islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
16276

43-الزخرف

حم

قَالَ أَبُو قَبِيل : لَا أَحْسِب الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ إِلَّا الَّذِينَ يُجَادِلُونَ الَّذِينَ آمَنُوا . وَقَالَ عُقْبَة بْن عَامِر : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْقَدَرِيَّة ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ .

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ

أَيْ عَنْ قَرِيب يَعْلَمُونَ بُطْلَان مَا هُمْ فِيهِ إِذَا دَخَلُوا النَّار وَغُلَّتْ أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ . قَالَ التَّيْمِيّ : لَوْ أَنَّ غُلًّا مِنْ أَغْلَال جَهَنَّم وُضِعَ عَلَى جَبَل لَوَهَصَهُ حَتَّى يَبْلُغ الْمَاء الْأَسْوَد .|وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ|بِالرَّفْعِ قِرَاءَة الْعَامَّة عَطْفًا عَلَى الْأَغْلَال . قَالَ أَبُو حَاتِم : | يُسْحَبُونَ | مُسْتَأْنَف عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة . وَقَالَ غَيْره : هُوَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال , وَالتَّقْدِير : | إِذْ الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقهمْ وَالسَّلَاسِل | مَسْحُوبِينَ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْجَوْزَاء وَعِكْرِمَة وَابْن مَسْعُود | وَالسَّلَاسِلَ | بِالنَّصْبِ | يَسْحَبُونَ | بِفَتْحِ الْيَاء وَالتَّقْدِير فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة وَيَسْحَبُونَ السَّلَاسِلَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا كَانُوا يَجُرُّونَهَا فَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ | وَالسَّلَاسِلِ | بِالْجَرِّ وَوَجْهه أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَمَنْ قَرَأَ | وَالسَّلَاسِل يُسْحَبُونَ | بِالْخَفْضِ فَالْمَعْنَى عِنْده وَفِي | السَّلَاسِل يُسْحَبُونَ | . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَالْخَفْض عَلَى هَذَا الْمَعْنَى غَيْر جَائِز ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت زَيْد فِي الدَّار لَمْ يَحْسُنْ أَنْ تُضْمِر | فِي | فَتَقُول زَيْد الدَّار , وَلَكِنَّ الْخَفْض جَائِز . عَلَى مَعْنَى إِذْ أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل , فَتَخْفِض السَّلَاسِل عَلَى النَّسَق عَلَى تَأْوِيل الْأَغْلَال ; لِأَنَّ الْأَغْلَال فِي تَأْوِيل الْخَفْض ; كَمَا تَقُول : خَاصَمَ عَبْدُ اللَّه زَيْدًا الْعَاقِلَيْنِ فَتَنْصِبُ الْعَاقِلَيْنِ . وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا ; لِأَنَّ أَحَدهمَا إِذَا خَاصَمَ صَاحِبَهُ فَقَدْ خَاصَمَهُ صَاحِبه ; أَنْشَدَ الْفَرَّاء : <br>قَدْ سَالَمَ الْحَيَّاتِ مِنْهُ الْقَدَمَا .......... الْأُفْعُوَانَ وَالشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا <br>فَنَصَبَ الْأُفْعُوَانَ عَلَى الْإِتْبَاع لِلْحَيَّاتِ إِذَا سَالَمَتْ الْقَدَمَ فَقَدْ سَالَمَتْهَا الْقَدَمُ . فَمَنْ نَصَبَ السَّلَاسِل أَوْ خَفَضَهَا لَمْ يَقِف عَلَيْهَا .

إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

الْمُتَنَاهِي فِي الْحَرّ . وَقِيلَ : الصَّدِيد الْمَغْلِيّ .|ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ|أَيْ يُطْرَحُونَ فِيهَا فَيَكُونُونَ وَقُودًا لَهَا ; قَالَ مُجَاهِد . يُقَال : سَجَرْت التَّنُّور أَيْ أَوْقَدْته , وَسَجَرْته مَلَأْته ; وَمِنْهُ | وَالْبَحْر الْمَسْجُور | [ الطُّور : 6 ] أَيْ الْمَمْلُوء . فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا تُمْلَأ بِهِمْ النَّار وَقَالَ الشَّاعِر يَصِف وَعْلًا : <br>إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً .......... تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ وَالسِّمْسِمَا <br>أَيْ عَيْنًا مَمْلُوءَة .

وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ

وَهَذَا تَقْرِيع وَتَوْبِيخ .

أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ

مِنْ الْأَصْنَام وَغَيْرهَا|قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا|أَيْ هَلَكُوا وَذَهَبُوا عَنَّا وَتَرَكُونَا فِي الْعَذَاب ; مِنْ ضَلَّ الْمَاء فِي اللَّبَن أَيْ خَفِيَ . وَقِيلَ : أَيْ صَارُوا بِحَيْثُ لَا نَجِدهُمْ .|بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا|أَيْ شَيْئًا لَا يُبْصِر وَلَا يَسْمَع وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . وَلَيْسَ هَذَا إِنْكَارًا لِعِبَادَةِ الْأَصْنَام , بَلْ هُوَ اِعْتِرَاف بِأَنَّ عِبَادَتهمْ الْأَصْنَام كَانَتْ بَاطِلَة ;|كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ|أَيْ كَمَا فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ مِنْ الْإِضْلَال يَفْعَل بِكُلِّ كَافِر .

وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ

أَيْ ذَلِكُمْ الْعَذَاب|بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ|بِالْمَعَاصِي يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ تَوْبِيخًا . أَيْ إِنَّمَا نَالَكُمْ هَذَا بِمَا كُنْتُمْ تُظْهِرُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ السُّرُور بِالْمَعْصِيَةِ وَكَثْرَة الْمَال وَالْأَتْبَاع وَالصِّحَّة . وَقِيلَ إِنَّ فَرَحَهُمْ بِهَا عِنْدهمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلرُّسُلِ : نَحْنُ نَعْلَم أَنَّا لَا نُبْعَثُ وَلَا نُعَذَّبُ . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله جَلَّ وَعَزَّ : | فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم | [ غَافِر : 83 ] .|وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ|قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : أَيْ تَبْطَرُونَ وَتَأْشَرُونَ . وَقَدْ مَضَى فِي [ سُبْحَان ] بَيَانه . وَقَالَ الضَّحَّاك : الْفَرَح السُّرُور , وَالْمَرِح الْعُدْوَان . وَرَوَى خَالِد عَنْ ثَوْر عَنْ مُعَاذ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه يُبْغِض الْبَذِخِينَ الْفَرِحِينَ وَيُحِبُّ كُلّ قَلْب حَزِين وَيُبْغِض أَهْل بَيْت لَحِمِينَ وَيُبْغِض كُلّ حَبْر سَمِين ) فَأَمَّا أَهْل بَيْت لَحِمِينَ : فَاَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس بِالْغِيبَةِ . وَأَمَّا الْحَبْر السَّمِين : فَالْمُتَحَبِّر بِعِلْمِهِ وَلَا يُخْبِر بِعِلْمِهِ النَّاس ; يَعْنِي الْمُسْتَكْثِر مِنْ عِلْمه وَلَا يَنْتَفِع بِهِ النَّاس . ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ قِيلَ فِي اللَّحِمِينَ : إِنَّهُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْل اللَّحْم ; وَمِنْهُ قَوْل عُمَر : اِتَّقُوا هَذِهِ الْمَجَازِر فَإِنَّ لَهَا ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْر ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَالْأَوَّل قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ .

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

أَيْ يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ الْيَوْم , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : | لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب | [ الْحِجْر : 44 ] .|فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ|عَنْ الْإِيمَان . وَقَدْ تَقَدَّمَ

فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ

هَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام , أَيْ فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ , كَمَا صَبَرَ مَنْ قَبْلَك|إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ|بِنَصْرِك وَإِظْهَارك , كَمَا نَصَرْت مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نُسِخَ هَذَا بِآيَةِ السَّيْف . أَيْ إِنَّا لَنَنْتَقِمُ لَك مِنْهُمْ إِمَّا فِي حَيَاتك أَوْ فِي الْآخِرَة .|فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ|فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ وَمَا زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ وَكَذَا النُّون وَزَالَ الْجَزْم وَبُنِيَ الْفِعْل عَلَى الْفَتْح . | أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ | عَطْف عَلَيْهِ | فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ | الْجَوَاب .

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ

عَزَّاهُ أَيْضًا بِمَا لَقِيَتْ الرُّسُل مِنْ قَبْله .|مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ|أَيْ أَنْبَأْنَاك بِأَخْبَارِهِمْ وَمَا لَقُوا مِنْ قَوْمهمْ .|وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ|لَا يَأْتِي بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسه وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ عِنْد اللَّه|فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ|أَيْ إِذَا جَاءَ الْوَقْت الْمُسَمَّى لِعَذَابِهِمْ أَهْلَكَهُمْ اللَّه , وَإِنَّمَا التَّأْخِير لِإِسْلَامِ مَنْ عَلِمَ اللَّه إِسْلَامه مِنْهُمْ , وَلِمَنْ فِي أَصْلَابهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْقَتْل بِبَدْرٍ .|وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ|أَيْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْبَاطِل وَالشِّرْك .

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : الْأَنْعَام هَا هُنَا الْإِبِل .|لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ|فَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَكْل الْخَيْل وَأَبَاحَ أَكَلَ الْجِمَال بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي الْأَنْعَام : | وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ | وَقَالَ فِي الْخَيْل : | وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا | [ النَّحْل : 8 ] وَلَمْ يَذْكُر إِبَاحَة أَكْلهَا . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ النَّحْل ] مُسْتَوْفًى .

وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ

فِي الْوَبَر وَالصُّوف وَالشَّعْر وَاللَّبَن وَالزُّبْد وَالسَّمْن وَالْجُبْن وَغَيْر ذَلِكَ .|وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ|أَيْ تَحْمِل الْأَثْقَال وَالْأَسْفَار . وَقَدْ مَضَى فِي [ النَّحْل ] بَيَان هَذَا كُلّه فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ .|وَعَلَيْهَا|يَعْنِي الْأَنْعَام فِي الْبَرّ|وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ|فِي الْبَحْر

وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ

أَيْ آيَاته الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته فِيمَا ذُكِرَ .|فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ|نَصَبَ | أَيًّا | بِـ | تُنْكِرُونَ | , لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام لَهُ صَدْر الْكَلَام فَلَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله , وَلَوْ كَانَ مَعَ الْفِعْل هَاء لَكَانَ الِاخْتِيَار فِي | أَيّ | الرَّفْع , وَلَوْ كَانَ الِاسْتِفْهَام بِأَلِفٍ أَوْ هَلْ وَكَانَ بَعْدهمَا اِسْم بَعْده فِعْل مَعَهُ هَاء لَكَانَ الِاخْتِيَار النَّصْب , أَيْ إِذَا كُنْتُمْ لَا تُنْكِرُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاء مِنْ اللَّه فَلِمَ تُنْكِرُونَ قُدْرَته عَلَى الْبَعْث وَالنَّشْر .

لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ

حَتَّى يُشَاهِدُوا آثَار الْأُمَم السَّالِفَة|كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ|كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ عَدَدًا وَقُوَّة|فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ|مِنْ الْأَبْنِيَة وَالْأَمْوَال وَمَا أَدَالُوا بِهِ مِنْ الْأَوْلَاد وَالْأَتْبَاع ; يُقَال : دَلَوْت بِفُلَانٍ , إِلَيْك أَيْ اِسْتَشْفَعْت بِهِ إِلَيْك . وَعَلَى هَذَا | مَا | لِلْجَحْدِ أَيْ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا . وَقِيلَ : | مَا | لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَيُّ شَيْء أَغْنَى عَنْهُمْ كَسْبهمْ حِين هَلَكُوا وَلَمْ يَنْصَرِف | أَكْثَر | ; لِأَنَّهُ عَلَى وَزْن أَفْعَل . وَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ أَنَّ كُلّ مَا لَا يَنْصَرِف فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَنْصَرِف إِلَّا أَفْعَل مِنْ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوز صَرْفه بِوَجْهٍ فِي شِعْر وَلَا غَيْره إِذَا كَانَتْ مَعَهُ مِنْ . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْمَانِعَة مِنْ صَرْفه لَوَجَبَ أَلَّا يُقَال : مَرَرْت بِخَيْرٍ مِنْك وَشَرّ مِنْك وَمِنْ عَمْرو .

وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ

أَيْ بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَات .|فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ|فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أَقْوَال . قَالَ مُجَاهِد : إِنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم قَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُمْ لَنْ نُعَذَّبَ وَلَنْ نُبْعَثَ . وَقِيلَ : فَرِحَ الْكُفَّار بِمَا عِنْدهمْ مِنْ عِلْم الدُّنْيَا نَحْو | يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاة الدُّنْيَا | [ الرُّوم : 7 ] . وَقِيلَ : الَّذِينَ فَرِحُوا الرُّسُل لَمَّا كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ أَعْلَمَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مُهْلِكُ الْكَافِرِينَ وَمُنْجِيهمْ وَالْمُؤْمِنِينَ فَـ | فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم | بِنَجَاةِ الْمُؤْمِنِينَ|وَحَاقَ بِهِمْ|أَيْ بِالْكُفَّارِ|مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ|أَيْ عِقَاب اِسْتِهْزَائِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ .

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ

أَيْ عَايَنُوا الْعَذَاب .|قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ|أَيْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَكَفَرْنَا بِالْأَوْثَانِ الَّتِي أَشْرَكْنَاهُمْ فِي الْعِبَادَة

أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ

فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانهمْ بِاَللَّهِ عِنْد مُعَايَنَة الْعَذَاب وَحِين رَأَوْا الْبَأْس .|سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ|| سُنَّة اللَّه | مَصْدَر ; لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : سَنَّ يَسُنُّ سَنًّا وَسُنَّةً ; أَيْ سَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكُفَّار أَنَّهُ لَا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان إِذَا رَأَوْا الْعَذَاب . وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا فِي [ النِّسَاء ] وَ [ يُونُس ] وَأَنَّ التَّوْبَة لَا تُقْبَل بَعْد رُؤْيَة الْعَذَاب وَحُصُول الْعِلْم الضَّرُورِيّ . وَقِيلَ : أَيْ اِحْذَرُوا يَا أَهْل مَكَّة سُنَّة اللَّه فِي إِهْلَاك الْكَفَرَة فَـ | سُنَّة اللَّه | مَنْصُوب عَلَى التَّحْذِير وَالْإِغْرَاء .|وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ|قَالَ الزَّجَّاج : وَقَدْ كَانُوا خَاسِرِينَ مِنْ قَبْل ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ لَنَا الْخُسْرَان لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ | لَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا | | وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ | كَسُنَّتِنَا فِي جَمِيع الْكَافِرِينَ فَـ | سُنَّة | نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِض أَيْ كَسُنَّةِ اللَّه فِي الْأُمَم كُلّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ غَافِرٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ

اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقَالَ عِكْرِمَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( | حم | اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَهِيَ مَفَاتِيح خَزَائِن رَبّك ) قَالَ اِبْن عَبَّاس : | حم | اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . وَعَنْهُ : | الر | و | حم | و | ن | حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . مُجَاهِد : فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : الْحَاء اِفْتِتَاح اِسْمه حَمِيد وَحَنَّان وَحَلِيم وَحَكِيم , وَالْمِيم اِفْتِتَاح اِسْمه مَلِك وَمَجِيد وَمَنَّان وَمُتَكَبِّر وَمُصَوِّر ; يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَنَس أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا | حم | فَإِنَّا لَا نَعْرِفهَا فِي لِسَاننَا ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدْء أَسْمَاء وَفَوَاتِح سُوَر ) وَقَالَ الضَّحَّاك وَالْكِسَائِيّ : مَعْنَاهُ قُضِيَ مَا هُوَ كَائِن . كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى تَهَجِّي | حم | ; لِأَنَّهَا تَصِير حُمّ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم ; أَيْ قُضِيَ وَوَقَعَ . وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : <br>فَلَمَّا تَلَاقَيْنَاهُمْ وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى .......... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّه مَدْفَع <br>وَعَنْهُ أَيْضًا : إِنَّ الْمَعْنَى حُمَّ أَمْر اللَّه أَيْ قَرُبَ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>قَدْ حُمَّ يَوْمِي فَسُرَّ قَوْم .......... قَوْم بِهِمْ غَفْلَة وَنَوْمُ <br>وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْحُمَّى ; لِأَنَّهَا تُقَرِّب مِنْ الْمَنِيَّة . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد قُرْب نَصْره لِأَوْلِيَائِهِ , وَانْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ كَيَوْمِ بَدْر . وَقِيلَ : حُرُوف هِجَاء ; قَالَ الْجَرْمِيّ : وَلِهَذَا تُقْرَأ سَاكِنَة الْحُرُوف فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف أُعْرِبَتْ ; فَتَقُول : قَرَأْت | حم | فَتُنْصَب ; قَالَ الشَّاعِر : <br>يُذَكِّرُنِي حَامِيم وَالرُّمْح شَاجِر .......... فَهَلَّا تَلَا حَامِيم قَبْل التَّقَدُّم <br>وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر الثَّقَفِيّ : | حم | بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى مَعْنَى اِقْرَأْ حم أَوْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَأَبُو السَّمَّال بِكَسْرِهَا . وَالْإِمَالَة وَالْكَسْر لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , أَوْ عَلَى وَجْه الْقَسَم . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بِقَطْعِ الْحَاء مِنْ الْمِيم . الْبَاقُونَ بِالْوَصْلِ . وَكَذَلِكَ فِي | حم . عسق | . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَابْن ذَكْوَان بِالْإِمَالَةِ فِي الْحَاء . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة . الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشْبَعًا .

أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ

قَالَ الزَّجَّاج : | تَنْزِيل | رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره | كِتَاب فُصِّلَتْ آيَاته | وَهَذَا قَوْل الْبَصْرِيِّينَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعه عَلَى إِضْمَار هَذَا . وَيَجُوز أَنْ يُقَال : | كِتَاب | بَدَل مِنْ قَوْله : | تَنْزِيل | . وَقِيلَ : نَعْت لِقَوْلِهِ : | تَنْزِيل | . وَقِيلَ : | حم | أَيْ هَذِهِ | حم | كَمَا تَقُول بَاب كَذَا , أَيْ هُوَ بَاب كَذَا ف | حم | خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر أَيْ هُوَ | حم | , وَقَوْله : | تَنْزِيل | مُبْتَدَأ آخَر , وَقَوْله : | كِتَاب | خَبَره .

وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ

أَيْ بُيِّنَتْ وَفُسِّرَتْ . قَالَ قَتَادَة : بِبَيَانِ حَلَاله مِنْ حَرَامه , وَطَاعَته مِنْ مَعْصِيَته . الْحَسَن : بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد . سُفْيَان : بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب . وَقُرِئَ | فُصِّلَتْ | أَيْ فُرِّقَتْ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , أَوْ فُصِلَ بَعْضهَا مِنْ بَعْض بِاخْتِلَافِ مَعَانِيهَا ; مِنْ قَوْلك فُصِلَ أَيْ تَبَاعَدَ مِنْ الْبَلَد .|قُرْآنًا عَرَبِيًّا|فِي نَصْبه وُجُوه ; قَالَ الْأَخْفَش : هُوَ نُصِبَ عَلَى الْمَدْح . وَقِيلَ : عَلَى إِضْمَار فِعْل ; أَيْ اُذْكُرْ | قُرْآنًا عَرَبِيًّا | . وَقِيلَ : عَلَى إِعَادَة الْفِعْل ; أَيْ فَصَّلْنَا | قُرْآنًا عَرَبِيًّا | . وَقِيلَ : عَلَى الْحَال أَيْ | فُصِّلَتْ آيَاته | فِي حَال كَوْنه | قُرْآنًا عَرَبِيًّا | . وَقِيلَ : لَمَّا شُغِلَ | فُصِّلَتْ | بِالْآيَاتِ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِل اِنْتَصَبَ | قُرْآنًا | لِوُقُوعِ الْبَيَان عَلَيْهِ . وَقِيلَ : عَلَى الْقَطْع .|لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ|قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ إِنَّ الْقُرْآن مُنَزَّل مِنْ عِنْد اللَّه . وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إِلَه وَاحِد فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . وَقِيلَ : يَعْلَمُونَ الْعَرَبِيَّة فَيَعْجِزُونَ عَنْ مِثْله وَلَوْ كَانَ غَيْر عَرَبِيّ لَمَا عَلِمُوهُ .</p><p>قُلْت : هَذَا أَصَحّ , وَالسُّورَة نَزَلَتْ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا لِقُرَيْشٍ فِي إِعْجَاز الْقُرْآن .

وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ

حَالَانِ مِنْ الْآيَات وَالْعَامِل فِيهِ | فُصِّلَتْ | . وَقِيلَ : هُمَا نَعْتَانِ لِلْقُرْآنِ | بَشِيرًا | لِأَوْلِيَاءِ اللَّه | نَذِيرًا | لِأَعْدَائِهِ . وَقُرِئَ | بَشِير وَنَذِير | صِفَة لِلْكِتَابِ . أَوْ خَبَر مُبْتَدَإٍ مَحْذُوف|فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ|يَعْنِي أَهْل مَكَّة|فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ|سَمَاعًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ . وَرُوِيَ أَنَّ الرَّيَّان بْن حَرْمَلَة قَالَ : قَالَ الْمَلَأ مِنْ قُرَيْش وَأَبُو جَهْل قَدْ اِلْتَبَسَ عَلَيْنَا أَمْر مُحَمَّد , فَلَوْ اِلْتَمَسْتُمْ رَجُلًا عَالِمًا بِالشِّعْرِ وَالْكِهَانَة وَالسِّحْر فَكَلَّمَهُ ثُمَّ آتَانَا بِبَيَانٍ مِنْ أَمْره ; فَقَالَ عُتْبَة بْن رَبِيعَة : وَاَللَّه لَقَدْ سَمِعْت الْكِهَانَة وَالشِّعْر وَالسِّحْر , وَعَلِمْت مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا لَا يَخْفَى عَلَيَّ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ . فَقَالُوا : إِيتِهِ فَحَدِّثْهُ . فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّد أَنْتَ خَيْر أَمْ قُصَيّ بْن كِلَاب ؟ أَنْتَ خَيْر أَمْ هَاشِم ؟ أَنْتَ خَيْر أَمْ عَبْد الْمُطَّلِب ؟ أَنْتَ خَيْر أَمْ عَبْد اللَّه ؟ فَبِمَ تَشْتُم آلِهَتنَا , وَتُضَلِّل آبَاءَنَا , وَتُسَفِّه أَحْلَامنَا , وَتَذُمّ دِيننَا ؟ فَإِنْ كُنْت إِنَّمَا تُرِيد الرِّيَاسَة عَقَدْنَا إِلَيْك أَلْوِيَتنَا فَكُنْت رَئِيسنَا مَا بَقِيت , وَإِنْ كُنْت تُرِيد الْبَاءَة زَوَّجْنَاك عَشْر نِسَاء مِنْ أَيّ بَنَات قُرَيْش شِئْت , وَإِنْ كُنْت تُرِيد الْمَال جَمَعْنَا لَك مَا تَسْتَغْنِي بِهِ أَنْتَ وَعَقِبك مِنْ بَعْدك , وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيك رِئْيًا مِنْ الْجِنّ قَدْ غَلَبَ عَلَيْك بَذَلْنَا لَك أَمْوَالنَا فِي طَلَب مَا تَتَدَاوَى بِهِ أَوْ نَغْلِب فِيك . وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِت , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : ( قَدْ فَرَغْت يَا أَبَا الْوَلِيد ) ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ : ( يَا اِبْن أَخِي اِسْمَعْ ) قَالَ : أَسْمَع . قَالَ : | بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . حم . تَنْزِيل مِنْ الرَّحْمَن الرَّحِيم . كِتَاب فُصِّلَتْ آيَاته قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ | إِلَى قَوْله : | فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مِثْل صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُود | [ فُصِّلَتْ : 13 ] فَوَثَبَ عُتْبَة وَوَضَعَ يَده عَلَى فَم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَاشَدَهُ اللَّه وَالرَّحِم لَيَسْكُتَنّ , وَرَجَعَ إِلَى أَهْله وَلَمْ يَخْرُج إِلَى قُرَيْش فَجَاءَهُ أَبُو جَهْل ; فَقَالَ : أَصَبَوْت إِلَى مُحَمَّد ؟ أَمْ أَعْجَبَك طَعَامه ؟ فَغَضِبَ عُتْبَة وَأَقْسَمَ أَلَّا يُكَلِّم مُحَمَّدًا أَبَدًا , ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّه لَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي مِنْ أَكْثَر قُرَيْش مَالًا , وَلَكِنِّي لَمَّا قَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّة أَجَابَنِي بِشَيْءٍ وَاَللَّه مَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا كِهَانَة وَلَا سِحْر ; ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ مَا سَمِعَ مِنْهُ إِلَى قَوْله : | مِثْل صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُود | [ فُصِّلَتْ : 13 ] وَأَمْسَكْت بِفِيهِ وَنَاشَدْته بِالرَّحِمِ أَنْ يَكُفّ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِب , فَوَاَللَّهِ لَقَدْ خِفْت أَنْ يَنْزِل بِكُمْ الْعَذَاب ; يَعْنِي الصَّاعِقَة . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَر أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ فِي كِتَاب الرَّدّ لَهُ عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ | حم . فُصِّلَتْ | حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى السَّجْدَة فَسَجَدَ وَعُتْبَة مُصْغٍ يَسْتَمِع , قَدْ اِعْتَمَدَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ وَرَاء ظَهْره . فَلَمَّا قَطَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَة قَالَ لَهُ : ( يَا أَبَا الْوَلِيد قَدْ سَمِعْت الَّذِي قَرَأْت عَلَيْك فَأَنْتَ وَذَاكَ ) فَانْصَرَفَ عُتْبَة إِلَى قُرَيْش فِي نَادِيهَا فَقَالُوا : وَاَللَّه لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيد بِغَيْرِ الْوَجْه الَّذِي مَضَى بِهِ مِنْ عِنْدكُمْ . ثُمَّ قَالُوا : مَا وَرَاءَك أَبَا الْوَلِيد ؟ قَالَ : وَاَللَّه لَقَدْ سَمِعْت كَلَامًا مِنْ مُحَمَّد مَا سَمِعْت مِثْله قَطُّ , وَاَللَّه مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ , فَأَطِيعُونِي فِي هَذِهِ وَأَنْزِلُوهَا بِي ; خَلُّوا مُحَمَّدًا وَشَأْنه وَاعْتَزِلُوهُ , فَوَاَللَّهِ لَيَكُونَنّ لِمَا سَمِعْت مِنْ كَلَامه نَبَأ , فَإِنْ أَصَابَتْهُ الْعَرَب كَفَيْتُمُوهُ بِأَيْدِي غَيْركُمْ , وَإِنْ كَانَ مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا كُنْتُمْ أَسْعَد النَّاس بِهِ ; لِأَنَّ مُلْكه مُلْككُمْ وَشَرَفه شَرَفكُمْ . فَقَالُوا : هَيْهَاتَ ! سَحَرَك مُحَمَّد يَا أَبَا الْوَلِيد . وَقَالَ : هَذَا رَأْيِي لَكُمْ فَاصْنَعُوا مَا شِئْتُمْ .

أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ

الْأَكِنَّة جَمْع كِنَان وَهُوَ الْغِطَاء . وَقَدْ مَضَى فِي | الْبَقَرَة | . قَالَ مُجَاهِد : الْكِنَان لِلْقَلْبِ كَالْجُنَّةِ لِلنَّبْلِ .|وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ|أَيْ صَمَم ; فَكَلَامك لَا يَدْخُل أَسْمَاعنَا , وَقُلُوبنَا مَسْتُورَة مِنْ فَهْمه .|وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ|أَيْ خِلَاف فِي الدِّين , لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام وَهُوَ يَعْبُد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ مَعْنَاهُ الْفَرَّاء وَغَيْره . وَقِيلَ : سَتْر مَانِع عَنْ الْإِجَابَة . وَقِيلَ : إِنَّ أَبَا جَهْل اِسْتَغْشَى عَلَى رَأْسه ثَوْبًا وَقَالَ : يَا مُحَمَّد بَيْننَا وَبَيْنك حِجَاب . اِسْتِهْزَاء مِنْهُ . حَكَاهُ النَّقَّاش وَذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . فَالْحِجَاب هُنَا الثَّوْب .|فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ|أَيْ اِعْمَلْ فِي هَلَاكنَا فَإِنَّا عَامِلُونَ فِي هَلَاكك ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقَالَ مُقَاتِل : اِعْمَلْ لِإِلَهِك الَّذِي أَرْسَلَك , فَإِنَّا نَعْمَل لِآلِهَتِنَا الَّتِي نَعْبُدهَا . وَقِيلَ : اِعْمَلْ بِمَا يَقْتَضِيه دِينك , فَإِنَّا عَامِلُونَ بِمَا يَقْتَضِيه دِيننَا . وَيَحْتَمِل خَامِسًا : فَاعْمَلْ لِآخِرَتِك فَإِنَّا نَعْمَل لِدُنْيَانَا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ .

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ

أَيْ لَسْت بِمَلَكٍ بَلْ أَنَا مِنْ بَنِي آدَم . قَالَ الْحَسَن : عَلَّمَهُ اللَّه تَعَالَى التَّوَاضُع .|يُوحَى إِلَيَّ|أَيْ مِنْ السَّمَاء عَلَى أَيْدِي الْمَلَائِكَة|أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ|| آمِنُوا | بِهِ|فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ|أَيْ وَجِّهُوا وُجُوهكُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالْمَسْأَلَة إِلَيْهِ , كَمَا يَقُول الرَّجُل : اِسْتَقِمْ إِلَى مَنْزِلك ; أَيْ لَا تُعَرِّج عَلَى شَيْء غَيْر الْقَصْد إِلَى مَنْزِلك .|وَاسْتَغْفِرُوهُ|أَيْ مِنْ شِرْككُمْ .|وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ | أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه |

وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ

وَهِيَ زَكَاة الْأَنْفُس . وَقَالَ قَتَادَة : لَا يُقِرُّونَ بِالزَّكَاةِ أَنَّهَا وَاجِبَة . وَقَالَ الضَّحَّاك وَمُقَاتِل : لَا يَتَصَدَّقُونَ وَلَا يُنْفِقُونَ فِي الطَّاعَة . قَرَعَهُمْ بِالشُّحِّ الَّذِي يَأْنَف مِنْهُ الْفُضَلَاء , وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْكَافِر يُعَذَّب بِكُفْرِهِ مَعَ مَنْع وُجُوب الزَّكَاة عَلَيْهِ . وَقَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُنْفِقُونَ النَّفَقَات , وَيَسْقُونَ الْحَجِيج وَيُطْعِمُونَهُمْ , فَحَرَّمُوا ذَلِكَ عَلَى مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة .|وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ|فَلِهَذَا لَا يُنْفِقُونَ فِي الطَّاعَة وَلَا يَسْتَقِيمُونَ وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت لِمَ خَصَّ مِنْ بَيْن أَوْصَاف الْمُشْرِكِينَ مَنْع الزَّكَاة مَقْرُونًا بِالْكُفْرِ بِالْآخِرَةِ ؟ قُلْت : لِأَنَّ أَحَبَّ شَيْء إِلَى الْإِنْسَان مَاله , وَهُوَ شَقِيق رُوحه , فَإِذَا بَذَلَهُ فِي سَبِيل اللَّه فَذَلِكَ أَقْوَى دَلِيل عَلَى ثَبَاته وَاسْتِقَامَته وَصِدْق نِيَّته وَنُصُوع طَوِيَّته أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : | وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ اِبْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ | [ الْبَقَرَة : 265 ] أَيْ يُثَبِّتُونَ أَنْفُسهمْ , وَيَدُلُّونَ عَلَى ثَبَاتهَا بِإِنْفَاقِ الْأَمْوَال , وَمَا خُدِعَ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ إِلَّا بِلُمْظَةٍ مِنْ الدُّنْيَا , فَقَوِيَتْ عُصْبَتهمْ وَلَانَتْ شَكِيمَتهمْ ; وَأَهْل الرِّدَّة بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَظَاهَرُوا إِلَّا بِمَنْعِ الزَّكَاة , فَنُصِبَتْ لَهُمْ الْحُرُوب وَجُوهِدُوا . وَفِيهِ بَعْث لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَدَاء الزَّكَاة , وَتَخْوِيف شَدِيد مِنْ مَنْعهَا , حَيْثُ جُعِلَ الْمَنْع مِنْ أَوْصَاف الْمُشْرِكِينَ , وَقُرِنَ بِالْكُفْرِ بِالْآخِرَةِ .

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : غَيْر مَقْطُوع ; مَأْخُوذ مِنْ مَنَنْت الْحَبْل إِذَا قَطَعْته ; وَمِنْهُ قَوْل ذِي الْإِصْبَع : <br>إِنِّي لَعَمْرك مَا بَابِي بِذِي غَلَق .......... عَلَى الصَّدِيق وَلَا خَيْرِي بِمَمْنُونِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>فَتَرَى خَلْفهَا مِنْ الرَّجْع وَالْوَقْ .......... عِ مَنِينًا كَأَنَّهُ أَهْبَاء <br>يَعْنِي بِالْمَنِينِ الْغُبَار الْمُنْقَطِع الضَّعِيف . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُقَاتِل : غَيْر مَنْقُوص . وَمِنْهُ الْمَنُون ; لِأَنَّهَا تُنْقِصُ مُنَّة الْإِنْسَان أَيْ قُوَّته ; وَقَالَهُ قُطْرُب ; وَأَنْشَدَ قَوْل زُهَيْر : <br>فَضْل الْجِيَاد عَلَى الْخَيْل الْبِطَاء فَلَا .......... يُعْطِي بِذَلِكَ مَمْنُونًا وَلَا نَزِقَا <br>قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالْمَنّ الْقَطْع , وَيُقَال النَّقْص ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | لَهُمْ أَجْر غَيْر مَمْنُون | . وَقَالَ لَبِيد : <br>عُبْس كَوَاسِب لَا يُمَنّ طَعَامهَا <br>وَقَالَ مُجَاهِد : | غَيْر مَمْنُون | غَيْر مَحْسُوب . وَقِيلَ : | غَيْر مَمْنُون | عَلَيْهِمْ بِهِ . قَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ فِي الزَّمْنَى وَالْمَرْضَى وَالْهَرْمَى إِذَا ضَعُفُوا عَنْ الطَّاعَة كُتِبَ لَهُمْ مِنْ الْأَجْر كَأَصَحّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِيهِ .

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

| أَئِنَّكُمْ | بِهَمْزَتَيْنِ الثَّانِيَة بَيْن بَيْن و | أَئِنَّكُمْ | بِأَلِفٍ بَيْن هَمْزَتَيْنِ وَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ . أَمْره بِتَوْبِيخِهِمْ وَالتَّعَجُّب مِنْ فِعْلهمْ , أَيْ لِمَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَهُوَ خَالِق السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ !|فِي يَوْمَيْنِ|الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ|وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا|أَيْ أَضْدَادًا وَشُرَكَاء|ذَلِكَ رَبُّ|أَيْ مَالِك , وَكُلّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا فَهُوَ رَبّه ; فَالرَّبّ : الْمَالِك . وَفِي الصِّحَاح : وَالرَّبّ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى , وَلَا يُقَال فِي غَيْره إِلَّا بِالْإِضَافَةِ ; وَقَدْ قَالُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّة لِلْمَلِكِ , قَالَ الْحَارِث بْن حِلِّزَة : <br>وَهُوَ الرَّبّ وَالشَّهِيد عَلَى يَوْ .......... م الْحِيَارَيْنِ وَالْبَلَاء بَلَاء <br>وَالرَّبّ : السَّيِّد : وَمِنْ قَوْله تَعَالَى : | اُذْكُرْنِي عِنْد رَبّك | [ يُوسُف : 42 ] . وَفِي الْحَدِيث : ( أَنْ تَلِد الْأَمَة رَبَّتهَا ) أَيْ سَيِّدَتهَا ; وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) . وَالرَّبّ : الْمُصْلِح وَالْمُدَبِّر وَالْجَابِر وَالْقَائِم . قَالَهُ الْهَرَوِيّ وَغَيْره : يُقَال لِمَنْ قَامَ بِإِصْلَاحِ شَيْء وَإِتْمَامه : قَدْ رَبَّهُ يَرَبُّهُ فَهُوَ رَبّ لَهُ وَرَابّ ; وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّبَّانِيُّونَ لِقِيَامِهِمْ بِالْكُتُبِ . وَفِي الْحَدِيث : ( هَلْ لَك مِنْ نِعْمَة تَرُبّهَا عَلَيْهِ ) أَيْ تَقُوم بِهَا وَتُصْلِحهَا . وَالرَّبّ : الْمَعْبُود ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>أَرَبّ يَبُول الثُّعْلُبَان بِرَأْسِهِ .......... لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِب <br>وَيُقَال عَلَى التَّكْثِير : رَبَّاهُ وَرَبَّبَهُ وَرَبَّتَهُ ; حَكَاهُ النَّحَّاس . وَفِي الصِّحَاح : وَرَبَّ فُلَان وَلَده يُرِبُّهُ رَبًّا وَرَبَّبَهُ وَتَرَبَّبَهُ بِمَعْنَى أَيْ رَبَّاهُ . وَالْمَرْبُوب : الْمُرَبَّى .</p><p>قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ هَذَا الِاسْم هُوَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم ; لِكَثْرَةِ دَعْوَة الدَّاعِينَ بِهِ , وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآن , كَمَا فِي آخِر | آل عِمْرَان | وَسُورَة | إِبْرَاهِيم | وَغَيْرهمَا , وَلِمَا يُشْعِر بِهِ هَذَا الْوَصْف مِنْ الصَّلَاة بَيْن الرَّبّ وَالْمَرْبُوب , مَعَ مَا يَتَضَمَّنهُ مِنْ الْعَطْف وَالرَّحْمَة وَالِافْتِقَار فِي كُلّ حَال .</p><p>وَاخْتُلِفَ فِي اِشْتِقَاقه ; فَقِيلَ : إِنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ التَّرْبِيَة ; فَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى مُدَبِّر لِخَلْقِهِ وَمُرَبِّيهمْ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ | [ النِّسَاء : 23 ] . فَسَمَّى بِنْت الزَّوْجَة رَبِيبَة لِتَرْبِيَةِ الزَّوْج لَهَا . فَعَلَى أَنَّهُ مُدَبِّر لِخَلْقِهِ وَمُرَبِّيهمْ يَكُون صِفَة فِعْل ; وَعَلَى أَنَّ الرَّبّ بِمَعْنَى الْمَالِك وَالسَّيِّد يَكُون صِفَة ذَات . مَتَى أُدْخِلَتْ الْأَلِف وَاللَّام عَلَى | رَبّ | اِخْتَصَّ اللَّه تَعَالَى بِهِ ; لِأَنَّهَا لِلْعَهْدِ , وَإِنْ حَذَفْنَا مِنْهُ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْن اللَّه وَبَيْن عِبَاده , فَيُقَال : اللَّه رَبّ الْعِبَاد , وَزَيْد رَبّ الدَّار ; فَاَللَّه سُبْحَانه رَبّ الْأَرْبَاب ; يَمْلِك الْمَالِك وَالْمَمْلُوك , وَهُوَ خَالِق ذَلِكَ وَرَازِقه , وَكُلّ رَبّ سِوَاهُ غَيْر خَالِق وَلَا رَازِق , وَكُلّ مَمْلُوك فَمُمَلَّك بَعْد أَنْ لَمْ يَكُنْ , وَمُنْتَزَع ذَلِكَ مِنْ يَده , وَإِنَّمَا يَمْلِك شَيْئًا دُون شَيْء ; وَصِفَة اللَّه تَعَالَى مُخَالِفَة لِهَذِهِ الْمَعَانِي , فَهَذَا الْفَرْق بَيْن صِفَة الْخَالِق وَالْمَخْلُوقِينَ .|الْعَالَمِينَ|اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي | الْعَالَمِينَ | اِخْتِلَافًا كَثِيرًا ; فَقَالَ قَتَادَة : الْعَالَمُونَ جَمْع عَالَم , وَهُوَ كُلّ مَوْجُود سِوَى اللَّه تَعَالَى , وَلَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه مِثْل رَهْط وَقَوْم . وَقِيلَ : أَهْل كُلّ زَمَان عَالَم ; قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَتَأْتُونَ الذُّكْرَان مِنْ الْعَالَمِينَ | [ الشُّعَرَاء : 165 ] أَيْ مِنْ النَّاس . وَقَالَ الْعَجَّاج : <br>فَخَنْدَق هَامَة هَذَا الْعَالَم <br>وَقَالَ جَرِير بْن الْخَطْفِيّ : <br>تُنْصِفهُ الْبَرِيَّة وَهْوَ سَامٍ .......... وَيُضَحِّي الْعَالَمُونَ لَهُ عِيَالَا <br>وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْعَالَمُونَ الْجِنّ وَالْإِنْس ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : | لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا | [ الْفُرْقَان : 1 ] وَلَمْ يَكُنْ نَذِيرًا لِلْبَهَائِمِ . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة : الْعَالَم عِبَارَة عَمَّنْ يَعْقِل ; وَهُمْ أَرْبَعَة أُمَم : الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين . وَلَا يُقَال لِلْبَهَائِمِ : عَالَم , لِأَنَّ هَذَا الْجَمْع إِنَّمَا هُوَ جَمْع مَنْ يَعْقِل خَاصَّة . قَالَ الْأَعْشَى : <br>مَا إِنْ سَمِعْت بِمِثْلِهِمْ فِي الْعَالَمِينَا <br>وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هُمْ الْمُرْتَزِقُونَ ; وَنَحْوه قَوْل أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء : هُمْ الرُّوحَانِيُّونَ . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : كُلّ ذِي رُوح دَبَّ عَلَى وَجْه الْأَرْض . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَمَانِيَة عَشَرَ أَلْف عَالَم ; الدُّنْيَا عَالَم مِنْهَا . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : إِنَّ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ أَلْف عَالَم ; الدُّنْيَا مِنْ شَرْقهَا إِلَى غَرْبهَا عَالَم وَاحِد . وَقَالَ مُقَاتِل : الْعَالَمُونَ ثَمَانُونَ أَلْف عَالَم , أَرْبَعُونَ أَلْف عَالَم فِي الْبَرّ , وَأَرْبَعُونَ أَلْف عَالَم فِي الْبَحْر . وَرَوَى الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : الْجِنّ عَالَم , وَالْإِنْس عَالَم ; وَسِوَى ذَلِكَ لِلْأَرْضِ أَرْبَع زَوَايَا فِي كُلّ زَاوِيَة أَلْف وَخَمْسمِائَةِ عَالَم , خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ .</p><p>قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال ; لِأَنَّهُ شَامِل لِكُلِّ مَخْلُوق وَمَوْجُود ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : | قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رَبّ الْعَالَمِينَ . قَالَ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا | [ الشُّعَرَاء : 23 ] ثُمَّ هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْعِلْم وَالْعَلَامَة ; لِأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى مُوجِده . كَذَا قَالَهُ الزَّجَّاج قَالَ : الْعَالَم كُلّ مَا خَلَقَهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . وَقَالَ الْخَلِيل : الْعِلْم وَالْعَلَامَة وَالْمَعْلَم : مَا دَلَّ عَلَى الشَّيْء ; فَالْعَالَم دَالّ عَلَى أَنَّ لَهُ خَالِقًا وَمُدَبِّرًا , وَهَذَا وَاضِح . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ بَيْن يَدَيْ الْجُنَيْد : الْحَمْد لِلَّهِ ; فَقَالَ لَهُ : أَتِمَّهَا كَمَا قَالَ اللَّه , قُلْ رَبّ الْعَالَمِينَ ; فَقَالَ الرَّجُل : وَمَنْ الْعَالَمِينَ حَتَّى تُذْكَر مَعَ الْحَقّ ؟ قَالَ : قُلْ يَا أَخِي ؟ فَإِنَّ الْمُحْدَث إِذَا قُرِنَ مَعَ الْقَدِيم لَا يَبْقَى لَهُ أَثَر . يَجُوز الرَّفْع وَالنَّصْب فِي | رَبّ | فَالنَّصْب عَلَى الْمَدْح , وَالرَّفْع عَلَى الْقَطْع ; أَيْ هُوَ رَبّ الْعَالَمِينَ .

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ

أَيْ فِي الْأَرْض|رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا|يَعْنِي الْجِبَال . وَقَالَ وَهْب : لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْأَرْض مَادَتْ عَلَى وَجْه الْمَاء ; فَقَالَ لِجِبْرِيل ثَبِّتْهَا يَا جِبْرِيل . فَنَزَلَ فَأَمْسَكَهَا فَغَلَبَتْهُ الرِّيَاح , قَالَ : يَا رَبّ أَنْتَ أَعْلَم لَقَدْ غُلِبْت فِيهَا فَثَبِّتْهَا بِالْجِبَالِ وَأَرْسَاهَا|وَبَارَكَ فِيهَا|بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنْ الْمَنَافِع . قَالَ السُّدِّيّ : أَنْبَتَ فِيهَا شَجَرهَا .|وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا|قَالَ السُّدِّيّ وَالْحَسَن : أَرْزَاق أَهْلهَا وَمَصَالِحهمْ . وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد : خَلَقَ فِيهَا أَنْهَارهَا وَأَشْجَارهَا وَدَوَابّهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء . وَقَالَ عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك : مَعْنَى | قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا | أَيْ أَرْزَاق أَهْلهَا وَمَا يَصْلُح لِمَعَايِشِهِمْ مِنْ التِّجَارَات وَالْأَشْجَار وَالْمَنَافِع فِي كُلّ بَلْدَة مَا لَمْ يَجْعَلهُ فِي الْأُخْرَى لِيَعِيشَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض بِالتِّجَارَةِ وَالْأَسْفَار مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد . قَالَ عِكْرِمَة : حَتَّى إِنَّهُ فِي بَعْض الْبِلَاد لَيَتَبَايَعُونَ الذَّهَب بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ . وَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك : السَّابِرِيّ مِنْ سَابُور , وَالطَّيَالِسَة مِنْ الرَّيّ , وَالْحُبُر الْيَمَانِيَّة مِنْ الْيَمَن .|فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ|يَعْنِي فِي تَتِمَّة أَرْبَعَة أَيَّام . وَمِثَاله قَوْل الْقَائِل : خَرَجْت مِنْ الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد فِي عَشْرَة أَيَّام , وَإِلَى الْكُوفَة فِي خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا ; أَيْ فِي تَتِمَّة خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا . قَالَ مَعْنَاهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَغَيْره .|سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ|قَالَ الْحَسَن : الْمَعْنَى فِي أَرْبَعَة أَيَّام مُسْتَوِيَة تَامَّة . الْفَرَّاء : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالْمَعْنَى : وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا سَوَاء لِلْمُحْتَاجِينَ . وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَقَرَأَ الْحَسَن , الْبَصْرِيّ وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ | سَوَاء لِلسَّائِلِينَ | بِالْجَرِّ وَعَنْ اِبْن الْقَعْقَاع | سَوَاء | بِالرَّفْعِ ; فَالنَّصْب عَلَى الْمَصْدَر و | سَوَاء | بِمَعْنَى اِسْتِوَاء أَيْ اِسْتَوَتْ اِسْتِوَاء . وَقِيلَ : عَلَى الْحَال وَالْقَطْع ; وَالْجَرّ عَلَى النَّعْت لِأَيَّامٍ أَوْ لِأَرْبَعَةٍ أَيْ | فِي أَرْبَعَة أَيَّام | مُسْتَوِيَة تَامَّة . وَالرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر | لِلسَّائِلِينَ | أَوْ عَلَى تَقْدِير هَذِهِ | سَوَاء لِلسَّائِلِينَ | . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : مَعْنَى | سَوَاء لِلسَّائِلِينَ | وَلِغَيْرِ السَّائِلِينَ ; أَيْ خَلَقَ الْأَرْض وَمَا فِيهَا لِمَنْ سَأَلَ وَلِمَنْ لَمْ يَسْأَل , وَيُعْطِي مَنْ سَأَلَ وَمَنْ لَا يَسْأَل .

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ

أَيْ عَمَدَ إِلَى خَلْقهَا وَقَصَدَ لِتَسْوِيَتِهَا . وَالِاسْتِوَاء مِنْ صِفَة الْأَفْعَال عَلَى أَكْثَر الْأَقْوَال ; يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : | ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَاوَات | [ الْبَقَرَة : 29 ] وَقَدْ مَضَى الْقَوْل هُنَاكَ . وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : | ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء | يَعْنِي صَعِدَ أَمْره إِلَى السَّمَاء ; وَقَالَهُ الْحَسَن . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ صِفَة ذَاتِيَّة زَائِدَة قَالَ : اِسْتَوَى فِي الْأَزَل بِصِفَاتِهِ . و | ثُمَّ | تَرْجِع إِلَى نَقْل السَّمَاء مِنْ صِفَة الدُّخَان إِلَى حَالَة الْكَثَافَة . وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَان مِنْ تَنَفُّس الْمَاء حِين تَنَفَّسَ ; عَلَى مَا مَضَى فِي | الْبَقَرَة | عَنْ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره .|فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا|أَيْ جِيئَا بِمَا خَلَقْت فِيكُمَا مِنْ الْمَنَافِع وَالْمَصَالِح وَاخْرُجَاهَا لِخَلْقِي . قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَ اللَّه تَعَالَى لِلسَّمَاءِ : أَطْلِعِي شَمْسك وَقَمَرك وَكَوَاكِبك , وَأَجْرِي رِيَاحك وَسَحَابك , وَقَالَ لِلْأَرْضِ : شُقِّي أَنْهَارك وَأَخْرِجِي شَجَرك وَثِمَارك طَائِعَتَيْنِ أَوْ كَارِهَتَيْنِ | قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ | فِي الْكَلَام حَذْف أَيْ أَتَيْنَا أَمْرك | طَائِعِينَ | . وَقِيلَ : مَعْنَى هَذَا الْأَمْر التَّسْخِير ; أَيْ كُونَا فَكَانَتَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : | إِنَّمَا قَوْلنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون | [ النَّحْل : 40 ] فَعَلَى هَذَا قَالَ ذَلِكَ قَبْل خَلْقهمَا . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل قَالَ ذَلِكَ بَعْد خَلْقهمَا . وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور . وَفِي قَوْله تَعَالَى لَهُمَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ قَوْل تُكُلِّمَ بِهِ . الثَّانِي أَنَّهَا قُدْرَة مِنْهُ ظَهَرَتْ لَهُمَا فَقَامَ مَقَام الْكَلَام فِي بُلُوغ الْمُرَاد ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ .|قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ|فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ ظُهُور الطَّاعَة مِنْهُمَا حَيْثُ اِنْقَادَا وَأَجَابَا فَقَامَ مَقَام قَوْلهمَا , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>اِمْتَلَأَ الْحَوْض وَقَالَ قَطْنِي .......... مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْت بَطْنِي <br>يَعْنِي ظَهَرَ ذَلِكَ فِيهِ . وَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم : بَلْ خَلَقَ اللَّه فِيهِمَا الْكَلَام فَتَكَلَّمَتَا كَمَا أَرَادَ تَعَالَى : قَالَ أَبُو نَصْر السَّكْسَكِيّ : فَنَطَقَ مِنْ الْأَرْض مَوْضِع الْكَعْبَة , وَنَطَقَ مِنْ السَّمَاء مَا بِحِيَالِهَا , فَوَضَعَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ حَرَمه . وَقَالَ : | طَائِعِينَ | وَلَمْ يَقُلْ طَائِعَتَيْنِ عَلَى اللَّفْظ وَلَا طَائِعَات عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُمَا سَمَوَات وَأَرَضُونَ , لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمَا وَعَمَّنْ فِيهِمَا , وَقِيلَ : لَمَّا وَصَفَهُنَّ بِالْقَوْلِ وَالْإِجَابَة وَذَلِكَ مِنْ صِفَات مَنْ يَعْقِل أَجْرَاهُمَا فِي الْكِنَايَة مَجْرَى مَنْ يَعْقِل , وَمِثْله : | رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ | [ يُوسُف : 4 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَفِي حَدِيث : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ : يَا رَبّ لَوْ أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض حِين قُلْت لَهُمَا | اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا | عَصَيَاك مَا كُنْت صَانِعًا بِهِمَا ؟ قَالَ كُنْت آمُر دَابَّة مِنْ دَوَابِّي فَتَبْتَلِعهُمَا . قَالَ : يَا رَبّ وَأَيْنَ تِلْكَ الدَّابَّة ؟ قَالَ : فِي مَرْج مِنْ مُرُوجِي . قَالَ : يَا رَبّ وَأَيْنَ ذَلِكَ الْمَرْج ؟ قَالَ عِلْم مِنْ عِلْمِي . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة | آتِيَا | بِالْمَدِّ وَالْفَتْح . وَكَذَلِكَ قَوْله : | آتَيْنَا طَائِعِينَ | عَلَى مَعْنَى أَعْطِيَا الطَّاعَة مِنْ أَنْفُسكُمَا | قَالَتَا | أَعْطَيْنَا | طَائِعِينَ | فَحَذَفَ الْمَفْعُولَيْنِ جَمِيعًا . وَيَجُوز وَهُوَ أَحْسَن أَنْ يَكُون | آتَيْنَا | فَاعَلْنَا فَحَذَفَ مَفْعُول وَاحِد . وَمَنْ قَرَأَ | آتَيْنَا | فَالْمَعْنَى جِئْنَا بِمَا فِينَا ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي غَيْر مَا مَوْضِع وَالْحَمْد لِلَّهِ .

وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

أَيْ أَكْمَلَهُنَّ وَفَرَغَ مِنْهُنَّ . وَقِيلَ . أَحْكَمَهُنَّ كَمَا قَالَ : <br>وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا .......... دَاوُدُ أَوْ صَنَع السَّوَابِغ تُبَّع <br>| فِي يَوْمَيْنِ | سِوَى الْأَرْبَعَة الْأَيَّام الَّتِي خَلَقَ فِيهَا الْأَرْض , فَوَقَعَ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام | [ الْأَعْرَاف : 54 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي | الْأَعْرَاف | بَيَانه . قَالَ مُجَاهِد : وَيَوْم مِنْ السِّتَّة الْأَيَّام كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام قَالَ : خَلَقَ اللَّه الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ , وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فِي يَوْمَيْنِ , وَخَلَقَ السَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ ; خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْم الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ , وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْأَرْبِعَاء , وَخَلَقَ السَّمَوَات فِي يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمْعَة , وَأَخَّرَ سَاعَة فِي يَوْم الْجُمْعَة خَلَقَ اللَّه آدَم فِي عَجَل , وَهِيَ الَّتِي تَقُوم فِيهَا السَّاعَة , وَمَا خَلَقَ اللَّه مِنْ دَابَّة إِلَّا وَهِيَ تَفْزَع مِنْ يَوْم الْجُمْعَة إِلَّا الْإِنْس وَالْجِنّ . عَلَى هَذَا أَهْل التَّفْسِير ; إِلَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ , فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّه التُّرْبَة يَوْم السَّبْت ... ) الْحَدِيث , وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى إِسْنَاده فِي أَوَّل سُورَة | الْأَنْعَام | .|وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا|قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ : خَلَقَ فِيهَا شَمْسهَا وَقَمَرهَا وَنُجُومهَا وَأَفْلَاكهَا , وَخَلَقَ فِي كُلّ سَمَاء خَلْقهَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَلْق الَّذِي فِيهَا مِنْ الْبِحَار وَجِبَال الْبَرَد وَالثُّلُوج . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس ; قَالَ : وَلِلَّهِ فِي كُلّ سَمَاء بَيْت تَحُجّ إِلَيْهِ وَتَطُوف بِهِ الْمَلَائِكَة بِحِذَاءِ الْكَعْبَة , وَاَلَّذِي فِي السَّمَاء الدُّنْيَا هُوَ الْبَيْت الْمَعْمُور . وَقِيلَ : أَوْحَى اللَّه فِي كُلّ سَمَاء ; أَيْ أَوْحَى فِيهَا مَا أَرَادَهُ وَمَا أَمَرَ بِهِ فِيهَا . وَالْإِيحَاء قَدْ يَكُون أَمْرًا ; لِقَوْلِهِ : | بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا | [ الزَّلْزَلَة : 5 ] وَقَوْله : | وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ | [ الْمَائِدَة : 111 ] أَيْ أَمَرْتهمْ وَهُوَ أَمْر تَكْوِين .|وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ|أَيْ بِكَوَاكِب تُضِيء وَقِيلَ : إِنَّ فِي كُلّ سَمَاء كَوَاكِب تُضِيء . وَقِيلَ : بَلْ الْكَوَاكِب مُخْتَصَّة بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا .|وَحِفْظًا|أَيْ وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا ; أَيْ مِنْ الشَّيَاطِين الَّذِينَ يَسْتَرِقُونَ السَّمْع . وَهَذَا الْحِفْظ بِالْكَوَاكِبِ الَّتِي تُرْجَم بِهَا الشَّيَاطِين عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي | الْحِجْر | بَيَانه . وَظَاهِر هَذِهِ الْآيَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَرْض خُلِقَتْ قَبْل السَّمَاء . وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى : | أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا | [ النَّازِعَات : 27 ] ثُمَّ قَالَ : | وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا | [ النَّازِعَات : 30 ] وَهَذَا يَدُلّ عَلَى خَلْق السَّمَاء أَوَّلًا . وَقَالَ قَوْم : خُلِقَتْ الْأَرْض قَبْل السَّمَاء ; فَأَمَّا قَوْله : | وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا | [ النَّازِعَات : 30 ] فَالدَّحْو غَيْر الْخَلْق , فَاَللَّه خَلَقَ الْأَرْض ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَات , ثُمَّ دَحَا الْأَرْض أَيْ مَدَّهَا وَبَسَطَهَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي | الْبَقَرَة | وَالْحَمْد لِلَّهِ .|ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ|الْمَنِيع الْغَالِب الَّذِي لَا يُرَدّ أَمْره|الْعَلِيمِ|الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء .

بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ

يَعْنِي كُفَّار قُرَيْش عَمَّا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يَا مُحَمَّد مِنْ الْإِيمَان .|فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ|أَيْ خَوَّفْتُكُمْ هَلَاكًا مِثْل هَلَاك عَادٍ وَثَمُود .

وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ

يَعْنِي مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَنْ قَبْلهمْ|أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ|مَوْضِع | أَنْ | نُصِبَ بِإِسْقَاطِ الْخَافِض أَيْ ب | أَلَّا تَعْبُدُوا ||قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً|بَدَل الرُّسُل|فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ|مِنْ الْإِنْذَار وَالتَّبْشِير . قِيلَ : هَذَا اِسْتِهْزَاء مِنْهُمْ . وَقِيلَ : إِقْرَار مِنْهُمْ بِإِرْسَالِهِمْ ثُمَّ بَعْده جُحُود وَعِنَاد .

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

| فَأَمَّا عَاد فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ | اِسْتَكْبَرُوا عَلَى عِبَاد اللَّه هُود وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ|وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً|اِغْتَرُّوا بِأَجْسَامِهِمْ حِين تَهَدَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ , وَقَالُوا : نَحْنُ نَقْدِر عَلَى دَفْع الْعَذَاب عَنْ أَنْفُسنَا بِفَضْلِ قُوَّتنَا . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا ذَوِي أَجْسَام طِوَال وَخَلْق عَظِيم . وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ أَطْوَلهمْ كَانَ مِائَة ذِرَاع وَأَقْصَرهمْ كَانَ سِتِّينَ ذِرَاعًا .|أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً|قَالَ اللَّه تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ : | أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة | وَقُدْرَة , وَإِنَّمَا يَقْدِر الْعَبْد بِإِقْدَارِ اللَّه ; فَاَللَّه أَقْدَر إِذًا .|وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ|أَيْ بِمُعْجِزَاتِنَا يَكْفُرُونَ .

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ

هَذَا تَفْسِير الصَّاعِقَة الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَيْهِمْ , أَيْ رِيحًا بَارِدَة شَدِيدَة الْبَرْد وَشَدِيدَة الصَّوْت وَالْهُبُوب . وَيُقَال : أَصْلهَا صَرَّرَ مِنْ الصِّرّ وَهُوَ الْبَرْد فَأَبْدَلُوا مَكَان الرَّاء الْوُسْطَى فَاءَ الْفِعْل ; كَقَوْلِهِمْ كَبْكَبُوا أَصْله كَبَّبُوا , وَتَجَفْجَفَ الثَّوْب أَصْله تَجَفَّفَ . أَبُو عُبَيْدَة : مَعْنَى صَرْصَرَ : شَدِيدَة عَاصِفَة . عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر : شَدِيد الْبَرْد . وَأَنْشَدَ قُطْرُب قَوْل الْحُطَيْئَة : <br>الْمُطْعِمُونَ إِذَا هَبَّتْ بِصَرْصَرَةٍ .......... وَالْحَامِلُونَ إِذَا اِسْتُودُوا عَلَى النَّاس <br>اِسْتُودُوا : إِذَا سُئِلُوا الدِّيَة . مُجَاهِد : الشَّدِيدَة السَّمُوم . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : بَارِدَة . وَقَالَهُ عَطَاء ; لِأَنَّ | صَرْصَرًا | مَأْخُوذ مِنْ صَرَّ وَالصِّرّ فِي كَلَام الْعَرَب الْبَرَد كَمَا قَالَ : <br>لَهَا عُذَر كَقُرُونِ النَّسَا .......... ء رُكِّبْنَ فِي يَوْم رِيح وَصِرْ <br>وَقَالَ السُّدِّيّ : الشَّدِيدَة الصَّوْت . وَمِنْهُ صَرَّ الْقَلَم وَالْبَاب يَصِرّ صَرِيرًا أَيْ صَوَّتَ . وَيُقَال : دِرْهَم صَرِّيّ وَصِرِّيّ لِلَّذِي لَهُ صَوْت إِذَا نُقِدَ . قَالَ اِبْن السِّكِّيت : صَرْصَرَ يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الصِّرّ وَهُوَ الْبَرْد , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ صَرِير الْبَاب , وَمِنْ الصَّرَّة وَهِيَ الصَّيْحَة . وَمِنْهُ | فَأَقْبَلَتْ اِمْرَأَته فِي صَرَّة | [ الذَّارِيَات : 29 ] . وَصَرْصَر اِسْم نَهَر بِالْعِرَاقِ .|فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ|أَيْ مَشْئُومَات ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة . كُنَّ آخِر شَوَّال مِنْ يَوْم الْأَرْبِعَاء إِلَى يَوْم الْأَرْبِعَاء وَذَلِكَ | سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام حُسُومًا | [ الْحَاقَّة : 7 ] قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا عُذِّبَ قَوْم إِلَّا فِي يَوْم الْأَرْبِعَاء . وَقِيلَ : | نَحِسَات | بَارِدَات ; حَكَاهُ النَّقَّاش . وَقِيلَ : مُتَتَابِعَات ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَطِيَّة . الضَّحَّاك : شِدَاد . وَقِيلَ : ذَات غُبَار ; حَكَاهُ اِبْن عِيسَى . وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>قَدْ اِغْتَدَى قَبْل طُلُوع الشَّمْس .......... لِلصَّيْدِ فِي يَوْم قَلِيل النَّحْس <br>قَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره : أَمْسَكَ اللَّه عَنْهُمْ الْمَطَر ثَلَاث سِنِينَ , وَدَرَّتْ الرِّيَاح عَلَيْهِمْ فِي غَيْر مَطَر , وَخَرَجَ مِنْهُمْ قَوْم إِلَى مَكَّة يَسْتَسْقُونَ بِهَا لِلْعِبَادِ , وَكَانَ النَّاس فِي ذَلِكَ الزَّمَان إِذَا نَزَلَ بِهِمْ بَلَاء أَوْ جَهْد طَلَبُوا إِلَى اللَّه تَعَالَى الْفَرَج مِنْهُ , وَكَانَتْ طُلْبَتهمْ ذَلِكَ مِنْ اللَّه تَعَالَى عِنْد بَيْته الْحَرَام مَكَّة مُسْلِمهمْ وَكَافِرهمْ , فَيَجْتَمِع بِمَكَّة نَاس كَثِير شَتَّى , مُخْتَلِفَة أَدْيَانهمْ , وَكُلّهمْ مُعْظَم لِمَكَّة , عَارِف حُرْمَتهَا وَمَكَانهَا مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَالتَّيْمِيّ : إِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ خَيْرًا أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ الْمَطَر وَحَبَسَ عَنْهُمْ كَثْرَة الرِّيَاح , وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ شَرًّا حَبَسَ عَنْهُمْ الْمَطَر وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ كَثْرَة الرِّيَاح . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو | نَحْسَات | بِإِسْكَانِ الْحَاء عَلَى أَنَّهُ جَمْع نَحْس الَّذِي هُوَ مَصْدَر وُصِفَ بِهِ . الْبَاقُونَ : | نَحِسَات | بِكَسْرِ الْحَاء أَيْ ذَوَات نَحْس . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّحْس مَصْدَر قَوْله : | فِي يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ | [ الْقَمَر : 19 ] وَلَوْ كَانَ صِفَة لَمْ يُضَفْ الْيَوْم إِلَيْهِ ; وَبِهَذَا كَانَ يَحْتَجّ أَبُو عَمْرو عَلَى قِرَاءَته ; وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد الْقِرَاءَة الثَّانِيَة وَقَالَ : لَا تَصِحّ حُجَّة أَبِي عَمْرو ; لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَوْم إِلَى النَّحْس فَأَسْكَنَ , وَإِنَّمَا كَانَ يَكُون حُجَّة لَوْ نَوَّنَ الْيَوْم وَنَعَتَ وَأَسْكَنَ ; فَقَالَ : | فِي يَوْم نَحْس | [ الْقَمَر : 19 ] وَهَذَا لَمْ يَقْرَأ بِهِ أَحَد نَعْلَمهُ . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَمْ يُسْمَع فِي | نَحْس | إِلَّا الْإِسْكَان . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقُرِئَ فِي قَوْله | فِي يَوْم نَحْس | [ الْقَمَر : 19 ] عَلَى الصِّفَة , وَالْإِضَافَة أَكْثَر وَأَجْوَد . وَقَدْ نَحِسَ الشَّيْء بِالْكَسْرِ فَهُوَ نَحِس أَيْضًا ; قَالَ الشَّاعِر : <br>أَبْلِغْ جُذَامًا وَلَخْمًا أَنَّ إِخْوَتهمْ .......... طَيًّا وَبَهْرَاء قَوْم نَصْرهمْ نَحِس <br>وَمِنْهُ قِيلَ : أَيَّام نَحِسَات .|لِنُذِيقَهُمْ|أَيْ لِكَيْ نُذِيقهُمْ|عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا|أَيْ الْعَذَاب بِالرِّيحِ الْعَقِيم .|وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ|أَيْ أَعْظَم وَأَشَدّ .

وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ

أَيْ بَيَّنَّا لَهُمْ الْهُدَى وَالضَّلَال ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَقَرَأَ الْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَغَيْرهمَا | وَأَمَّا ثَمُود | بِالنَّصْبِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ فِي | الْأَعْرَاف | .|فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى|أَيْ اِخْتَارُوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : اِخْتَارُوا الْعَمَى عَلَى الْبَيَان . السُّدِّيّ : اِخْتَارُوا الْمَعْصِيَة عَلَى الطَّاعَة .|فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ|| الْهُون | بِالضَّمِّ الْهَوَان . وَهَوْن بْن خُزَيْمَة بْن مُدْرِكَة بْن إِلْيَاس بْن مُضَر أَخُو كِنَانَة وَأَسَد . وَأَهَانَهُ : اِسْتَخَفَّ بِهِ . وَالِاسْم الْهَوَان وَالْمُهَانَة . وَأُضِيفَ الصَّاعِقَة إِلَى الْعَذَاب , لِأَنَّ الصَّاعِقَة اِسْم لِلْمُبِيدِ الْمُهْلِك , فَكَأَنَّهُ قَالَ مُهْلِك الْعَذَاب ; أَيْ الْعَذَاب الْمُهْلِك . وَالْهُون وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا فَمَعْنَاهُ الْإِهَانَة وَالْإِهَانَة عَذَاب , فَجَازَ أَنْ يُجْعَل أَحَدهمَا وَصْفًا لِلْآخَرِ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : صَاعِقَة الْهُون . وَهُوَ كَقَوْلِك : عِنْدِي عِلْم الْيَقِين , وَعِنْدِي الْعِلْم الْيَقِين . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْهُون اِسْمًا مِثْل الدُّون ; يُقَال : عَذَاب هُون أَيْ مُهِين ; كَمَا قَالَ : | مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب الْمُهِين | . [ سَبَأ : 14 ] . وَقِيلَ : أَيْ صَاعِقَة الْعَذَاب ذِي الْهُون .|بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ|مِنْ تَكْذِيبهمْ صَالِحًا وَعَقْرهمْ النَّاقَة , عَلَى مَا تَقَدَّمَ .

وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ

يَعْنِي صَالِحًا وَمَنْ آمَنَ بِهِ ; أَيْ مَيَّزْنَاهُمْ عَنْ الْكُفَّار , فَلَمْ يَحِلّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْكُفَّارِ , وَهَكَذَا يَا مُحَمَّد نَفْعَل بِمُؤْمِنِي قَوْمك وَكُفَّارهمْ .

وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ

قَرَأَ نَافِع | نَحْشُر | بِالنُّونِ | أَعْدَاء | بِالنَّصْبِ . الْبَاقُونَ | يُحْشَر | بِيَاءٍ مَضْمُومَة | أَعْدَاء | بِالرَّفْعِ وَمَعْنَاهُمَا بَيِّن . وَأَعْدَاء اللَّه : الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُله وَخَالَفُوا أَمْره .|فَهُمْ يُوزَعُونَ|يُسَاقُونَ وَيُدْفَعُونَ إِلَى جَهَنَّم . قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ : يُحْبَس أَوَّلهمْ عَلَى آخِرهمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا ; قَالَ أَبُو الْأَحْوَص : فَإِذَا تَكَامَلَتْ الْعُدَّة بُدِئَ بِالْأَكَابِرِ فَالْأَكَابِر جُرْمًا . وَقَدْ مَضَى فِي | النَّمْل | الْكَلَام فِي | يُوزَعُونَ | [ النَّمْل : 17 ] مُسْتَوْفًى .

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ

| حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا | | مَا | زَائِدَة الْجُلُود يَعْنِي بِهَا الْجُلُود أَعْيَانهَا فِي قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ السُّدِّيّ وَعُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر وَالْفَرَّاء : أَرَادَ بِالْجُلُودِ الْفُرُوج ; وَأَنْشَدَ بَعْض الْأُدَبَاء لِعَامِرِ بْن جُؤَيَّة : <br>الْمَرْء يَسْعَى لِلسَّلَا .......... مَةِ وَالسَّلَامَة حَسْبُهْ <br><br>أَوْ سَالِم مَنْ قَدْ تَثَنَّى .......... جِلْده وَابْيَضَّ رَأْسُهْ <br>وَقَالَ : جِلْده كِنَايَة عَنْ فَرْجه .</p><p>وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه فَضَحِكَ فَقَالَ : ( هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَك ) قُلْنَا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : ( مِنْ مُخَاطَبَة الْعَبْد رَبّه يَقُول يَا رَبّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْم قَالَ : يَقُول بَلَى قَالَ فَيَقُول فَإِنِّي لَا أُجِيز عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي قَالَ يَقُول كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا قَالَ فَيَخْتِم عَلَى فِيهِ فَيُقَال لِأَرْكَانِهِ اِنْطِقِي فَتَنْطِق بِأَعْمَالِهِ قَالَ ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنه وَبَيْن الْكَلَام قَالَ فَيَقُول بُعْدًا لَكِنْ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْت أُنَاضِل ) وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ثُمَّ يُقَال : ( الْآن نَبْعَث شَاهِدنَا عَلَيْك وَيَتَفَكَّر فِي نَفْسه مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَد عَلَيَّ فَيُخْتَم عَلَى فِيهِ وَيُقَال لِفَخِذِهِ وَلَحْمه وَعِظَامه اِنْطِقِي فَتَنْطِق فَخِذه وَلَحْمه وَعِظَامه بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذَر مِنْ نَفْسه وَذَلِكَ الْمُنَافِق وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّه عَلَيْهِ ) خَرَّجَهُ أَيْضًا مُسْلِم .

وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ

يَعْنِي الْكُفَّار|لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا|وَإِنَّمَا كُنَّا نُجَادِل عَنْكُمْ|قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ|لَمَّا خَاطَبَتْ وَخُوطِبَتْ أُجْرِيَتْ مَجْرَى مَنْ يَعْقِل .|وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ|أَيْ رَكَّبَ الْحَيَاة فِيكُمْ بَعْد أَنْ كُنْتُمْ نُطَفًا , فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُنْطِق الْجُلُود وَغَيْرهَا مِنْ الْأَعْضَاء . وَقِيلَ : | وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّل مَرَّة | اِبْتِدَاء كَلَام مِنْ اللَّه .

حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ

يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا مِنْ قَوْل الْجَوَارِح لَهُمْ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْ الْمَلَائِكَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : اِجْتَمَعَ عِنْد الْبَيْت ثَلَاثَة نَفَر ; قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيّ ; قَلِيل فِقْه قُلُوبهمْ , كَثِير شَحْم بُطُونهمْ : فَقَالَ أَحَدهمْ : أَتَرَوْنَ اللَّه يَسْمَع مَا نَقُول ؟ فَقَالَ الْآخَر : يَسْمَع إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَع إِنْ أَخْفَيْنَا ; وَقَالَ الْآخَر : إِنْ كَانَ يَسْمَع إِذَا جَهَرْنَا فَهُوَ يَسْمَع إِذَا أَخْفَيْنَا ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَد عَلَيْكُمْ سَمْعكُمْ وَلَا أَبْصَاركُمْ | الْآيَة ; خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ فَقَالَ : اِخْتَصَمَ عِنْد الْبَيْت ثَلَاثَة نَفَر . ثُمَّ ذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ حَرْفًا حَرْفًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح ; حَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة بْن عُمَيْر عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : كُنْت مُسْتَتِرًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَجَاءَ ثَلَاثَة نَفَر كَثِير شَحْم بُطُونهمْ قَلِيل فِقْه قُلُوبهمْ , قُرَشِيّ وَخَتَنَاهُ ثَقَفِيَّانِ , أَوْ ثَقَفِيّ وَخَتَنَاهُ قُرَشِيَّانِ , فَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَمْ أَفْهَمهُ ; فَقَالَ أَحَدهمْ : أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّه يَسْمَع كَلَامنَا هَذَا , فَقَالَ الْآخَر : إِنَّا إِذَا رَفَعْنَا أَصْوَاتنَا سَمِعَهُ , وَإِذَا لَمْ نَرْفَع أَصْوَاتنَا لَمْ يَسْمَعهُ , فَقَالَ الْآخَر : إِنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا سَمِعَهُ كُلّه فَقَالَ عَبْد اللَّه : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : | وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَد عَلَيْكُمْ سَمْعكُمْ وَلَا أَبْصَاركُمْ وَلَا جُلُودكُمْ | إِلَى قَوْله : | فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ | قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَالثَّقَفِيّ عَبْد يَالَيْلَ , وَخَتَنَاهُ رَبِيعَة وَصَفْوَان بْن أُمَيَّة . وَمَعْنَى | تَسْتَتِرُونَ | تَسْتَخْفُونَ فِي قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء ; أَيْ مَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ مِنْ أَنْفُسكُمْ حَذَرًا مِنْ شَهَادَة الْجَوَارِح عَلَيْكُمْ ; لِأَنَّ الْإِنْسَان لَا يُمْكِنهُ أَنْ يُخْفِي مِنْ نَفْسه عَمَله , فَيَكُون الِاسْتِخْفَاء بِمَعْنَى تَرْك الْمَعْصِيَة . وَقِيلَ : الِاسْتِتَار بِمَعْنَى الِاتِّقَاء ; أَيْ مَا كُنْتُمْ تَتَّقُونَ فِي الدُّنْيَا أَنْ تَشْهَد عَلَيْكُمْ جَوَارِحكُمْ فِي الْآخِرَة فَتَتْرُكُوا الْمَعَاصِي خَوْفًا مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَة . وَقَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد . وَقَالَ قَتَادَة : | وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ | أَيْ تَظُنُّونَ | أَنْ يَشْهَد عَلَيْكُمْ سَمْعكُمْ | بِأَنْ يَقُول سَمِعْت الْحَقّ وَمَا وَعَيْت وَسَمِعْت مَا لَا يَجُوز مِنْ الْمَعَاصِي | وَلَا أَبْصَاركُمْ | فَتَقُول رَأَيْت آيَات اللَّه وَمَا اِعْتَبَرْت وَنَظَرْت فِيمَا لَا يَجُوز | وَلَا جُلُودكُمْ | تَقَدَّمَ .|وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ|مِنْ أَعْمَالكُمْ فَجَادَلْتُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى شَهِدَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ . رَوَى بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : | أَنْ يَشْهَد عَلَيْكُمْ سَمِعَكُمْ وَلَا أَبْصَاركُمْ وَلَا جُلُودكُمْ | قَالَ : ( إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْم الْقِيَامَة مُفَدَّمَة أَفْوَاهكُمْ بِفِدَامٍ فَأَوَّل مَا يُبَيِّن عَنْ الْإِنْسَان فَخِذه وَكَفّه ) قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْأَعْلَى الشَّامِيّ فَأَحْسَنَ : <br>الْعُمْر يَنْقُص وَالذُّنُوب تَزِيد .......... وَتُقَال عَثَرَات الْفَتَى فَيَعُود <br><br>هَلْ يَسْتَطِيع جُحُود ذَنْب وَاحِد .......... رَجُل جَوَارِحه عَلَيْهِ شُهُود <br><br>وَالْمَرْء يَسْأَل عَنْ سِنِيهِ فَيَشْتَهِي .......... تَقْلِيلهَا وَعَنْ الْمَمَات يَحِيد <br>وَعَنْ مَعْقِل بْن يَسَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ مِنْ يَوْم يَأْتِي عَلَى اِبْن آدَم إِلَّا يُنَادَى فِيهِ يَا اِبْن آدَم أَنَا خَلْق جَدِيد وَأَنَا فِيمَا تَعْمَل غَدًا عَلَيْك شَهِيد فَاعْمَلْ فِيَّ خَيْرًا أَشْهَد لَك بِهِ غَدًا فَإِنِّي لَوْ قَدْ مَضَيْت لَمْ تَرَنِي أَبَدًا وَيَقُول اللَّيْل مِثْل ذَلِكَ ) ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب | التَّذْكِرَة | فِي بَاب شَهَادَة الْأَرْض وَاللَّيَالِي وَالْأَيَّام وَالْمَال . وَقَالَ مُحَمَّد بْن بَشِير فَأَحْسَنَ : <br>مَضَى أَمْسك الْأَدْنَى شَهِيدًا مُعَدَّلًا .......... وَيَوْمك هَذَا بِالْفِعَالِ شَهِيد <br><br>فَإِنْ تَكُ بِالْأَمْسِ اِقْتَرَفْت إِسَاءَة .......... فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيد <br><br>وَلَا تُرْجِ فِعْل الْخَيْر مِنْك إِلَى غَد .......... لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيد<br>

وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ

أَيْ أَهْلَكَكُمْ فَأَوْرَدَكُمْ النَّار . قَالَ قَتَادَة : الظَّنّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْم . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَمُوتَن أَحَدكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِن الظَّنّ بِاَللَّهِ فَإِنَّ قَوْمًا أَسَاءُوا الظَّنّ بِرَبِّهِمْ فَأَهْلَكَهُمْ ) فَذَلِكَ قَوْله : | وَذَلِكُمْ ظَنّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ | . وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ الْأَمَانِيّ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ حَسَنَة , وَيَقُول أَحَدهمْ : إِنِّي أُحْسِن الظَّنّ بِرَبِّي وَكَذَبَ , وَلَوْ أَحْسَنَ الظَّنّ لَأَحْسَنَ الْعَمَل , وَتَلَا قَوْل اللَّه تَعَالَى : | وَذَلِكُمْ ظَنّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ | . وَقَالَ قَتَادَة : مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوت وَهُوَ حَسِن الظَّنّ بِرَبِّهِ فَلْيَفْعَلْ , فَإِنَّ الظَّنّ اِثْنَانِ ظَنّ يُنَجِّي وَظَنّ يُرْدِي . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فِي هَذِهِ الْآيَة : هَؤُلَاءِ قَوْم كَانُوا يُدْمِنُونَ الْمَعَاصِي وَلَا يَتُوبُونَ مِنْهَا وَيَتَكَلَّمُونَ عَلَى الْمَغْفِرَة , حَتَّى خَرَجُوا مِنْ الدُّنْيَا مَفَالِيس , ثُمَّ قَرَأَ : | وَذَلِكُمْ ظَنّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ | .

أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

أَيْ فَإِنْ يَصْبِرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَعْمَال أَهْل النَّار فَالنَّار مَثْوًى لَهُمْ . نَظِيره : | فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار | [ الْبَقَرَة : 175 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ .|وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ|فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى كُفْرهمْ | فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ | . وَقِيلَ : الْمَعْنَى | فَإِنْ يَصْبِرُوا | فِي النَّار أَوْ يَجْزَعُوا | فَالنَّار مَثْوًى لَهُمْ | أَيْ لَا مَحِيص لَهُمْ عَنْهَا , وَدَلَّ عَلَى الْجَزَع قَوْله : | وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا | لِأَنَّ الْمُسْتَعْتَب جَزِع وَالْمُعْتِب الْمَقْبُول عِتَابه ; قَالَ النَّابِغَة : <br>فَإِنْ أَكُ مَظْلُومًا فَعَبْد ظَلَمْته .......... وَإِنْ تَكُ ذَا عُتْبَى فَمِثْلك يُعْتِب <br>أَيْ مِثْلك مَنْ قَبِلَ الصُّلْح وَالْمُرَاجَعَة إِذَا سُئِلَ . قَالَ الْخَلِيل : الْعِتَاب مُخَاطَبَة الْإِدْلَال وَمُذَاكَرَة الْمُوجَدَة . تَقُول : عَاتَبْته مُعَاتَبَة , وَبَيْنهمْ أُعْتُوبَة يَتَعَاتَبُونَ بِهَا . يُقَال : إِذَا تَعَاتَبُوا أَصْلَحَ مَا بَيْنهمْ الْعِتَاب . وَأَعْتَبَنِي فُلَان : إِذَا عَادَ إِلَى مَسَرَّتِي رَاجِعًا عَنْ الْإِسَاءَة , وَالِاسْم مِنْهُ الْعُتْبَى , وَهُوَ رُجُوع الْمَعْتُوب عَلَيْهِ إِلَى مَا يُرْضِي الْعَاتِب . وَاسْتَعْتَبَ وَأَعْتَبَ بِمَعْنًى , وَاسْتَعْتَبَ أَيْضًا طَلَبَ أَنْ يُعْتَب ; تَقُول : اِسْتَعْتَبْته فَأَعْتَبَنِي أَيْ اِسْتَرْضَيْته فَأَرْضَانِي . فَمَعْنَى | وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا | أَيْ طَلَبُوا الرِّضَا لَمْ يَنْفَعهُمْ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ النَّار . وَفِي التَّفَاسِير : وَإِنْ يَسْتَقِيلُوا رَبّهمْ فَمَا هُمْ مِنْ الْمُقَالِينَ . وَقَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر وَأَبُو الْعَالِيَة | وَإِنْ يُسْتَعْتَبُوا | بِفَتْحِ التَّاء الثَّانِيَة وَضَمّ الْيَاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول | فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتِبِينَ | بِكَسْرِ التَّاء أَيْ إِنْ أَقَالَهُمْ اللَّه وَرَدَّهُمْ إِلَى الدُّنْيَا لَمْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْم اللَّه مِنْ الشَّقَاء , قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ | [ الْأَنْعَام : 28 ] ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ . وَقَالَ ثَعْلَب : يُقَال أَعْتَبَ إِذَا غَضِبَ وَأَعْتَبَ إِذَا رَضِيَ .

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ

قَالَ النَّقَّاش : أَيْ هَيَّأْنَا لَهُمْ شَيَاطِين . وَقِيلَ : سَلَّطْنَا عَلَيْهِمْ قُرَنَاء يُزَيِّنُونَ عِنْدهمْ الْمَعَاصِي , وَهَؤُلَاءِ الْقُرَنَاء مِنْ الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَمِنْ الْإِنْس أَيْضًا ; أَيْ سَبَّبْنَا لَهُمْ قُرَنَاء ; يُقَال : قَيَّضَ اللَّه فُلَانًا لِفُلَانٍ أَيْ جَاءَهُ بِهِ وَأَتَاحَهُ لَهُ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء | . الْقُشَيْرِيّ : وَيُقَال قَيَّضَ اللَّه لِي رِزْقًا أَيْ أَتَاحَهُ كَمَا كُنْت أَطْلُبهُ , وَالتَّقْيِيض الْإِبْدَال وَمِنْهُ الْمُقَايَضَة , قَايَضْت الرَّجُل مُقَايَضَة أَيْ عَاوَضْتُهُ بِمَتَاعٍ , وَهُمَا قَيْضَانِ كَمَا تَقُول بَيْعَانِ .|فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ|مِنْ أَمْر الدُّنْيَا فَحَسَّنُوهُ لَهُمْ حَتَّى آثَرُوهُ عَلَى الْآخِرَة|وَمَا خَلْفَهُمْ|حَسَّنُوا لَهُمْ مَا بَعْد مَمَاتهمْ وَدَعَوْهُمْ إِلَى التَّكْذِيب بِأُمُورِ الْآخِرَة ; عَنْ مُجَاهِد . وَقِيلَ : الْمَعْنَى | قَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء | فِي النَّار | فَزَيَّنُوا لَهُمْ | أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا ; وَالْمَعْنَى قَدَّرْنَا عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ وَحَكَمْنَا بِهِ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَحْوَجْنَاهُمْ إِلَى الْأَقْرَان ; أَيْ أَحْوَجْنَا الْفَقِير إِلَى الْغَنِيّ لِيَنَالَ مِنْهُ , وَالْغَنِيّ إِلَى الْفَقِير لِيَسْتَعِينَ بِهِ فَزَيَّنَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ الْمَعَاصِي . وَلَيْسَ قَوْله : | وَمَا خَلْفهمْ | عَطْفًا عَلَى | مَا بَيْن أَيْدِيهمْ | بَلْ الْمَعْنَى وَأَنْسَوْهُمْ مَا خَلْفهمْ فَفِيهِ هَذَا الْإِضْمَار . قَالَ اِبْن عَبَّاس : | مَا بَيْن أَيْدِيهمْ | تَكْذِيبهمْ بِأُمُورِ الْآخِرَة | وَمَا خَلْفهمْ | التَّسْوِيف وَالتَّرْغِيب فِي الدُّنْيَا . الزَّجَّاج : | مَا بَيْن أَيْدِيهمْ | مَا عَمِلُوهُ | وَمَا خَلْفهمْ | مَا عَزَمُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل مُجَاهِد . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَهُمْ مِثْل مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعَاصِي | وَمَا خَلْفهمْ | مَا يَعْمَل بَعْدهمْ .|وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ|أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَذَاب مَا وَجَبَ عَلَى الْأُمَم الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ الَّذِينَ كَفَرُوا كَكُفْرِهِمْ . وَقِيلَ : | فِي | بِمَعْنَى مَعَ ; فَالْمَعْنَى هُمْ دَاخِلُونَ مَعَ الْأُمَم الْكَافِرَة قَبْلهمْ فِيمَا دَخَلُوا فِيهِ . وَقِيلَ : | فِي أُمَم | فِي جُمْلَة أُمَم , وَمِثْله قَوْل الشَّاعِر : <br>إِنْ تَكُ عَنْ أَحْسَن الصَّنِيعَة مَأْ .......... فُوكًا فَفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا <br>يُرِيد فَأَنْتَ فِي جُمْلَة آخَرِينَ لَسْت فِي ذَلِكَ بِأَوْحَد . وَمَحَلّ | فِي أُمَم | النَّصْب عَلَى الْحَال مِنْ الضَّمِير فِي | عَلَيْهِمْ | أَيْ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل كَائِنِينَ فِي جُمْلَة أُمَم .|إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ|أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَأَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة .

أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ

لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ كُفْر قَوْم هُود وَصَالِح وَغَيْرهمْ أَخْبَرَ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْش وَأَنَّهُمْ كَذَّبُوا الْقُرْآن فَقَالُوا : | لَا تَسْمَعُوا | . وَقِيلَ : مَعْنَى | لَا تَسْمَعُوا | لَا تُطِيعُوا ; يُقَال : سَمِعْت لَك أَيْ أَطَعْتُك .|وَالْغَوْا فِيهِ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَ أَبُو جَهْل إِذَا قَرَأَ مُحَمَّد فَصِيحُوا فِي وَجْهه حَتَّى لَا يَدْرِي مَا يَقُول . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمَّا أَعْجَزَهُمْ الْقُرْآن . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى | وَالْغَوْا فِيهِ | بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْفِيق وَالتَّخْلِيط فِي الْمَنْطِق حَتَّى يَصِير لَغْوًا . وَقَالَ الضَّحَّاك : أَكْثَرُوا الْكَلَام لِيَخْتَلِط عَلَيْهِ مَا يَقُول . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : قِعُوا فِيهِ . وَعَيِّبُوهُ .</p><p>وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر وَالْجَحْدَرِيّ وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَأَبُو حَيْوَة وَبَكْر بْن حَبِيب السَّهْمِيّ | وَالْغُوا | بِضَمِّ الْغَيْن وَهِيَ لُغَة مِنْ لَغَا يَلْغُو . وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة مِنْ لَغِيَ يَلْغَى . قَالَ الْهَرَوِيّ : وَقَوْله : | وَالْغَوْا فِيهِ | قِيلَ : عَارِضُوهُ بِكَلَامٍ لَا يُفْهَم . يُقَال : لَغَوْت أَلْغُو وَأَلْغَى , وَلَغِيَ يَلْغَى ثَلَاث لُغَات . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى اللَّغْو فِي | الْبَقَرَة | وَهُوَ مَا لَا يُعْلَم لَهُ حَقِيقَة وَلَا تَحْصِيل .|لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ|مُحَمَّدًا عَلَى قِرَاءَته فَلَا يَظْهَر وَلَا يَسْتَمِيل الْقُلُوب .

فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الذَّوْق يَكُون مَحْسُوسًا , وَمَعْنَى الْعَذَاب الشَّدِيد : مَا يَتَوَالَى فَلَا يَنْقَطِع . وَقِيلَ : هُوَ الْعَذَاب فِي جَمِيع أَجْزَائِهِمْ .|وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ|أَيْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة جَزَاء قُبْح أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا . وَأَسْوَأ الْأَعْمَال الشِّرْك .

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ

أَيْ ذَلِكَ الْعَذَاب الشَّدِيد , ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ | النَّار | وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس | ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّه النَّار دَار الْخُلْد | فَتَرْجَمَ بِالدَّارِ عَنْ النَّار وَهُوَ مَجَاز الْآيَة . و | ذَلِكَ | اِبْتِدَاء و | جَزَاء | الْخَبَر و | النَّار | بَدَل مِنْ | جَزَاء | أَوْ خَبَر مُبْتَدَإِ مُضْمَر , وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع بَيَان لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى .

وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ

يَعْنِي فِي النَّار فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالْمُرَاد الْمُسْتَقْبَل|رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ|يَعْنِي إِبْلِيس وَابْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ . عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَغَيْرهمَا ; وَيَشْهَد لِهَذَا الْقَوْل الْحَدِيث الْمَرْفُوع : ( مَا مِنْ مُسْلِم يُقْتَل ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل كِفْل مِنْ ذَنْبه لِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ , وَقِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى الْجِنْس وَبُنِيَ عَلَى التَّثْنِيَة لِاخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَالسُّوسِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو وَابْن عَامِر وَأَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل | أَرْنَا | بِإِسْكَانِ الرَّاء , وَعَنْ أَبِي عَمْرو أَيْضًا بِاخْتِلَاسِهَا . وَأَشْبَعَ الْبَاقُونَ كَسْرَتهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي | الْأَعْرَاف | .|نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا|سَأَلُوا ذَلِكَ حَتَّى يَشْتَفُوا مِنْهُمْ بِأَنْ يَجْعَلُوهُمْ تَحْت أَقْدَامهمْ|لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ|فِي النَّار وَهُوَ الدَّرْك الْأَسْفَل سَأَلُوا أَنْ يُضَعِّف اللَّه عَذَاب مَنْ كَانَ سَبَب ضَلَالَتهمْ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قَالَ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه وَالْمَلَائِكَة بَنَاته وَهَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه ; فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا . وَقَالَ أَبُو بَكْر : رَبّنَا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْده وَرَسُوله ; فَاسْتَقَامَ . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ | إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا | قَالَ : ( قَدْ قَالَ النَّاس ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرهمْ فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِمَّنْ اِسْتَقَامَ ) قَالَ : حَدِيث غَرِيب . وَيُرْوَى فِي هَذِهِ الْآيَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ مَعْنَى | اِسْتَقَامُوا | ; فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه قُلْ لِي فِي الْإِسْلَام قَوْلًا لَا أَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا بَعْدك - وَفِي رِوَايَة - غَيْرك . قَالَ : ( قُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ ثُمَّ اِسْتَقِمْ ) زَادَ التِّرْمِذِيّ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا أَخْوَف مَا تَخَاف عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسه وَقَالَ : ( هَذَا ) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : | ثُمَّ اِسْتَقَامُوا | لَمْ يُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا . وَرَوَى عَنْهُ الْأَسْوَد بْن هِلَال أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَا تَقُولُونَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ | إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا | و | الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ | فَقَالُوا : اِسْتَقَامُوا فَلَمْ يُذْنِبُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِخَطِيئَةٍ ; فَقَالَ أَبُو بَكْر : لَقَدْ حَمَلْتُمُوهَا عَلَى غَيْر الْمَحْمَل | قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا | فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَه غَيْره | وَلَمْ يَلْبَسُوا إِيمَانهمْ | بِشِرْكٍ | أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ | . وَرُوِيَ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَر وَهُوَ يَخْطُب : | إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا | فَقَالَ : اِسْتَقَامُوا وَاَللَّه عَلَى الطَّرِيقَة لِطَاعَتِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْغُوا رَوَغَان الثَّعَالِب . وَقَالَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ثُمَّ أَخْلَصُوا الْعَمَل لِلَّهِ . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ثُمَّ أَدَّوْا الْفَرَائِض . وَأَقْوَال التَّابِعِينَ بِمَعْنَاهَا . قَالَ اِبْن زَيْد وَقَتَادَة : اِسْتَقَامُوا عَلَى الطَّاعَة لِلَّهِ . الْحَسَن : اِسْتَقَامُوا عَلَى أَمْر اللَّه فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَته . وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : اِسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه حَتَّى مَاتُوا . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : عَمِلُوا عَلَى وِفَاق مَا قَالُوا . وَقَالَ الرَّبِيع : أَعْرَضُوا عَمَّا سِوَى اللَّه . وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض : زَهِدُوا فِي الْفَانِيَة وَرَغِبُوا فِي الْبَاقِيَة . وَقِيلَ : اِسْتَقَامُوا إِسْرَارًا كَمَا اِسْتَقَامُوا إِقْرَارًا . وَقِيلَ : اِسْتَقَامُوا فِعْلًا كَمَا اِسْتَقَامُوا قَوْلًا . وَقَالَ أَنَس : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ أُمَّتِي وَرَبّ الْكَعْبَة ) . وَقَالَ الْإِمَام اِبْن فَوْرَك : السِّين سِين الطَّلَب مِثْل اِسْتَسْقَى أَيْ سَأَلُوا مِنْ اللَّه أَنْ يُثَبِّتهُمْ عَلَى الدِّين . وَكَانَ الْحَسَن إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة قَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبّنَا فَارْزُقْنَا الِاسْتِقَامَة .</p><p>قُلْت : وَهَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ تَدَاخَلَتْ فَتَلْخِيصهَا : اِعْتَدِلُوا عَلَى طَاعَة اللَّه عَقْدًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا , وَدَامُوا عَلَى ذَلِكَ .|تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ|قَالَ اِبْن زَيْد وَمُجَاهِد : عِنْد الْمَوْت . وَقَالَ مُقَاتِل وَقَتَادَة : إِذَا قَامُوا مِنْ قُبُورهمْ لِلْبَعْثِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ بُشْرَى تَكُون لَهُمْ مِنْ الْمَلَائِكَة فِي الْآخِرَة . وَقَالَ وَكِيع وَابْن زَيْد : الْبُشْرَى فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن عِنْد الْمَوْت وَفِي الْقَبْر وَعِنْد الْبَعْث .|أَلَّا تَخَافُوا|أَيْ ب | أَلَّا تَخَافُوا | فَحَذَفَ الْجَارّ . وَقَالَ مُجَاهِد : لَا تَخَافُوا الْمَوْت . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : لَا تَخَافُوا رَدَّ ثَوَابكُمْ فَإِنَّهُ مَقْبُول , وَقَالَ عِكْرِمَة وَلَا تَخَافُوا إِمَامكُمْ , وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى ذُنُوبكُمْ .|وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ|عَلَى أَوْلَادكُمْ فَإِنَّ اللَّه خَلِيفَتكُمْ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : لَا تَحْزَنُوا عَلَى ذُنُوبكُمْ فَإِنِّي أَغْفِرهَا لَكُمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة : لَا تَحْزَنُوا عَلَى ذُنُوبكُمْ .

فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ

أَيْ تَقُول لَهُمْ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ تَتَنَزَّل عَلَيْهِمْ بِالْبِشَارَةِ | نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ | قَالَ مُجَاهِد : أَيْ نَحْنُ قُرَنَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا لَا نُفَارِقكُمْ حَتَّى نُدْخِلكُمْ الْجَنَّة . وَقَالَ السُّدِّيّ : أَيْ نَحْنُ الْحَفَظَة لِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْآخِرَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ; وَاَللَّه وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاهُمْ .|وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ|أَيْ مِنْ الْمَلَاذ .|وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ|تَسْأَلُونَ وَتَتَمَنَّوْنَ .

وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

أَيْ رِزْقًا وَضِيَافَة مِنْ اللَّه الْغَفُور الرَّحِيم . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي | آل عِمْرَان | وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر أَيْ أَنْزَلْنَاهُ نُزُلًا . وَقِيلَ : عَلَى الْحَال . وَقِيلَ : هُوَ جَمْع نَازِل , أَيْ لَكُمْ مَا تَدَّعُونَ نَازِلِينَ , فَيَكُون حَالًا مِنْ الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي | تَدَّعُونَ | أَوْ مِنْ الْمَجْرُور فِي | لَكُمْ | .

وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ

هَذَا تَوْبِيخ لِلَّذِينَ تَوَاصَوْا بِاللَّغْوِ فِي الْقُرْآن . وَالْمَعْنَى : أَيْ كَلَام أَحْسَن مِنْ الْقُرْآن , وَمَنْ أَحْسَن قَوْلًا مِنْ الدَّاعِي إِلَى اللَّه وَطَاعَته وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ اِبْن سِيرِينَ وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد وَالْحَسَن : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ الْحَسَن إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَة يَقُول : هَذَا رَسُول اللَّه , هَذَا حَبِيب اللَّه , هَذَا وَلِيّ اللَّه , هَذَا صَفْوَة اللَّه , هَذَا خِيرَة اللَّه , هَذَا وَاَللَّه أَحَبّ أَهْل الْأَرْض إِلَى اللَّه ; أَجَابَ اللَّه فِي دَعْوَته , وَدَعَا النَّاس إِلَى مَا أَجَابَ إِلَيْهِ . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَعِكْرِمَة وَقَيْس بْن أَبِي حَازِم وَمُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ . قَالَ فُضَيْل بْن رُفَيْدَة : كُنْت مُؤَذِّنًا لِأَصْحَابِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فَقَالَ لِي عَاصِم بْن هُبَيْرَة : إِذَا أَذَّنْت فَقُلْت : اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَقُلْ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة ; قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّ الْآيَة مَكِّيَّة وَالْأَذَان مَدَنِيّ ; وَإِنَّمَا يَدْخُل فِيهَا بِالْمَعْنَى ; لَا أَنَّهُ كَانَ الْمَقْصُود وَقْت الْقَوْل , وَيَدْخُل فِيهَا أَبُو بَكْر الصِّدِّيق حِين قَالَ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَنَقَهُ الْمَلْعُون : | أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّي اللَّه | [ غَافِر : 28 ] وَتَتَضَمَّن كُلّ كَلَام حَسَن فِيهِ ذِكْر التَّوْحِيد وَالْإِيمَان .</p><p>قُلْت : وَقَوْل ثَالِث وَهُوَ أَحْسَنهَا ; قَالَ الْحَسَن : هَذِهِ الْآيَة عَامَّة فِي كُلّ مَنْ دَعَا إِلَى اللَّه . وَكَذَا قَالَ قَيْس بْن أَبِي حَازِم قَالَ : نَزَلَتْ فِي كُلّ مُؤْمِن . قَالَ : وَمَعْنَى | وَعَمِلَ صَالِحًا | الصَّلَاة بَيْن الْأَذَان وَالْإِقَامَة . وَقَالَهُ أَبُو أُمَامَةَ ; قَالَ : صَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَيْن الْأَذَان وَالْإِقَامَة . وَقَالَ عِكْرِمَة : | وَعَمِلَ صَالِحًا | صَلَّى وَصَامَ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أَدَّى الْفَرَائِض .</p><p>قُلْت : وَهَذَا أَحْسَنهَا مَعَ اِجْتِنَاب الْمَحَارِم وَكَثْرَة الْمَنْدُوب . وَاَللَّه أَعْلَم .|وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ|قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَمَا تَقَدَّمَ يَدُلّ عَلَى الْإِسْلَام , لَكِنْ لَمَّا كَانَ الدُّعَاء بِالْقَوْلِ وَالسَّيْف يَكُون لِلِاعْتِقَادِ وَيَكُون لِلْحُجَّةِ , وَكَانَ الْعَمَل يَكُون لِلرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاص , دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ التَّصْرِيح بِالِاعْتِقَادِ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ كُلّه , وَأَنَّ الْعَمَل لِوَجْهِهِ .</p><p>مَسْأَلَة : لَمَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ | وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَشْتَرِط إِنْ شَاءَ اللَّه , كَانَ فِي ذَلِكَ رَدّ عَلَى مَنْ يَقُول أَنَا مُسْلِم إِنْ شَاءَ اللَّه .

فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ

قَالَ الْفَرَّاء : | لَا | صِلَة أَيْ | وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَة وَالسَّيِّئَة | وَأَنْشَدَ : <br>مَا كَانَ يَرْضَى رَسُول اللَّه فِعْلهمْ .......... وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْر وَلَا عُمَر <br>أَرَادَ أَبُو بَكْر وَعُمَر ; أَيْ لَا يَسْتَوِي مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْحِيد , وَمَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك . قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْحَسَنَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالسَّيِّئَة الشِّرْك . وَقِيلَ : الْحَسَنَة الطَّاعَة , وَالسَّيِّئَة الشِّرْك . وَهُوَ الْأَوَّل بِعَيْنِهِ . وَقِيلَ : الْحَسَنَة الْمُدَارَاة , وَالسَّيِّئَة الْغِلْظَة . وَقِيلَ : الْحَسَنَة الْعَفْو , وَالسَّيِّئَة الِانْتِصَار . وَقَالَ الضَّحَّاك : الْحَسَنَة الْعِلْم , وَالسَّيِّئَة الْفُحْش . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الْحَسَنَة حُبّ آل الرَّسُول , وَالسَّيِّئَة بُغْضهمْ .|ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ|نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْف , وَبَقِيَ الْمُسْتَحَبّ مِنْ ذَلِكَ : حُسْن الْعِشْرَة وَالِاحْتِمَال وَالْإِغْضَاء . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ اِدْفَعْ بِحِلْمِك جَهْل مَنْ يَجْهَل عَلَيْك . وَعَنْهُ أَيْضًا : هُوَ الرَّجُل يَسُبّ الرَّجُل فَيَقُول الْآخَر إِنْ كُنْت صَادِقًا فَغَفَرَ اللَّه لِي , وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَغَفَرَ اللَّه لَك . وَكَذَلِكَ يُرْوَى فِي الْأَثَر : أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ نَالَ مِنْهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : | بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن | يَعْنِي السَّلَام إِذَا لَقِيَ مَنْ يُعَادِيه ; وَقَالَهُ عَطَاء . وَقَوْل ثَالِث ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي الْأَحْكَام وَهُوَ الْمُصَافَحَة . وَفِي الْأَثَر : ( تَصَافَحُوا يَذْهَب الْغِلّ ) . وَلَمْ يَرَ مَالِك الْمُصَافَحَة , وَقَدْ اِجْتَمَعَ مَعَ سُفْيَان فَتَكَلَّمَا فِيهَا فَقَالَ سُفْيَان : قَدْ صَافَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا حِين قَدِمَ مِنْ أَرْض الْحَبَشَة ; فَقَالَ لَهُ مَالِك : ذَلِكَ خَاصّ . فَقَالَ لَهُ سُفْيَان : مَا خَصَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصّنَا , وَمَا عَمَّهُ يَعُمّنَا , وَالْمُصَافَحَة ثَابِتَة فَلَا وَجْه لِإِنْكَارِهَا . وَقَدْ رَوَى قَتَادَة قَالَ قُلْت لِأَنَسٍ : هَلْ كَانَتْ الْمُصَافَحَة فِي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح . وَفِي الْأَثَر : ( مِنْ تَمَام الْمَحَبَّة الْأَخْذ بِالْيَدِ ) . وَمِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَهُوَ إِمَام مُقَدَّم , عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : قَدِمَ زَيْد بْن حَارِثَة الْمَدِينَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي , فَقَرَعَ الْبَاب فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْيَانًا يَجُرّ ثَوْبه - وَاَللَّه مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْله وَلَا بَعْده - فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ .</p><p>قُلْت : قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك جَوَاز الْمُصَافَحَة وَعَلَيْهَا جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء . وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي | يُوسُف | وَذَكَرْنَا هُنَاكَ حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَأْخُذ أَحَدهمَا بِيَدِ صَاحِبه مَوَدَّة بَيْنهمَا وَنَصِيحَة إِلَّا أُلْقِيَتْ ذُنُوبهمَا بَيْنهمَا ) .|فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ|أَيْ قَرِيب صَدِيق . قَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب , كَانَ مُؤْذِيًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَارَ لَهُ وَلِيًّا بَعْد أَنْ كَانَ عَدُوًّا بِالْمُصَاهَرَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنه وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ أَسْلَمَ فَصَارَ وَلِيًّا فِي الْإِسْلَام حَمِيمًا بِالْقَرَابَةِ . وَقِيلَ : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل بْن هِشَام , كَانَ يُؤْذِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالصَّفْح عَنْهُ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَالْأَوَّل ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ وَهُوَ أَظْهَر ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَإِذَا الَّذِي بَيْنك وَبَيْنه عَدَاوَة كَأَنَّهُ وَلِيّ حَمِيم | . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة بِالصَّبْرِ عِنْد الْغَضَب , وَالْحِلْم عِنْد الْجَهْل , وَالْعَفْو عِنْد الْإِسَاءَة , فَإِذَا فَعَلَ النَّاس ذَلِكَ عَصَمَهُمْ اللَّه مِنْ الشَّيْطَان , وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوّهُمْ . وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ قَنْبَرًا مَوْلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَنَادَاهُ عَلِيّ يَا قَنْبَر ! دَعْ شَاتِمك , وَالْهَ عَنْهُ تُرْضِي الرَّحْمَن وَتُسْخِط الشَّيْطَان , وَتُعَاقِب شَاتِمك , فَمَا عُوقِبَ الْأَحْمَق بِمِثْلِ السُّكُوت عَنْهُ . وَأَنْشَدُوا : <br>وَلَلْكَفّ عَنْ شَتْم اللَّئِيم تَكَرُّمًا .......... أَضَرّ لَهُ مِنْ شَتْمه حِين يُشْتَم <br>وَقَالَ آخَر : <br>وَمَا شَيْء أَحَبّ إِلَى سَفِيه .......... إِذَا سَبَّ الْكَرِيم مِنْ الْجَوَاب <br><br>مُتَارَكَة السَّفِيه بِلَا جَوَاب .......... أَشَدّ عَلَى السَّفِيه مِنْ السِّبَاب <br>وَقَالَ مَحْمُود الْوَرَّاق : <br>سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْح عَنْ كُلّ مُذْنِب .......... وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ لَدَيَّ الْجَرَائِمُ <br><br>فَمَا النَّاس إِلَّا وَاحِد مِنْ ثَلَاثَة .......... شَرِيف وَمَشْرُوف وَمِثْل مُقَاوِم <br><br>فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِف قَدْره .......... وَأَتْبَع فِيهِ الْحَقّ وَالْحَقّ لَازِمُ <br><br>وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَإِنْ قَالَ صُنْت عَنْ .......... إِجَابَته عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لَائِمُ <br><br>وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا .......... تَفَضَّلْت إِنَّ الْفَضْل بِالْحِلْمِ حَاكِم<br>

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ

يَعْنِي هَذِهِ الْفَعْلَة الْكَرِيمَة وَالْخُصْلَة الشَّرِيفَة|إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا|بِكَظْمِ الْغَيْظ وَاحْتِمَال الْأَذَى . وَقِيلَ : الْكِنَايَة فِي | يُلَقَّاهَا | عَنْ الْجَنَّة ; أَيْ مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .|وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ|أَيْ نَصِيب وَافِر مِنْ الْخَيْر ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد : الْحَظّ الْعَظِيم الْجَنَّة . قَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه مَا عَظُمَ حَظّ قَطُّ دُون الْجَنَّة .

أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ

| وَإِمَّا يَنْزَغَنك | وَنَزْغ الشَّيْطَان : وَسَاوِسه . وَفِيهِ لُغَتَانِ : نَزْغ وَنَغْز , يُقَال : إِيَّاكَ وَالنَّزَّاغ وَالنَّغَّاز , وَهُمْ الْمُوَرِّشُونَ . الزَّجَّاج : النَّزْغ أَدْنَى حَرَكَة تَكُون , وَمِنْ الشَّيْطَان أَدْنَى وَسْوَسَة . قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : شَهِدْت عُثْمَان وَعَلِيًّا وَكَانَ بَيْنهمَا نَزْغ مِنْ الشَّيْطَان فَمَا أَبْقَى وَاحِد مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ شَيْئًا , ثُمَّ لَمْ يَبْرَحَا حَتَّى اِسْتَغْفَرَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ . وَمَعْنَى | يَنْزَغَنك | : يُصِيبَنك وَيَعْرِض لَك عِنْد الْغَضَب وَسْوَسَة بِمَا لَا يَحِلّ .</p><p>النَّغْز وَالنَّزْغ وَالْهَمْز وَالْوَسْوَسَة سَوَاء ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين | [ الْمُؤْمِنُونَ : 97 ] وَقَالَ : | مِنْ شَرّ الْوَسْوَاس الْخَنَّاس | [ النَّاس : 4 ] . وَأَصْل النَّزْغ الْفَسَاد ; يُقَال : نَزَغَ بَيْننَا ; أَيْ أَفْسَدَ . وَمِنْهُ قَوْله : | نَزَغَ الشَّيْطَان بَيْنِي وَبَيْن إِخْوَتِي | [ يُوسُف : 100 ] أَيْ أَفْسَدَ . وَقِيلَ : النَّزْغ الْإِغْوَاء وَالْإِغْرَاء ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .</p><p>قُلْت : وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة مَا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي الشَّيْطَان أَحَدكُمْ فَيَقُول لَهُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُول لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) . وَفِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَسْوَسَة قَالَ : ( تِلْكَ مَحْض الْإِيمَان ) . وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : ( ذَلِكَ صَرِيح الْإِيمَان ) وَالصَّرِيح الْخَالِص . وَهَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِره ; إِذْ لَا يَصِحّ أَنْ تَكُون الْوَسْوَسَة نَفْسهَا هِيَ الْإِيمَان , لِأَنَّ الْإِيمَان الْيَقِين , وَإِنَّمَا الْإِشَارَة إِلَى مَا وَجَدُوهُ مِنْ الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُعَاقِبُوا عَلَى مَا وَقَعَ فِي أَنْفُسهمْ . فَكَأَنَّهُ قَالَ جَزَعكُمْ مِنْ هَذَا هُوَ مَحْض الْإِيمَان وَخَالِصه ; لِصِحَّةِ إِيمَانكُمْ , وَعِلْمكُمْ بِفَسَادِهَا . فَسَمَّى الْوَسْوَسَة إِيمَانًا لَمَّا كَانَ دَفْعهَا وَالْإِعْرَاض عَنْهَا وَالرَّدّ لَهَا وَعَدَم قَبُولهَا وَالْجَزَع مِنْهَا صَادِرًا عَنْ الْإِيمَان . وَأَمَّا أَمْره بِالِاسْتِعَاذَةِ فَلِكَوْنِ تِلْكَ الْوَسَاوِس مِنْ آثَار الشَّيْطَان . وَأَمَّا الْأَمْر بِالِانْتِهَاءِ فَعَنْ الرُّكُون إِلَيْهَا وَالِالْتِفَات نَحْوهَا . فَمَنْ كَانَ صَحِيح الْإِيمَان وَاسْتَعْمَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبّه وَنَبِيّه نَفَعَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ . وَأَمَّا مَنْ خَالَجَتْهُ الشُّبْهَة وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْحِسّ وَلَمْ يَقْدِر عَلَى الِانْفِكَاك عَنْهَا فَلَا بُدّ مِنْ مُشَافَهَته بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيّ ; كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي خَالَطَتْهُ شُبْهَة الْإِبِل الْجَرَب حِين قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا عَدْوَى ) . وَقَالَ أَعْرَابِيّ : فَمَا بَال الْإِبِل تَكُون فِي الرَّمَل كَأَنَّهَا الظِّبَاء فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا الْبَعِير الْأَجْرَب أَجْرَبَهَا ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّل ) فَاسْتَأْصَلَ الشُّبْهَة مِنْ أَصْلهَا . فَلَمَّا يَئِسَ الشَّيْطَان مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِغْرَاءِ وَالْإِضْلَال أَخَذَ يُشَوِّش عَلَيْهِمْ أَوْقَاتهمْ بِتِلْكَ الْأُلْقِيَات . وَالْوَسَاوِس : التُّرَّهَات ; فَنَفَرَتْ عَنْهَا قُلُوبهمْ وَعَظُمَ عَلَيْهِمْ وُقُوعهَا عِنْدهمْ فَجَاءُوا - كَمَا فِي الصَّحِيح - فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّا نَجِد فِي أَنْفُسنَا مَا يَتَعَاظَم أَحَدنَا أَنْ يَتَكَلَّم بِهِ . قَالَ : ( أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ) ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : ( ذَلِكَ صَرِيح الْإِيمَان ) رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ حَسَبَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآن فِي قَوْله : | إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان | [ الْحِجْر : 42 ] . فَالْخَوَاطِر الَّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَقِرَّةٍ وَلَا اِجْتَلَبَتْهَا الشُّبْهَة فَهِيَ الَّتِي تُدْفَع بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا ; وَعَلَى مِثْلهَا يُطْلَق اِسْم الْوَسْوَسَة . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر [ الْبَقَرَة ] هَذَا الْمَعْنَى , وَالْحَمْد لِلَّهِ .|فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ|أَيْ اُطْلُبْ النَّجَاة مِنْ ذَلِكَ بِاَللَّهِ . فَأَمَرَ تَعَالَى أَنْ يَدْفَع الْوَسْوَسَة بِالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِعَاذَة بِهِ ; وَلِلَّهِ الْمَثَل الْأَعْلَى . فَلَا يُسْتَعَاذ مِنْ الْكِلَاب إِلَّا بِرَبِّ الْكِلَاب . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّهُ قَالَ لِتِلْمِيذِهِ : مَا تَصْنَع بِالشَّيْطَانِ إِذَا سَوَّلَ لَك الْخَطَايَا ؟ قَالَ : أُجَاهِدهُ . قَالَ : فَإِنْ عَادَ ؟ قَالَ : أُجَاهِدهُ . قَالَ : فَإِنْ عَادَ ؟ قَالَ : أُجَاهِدهُ . قَالَ : هَذَا يَطُول , أَرَأَيْت لَوْ مَرَرْت بِغَنَمٍ فَنَبَحَك كَلْبهَا وَمَنَعَ مِنْ الْعُبُور مَا تَصْنَع ؟ قَالَ : أُكَابِدهُ وَأَرُدّهُ جَهْدِي . قَالَ : هَذَا يَطُول عَلَيْك , وَلَكِنْ اِسْتَغِثْ بِصَاحِبِ الْغَنَم يَكُفُّهُ عَنْك .|إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ|لِاسْتِعَاذَتِك|الْعَلِيمُ|بِأَفْعَالِك وَأَقْوَالك .

فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ

عَلَامَاته الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته | اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر | وَقَدْ مَضَى فِي غَيْر مَوْضِع .|لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ|نَهَى عَنْ السُّجُود لَهُمَا ; لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا خَلْقَيْنِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِفَضِيلَةٍ لَهُمَا فِي أَنْفُسهمَا فَيَسْتَحِقَّانِ بِهَا الْعِبَادَة مَعَ اللَّه ; لِأَنَّ خَالِقهمَا هُوَ اللَّه وَلَوْ شَاءَ لَأَعْدَمَهُمَا أَوْ طَمَسَ نُورهمَا .|وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ|وَصَوَّرَهُنَّ وَسَخَّرَهُنَّ ; فَالْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار . وَقِيلَ : لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر خَاصَّة ; لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْع . وَقِيلَ : الضَّمِير عَائِد عَلَى مَعْنَى الْآيَات | إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ | وَإِنَّمَا أَنَّثَ عَلَى جَمْع التَّكْثِير وَلَمْ يَجْرِ عَلَى طَرِيق التَّغْلِيب لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّث لِأَنَّهُ فِيمَا لَا يَعْقِل .</p><p>مَسْأَلَة : هَذِهِ الْآيَة آيَة سَجْدَة بِلَا خِلَاف ; وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِع السُّجُود مِنْهَا . فَقَالَ مَالِك : مَوْضِعه | إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ | ; لِأَنَّهُ مُتَّصِل بِالْأَمْرِ . وَكَانَ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَغَيْرهمْ يَسْجُدُونَ عِنْد قَوْله : | تَعْبُدُونَ | . وَقَالَ اِبْن وَهْب وَالشَّافِعِيّ : مَوْضِعه | وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ | لِأَنَّهُ تَمَام الْكَلَام وَغَايَة الْعِبَادَة وَالِامْتِثَال . وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَسْجُد عِنْد قَوْله : | يَسْأَمُونَ | . وَقَالَ اِبْن عُمَر : اُسْجُدُوا بِالْآخِرَةِ مِنْهُمَا . وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مَسْرُوق وَأَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَأَبِي صَالِح وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَطَلْحَة وَزُبَيْد الْيَامِيَّيْنِ وَالْحَسَن وَابْن سِيرِينَ . وَكَانَ أَبُو وَائِل وَقَتَادَة وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه يَسْجُدُونَ عِنْد قَوْله : | يَسْأَمُونَ | . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَمْر قَرِيب .</p><p>مَسْأَلَة : ذَكَرَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة تَضَمَّنَتْ صَلَاة كُسُوف الْقَمَر وَالشَّمْس ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَقُول : إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر لَا يَكْسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيم , فَصَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْكُسُوف .</p><p>قُلْت : صَلَاة الْكُسُوف ثَابِتَة فِي الصِّحَاح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا . وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتهَا اِخْتِلَافًا كَثِيرًا , لِاخْتِلَافِ الْآثَار , وَحَسْبك مَا فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ الْعُمْدَة فِي الْبَاب . وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ .

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ

يَعْنِي الْكُفَّار عَنْ السُّجُود لِلَّهِ|فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ|مِنْ الْمَلَائِكَة|يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ|أَيْ لَا يَمَلُّونَ عِبَادَته . قَالَ زُهَيْر : <br>سَئِمْت تَكَالِيف الْحَيَاة وَمَنْ يَعِشْ .......... ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا أَبَا لَك يَسْأَم<br>

فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ

الْخِطَاب لِكُلِّ عَاقِل أَيْ | وَمِنْ آيَاته | الدَّالَّة عَلَى أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى | أَنَّك تَرَى الْأَرْض خَاشِعَة | أَيْ يَابِسَة جَدْبَة ; هَذَا وَصْف الْأَرْض بِالْخُشُوعِ ; قَالَ النَّابِغَة : <br>رَمَاد كَكُحْلِ الْعَيْن لَأْيًا أُبِينهُ .......... وَنُؤْي كَجِذْمِ الْحَوْض أَثْلَم خَاشِع <br>وَالْأَرْض الْخَاشِعَة ; الْغَبْرَاء الَّتِي تُنْبِت . وَبَلْدَة خَاشِعَة : أَيْ مُغَبَّرَة لَا مَنْزِل بِهَا . وَمَكَان خَاشِع .|فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ|أَيْ بِالنَّبَاتِ ; قَالَهُ مُجَاهِد . يُقَال : اِهْتَزَّ الْإِنْسَان أَيْ تَحَرَّكَ ; وَمِنْهُ : <br>تَرَاهُ كَنَصْلِ السَّيْف يَهْتَزّ لِلنَّدَى .......... إِذَا لَمْ تَجِد عِنْد اِمْرِئِ السَّوْء مَطْمَعَا<br>|وَرَبَتْ|أَيْ اِنْتَفَخَتْ وَعَلَتْ قَبْل أَنْ تَنْبُت ; قَالَهُ مُجَاهِد . أَيْ تَصَعَّدَتْ عَنْ النَّبَات بَعْد مَوْتهَا . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِير يَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير وَتَقْدِيره : رَبَتْ وَاهْتَزَّتْ . وَالِاهْتِزَاز وَالرَّبْو قَدْ يَكُونَانِ قَبْل الْخُرُوج مِنْ الْأَرْض ; وَقَدْ يَكُونَانِ بَعْد خُرُوج النَّبَات إِلَى وَجْه الْأَرْض ; فَرُبُوّهَا اِرْتِفَاعهَا . وَيُقَال لِلْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِع : رَبْوَة وَرَابِيَة ; فَالنَّبَات يَتَحَرَّك لِلْبُرُوزِ ثُمَّ يَزْدَاد فِي جِسْمه بِالْكِبَرِ طُولًا وَعَرْضًا . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَخَالِد | وَرَبَأَتْ | وَمَعْنَاهُ عَظُمَتْ ; مِنْ الرَّبِيئَة . وَقِيلَ : | اِهْتَزَّتْ | أَيْ اِسْتَبْشَرَتْ بِالْمَطَرِ | وَرَبَتْ | أَيْ اِنْتَفَخَتْ بِالنَّبَاتِ . وَالْأَرْض إِذَا اِنْشَقَّتْ بِالنَّبَاتِ : وُصِفَتْ بِالضَّحِكِ , فَيَجُوز وَصْفهَا بِالِاسْتِبْشَارِ أَيْضًا . وَيَجُوز أَنْ يُقَال الرَّبْو وَالِاهْتِزَاز وَاحِد ; وَهِيَ حَالَة خُرُوج النَّبَات . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي | الْحَجّ ||إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|اِسْتِدْلَال بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِب . وَتَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع .

فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ

أَيْ يَمِيلُونَ عَنْ الْحَقّ فِي أَدِلَّتنَا . وَالْإِلْحَاد : الْمَيْل وَالْعُدُول . وَمِنْهُ اللَّحْد فِي الْقَبْر ; لِأَنَّهُ أَمْيَل إِلَى نَاحِيَة مِنْهُ . يُقَال : أَلْحَدَ فِي دِين اللَّه أَيْ حَادَ عَنْهُ وَعَدَلَ . وَلَحَدَ لُغَة فِيهِ . وَهَذَا يَرْجِع إِلَى الَّذِينَ قَالُوا : | لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ | وَهُمْ الَّذِينَ أَلْحَدُوا فِي آيَاته وَمَالُوا عَنْ الْحَقّ فَقَالُوا : لَيْسَ الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه , أَوْ هُوَ شِعْر أَوْ سِحْر ; فَالْآيَات آيَات الْقُرْآن . قَالَ مُجَاهِد : | يُلْحِدُونَ فِي آيَاتنَا | أَيْ عِنْد تِلَاوَة الْقُرْآن بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَة وَاللَّغْو وَالْغِنَاء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ تَبْدِيل الْكَلَام وَوَضْعه فِي غَيْر مَوْضِعه . وَقَالَ قَتَادَة : | يُلْحِدُونَ فِي آيَاتنَا | يَكْذِبُونَ فِي آيَاتنَا . وَقَالَ السُّدِّيّ : يُعَانِدُونَ وَيُشَاقُّونَ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : يُشْرِكُونَ وَيَكْذِبُونَ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل . وَقِيلَ : الْآيَات الْمُعْجِزَات , وَهُوَ يَرْجِع إِلَى الْأَوَّل فَإِنَّ الْقُرْآن مُعْجِز .|أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ|عَلَى وَجْهه وَهُوَ أَبُو جَهْل فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره .|خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ|قِيلَ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقِيلَ : عُثْمَان وَقِيلَ : عَمَّار بْن يَاسِر . وَقِيلَ : حَمْزَة . وَقِيلَ : عُمَر بْن الْخَطَّاب . وَقِيلَ : أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الْأَسَد الْمَخْزُومِيّ . وَقِيلَ : الْمُؤْمِنُونَ . وَقِيلَ : إِنَّهَا عَلَى الْعُمُوم ; فَاَلَّذِي يُلْقَى فِي النَّار الْكَافِر , وَاَلَّذِي يَأْتِي آمِنًا يَوْم الْقِيَامَة الْمُؤْمِن ; قَالَهُ اِبْن بَحْر .|اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ|أَمْر تَهْدِيد ; أَيْ بَعْد مَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فَلَا بُدّ لَكُمْ مِنْ الْجَزَاء .|إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ|| وَعِيد بِتَهْدِيدٍ وَتَوَعُّد .

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ

الذِّكْر هَاهُنَا الْقُرْآن فِي قَوْل الْجَمِيع ; لِأَنَّ فِيهِ ذِكْر مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَام . وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره هَالِكُونَ أَوَمُعَذَّبُونَ . وَقِيلَ : الْخَبَر | أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَان بَعِيد | [ فُصِّلَتْ : 44 ] وَاعْتَرَضَ قَوْله : | مَا يُقَال لَك | ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الذِّكْر فَقَالَ : | وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا | ثُمَّ قَالَ : | أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ | [ فُصِّلَتْ : 44 ] وَالْأَوَّل الِاخْتِيَار ; قَالَ النَّحَّاس : عِنْد النَّحْوِيِّينَ جَمِيعًا فِيمَا عَلِمْت .|وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ|أَيْ عَزِيز عَلَى اللَّه ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس ; وَعَنْهُ : عَزِيز مِنْ عِنْد اللَّه . وَقِيلَ : كَرِيم عَلَى اللَّه . وَقِيلَ : | عَزِيز | أَيْ أَعَزَّهُ اللَّه فَلَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ بَاطِل . وَقِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يُعَزّ وَيُجَلّ وَأَلَّا يُلْغَى فِيهِ . وَقِيلَ : | عَزِيز | مِنْ الشَّيْطَان أَنْ يُبَدِّلهُ ; قَالَهُ السُّدِّيّ . مُقَاتِل : مُنِعَ مِنْ الشَّيْطَان وَالْبَاطِل . السُّدِّيّ : غَيْر مَخْلُوق فَلَا مِثْل لَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : | عَزِيز | أَيْ مُمْتَنِع عَنْ النَّاس أَنْ يَقُولُوا مِثْله .

وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ

أَيْ لَا يُكَذِّبهُ شَيْء مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ قَبْل وَلَا يَنْزِل مِنْ بَعْده يُبْطِلهُ وَيَنْسَخهُ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقَالَ السُّدِّيّ وَقَتَادَة : | لَا يَأْتِيه الْبَاطِل | يَعْنِي الشَّيْطَان | مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفه | لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُغَيِّر وَلَا يَزِيد وَلَا يَنْقُص . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَا يَأْتِيه التَّكْذِيب | مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفه | . اِبْن جُرَيْج : | لَا يَأْتِيه الْبَاطِل | فِيمَا أَخْبَرَ عَمَّا مَضَى وَلَا فِيمَا أَخْبَرَ عَمَّا يَكُون . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : | مِنْ بَيْن يَدَيْهِ | مِنْ اللَّه تَعَالَى : | وَلَا مِنْ خَلْفه | يُرِيد مِنْ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .|تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ|اِبْن عَبَّاس : | حَكِيم | فِي خَلْقه | حَمِيد | إِلَيْهِمْ . قَتَادَة : | حَكِيم | فِي أَمْره | حَمِيد | إِلَى خَلْقه .

إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ

أَيْ مِنْ الْأَذَى وَالتَّكْذِيب وَقِيلَ : أَيْ مَا يُقَال لَك مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لِلَّهِ إِلَّا مَا قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ مِنْ قَبْلك , وَلَا خِلَاف بَيْن الشَّرَائِع فِيمَا يَتَعَلَّق بِالتَّوْحِيدِ , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : | وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَن عَمَلك | [ الزُّمَر : 65 ] أَيْ لَمْ تَدْعُهُمْ إِلَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ جَمِيع الْأَنْبِيَاء , فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِمْ عَلَيْك . و قِيلَ : هُوَ اِسْتِفْهَام , أَيْ أَيّ شَيْء يُقَال لَك | إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلك ||إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ|يُعَزِّي نَبِيّه وَيُسَلِّيه|إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ|لَك وَلِأَصْحَابِك وَقِيلَ : | إِنَّ رَبّك | كَلَام مُبْتَدَإِ وَمَا قَبْله كَلَام تَامّ إِذَا كَانَ الْخَبَر مُضْمَرًا . وَقِيلَ : هُوَ مُتَّصِل ب | مَا يُقَال لَك | . | إِنَّ رَبّك لَذُو مَغْفِرَة وَذُو عِقَاب أَلِيم | أَيْ إِنَّمَا أُمِرْت بِالْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِير .|وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ|يُرِيد لِأَعْدَائِك وَجِيعًا .

وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ

أَيْ بِلُغَةِ غَيْر الْعَرَب|لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ|أَيْ بُيِّنَتْ بِلُغَتِنَا فَإِنَّنَا عَرَب لَا نَفْهَم الْأَعْجَمِيَّة . فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِلِسَانِهِمْ لِيَتَقَرَّر بِهِ مَعْنَى الْإِعْجَاز ; إِذْ هُمْ أَعْلَم النَّاس بِأَنْوَاعِ الْكَلَام نَظْمًا وَنَثْرًا . وَإِذَا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَته كَانَ مِنْ أَدَلّ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه , وَلَوْ كَانَ بِلِسَانِ الْعَجَم لَقَالُوا لَا عِلْم لَنَا بِهَذَا اللِّسَان .</p><p>وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقُرْآن عَرَبِيّ , وَأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب , وَأَنَّهُ لَيْسَ أَعْجَمِيًّا , وَأَنَّهُ إِذَا نُقِلَ عَنْهَا إِلَى غَيْرهَا لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا .|أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ|وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ | أَأَعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ | بِهَمْزَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ , وَالْعَجَمِيّ الَّذِي لَيْسَ مِنْ الْعَرَب كَانَ فَصِيحًا أَوْ غَيْر فَصِيح , وَالْأَعْجَمِيّ الَّذِي لَا يُفْصِح كَانَ مِنْ الْعَرَب أَوْ مِنْ الْعَجَم , فَالْأَعْجَم ضِدّ الْفَصِيح وَهُوَ الَّذِي لَا يُبِين كَلَامه . وَيُقَال لِلْحَيَوَانِ غَيْر النَّاطِق أَعْجَم , وَمِنْهُ ( صَلَاة النَّهَار عَجْمَاء ) أَيْ لَا يُجْهَر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ النِّسْبَة إِلَى الْأَعْجَم آكَد , لِأَنَّ الرَّجُل الْعَجَمِيّ الَّذِي لَيْسَ مِنْ الْعَرَب قَدْ يَكُون فَصِيحًا بِالْعَرَبِيَّةِ , وَالْعَرَبِيّ قَدْ يَكُون غَيْر فَصِيح ; فَالنِّسْبَة إِلَى الْأَعْجَمِيّ آكَد فِي الْبَيَان . وَالْمَعْنَى أَقُرْآن أَعْجَمِيّ , وَنَبِيّ عَرَبِيّ ؟ وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة وَنَصْر بْن عَاصِم وَالْمُغِيرَة وَهِشَام عَنْ اِبْن عَامِر | أَعْجَمِيّ | بِهَمْزَةٍ وَاحِدَة عَلَى الْخَبَر . وَالْمَعْنَى | لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاته | فَكَانَ مِنْهَا عَرَبِيّ يَفْهَمهُ الْعَرَب , وَأَعْجَمِيّ يَفْهَمهُ الْعَجَم . وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَالَتْ قُرَيْش : لَوْلَا أُنْزِلَ الْقُرْآن أَعْجَمِيًّا وَعَرَبِيًّا فَيَكُون بَعْض آيَاته عَجَمِيًّا وَبَعْض آيَاته عَرَبِيًّا فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَأُنْزِلَ فِي الْقُرْآن مِنْ كُلّ لُغَة فَمِنْهُ | السِّجِّيل | وَهِيَ فَارِسِيَّة وَأَصْلهَا سنك كيل ; أَيْ طِين وَحَجَر , وَمِنْهُ | الْفِرْدَوْس | رُومِيَّة وَكَذَلِكَ | الْقِسْطَاس | وَقَرَأَ أَهْل الْحِجَاز وَأَبُو عَمْرو وَابْن ذَكْوَان وَحَفْص عَلَى الِاسْتِفْهَام , إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَّنُوا الْهَمْزَة عَلَى أُصُولهمْ . وَالْقِرَاءَة الصَّحِيحَة قِرَاءَة الِاسْتِفْهَام . وَاَللَّه أَعْلَم .|قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ|أَعْلَمَ اللَّه أَنَّ الْقُرْآن هُدًى وَشِفَاء لِكُلِّ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ الشَّكّ وَالرَّيْب وَالْأَوْجَاع .|وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ|أَيْ صَمَم عَنْ سَمَاع الْقُرْآن . وَلِهَذَا تَوَاصَوْا بِاللَّغْوِ فِيهِ . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة : | وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيد الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا | [ الْإِسْرَاء : 82 ] وَقَدْ مَضَى مُسْتَوْفًى . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | عَمًى | عَلَى الْمَصْدَر . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَعَمْرو بْن الْعَاص وَمُعَاوِيَة وَسُلَيْمَان بْن قَتَّة | وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمٍ | بِكَسْرِ الْمِيم أَيْ لَا يَتَبَيَّن لَهُمْ . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد الْقِرَاءَة الْأُولَى ; لِإِجْمَاعِ النَّاس فِيهَا ; وَلِقَوْلِهِ أَوَّلًا : | هُدًى وَشِفَاء | وَلَوْ كَانَ هَادٍ وَشَافٍ لَكَانَ الْكَسْر فِي | عَمًى | أَجْوَد ; لِيَكُونَ نَعْتًا مِثْلهمَا ; تَقْدِيره : | وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ | فِي تَرْك قَبُوله بِمَنْزِلَةِ مَنْ فِي آذَانهمْ | وَقْر | .|وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى|يَعْنِي الْقُرْآن | عَلَيْهِمْ | ذُو عَمًى , لِأَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ فَحُذِفَ الْمُضَاف . وَقِيلَ الْمَعْنَى وَالْوَقْر عَلَيْهِمْ عَمًى .|أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ|يُقَال ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَفْهَم مِنْ التَّمْثِيل . وَحَكَى أَهْل اللُّغَة أَنَّهُ يُقَال لِلَّذِي يَفْهَم : أَنْتَ تَسْمَع مِنْ قَرِيب . وَيُقَال لِلَّذِي لَا يَفْهَم : أَنْتَ تُنَادَى مِنْ بَعِيد . أَيْ كَأَنَّهُ يُنَادَى مِنْ مَوْضِع بَعِيد مِنْهُ فَهُوَ لَا يَسْمَع النِّدَاء وَلَا يَفْهَمهُ . وَقَالَ الضَّحَّاك : | يُنَادَوْنَ | يَوْم الْقِيَامَة بِأَقْبَح أَسْمَائِهِمْ | مِنْ مَكَان بَعِيد | فَيَكُون ذَلِكَ أَشَدّ لِتَوْبِيخِهِمْ وَفَضِيحَتهمْ . وَقِيلَ : أَيْ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّر الْقُرْآن صَارَ كَالْأَعْمَى الْأَصَمّ , فَهُوَ يُنَادَى مِنْ مَكَان بَعِيد فَيَنْقَطِع صَوْت الْمُنَادِي عَنْهُ وَهُوَ لَمْ يَسْمَع . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُجَاهِد : أَيْ بَعِيد مِنْ قُلُوبهمْ . وَفِي التَّفْسِير : كَأَنَّمَا يُنَادَوْنَ مِنْ السَّمَاء فَلَا يَسْمَعُونَ . وَحَكَى مَعْنَاهُ النَّقَّاش .

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

يَعْنِي التَّوْرَاة|فَاخْتُلِفَ فِيهِ|أَيْ آمَنَ بِهِ قَوْم وَكَذَّبَ بِهِ قَوْم . وَالْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى الْكِتَاب , وَهُوَ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ لَا يَحْزُنك اِخْتِلَاف قَوْمك فِي كِتَابك , فَقَدْ اِخْتَلَفَ مَنْ قَبْلهمْ فِي كِتَابهمْ . وَقِيلَ : الْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى مُوسَى .|وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ|أَيْ فِي إِمْهَالهمْ .|لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ|أَيْ بِتَعْجِيلِ الْعَذَاب .|وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ|مِنْ الْقُرْآن|مُرِيبٍ|أَيْ شَدِيد الرِّيبَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَخَّرَ عَذَاب هَذِهِ الْأُمَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَآتَاهُمْ الْعَذَاب كَمَا فُعِلَ بِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَم . وَقِيلَ : تَأْخِير الْعَذَاب لِمَا يَخْرُج مِنْ أَصْلَابهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .

وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

شَرْط وَجَوَابه | وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا | . وَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ مُسْتَغْنٍ عَنْ طَاعَة الْعِبَاد , فَمَنْ أَطَاعَ فَالثَّوَاب لَهُ , وَمَنْ أَسَاءَ فَالْعِقَاب عَلَيْهِ .|وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ|نَفَى الظُّلْم عَنْ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ قَلِيله وَكَثِيره , وَإِذَا اِنْتَفَتْ الْمُبَالَغَة اِنْتَفَى غَيْرهَا , دَلِيله قَوْله الْحَقّ : | إِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم النَّاس شَيْئًا | [ يُونُس : 44 ] وَرَوَى الْعُدُول الثِّقَات , وَالْأَئِمَّة الْأَثْبَات , عَنْ الزَّاهِد الْعَدْل , عَنْ أَمِين الْأَرْض , عَنْ أَمِين السَّمَاء , عَنْ الرَّبّ جَلَّ جَلَاله : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْت الظُّلْم عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ... ) الْحَدِيث . وَأَيْضًا فَهُوَ الْحَكِيم الْمَالِك , وَمَا يَفْعَلهُ الْمَالِك فِي مِلْكه لَا اِعْتِرَاض عَلَيْهِ ; إِذْ لَهُ التَّصَرُّف فِي مِلْكه بِمَا يُرِيد .

وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

| إِلَيْهِ يُرَدّ عِلْم السَّاعَة | أَيْ حِين وَقْتهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا مُحَمَّد إِنْ كُنْت نَبِيًّا فَخَبِّرْنَا مَتَى قِيَام السَّاعَة فَنَزَلَتْ : | وَمَا تَخْرُج مِنْ ثَمَرَات | | مِنْ | زَائِدَة أَيْ وَمَا تَخْرُج ثَمَرَة . | مِنْ أَكْمَامهَا | أَيْ مِنْ أَوْعِيَتهَا , فَالْأَكْمَام أَوْعِيَة الثَّمَرَة , وَاحِدهَا كُمَّة وَهِيَ كُلّ ظَرْف لِمَالٍ أَوْ غَيْره ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ قِشْر الطَّلْع أَعْنِي كُفُرَّاهُ الَّذِي يَنْشَقّ عَنْ الثَّمَرَة كُمَّة ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْكُمَّة الْكُفُرَّى قَبْل أَنْ تَنْشَقّ , فَإِذَا اِنْشَقَّتْ فَلَيْسَتْ بِكُمَّةٍ . وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي سُورَة | الرَّحْمَن | . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر وَحَفْص | مِنْ ثَمَرَات | عَلَى الْجَمْع . الْبَاقُونَ | ثَمَرَة | عَلَى التَّوْحِيد وَالْمُرَاد الْجَمْع , لِقَوْلِهِ : | وَمَا تَحْمِل مِنْ أُنْثَى | وَالْمُرَاد الْجَمْع , يَقُول : | إِلَيْهِ يُرَدّ عِلْم السَّاعَة | كَمَا يُرَدّ إِلَيْهِ عِلْم الثِّمَار وَالنِّتَاج .|وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ|أَيْ يُنَادِي اللَّه الْمُشْرِكِينَ|أَيْنَ شُرَكَائِي|الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا آلِهَة تَشْفَع .|قَالُوا|يَعْنِي الْأَصْنَام . وَقِيلَ : الْمُشْرِكُونَ . وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيدهُمْ جَمِيعًا الْعَابِد وَالْمَعْبُود|آذَنَّاكَ|أَسْمَعْنَاك وَأَعْلَمْنَاك . يُقَال : آذَنَ يُؤْذِن : إِذَا أَعْلَمَ , قَالَ : <br>آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاء .......... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلّ مِنْهُ الثَّوَاء<br>|مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ|أَيْ نُعْلِمك مَا مِنَّا أَحَد يَشْهَد بِأَنَّ لَك شَرِيكًا . لَمَّا عَايَنُوا الْقِيَامَة تَبَرَّءُوا مِنْ الْأَصْنَام وَتَبَرَّأَتْ الْأَصْنَام مِنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع .

إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

أَيْ بَطَلَ عَنْهُمْ|مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ|فِي الدُّنْيَا|وَظَنُّوا|أَيْ أَيْقَنُوا وَعَلِمُوا|مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ|أَيْ فِرَار عَنْ النَّار . و | مَا | هُنَا حَرْف وَلَيْسَ بِاسْمٍ ; فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَل فِيهِ الظَّنّ وَجَعَلَ الْفِعْل مُلْغًى ; تَقْدِيره : وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَا لَهُمْ مَحِيص وَلَا مَهْرَب . يُقَال : حَاصَ يَحِيص . حَيْصًا وَمَحِيصًا إِذَا هَرَبَ . وَقِيلَ : إِنَّ الظَّنّ هُنَا الَّذِي هُوَ أَغْلَب الرَّأْي , لَا يَشُكُّونَ فِي أَنَّهُمْ أَصْحَاب النَّار وَلَكِنْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا . وَلَيْسَ يَبْعُد أَنْ يَكُون لَهُمْ ظَنّ وَرَجَاء إِلَى أَنْ يُؤَيِّسُوا .

فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ

أَيْ لَا يَمَلّ مِنْ دُعَائِهِ بِالْخَيْرِ . وَالْخَيْر هُنَا الْمَال وَالصِّحَّة وَالسُّلْطَان وَالْعِزّ . قَالَ السُّدِّيّ : وَالْإِنْسَان هَاهُنَا يُرَاد بِهِ الْكَافِر . وَقِيلَ : الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة . وَقِيلَ : عُتْبَة وَشَيْبَة اِبْنَا رَبِيعَة وَأُمَيَّة بْن خَلَف . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه | لَا يَسْأَم الْإِنْسَان مِنْ دُعَاء الْمَال | .|وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ|الْفَقْر وَالْمَرَض|فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ|| فَيَئُوس | مِنْ رَوْح اللَّه | قُنُوط | مِنْ رَحْمَته . وَقِيلَ : | يَئُوس | مِنْ إِجَابَة الدُّعَاء | قُنُوط | بِسُوءِ الظَّنّ بِرَبِّهِ . وَقِيلَ : | يَئُوس | أَيْ يَئِسَ مِنْ زَوَال مَا بِهِ مِنْ الْمَكْرُوه | قَنُوط | أَيْ يَظُنّ أَنَّهُ يَدُوم ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

عَاقِبَة وَرَخَاء وَغِنًى|مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ|ضُرّ وَسَقَم وَشِدَّة وَفَقْر .|لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً|أَيْ هَذَا شَيْء أَسْتَحِقّهُ عَلَى اللَّه لِرِضَاهُ بِعَمَلِي , فَيَرَى النِّعْمَة حَتْمًا وَاجِبًا عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَلَمْ يَعْلَم أَنَّهُ اِبْتَلَاهُ بِالنِّعْمَةِ وَالْمِحْنَة ; لِيَتَبَيَّن شُكْره وَصَبْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : | هَذَا لِي | أَيْ هَذَا مِنْ عِنْدِي .|وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى|أَيْ الْجَنَّة , وَاللَّام لِلتَّأْكِيدِ . يَتَمَنَّى الْأَمَانِيّ بِلَا عَمَل . قَالَ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : لِلْكَافِرِ أُمْنِيَّتَانِ أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيَقُول : | لَئِنْ رَجَعْت إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْده لَلْحُسْنَى | , وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَيَقُول : | يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ | [ الْأَنْعَام : 27 ] و | يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا | [ النَّبَأ : 40 ] .|فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا|أَيْ لَنَجْزِيَنَّهُمْْ . قَسَم أَقْسَمَ اللَّه عَلَيْهِ .|وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ|أَيْ شَدِيد .

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ

يُرِيد الْكَافِر وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد عُتْبَة بْن رَبِيعَة وَشَيْبَة بْن رَبِيعَة وَأُمَيَّة بْن خَلَف أَعْرَضُوا عَنْ الْإِسْلَام وَتَبَاعَدُوا عَنْهُ .|أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ|| نَأَى بِجَانِبِهِ | أَيْ تَرَفَّعَ عَنْ الِانْقِيَاد إِلَى الْحَقّ وَتَكَبَّرَ عَلَى أَنْبِيَاء اللَّه . وَقِيلَ : | نَأَى | تَبَاعَدَ . يُقَال : نَأَيْته وَنَأَيْت عَنْهُ نَأْيًا بِمَعْنَى تَبَاعَدْت عَنْهُ , وَأَنْأَيْته فَانْتَأَى : أَبْعَدْته فَبَعُدَ , وَتَنَاءَوْا تَبَاعَدُوا , وَالْمُنْتَأَى الْمَوْضِع الْبَعِيد ; قَالَ النَّابِغَة : <br>فَإِنَّك كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي .......... وَإِنْ خِلْت أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْك وَاسِع <br>وَقَرَأَ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع و | نَاءٍ بِجَانِبِهِ | بِالْأَلِفِ قَبْل الْهَمْزَة . فَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ | نَاءٍ | إِذَا نَهَضَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى قَلْب الْهَمْزَة بِمَعْنَى الْأَوَّل .|وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ|أَيْ أَصَابَهُ الْمَكْرُوه|فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ|أَيْ كَثِير , وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل الطُّول وَالْعَرْض فِي الْكَثْرَة . يُقَال : أَطَالَ فُلَان فِي الْكَلَام وَأَعْرَضَ فِي الدُّعَاء إِذَا أَكْثَرَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : | فَذُو دُعَاء عَرِيض | فَذُو تَضَرُّع وَاسْتِغَاثَة . وَالْكَافِر يَعْرِف رَبّه فِي الْبَلَاء وَلَا يَعْرِفهُ فِي الرَّخَاء .

يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ

أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد | أَرَأَيْتُمْ | يَا مَعْشَر الْمُشْرِكِينَ .|إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ|| إِنْ كَانَ | هَذَا الْقُرْآن | مِنْ عِنْد اللَّه ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاق بَعِيد ||مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ|أَيْ فَأَيّ النَّاس أَضَلّ , أَيْ لَا أَحَد أَضَلّ مِنْكُمْ لِفَرْطِ شِقَاقكُمْ وَعَدَاوَتكُمْ . وَقِيلَ : قَوْله : | إِنْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه | يَرْجِع إِلَى الْكِتَاب الْمَذْكُور فِي قَوْله : | آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب | [ الْبَقَرَة : 53 ] وَالْأَوَّل أَظْهَر وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس .

الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ

أَيْ عَلَامَات وَحْدَانِيّتنَا وَقُدْرَتنَا | فِي الْآفَاق | يَعْنِي خَرَاب مَنَازِل الْأُمَم الْخَالِيَة | وَفِي أَنْفُسهمْ | بِالْبَلَايَا وَالْأَمْرَاض . وَقَالَ اِبْن زَيْد : | فِي الْآفَاق | آيَات السَّمَاء | وَفِي أَنْفُسهمْ | حَوَادِث الْأَرْض . وَقَالَ مُجَاهِد : | فِي الْآفَاق | فَتْح الْقُرَى ; فَيَسَّرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْده وَأَنْصَار دِينه فِي آفَاق الدُّنْيَا وَبِلَاد الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب عُمُومًا , وَفِي نَاحِيَة الْمَغْرِب خُصُوصًا مِنْ الْفُتُوح الَّتِي لَمْ يَتَيَسَّر أَمْثَالهَا لِأَحَدٍ مِنْ خُلَفَاء الْأَرْض قَبْلهمْ , وَمِنْ الْإِظْهَار عَلَى الْجَبَابِرَة وَالْأَكَاسِرَة وَتَغْلِيب قَلِيلهمْ عَلَى كَثِيرهمْ , وَتَسْلِيط ضُعَفَائِهِمْ عَلَى أَقْوِيَائِهِمْ , وَإِجْرَائِهِ عَلَى أَيْدِيهمْ أُمُورًا خَارِجَة عَنْ الْمَعْهُود خَارِقَة لِلْعَادَاتِ | وَفِي أَنْفُسهمْ | فَتْح مَكَّة . وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ . وَقَالَهُ الْمِنْهَال بْن عَمْرو وَالسُّدِّيّ . وَقَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك : | فِي الْآفَاق | وَقَائِع اللَّه فِي الْأُمَم | وَفِي أَنْفُسهمْ | يَوْم بَدْر . وَقَالَ عَطَاء وَابْن زَيْد أَيْضًا | فِي الْآفَاق | يَعْنِي أَقْطَار السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَالرِّيَاح وَالْأَمْطَار وَالرَّعْد وَالْبَرْق وَالصَّوَاعِق وَالنَّبَات وَالْأَشْجَار وَالْجِبَال وَالْبِحَار وَغَيْرهَا . وَفِي الصِّحَاح : الْآفَاق النَّوَاحِي , وَاحِدهَا أُفْق وَأُفُق مِثْل عُسْر وَعُسُر , وَرَجُل أَفَقِيّ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْفَاء : إِذَا كَانَ مِنْ آفَاق الْأَرْض . حَكَاهُ أَبُو نَصْر . وَبَعْضهمْ يَقُول : أُفُقِيّ بِضَمِّهَا وَهُوَ الْقِيَاس . وَأَنْشَدَ غَيْر الْجَوْهَرِيّ : <br>أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ .......... لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُوم الطَّوَالِع <br>| وَفِي أَنْفُسهمْ | مِنْ لَطِيف الصَّنْعَة وَبَدِيع الْحِكْمَة حَتَّى سَبِيل الْغَائِط وَالْبَوْل ; فَإِنَّ الرَّجُل يَشْرَب وَيَأْكُل مِنْ مَكَان وَاحِد وَيَتَمَيَّز ذَلِكَ مِنْ مَكَانَيْنِ , وَبَدِيع صَنْعَة اللَّه وَحِكْمَته فِي عَيْنَيْهِ اللَّتَيْنِ هُمَا قَطْرَة مَاء يَنْظُر بِهِمَا مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , وَفِي أُذُنَيْهِ اللَّتَيْنِ يُفَرَّق بِهِمَا بَيْن الْأَصْوَات الْمُخْتَلِفَة . وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ بَدِيع حِكْمَة اللَّه فِيهِ . وَقِيلَ : | وَفِي أَنْفُسهمْ | مِنْ كَوْنهمْ نُطَفًا إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ اِنْتِقَال أَحْوَالهمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي | الْمُؤْمِنُونَ | بَيَانه . وَقِيلَ : الْمَعْنَى سَيَرَوْنَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفِتَن وَأَخْبَار الْغُيُوب|حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ|فِيهِ أَرْبَعَة أَوْجُه : </subtitle>[ أَحَدهَا ] أَنَّهُ الْقُرْآن . [ الثَّانِي ] الْإِسْلَام جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُول وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ . [ الثَّالِث ] أَنَّ مَا يُرِيهِمْ اللَّه وَيَفْعَل مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحَقّ . [ الرَّابِع ] أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرَّسُول الْحَقّ .|أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ|| أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّك | فِي مَوْضِع رَفْع بِأَنَّهُ فَاعِل ب | يَكْفِ | و | أَنَّهُ | بَدَل مِنْ | رَبّك | فَهُوَ رَفْع إِنْ قَدَّرْته بَدَلًا عَلَى الْمَوْضِع , وَجُرَّ | إِنْ | قَدَّرْته بَدَلًا عَلَى اللَّفْظ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا بِتَقْدِيرِ حَذْف اللَّام , وَالْمَعْنَى أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ رَبّك بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيده ; لِأَنَّهُ | عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد | وَإِذَا شَهِدَهُ جَازَى عَلَيْهِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى | أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّك | فِي مُعَاقَبَته الْكُفَّار . وَقِيلَ : الْمَعْنَى | أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّك | يَا مُحَمَّد أَنَّهُ شَاهِد عَلَى أَعْمَال الْكُفَّار . وَقِيلَ : | أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّك | شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه . وَقِيلَ : | أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّك أَنَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء | مِمَّا يَفْعَلهُ الْعَبْد | شَهِيد | وَالشَّهِيد بِمَعْنَى الْعَالِم ; أَوْ هُوَ مِنْ الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ الْحُضُور

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ

أَيْ فِي شَكّ|مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ|فِي الْآخِرَة . وَقَالَ السُّدِّيّ : أَيْ مِنْ الْبَعْث .|أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ|أَيْ أَحَاطَ عِلْمه بِكُلِّ شَيْء . قَالَهُ السُّدِّيّ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : أَحَاطَتْ قُدْرَته بِكُلِّ شَيْء . وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : هُوَ الَّذِي أَحَاطَتْ قُدْرَته بِجَمِيعِ خَلْقه , وَهُوَ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا , وَأَحْصَى كُلّ شَيْء عَدَدًا . وَهَذَا الِاسْم أَكْثَر مَا يَجِيء فِي مَعْرِض الْوَعِيد , وَحَقِيقَته الْإِحَاطَة بِكُلِّ شَيْء , وَاسْتِئْصَال الْمُحَاط بِهِ , وَأَصْله مُحْيِط نُقِلَتْ حَرَكَة الْيَاء إِلَى الْحَاء فَسُكِّنَتْ . يُقَال مِنْهُ : أَحَاطَ يُحِيط إِحَاطَة وَحَيْطَة ; وَمِنْ ذَلِكَ حَائِط الدَّار , يَحُوطهَا أَهْلهَا . وَأَحَاطَتْ الْخَيْل بِفُلَانٍ : إِذَا أَخَذَ مَأْخَذًا حَاصِرًا مِنْ كُلّ جِهَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ | [ الْكَهْف : 42 ] وَاَللَّه أَعْلَم بِصَوَابِ ذَلِكَ .

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

سُورَة الشُّورَى مَكِّيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا أَرْبَع آيَات مِنْهَا أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ : | قُلْ لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى | [ الشُّورَى : 23 ] إِلَى آخِرهَا . وَهِيَ ثَلَاث وَخَمْسُونَ آيَة .</p><p>اِخْتَلَفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقَالَ عِكْرِمَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( | حم | اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَهِيَ مَفَاتِيح خَزَائِن رَبّك ) قَالَ اِبْن عَبَّاس : | حم | اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . وَعَنْهُ : | الر | و | حم | و | ن | حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . مُجَاهِد : فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : الْحَاء اِفْتِتَاح اِسْمه حَمِيد وَحَنَّان وَحَلِيم وَحَكِيم , وَالْمِيم اِفْتِتَاح اِسْمه مَلِك وَمَجِيد وَمَنَّان وَمُتَكَبِّر وَمُصَوِّر ; يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَنَس أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا | حم | فَإِنَّا لَا نَعْرِفهَا فِي لِسَاننَا ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدْء أَسْمَاء وَفَوَاتِح سُوَر ) وَقَالَ الضَّحَّاك وَالْكِسَائِيّ : مَعْنَاهُ قُضِيَ مَا هُوَ كَائِن . كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى تَهَجِّي | حم | ; لِأَنَّهَا تَصِير حُمّ بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم ; أَيْ قُضِيَ وَوَقَعَ . وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : <br>فَلَمَّا تَلَاقَيْنَاهُمْ وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى .......... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّه مَدْفَعُ <br>وَعَنْهُ أَيْضًا : إِنَّ الْمَعْنَى حم أَمْر اللَّه أَيْ قَرُبَ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>قَدْ حُمَّ يَوْمِي فَسُرَّ قَوْم .......... قَوْم بِهِمْ غَفْلَة وَنَوْمُ <br>وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْحُمَّى ; لِأَنَّهَا تُقَرِّب مِنْ الْمَنِيَّة . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد قَرُبَ نَصْره لِأَوْلِيَائِهِ , وَانْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ كَيَوْمِ بَدْر . وَقِيلَ : حُرُوف هِجَاء ; قَالَ الْجَرْمِيّ : وَلِهَذَا تُقْرَأ سَاكِنَة الْحُرُوف فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف أُعْرِبَتْ ; فَتَقُول : قَرَأْت | حم | فَتُنْصَب ; قَالَ الشَّاعِر : <br>يُذَكِّرنِي حَامِيم وَالرُّمْح شَاجِر .......... فَهَلَّا تَلَا حَامِيم قَبْل التَّقَدُّم <br>وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر الثَّقَفِيّ : | حم | بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى مَعْنَى اِقْرَأْ حم أَوْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَأَبُو السَّمَّال بِكَسْرِهَا . وَالْإِمَالَة وَالْكَسْر لِلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , أَوْ عَلَى وَجْه الْقَسَم . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بِقَطْعِ الْحَاء مِنْ الْمِيم . الْبَاقُونَ بِالْوَصْلِ . وَكَذَلِكَ فِي | حم . عسق | . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَابْن ذَكْوَان بِالْإِمَالَةِ فِي الْحَاء . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو بَيْن اللَّفْظَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة . الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشَبِّعًا .

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

قَالَ عَبْد الْمُؤْمِن : سَأَلْت الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : لِمَ قَطَعَ |حم | مِنْ | عسق | وَلَمْ تُقْطَع | كهيعص | و |المر | و | المص | ؟ فَقَالَ : لِأَنَّ | حم . عسق | بَيْن سُوَر أَوَّلهَا | حم | فَجَرَتْ مَجْرَى نَظَائِرهَا قَبْلهَا وَبَعْدهَا ; فَكَأَنَّ | حم | مُبْتَدَأ و | عسق | خَبَره . وَلِأَنَّهَا عُدَّتْ آيَتَيْنِ , وَعُدَّتْ أَخَوَاتهَا اللَّوَاتِي كُتِبَتْ جُمْلَة آيَة وَاحِدَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْحُرُوف الْمُعْجَمَة كُلّهَا فِي مَعْنًى وَاحِد , مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا أُسّ الْبَيَان وَقَاعِدَة الْكَلَام ; ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيّ . وَكَتَبْت | حم . عسق | مُنْفَصِلًا و | كهيعص | مُتَّصِلًا لِأَنَّهُ قِيلَ : حم ; أَيْ حم مَا هُوَ كَائِن , فَفَصَلُوا بَيْن مَا يُقَدَّر فِيهِ فِعْل وَبَيْن مَا لَا يُقَدَّر . ثُمَّ لَوْ فُصِلَ هَذَا وَوُصِلَ ذَا لَجَازَ ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس | حم . سق | قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَعْرِف الْفِتَن بِهَا . وَقَالَ أَرْطَاة بْن الْمُنْذِر , قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس وَعِنْده حُذَيْفَة بْن الْيَمَان : أَخْبَرَنِي عَنْ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى : | حم . عسق | ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَعَادَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَأَعْرَضَ عَنْهُ . فَقَالَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَانِ : أَنَا أُنَبِّئك بِهَا , قَدْ عَرَفْت لِمَ تَرَكَهَا ; نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ أَهْل بَيْته يُقَال لَهُ عَبْد الْإِلَه أَوْ عَبْد اللَّه ; يَنْزِل عَلَى نَهَر مِنْ أَنْهَار الْمَشْرِق , يَبْنِي عَلَيْهِ مَدِينَتَيْنِ يَشُقّ النَّهَر بَيْنهمَا شَقًّا , فَإِذَا أَرَادَ اللَّه زَوَال مُلْكهمْ وَانْقِطَاع دَوْلَتهمْ , بَعَثَ عَلَى إِحْدَاهُمَا نَارًا لَيْلًا فَتُصْبِح سَوْدَاء مُظْلِمَة , فَتُحْرَق كُلّهَا كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَكَانهَا ; فَتُصْبِح صَاحِبَتهَا مُتَعَجِّبَة , كَيْف قُلِبَتْ ! فَمَا هُوَ إِلَّا بَيَاض يَوْمهَا حَتَّى يَجْتَمِع فِيهَا كُلّ جَبَّار عَنِيد , ثُمَّ يَخْسِف اللَّه بِهَا وَبِهِمْ جَمِيعًا ; فَذَلِكَ قَوْله : | حم . عسق | أَيْ عَزْمَة مِنْ عَزَمَات اللَّه , وَفِتْنَة وَقَضَاء حم : حم . |ع | : عَدْلًا مِنْهُ , | س | : سَيَكُونُ , | ق |: وَاقِع فِي هَاتَيْنِ الْمَدِينَتَيْنِ .</p><p>وَنَظِير هَذَا التَّفْسِير مَا رَوَى جَرِير بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( تُبْنَى مَدِينَة بَيْن دِجْلَة وَدُجَيْل وَقُطْرَبُلّ وَالصَّرَاة , يَجْتَمِع فِيهَا جَبَابِرَة الْأَرْض تُجْبَى إِلَيْهَا الْخَزَائِن يُخْسَف بِهَا - وَفِي رِوَايَة بِأَهْلِهَا - فَلَهِيَ أَسْرَع ذَهَابًا فِي الْأَرْض مِنْ الْوَتَد الْجَيِّد فِي الْأَرْض الرَّخْوَة ) . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : | حم . سق | بِغَيْرِ عَيْن . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود ; حَكَاهُ الطَّبَرِيّ . وَرَوَى نَافِع عَنْ اِبْن عَبَّاس : | الْحَاء | حِلْمه , و | الْمِيم | مَجْده , و | الْعَيْن | عِلْمه , و | السِّين | سَنَاهُ , و | الْقَاف | قُدْرَته ; أَقْسَمَ اللَّه بِهَا . وَعَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : أَقْسَمَ اللَّه بِحِلْمِهِ وَمَجْده وَعُلُوّهُ وَسَنَاهُ وَقُدْرَته أَلَّا يُعَذِّب مَنْ عَاذَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُخْلِصًا مِنْ قَلْبه . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد وَسَعِيد بْن جُبَيْر : | الْحَاء | مِنْ الرَّحْمَن , و | الْمِيم | مِنْ الْمَجِيد , و | الْعَيْن | مِنْ الْعَلِيم , و | السِّين | مِنْ الْقُدُّوس , و | الْقَاف | مِنْ الْقَاهِر . وَقَالَ مُجَاهِد : فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة : إِنَّهُ اِسْم الْجَبَل الْمُحِيط بِالدُّنْيَا . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ , وَاللَّفْظ لِلثَّعْلَبِيّ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عُرِفَتْ الْكَآبَة فِي وَجْه ; فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه , مَا أَحْزَنَك ؟ قَالَ : ( أُخْبِرْت بِبَلَايَا تَنْزِل بِأُمَّتِي مِنْ خَسْف وَقَذْف وَنَار تَحْشُرهُمْ وَرِيح تَقْذِفهُمْ فِي الْبَحْر وَآيَات مُتَتَابِعَات مُتَّصِلَات بِنُزُولِ عِيسَى وَخُرُوج الدَّجَّال ) . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : هَذَا فِي شَأْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ف | الْحَاء | حَوْضه الْمَوْرُود , و | الْمِيم | مُلْكه الْمَمْدُود , و | الْعَيْن | عِزّه الْمَوْجُود , و | السِّين | سَنَاهُ الْمَشْهُود , و | الْقَاف</td></tr></table></body></html>

لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ

الْمَهْدَوِيّ : وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَر أَنَّ ( | حم . عسق | مَعْنَاهُ أَوْحَيْت إِلَى الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمِينَ ) . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَمُجَاهِد | يُوحَى | ( بِفَتْحِ الْحَاء ) عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر . فَيَكُون الْجَارّ وَالْمَجْرُور فِي مَوْضِع رَفْع لِقِيَامِهِ مَقَام الْفَاعِل , وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله مُضْمَرًا ; أَيْ يُوحَى إِلَيْك الْقُرْآن الَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذِهِ السُّورَة , وَيَكُون اِسْم اللَّه مَرْفُوعًا بِإِضْمَارِ فِعْل , التَّقْدِير : يُوحِيه اللَّه إِلَيْك ; كَقِرَاءَةِ اِبْن عَامِر وَأَبِي بَكْر | يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال | [ النُّور : 36 - 37 ] أَيْ يُسَبِّحهُ رِجَال . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : <br>لِيُبْكَ يَزِيد ضَارِعًا بِخُصُومَةٍ .......... وَأَشْعَث مِمَّنْ طَوَّحَتْهُ الطَّوَائِح <br>فَقَالَ : لِيُبْكَ يَزِيد , ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَبْكِيه , فَالْمَعْنَى يُبْكِيه ضَارِع . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ وَالْخَبَر مَحْذُوف ; كَأَنَّهُ قَالَ : اللَّه يُوحِيه . أَوْ عَلَى تَقْدِير إِضْمَار مُبْتَدَأ أَيْ الْمُوحِي اللَّه . أَوْ يَكُون مُبْتَدَأ وَالْخَبَر | الْعَزِيز الْحَكِيم | . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ | يُوحِي إِلَيْك | بِكَسْرِ الْحَاء , وَرُفِعَ الِاسْم عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِل .

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ

أَيْ بِالْمُلْكِ فَهُوَ مَالِك الْجَمِيع وَرَبّه

لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ

قِرَاءَة الْعَامَّة بِالتَّاءِ . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن وَثَّاب وَالْكِسَائِيّ بِالْيَاءِ . | يَنْفَطِرْنَ | قَرَأَ نَافِع وَغَيْره بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَالتَّشْدِيد فِي الطَّاء , وَهِيَ قِرَاءَة الْعَامَّة . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل وَأَبُو عُبَيْد | يَنْفَطِرْنَ | مِنْ الِانْفِطَار ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | إِذَا السَّمَاء اِنْفَطَرَتْ | [ الِانْفِطَار : 1 ] وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة | مَرْيَم | بَيَان هَذَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : | تَكَاد السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ | أَيْ تَكَاد كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا تَنْفَطِر فَوْق الَّتِي تَلِيهَا ; مِنْ قَوْل الْمُشْرِكِينَ : | اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا | [ الْبَقَرَة : 116 ] . وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ : | يَتَفَطَّرْنَ | أَيْ يَتَشَقَّقْنَ مِنْ عَظَمَة اللَّه وَجَلَاله فَوْقهنَّ . وَقِيلَ : | فَوْقهنَّ | : فَوْق الْأَرَضِينَ مِنْ خَشْيَة اللَّه لَوْ كُنَّ مِمَّا يَعْقِل .|وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ|أَيْ يُنَزِّهُونَهُ عَمَّا لَا يَجُوز فِي وَصْفه , وَمَا لَا يَلِيق بِجَلَالِهِ . وَقِيلَ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ جُرْأَة الْمُشْرِكِينَ ; فَيُذْكَر التَّسْبِيح فِي مَوْضِع التَّعَجُّب . وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَنَّ تَسْبِيحهمْ تَعَجُّب مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ تَعَرُّضهمْ لِسَخَطِ اللَّه . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَسْبِيحهمْ خُضُوع لِمَا يَرَوْنَ مِنْ عَظَمَة اللَّه . وَمَعْنَى | بِحَمْدِ رَبّه | : بِأَمْرِ رَبّهمْ ; قَالَهُ السُّدِّيّ .|وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ|قَالَ الضَّحَّاك : لِمَنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; وَقَالَهُ السُّدِّيّ . بَيَانه فِي سُورَة غَافِر : | وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا | [ غَافِر : 7 ] . وَعَلَى هَذَا تَكُون الْمَلَائِكَة هُنَا حَمَلَة الْعَرْش . وَقِيلَ : جَمِيع مَلَائِكَة السَّمَاء ; وَهُوَ الظَّاهِر مِنْ قَوْل الْكَلْبِيّ . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : هُوَ مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ : | وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا | . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَالصَّحِيح أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ ; لِأَنَّهُ خَبَر , وَهُوَ خَاصّ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الْكَلْبِيّ : إِنَّ الْمَلَائِكَة لَمَّا رَأَتْ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ اُخْتِيرَا وَبُعِثَا إِلَى الْأَرْض لِيَحْكُمَا بَيْنهمْ , فَافْتُتِنَا بِالزُّهَرَةِ وَهَرَبَا إِلَى إِدْرِيس - وَهُوَ جَدّ أَبِي نُوح عَلَيْهِمَا السَّلَام - وَسَأَلَاهُ أَنْ يَدْعُو لَهُمَا , سَبَّحَتْ الْمَلَائِكَة بِحَمْدِ رَبّهمْ وَاسْتَغْفَرَتْ لِبَنِي آدَم . قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن الْحَصَّار : وَقَدْ ظَنَّ بَعْض مَنْ جَهِلَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ هَارُوت وَمَارُوت , وَأَنَّهَا مَنْسُوخَة بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْمُؤْمِن , وَمَا عَلِمُوا أَنَّ حَمَلَة الْعَرْش مَخْصُوصُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّة , وَلِلَّهِ مَلَائِكَة أُخَر يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْض . الْمَاوَرْدِيّ : وَفِي اِسْتِغْفَارهمْ لَهُمْ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : مِنْ الذُّنُوب وَالْخَطَايَا ; وَهُوَ ظَاهِر قَوْل مُقَاتِل . الثَّانِي : أَنَّهُ طَلَبَ الرِّزْق لَهُمْ وَالسَّعَة عَلَيْهِمْ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ .</p><p>قُلْت : وَهُوَ أَظْهَر , لِأَنَّ الْأَرْض تَعُمّ الْكَافِر وَغَيْره , وَعَلَى قَوْل مُقَاتِل لَا يَدْخُل فِيهِ الْكَافِر . وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب خَبَر رَوَاهُ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ أَبِي عُثْمَان عَنْ سَلْمَان قَالَ : إِنَّ الْعَبْد إِذَا كَانَ يَذْكُر اللَّه فِي السَّرَّاء فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاء قَالَتْ الْمَلَائِكَة : صَوْت مَعْرُوف مِنْ آدَمِيّ ضَعِيف , كَانَ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى فِي السَّرَّاء فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاء ; فَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ . فَإِذَا كَانَ لَا يَذْكُر اللَّه فِي السَّرَّاء فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاء قَالَتْ الْمَلَائِكَة : صَوْت مُنْكَر مِنْ آدَمِيّ كَانَ لَا يَذْكُر اللَّه فِي السَّرَّاء فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاء فَلَا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّه لَهُ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْآيَة فِي الذَّاكِر لِلَّهِ تَعَالَى فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء , فَهِيَ خَاصَّة بِبَعْضِ مَنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَاَللَّه أَعْلَم . يَحْتَمِل أَنْ يَقْصِدُوا بِالِاسْتِغْفَارِ طَلَب الْحِلْم وَالْغُفْرَان فِي قَوْله تَعَالَى : | إِنَّ اللَّه يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا | [ فَاطِر : 41 ] - إِلَى أَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا | , وَقَوْله تَعَالَى : | وَإِنَّ رَبّك لَذُو مَغْفِرَة لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمهمْ | [ الرَّعْد : 6 ] . وَالْمُرَاد الْحِلْم عَنْهُمْ وَأَلَّا يُعَالِجهُمْ بِالِانْتِقَامِ ; فَيَكُون عَامًّا ; قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَقَالَ مُطَرِّف : وَجَدْنَا أَنْصَح عِبَاد اللَّه لِعِبَادِ اللَّه الْمَلَائِكَة , وَوَجَدْنَا أَغْشَى عِبَاد اللَّه لِعِبَادِ اللَّه الشَّيَاطِين . وَقَدْ تَقَدَّمَ .|أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ|قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : هَيَّبَ وَعَظَّمَ جَلَّ وَعَزَّ فِي الِابْتِدَاء , وَأَلْطَفَ وَبَشَّرَ فِي الِانْتِهَاء .

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ

يَعْنِي أَصْنَامًا يَعْبُدُونَهَا .|اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ|أَيْ يَحْفَظ أَعْمَالهمْ لِيُجَازِيَهُمْ بِهَا .|وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ|وَهَذِهِ مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف . وَفِي الْخَبَر : ( أَطَّتْ السَّمَاء وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطّ ) أَيْ صَوَّتَتْ مِنْ ثِقَل سُكَّانهَا لِكَثْرَتِهِمْ , فَهُمْ مَعَ كَثْرَتهمْ لَا يَفْتَرُونَ عَنْ عِبَادَة اللَّه ; وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّار يُشْرِكُونَ بِهِ .

وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ

أَيْ وَكَمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْك وَإِلَى مَنْ قَبْلك هَذِهِ الْمَعَانِي فَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك قُرْآنًا عَرَبِيًّا بَيَّنَّاهُ بِلُغَةِ الْعَرَب . قِيلَ : أَيْ أَنْزَلْنَا عَلَيْك قُرْآنًا عَرَبِيًّا بِلِسَانِ قَوْمك ; كَمَا أَرْسَلْنَا كُلّ رَسُول بِلِسَانِ قَوْمه . وَالْمَعْنَى وَاحِد .|لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى|يَعْنِي مَكَّة . قِيلَ لِمَكَّة أُمّ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَرْض دُحِيَتْ مِنْ تَحْتهَا .|وَمَنْ حَوْلَهَا|مِنْ سَائِر الْخَلْق .|وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ|أَيْ بِيَوْمِ الْجَمْع , وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة .|لَا رَيْبَ فِيهِ|لَا شَكَّ فِيهِ .|فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ|اِبْتِدَاء وَخَبَر . وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ النَّصْب عَلَى تَقْدِير : لِتُنْذِر فَرِيقًا فِي الْجَنَّة وَفَرِيقًا فِي السَّعِير .

لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ

قَالَ الضَّحَّاك : أَهْل دِين وَاحِد ; أَوْ أَهْل ضَلَالَة أَوْ أَهْل هُدًى .|وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ|قَالَ أَنَس بْن مَالِك : فِي الْإِسْلَام .|وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ|| وَالظَّالِمُونَ | رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاء , وَالْخَبَر | مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير | عُطِفَ عَلَى اللَّفْظ . وَيَجُوز | وَلَا نَصِير | بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِع و | مِنْ | زَائِدَة

أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ

| أَمْ اِتَّخَذُوا | أَيْ بَلْ اِتَّخَذُوا . | مِنْ دُونه أَوْلِيَاء | يَعْنِي أَصْنَامًا . | فَاَللَّه هُوَ الْوَلِيّ | أَيْ وَلِيّك يَا مُحَمَّد وَوَلِيّ مَنْ اِتَّبَعَك , لَا وَلِيّ سِوَاهُ . | وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى | يُرِيد عِنْد الْبَعْث . | وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير | وَغَيْره مِنْ الْأَوْلِيَاء لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء .

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ

حِكَايَة قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِينَ ; أَيْ وَمَا خَالَفَكُمْ فِيهِ الْكُفَّار مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَمْر الدِّين , فَقُولُوا لَهُمْ حُكْمه إِلَى اللَّه لَا إِلَيْكُمْ , وَقَدْ حَكَمَ أَنَّ الدِّين هُوَ الْإِسْلَام لَا غَيْره . وَأُمُور الشَّرَائِع إِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ بَيَان اللَّه .|ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي|أَيْ الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات هُوَ رَبِّي وَحْده ; وَفِيهِ إِضْمَار : أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد ذَلِكُمْ اللَّه الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَيَحْكُم بَيْن الْمُخْتَلِفِينَ هُوَ رَبِّي .|عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ|اِعْتَمَدْت .|وَإِلَيْهِ أُنِيبُ|أَرْجِع .

قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ

بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْت لِاسْمِ اللَّه , أَوْ عَلَى تَقْدِير هُوَ فَاطِر . وَيَجُوز النَّصْب عَلَى النِّدَاء , وَالْجَرّ عَلَى الْبَدَل مِنْ الْهَاء فِي | عَلَيْهِ | . وَالْفَاطِر : الْمُبْدِع وَالْخَالِق . وَقَدْ تَقَدَّمَ .|جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا|قِيلَ مَعْنَاهُ إِنَاثًا . وَإِنَّمَا قَالَ : | مِنْ أَنْفُسكُمْ | لِأَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاء مِنْ ضِلْع آدَم . وَقَالَ مُجَاهِد : نَسْلًا بَعْد نَسْل .|وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا|يَعْنِي الثَّمَانِيَة الَّتِي ذَكَرَهَا فِي | الْأَنْعَام | ذُكُور الْإِبِل وَالْبَقَر وَالضَّأْن وَالْمَعْز وَإِنَاثهَا .|يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ|أَيْ يَخْلُقكُمْ وَيُنْشِئكُمْ | فِيهِ | أَيْ فِي الرَّحِم . وَقِيلَ : فِي الْبَطْن . وَقَالَ الْفَرَّاء وَابْن كَيْسَان : | فِيهِ | بِمَعْنَى بِهِ . وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى | يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يُكَثِّركُمْ بِهِ ; أَيْ يُكَثِّركُمْ يَجْعَلكُمْ أَزْوَاجًا , أَيْ حَلَائِل ; لِأَنَّهُنَّ سَبَب النَّسْل . وَقِيلَ : إِنَّ الْهَاء فِي | فِيهِ | لِلْجَعْلِ ; وَدَلَّ عَلَيْهِ | جَعَلَ | ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : يَخْلُقكُمْ وَيُكَثِّركُمْ فِي الْجَعْل . اِبْن قُتَيْبَة : | يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ | أَيْ فِي الزَّوْج ; أَيْ يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون الْإِنَاث . وَقَالَ : وَيَكُون | فِيهِ | فِي الرَّحِم , وَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ الرَّحِم مُؤَنَّثَة وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهَا ذِكْر .|لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ|قِيلَ : إِنَّ الْكَافّ زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ ; أَيْ لَيْسَ مِثْله شَيْء . قَالَ : <br>وَصَالِيَات كَكُمَا يُؤْثَفَيْن <br>فَأَدْخَلَ عَلَى الْكَاف كَافًا تَأْكِيدًا لِلتَّشْبِيهِ . وَقِيلَ : الْمِثْل زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ ; وَهُوَ قَوْل ثَعْلَب : لَيْسَ كَهُوَ شَيْء ; نَحْو قَوْله تَعَالَى : | فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اِهْتَدَوْا | . [ الْبَقَرَة : 137 ] . وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود | فَإِنْ آمَنُوا بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اِهْتَدَوْا | قَالَ أَوْس بْن حُجْر : <br>وَقَتْلَى كَمِثْلِ جُذُوع النَّ .......... خِيل يَغْشَاهُمْ مَطَر مُنْهَمِر <br>أَيْ كَجُذُوعٍ . وَاَلَّذِي يَعْتَقِد فِي هَذَا الْبَاب أَنَّ اللَّه جَلَّ اِسْمه فِي عَظَمَته وَكِبْرِيَائِهِ وَمَلَكُوته وَحُسْنَى أَسْمَائِهِ وَعَلِيّ صِفَاته , لَا يُشْبِه شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاته وَلَا يُشْبِه بِهِ , وَإِنَّمَا جَاءَ مِمَّا أَطْلَقَهُ الشَّرْع عَلَى الْخَالِق وَالْمَخْلُوق , فَلَا تَشَابُه بَيْنهمَا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ ; إِذْ صِفَات الْقَدِيم جَلَّ وَعَزَّ بِخِلَافِ صِفَات الْمَخْلُوق ; إِذْ صِفَاتهمْ لَا تَنْفَكّ عَنْ الْأَغْرَاض وَالْأَعْرَاض , وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ ; بَلْ لَمْ يَزَلْ بِأَسْمَائِهِ وَبِصِفَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي ( الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ) , وَكَفَى فِي هَذَا قَوْله الْحَقّ : | لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء | . وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء الْمُحَقِّقِينَ : التَّوْحِيد إِثْبَات ذَات غَيْر مُشَبَّهَة لِلذَّوَاتِ وَلَا مُعَطَّلَة مِنْ الصِّفَات . وَزَادَ الْوَاسِطِيّ رَحِمَهُ اللَّه بَيَانًا فَقَالَ : لَيْسَ كَذَاتِهِ ذَات , وَلَا كَاسْمِهِ اِسْم , وَلَا كَفِعْلِهِ فِعْل , وَلَا كَصِفَتِهِ صِفَة إِلَّا مِنْ جِهَة مُوَافَقَة اللَّفْظ ; وَجَلَّتْ الذَّات الْقَدِيمَة أَنْ يَكُون لَهَا صِفَة حَدِيثَة ; كَمَا اِسْتَحَالَ أَنْ يَكُون لِلذَّاتِ الْمُحْدَثَة صِفَة قَدِيمَة . وَهَذَا كُلّه مَذْهَب أَهْل الْحَقّ وَالسُّنَّة وَالْجَمَاعَة . رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ !

سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ

تَقَدَّمَ فِي | الزُّمَر | بَيَانه . النَّحَّاس : وَاَلَّذِي يَمْلِك الْمَفَاتِيح يَمْلِك الْخَزَائِن ; يُقَال لِلْمَفَاتِيحِ : إِقْلِيد , وَجَمْعه عَلَى غَيْر قِيَاس ; كَمَحَاسِن وَالْوَاحِد حَسَن .|يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ|بَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى الَّذِي يَبْسُط الرِّزْق وَيَقْدِر فِي الدُّنْيَا , لِأَنَّهَا دَار اِمْتِحَان ; | وَيَقْدِر | أَيْ يُضَيِّق ; وَمِنْهُ | وَمِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقه | [ الطَّلَاق : 7 ] أَيْ ضُيِّقَ . وَقِيلَ : | يَقْدِر | يُعْطَى بِقَدْرِ الْكِفَايَة .

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ

ع فِيهِ مَسْأَلَتَانِ ع الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : | شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّين | أَيْ الَّذِي لَهُ مَقَالِيد السَّمَاوَات وَالْأَرْض شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّين مَا شَرَعَ لِقَوْمِ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ; ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : | أَنْ أَقِيمُوا الدِّين | وَهُوَ تَوْحِيد اللَّه وَطَاعَته , وَالْإِيمَان بِرُسُلِهِ وَكُتُبه وَبِيَوْمِ الْجَزَاء , وَبِسَائِرِ مَا يَكُون الرَّجُل بِإِقَامَتِهِ مُسْلِمًا . وَلَمْ يُرِدْ الشَّرَائِع الَّتِي هِيَ مَصَالِح الْأُمَم عَلَى حُسْن أَحْوَالهَا , فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَة مُتَفَاوِتَة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا | [ الْمَائِدَة : 48 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ . وَمَعْنَى | شَرَعَ | أَيْ نَهَجَ وَأَوْضَحَ وَبَيَّنَ الْمَسَالِك . وَقَدْ شَرَعَ لَهُمْ يَشْرَع شَرْعًا أَيْ سَنَّ . وَالشَّارِع : الطَّرِيق الْأَعْظَم . وَقَدْ شُرِعَ الْمَنْزِل إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيق نَافِذ . وَشَرَعْت الْإِبِل إِذَا أَمْكَنْتهَا مِنْ الشَّرِيعَة . وَشَرَعْت الْأَدِيم إِذَا سَلَخْته . وَقَالَ يَعْقُوب : إِذَا شَقَقْت مَا بَيْن الرَّجُلَيْنِ , قَالَ : وَسَمِعْته مِنْ أُمّ الْحَمَارِس الْبَكْرِيَّة . وَشَرَعْت فِي هَذَا الْأَمْر شُرُوعًا أَيْ خُضْت . | أَنْ أَقِيمُوا الدِّين | | أَنْ | فِي مَحَلّ رَفْع , عَلَى تَقْدِير وَاَلَّذِي وَصَّى بِهِ نُوحًا أَنْ أَقِيمُوا الدِّين , وَيُوقَف عَلَى هَذَا الْوَجْه عَلَى | عِيسَى | . وَقِيلَ : هُوَ نَصْب , أَيْ شَرَعَ لَكُمْ إِقَامَة الدِّين . وَقِيلَ : هُوَ جَرّ بَدَلًا مِنْ الْهَاء فِي | بِهِ | ; كَأَنَّهُ قَالَ : بِهِ أَقِيمُوا الدِّين . وَلَا يُوقَف عَلَى | عِيسَى | عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ . وَيَجُوز أَنْ تَكُون | أَنْ | مُفَسِّرَة ; مِثْل : أَنْ اِمْشُوا , فَلَا يَكُون لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب . الثَّانِيَة : قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : ثَبَتَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة الْكَبِير الْمَشْهُور : ( وَلَكِنْ اِئْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض . .. ) وَهَذَا صَحِيح لَا إِشْكَال فِيهِ , كَمَا أَنَّ آدَم أَوَّل نَبِيّ بِغَيْرِ إِشْكَال ; لِأَنَّ آدَم لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا نُبُوَّة , وَلَمْ تُفْرَض لَهُ الْفَرَائِض وَلَا شُرِعَتْ لَهُ الْمَحَارِم , وَإِنَّمَا كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى بَعْض الْأُمُور وَاقْتِصَارًا عَلَى ضَرُورَات الْمَعَاش , وَأَخْذًا بِوَظَائِف الْحَيَاة وَالْبَقَاء ; وَاسْتَقَرَّ الْمَدَى إِلَى نُوح فَبَعَثَهُ اللَّه بِتَحْرِيمِ الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات , وَوَظَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبَات وَأَوْضَحَ لَهُ الْآدَاب فِي الدِّيَانَات , وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَأَكَّد بِالرُّسُلِ و يَتَنَاصَر بِالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ - وَاحِدًا بَعْد وَاحِد وَشَرِيعَة إِثْر شَرِيعَة , حَتَّى خَتَمَهَا اللَّه بِخَيْرِ الْمِلَل مِلَّتنَا عَلَى لِسَان أَكْرَم الرُّسُل نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَكَانَ الْمَعْنَى أَوْصَيْنَاك يَا مُحَمَّد وَنُوحًا دِينًا وَاحِدًا ; يَعْنِي فِي الْأُصُول الَّتِي لَا تَخْتَلِف فِيهَا الشَّرِيعَة , وَهِيَ التَّوْحِيد وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحَجّ , وَالتَّقَرُّب إِلَى اللَّه بِصَالِحِ الْأَعْمَال , وَالزُّلَف إِلَيْهِ بِمَا يَرُدّ الْقَلْب وَالْجَارِحَة إِلَيْهِ , وَالصِّدْق وَالْوَفَاء بِالْعَهْدِ , وَأَدَاء الْأَمَانَة وَصِلَة الرَّحِم , وَتَحْرِيم الْكُفْر وَالْقَتْل وَالزِّنَى وَالْأَذِيَّة لِلْخَلْقِ كَيْفَمَا تَصَرَّفْت , وَالِاعْتِدَاء عَلَى الْحَيَوَان كَيْفَمَا دَارَ , وَاقْتِحَام الدَّنَاءَات وَمَا يَعُود بِخَرْمِ الْمُرُوآت ; فَهَذَا كُلّه مَشْرُوع دِينًا وَاحِدًا وَمِلَّة مُتَّحِدَة , لَمْ تَخْتَلِف عَلَى أَلْسِنَة الْأَنْبِيَاء وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَعْدَادهمْ ; وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | أَنْ أَقِيمُوا الدِّين وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ | أَيْ اِجْعَلُوهُ قَائِمًا ; يُرِيد دَائِمًا مُسْتَمِرًّا مَحْفُوظًا مُسْتَقَرًّا مِنْ غَيْر خِلَاف فِيهِ وَلَا اِضْطِرَاب ; فَمِنْ الْخَلْق مَنْ وَفَّى بِذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَكَثَ ; | فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسه | [ الْفَتْح : 10 ] . وَاخْتَلَفَتْ الشَّرَائِع وَرَاء هَذَا فِي مَعَانٍ حَسْبَمَا أَرَادَهُ اللَّه مِمَّا اِقْتَضَتْ الْمَصْلَحَة وَأَوْجَبَتْ الْحِكْمَة وَضْعَهُ فِي الْأَزْمِنَة عَلَى الْأُمَم . وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ مُجَاهِد : لَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَصَّاهُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَالْإِقْرَار لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , فَذَلِكَ دِينه الَّذِي شَرَعَ لَهُمْ ; وَقَالَهُ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ . وَقَالَ قَتَادَة : يَعْنِي تَحْلِيل الْحَلَال وَتَحْرِيم الْحَرَام . وَقَالَ الْحَكَم : تَحْرِيم الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات وَالْبَنَات . وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَجْمَع هَذِهِ الْأَقْوَال وَيَزِيد عَلَيْهَا . وَخَصَّ نُوحًا وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ أَرْبَاب الشَّرَائِع .|كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ|| كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ | أَيْ عَظُمَ عَلَيْهِمْ .|مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ|| مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ | مِنْ التَّوْحِيد وَرَفْض الْأَوْثَان . قَالَ قَتَادَة : كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَضَاقَ بِهَا إِبْلِيس وَجُنُوده , فَأَبَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يَنْصُرهَا وَيُعْلِيهَا وَيُظْهِرهَا عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا .|اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ|| اللَّه يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاء | أَيْ يَخْتَار . وَالِاجْتِبَاء الِاخْتِيَار ; أَيْ يَخْتَار لِلتَّوْحِيدِ مَنْ يَشَاء .|وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ|وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب | أَيْ يَسْتَخْلِص لِدِينِهِ مَنْ رَجَعَ إِلَيْهِ .

وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ

| وَمَا تَفَرَّقُوا | قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي قُرَيْشًا . | إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم | مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُبْعَث إِلَيْهِمْ نَبِيّ ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة فَاطِر : | وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِير | [ فَاطِر : 42 ] يُرِيد نَبِيًّا . وَقَالَ فِي سُورَة الْبَقَرَة : | فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ | [ الْبَقَرَة : 89 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه هُنَاكَ . وَقِيلَ : أُمَم الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمِينَ ; فَإِنَّهُمْ فِيمَا بَيْنهمْ اِخْتَلَفُوا لَمَّا طَالَ بِهِمْ الْمَدَى , فَآمَنَ قَوْم وَكَفَرَ قَوْم . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب ; دَلِيله فِي سُورَة الْمُنْفَكِّينَ : | وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَة | [ الْبَيِّنَة : 4 ] . فَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا : لِمَ خُصَّ بِالنُّبُوَّةِ ! وَالْيَهُود حَسَدُوهُ لَمَّا بُعِثَ ; وَكَذَا النَّصَارَى . | بَغْيهمْ بَيْنهمْ | أَيْ بَغْيًا مِنْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ , فَلَيْسَ تَفَرُّقهمْ لِقُصُورٍ فِي الْبَيَان وَالْحُجَج , وَلَكِنْ لِلْبَغْيِ وَالظُّلْم وَالِاشْتِغَال بِالدُّنْيَا . | وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك | فِي تَأْخِير الْعِقَاب عَنْ هَؤُلَاءِ . | إِلَى أَجَل مُسَمًّى | قِيلَ : الْقِيَامَة ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | بَلْ السَّاعَة مَوْعِدهمْ | [ الْقَمَر : 46 ] . وَقِيلَ : إِلَى الْأَجَل الَّذِي قُضِيَ فِيهِ بِعَذَابِهِمْ . | لَقُضِيَ بَيْنهمْ | أَيْ بَيَّنَ مَنْ آمَنَ وَبَيَّنَ مَنْ كَفَرَ بِنُزُولِ الْعَذَاب . | وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَاب | يُرِيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى . | مِنْ بَعْدهمْ | أَيْ مِنْ بَعْد الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقّ . | لَفِي شَكّ مِنْهُ مُرِيب | مَنْ الَّذِي أَوْصَى بِهِ الْأَنْبِيَاء . وَالْكِتَاب هُنَا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . وَقِيلَ : | إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَاب | قُرَيْش . | مِنْ بَعْدهمْ | مِنْ بَعْد الْيَهُود النَّصَارَى . | لَفِي شَكّ | مِنْ الْقُرْآن أَوْ مِنْ مُحَمَّد . وَقَالَ مُجَاهِد : مَعْنَى | مِنْ بَعْدهمْ | مِنْ قَبْلهمْ ; يَعْنِي مِنْ قَبْل مُشْرِكِي مَكَّة , وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى .

وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

لَمَّا أَجَازَ أَنْ يَكُون الشَّكّ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى , أَوْ لِقُرَيْشٍ قِيلَ لَهُ : | فَلِذَلِكَ فَادْعُ | أَيْ فَتَبَيَّنْت شَكَّهُمْ فَادْعُ إِلَى اللَّه ; أَيْ إِلَى ذَلِكَ الدِّين الَّذِي شَرَعَهُ اللَّه لِلْأَنْبِيَاءِ وَوَصَّاهُمْ بِهِ . فَاللَّام بِمَعْنَى إِلَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا | [ الزَّلْزَلَة : 5 ] أَيْ إِلَيْهَا . و | ذَلِكَ | بِمَعْنَى هَذَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل | الْبَقَرَة | . وَالْمَعْنَى فَلِهَذَا الْقُرْآن فَادْعُ . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; وَالْمَعْنَى كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَلِذَلِكَ فَادْعُ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّام عَلَى بَابهَا ; وَالْمَعْنَى : فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْره فَادْعُ وَاسْتَقِمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ إِلَى الْقُرْآن فَادْعُ الْخَلْق . | وَاسْتَقِمْ | خِطَاب لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام . قَالَ قَتَادَة : أَيْ اِسْتَقِمْ عَلَى أَمْر اللَّه . وَقَالَ سُفْيَان : أَيْ اِسْتَقِمْ عَلَى الْقُرْآن . وَقَالَ الضَّحَّاك : اِسْتَقِمْ عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة .|وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ|أَيْ لَا تَنْظُر إِلَى خِلَاف مَنْ خَالَفَك .|وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ|أَيْ أَنْ أَعْدِل ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَأُمِرْت أَنْ أُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ | [ غَافِر : 66 ] . وَقِيلَ : هِيَ لَام كَيْ , أَيْ لِكَيْ أَعْدِل . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة : لِأُسَوِّيَ بَيْنكُمْ فِي الدِّين فَأُؤْمِن بِكُلِّ كِتَاب وَبِكُلِّ رَسُول . وَقَالَ غَيْرهمَا : لِأَعْدِل فِي جَمِيع الْأَحْوَال . وَقِيلَ : هَذَا الْعَدْل هُوَ الْعَدْل فِي الْأَحْكَام . وَقِيلَ فِي التَّبْلِيغ .|اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ|قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : الْخِطَاب لِلْيَهُودِ ; أَيْ لَنَا دِيننَا وَلَكُمْ دِينكُمْ . قَالَ : نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ : | قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر | [ التَّوْبَة : 29 ] الْآيَة . قَالَ مُجَاهِد : وَمَعْنَى | لَا حُجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُمْ | لَا خُصُومَة بَيْننَا وَبَيْنكُمْ . وَقِيلَ : لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ , لِأَنَّ الْبَرَاهِين قَدْ ظَهَرَتْ , وَالْحُجَج قَدْ قَامَتْ , فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعِنَاد , وَبَعْد الْعِنَاد لَا حُجَّة وَلَا جِدَال . قَالَ النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى | لَا حُجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُمْ | عَلَى ذَلِكَ الْقَوْل : لَمْ يُؤْمَر أَنْ يَحْتَجّ عَلَيْكُمْ و يُقَاتِلكُمْ ; ثُمَّ نُسِخَ هَذَا . كَمَا أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ مِنْ قَبْل أَنْ تُحَوَّل الْقِبْلَة : لَا تُصَلِّ إِلَى الْكَعْبَة , ثُمَّ . حُوِّلَ النَّاس بَعْد ; لَجَازَ أَنْ يُقَال نُسِخَ ذَلِكَ .|اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا|يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة .|وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ|أَيْ فَهُوَ يَحْكُم بَيْننَا إِذَا صِرْنَا إِلَيْهِ , وَيُجَازِي كُلًّا بِمَا كَانَ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَشَيْبَة بْن رَبِيعَة , وَقَدْ سَأَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِع عَنْ دَعْوَته وَدِينه إِلَى دِين قُرَيْش , عَلَى أَنْ يُعْطِيه الْوَلِيد نِصْف مَاله وَيُزَوِّجهُ شَيْبَة بِابْنَتِهِ .

وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

| وَاَلَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّه | رَجَعَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ . | مِنْ بَعْد مَا اُسْتُجِيبَ لَهُ | قَالَ مُجَاهِد : مِنْ بَعْد مَا أَسْلَمَ النَّاس . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ قَدْ تَوَهَّمُوا أَنَّ الْجَاهِلِيَّة تَعُود . وَقَالَ قَتَادَة : الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّه الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَمُحَاجَّتهمْ قَوْلهمْ نَبِيّنَا قَبْل نَبِيّكُمْ وَكِتَابنَا قَبْل كِتَابكُمْ ; وَكَانُوا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ الْفَضِيلَة بِأَنَّهُمْ أَهْل الْكِتَاب وَأَنَّهُمْ أَوْلَاد الْأَنْبِيَاء . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ : | أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا وَأَحْسَن نَدِيًّا | [ مَرْيَم : 73 ] فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَاَلَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّه مِنْ بَعْد مَا اُسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتهمْ دَاحِضَة عِنْد رَبّهمْ | أَيْ لَا ثَبَات لَهَا كَالشَّيْءِ الَّذِي يَزِلّ عَنْ مَوْضِعه . وَالْهَاء فِي | لَهُ | يَجُوز أَنْ يَكُون لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; أَيْ مِنْ بَعْد مَا وَحَّدُوا اللَّه وَشَهِدُوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ مِنْ بَعْد مَا اُسْتُجِيبَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَته مِنْ أَهْل بَدْر وَنَصَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ . يُقَال : دَحَضْت حُجَّته دُحُوضًا بَطَلَتْ . وَأَدْحَضَهَا اللَّه . وَالْإِدْحَاض : الْإِزْلَاق . وَمَكَان دَحْض وَدَحَض أَيْضًا ( بِالتَّحْرِيكِ ) أَيْ زَلِق . وَدَحَضَتْ رِجْله تَدْحَض دَحْضًا زَلَقَتْ . وَدَحَضَتْ الشَّمْس عَنْ كَبِد السَّمَاء زَالَتْ .|وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ|يُرِيد فِي الدُّنْيَا .|وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ|يُرِيد فِي الْآخِرَة عَذَاب دَائِم .

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ

يَعْنِي الْقُرْآن وَسَائِر الْكُتُب الْمُنَزَّلَة . | بِالْحَقِّ | أَيْ بِالصِّدْقِ . | وَالْمِيزَان | أَيْ الْعَدْل ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . وَالْعَدْل يُسَمَّى مِيزَانًا ; لِأَنَّ الْمِيزَان آلَة الْإِنْصَاف وَالْعَدْل . وَقِيلَ : الْمِيزَان مَا بَيْن فِي الْكُتُب مِمَّا يَجِب عَلَى الْإِنْسَان أَنْ يَعْمَل بِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : الْمِيزَان الْعَدْل فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى . وَقِيلَ : هُوَ الْجَزَاء عَلَى الطَّاعَة بِالثَّوَابِ وَعَلَى الْمَعْصِيَة بِالْعِقَابِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمِيزَان نَفْسه الَّذِي يُوزَن بِهِ , أَنْزَلَهُ مِنْ السَّمَاء وَعَلَّمَ الْعِبَاد الْوَزْن بِهِ ; لِئَلَّا يَكُون بَيْنهمْ تَظَالَمَ وَتَبَاخَسَ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَاب وَالْمِيزَان لِيَقُومَ النَّاس بِالْقِسْطِ | [ الْحَدِيد : 25 ] . قَالَ مُجَاهِد : هُوَ الَّذِي يُوزَن بِهِ . وَمَعْنَى أَنْزَلَ الْمِيزَان . هُوَ إِلْهَامه لِلْخَلْقِ أَنْ يَعْمَلُوهُ وَيَعْمَلُوا بِهِ . وَقِيلَ : الْمِيزَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي بَيْنكُمْ بِكِتَابِ اللَّه .|وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ|فَلَمْ يُخْبِرهُ بِهَا . يَحُضّهُ عَلَى الْعَمَل بِالْكِتَابِ وَالْعَدْل وَالسَّوِيَّة , وَالْعَمَل بِالشَّرَائِعِ قَبْل أَنْ يُفَاجِئ الْيَوْم الَّذِي يَكُون فِيهِ الْمُحَاسَبَة وَوَزْن الْأَعْمَال , فَيُوَفِّي لِمَنْ أَوْفَى وَيُطَفِّف لِمَنْ طَفَّفَ . ف | لَعَلَّ السَّاعَة قَرِيب | أَيْ مِنْك وَأَنْتَ لَا تَدْرِي . وَقَالَ : | قَرِيب | وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَة ; لِأَنَّ تَأْنِيثهَا غَيْر حَقِيقِيّ لِأَنَّهَا كَالْوَقْتِ ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَالْمَعْنَى : لَعَلَّ الْبَعْث أَوْ لَعَلَّ مَجِيء السَّاعَة قَرِيب . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : | قَرِيب | نَعْت يُنْعَت بِهِ الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث وَالْجَمْع بِمَعْنًى وَلَفْظ وَاحِد ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ | [ الْأَعْرَاف : 56 ] قَالَ الشَّاعِر : <br>وَكُنَّا قَرِيبًا وَالدِّيَار بَعِيدَة .......... فَلَمَّا وَصَّلْنَا نُصْب أَعْيُنهمْ غِبْنَا<br>

وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ

يَعْنِي عَلَى طَرِيق الِاسْتِهْزَاء , ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا غَيْر آتِيَة , أَوْ إِيهَامًا لِلضَّعَفَةِ أَنَّهَا لَا تَكُون .|وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا|أَيْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ لِاسْتِقْصَارِهِمْ أَنْفُسهمْ مَعَ الْجَهْد فِي الطَّاعَة ; كَمَا قَالَ : | وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ | [ الْمُؤْمِنُونَ : 60 ] .|وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ|أَيْ الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا .|أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ|أَيْ يَشُكُّونَ وَيُخَاصِمُونَ فِي قِيَام السَّاعَة .|لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ|أَيْ عَنْ الْحَقّ وَطَرِيق الِاعْتِبَار ; إِذْ لَوْ تَذَكَّرُوا لَعَلِمُوا أَنَّ الَّذِي أَنْشَأَهُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة إِلَى أَنْ بَلَغُوا مَا بَلَغُوا , قَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَثهُمْ .

فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : حَفِيّ بِهِمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة : بَارّ بِهِمْ . وَقَالَ السُّدِّيّ : رَفِيق بِهِمْ . وَقَالَ مُقَاتِل : لَطِيف بِالْبَرِّ وَالْفَاجِر ; حَيْثُ لَمْ يَقْتُلهُمْ جُوعًا بِمَعَاصِيهِمْ . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : لَطِيف , بِهِمْ فِي الْعَرْض وَالْمُحَاسَبَة . قَالَ : <br>غَدًا عِنْد مَوْلَى الْخَلْق لِلْخَلْقِ مَوْقِف .......... يُسَائِلهُمْ فِيهِ الْجَلِيل وَيَلْطُف <br>وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : يَلْطُف بِهِمْ فِي الرِّزْق مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ جَعَلَ رِزْقك مِنْ الطَّيِّبَات . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعهُ إِلَيْك مَرَّة وَاحِدَة فَتُبَذِّرهُ . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : لَطِيف بِهِمْ فِي الْقُرْآن وَتَفْصِيله وَتَفْسِيره . وَقَالَ الْجُنَيْد : لَطِيف بِأَوْلِيَائِهِ حَتَّى عَرَفُوهُ , وَلَوْ لَطَفَ بِأَعْدَائِهِ لَمَا جَحَدُوهُ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْكَتَّانِيّ : اللَّطِيف بِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَاده إِذَا يَئِسَ مِنْ الْخَلْق تَوَكَّلَ وَرَجَعَ إِلَيْهِ , فَحِينَئِذٍ يَقْبَلهُ وَيَقْبَل عَلَيْهِ . وَجَاءَ فِي حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَطَّلِع عَلَى الْقُبُور الدَّوَارِس فَيَقُول جَلَّ وَعَزَّ اِمَّحَتْ آثَارهمْ وَاضْمَحَلَّتْ صُوَرهمْ وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب وَأَنَا اللَّطِيف وَأَنَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ خَفَّفُوا عَنْهُمْ الْعَذَاب فَيُخَفِّف عَنْهُمْ الْعَذَاب ) . قَالَ أَبُو عَلِيّ الثَّقَفِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : <br>أَمُرّ بِأَفْنَاءِ الْقُبُور كَأَنَّنِي .......... أَخُو فِطْنَة وَالثَّوَاب فِيهِ نَحِيف <br><br>وَمَنْ شَقَّ فَاهُ اللَّه قَدَّرَ رِزْقه .......... وَرَبِّي بِمَنْ يَلْجَأ إِلَيْهِ لَطِيف <br>وَقِيلَ : اللَّطِيف الَّذِي يَنْشُر مِنْ عِبَاده الْمَنَاقِب وَيَسْتُر عَلَيْهِمْ الْمَثَالِب ; وَعَلَى هَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيل وَسَتَرَ الْقَبِيح ) . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يَقْبَل الْقَلِيل وَيَبْذُل الْجَزِيل . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يَجْبُر الْكَسِير وَيُيَسِّر الْعَسِير . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي لَا يَخَاف إِلَّا عَدْله وَلَا يُرْجَى إِلَّا فَضْله . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يَبْذُل لِعَبْدِهِ النِّعْمَة فَوْق الْهِمَّة وَيُكَلِّفهُ الطَّاعَة فَوْق الطَّاقَة ; قَالَ تَعَالَى : | وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا | [ النَّحْل : 18 ] | وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمه ظَاهِرَة وَبَاطِنَة | [ لُقْمَان : 20 ] , وَقَالَ : | وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج | [ الْحَجّ : 78 ] , | يُرِيد اللَّه أَنْ يُخَفِّف عَنْكُمْ | [ النِّسَاء : 28 ] . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يُعِين عَلَى الْخِدْمَة وَيُكْثِر الْمِدْحَة . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي لَا يُعَاجِل مَنْ عَصَاهُ وَلَا يُخَيِّب مَنْ رَجَاهُ . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي لَا يَرُدّ سَائِله وَلَا يُوئِس آمِله . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يَعْفُو عَمَّنْ يَهْفُو . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يَرْحَم مَنْ لَا يَرْحَم نَفْسه . وَقِيلَ . هُوَ الَّذِي أَوْقَدَ فِي أَسْرَار الْعَارِفِينَ مِنْ الْمُشَاهَدَة سِرَاجًا , وَجَعَلَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم لَهُمْ مِنْهَاجًا , وَأَجْزَلَ لَهُمْ مِنْ سَحَائِب بِرّه مَاء ثَجَّاجًا . وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَنْعَام | قَوْل أَبِي الْعَالِيَة وَالْجُنَيْد أَيْضًا . وَقَدْ ذَكَرْنَا جَمِيع هَذَا فِي ( الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ) عِنْد اِسْمه اللَّطِيف , وَالْحَمْد لِلَّهِ . | يَرْزُق مَنْ يَشَاء | وَيَحْرُم مَنْ يَشَاء . وَفِي تَفْضِيل قَوْم بِالْمَالِ حِكْمَة ; لِيَحْتَاجَ الْبَعْض إِلَى الْبَعْض ; كَمَا قَالَ : | لِيَتَّخِذ بَعْضهمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا | [ الزُّخْرُف : 32 ] , فَكَانَ هَذَا لُطْفًا بِالْعِبَادِ . وَأَيْضًا لِيَمْتَحِن الْغَنِيّ بِالْفَقِيرِ وَالْفَقِير بِالْغَنِيِّ ; كَمَا قَالَ : | وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ | [ الْفُرْقَان : 20 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه . | وَهُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيز |


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس