| هَلْ | بِمَعْنَى قَدْ كَقَوْلِهِ : | هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان | [ الْإِنْسَان : 1 ] قَالَهُ قُطْرُب . أَيْ قَدْ جَاءَك يَا مُحَمَّد حَدِيث الْغَاشِيَة أَيْ الْقِيَامَة الَّتِي تَغْشَى الْخَلَائِق بِأَهْوَالِهَا وَأَفْزَاعهَا قَالَهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُحَمَّد بْن كَعْب : | الْغَاشِيَة | : النَّار تَغْشَى وُجُوه الْكُفَّار وَرَوَاهُ أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى : | وَتَغْشَى وُجُوههمْ النَّار | [ إِبْرَاهِيم : 50 ] . وَقِيلَ : تَغْشَى الْخَلْق . وَقِيلَ : الْمُرَاد النَّفْخَة الثَّانِيَة لِلْبَعْثِ ; لِأَنَّهَا تَغْشَى الْخَلَائِق . وَقِيلَ : | الْغَاشِيَة | أَهْل النَّار يَغْشَوْنَهَا , وَيَقْتَحِمُونَ فِيهَا . وَقِيلَ : مَعْنَى | هَلْ أَتَاك | أَيْ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلْمك , وَلَا مِنْ عِلْم قَوْمك . قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ قَبْل ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيل الْمَذْكُور هَاهُنَا . وَقِيلَ : إِنَّهَا خَرَجَتْ مَخْرَج الِاسْتِفْهَام لِرَسُولِهِ وَمَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة فَقَدْ أَتَاك وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْكَلْبِيّ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ حَدِيثهمْ , فَأَخْبَرَهُ عَنْهُمْ , فَقَالَ : | وُجُوه يَوْمَئِذٍ | أَيْ يَوْم الْقِيَامَة . | خَاشِعَة | قَالَ سُفْيَان : أَيْ ذَلِيلَة بِالْعَذَابِ . وَكُلّ مُتَضَائِل سَاكِن خَاشِع . يُقَال : خَشَعَ فِي صَلَاته : إِذَا تَذَلَّلَ وَنَكَّسَ رَأْسه . وَخَشَعَ الصَّوْت : خَفِيَ قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَخَشَعَتْ الْأَصْوَات لِلرَّحْمَنِ | [ طه : 108 ] . وَالْمُرَاد بِالْوُجُوهِ أَصْحَاب الْوُجُوه . وَقَالَ قَتَادَة وَابْن زَيْد : | خَاشِعَة | أَيْ فِي النَّار . وَالْمُرَاد وُجُوه الْكُفَّار كُلّهمْ قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقِيلَ : أَرَادَ وُجُوه الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . ثُمَّ قَالَ
| عَامِلَة | فَهَذَا فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ الْآخِرَة لَيْسَتْ دَار عَمَل . فَالْمَعْنَى : وُجُوه عَامِلَة نَاصِبَة فِي الدُّنْيَا | خَاشِعَة | فِي الْآخِرَة . قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا دَأَبَ فِي سَيْره : قَدْ عَمِلَ يَعْمَل عَمَلًا . وَيُقَال لِلسَّحَابِ إِذَا دَامَ بَرْقُهُ : قَدْ عَمِلَ يَعْمَل عَمَلًا . وَذَا سَحَاب عَمِلٌ . قَالَ الْهُذَلِيّ : <br>حَتَّى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ .......... بَاتَتْ طِرَابًا وَبَاتَ اللَّيْل لَمْ يَنَمِ <br>| نَاصِبَة | أَيْ تَعِبَة . يُقَال : نَصَبَ ( بِالْكَسْرِ ) يَنْصَب نَصَبًا : إِذَا تَعِبَ , وَنَصْبًا أَيْضًا , وَأَنْصَبَهُ غَيْره . فَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُمْ الَّذِينَ أَنَصَبُوا أَنْفُسهمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَعْصِيَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَعَلَى الْكُفْر مِثْل عَبَدَة الْأَوْثَان , وَكُفَّار أَهْل الْكِتَاب مِثْل الرُّهْبَان وَغَيْرهمْ , لَا يَقْبَل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْهُمْ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ .</p><p>وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : | عَامِلَة نَاصِبَة | قَالَ : تَكَبَّرَتْ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَأَعْمَلَهَا اللَّه وَأَنْصَبَهَا فِي النَّار , بِجَرِّ السَّلَاسِل الثِّقَال , وَحَمْل الْأَغْلَال , وَالْوُقُوف حُفَاة عُرَاة فِي الْعَرَصَات , فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة .</p><p>قَالَ الْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر : لَمْ تَعْمَل لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا , وَلَمْ تَنْصَب لَهُ , فَأَعْمَلَهَا وَأَنْصَبَهَا فِي جَهَنَّم . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : يُجَرُّونَ عَلَى وُجُوههمْ فِي النَّار . وَعَنْهُ وَعَنْ غَيْره : يُكَلَّفُونَ اِرْتِقَاء جَبَل مِنْ حَدِيد فِي جَهَنَّم , فَيَنْصَبُونَ فِيهَا أَشَدّ مَا يَكُون مِنْ النَّصَب , بِمُعَالَجَةِ السَّلَاسِل وَالْأَغْلَال وَالْخَوْض فِي النَّار كَمَا تَخُوض الْإِبِل فِي الْوَحْل , وَارْتِقَائِهَا فِي صُعُود مِنْ نَار , وَهُبُوطهَا فِي حُدُور مِنْهَا إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ عَذَابهَا . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَرَّا اِبْن مُحَيْصِن وَعِيسَى وَحُمَيْد , وَرَوَاهَا عُبَيْد عَنْ شِبْل . عَنْ اِبْن كَثِير | نَاصِبَةً | بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال . وَقِيلَ : عَلَى الذَّمّ . الْبَاقُونَ ( بِالرَّفْعِ ) عَلَى الصِّفَة أَوْ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ , فَيُوقَف عَلَى | خَاشِعَة | . وَمَنْ جَعَلَ الْمَعْنَى فِي الْآخِرَة , جَازَ أَنْ يَكُون خَبَرًا بَعْد خَبَر عَنْ | وُجُوه | , فَلَا يُوقَف عَلَى | خَاشِعَة | . وَقِيلَ : | عَامِلَة نَاصِبَة | أَيْ عَامِلَة فِي الدُّنْيَا نَاصِبَة فِي الْآخِرَة . وَعَلَى هَذَا يَحْتَمِل وُجُوه يَوْمَئِذٍ عَامِلَة فِي الدُّنْيَا , نَاصِبَة فِي الْآخِرَة , خَاشِعَة . قَالَ عِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ : عَمِلَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَعَاصِي . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَزَيْد بْن أَسْلَمَ : هُمْ الرُّهْبَان أَصْحَاب الصَّوَامِع وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة الضَّحَّاك عَنْهُ . وَرَوَى عَنْ الْحَسَن قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عُمَر بْن الْخَطَّاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الشَّام أَتَاهُ رَاهِب شَيْخ كَبِير مُتَقَهِّل , عَلَيْهِ سَوَاد , فَلَمَّا رَآهُ عُمَر بَكَى . فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ : هَذَا الْمِسْكِين طَلَبَ أَمْرًا فَلَمْ يُصِبْهُ , وَرَجَا رَجَاء فَأَخْطَأَهُ , - وَقَرَأَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ - | وُجُوه يَوْمَئِذٍ خَاشِعَة . عَامِلَة نَاصِبَة | . قَالَ الْكِسَائِيّ : التَّقَهُّل : رَثَاثَة الْهَيْئَة , وَرَجُل مُتَقَهِّل : يَابِس الْجِلْد سَيِّئُ الْحَال , مِثْل الْمُتَقَحِّل . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : التَّقَهُّل : شَكْوَى الْحَاجَة . وَأَنْشَدَ : <br>لَعْوًا إِذَا لَاقَيْته تَقَهُّلًا <br>وَالْقَهَل : كُفْرَان الْإِحْسَان . وَقَدْ قَهِلَ يَقْهَلُ قَهَلًا : إِذَا أَثْنَى ثَنَاء قَبِيحًا . وَأَقْهَلَ الرَّجُل تَكَلَّفَ مَا يَعِيبهُ وَدَنَّسَ نَفْسه . وَانْقَهَلَ ضَعُفَ وَسَقَطَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَعَنْ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ أَهْل حَرُورَاء يَعْنِي الْخَوَارِج الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : ( تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ , وَصِيَامكُمْ مَعَ صِيَامهمْ , وَأَعْمَالكُمْ مَعَ أَعْمَالهمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّين كَمَا تَمْرُق السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة . .. ) الْحَدِيثَ .
| تَصْلَى | أَيْ يُصِيبهَا صِلَاؤُهَا وَحَرّهَا . | حَامِيَة | شَدِيدَة الْحَرّ أَيْ قَدْ أُوقِدَتْ وَأُحْمِيَتْ الْمُدَّة الطَّوِيلَة . وَمِنْهُ حَمِيَ النَّهَار ( بِالْكَسْرِ ) , وَحَمِيَ التَّنُّور حَمْيًا فِيهِمَا أَيْ اِشْتَدَّ حَرُّهُ . وَحَكَى الْكِسَائِيّ : اِشْتَدَّ حَمْيُ الشَّمْس وَحَمْوُهَا : بِمَعْنًى . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر وَيَعْقُوب | تُصْلَى | بِضَمِّ التَّاء . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا . وَقُرِئَ | تُصَلَّى | بِالتَّشْدِيدِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهَا فِي | إِذَا السَّمَاء اِنْشَقَّتْ | [ الِانْشِقَاق : 1 ] . الْمَاوَرْدِيّ : فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى وَصْفِهَا بِالْحَمْيِ , وَهِيَ لَا تَكُون إِلَّا حَامِيَة , وَهُوَ أَقَلّ أَحْوَالهَا , فَمَا وَجْه الْمُبَالَغَة بِهَذِهِ الصِّفَة النَّاقِصَة ؟ قِيلَ : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالْحَامِيَةِ هَاهُنَا عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه :</p><p>أَحَدهَا : أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ أَنَّهَا دَائِمَة الْحَمْي , وَلَيْسَتْ كَنَارِ الدُّنْيَا الَّتِي يَنْقَطِع حَمْيهَا بِانْطِفَائِهَا .</p><p>الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَامِيَةِ أَنَّهَا حِمًى مِنْ اِرْتِكَاب الْمَحْظُورَات , وَانْتَهَاك الْمَحَارِم كَمَا قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ لِكُلِّ مَلِك حِمًى , وَإِنَّ حِمَى اللَّه مَحَارِمُهُ . وَمَنْ يَرْتَعْ حَوْل الْحِمَى يُوشِك أَنْ يَقَع فِيهِ ) .</p><p>الثَّالِث : أَنَّهَا تَحْمِي نَفْسهَا عَنْ أَنْ تُطَاق مُلَامَسَتهَا , أَوْ تُرَام مُمَاسَّتهَا كَمَا يَحْمِي الْأَسَد عَرِينَهُ وَمِثْله قَوْل النَّابِغَة : <br>تَعْدُو الذِّئَابُ عَلَى مَنْ لَا كِلَابَ لَهُ .......... وَتَتَّقِي صَوْلَةَ الْمُسْتَأْسِدِ الْحَامِي <br>الرَّابِع : أَنَّهَا حَامِيَة حَمْي غَيْظ وَغَضَب مُبَالَغَة فِي شِدَّة الِانْتِقَام . وَلَمْ يُرِدْ حَمْي جِرْمٍ وَذَات كَمَا يُقَال : قَدْ حَمِيَ فُلَان : إِذَا اِغْتَاظَ وَغَضِبَ عِنْد إِرَادَة الِانْتِقَام . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ : | تَكَاد تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظ | [ الْمُلْك : 8 ] .
الْآنِي : الَّذِي قَدْ اِنْتَهَى حَرُّهُ مِنْ الْإِينَاء , بِمَعْنَى التَّأْخِير . وَمِنْهُ ( آنَيْت وَآذَيْت ) . وَآنَاهُ يُؤْنِيهِ إِينَاء , أَيْ أَحَرَّهُ وَحَبَسَهُ وَأَبْطَأَهُ . وَمِنْهُ | يَطُوفُونَ بَيْنهَا وَبَيْن حَمِيم آنٍ | [ الرَّحْمَن : 44 ] . وَفِي التَّفَاسِير | مِنْ عَيْن آنِيَة | أَيْ تَنَاهَى حَرُّهَا فَلَوْ وَقَعَتْ نُقْطَة مِنْهَا عَلَى جِبَال الدُّنْيَا لَذَابَتْ . وَقَالَ الْحَسَن : | آنِيَة | أَيْ حَرّهَا أَدْرَكَ أُوقِدَتْ عَلَيْهَا جَهَنَّم مُنْذُ خُلِقَتْ , فَدُفِعُوا إِلَيْهَا وِرْدًا عِطَاشًا . وَعَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : بَلَغَتْ أَنَاهَا , وَحَانَ شُرْبهَا .
| لَيْسَ لَهُمْ | أَيْ لِأَهْلِ النَّار . | طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع | لَمَّا ذَكَرَ شَرَابهمْ ذَكَرَ طَعَامهمْ . قَالَ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد : الضَّرِيع : نَبْت ذُو شَوْك لَاصِق بِالْأَرْضِ , تُسَمِّيهِ قُرَيْش الشِّبْرِق إِذَا كَانَ رَطْبًا , فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الضَّرِيع , لَا تَقْرَبُهُ دَابَّة وَلَا بَهِيمَة وَلَا تَرْعَاهُ وَهُوَ سَمٌّ قَاتِل , وَهُوَ أَخْبَث الطَّعَام وَأَشْنَعُهُ عَلَى هَذَا عَامَّة الْمُفَسِّرِينَ . إِلَّا أَنَّ الضَّحَّاك رَوَى عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ شَيْء يُرْمَى بِهِ الْبَحْر , يُسَمَّى الضَّرِيع , مِنْ أَقْوَات الْأَنْعَام لَا النَّاس , فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِبِل لَمْ تَشْبَع , وَهَلَكَتْ هَزْلًا . وَالصَّحِيح مَا قَالَهُ الْجُمْهُور : أَنَّهُ نَبْت . قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : <br>رَعَى الشِّبْرِق الرَّيَّانَ حَتَّى إِذَا ذَوَى .......... وَعَادَ ضَرِيعًا بَانَ مِنْهُ النَّحَائِصُ <br>وَقَالَ الْهُذَلِيّ وَذَكَرَ إِبِلًا وَسُوءَ مَرْعَاهَا : <br>وَحُبِسْنَ فِي هَزْم الضَّرِيع فَكُلُّهَا .......... حَدْبَاءُ دَامِيَةُ الْيَدَيْنِ حَرُودُ <br>وَقَالَ الْخَلِيل : الضَّرِيع : نَبَات أَخْضَر مُنْتِن الرِّيح , يُرْمَى بِهِ الْبَحْر . وَقَالَ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : هُوَ شَجَر مِنْ نَار , وَلَوْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا لَأَحْرَقَتْ الْأَرْض وَمَا عَلَيْهَا . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ الْحِجَارَة , وَقَالَهُ عِكْرِمَة . وَالْأَظْهَر أَنَّهُ شَجَر ذُو شَوْك حَسَبَ مَا هُوَ فِي الدُّنْيَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : ( الضَّرِيع : شَيْء يَكُون فِي النَّار , يُشْبِه الشَّوْك , أَشَدّ مَرَارَة مِنْ الصَّبْر , وَأَنْتَنُ مِنْ الْجِيفَة , وَأَحَرُّ مِنْ النَّار , سَمَّاهُ اللَّه ضَرِيعًا ) . وَقَالَ خَالِد بْن زِيَاد : سَمِعْت الْمُتَوَكِّل بْن حَمْدَان يُسْأَل عَنْ هَذِهِ الْآيَة | لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع | قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ الضَّرِيع شَجَرَة مِنْ نَار جَهَنَّم , حَمْلُهَا الْقَيْح وَالدَّم , أَشَدّ مَرَارَةً مِنْ الصَّبْر , فَذَلِكَ طَعَامهمْ .</p><p>وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ بَعْض مَا أَخْفَاهُ اللَّه مِنْ الْعَذَاب . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : هُوَ طَعَام يَضْرَعُونَ عِنْده وَيَذِلُّونَ , وَيَتَضَرَّعُونَ مِنْهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى , طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهُ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ آكِلَهُ يَضْرَع فِي أَنْ يُعْفَى مِنْهُ , لِكَرَاهَتِهِ وَخُشُونَته . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : قَدْ يَكُون مُشْتَقًّا مِنْ الضَّارِع , وَهُوَ الذَّلِيل أَيْ ذُو ضَرَاعَة , أَيْ مِنْ شُرْبه ذَلِيل تَلْحَقهُ ضَرَاعَة . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : هُوَ الزَّقُّوم . وَقِيلَ : هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّم . فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي مَوْضِع آخَر : | فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَاهُنَا حَمِيم . وَلَا طَعَام إِلَّا مِنْ غِسْلِين | [ الْحَاقَّة : 35 - 36 ] . وَقَالَ هُنَا : | إِلَّا مِنْ ضَرِيع | وَهُوَ غَيْر الْغِسْلِين . وَوَجْه الْجَمْع أَنَّ النَّار دَرَكَات فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامه الزَّقُّوم , وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامه الْغِسْلِين , وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامه الضَّرِيع , وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابه الْحَمِيم , وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابه الصَّدِيد . قَالَ الْكَلْبِيّ : الضَّرِيع فِي دَرَجَة لَيْسَ فِيهَا غَيْره , وَالزَّقُّوم فِي دَرَجَة أُخْرَى . وَيَجُوز أَنْ تُحْمَل الْآيَتَانِ عَلَى حَالَتَيْنِ كَمَا قَالَ : | يَطُوفُونَ بَيْنهَا وَبَيْن حَمِيم آنٍ | [ الرَّحْمَن : 44 ] . الْقُتَبِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الضَّرِيع وَشَجَرَة الزَّقُّوم نَبْتَيْنِ مِنْ النَّار , أَوْ مِنْ جَوْهَر لَا تَأْكُلهُ النَّار . وَكَذَلِكَ سَلَاسِل النَّار وَأَغْلَالهَا وَعَقَارِبهَا وَحَيَّاتهَا , وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَا نَعْلَمُ مَا بَقِيَتْ عَلَى النَّار . قَالَ : وَإِنَّمَا دَلَّنَا اللَّه عَلَى الْغَائِب عِنْده , بِالْحَاضِرِ عِنْدنَا فَالْأَسْمَاء مُتَّفِقَة الدَّلَالَة , وَالْمَعَانِي مُخْتَلِفَة . وَكَذَلِكَ مَا فِي الْجَنَّة مِنْ شَجَرهَا وَفُرُشهَا . الْقُشَيْرِيّ : وَأَمْثَل مِنْ قَوْل الْقُتَبِيّ أَنْ نَقُول : إِنَّ الَّذِي يُبْقِي الْكَافِرِينَ فِي النَّار لِيَدُومَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب , يُبْقِي النَّبَات وَشَجَرَة الزَّقُّوم فِي النَّار , لِيُعَذَّبَ بِهَا الْكُفَّار . وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الضَّرِيع بِعَيْنِهِ لَا يَنْبُت فِي النَّار , وَلَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ . فَالضَّرِيع مِنْ أَقْوَات الْأَنْعَام , لَا مِنْ أَقْوَات النَّاس . وَإِذَا وَقَعَتْ الْإِبِل فِيهِ لَمْ تَشْبَعْ , وَهَلَكَتْ هَزْلًا , فَأَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقْتَاتُونَ بِمَا لَا يُشْبِعهُمْ , وَضَرَبَ الضَّرِيع لَهُ مَثَلًا , أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِالْجُوعِ كَمَا يُعَذَّب مَنْ قُوتُهُ الضَّرِيع . قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : وَهَذَا نَظَر سَقِيم مِنْ أَهْله وَتَأْوِيل دَنِيء , كَأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَيَّرُوا فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى , وَأَنَّ الَّذِي أَنْبَتَ فِي هَذَا التُّرَاب هَذَا الضَّرِيع قَادِر عَلَى أَنْ يُنْبِتَهُ فِي حَرِيق النَّار , جَعَلَ لَنَا فِي الدُّنْيَا مِنْ الشَّجَر الْأَخْضَر نَارًا , فَلَا النَّار تُحْرِق الشَّجَر , وَلَا رُطُوبَة الْمَاء فِي الشَّجَر تُطْفِئ النَّار فَقَالَ تَعَالَى : | الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَر الْأَخْضَر نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ | [ يس : 80 ] . وَكَمَا قِيلَ حِين نَزَلَتْ | وَنَحْشُرُهُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى وُجُوههمْ | [ الْإِسْرَاء : 97 ] : قَالُوا يَا رَسُول اللَّه , كَيْف يَمْشُونَ عَلَى وُجُوههمْ ؟ فَقَالَ : ( الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلهمْ قَادِر عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوههمْ ) . فَلَا يَتَحَيَّر فِي مِثْل هَذَا إِلَّا ضَعِيف الْقَلْب . أَوَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ | كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرهَا | [ النِّسَاء : 56 ] , وَقَالَ : | سَرَابِيلهمْ مِنْ قَطْرَانِ | [ إِبْرَاهِيم : 50 ] , وَقَالَ : | إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا | [ الْمُزَّمِّل : 12 ] أَيْ قُيُودًا . | وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّة | قِيلَ : ذَا شَوْك . فَإِنَّمَا يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب بِهَذِهِ الْأَشْيَاء .
يَعْنِي الضَّرِيع لَا يَسْمَن آكُلُهُ . وَكَيْف يَسْمَن مَنْ يَأْكُل الشَّوْك ! قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَن بِالضَّرِيعِ , فَنَزَلَتْ : | لَا يُسْمِن وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوع | . وَكَذَبُوا , فَإِنَّ الْإِبِل إِنَّمَا تَرْعَاهُ رَطْبًا , فَإِذَا يَبِسَ لَمْ تَأْكُلهُ . وَقِيلَ اِشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ أَمْره فَظَنُّوهُ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّبْت النَّافِع ; لِأَنَّ الْمُضَارَعَة الْمُشَابَهَة . فَوَجَدُوهُ لَا يُسْمِن وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوع .
أَيْ ذَات نِعْمَة . وَهِيَ وُجُوه الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَتْ بِمَا عَايَنَتْ مِنْ عَاقِبَة أَمْرهَا وَعَمَلِهَا الصَّالِح .
| لِسَعْيِهَا | أَيْ لِعَمَلِهَا الَّذِي عَمِلَتْهُ فِي الدُّنْيَا . | رَاضِيَة | فِي الْآخِرَة حِين أُعْطِيَتْ الْجَنَّة بِعَمَلِهَا . وَمَجَازه : لِثَوَابِ سَعْيهَا رَاضِيَة . وَفِيهَا وَاو مُضْمَرَة . الْمَعْنَى : وَوُجُوه يَوْمَئِذٍ , لِلْفَصْلِ بَيْنهَا وَبَيْن الْوُجُوه الْمُتَقَدِّمَة . وَالْوُجُوه عِبَارَة عَنْ الْأَنْفُس .
أَيْ مُرْتَفِعَة ; لِأَنَّهَا فَوْق السَّمَوَات حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : عَالِيَة الْقَدْر ; لِأَنَّ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُس وَتَلَذّ الْأَعْيُن . وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
أَيْ كَلَامًا سَاقِطًا غَيْر مَرْضِيّ . وَقَالَ : | لَاغِيَة | , وَاللَّغْو وَاللَّغَا وَاللَّاغِيَة : بِمَعْنًى وَاحِد . قَالَ : <br>عَنْ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ <br>وَقَالَ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش أَيْ لَا تَسْمَع فِيهَا كَلِمَة لَغْو . وَفِي الْمُرَاد بِهَا سِتَّة أَوْجُه : أَحَدهَا : يَعْنِي كَذِبًا وَبُهْتَانًا وَكُفْرًا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الثَّانِي : لَا بَاطِل وَلَا إِثْم قَالَهُ قَتَادَة . الثَّالِث : أَنَّهُ الشَّتْم قَالَهُ مُجَاهِد . الرَّابِع : الْمَعْصِيَة قَالَهُ الْحَسَن . الْخَامِس : لَا يَسْمَع فِيهَا حَالِف يَحْلِف بِكَذِبٍ قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : لَا يُسْمَع فِي الْجَنَّة حَالِفٌ بِيَمِينٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ . السَّادِس : لَا يُسْمَع فِي كَلَامهمْ كَلِمَة بِلَغْوٍ ; لِأَنَّ أَهْل الْجَنَّة لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِالْحِكْمَةِ وَحَمْدِ اللَّه عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ النَّعِيم الدَّائِم قَالَهُ الْفَرَّاء أَيْضًا . وَهُوَ أَحْسَنُهَا ; لِأَنَّهُ يَعُمُّ مَا ذُكِرَ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير | لَا يُسْمَع | بِيَاءِ غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل . وَكَذَلِكَ نَافِع , إِلَّا أَنَّهُ بِالتَّاءِ الْمَضْمُومَة ; لِأَنَّ اللَّاغِيَة اِسْم مُؤَنَّث فَأَنَّثَ الْفِعْل لِتَأْنِيثِهِ . وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ ; فَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْن الِاسْم وَالْفِعْل الْجَارُّ وَالْمَجْرُور . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مَفْتُوحَة | لَاغِيَة | نَصَّا عَلَى إِسْنَاد ذَلِكَ لِلْوُجُوهِ , أَيْ لَا تَسْمَع الْوُجُوه فِيهَا لَاغِيَة .
أَيْ بِمَاءٍ مُنْدَفِق , وَأَنْوَاع الْأَشْرِبَة اللَّذِيذَة عَلَى وَجْه الْأَرْض مِنْ غَيْر أُخْدُود . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة | الْإِنْسَان | أَنَّ فِيهَا عُيُونًا . فَ | عَيْن | : بِمَعْنَى عُيُون . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ عَالِيَة . وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ اِرْتِفَاعهَا قَدْر مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , لِيَرَى وَلِيُّ اللَّه مُلْكه حَوْله .
أَيْ أَبَارِيق وَأَوَان . وَالْإِبْرِيق : هُوَ مَا لَهُ عُرْوَة وَخُرْطُوم . وَالْكُوب : إِنَاء لَيْسَ لَهُ عُرْوَة وَلَا خُرْطُوم . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي سُورَة | الزُّخْرُف | وَغَيْرهَا .
| نَمَارِق | أَيْ وَسَائِد , الْوَاحِدَة نُمْرُقَة . | مَصْفُوفَة | أَيْ وَاحِدَة إِلَى جَنْب الْأُخْرَى . قَالَ الشَّاعِر : <br>وَإِنَّا لَنُجْرِي الْكَأْسَ بَيْنَ شُرُوبِنَا .......... وَبَيْنَ أَبِي قَابُوسَ فَوْقَ النَّمَارِقِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>كُهُولٌ وَشُبَّانٌ حِسَانٌ وُجُوهُهُمْ .......... عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَنَمَارِقِ <br>وَفِي الصِّحَاح : النُّمْرُق وَالنُّمْرُقَة : وِسَادَة صَغِيرَة . وَكَذَلِكَ النِّمْرِقَة ( بِالْكَسْرِ ) لُغَة حَكَاهَا يَعْقُوب . وَرُبَّمَا سَمَّوْا الطِّنْفِسَة الَّتِي فَوْق الرَّحْل نُمْرُقَة عَنْ أَبِي عُبَيْد .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الزَّرَابِيّ : الْبُسُط . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الزَّرَابِيّ : الطَّنَافِس الَّتِي لَهَا خَمْل رَقِيق , وَاحِدَتهَا : زُرْبِيَّة وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَالْفَرَّاء . وَالْمَبْثُوثَة : الْمَبْسُوطَة قَالَ قَتَادَة . وَقِيلَ : بَعْضهَا فَوْق بَعْض قَالَهُ عِكْرِمَة . وَقِيلَ كَثِيرَة قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقِيلَ : مُتَفَرِّقَة فِي الْمَجَالِس قَالَهُ الْقُتَبِيّ .</p><p>قُلْت : هَذَا أَصْوَب , فَهِيَ كَثِيرَة مُتَفَرِّقَة . وَمِنْهُ | وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة | [ الْبَقَرَة : 164 ] . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحُسَيْن , قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْن بْن عَرَفَة , قَالَ حَدَّثَنَا عَمَّار بْن مُحَمَّد , قَالَ : صَلَّيْت خَلْف مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , فَقَرَأَ : | هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة | , وَقَرَأَ فِيهَا : | وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَة | : مُتَّكِئِينَ فِيهَا نَاعِمِينَ .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَمْر أَهْل الدَّارَيْنِ , تَعَجَّبَ الْكُفَّار مِنْ ذَلِكَ , فَكَذَّبُوا وَأَنْكَرُوا فَذَكَّرَهُمْ اللَّه صَنْعَتَهُ وَقُدْرَته وَأَنَّهُ قَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , كَمَا خَلَقَ الْحَيَوَانَات وَالسَّمَاء وَالْأَرْض . ثُمَّ ذَكَرَ الْإِبِل أَوَّلًا ; لِأَنَّهَا كَثِيرَة فِي الْعَرَب , وَلَمْ يَرَوْا الْفِيَلَةَ , فَنَبَّهَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى عَظِيم مِنْ خَلْقه قَدْ ذَلَّلَهُ لِلصَّغِيرِ , يَقُودُهُ وَيُنِيخُهُ وَيُنْهِضُهُ وَيَحْمِل عَلَيْهِ الثَّقِيل مِنْ الْحَمْل وَهُوَ بَارِكٌ , فَيَنْهَض بِثَقِيلِ حِمْلِهِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْء مِنْ الْحَيَوَان غَيْره . فَأَرَاهُمْ عَظِيمًا مِنْ خَلْقه , مُسَخَّرًا لِصَغِيرٍ مِنْ خَلْقه يَدُلُّهُمْ بِذَلِكَ عَلَى تَوْحِيده وَعَظِيم قُدْرَته . وَعَنْ بَعْض الْحُكَمَاء : أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ الْبَعِير وَبَدِيع خَلْقه , وَقَدْ نَشَأَ فِي بِلَاد لَا إِبِل فِيهَا فَفَكَّرَ ثُمَّ قَالَ : يُوشِك أَنْ تَكُون طِوَال الْأَعْنَاق . وَحِين أَرَادَ بِهَا أَنْ تَكُون سَفَائِنَ الْبَرّ , صَبَّرَهَا عَلَى اِحْتِمَال الْعَطَش حَتَّى إِنَّ إِظْمَاءَهَا لِيَرْتَفِع إِلَى الْعُشْر فَصَاعِدًا , وَجَعَلَهَا تَرْعَى كُلّ شَيْء نَابِت فِي الْبَرَارِي وَالْمَفَاوِز , مِمَّا لَا يَرْعَاهُ سَائِر الْبَهَائِم . وَقِيلَ : لَمَّا ذَكَرَ السُّرُر الْمَرْفُوعَة قَالُوا : كَيْف نَصْعَدهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , وَبَيَّنَ أَنَّ الْإِبِل تَبْرُك حَتَّى يُحْمَل عَلَيْهَا ثُمَّ تَقُوم فَكَذَلِكَ تِلْكَ السُّرُر تَتَطَامَنُ ثُمَّ تَرْتَفِع . قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَة وَمُقَاتِل وَغَيْرهمَا . وَقِيلَ : الْإِبِل هُنَا الْقِطَع الْعَظِيمَة مِنْ السَّحَاب قَالَهُ الْمُبَرِّد . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَقِيلَ فِي الْإِبِل هُنَا : السَّحَاب , وَلَمْ أَجِد لِذَلِكَ أَصْلًا فِي كُتُب الْأَئِمَّة .</p><p>قُلْت : قَدْ ذَكَرَ الْأَصْمَعِيّ أَبُو سَعِيد عَبْد الْمَلِك بْن قَرِيب , قَالَ أَبُو عَمْرو : مَنْ قَرَأَهَا | أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِل كَيْف خُلِقَتْ | بِالتَّخْفِيفِ : عَنَى بِهِ الْبَعِير ; لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَات الْأَرْبَع , يَبْرُك فَتُحْمَل عَلَيْهِ الْحُمُولَة , وَغَيْره مِنْ ذَوَات الْأَرْبَع لَا يُحْمَل عَلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ قَائِم . وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّثْقِيلِ فَقَالَ : | الْإِبِل | , عَنَى بِهَا السَّحَاب الَّتِي تَحْمِل الْمَاء وَالْمَطَر . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِي الْإِبِل وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : وَهُوَ أَظْهَرُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا : أَنَّهَا الْإِبِل مِنْ النَّعَم . الثَّانِي : أَنَّهَا السَّحَاب . فَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بِهَا السَّحَاب , فَلِمَا فِيهَا مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته , وَالْمَنَافِع الْعَامَّة لِجَمِيعِ خَلْقه . وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بِهَا الْإِبِل مِنْ النَّعَمِ ; فَلِأَنَّ الْإِبِل أَجْمَع لِلْمَنَافِعِ مِنْ سَائِر الْحَيَوَان ; لِأَنَّ 3 ضُرُوبه أَرْبَعَة : حَلُوبَة , وَرَكُوبَة , وَأَكُولَة , وَحَمُولَة . وَالْإِبِل تَجْمَع هَذِهِ الْخِلَال الْأَرْبَع فَكَانَتْ النِّعْمَة بِهَا أَعَمَّ , وَظُهُور الْقُدْرَة فِيهَا أَتَمُّ . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّمَا خَصَّهَا اللَّه بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا تَأْكُل النَّوَى وَالْقَتَّ , وَتُخْرِجُ اللَّبَن . وَسُئِلَ الْحَسَن أَيْضًا عَنْهَا وَقَالُوا : الْفِيل أَعْظَم فِي الْأُعْجُوبَة : فَقَالَ : الْعَرَب بَعِيدَة الْعَهْد بِالْفِيلِ , ثُمَّ هُوَ خِنْزِيرٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , وَلَا يُرْكَب ظَهْره , وَلَا يُحْلَب دَرُّهُ . وَكَانَ شُرَيْح يَقُول : اُخْرُجُوا بِنَا إِلَى الْكُنَاسَة حَتَّى نَنْظُر إِلَى الْإِبِل كَيْف خُلِقَتْ . وَالْإِبِل : لَا وَاحِد لَهَا مِنْ لَفْظهَا , وَهِيَ مُؤَنَّثَة ; لِأَنَّ أَسْمَاء الْجُمُوع الَّتِي لَا وَاحِد لَهَا مِنْ لَفْظهَا , إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّينَ , فَالتَّأْنِيث لَهَا لَازِم , وَإِذَا صَغَّرْتهَا دَخَلَتْهَا الْهَاء , فَقُلْت : أُبَيْلَة وَغُنَيْمَة , وَنَحْو ذَلِكَ . وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْإِبِلِ : إِبْل , بِسُكُونِ الْبَاء لِلتَّخْفِيفِ , وَالْجَمْع : آبَال .
أَيْ رُفِعَتْ عَنْ الْأَرْض بِلَا عَمَدٍ . وَقِيلَ : رُفِعَتْ , فَلَا يَنَالهَا شَيْء .
أَيْ كَيْف نُصِبَتْ عَلَى الْأَرْض , بِحَيْثُ لَا تَزُول وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْض لَمَّا دُحِيَتْ مَادَتْ , فَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ . كَمَا قَالَ : | وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ | [ الْأَنْبِيَاء : 31 ] .
أَيْ بُسِطَتْ وَمُدَّتْ . وَقَالَ أَنَس : صَلَّيْت خَلْف عَلِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَرَأَ | كَيْف خُلِقَتْ | و | رُفِعَتْ | و | نُصِبَتْ | و | سُطِحَتْ | , بِضَمِّ التَّاءَات أَضَافَ الضَّمِير إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَبِهِ كَانَ يَقْرَأ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع وَأَبُو الْعَالِيَة وَالْمَفْعُول مَحْذُوف , وَالْمَعْنَى خَلَقْتهَا . وَكَذَلِكَ سَائِرهَا . وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو حَيْوَة وَأَبُو رَجَاء : | سُطِحَتْ | بِتَشْدِيدِ الطَّاء وَإِسْكَان التَّاء . وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْجَمَاعَة , إِلَّا أَنَّهُمْ خَفَّفُوا الطَّاء . وَقَدَّمَ الْإِبِل فِي الذِّكْر , وَلَوْ قَدَّمَ غَيْرهَا لَجَازَ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُطْلَب فِيهِ نَوْع حِكْمَة . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ أَقْرَب إِلَى النَّاس فِي حَقّ الْعَرَب , لِكَثْرَتِهَا عِنْدهمْ , وَهُمْ مِنْ أَعْرِف النَّاس بِهَا . وَأَيْضًا : مَرَافِق الْإِبِل أَكْثَر مِنْ مَرَافِق الْحَيَوَانَات الْأُخَر فَهِيَ مَأْكُولَة , وَلَبَنهَا مَشْرُوب , وَتَصْلُح لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوب , وَقَطْع الْمَسَافَات الْبَعِيدَة عَلَيْهَا , وَالصَّبْر عَلَى الْعَطَش , وَقِلَّة الْعَلَف , وَكَثْرَة الْحَمْل , وَهِيَ مُعْظَم أَمْوَال الْعَرَب . وَكَانُوا يَسِيرُونَ عَلَى الْإِبِل مُنْفَرِدِينَ مُسْتَوْحِشِينَ عَنْ النَّاس , وَمَنْ هَذَا حَالُهُ تَفَكَّرَ فِيمَا يَحْضُرُهُ , فَقَدْ يَنْظُر فِي مَرْكُوبه , ثُمَّ يَمُدُّ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ إِلَى الْأَرْض . فَأُمِرُوا بِالنَّظَرِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء , فَإِنَّهَا أَدَلُّ دَلِيل عَلَى الصَّانِع الْمُخْتَار الْقَادِر .
| فَذَكِّرْ | أَيْ فَعِظْهُمْ يَا مُحَمَّد وَخَوِّفْهُمْ . | إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر | أَيْ وَاعِظ .
أَيْ بِمُسَلَّطٍ عَلَيْهِمْ فَتَقْتُلهُمْ . ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف . وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر | بِمُسَيْطَرٍ | ( بِفَتْحِ الطَّاء ) , و | الْمُسَيْطِرُونَ | [ الطُّور : 37 ] . وَهِيَ لُغَة تَمِيم . وَفِي الصِّحَاح : | الْمُسَيْطِر وَالْمُصَيْطِرُ : الْمُسَلَّط عَلَى الشَّيْء , لِيُشْرِف عَلَيْهِ , وَيَتَعَهَّد أَحْوَاله , . وَيَكْتُب عَمَله , وَأَصْله مِنْ السَّطْر ; لِأَنَّ مِنْ مَعْنَى السَّطْر أَلَّا يُتَجَاوَز , فَالْكِتَاب مُسَطَّر , وَاَلَّذِي يَفْعَلهُ مُسَطَّر وَمُسَيْطِر يُقَال : سَيْطَرْت عَلَيْنَا , وَقَالَ تَعَالَى : | لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ | . وَسَطَرَهُ أَيْ صَرَعَهُ .
اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع , أَيْ لَكِنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ الْوَعْظ وَالتَّذْكِير .
وَهِيَ جَهَنَّم الدَّائِم عَذَابهَا . وَإِنَّمَا قَالَ : | الْأَكْبَر | ; لِأَنَّهُمْ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا بِالْجُوعِ وَالْقَحْط وَالْأَسْر وَالْقَتْل . وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : | إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَإِنَّهُ يُعَذِّبُهُ اللَّه | . وَقِيلَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مُتَّصِل . وَالْمَعْنَى : لَسْت بِمُسَلَّطٍ إِلَّا عَلَى مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ , فَأَنْتَ مُسَلَّط عَلَيْهِ بِالْجِهَادِ , وَاَللَّه يُعَذِّبُهُ بَعْد ذَلِكَ الْعَذَاب الْأَكْبَر , فَلَا نَسْخ فِي الْآيَة عَلَى هَذَا التَّقْدِير . وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِرَجُلٍ اِرْتَدَّ , فَاسْتَتَابَهُ ثَلَاثَة أَيَّام , فَلَمْ يُعَاوِد الْإِسْلَام , فَضَرَبَ عُنُقه , وَقَرَأَ | إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ | . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة | أَلَّا | عَلَى الِاسْتِفْتَاح وَالتَّنْبِيه , كَقَوْلِ اِمْرِئِ الْقَيْس : <br>أَلَّا رُبَّ يَوْمٍ لَك مِنْهُنَّ صَالِحٍ <br>و | مَنْ | عَلَى هَذَا : لِلشَّرْطِ . وَالْجَوَاب | فَيُعَذِّبُهُ اللَّه | وَالْمُبْتَدَأ بَعْد الْفَاء مُضْمَر , وَالتَّقْدِير : فَهُوَ يُعَذِّبُهُ اللَّه ; لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الْجَوَاب بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْد الْفَاء لَكَانَ : إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ يُعَذِّبُهُ اللَّه .
أَيْ رُجُوعَهُمْ بَعْد الْمَوْت . يُقَال : آبَ يَئُوبُ أَيْ رَجَعَ . قَالَ عَبِيد : <br>وَكُلُّ ذِي غَيْبَةٍ يَئُوبُ .......... وَغَائِبُ الْمَوْت لَا يَئُوبُ <br>وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر | إِيَّابَهُمْ | بِالتَّشْدِيدِ . قَالَ أَبُو حَاتِم : لَا يَجُوز التَّشْدِيد , وَلَوْ جَازَ لَجَازَ مِثْله فِي الصِّيَام وَالْقِيَام . وَقِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ | إِيَّابَهُمْ | بِالتَّشْدِيدِ وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُون فِيعَالًا : مَصْدَر أَيَبَ , قِيلَ مِنْ الْإِيَاب . أَوْ أَنْ يَكُون أَصْله إِوَّابًا فِعَّالًا مِنْ أَوَّبَ , ثُمَّ قِيلَ : إِيوَابًا كَدِيوَانٍ فِي دِوَّان . ثُمَّ فُعِلَ مَا فُعِلَ بِأَصْلِ سَيِّد وَنَحْوه .