وَقَوْل تَعَالَى : | وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة | [ الْأَنْفَال : 25 ] . | إِنَّ اللَّه لَا يُغَيِّر مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ | [ الرَّعْد : 11 ] . وَقَالَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش : يَا رَسُول اللَّه , أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث ) . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَوْلَاد الزِّنَى . وَالْخَبَث ( بِفَتْحِ الْبَاء ) اِسْم لِلزِّنَى . فَأَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَة الْخَطَأ عَلَى الْعَاقِلَة حَتَّى لَا يَبْطُل دَم الْحُرّ الْمُسْلِم تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ . وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْر خِلَاف بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ ; فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا فِي الدُّنْيَا , فِي أَلَّا يُؤَاخَذ زَيْد بِفِعْلِ عَمْرو , وَأَنَّ كُلّ مُبَاشِر لِجَرِيمَةٍ فَعَلَيْهِ مَغَبَّتُهَا . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي رِمْثَة قَالَ ; اِنْطَلَقْت مَعَ أَبِي نَحْو النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي : ( اِبْنُك هَذَا ) ؟ قَالَ : إِي وَرَبِّ الْكَعْبَة . قَالَ : ( حَقًّا ) . قَالَ : أَشْهَدُ بِهِ . قَالَ : فَتَبَسَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا مِنْ ثَبْت شَبَهِي فِي أَبِي , وَمِنْ حَلِفِ أَبِي عَلَيَّ . ثُمَّ قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) . وَقَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى | . وَلَا يُعَارِض مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ : | وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ | وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ | [ الْعَنْكَبُوت : 13 ] ; فَإِنَّ هَذَا مُبَيَّن فِي الْآيَة الْأُخْرَى قَوْله : | لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم | [ النَّحْل : 25 ] . فَمَنْ كَانَ إِمَامًا فِي الضَّلَالَة وَدَعَا إِلَيْهَا وَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَحْمِل وِزْر مَنْ أَضَلَّهُ مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ وِزْر الْمُضِلّ شَيْء , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

يَعْنِي الْكَافِر|ضُرٌّ|أَيْ شِدَّة مِنْ الْفَقْر وَالْبَلَاء|دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ|أَيْ رَاجِعًا إِلَيْهِ مُخْبِتًا مُطِيعًا لَهُ مُسْتَغِيثًا بِهِ فِي إِزَالَة تِلْكَ الشِّدَّة عَنْهُ .|ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ|أَيْ أَعْطَاهُ وَمَلَّكَهُ . يُقَال : خَوَّلَك اللَّه الشَّيْء أَيْ مَلَّكَك إِيَّاهُ , وَكَانَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء يُنْشِد : <br>هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلُوا الْمَالَ يُخْوِلُوا .......... وَإِنْ يَسْأَلُوا يُعْطَوْا وَإِنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا <br>وَخَوَلُ الرَّجُل : حَشَمُهُ الْوَاحِد خَائِل . قَالَ أَبُو النَّجْم : <br>أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ .......... كُومَ الذُّرَى مِنْ خَوَلِ الْمُخَوَّلِ<br>|نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ|أَيْ نَسِيَ رَبّه الَّذِي كَانَ يَدْعُوهُ مِنْ قَبْل فِي كَشْف الضُّرّ عَنْهُ . فَـ | مَا | عَلَى هَذَا الْوَجْه لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي . وَقِيلَ : بِمَعْنَى مَنْ كَقَوْلِهِ : | وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد | [ الْكَافِرُونَ : 3 ] وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقِيلَ : نَسِيَ الدُّعَاء الَّذِي كَانَ يَتَضَرَّع بِهِ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . أَيْ تَرَكَ كَوْن الدُّعَاء مِنْهُ إِلَى اللَّه , فَمَا وَالْفِعْل عَلَى هَذَا الْقَوْل مَصْدَر .|وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا|أَيْ أَوْثَانًا وَأَصْنَامًا . وَقَالَ السُّدِّيّ : يَعْنِي أَنْدَادًا مِنْ الرِّجَال يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيع أُمُورهمْ .|لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ|أَيْ لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْجُهَّال .|قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا|أَيْ قُلْ لِهَذَا الْإِنْسَان | تَمَتَّعْ | وَهُوَ أَمْر تَهْدِيد فَمَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل .|إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ|أَيْ مَصِيرُك إِلَى النَّار .

لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْمُؤْمِن لَيْسَ كَالْكَافِرِ الَّذِي مَضَى ذِكْره . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ | أَمَّنْ | بِالتَّشْدِيدِ . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَيَحْيَى اِبْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة : | أَمَنْ هُوَ | بِالتَّخْفِيفِ عَلَى مَعْنَى النِّدَاء ; كَأَنَّهُ قَالَ يَا مَنْ هُوَ قَانِت . قَالَ الْفَرَّاء : الْأَلِف بِمَنْزِلَةِ يَا , تَقُول يَا زَيْد أَقْبِلْ وَأَزَيْد أَقْبِلْ . وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَجَمِيع النَّحْوِيِّينَ ; كَمَا قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْر : <br>أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ .......... إِلَّا يَدًا لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ <br>وَقَالَ آخَر هُوَ ذُو الرُّمَّة : <br>أَدَارًا بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرَةً .......... فَمَاءُ الْهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يَتَرَقْرَقُ <br>فَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا | قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِك قَلِيلًا إِنَّك مِنْ أَصْحَاب النَّار | يَا مَنْ هُوَ قَانِت إِنَّك مِنْ أَصْحَاب الْجَنَّة ; كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : فُلَان لَا يُصَلِّي وَلَا يَصُوم , فَيَا مَنْ يُصَلِّي وَيَصُوم أَبْشِرْ ; فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَلِف فِي | أَمَنْ | أَلِف اِسْتِفْهَام أَيْ | أَمَنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل | أَفْضَلُ ؟ أَمْ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا ؟ وَالتَّقْدِير الَّذِي هُوَ قَانِت خَيْر . وَمَنْ شَدَّدَ | أَمَّنْ | فَالْمَعْنَى الْعَاصُونَ الْمُتَقَدِّم ذِكْرُهُمْ خَيْر | أَمَّنْ هُوَ قَانِت | فَالْجُمْلَة الَّتِي عَادَلَتْ أَمْ مَحْذُوفَة , وَالْأَصْل أَمْ مَنْ فَأُدْغِمَتْ فِي الْمِيم . النَّحَّاس : وَأَمْ بِمَعْنَى بَلْ , وَمَنْ بِمَعْنَى الَّذِي ; وَالتَّقْدِير : أَمْ الَّذِي هُوَ قَانِت أَفْضَل مِمَّنْ ذُكِرَ . وَفِي قَانِت أَرْبَعَة أَوْجُه : أَحَدهَا أَنَّهُ الْمُطِيع ; قَالَهُ اِبْن مَسْعُود . الثَّانِي أَنَّهُ الْخَاشِع فِي صَلَاته ; قَالَهُ اِبْن شِهَاب . الثَّالِث أَنَّهُ الْقَائِم فِي صَلَاته ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . الرَّابِع أَنَّهُ الدَّاعِي لِرَبِّهِ . وَقَوْل اِبْن مَسْعُود يَجْمَع ذَلِكَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( كُلّ قُنُوت فِي الْقُرْآن فَهُوَ طَاعَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) وَرُوِيَ عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيّ الصَّلَاة أَفْضَل ؟ فَقَالَ : ( طُول الْقُنُوت ) وَتَأَوَّلَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّهُ طُول الْقِيَام . وَرَوَى عَبْد اللَّه عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر سُئِلَ عَنْ الْقُنُوت فَقَالَ : مَا أَعْرِف الْقُنُوت إِلَّا طُول الْقِيَام , وَقِرَاءَة الْقُرْآن . وَقَالَ مُجَاهِد : مِنْ الْقُنُوت طُول الرُّكُوع وَغَضّ الْبَصَر . وَكَانَ الْعُلَمَاء إِذَا وَقَفُوا فِي الصَّلَاة غَضُّوا أَبْصَارهمْ , وَخَضَعُوا وَلَمْ يَلْتَفِتُوا فِي صَلَاتهمْ , وَلَمْ يَعْبَثُوا وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ أَمْر الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِينَ . قَالَ النَّحَّاس : أَصْل هَذَا أَنَّ الْقُنُوت الطَّاعَة , فَكُلّ مَا قِيلَ فِيهِ فَهُوَ طَاعَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَهَذِهِ الْأَشْيَاء كُلّهَا دَاخِلَة فِي الطَّاعَة وَمَا هُوَ أَكْثَر مِنْهَا كَمَا قَالَ نَافِع : قَالَ لِي اِبْن عُمَر قُمْ فَصَلِّ فَقُمْت أُصَلِّي وَكَانَ عَلَيَّ ثَوْبٌ خَلِق , فَدَعَانِي فَقَالَ لِي : أَرَأَيْت لَوْ وَجَّهْتُك فِي حَاجَة أَكُنْت تَمْضِي هَكَذَا ؟ فَقُلْت : كُنْت أَتَزَيَّن قَالَ : فَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَتَزَيَّن لَهُ . وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِين الْقَانِت هَاهُنَا , فَذَكَرَ يَحْيَى بْن سَلَّام أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة الضَّحَّاك عَنْهُ : هُوَ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَقَالَ اِبْن عُمَر : هُوَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّهُ عَمَّار بْن يَاسِر . الْكَلْبَى : صُهَيْب وَأَبُو ذَرّ وَابْن مَسْعُود . وَعَنْ الْكَلْبِيّ أَيْضًا أَنَّهُ مُرْسَل فِيمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَال . | آنَاء اللَّيْل | قَالَ الْحَسَن : سَاعَاته ; أَوَّله وَأَوْسَطه وَآخِره . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : | آنَاء اللَّيْل | جَوْف اللَّيْل . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهَوِّنَ اللَّه عَلَيْهِ الْوُقُوف يَوْم الْقِيَامَة , فَلْيَرَهُ اللَّهُ فِي ظُلْمَة اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَة , وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه . وَقِيلَ : مَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . وَقَوْل الْحَسَن عَامّ .|وَقَائِمًا يَحْذَرُ|قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَيْ عَذَاب الْآخِرَة .|الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ|أَيْ نَعِيم الْجَنَّة . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُل يَتَمَادَى فِي الْمَعَاصِي وَيَرْجُو فَقَالَ : هَذَا مُتَمَنٍّ . وَلَا يَقِف عَلَى قَوْله : | رَحْمَة رَبّه | مَنْ خَفَّفَ | أَمَنْ هُوَ قَانِت | عَلَى مَعْنَى النِّدَاء ; لِأَنَّ قَوْله : | قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ | مُتَّصِل إِلَّا أَنْ يُقَدَّر فِي الْكَلَام حَذْف وَهُوَ أَيْسَر , عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه .|رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا|قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ كَمَا لَا يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُطِيع وَالْعَاصِي . وَقَالَ غَيْره : الَّذِينَ يَعْلَمُونَ هُمْ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِعِلْمِهِمْ وَيَعْمَلُونَ بِهِ , فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْتَفِع بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَعْمَل بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَعْلَم .|يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو|أَيْ أَصْحَاب الْعُقُول مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اِنْتَفَعُوا بِعُقُولِهِمْ

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ

أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد لِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ|آمَنُوا اتَّقُوا|أَيْ اِتَّقُوا مَعَاصِيَهُ وَالتَّاء مُبْدَلَة مِنْ وَاو وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب وَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى الْحَبَشَة .|رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا|يَعْنِي بِالْحَسَنَةِ الْأُولَى الطَّاعَة وَبِالثَّانِيَةِ الثَّوَاب فِي الْجَنَّة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة فِي الدُّنْيَا , يَكُون ذَلِكَ زِيَادَة عَلَى ثَوَاب الْآخِرَة , وَالْحَسَنَة الزَّائِدَة فِي الدُّنْيَا الصِّحَّة وَالْعَافِيَة وَالظَّفَر وَالْغَنِيمَة . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّ الْكَافِر قَدْ نَالَ نِعَم الدُّنْيَا . قُلْت : وَيَنَالهَا مَعَهُ الْمُؤْمِن وَيُزَاد الْجَنَّة إِذَا شَكَرَ تِلْكَ النِّعَم . وَقَدْ تَكُون الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الثَّنَاء الْحَسَن , وَفِي الْآخِرَة الْجَزَاء .|حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ|فَهَاجِرُوا فِيهَا وَلَا تُقِيمُوا مَعَ مَنْ يَعْمَل بِالْمَعَاصِي . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي [ النِّسَاء ] وَقِيلَ : الْمُرَاد أَرْض الْجَنَّة ; رَغَّبَهُمْ فِي سَعَتِهَا وَسَعَة نَعِيمهَا ; كَمَا قَالَ : | وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض | [ آل عِمْرَان : 133 ] وَالْجَنَّة قَدْ تُسَمَّى أَرْضًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْض نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ نَشَاء | [ الزُّمَر : 74 ] وَالْأَوَّل أَظْهَر فَهُوَ أَمْر بِالْهِجْرَةِ . أَيْ اِرْحَلُوا مِنْ مَكَّة إِلَى حَيْثُ تَأْمَنُوا . الْمَاوَرْدِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِسَعَةِ الْأَرْض سَعَة الرِّزْق ; لِأَنَّهُ يَرْزُقهُمْ مِنْ الْأَرْض فَيَكُون مَعْنَاهُ , وَرِزْق اللَّه وَاسِع , وَهُوَ أَشْبَهُ ; لِأَنَّهُ أَخْرَجَ سَعَتَهَا مَخْرَج الِامْتِنَان . قُلْت : فَتَكُون الْآيَة دَلِيلًا عَلَى الِانْتِقَال مِنْ الْأَرْض الْغَالِيَة , إِلَى الْأَرْض الرَّاخِيَة , كَمَا قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : كُنْ فِي مَوْضِع تَمْلَأ فِيهِ جِرَابَك خُبْزًا بِدِرْهَمٍ .|وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ|أَيْ بِغَيْرِ تَقْدِير . وَقِيلَ : يُزَاد عَلَى الثَّوَاب ; لِأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ لَكَانَ بِحِسَابٍ . وَقِيلَ : | بِغَيْرِ حِسَاب | أَيْ بِغَيْرِ مُتَابَعَة وَلَا مُطَالَبَة كَمَا تَقَع الْمُطَالَبَة بِنَعِيمِ الدُّنْيَا . وَ | الصَّابِرُونَ | هُنَا الصَّائِمُونَ ; دَلِيلُهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُخْبِرًا عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( الصَّوْم لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ | قَالَ أَهْل الْعِلْم : كُلّ أَجْر يُكَال كَيْلًا وَيُوزَن وَزْنًا إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ يُحْثَى حَثْوًا وَيُغْرَف غَرْفًا ; وَحُكِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس فِي قَوْله : | إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب | قَالَ : هُوَ الصَّبْر عَلَى فَجَائِع الدُّنْيَا وَأَحْزَانهَا . وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلّ مَنْ سَلَّمَ فِيمَا أَصَابَهُ , وَتَرَكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ , فَلَا مِقْدَار لِأَجْرِهِمْ . وَقَالَ قَتَادَة : لَا وَاَللَّهِ مَا هُنَاكَ مِكْيَال وَلَا مِيزَان , حَدَّثَنِي أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْصَب الْمَوَازِين فَيُؤْتَى بِأَهْلِ الصَّدَقَة فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهمْ بِالْمَوَازِينِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاة وَالْحَجّ وَيُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاء فَلَا يُنْصَب لَهُمْ مِيزَان وَلَا يُنْشَر لَهُمْ دِيوَان وَيُصَبّ عَلَيْهِمْ الْأَجْر بِغَيْرِ حِسَاب قَالَ اللَّه تَعَالَى : | إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب | حَتَّى يَتَمَنَّى أَهْل الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا أَنَّ أَجْسَادهمْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يَذْهَب بِهِ أَهْل الْبَلَاء مِنْ الْفَضْل ) . وَعَنْ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْت جَدِّي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( أَدِّ الْفَرَائِض تَكُنْ مِنْ أَعْبَد النَّاس وَعَلَيْك بِالْقُنُوعِ تَكُنْ مِنْ أَغْنَى النَّاس , يَا بُنَيَّ إِنَّ فِي الْجَنَّة شَجَرَةً يُقَال لَهَا شَجَرَة الْبَلْوَى يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاء فَلَا يُنْصَب لَهُمْ مِيزَان وَلَا يُنْشَر لَهُمْ دِيوَان يُصَبّ عَلَيْهِمْ الْأَجْر صَبًّا ) ثُمَّ تَلَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب | . وَلَفْظ صَابِر يُمْدَح بِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ صَبَرَ عَنْ الْمَعَاصِي , وَإِذَا أَرَدْت أَنَّهُ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَة قُلْت صَابِر عَلَى كَذَا ; قَالَ النَّحَّاس . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] مُسْتَوْفًى .

إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ

مُخْلِصًا | | مُخْلِصًا | نَصْب عَلَى الْحَال أَيْ مُوَحِّدًا لَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى وُجُوب النِّيَّة فِي كُلّ عَمَل , وَأَعْظَمه الْوُضُوء الَّذِي هُوَ شَطْر الْإِيمَان , خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة وَالْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ مَالِك اللَّذَيْنِ يَقُولَانِ إِنَّ الْوُضُوء يَكْفِي مِنْ غَيْر نِيَّة , وَمَا كَانَ لِيَكُونَ مِنْ الْإِيمَان شَطْرًا وَلَا لِيُخْرِجَ الْخَطَايَا مِنْ بَيْن الْأَظَافِر وَالشَّعْر بِغَيْرِ نِيَّة .|لَهُ الدِّينَ|أَيْ الطَّاعَة . وَقِيلَ : الْعِبَادَة وَهُوَ مَفْعُول بِهِ .

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ

مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَكَذَلِكَ كَانَ ; فَإِنَّهُ كَانَ أَوَّل مَنْ خَالَفَ دِين آبَائِهِ ; وَخَلَعَ الْأَصْنَام وَحَطَّمَهَا , وَأَسْلَمَ لِلَّهِ وَآمَنَ بِهِ , وَدَعَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاللَّام فِي قَوْله : | لِأَنْ أَكُون | صِلَة زَائِدَة قَالَ الْجُرْجَانِيّ وَغَيْره . وَقِيلَ : لَام أَجْل . وَفِي الْكَلَام حَذْف أَيْ أُمِرْت بِالْعِبَادَةِ | لِأَنْ أَكُون أَوَّل الْمُسْلِمِينَ | .

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ

يُرِيد عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ حِين دَعَاهُ قَوْمه إِلَى دِين آبَائِهِ ; قَالَ أَكْثَر أَهْل التَّفْسِير . وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الثُّمَالِيّ وَابْن الْمُسَيِّب : هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : | لِيَغْفِرَ لَك اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ | [ الْفَتْح : 2 ] فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ قَبْل أَنْ يُغْفَر ذَنْب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ

| اللَّه | نَصْب بِـ | أَعْبُدُ | , | مُخْلِصًا لَهُ دِينِي | طَاعَتِي وَعِبَادَتِي .

كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ

أَمْر تَهْدِيد وَوَعِيد وَتَوْبِيخ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ | [ فُصِّلَتْ : 40 ] . وَقِيلَ : مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف .|قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ|قَالَ مَيْمُون بْن مِهْرَان عَنْ اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ مِنْ أَحَد إِلَّا وَقَدْ خَلَقَ اللَّه لَهُ زَوْجَة فِي الْجَنَّة , فَإِذَا دَخَلَ النَّار خَسِرَ نَفْسه وَأَهْله . فِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : فَمَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه كَانَ لَهُ ذَلِكَ الْمَنْزِل وَالْأَهْل إِلَّا مَا كَانَ لَهُ قَبْل ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : | أُولَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ | [ الْمُؤْمِنُونَ : 10 ] .

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

سَمَّى مَا تَحْتهمْ ظُلَلًا ; لِأَنَّهَا تُظِلّ مَنْ تَحْتهمْ , وَهَذِهِ الْآيَة نَظِير قَوْله تَعَالَى : | لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ | [ الْأَعْرَاف : 41 ] وَقَوْله : | يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَاب مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ | . [ الْعَنْكَبُوت : 55 ] .|ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوْلِيَاءَهُ .|يَا عِبَادِ|أَيْ يَا أَوْلِيَائِي فَخَافُونِ . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي الْمُؤْمِن وَالْكَافِر . وَقِيلَ : خَاصّ بِالْكُفَّارِ .

هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قَالَ الْأَخْفَش : الطَّاغُوت جَمْع وَيَجُوز أَنْ تَكُون وَاحِدَة مُؤَنَّثَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ . أَيْ تَبَاعَدُوا مِنْ الطَّاغُوت وَكَانُوا مِنْهَا عَلَى جَانِب فَلَمْ يَعْبُدُوهَا . قَالَ مُجَاهِد وَابْن زَيْد : هُوَ الشَّيْطَان . وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ : هُوَ الْأَوْثَان . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْكَاهِن . وَقِيلَ إِنَّهُ اِسْم أَعْجَمِيّ مِثْل طَالُوت وَجَالُوت وَهَارُوت وَمَارُوت . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْم عَرَبِيّ مُشْتَقّ مِنْ الطُّغْيَان , وَ | أَنْ | فِي مَوْضِع نَصْب بَدَلًا مِنْ الطَّاغُوت , تَقْدِيره : وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا عِبَادَة الطَّاغُوت .|وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ|أَيْ رَجَعُوا إِلَى عِبَادَته وَطَاعَته .|لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي|| لَهُمْ الْبُشْرَى | فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى . رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَان وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَسَعْد وَسَعِيد وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ; سَأَلُوا أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِإِيمَانِهِ فَآمَنُوا . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل وَأَبِي ذَرّ وَغَيْرهمَا مِمَّنْ وَحَّدَ اللَّه تَعَالَى قَبْل مَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الرَّجُل يَسْمَع الْحَسَن وَالْقَبِيح فَيَتَحَدَّث بِالْحَسَنِ وَيَنْكَفُّ عَنْ الْقَبِيح فَلَا يَتَحَدَّث بِهِ . وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن وَغَيْره فَيَتَّبِعُونَ الْقُرْآن . وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن وَأَقْوَال الرَّسُول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أَيْ مُحْكَمَهُ فَيَعْمَلُونَ بِهِ . وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ عَزْمًا وَتَرْخِيصًا فَيَأْخُذُونَ بِالْعَزْمِ دُون التَّرْخِيص . وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ الْعُقُوبَة الْوَاجِبَة لَهُمْ وَالْعَفْو فَيَأْخُذُونَ بِالْعَفْوِ . وَقِيلَ : إِنَّ أَحْسَن الْقَوْل عَلَى مَنْ جَعَلَ الْآيَة فِيمَنْ وَحَّدَ اللَّه قَبْل الْإِسْلَام | لَا إِلَه إِلَّا اللَّه | . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : نَزَلَتْ فِي زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل وَأَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ , اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أَنْ يَعْبُدُوهَا فِي جَاهِلِيَّتهمْ , وَاتَّبَعُوا أَحْسَن مَا صَارَ مِنْ الْقَوْل إِلَيْهِمْ .|أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ|لِمَا يَرْضَاهُ .|وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ|أَيْ أَصْحَاب الْعُقُول مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اِنْتَفَعُوا بِعُقُولِهِمْ

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُ

كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْرِص عَلَى إِيمَان قَوْم وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْ اللَّه الشَّقَاوَة فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد أَبَا لَهَب وَوَلَده وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ عَشِيرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِيمَان . وَكَرَّرَ الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله : | أَفَأَنْت | تَأْكِيدًا لِطُولِ الْكَلَام , وَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى : | أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ | [ الْمُؤْمِنُونَ : 35 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَالْمَعْنَى : | أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب | أَفَأَنْت تُنْقِذُهُ . وَالْكَلَام شَرْط وَجَوَابه . وَجِيءَ بِالِاسْتِفْهَامِ ; لِيَدُلّ عَلَى التَّوْقِيف وَالتَّقْرِير . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى أَفَأَنْت تُنْقِذ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب . وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقِيلَ : إِنَّ فِي الْكَلَام حَذْفًا وَالتَّقْدِير : أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب يَنْجُو مِنْهُ , وَمَا بَعْده مُسْتَأْنَف . وَقَالَ : | أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ | وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : | حَقَّتْ كَلِمَة الْعَذَاب | [ الزُّمَر : 71 ] لِأَنَّ الْفِعْل إِذَا تَقَدَّمَ وَوَقَعَ بَيْنه وَبَيْن الْمَوْصُوف بِهِ حَائِل جَازَ التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث , عَلَى أَنَّ التَّأْنِيث هُنَا لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ بَلْ الْكَلِمَة فِي مَعْنَى الْكَلَام وَالْقَوْل ; أَيْ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ قَوْل الْعَذَاب .

هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ لِلْكُفَّارِ ظُلَلًا مِنْ النَّار مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْتهمْ بَيَّنَ أَنَّ لِلْمُتَّقِينَ غُرَفًا فَوْقهَا غُرَف ; لِأَنَّ الْجَنَّة دَرَجَات يَعْلُو بَعْضهَا بَعْضًا وَ | لَكِنْ | لَيْسَ لِلِاسْتِدْرَاكِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَفْي كَقَوْلِهِ : مَا رَأَيْت زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا ; بَلْ هُوَ لِتَرْكِ قِصَّة إِلَى قِصَّة مُخَالِفَة لِلْأُولَى كَقَوْلِك : جَاءَنِي زَيْد لَكِنْ عَمْرو لَمْ يَأْتِ .|مَبْنِيَّةٌ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : مِنْ زَبَرْجَد وَيَاقُوت|تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ|أَيْ هِيَ جَامِعَة لِأَسْبَابِ النُّزْهَة .|وَعْدَ اللَّهِ|نَصْب عَلَى الْمَصْدَر ; لِأَنَّ مَعْنَى | لَهُمْ غُرَف | وَعَدَهُمْ اللَّه ذَلِكَ وَعْدًا . وَيَجُوز الرَّفْع بِمَعْنَى ذَلِكَ وَعْدُ اللَّه .|لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ|أَيْ مَا وَعَدَ الْفَرِيقَيْنِ .

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ

أَيْ إِنَّهُ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد فِي إِحْيَاء الْخَلْق , وَالتَّمْيِيز بَيْن الْمُؤْمِن وَالْكَافِر , وَهُوَ قَادِر عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ قَادِر عَلَى إِنْزَال الْمَاء مِنْ السَّمَاء . | أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء | أَيْ مِنْ السَّحَاب | مَاء | أَيْ الْمَطَر|فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ|أَيْ فَأَدْخَلَهُ فِي الْأَرْض وَأَسْكَنَهُ فِيهَا ; كَمَا قَالَ : | فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْض | [ الْمُؤْمِنُونَ : 18 ] . | يَنَابِيع | جَمْع يَنْبُوع وَهُوَ يَفْعُول مِنْ نَبَعَ يَنْبُعُ وَيَنْبَعُ وَيَنْبِعَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْب وَالْخَفْض . النَّحَّاس : وَحَكَى لَنَا اِبْن كَيْسَان فِي قَوْل الشَّاعِر : <br>يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ <br>أَنَّ مَعْنَاهُ يَنْبُعُ فَأَشْبَعَ الْفَتْحَة فَصَارَتْ أَلِفًا , نُبُوعًا خَرَجَ . وَالْيَنْبُوع عَيْن الْمَاء وَالْجَمْع الْيَنَابِيع . وَقَدْ مَضَى فِي [ سُبْحَان ] .|ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ|ثُمَّ يُخْرِج بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْمَاء الْخَارِج مِنْ يَنَابِيع الْأَرْض | زَرْعًا | هُوَ لِلْجِنْسِ أَيْ زُرُوعًا شَتَّى لَهَا أَلْوَان مُخْتَلِفَة , حُمْرَة وَصُفْرَة وَزُرْقَة وَخُضْرَة وَنُورًا . قَالَ الشَّعْبِيّ وَالضَّحَّاك : كُلّ مَاء فِي الْأَرْض فَمِنْ السَّمَاء نَزَلَ , إِنَّمَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء إِلَى الصَّخْرَة , ثُمَّ تُقْسَم مِنْهَا الْعُيُون وَالرَّكَايَا .|ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا|| يَهِيج | أَيْ يَيْبَس . | فَتَرَاهُ | أَيْ بَعْد خُضْرَته | مُصْفَرًّا | قَالَ الْمُبَرِّد قَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال هَاجَتْ الْأَرْض تَهِيج إِذَا أَدْبَرَ نَبْتهَا وَوَلَّى . قَالَ : كَذَلِكَ هَاجَ النَّبْت . قَالَ : وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْر الْأَصْمَعِيّ . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : هَاجَ النَّبْت هِيَاجًا أَيْ يَبِسَ . وَأَرْض هَائِجَة يَبِسَ بَقْلهَا أَوْ اِصْفَرَّ , وَأَهَاجَتْ الرِّيح النَّبْت أَيْبَسَتْهُ , وَأَهْيَجْنَا الْأَرْض أَيْ وَجَدْنَاهَا هَائِجَة النَّبَات , وَهَاجَ هَائِجُهُ أَيْ ثَارَ غَضَبه , وَهَدَأَ هَائِجُهُ أَيْ سَكَنَتْ فَوْرَتُهُ .|ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا|أَيْ فُتَاتًا مُكَسَّرًا مِنْ تَحَطَّمَ الْعُود إِذَا تَفَتَّتَ مِنْ الْيُبْس . وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَة . وَقِيلَ : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْقُرْآنِ وَلِصُدُورِ مَنْ فِي الْأَرْض , أَيْ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء قُرْآنًا فَسَلَكَهُ فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ | ثُمَّ يُخْرِج بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ | أَيْ دِينًا مُخْتَلِفًا بَعْضه أَفْضَل مِنْ بَعْض , فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيَزْدَاد إِيمَانًا وَيَقِينًا , وَأَمَّا الَّذِي فِي قَلْبه مَرَض فَإِنَّهُ يَهِيج كَمَا يَهِيج الزَّرْع . وَقِيلَ : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلدُّنْيَا ; أَيْ كَمَا يَتَغَيَّر النَّبْت الْأَخْضَر فَيَصْفَرُّ كَذَلِكَ الدُّنْيَا بَعْد بَهْجَتهَا .|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ|أَيْ أَصْحَاب الْعُقُول مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اِنْتَفَعُوا بِعُقُولِهِمْ .

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ

شَرَحَ فَتَحَ وَوَسَّعَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَسَّعَ صَدْره لِلْإِسْلَامِ حَتَّى ثَبَتَ فِيهِ . وَقَالَ السُّدِّيّ : وَسَّعَ صَدْره بِالْإِسْلَامِ لِلْفَرَحِ بِهِ وَالطُّمَأْنِينَة إِلَيْهِ ; فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا الشَّرْح إِلَّا بَعْد الْإِسْلَام ; وَعَلَى الْوَجْه الْأَوَّل يَجُوز أَنْ يَكُون الشَّرْح قَبْل الْإِسْلَام . وَالْمُرَاد بِمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره هَاهُنَا فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ عَلِيّ وَحَمْزَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ مُقَاتِل : عَمَّار بْن يَاسِر . وَعَنْهُ أَيْضًا وَالْكَلْبِيّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْآيَة عَامَّة فِيمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْرَهُ بِخَلْقِ الْإِيمَان فِيهِ . وَرَوَى مَرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه قَوْله تَعَالَى : | أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه | كَيْف اِنْشَرَحَ صَدْره ؟ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ النُّور الْقَلْب اِنْشَرَحَ وَانْفَتَحَ ) قُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه وَمَا عَلَامَة ذَلِكَ ؟ . قَالَ : ( الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل نُزُوله ) وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر : أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُول اللَّه أَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَس ؟ قَالَ : ( أَكْثَرهمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ اِسْتِعْدَادًا وَإِذَا دَخَلَ النُّور فِي الْقَلْب اِنْفَسَحَ وَاسْتَوْسَعَ ) قَالُوا : فَمَا آيَة ذَلِكَ يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : ( الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل نُزُول الْمَوْت ) فَذَكَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِصَالًا ثَلَاثَة , وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَال فَهُوَ الْكَامِل الْإِيمَان , فَإِنَّ الْإِنَابَة إِنَّمَا هِيَ أَعْمَال الْبِرّ ; لِأَنَّ دَار الْخُلُود إِنَّمَا وُضِعَتْ جَزَاء لِأَعْمَالِ الْبِرّ , أَلَا تَرَى كَيْف ذَكَرَهُ اللَّه فِي مَوَاضِع فِي تَنْزِيله ثُمَّ قَالَ بِعَقِبِ ذَلِكَ : | جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ | [ الْوَاقِعَة : 24 ] فَالْجَنَّة جَزَاء الْأَعْمَال ; فَإِذَا اِنْكَمَشَ الْعَبْد فِي أَعْمَال الْبِرّ فَهُوَ إِنَابَته إِلَى دَار الْخُلُود , وَإِذَا خَمَدَ حِرْصه عَنْ الدُّنْيَا , وَلَهَا عَنْ طَلَبِهَا , وَأَقْبَلَ عَلَى مَا يُغْنِيهِ مِنْهَا فَاكْتَفَى بِهِ وَقَنَعَ , فَقَدْ تَجَافَى عَنْ دَار الْغُرُور . وَإِذَا أَحْكَمَ أُمُوره بِالتَّقْوَى فَكَانَ نَاظِرًا فِي كُلّ أَمْر , وَاقِفًا مُتَأَدِّبًا مُتَثَبِّتًا حَذِرًا يَتَوَرَّع عَمَّا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبهُ , فَقَدْ اِسْتَعَدَّ لِلْمَوْتِ . فَهَذِهِ عَلَامَتهمْ فِي الظَّاهِر . وَإِنَّمَا صَارَ هَكَذَا لِرُؤْيَةِ الْمَوْت , وَرُؤْيَة صَرْف الْآخِرَة عَنْ الدُّنْيَا , وَرُؤْيَة الدُّنْيَا أَنَّهَا دَار الْغُرُور , وَإِنَّمَا صَارَتْ لَهُ هَذِهِ الرُّؤْيَة بِالنُّورِ الَّذِي وَلَجَ الْقَلْب .|فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ|أَيْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّه .|فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ|قِيلَ : الْمُرَاد أَبُو لَهَب وَوَلَده ; وَمَعْنَى : | مِنْ ذِكْر اللَّه | أَنَّ قُلُوبهمْ تَزْدَاد قَسْوَة مِنْ سَمَاع ذِكْره . وَقِيلَ : إِنَّ | مِنْ | بِمَعْنَى عَنْ , وَالْمَعْنَى قَسَتْ عَنْ قَبُول ذِكْر اللَّه . وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ . وَعَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ اللَّه تَعَالَى اُطْلُبُوا الْحَوَائِج مِنْ السُّمَحَاء فَإِنِّي جَعَلْت فِيهِمْ رَحْمَتِي وَلَا تَطْلُبُوهَا مِنْ الْقَاسِيَة قُلُوبهمْ فَإِنِّي جَعَلْت فِيهِمْ سَخَطِي ) . وَقَالَ مَالِك بْن دِينَار : مَا ضُرِبَ عَبْد بِعُقُوبَةٍ أَعْظَم مِنْ قَسْوَة قَلْب , وَمَا غَضِبَ اللَّه عَلَى قَوْم إِلَّا نَزَعَ الرَّحْمَة مِنْ قُلُوبهمْ . قَالَ الْمُبَرِّد : يُقَال قَسَا الْقَلْب إِذَا صَلُبَ , وَكَذَلِكَ عَتَا وَعَسَا مُقَارِبَة لَهَا . وَقَلْب قَاسٍ أَيْ صُلْب لَا يَرِقُّ وَلَا يَلِينُ .

إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ

يَعْنِي الْقُرْآن لَمَّا قَالَ : | فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ | [ الزُّمَر : 18 ] بَيَّنَ أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُسْمَع مَا أَنْزَلَهُ اللَّه وَهُوَ الْقُرْآن . قَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ حَدَّثْتنَا فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | اللَّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيث | فَقَالُوا : لَوْ قَصَصْت عَلَيْنَا فَنَزَلَ : | نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك أَحْسَنَ الْقَصَص | [ يُوسُف : 3 ] فَقَالُوا : لَوْ ذَكَّرْتنَا فَنَزَلَ : | أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه | [ الْحَدِيد : 16 ] الْآيَة . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلُّوا مَلَّة فَقَالُوا لَهُ : حَدِّثْنَا فَنَزَلَتْ . وَالْحَدِيث مَا يُحَدِّث بِهِ الْمُحَدِّث . وَسُمِّيَ الْقُرْآن حَدِيثًا ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّث بِهِ أَصْحَابه وَقَوْمه , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : | فَبِأَيِّ حَدِيث بَعْده يُؤْمِنُونَ | [ الْمُرْسَلَات : 50 ] وَقَوْله : | أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيث تَعْجَبُونَ | [ النَّجْم : 59 ] وَقَوْله : | إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيث أَسَفًا | [ الْكَهْف : 6 ] وَقَوْله : | وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّه حَدِيثًا | [ النِّسَاء : 87 ] وَقَوْله : | فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّب بِهَذَا الْحَدِيث | [ الْقَلَم : 44 ] قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَتَوَهَّمَ قَوْم أَنَّ الْحَدِيث مِنْ الْحُدُوث ; فَلْيَدُلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامه مُحْدَث وَهُوَ وَهْم ; لِأَنَّهُ لَا يُرِيد لَفْظ الْحَدِيث عَلَى مَا فِي قَوْله : | مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث | وَقَدْ قَالُوا : إِنَّ الْحُدُوث يَرْجِع إِلَى التِّلَاوَة لَا إِلَى الْمَتْلُوّ , وَهُوَ كَالذِّكْرِ مَعَ الْمَذْكُور إِذَا ذَكَرْنَا أَسْمَاء الرَّبّ تَعَالَى .|كِتَابًا مُتَشَابِهًا|| كِتَابًا | نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ | أَحْسَن الْحَدِيث | وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون حَالًا مِنْهُ . | مُتَشَابِهًا | يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فِي الْحُسْن وَالْحِكْمَة وَيُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا , لَيْسَ فِيهِ تَنَاقُض وَلَا اِخْتِلَاف . وَقَالَ قَتَادَة : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فِي الْآي وَالْحُرُوف . وَقِيلَ : يُشْبِه كُتُب اللَّه الْمُنَزَّلَة عَلَى أَنْبِيَائِهِ ; لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ أَمْر وَنَهْي وَتَرْغِيب وَتَرْهِيب وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ وَأَعْجَزَ .|مَثَانِيَ|تُثَنَّى فِيهِ الْقَصَص وَالْمَوَاعِظ وَالْأَحْكَام وَثَنَّى لِلتِّلَاوَةِ فَلَا يُمَلُّ .|تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ|تَضْطَرِب وَتَتَحَرَّك بِالْخَوْفِ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْوَعِيد . وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : ذَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَصْحَابه فَرَقُّوا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِغْتَنِمُوا الدُّعَاء عِنْد الرِّقَّة فَإِنَّهَا رَحْمَة ) . وَعَنْ الْعَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا اِقْشَعَرَّ جِلْد الْمُؤْمِن مِنْ مَخَافَة اللَّه تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنْ الشَّجَرَة الْبَالِيَة وَرَقهَا ) . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا اِقْشَعَرَّ جِلْد عَبْد مِنْ خَشْيَة اللَّه إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَى النَّار ) . وَعَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أُمّ الدَّرْدَاء قَالَتْ : إِنَّمَا الْوَجَل فِي قَلْب الرَّجُل كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَة , أَمَا تَجِد إِلَّا قُشَعْرِيرَة ؟ قُلْت : بَلَى ; قَالَتْ : فَادْعُ اللَّه فَإِنَّ الدُّعَاء عِنْد ذَلِكَ مُسْتَجَاب . وَعَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ قَالَ : قَالَ فُلَان : إِنِّي لَأَعْلَم مَتَى يُسْتَجَاب لِي . قَالُوا : وَمِنْ أَيْنَ تَعْلَم ذَلِكَ ؟ قَالَ : إِذَا اِقْشَعَرَّ جِلْدِي , وَوَجِلَ قَلْبِي , وَفَاضَتْ عَيْنَايَ , فَذَلِكَ حِين يُسْتَجَاب لِي . يُقَال : اِقْشَعَرَّ جِلْد الرَّجُل اقْشِعْرَارًا فَهُوَ مُقْشَعِرّ وَالْجَمْع قَشَاعِر فَتُحْذَف الْمِيم , لِأَنَّهَا زَائِدَة ; يُقَال أَخَذَتْهُ قُشَعْرِيرَة . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : <br>فَبِتّ أُكَابِدُ لَيْلَ التَّمَا .......... مِ وَالْقَلْبُ مِنْ خَشْيَةٍ مُقْشَعِرٌّ <br>وَقِيلَ : إِنَّ الْقُرْآن لَمَّا كَانَ فِي غَايَة الْجَزَالَة وَالْبَلَاغَة , فَكَانُوا إِذَا رَأَوْا عَجْزهمْ عَنْ مُعَارَضَته , اِقْشَعَرَّتْ الْجُلُود مِنْهُ إِعْظَامًا لَهُ , وَتَعَجُّبًا مِنْ حُسْن تَرْصِيعه وَتَهَيُّبًا لِمَا فِيهِ ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَة اللَّه | [ الْحَشْر : 21 ] فَالتَّصَدُّع قَرِيب مِنْ الِاقْشِعْرَار , وَالْخُشُوع قَرِيب مِنْ قَوْله : | ثُمَّ تَلِينُ جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه ||ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ|أَيْ عِنْد آيَة الرَّحْمَة . وَقِيلَ : إِلَى الْعَمَل بِكِتَابِ اللَّه وَالتَّصْدِيق بِهِ . وَقِيلَ : | إِلَى ذِكْر اللَّه | يَعْنِي الْإِسْلَام . وَمَعْنَى لِين الْقَلْب رِقَّته وَطُمَأْنِينَته وَسُكُونه . وَعَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَتْ : كَانَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن كَمَا نَعَتَهُمْ اللَّه تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ وَتَقْشَعِرّ جُلُودهمْ . قِيلَ لَهَا : فَإِنَّ أُنَاسًا الْيَوْم إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن خَرَّ أَحَدهمْ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . فَقَالَتْ : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم . وَقَالَ سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْجُمَحِيّ : مَرَّ اِبْن عُمَر بِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الْقُرْآن سَاقِط فَقَالَ : مَا بَال هَذَا ؟ قَالُوا : إِنَّهُ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَسَمِعَ ذِكْر اللَّه سَقَطَ . فَقَالَ اِبْن عُمَر : إِنَّا لَنَخْشَى اللَّه وَمَا نَسْقُط . ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَان يَدْخُل فِي جَوْف أَحَدِهِمْ ; مَا كَانَ هَذَا صَنِيع أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : ذُكِرَ عِنْد اِبْن سِيرِينَ الَّذِينَ يُصْرَعُونَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن , فَقَالَ : بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَنْ يَقْعُد أَحَدهمْ عَلَى ظَهْر بَيْت بَاسِطًا رِجْلَيْهِ , ثُمَّ يُقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن مِنْ أَوَّله إِلَى آخِره فَإِنْ رَمَى بِنَفْسِهِ فَهُوَ صَادِق . وَقَالَ أَبُو عِمْرَان الْجَوْنِيّ : وَعَظَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بَنِي إِسْرَائِيل ذَات يَوْم فَشَقَّ رَجُل قَمِيصه , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : قُلْ لِصَاحِبِ الْقَمِيص لَا يَشُقّ قَمِيصه فَإِنِّي لَا أُحِبُّ الْمُبَذِّرِينَ ; يَشْرَح لِي عَنْ قَلْبه .|ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ|أَيْ الْقُرْآن هُدَى اللَّه . وَقِيلَ : أَيْ الَّذِي وَهَبَهُ اللَّه لِهَؤُلَاءِ مِنْ خَشْيَة عِقَابه وَرَجَاء ثَوَابه هُدَى اللَّه .|وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ|أَيْ مَنْ خَذَلَهُ فَلَا مُرْشِد لَهُ . وَهُوَ يَرُدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى فِي غَيْر مَوْضِع وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَوَقَفَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن عَلَى قَوْله : | هَادٍ | فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْيَاءِ , الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاء .

فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ

قَالَ عَطَاء وَابْن زَيْد : يُرْمَى بِهِ مَكْتُوفًا فِي النَّار فَأَوَّل شَيْء تَمَسُّ مِنْهُ النَّار وَجْهَهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : يُجَرُّ عَلَى وَجْهه فِي النَّار . وَقَالَ مُقَاتِل : هُوَ أَنَّ الْكَافِر يُرْمَى بِهِ فِي النَّار مَغْلُولَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقه , وَفِي عُنُقه صَخْرَة عَظِيمَة كَالْجَبَلِ الْعَظِيم مِنْ الْكِبْرِيت , فَتَشْتَعِل النَّار فِي الْحَجَر وَهُوَ مُعَلَّق فِي عُنُقه , فَحَرُّهَا وَوَهَجُهَا عَلَى وَجْهه ; لَا يُطِيق دَفْعهَا عَنْ وَجْهه مِنْ أَجْل الْأَغْلَال . وَالْخَبَر مَحْذُوف . قَالَ الْأَخْفَش : أَيْ | أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء الْعَذَاب | أَفْضَل أَمْ مَنْ سُعِدَ , مِثْل : | أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّار خَيْر أَمَّنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْم الْقِيَامَة | [ فُصِّلَتْ : 40 ] .|وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ|أَيْ وَتَقُول الْخَزَنَة لِلْكَافِرِينَ|ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ|أَيْ جَزَاء كَسْبِكُمْ مِنْ الْمَعَاصِي . وَمِثْله | هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ | [ التَّوْبَة : 35 ] .

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ

أَيْ كَذَّبَ قَبْلهمْ أَقْوَام كَانُوا أَشَدّ مِنْ هَؤُلَاءِ بَطْشًا وَأَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَأَوْسَعَ عَيْشًا , فَأَهْلَكْتهمْ كَثَمُودَ وَعَادٍ .|فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ|أَيْ مِنْ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّهُمْ فِي أَمَان

مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ

قَالَ الْمُبَرِّد : يُقَال لِكُلِّ مَا نَالَ الْجَارِحَة مِنْ شَيْء قَدْ ذَاقَتْهُ , أَيْ وَصَلَ إِلَيْهَا كَمَا تَصِل الْحَلَاوَة وَالْمَرَارَة إِلَى الذَّائِق لَهُمَا . قَالَ : وَالْخِزْي مِنْ الْمَكْرُوه وَالْخَزَايَة مِنْ الِاسْتِحْيَاء|وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ|أَيْ مِمَّا أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ .

ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ

أَيْ مِنْ كُلّ مَثَل يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ; مِثْل قَوْله تَعَالَى : | مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء | [ الْأَنْعَام : 38 ] وَقِيلَ : أَيْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِهْلَاك الْأُمَم السَّالِفَة مَثَل لِهَؤُلَاءِ .|لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ|يَتَّعِظُونَ .

ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

نَصْب عَلَى الْحَال . قَالَ الْأَخْفَشُ : لِأَنَّ قَوْله جَلَّ وَعَزَّ : | فِي هَذَا الْقُرْآن | مَعْرِفَة . وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان : | عَرَبِيًّا | نَصْب عَلَى الْحَال وَ | قُرْآنًا | تَوْطِئَة لِلْحَالِ كَمَا تَقُول مَرَرْت بِزَيْدٍ رَجُلًا صَالِحًا فَقَوْلُك صَالِحًا هُوَ الْمَنْصُوب عَلَى الْحَال . وَقَالَ الزَّجَّاج : | عَرَبِيًّا | مَنْصُوب عَلَى الْحَال وَ | قُرْآنًا | تَوْكِيد .|غَيْرَ ذِي عِوَجٍ|النَّحَّاس : أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ قَوْل الضَّحَّاك , قَالَ : غَيْر مُخْتَلِف . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس , ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا غَيْر مَخْلُوق , ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَقَالَهُ السُّدِّيّ فِيمَا ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ عُثْمَان بْن عَفَّان : غَيْر مُتَضَادّ . وَقَالَ مُجَاهِد : غَيْر ذِي لَبْس . وَقَالَ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ : غَيْر ذِي لَحْن . وَقِيلَ : غَيْر ذِي شَكٍّ . قَالَ السُّدِّيّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . قَالَ : <br>وَقَدْ أَتَاك يَقِينٌ غَيْرُ ذِي عِوَجٍ .......... مِنْ الْإِلَهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوبِ<br>|لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ|الْكُفْر وَالْكَذِب .

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ

قَالَ الْكِسَائِيّ : نُصِبَ | رَجُلًا | لِأَنَّهُ تَرْجَمَة لِلْمَثَلِ وَتَفْسِير لَهُ , وَإِنْ شِئْت نَصَبْته بِنَزْعِ الْخَافِض , مَجَازُهُ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا بِرَجُلٍ | فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ | قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ مُخْتَلِفُونَ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : أَيْ مُتَعَاسِرُونَ مِنْ شَكِسَ يَشْكُسُ شُكْسًا بِوَزْنِ قُفْلٍ فَهُوَ شَكِسٌ مِثْل عَسُرَ يَعْسُرُ عُسْرًا فَهُوَ عَسِرٌ , يُقَال : رَجُل شَكِسٌ وَشَرِسٌ وَضَرِسٌ وَضَبِسٌ . وَيُقَال : رَجُل ضَبِسٌ وَضَبِيسٌ أَيْ شَرِسٌ عَسِرٌ شَكِسٌ ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَالتَّشَاكُس وَالتَّشَاخُسُ الِاخْتِلَاف . يُقَال : تَشَاكَسَتْ أَحْوَاله وَتَشَاخَسَتْ أَسْنَانُهُ . وَيُقَال : شَاكَسَنِي فُلَان أَيْ مَاكَسَنِي وَشَاحَّنِي فِي حَقِّي . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : رَجُل شَكْسٌ بِالتَّسْكِينِ أَيْ صَعْب الْخُلُق . قَالَ الرَّاجِز : <br>شَكْسٌ عَبُوسٌ عَنْبَسٌ عَذَوَّرُ <br>وَقَوْم شُكْسٌ مِثَال رَجُل صَدْق وَقَوْم صُدْقٌ . وَقَدْ شَكِسَ بِالْكَسْرِ شَكَاسَة . وَحَكَى الْفَرَّاء : رَجُل شَكْسٌ . وَهُوَ الْقِيَاس , وَهَذَا مِثْل مَنْ عَبَدَ آلِهَة كَثِيرَة .|وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ|أَيْ خَالِصًا لِسَيِّدٍ وَاحِد , وَهُوَ مِثْل مَنْ يَعْبُد اللَّه وَحْده .|هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا|هَذَا الَّذِي يَخْدُم جَمَاعَة شُرَكَاء أَخْلَاقهمْ مُخْتَلِفَة , وَنِيَّاتهمْ مُتَبَايِنَة , لَا يَلْقَاهُ رَجُل إِلَّا جَرَّهُ وَاسْتَخْدَمَهُ ; فَهُوَ يَلْقَى مِنْهُمْ الْعَنَاء وَالنَّصَب وَالتَّعَب الْعَظِيم , وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلّه لَا يُرْضِي وَاحِدًا مِنْهُمْ بِخِدْمَتِهِ لِكَثْرَةِ الْحُقُوق فِي رَقَبَته , وَاَلَّذِي يَخْدُم وَاحِدًا لَا يُنَازِعهُ فِيهِ أَحَد , إِذَا أَطَاعَهُ وَحْده عَرَفَ ذَلِكَ لَهُ , وَإِنْ أَخْطَأَ صَفَحَ عَنْ خَطَئِهِ , فَأَيّهمَا أَقَلُّ تَعَبًا أَوْ عَلَى هُدًى مُسْتَقِيم . وَقَرَأَ أَهْل الْكُوفَة وَأَهْل الْمَدِينَة : | وَرَجُلًا سَالِمًا | وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَأَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير وَيَعْقُوب : | وَرَجُلًا سَالِمًا | وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد لِصِحَّةِ التَّفْسِير فِيهِ . قَالَ : لِأَنَّ السَّالِم الْخَالِص ضِدّ الْمُشْتَرَك , وَالسَّلَم ضِدّ الْحَرْب وَلَا مَوْضِع لِلْحَرْبِ هُنَا . النَّحَّاس : وَهَذَا الِاحْتِجَاج لَا يَلْزَم ; لِأَنَّ الْحَرْف إِذَا كَانَ لَهُ مَعْنَيَانِ لَمْ يُحْمَل إِلَّا عَلَى أَوْلَاهُمَا , فَهَذَا وَإِنْ كَانَ السَّلَم ضِدّ الْحَرْب فَلَهُ مَوْضِع آخَر ; كَمَا يُقَال لَك فِي هَذَا الْمَنْزِل شُرَكَاء فَصَارَ سَلَمًا لَك . وَيَلْزَمهُ أَيْضًا فِي سَالِم مَا أَلْزَمَ غَيْره ; لِأَنَّهُ يُقَال شَيْء سَالِم أَيْ لَا عَاهَةَ بِهِ . وَالْقِرَاءَتَانِ حَسَنَتَانِ قَرَأَ بِهِمَا الْأَئِمَّة . وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِم قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة | سَلَمًا | قَالَ وَهَذَا الَّذِي لَا تَنَازُع فِيهِ . وَقَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة وَأَبُو الْعَالِيَة وَنَصْر | سِلْمًا | بِكَسْرِ السِّين وَسُكُون اللَّام . وَسَلَمًا وَسِلْمًا مَصْدَرَانِ ; وَالتَّقْدِير : وَرَجُلًا ذَا سِلْم فَحُذِفَ الْمُضَاف وَ | مَثَلًا | صِفَة عَلَى التَّمْيِيز , وَالْمَعْنَى هَلْ تَسْتَوِي صِفَاتهمَا وَحَالَاهُمَا . وَإِنَّمَا اِقْتُصِرَ فِي التَّمْيِيز عَلَى الْوَاحِد لِبَيَانِ الْجِنْس .|الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ|أَيْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقّ فَيَتَّبِعُونَهُ .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُ

قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن أَبِي عَبْلَة وَعِيسَى بْن عُمَر وَابْن أَبِي إِسْحَاق | إِنَّك مَائِتٌ وَإِنَّهُمْ مَائِتُونَ | وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة وَبِهَا قَرَأَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر . النَّحَّاس : وَمِثْل هَذِهِ الْأَلِف تُحْذَف فِي الشَّوَاذّ وَ | مَائِتٌ | فِي الْمُسْتَقْبَل كَثِير فِي كَلَام الْعَرَب ; وَمِثْله مَا كَانَ مَرِيضًا وَإِنَّهُ لَمَارِضٌ مِنْ هَذَا الطَّعَام . وَقَالَ الْحَسَن وَالْفَرَّاء وَالْكِسَائِيّ : الْمَيِّت بِالتَّشْدِيدِ مَنْ لَمْ يَمُتْ وَسَيَمُوتُ , وَالْمَيْت بِالتَّخْفِيفِ مَنْ فَارَقَتْهُ الرُّوح ; فَلِذَلِكَ لَمْ تُخَفَّف هُنَا . قَالَ قَتَادَة : نُعِيَتْ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسُهُ , وَنُعِيَتْ إِلَيْكُمْ أَنْفُسُكُمْ . وَقَالَ ثَابِت الْبُنَانِيّ : نَعَى رَجُل إِلَى صِلَةَ بْن أَشْيَمَ أَخًا لَهُ فَوَافَقَهُ يَأْكُل , فَقَالَ : اُدْنُ فَكُلْ فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي مُنْذُ حِين ; قَالَ : وَكَيْف وَأَنَا أَوَّل مَنْ أَتَاك بِالْخَبَرِ . قَالَ إِنَّ اللَّه تَعَالَى نَعَاهُ إِلَيَّ فَقَالَ : | إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ | . وَهُوَ خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتهمْ ; فَاحْتَمَلَ <subtitle>خَمْسَة أَوْجُه : </subtitle>[ أَحَدهَا ] أَنْ يَكُون ذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنْ الْآخِرَة . [ الثَّانِي ] أَنْ يَذْكُرهُ حَثًّا عَلَى الْعَمَل . [ الثَّالِث ] أَنْ يَذْكُرهُ تَوْطِئَة لِلْمَوْتِ . [ الرَّابِع ] لِئَلَّا يَخْتَلِفُوا فِي مَوْته كَمَا اِخْتَلَفَتْ الْأُمَم فِي غَيْره , حَتَّى إِنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا أَنْكَرَ مَوْته اِحْتَجَّ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَة فَأَمْسَكَ . [ الْخَامِس ] لِيُعْلِمَهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ سَوَّى فِيهِ بَيْن خَلْقه مَعَ تَفَاضُلهمْ فِي غَيْره ; لِتَكْثُر فِيهِ السَّلْوَة وَتَقِلّ فِيهِ الْحَسْرَة .

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ

يَعْنِي تَخَاصُم الْكَافِر وَالْمُؤْمِن وَالظَّالِم وَالْمَظْلُوم ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَفِي خَبَر فِيهِ طُول : إِنَّ الْخُصُومَة تَبْلُغ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى أَنْ يُحَاجَّ الرُّوح الْجَسَد . وَقَالَ الزُّبَيْر : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه أَيُكَرَّرُ عَلَيْنَا مَا كَانَ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصّ الذُّنُوب ؟ قَالَ : ( نَعَمْ لَيُكَرَّرَنَّ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُؤَدَّى إِلَى كُلّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) فَقَالَ الزُّبَيْر : وَاَللَّهِ إِنَّ الْأَمْر لَشَدِيدٌ . وَقَالَ اِبْن عُمَر : لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرنَا وَنَحْنُ نَرَى هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِينَا وَفِي أَهْل الْكِتَابَيْنِ : | ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ | فَقُلْنَا : وَكَيْف نَخْتَصِم وَنَبِيُّنَا وَاحِد وَدِينُنَا وَاحِد , حَتَّى رَأَيْت بَعْضَنَا يَضْرِبُ وُجُوهَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ ; فَعَرَفْت أَنَّهَا فِينَا نَزَلَتْ . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : ( كُنَّا نَقُول رَبُّنَا وَاحِدٌ وَدِينُنَا وَاحِدٌ وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ فَمَا هَذِهِ الْخُصُومَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم صِفِّينَ وَشَدَّ بَعْضنَا عَلَى بَعْض بِالسُّيُوفِ قُلْنَا نَعَمْ هُوَ هَذَا ) . وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة جَعَلَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : مَا خُصُومَتنَا بَيْننَا ؟ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالُوا : هَذِهِ خُصُومَتُنَا بَيْننَا . وَقِيلَ تَخَاصُمُهُمْ هُوَ تَحَاكُمُهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى , فَيَسْتَوْفِي مِنْ حَسَنَات الظَّالِم بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ , وَيَرُدّهَا فِي حَسَنَات مَنْ وَجَبَتْ لَهُ . وَهَذَا عَامّ فِي جَمِيع الْمَظَالِم كَمَا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِس ) قَالُوا : الْمُفْلِس فِينَا مَنْ لَا دِرْهَم لَهُ وَلَا مَتَاع . قَالَ : ( إِنَّ الْمُفْلِس مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاةٍ وَصِيَام وَزَكَاة وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَال هَذَا وَسَفَكَ دَم هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاته وَهَذَا مِنْ حَسَنَاته فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاته قَبْل أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار ) خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقَدْ مَضَى الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي [ آل عِمْرَان ] وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْء فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْم قَبْل أَلَّا يَكُون دِينَار وَلَا دِرْهَم إِنْ كَانَ لَهُ عَمَل صَالِح أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات صَاحِبه فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) وَفِي الْحَدِيث الْمُسْنَد ( أَوَّل مَا تَقَع الْخُصُومَات فِي الدُّنْيَا ) وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَاب كُلّه فِي التَّذْكِرَة مُسْتَوْفًى .

وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ

أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ|مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ|فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا|وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ|يَعْنِي الْقُرْآن|أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ|اِسْتِفْهَام تَقْرِير|مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ|أَيْ مُقَام لِلْجَاحِدِينَ , وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ ثَوَى بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ يَثْوِي ثَوَاءً وَثُوِيًّا مِثْلُ مَضَى مَضَاءً وَمُضِيًّا , وَلَوْ كَانَ مِنْ أَثَوَى لَكَانَ مُثْوًى . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ثَوَى هِيَ اللُّغَة الْفَصِيحَة . وَحَكَى أَبُو عُبَيْد أَثَوَى , وَأَنْشَدَ قَوْل الْأَعْشَى : <br>أَثَوَى وَقَصَّرَ لَيْلَةً لِيُزَوَّدَا .......... وَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا <br>وَالْأَصْمَعِيّ لَا يَعْرِف إِلَّا ثَوَى , وَيَرْوِي الْبَيْت أَثَوَى عَلَى الِاسْتِفْهَام . وَأَثْوَيْتُ غَيْرِي يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى .

وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ

| وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ | فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره | أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ | وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ; فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : | الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ | النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | وَصَدَّقَ بِهِ | أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . السُّدِّيّ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَمُقَاتِل وَقَتَادَة : | الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ | النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | وَصَدَّقَ بِهِ | الْمُؤْمِنُونَ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : | أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ | كَمَا قَالَ : | هُدًى لِلْمُتَّقِينَ | [ الْبَقَرَة : 2 ] . وَقَالَ النَّخَعِيّ وَمُجَاهِد : | الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ | الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا قَدْ اِتَّبَعْنَا مَا فِيهِ ; فَيَكُون | الَّذِي | عَلَى هَذَا بِمَعْنَى جَمْع كَمَا تَكُون مَنْ بِمَعْنَى جَمْع . وَقِيلَ : بَلْ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّون لِطُولِ الِاسْم , وَتَأَوَّلَ الشَّعْبِيّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِد . وَقَالَ : | الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ | مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُون عَلَى هَذَا خَبَره جَمَاعَة ; كَمَا يُقَال لِمَنْ يُعَظَّمُ هُوَ فَعَلُوا , وَزَيْد فَعَلُوا كَذَا وَكَذَا . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ عَامّ فِي كُلّ مَنْ دَعَا إِلَى تَوْحِيد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره , وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود | وَاَلَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ | وَهِيَ قِرَاءَة عَلَى التَّفْسِير . وَفِي قِرَاءَة أَبِي صَالِح الْكُوفِيّ | وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَقَ بِهِ | مُخَفَّفًا عَلَى مَعْنَى وَصَدَقَ بِمَجِيئِهِ بِهِ , أَيْ صَدَقَ فِي طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] الْكَلَام فِي | الَّذِي | وَأَنَّهُ يَكُون وَاحِدًا وَيَكُون جَمْعًا .

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

أَيْ مِنْ النَّعِيم فِي الْجَنَّة , كَمَا يُقَال : لَك إِكْرَامٌ عِنْدِي ; أَيْ يَنَالُك مِنِّي ذَلِكَ .|ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ|الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة .

فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

أَيْ صَدَّقُوا | لِيُكَفِّرَ اللَّه عَنْهُمْ | .|أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا|أَيْ يُكْرِمَهُمْ وَلَا يُؤَاخِذَهُمْ بِمَا عَمِلُوا قَبْل الْإِسْلَام .|وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ|أَيْ يُثِيبهُمْ عَلَى الطَّاعَات فِي الدُّنْيَا|بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ|وَهِيَ الْجَنَّة .

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ

حُذِفَتْ الْيَاء مِنْ | كَافٍ | لَسُكُونهَا وَسُكُون التَّنْوِين بَعْدهَا ; وَكَانَ الْأَصْل أَلَّا تُحْذَفَ فِي الْوَقْف لِزَوَالِ التَّنْوِين , إِلَّا أَنَّهَا حُذِفَتْ لِيُعْلَم أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْوَصْل . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يُثْبِتُهَا فِي الْوَقْف عَلَى الْأَصْل فَيَقُول : كَافِي . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | عَبْده | بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفِيهِ اللَّه وَعِيدَ الْمُشْرِكِينَ وَكَيْدهمْ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | عِبَاده | وَهُمْ الْأَنْبِيَاء أَوْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِمْ . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَة قِرَاءَة الْجَمَاعَة لِقَوْلِهِ عَقِيبَهُ : | وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه | . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْعَبْد لَفْظ الْجِنْس ; كَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِل : | إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر | [ الْعَصْر : 2 ] وَعَلَى هَذَا تَكُون الْقِرَاءَة الْأُولَى رَاجِعَة إِلَى الثَّانِيَة . وَالْكِفَايَة شَرّ الْأَصْنَام , فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخَوِّفُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَصْنَامِ , حَتَّى قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . | وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ | [ الْأَنْعَام : 81 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : إِنَّ اللَّه كَافٍ عَبْده الْمُؤْمِن وَعَبْده الْكَافِر , هَذَا بِالثَّوَابِ وَهَذَا بِالْعِقَابِ .|وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ|وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَوَّفُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَرَّة الْأَوْثَان , فَقَالُوا : أَتَسُبُّ آلِهَتنَا ؟ لَئِنْ لَمْ تَكُفَّ عَنْ ذِكْرهَا لَتُخَبِّلَنَّكَ أَوْ تُصِيبَنَّكَ بِسُوءٍ . وَقَالَ قَتَادَة : مَشَى خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى لِيَكْسِرَهَا بِالْفَأْسِ . فَقَالَ لَهُ سَادِنهَا : أُحَذِّرُكهَا يَا خَالِد فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً لَا يَقُوم لَهَا شَيْء , فَعَمَدَ خَالِد إِلَى الْعُزَّى فَهَشَّمَ أَنْفَهَا حَتَّى كَسَرَهَا بِالْفَأْسِ . وَتَخْوِيفهمْ لِخَالِدٍ تَخْوِيف لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَّهَ خَالِدًا . وَيَدْخُل فِي الْآيَة تَخْوِيفهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ جَمْعِهِمْ وَقُوَّتهمْ ; كَمَا قَالَ : | أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر | [ الْقَمَر : 44 ]|وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ|أَيْ مَنْ خَذَلَهُ فَلَا مُرْشِد لَهُ . وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى فِي غَيْر مَوْضِع وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَوَقَفَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن عَلَى قَوْله : | هَادٍ | فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْيَاءِ , الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاء .

فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ

أَيْ مِمَّنْ عَادَاهُ أَوَعَادَى رُسُله .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس