أَيْ صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ . قَالَ اِبْن زَيْد : أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَحُلْوًا وَحَامِضًا وَنَحْو ذَلِكَ . مُجَاهِد . يَعْنِي الذَّكَر وَالْأُنْثَى , وَالسَّمَاء وَالْأَرْض , وَالشَّمْس وَالْقَمَر , وَاللَّيْل وَالنَّهَار , وَالنُّور وَالظَّلَام , وَالسَّهْل وَالْجَبَل , وَالْجِنّ وَالْإِنْس , وَالْخَيْر وَالشَّرّ , وَالْبُكْرَة وَالْعَشِيّ , وَكَالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَة الْأَلْوَان مِنْ الطُّعُوم وَالْأَرَايِيح وَالْأَصْوَات . أَيْ جَعَلْنَا هَذَا كَهَذَا دَلَالَة عَلَى قُدْرَتنَا , وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَلْيَقْدِرْ عَلَى الْإِعَادَة . وَقِيلَ : | وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ | لِتَعْلَمُوا أَنَّ خَالِق الْأَزْوَاج فَرْد , فَلَا يُقَدَّر فِي صِفَته حَرَكَة وَلَا سُكُون , وَلَا ضِيَاء وَلَا ظَلَام , وَلَا قُعُود وَلَا قِيَام , وَلَا اِبْتِدَاء وَلَا اِنْتِهَاء ; إِذْ عَزَّ وَجَلَّ وِتْر | لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء | [ الشُّورَى : 11 ]
لَمَّا تَقَدَّمَ مَا جَرَى مِنْ تَكْذِيب أُمَمهمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَإِهْلَاكهمْ ; لِذَلِكَ قَالَ اللَّه تَعَالَى : لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد ; أَيْ قُلْ لِقَوْمِك : | فَفِرُّوا إِلَى اللَّه إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير مُبِين | أَيْ فِرُّوا مِنْ مَعَاصِيه إِلَى طَاعَته . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِرُّوا إِلَى اللَّه بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبكُمْ . وَعَنْهُ فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان : | فَفِرُّوا إِلَى اللَّه | اُخْرُجُوا إِلَى مَكَّة . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : اِحْتَرَزُوا مِنْ كُلّ شَيْء دُون اللَّه فَمَنْ فَرَّ إِلَى غَيْره لَمْ يَمْتَنِع مِنْهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : فِرُّوا مِنْ طَاعَة الشَّيْطَان إِلَى طَاعَة الرَّحْمَن . وَقَالَ الْجُنَيْد : الشَّيْطَان دَاعٍ إِلَى الْبَاطِل فَفِرُّوا إِلَى اللَّه يَمْنَعكُمْ مِنْهُ . وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ : فَفِرُّوا مِنْ الْجَهْل إِلَى الْعِلْم , وَمِنْ الْكُفْر إِلَى الشُّكْر . وَقَالَ عَمْرو بْن عُثْمَان : فِرُّوا مِنْ أَنْفُسكُمْ إِلَى رَبّكُمْ . وَقَالَ أَيْضًا : فِرُّوا إِلَى مَا سَبَقَ لَكُمْ مِنْ اللَّه وَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى حَرَكَاتكُمْ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : فِرُّوا مِمَّا سِوَى اللَّه إِلَى اللَّه . | إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير مُبِين | أَيْ أُنْذِركُمْ عِقَابه عَلَى الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة .
أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول هَذَا لِلنَّاسِ وَهُوَ النَّذِير . وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب مِنْ اللَّه لِلْخَلْقِ .|إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ|أَيْ مِنْ مُحَمَّد وَسُيُوفه|نَذِيرٌ مُبِينٌ|أَيْ أُنْذِركُمْ بَأْسه وَسَيْفه إِنْ أَشْرَكْتُمْ بِي ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .
هَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ كَمَا كَذَّبَك قَوْمك وَقَالُوا سَاحِر أَوْ مَجْنُون , كَذَّبَ مَنْ قَبْلهمْ وَقَالُوا مِثْل قَوْلهمْ . وَالْكَاف مِنْ | كَذَلِكَ | يَجُوز أَنْ تَكُون نَصْبًا عَلَى تَقْدِير أُنْذِركُمْ إِنْذَارًا كَإِنْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَنِي مِنْ الرُّسُل الَّذِينَ أَنْذَرُوا قَوْمهمْ , أَوْ رَفْعًا عَلَى تَقْدِير الْأَمْر كَذَلِكَ أَيْ كَالْأَوَّلِ . وَالْأَوَّل تَخْوِيف لِمَنْ عَصَاهُ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ , وَالثَّانِي لِمَنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنْ الْمُلْحِدِينَ . وَالتَّمَام عَلَى قَوْله : | كَذَلِكَ | عَنْ يَعْقُوب وَغَيْره .
أَيْ أَوْصَى أَوَّلهمْ آخِرهمْ بِالتَّكْذِيبِ . وَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ ; وَالْأَلِف لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّعَجُّب .|بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ|أَيْ لَمْ يُوصِ بَعْضهمْ بَعْضًا بَلْ جَمَعَهُمْ الطُّغْيَان , وَهُوَ مُجَاوَزَة الْحَدّ فِي الْكُفْر .
أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ عَنْهُمْ|فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ|عِنْد اللَّه لِأَنَّك أَدَّيْت مَا عَلَيْك مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة , ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى | وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ | وَقِيلَ : نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْف . وَالْأَوَّل قَوْل الضَّحَّاك ; لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ . وَقَالَ مُجَاهِد : | فَتَوَلَّ عَنْهُمْ | فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ | فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ | أَيْ لَيْسَ يَلُومك رَبّك عَلَى تَقْصِير كَانَ مِنْك
| وَذَكِّرْ | أَيْ بِالْعِظَةِ فَإِنَّ الْعِظَة | تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ | . قَتَادَة : | وَذَكِّرْ | بِالْقُرْآنِ | فَإِنَّ الذِّكْرَى | بِهِ | تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ | . وَقِيلَ : ذَكِّرْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَأَيَّام اللَّه . وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا .
قِيلَ : إِنَّ هَذَا خَاصّ فِيمَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ يَعْبُدهُ , فَجَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُوم وَمَعْنَاهُ الْخُصُوص . وَالْمَعْنَى : وَمَا خَلَقْت أَهْل السَّعَادَة مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَالْآيَة دَخَلَهَا التَّخْصِيص عَلَى الْقَطْع ; لِأَنَّ الْمَجَانِين وَالصِّبْيَان مَا أُمِرُوا بِالْعِبَادَةِ حَتَّى يُقَال أَرَادَ مِنْهُمْ الْعِبَادَة , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس | [ الْأَعْرَاف : 179 ] وَمَنْ خُلِقَ لِجَهَنَّم لَا يَكُون مِمَّنْ خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ , فَالْآيَة مَحْمُولَة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | قَالَتْ الْأَعْرَاب آمَنَّا | [ الْحُجُرَات : 14 ] وَإِنَّمَا قَالَ فَرِيق مِنْهُمْ . ذَكَرَهُ الضَّحَّاك وَالْكَلْبِيّ وَالْفَرَّاء وَالْقُتَبِيّ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ | وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَيْ وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِآمُرهُمْ بِالْعِبَادَةِ . وَاعْتَمَدَ الزَّجَّاج عَلَى هَذَا الْقَوْل , وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : | وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا | [ التَّوْبَة : 31 ] . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف كَفَرُوا وَقَدْ خَلَقَهُمْ لِلْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَالتَّذَلُّل لِأَمْرِهِ وَمَشِيئَته ؟ قِيلَ قَدْ تَذَلَّلُوا لِقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ قَضَاءَهُ جَارٍ عَلَيْهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاع مِنْهُ , وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ مَنْ كَفَرَ فِي الْعَمَل بِمَا أَمَرَهُ بِهِ , فَأَمَّا التَّذَلُّل لِقَضَائِهِ فَإِنَّهُ غَيْر مُمْتَنِع مِنْهُ . وَقِيلَ : | إِلَّا لِيَعْبُدُونِ | أَيْ إِلَّا لِيُقِرُّوا لِي بِالْعِبَادَةِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ; رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس . فَالْكَرْه مَا يُرَى فِيهِمْ مِنْ أَثَر الصَّنْعَة . مُجَاهِد : إِلَّا لِيَعْرِفُونِي . الثَّعْلَبِيّ : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقهُمْ لَمَا عُرِفَ وُجُوده وَتَوْحِيده . وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى : | وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه | [ الزُّخْرُف : 87 ] | وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم | [ الزُّخْرُف : 9 ] وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْآيَات . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : إِلَّا لِآمُرهُمْ وَأَنْهَاهُمْ . زَيْد بْن أَسْلَمَ : هُوَ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ الشِّقْوَة وَالسَّعَادَة ; فَخَلَقَ السُّعَدَاء مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس لِلْعِبَادَةِ , وَخَلَقَ الْأَشْقِيَاء مِنْهُمْ لِلْمَعْصِيَةِ . وَعَنْ الْكَلْبِيّ أَيْضًا : إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ , فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيُوَحِّدهُ فِي الشِّدَّة وَالرَّخَاء , وَأَمَّا الْكَافِر فَيُوَحِّدهُ فِي الشِّدَّة وَالْبَلَاء دُون النِّعْمَة وَالرَّخَاء ; يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : | وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْج كَالظُّلَلِ دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين | [ لُقْمَان : 32 ] الْآيَة . وَقَالَ عِكْرِمَة : إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وَيُطِيعُونِ فَأُثِيب الْعَابِد وَأُعَاقِب الْجَاحِد . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِلَّا لِأَسْتَعْبِدهُمْ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب ; تَقُول : عَبْد بَيِّن الْعُبُودَة وَالْعُبُودِيَّة , وَأَصْل الْعُبُودِيَّة الْخُضُوع وَالذُّلّ . وَالتَّعْبِيد التَّذْلِيل ; يُقَال : طَرِيق مُعَبَّد . قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ : <br>وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْق مَوْر مُعَبَّدِ <br>وَالتَّعْبِيد الِاسْتِعْبَاد وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذهُ عَبْدًا . وَكَذَلِكَ الِاعْتِبَاد . وَالْعِبَادَة الطَّاعَة , وَالتَّعَبُّد التَّنَسُّك . فَمَعْنَى | لِيَعْبُدُونِ | لِيَذِلُّوا وَيَخْضَعُوا وَيَعْبُدُوا .
| مِنْ | صِلَة أَيْ رِزْقًا بَلْ أَنَا الرَّزَّاق وَالْمُعْطِي . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْجَوْزَاء : أَيْ مَا أُرِيد أَنْ يَرْزُقُوا أَنْفُسهمْ وَلَا أَنْ يُطْعِمُوهَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مَا أُرِيد أَنْ يَرْزُقُوا عِبَادِي وَلَا أَنْ يُطْعِمُوهُمْ
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَغَيْره | الرَّازِق | .|ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ|أَيْ الشَّدِيد الْقَوِيّ . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالنَّخَعِيّ | الْمَتِينِ | بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْت لِلْقُوَّةِ . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْت لـ | ـالرَّزَّاق | أَوْ | ذُو | مِنْ قَوْله : | ذُو الْقُوَّة | أَوْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; أَوْ يَكُون نَعْتًا لِاسْمِ إِنَّ عَلَى الْمَوْضِع , أَوْ خَبَرًا بَعْد خَبَر . قَالَ الْفَرَّاء : كَانَ حَقّه الْمَتِينَة فَذَكَّرَهُ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِهَا إِلَى الشَّيْء الْمُبْرَم الْمُحْكَم الْفَتْل ; يُقَال : حَبْل مَتِين . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : <br>لِكُلِّ دَهْر قَدْ لَبِسْت أَثْوُبَا .......... حَتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعًا أَشْيَبَا <br><br>مِنْ رَيْطَة وَالْيُمْنَة الْمُعَصَّبَا <br>فَذَكَّرَ الْمُعَصَّب ; لِأَنَّ الْيُمْنَة صِنْف مِنْ الثِّيَاب ; وَمِنْ هَذَا الْبَاب قَوْله تَعَالَى : | فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة | [ الْبَقَرَة : 275 ] أَيْ وَعْظ | وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة | [ هُود : 67 ] أَيْ الصِّيَاح وَالصَّوْت .
أَيْ كَفَرُوا مِنْ أَهْل مَكَّة|ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ|أَيْ نَصِيبًا مِنْ الْعَذَاب مِثْل نَصِيب الْكُفَّار مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال يَوْم ذَنُوب أَيْ طَوِيل الشَّرّ لَا يَنْقَضِي . وَأَصْل الذَّنُوب فِي اللُّغَة الدَّلْو الْعَظِيمَة , وَكَانُوا يَسْتَقُونَ الْمَاء فَيَقْسِمُونَ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْصِبَاء فَقِيلَ لِلذَّنُوبِ نَصِيب مِنْ هَذَا ; قَالَ الرَّاجِز : <br>لَنَا ذَنُوبٌ وَلَكُمْ ذَنُوبٌ .......... فَإِنْ أَبَيْتُمُ فَلَنَا الْقَلِيبُ <br>وَقَالَ عَلْقَمَة : <br>وَفِي كُلّ يَوْم قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ .......... فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاك ذَنُوبُ <br>وَقَالَ آخَر : <br>لَعَمْركَ وَالْمَنَايَا طَارِقَاتٌ .......... لِكُلِّ بَنِي أَبٍ مِنْهَا ذَنُوبُ <br>الْجَوْهَرِيّ : وَالذَّنُوب الْفَرَس الطَّوِيل الذَّنَب , والذَّنُوب النَّصِيب , وَالذَّنُوب لَحْم أَسْفَل الْمَتْن , وَالذَّنُوب الدَّلْو الْمَلْأَى مَاء . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : فِيهَا مَاء قَرِيب مِنْ الْمِلْء يُؤَنَّث وَيُذَكَّر , وَلَا يُقَال لَهَا وَهِيَ فَارِغَة ذَنُوب , وَالْجَمْع فِي أَدْنَى الْعَدَد أَذْنِبَة وَالْكَثِير ذَنَائِب , مِثْل قَلُوص وَقَلَائِص .|فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ|أَيْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا : يَا مُحَمَّد | فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ | [ الْأَعْرَاف : 70 ]
فَنَزَلَ بِهِمْ يَوْم بَدْر مَا حَقَّقَ بِهِ وَعْدَهُ وَعَجَّلَ بِهِمْ اِنْتِقَامه , ثُمَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة الْعَذَاب الدَّائِم , وَالْخِزْي الْقَائِم , الَّذِي لَا اِنْقِطَاع لَهُ وَلَا نَفَاد , وَلَا غَايَة وَلَا آبَاد . تَمَّ تَفْسِير سُورَة | الذَّارِيَات | وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ عَلَى سَفِينَة ذَات أَلْوَاح .<BR> أَيْ عَلَى سَفِينَة ذَات أَلْوَاح .' ><B><font color=red>وَدُسُرٍ</font></B><BR><span id=tafseer1 ><BR><BR>قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي الْمَسَامِير الَّتِي دُسِرَتْ بِهَا السَّفِينَة أَيْ شُدَّتْ ; وَقَالَهُ الْقُرَظِيّ وَابْن زَيْد وَابْن جُبَيْر وَرَوَاهُ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْحَسَن وَشَهْر بْن حَوْشَب وَعِكْرِمَة : هِيَ صَدْر السَّفِينَة الَّتِي تَضْرِب بِهَا الْمَوْج سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُر الْمَاء أَيْ تَدْفَعهُ , وَالدَّسْر الدَّفْع وَالْمَخْر ; وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الدَّسْر كَلْكَل السَّفِينَة . وَقَالَ اللَّيْث : الدِّسَار خَيْط مِنْ لِيف تُشَدّ بِهِ أَلْوَاح السَّفِينَة . وَفِي الصِّحَاح : الدِّسَار وَاحِد الدُّسُر وَهِيَ خُيُوط تُشَدّ بِهَا أَلْوَاح السَّفِينَة , وَيُقَال : هِيَ الْمَسَامِير , وَقَالَ تَعَالَى : | عَلَى ذَات أَلْوَاح وَدُسُر | . وَدُسْر أَيْضًا مِثْل عُسْر وَعُسُر . وَالدَّسْر الدَّفْع ; قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الْعَنْبَر : إِنَّمَا هُوَ شَيْء يَدْسُرهُ الْبَحْر دَسْرًا أَيْ يَدْفَعهُ . وَدَسَرَهُ بِالرُّمْحِ . وَرَجُل مِدْسَر .<BR> قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي الْمَسَامِير الَّتِي دُسِرَتْ بِهَا السَّفِينَة أَيْ شُدَّتْ ; وَقَالَهُ الْقُرَظِيّ وَابْن زَيْد وَابْن جُبَيْر وَرَوَاهُ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْحَسَن وَشَهْر بْن حَوْشَب وَعِكْرِمَة : هِيَ صَدْر السَّفِينَة الَّتِي تَضْرِب بِهَا الْمَوْج سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُر الْمَاء أَيْ تَدْفَعهُ , وَالدَّسْر الدَّفْع وَالْمَخْر ; وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الدَّسْر كَلْكَل السَّفِينَة . وَقَالَ اللَّيْث : الدِّسَار خَيْط مِنْ لِيف تُشَدّ بِهِ أَلْوَاح السَّفِينَة . وَفِي الصِّحَاح : الدِّسَار وَاحِد الدُّسُر وَهِيَ خُيُوط تُشَدّ بِهَا أَلْوَاح السَّفِينَة , وَيُقَال : هِيَ الْمَسَامِير , وَقَالَ تَعَالَى : | عَلَى ذَات أَلْوَاح وَدُسُر | . وَدُسْر أَيْضًا مِثْل عُسْر وَعُسُر . وَالدَّسْر الدَّفْع ; قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الْعَنْبَر : إِنَّمَا هُوَ شَيْء يَدْسُرهُ الْبَحْر دَسْرًا أَيْ يَدْفَعهُ . وَدَسَرَهُ بِالرُّمْحِ . وَرَجُل مِدْسَر .
أَيْ مَكْتُوب ; يَعْنِي الْقُرْآن يَقْرَؤُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمَصَاحِف وَيَقْرَؤُهُ الْمَلَائِكَة مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : | إِنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم فِي كِتَاب مَكْنُون | [ الْوَاقِعَة : 77 - 78 ] . وَقِيلَ : يَعْنِي سَائِر الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى الْأَنْبِيَاء ,
وَكَانَ كُلّ كِتَاب فِي رَقّ يَنْشُرهُ أَهْله لِقِرَاءَتِهِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هُوَ مَا كَتَبَ اللَّه لِمُوسَى بِيَدِهِ مِنْ التَّوْرَاة وَمُوسَى يَسْمَع صَرِير الْقَلَم . وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ صَحَائِف الْأَعْمَال ; فَمِنْ آخِذ كِتَابه بِيَمِينِهِ , وَمِنْ آخِذ كِتَابه بِشِمَالِهِ ; نَظِيره : | وَنُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا | [ الْإِسْرَاء : 13 ] وَقَوْله : | وَإِذَا الصُّحُف نُشِرَتْ | [ التَّكْوِير : 10 ] . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ فِي السَّمَاء يَقْرَءُونَ فِيهِ مَا كَانَ وَمَا يَكُون . وَقِيلَ : الْمُرَاد مَا كَتَبَ اللَّه فِي قُلُوب الْأَوْلِيَاء مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; بَيَانه : | أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهمْ الْإِيمَان | [ الْمُجَادَلَة : 22 ] .</p><p>قُلْت : وَفِي هَذَا الْقَوْل تَجَوُّز ; لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْقُلُوبِ عَنْ الرَّقّ . قَالَ الْمُبَرِّد : الرَّقّ مَا رُقِّقَ مِنْ الْجِلْد لِيُكْتَب فِيهِ , وَالْمَنْشُور الْمَبْسُوط . وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح , قَالَ : وَالرَّقّ بِالْفَتْحِ مَا يُكْتَب فِيهِ وَهُوَ جِلْد رَقِيق . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | فِي رَقّ مَنْشُور | وَالرَّقّ أَيْضًا الْعَظِيم مِنْ السَّلَاحِف . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَجَمْعه رُقُوق . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد مَا قَالَهُ الْفَرَّاء ; وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَكُلّ صَحِيفَة فَهِيَ رَقّ لِرِقَّةِ حَوَاشِيهَا ; وَمِنْهُ قَوْل الْمُتَلَمِّس : <br>فَكَأَنَّمَا هِيَ مِنْ تَقَادُم عَهْدهَا .......... رَقّ أُتِيحَ كِتَابُهَا مَسْطُورُ <br>وَأَمَّا الرِّقّ بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْمِلْك ; يُقَال : عَبْد مَرْقُوق . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ الرَّقّ بِالْفَتْحِ مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب .
قَالَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا : هُوَ بَيْت فِي السَّمَاء حِيَال الْكَعْبَة يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُوَ بَيْت فِي السَّمَاء السَّادِسَة . وَقِيلَ : فِي السَّمَاء الرَّابِعَة ; رَوَى أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُوتِيَ بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَرُفِعَ لَنَا الْبَيْت الْمَعْمُور فَإِذَا هُوَ حِيَال الْكَعْبَة لَوْ خَرَّ خَرَّ عَلَيْهَا يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : سَأَلَ اِبْن الْكَوَّاء عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : فَمَا الْبَيْت الْمَعْمُور ؟ قَالَ : بَيْت فَوْق سَبْع سَمَوَات تَحْت الْعَرْش يُقَال لَهُ الضُّرَاح . وَكَذَا فِي | الصِّحَاح | : وَالضُّرَاح بِالضَّمِّ بَيْت فِي السَّمَاء وَهُوَ الْبَيْت الْمَعْمُور عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعُمْرَانه كَثْرَة غَاشِيَته مِنْ الْمَلَائِكَة . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ عَنْهُ : حِذَاء الْعَرْش . وَاَلَّذِي فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء : ( ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَا هَذَا قَالَ هَذَا الْبَيْت الْمَعْمُور يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَفِي حَدِيث ثَابِت عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أُتِيت بِالْبُرَاقِ ) الْحَدِيث ; وَفِيهِ : ( ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مُسْنِدًا ظَهْره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذَا هُوَ يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ) . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : لِلَّهِ فِي السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ خَمْسَة عَشَرَ بَيْتًا , سَبْعَة فِي السَّمَوَات . وَسَبْعَة فِي الْأَرَضِينَ وَالْكَعْبَة , وَكُلّهَا مُقَابِلَة لِلْكَعْبَةِ . وَقَالَ الْحَسَن : الْبَيْت الْمَعْمُور هُوَ الْكَعْبَة , الْبَيْت الْحَرَام الَّذِي هُوَ مَعْمُور مِنْ النَّاس , يَعْمُرهُ اللَّه كُلّ سَنَة بِسِتِّمِائَةِ أَلْف , فَإِنْ عَجَزَ النَّاس عَنْ ذَلِكَ أَتَمَّهُ اللَّه بِالْمَلَائِكَةِ , وَهُوَ أَوَّل بَيْت وَضَعَهُ اللَّه لِلْعِبَادَةِ فِي الْأَرْض . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : إِنَّ الْبَيْت الْمَعْمُور كَانَ فِي الْأَرْض مَوْضِع الْكَعْبَة فِي زَمَان آدَم عَلَيْهِ السَّلَام , فَلَمَّا كَانَ زَمَان نُوح عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَهُمْ أَنْ يَحُجُّوا فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَعَصَوْهُ , فَلَمَّا طَغَى الْمَاء رُفِعَ فَجُعِلَ بِحِذَائِهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا , فَيَعْمُرهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , ثُمَّ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يُنْفَخ فِي الصُّور , قَالَ : فَبَوَّأَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت حَيْثُ كَانَ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت أَنْ لَا تُشْرِك بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّع السُّجُود | [ اِلْحَحْ : 26 ] .
يَعْنِي السَّمَاء سَمَّاهَا سَقْفًا ; لِأَنَّهَا لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ ; بَيَانه : | وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا | [ الْأَنْبِيَاء : 32 ] . وَقَالَ , اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْعَرْش وَهُوَ سَقْف الْجَنَّة .
قَالَ مُجَاهِد : الْمُوقَد ; وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَر : ( إِنَّ الْبَحْر يُسْجَر يَوْم الْقِيَامَة فَيَكُون نَارًا ) . وَقَالَ قَتَادَة : الْمَمْلُوء . وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِلنَّمِرِ بْن تَوْلَب : <br>إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً .......... تَرَى حَوْلهَا النَّبْع وَالسَّاسَمَا <br>يُرِيد وَعْلًا يُطَالِع عَيْنًا مَسْجُورَة مَمْلُوءَة . فَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَمْلُوء نَارًا فَيَكُون كَالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّم . وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَشِمْر بْن عَطِيَّة وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَالْأَخْفَش بِأَنَّهُ الْمَوْقِدُ الْمَحْمِيّ بِمَنْزِلَةِ التَّنُّور الْمَسْجُور . وَمِنْهُ قِيلَ : لِلْمِسْعَرِ مِسْجَر ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى : | وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ | [ التَّكْوِير : 6 ] أَيْ أُوقِدَتْ ; سَجَرْت التَّنُّور أَسْجُرهُ سَجْرًا أَيْ أَحْمَيْته . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُود : أَيْنَ جَهَنَّم ؟ قَالَ : الْبَحْر . قَالَ مَا أَرَاك إِلَّا صَادِقًا , وَتَلَا : | وَالْبَحْر الْمَسْجُور | . | وَإِذَا الْبِحَار سُجِرَتْ | [ التَّكْوِير : 6 ] مُخَفَّفَة . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : لَا يُتَوَضَّأ بِمَاءِ الْبَحْر لِأَنَّهُ طَبَق جَهَنَّم . وَقَالَ كَعْب : يُسْجَر الْبَحْر غَدًا فَيُزَاد فِي نَار جَهَنَّم ; فَهَذَا قَوْل وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَسْجُور الَّذِي ذَهَبَ مَاؤُهُ . وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة . وَرَوَى عَطِيَّة وَذُو الرُّمَّة الشَّاعِر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : خَرَجَتْ أَمَة لِتَسْتَقِيَ فَقَالَتْ : إِنَّ الْحَوْض مَسْجُور أَيْ فَارِغ , قَالَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ : لَيْسَ لِذِي الرُّمَّة حَدِيث إِلَّا هَذَا . وَقِيلَ : الْمَسْجُور أَيْ الْمَفْجُور ; دَلِيله : | وَإِذَا الْبِحَار فُجِّرَتْ | [ الِانْفِطَار : 3 ] أَيْ تُنَشِّفهَا الْأَرْض فَلَا يَبْقَى فِيهَا مَاء . وَقَوْل ثَالِث قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعِكْرِمَة . قَالَ أَبُو مَكِين : سَأَلْت عِكْرِمَة عَنْ الْبَحْر الْمَسْجُور فَقَالَ : هُوَ بَحْر دُون الْعَرْش . وَقَالَ عَلِيّ : تَحْت الْعَرْش فِيهِ مَاء غَلِيظ . وَيُقَال لَهُ بَحْر الْحَيَوَان يُمْطِر الْعِبَاد مِنْهُ بَعْد النَّفْخَة الْأُولَى أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَيَنْبُتُونَ فِي قُبُورهمْ . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : الْمَسْجُور الْمُخْتَلِط الْعَذْب بِالْمِلْحِ .</p><p>قُلْت : إِلَيْهِ يَرْجِع مَعْنَى | فُجِّرَتْ | فِي أَحَد التَّأْوِيلَيْنِ ; أَيْ فُجِّرَ عَذْبهَا فِي مَالِحهَا : وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَسَيَأْتِي . وَرَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْمَسْجُور الْمَحْبُوس .
هَذَا جَوَاب الْقَسَم ; أَيْ وَاقِع بِالْمُشْرِكِينَ . قَالَ جُبَيْر بْن مُطْعِم : قَدِمْت الْمَدِينَة لِأَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُسَارَى بَدْر , فَوَافَيْته يَقْرَأ فِي صَلَاة الْمَغْرِب | وَالطُّور | إِلَى قَوْله : | إِنَّ عَذَاب رَبّك لَوَاقِع . مَا لَهُ مِنْ دَافِع |
فَكَأَنَّمَا صَدَعَ قَلْبِي , فَأَسْلَمْت خَوْفًا مِنْ نُزُول الْعَذَاب , وَمَا كُنْت أَظُنّ أَنْ أَقُوم مِنْ مَقَامِي حَتَّى يَقَع بِي الْعَذَاب . وَقَالَ هِشَام بْن حَسَّان : اِنْطَلَقْت أَنَا وَمَالِك بْن دِينَار إِلَى الْحَسَن وَعِنْده رَجُل يَقْرَأ | وَالطُّور | حَتَّى بَلَغَ | إِنَّ عَذَاب رَبّك لَوَاقِع . مَا لَهُ مِنْ دَافِع | فَبَكَى الْحَسَن وَبَكَى أَصْحَابه ; فَجَعَلَ مَالِك يَضْطَرِب حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ . وَلَمَّا وُلِّيَ بَكَّار الْقَضَاء جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فَتَوَجَّهَتْ عَلَى أَحَدهمَا الْيَمِين , فَرَغِبَ إِلَى الصُّلْح بَيْنهمَا , وَأَنَّهُ يُعْطِي خَصْمه مِنْ عِنْده عِوَضًا مِنْ يَمِينه فَأَبَى إِلَّا الْيَمِين , فَأَحْلَفَهُ بِأَوَّلِ | وَالطُّور | إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ قُلْ | إِنَّ عَذَاب رَبّك لَوَاقِع | إِنْ كُنْت كَاذِبًا ; فَقَالَهَا فَخَرَجَ فَكُسِرَ مِنْ حِينه .
الْعَامِل فِي يَوْ<br>قَوْله : | وَاقِع | أَيْ يَقَع الْعَذَاب بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي تَمُور فِيهِ السَّمَاء . قَالَ أَهْل اللُّغَة : مَارَ الشَّيْء يَمُور مَوْرًا , أَيْ تَحَرَّكَ وَجَاءَ وَذَهَبَ كَمَا تَتَكَفَّأ النَّخْلَة الْعَيْدَانَة , أَيْ الطَّوِيلَة , وَالتَّمَوُّر مِثْله . وَقَالَ الضَّحَّاك : يَمُوج بَعْضهَا فِي بَعْض . مُجَاهِد : تَدُور دَوْرًا . أَبُو عُبَيْدَة وَالْأَخْفَش : تَكَفَّأ , وَأَنْشَدَ لِلْأَعْشَى : <br>كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْت جَارَتهَا .......... مَوْر السَّحَابَة لَا رَيْث وَلَا عَجَل <br>وَقِيلَ تَجْرِي جَرْيًا . وَمِنْهُ قَوْل جَرِير : ش وَمَا زَالَتْ الْقَتْلَى تَمُور دِمَاؤُهَا /و بِدِجْلَة حَتَّى مَاء دِجْلَة أَشْكَلُ <br>وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَمُور السَّمَاء يَوْمئِذٍ بِمَا فِيهَا وَتَضْطَرِب . وَقِيلَ : يَدُور أَهْلهَا فِيهَا وَيَمُوج بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَالْمَوْر أَيْضًا الطَّرِيق . وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة : <br>... فَوْق مَوْرٍ مُعَبَّدِ <br>وَالْمَوْر الْمَوْج . وَنَاقَة مَوَّارَة الْيَد أَيْ سَرِيعَة . وَالْبَعِير يَمُور عَضُدَاهُ إِذَا تَرَدَّدَا فِي عَرْض جَنْبه , قَالَ الشَّاعِر : <br>عَلَى ظَهْر مَوَّار الْمِلَاط حِصَان <br>الْمِلَاط الْجَنْب . وَقَوْلهمْ : لَا أَدْرِي أَغَارَ أَمْ مَارَ ; أَيْ أَتَى غَوْرًا أَمْ دَارَ فَرَجَعَ إِلَى نَجْد . وَالْمُور بِالضَّمِّ الْغُبَار بِالرِّيحِ . وَقِيلَ : إِنَّ السَّمَاء هَا هُنَا الْفُلْك وَمَوْره اِضْطِرَاب نَظْمه وَاخْتِلَاف سَيْره ; قَالَ اِبْن بَحْر .
قَالَ مُقَاتِل : تَسِير عَنْ أَمَاكِنهَا حَتَّى تَسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ . وَقِيلَ : تَسِير كَسَيْرِ السَّحَاب الْيَوْم فِي الدُّنْيَا ; بَيَانه | وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَة وَهِيَ تَمُرّ مَرَّ السَّحَاب | [ النَّمْل : 88 ] . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي | الْكَهْف | .
| وَيْل | كَلِمَة تُقَال لِلْهَالِكِ , وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْفَاء لِأَنَّ فِي الْكَلَام مَعْنَى الْمُجَازَاة .
أَيْ فِي تَرَدُّد فِي الْبَاطِل , وَهُوَ خَوْضهمْ فِي أَمْر مُحَمَّد بِالتَّكْذِيبِ . وَقِيلَ : فِي خَوْض فِي أَسْبَاب الدُّنْيَا يَلْعَبُونَ لَا يَذْكُرُونَ حِسَابًا وَلَا جَزَاء . وَقَدْ مَضَى فِي | التَّوْبَة | .
| يَوْم | بَدَل مِنْ يَوْمئِذٍ . و | يُدَعُّونَ | مَعْنَاهُ يُدْفَعُونَ إِلَى جَهَنَّم بِشِدَّةٍ وَعُنْف , يُقَال : دَعَعْته أَدُعّهُ دَعًّا أَيْ دَفَعْته , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعّ الْيَتِيم | [ الْمَاعُون : 2 ] . وَفِي التَّفْسِير : إِنَّ خَزَنَة جَهَنَّم يَغُلُّونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ , وَيَجْمَعُونَ نَوَاصِيَهُمْ إِلَى أَقْدَامهمْ , ثُمَّ يَدْفَعُونَهُمْ فِي النَّار دَفْعًا عَلَى وُجُوههمْ , وَزَخًّا فِي أَعْنَاقهمْ حَتَّى يَرِدُوا النَّار . وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ وَابْن السَّمَيْقَع | يَوْم يُدْعَوْنَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعًّا | بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الدُّعَاء فَإِذَا دَنَوْا مِنْ النَّار قَالَتْ لَهُمْ الْخَزَنَة :
فِي الدُّنْيَا .
اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ وَالتَّقْرِيع ; أَيْ يُقَال لَهُمْ : | أَفَسِحْر هَذَا | الَّذِي تَرَوْنَ الْآن بِأَعْيُنِكُمْ|أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ|وَقِيلَ : | أَمْ | بِمَعْنَى بَلْ ; أَيْ بَلْ كُنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَعْقِلُونَ .
أَيْ تَقُول لَهُمْ الْخَزَنَة ذُوقُوا حَرَّهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا .|سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ|أَيْ سَوَاء كَانَ لَكُمْ فِيهَا صَبْر أَوْ لَمْ يَكُنْ فـ | سَوَاء | خَبَره مَحْذُوف , أَيْ سَوَاء عَلَيْكُمْ الْجَزَع وَالصَّبْر فَلَا يَنْفَعكُمْ شَيْء , كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : | سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا | [ إِبْرَاهِيم : 21 ] . | إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ |
لَمَّا ذَكَرَ حَال الْكُفَّار ذَكَرَ حَال الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا
أَيْ ذَوِي فَاكِهَة كَثِيرَة ; يُقَال : رَجُل فَاكِه أَيْ ذُو فَاكِهَة , كَمَا يُقَال : لَابِن وَتَامِر ; أَيْ ذُو لَبَن وَتَمْر ; قَالَ : <br>وَغَرَرْتنِي وَزَعَمْت أَنَّـ .......... ـكَ لَابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ <br>أَيْ ذُو لَبَن وَتَمْر . وَقَرَأَ الْحَسَن وَغَيْره : | فَكِهِينَ | بِغَيْرِ أَلِف وَمَعْنَاهُ مُعْجَبِينَ نَاعِمِينَ فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَغَيْره ; يُقَال : فَكِهَ الرَّجُل بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَكِه إِذَا كَانَ طَيِّب النَّفْس مَزَّاحًا . وَالْفَكِه أَيْضًا الْأَشِر الْبَطِر . وَقَدْ مَضَى فِي | الدُّخَان | الْقَوْل فِي هَذَا .|بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ|أَيْ أَعْطَاهُمْ
أَيْ يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ .|هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ|الْهَنِيء مَا لَا تَنْغِيص فِيهِ وَلَا نَكَد وَلَا كَدَر . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ لِيَهْنِئْكُمْ مَا صِرْتُمْ إِلَيْهِ | هَنِيئًا | . وَقِيلَ : أَيْ مُتِّعْتُمْ بِنَعِيمِ الْجَنَّة إِمْتَاعًا هَنِيئًا وَقِيلَ : أَيْ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِئْتُمْ | هَنِيئًا | فَهُوَ صِفَة فِي مَوْضِع الْمَصْدَر . وَقِيلَ | هَنِيئًا | : أَيْ حَلَالًا . وَقِيلَ : لَا أَذَى فِيهِ وَلَا غَائِلَة . وَقِيلَ : | هَنِيئًا | أَيْ لَا تَمُوتُونَ ; فَإِنَّ مَا لَا يَبْقَى أَوْ لَا يَبْقَى الْإِنْسَان مَعَهُ مُنَغَّص غَيْر هَنِيء .
سُرُر جَمْع سَرِير وَفِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره : مُتَّكِئِينَ عَلَى نَمَارِق سُرُر .|مَصْفُوفَةٍ|قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : أَيْ مَوْصُولَة بَعْضهَا إِلَى بَعْض حَتَّى تَصِير صَفًّا . وَفِي الْأَخْبَار أَنَّهَا تُصَفُّ فِي السَّمَاء بِطُولِ كَذَا وَكَذَا ; فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْد أَنْ يَجْلِس عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ لَهُ ; فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا عَادَتْ إِلَى حَالهَا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ سُرُر مِنْ ذَهَب مُكَلَّلَة بِالزَّبَرْجَدِ وَالدُّرّ وَالْيَاقُوت , وَالسَّرِير مَا بَيْن مَكَّة وَأَيْلَة .|وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ|أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ . قَالَ يُونُس بْن حَبِيب : تَقُول الْعَرَب زَوَّجْته اِمْرَأَة وَتَزَوَّجْت اِمْرَأَة ; وَلَيْسَ مِنْ كَلَام الْعَرَب تَزَوَّجْت بِامْرَأَةٍ . قَالَ : وَقَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِين | أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ ; مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : | اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجهمْ | [ الصَّافَّات : 22 ] أَيْ وَقُرَنَاءَهُمْ . وَقَالَ الْفَرَّاء : تَزَوَّجْت بِامْرَأَةٍ لُغَة فِي أَزْد شَنُوءَة . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي مَعْنَى الْحُور الْعِين .
قَرَأَ الْعَامَّة | وَاتَّبَعَتْهُمْ | بِوَصْلِ الْأَلِف وَتَشْدِيد التَّاء وَفَتْح الْعَيْن وَإِسْكَان التَّاء . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو | وَأَتْبَعْنَاهُمْ | بِقَطْعِ الْأَلِف وَإِسْكَان التَّاء وَالْعَيْن وَنُون ; اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ : | أَلْحَقْنَا بِهِمْ | لِيَكُونَ الْكَلَام عَلَى نَسَق وَاحِد . فَأَمَّا قَوْلُهُ | ذُرِّيَّتُهُمْ | الْأُولَى فَقَرَأَهَا بِالْجَمْعِ اِبْن عَامِر وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَرَوَاهَا عَنْ نَافِع إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرو كَسَرَ التَّاء عَلَى الْمَفْعُول وَضَمَّ بَاقِيهمْ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ | ذُرِّيَّتُهُمْ | عَلَى التَّوْحِيد وَضَمّ التَّاء وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْ نَافِع . فَأَمَّا الثَّانِيَة فَقَرَأَهَا نَافِع وَابْن عَامِر وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب بِكَسْرِ التَّاء عَلَى الْجَمْع . الْبَاقُونَ | ذُرِّيَّتَهُمْ | عَلَى التَّوْحِيد وَفَتْح التَّاء . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَقِيلَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَرْبَع رِوَايَات : الْأُولَى أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه لَيَرْفَع ذُرِّيَّة الْمُؤْمِن مَعَهُ فِي دَرَجَته فِي الْجَنَّة وَإِنْ كَانُوا دُونه فِي الْعَمَل لِتَقَرّ بِهِمْ عَيْنه , وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة . وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا النَّحَّاس فِي | النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ | لَهُ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَع ذُرِّيَّة الْمُؤْمِن مَعَهُ فِي دَرَجَته فِي الْجَنَّة وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغهَا بِعَمَلِهِ لِتَقَرّ بِهِمْ عَيْنه ) ثُمَّ قَرَأَ | وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ | الْآيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَصَارَ الْحَدِيث مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا يَجِب أَنْ يَكُون ; لِأَنَّ اِبْن عَبَّاس لَا يَقُول هَذَا إِلَّا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ إِخْبَار عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِمَا يَفْعَلهُ وَبِمَعْنَى أَنَّهُ أَنْزَلَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ . الزَّمَخْشَرِيّ : فَيَجْمَع اللَّه لَهُمْ أَنْوَاع السُّرُور بِسَعَادَتِهِمْ فِي أَنْفُسهمْ , وَبِمُزَاوَجَةِ الْحُور الْعِين , وَبِمُؤَانَسَةِ الْإِخْوَان الْمُؤْمِنِينَ , وَبِاجْتِمَاعِ أَوْلَادهمْ وَنَسْلهمْ بِهِمْ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه لَيُلْحِق بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّته الصِّغَار الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْإِيمَان ; قَالَ الْمَهْدَوِيّ . وَالذُّرِّيَّة تَقَع عَلَى الصِّغَار وَالْكِبَار , فَإِنْ جُعِلَتْ الذُّرِّيَّة هَا هُنَا لِلصِّغَارِ كَانَ قَوْله تَعَالَى : | بِإِيمَانٍ | فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْمَفْعُولِينَ , وَكَانَ التَّقْدِير | بِإِيمَانٍ | مِنْ الْآبَاء . وَإِنْ جُعِلَتْ الذُّرِّيَّة لِلْكِبَارِ كَانَ قَوْله : | بِإِيمَانٍ | حَالًا مِنْ الْفَاعِلِينَ . الْقَوْل الثَّالِث عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ الْمُرَاد بِاَلَّذِينَ آمَنُوا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَالذُّرِّيَّة التَّابِعُونَ . وَفِي رِوَايَة عَنْهُ : إِنْ كَانَ الْآبَاء أَرْفَعَ دَرَجَة رَفَعَ اللَّه الْأَبْنَاء إِلَى الْآبَاء , وَإِنْ كَانَ الْأَبْنَاء أَرْفَعَ دَرَجَة رَفَعَ اللَّه الْآبَاء إِلَى الْأَبْنَاء ; فَالْأَبَاء دَاخِلُونَ فِي اِسْم الذُّرِّيَّة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون | [ يس : 41 ] . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة سَأَلَ أَحَدهمْ عَنْ أَبَوَيْهِ وَعَنْ زَوْجَته وَوَلَده فَيُقَال لَهُمْ إِنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مَا أَدْرَكْت فَيَقُول يَا رَبّ إِنِّي عَمِلْت لِي وَلَهُمْ فَيُؤْمَر بِإِلْحَاقِهِمْ بِهِ ) . وَقَالَتْ خَدِيجَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَلَدَيْنِ لِي مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لِي : ( هُمَا فِي النَّار ) فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَة فِي وَجْهِي قَالَ : ( لَوْ رَأَيْت مَكَانهمَا لَأَبْغَضْتهمَا ) قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه فَوَلَدِي مِنْك ؟ قَالَ : ( فِي الْجَنَّة ) ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادهمْ فِي الْجَنَّة وَالْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادهمْ فِي النَّار ) ثُمَّ قَرَأَ | وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتهمْ بِإِيمَانٍ | الْآيَة .|وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ|أَيْ مَا نَقَصْنَا الْأَبْنَاء مِنْ ثَوَاب أَعْمَالهمْ لِقِصَرِ أَعْمَارهمْ , وَمَا نَقَصْنَا الْآبَاء مِنْ ثَوَاب أَعْمَالهمْ شَيْئًا بِإِلْحَاقِ الذُّرِّيَّات بِهِمْ . وَالْهَاء وَالْمِيم رَاجِعَانِ إِلَى قَوْله تَعَالَى : | وَاَلَّذِينَ آمَنُوا | . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى | وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتهمْ بِإِيمَانٍ | أَلْحَقْنَا بِالذُّرِّيَّةِ أَبْنَاءَهُمْ الصِّغَار الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْعَمَل ; فَالْهَاء وَالْمِيم عَلَى هَذَا الْقَوْل لِلذُّرِّيَّةِ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير | وَمَا أَلِتْنَاهُمْ | بِكَسْرِ اللَّام . وَفَتَحَ الْبَاقُونَ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة | آلَتْنَاهُمْ | بِالْمَدِّ ; قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : أَلَتَهُ يَأْلِتهُ أَلْتًا , وَآلَتَهُ يُؤْلِتهُ إِيلَاتًا , وَلَاتَهُ يَلِيتهُ لَيْتًا كُلّهَا إِذَا نَقَصَهُ . وَفِي الصِّحَاح : وَلَاتَهُ عَنْ وَجْهه يَلُوتهُ وَيَلِيتهُ أَيْ حَبَسَهُ عَنْ وَجْهه وَصَرَفَهُ , وَكَذَلِكَ أَلَاتَهُ عَنْ وَجْهه فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى , وَيُقَال أَيْضًا : مَا أَلَاتَهُ مِنْ عَمَله شَيْئًا أَيْ مَا نَقَصَهُ مِثْل أَلَتَهُ وَقَدْ مَضَى بـ | ـالْحُجُرَات | .|كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ|قِيلَ : يَرْجِع إِلَى أَهْل النَّار . قَالَ اِبْن عَبَّاس : اِرْتَهَنَ أَهْل جَهَنَّم بِأَعْمَالِهِمْ وَصَارَ أَهْل الْجَنَّة إِلَى نَعِيمهمْ , وَلِهَذَا قَالَ : | كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة . إِلَّا أَصْحَاب الْيَمِين | [ الْمُدَّثِّر : 38 - 39 ] . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ لِكُلِّ إِنْسَان مُرْتَهَن بِعَمَلِهِ فَلَا يُنْقَص أَحَد مِنْ ثَوَاب عَمَله , فَأَمَّا الزِّيَادَة عَلَى ثَوَاب الْعَمَل فَهِيَ تَفَضُّل مِنْ اللَّه . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا فِي الذُّرِّيَّة الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَلَا يَلْحَقُونَ آبَاءَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَكُونُونَ مُرْتَهَنِينَ بِكُفْرِهِمْ .
أَيْ أَكْثَرْنَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَة مِنْ اللَّه , أَمَدَّهُمْ بِهَا غَيْر الَّذِي كَانَ لَهُمْ .
أَيْ يَتَنَاوَلهَا بَعْضهمْ مِنْ بَعْض وَهُوَ الْمُؤْمِن وَزَوْجَاته وَخَدَمه فِي الْجَنَّة . وَالْكَأْس : إِنَاء الْخَمْر وَكُلّ إِنَاء مَمْلُوء مِنْ شَرَاب وَغَيْره ; فَإِذَا فَرَغَ لَمْ يُسَمِّ كَأْسًا وَشَاهِد التَّنَازُع وَالْكَأْس فِي اللُّغَة قَوْل الْأَخْطَل : <br>وَشَارِب مُرْبِح بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي .......... لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ <br><br>نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَدْ .......... صَاحَ الدَّجَاج وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي <br>وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : <br>فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الْحَدِيث وَأَسْمَحَتْ .......... هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَمَارِيخَ مَيَّالِ <br>وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي | وَالصَّافَّات | . | لَا لَغْو فِيهَا | أَيْ فِي الْكَأْس أَيْ لَا يَجْرِي بَيْنهمْ لَغْو | وَلَا تَأْثِيم | وَلَا مَا فِيهِ إِثْم . وَالتَّأْثِيم تَفْعِيل مِنْ الْإِثْم ; أَيْ تِلْكَ الْكَأْس لَا تَجْعَلهُمْ آثِمِينَ لِأَنَّهُ مُبَاح لَهُمْ . وَقِيلَ :|لَا لَغْوٌ فِيهَا|أَيْ فِي الْجَنَّة . قَالَ اِبْن عَطَاء : أَيُّ لَغْوٍ يَكُون فِي مَجْلِس مَحَلّه جَنَّة عَدْن , وَسُقَاتهمْ الْمَلَائِكَة , وَشُرْبهمْ عَلَى ذِكْر اللَّه , وَرَيْحَانهمْ وَتَحِيَّتهمْ مِنْ عِنْد اللَّه , وَالْقَوْم أَضْيَاف اللَّه !|وَلَا تَأْثِيمٌ|أَيْ وَلَا كَذِب ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الضَّحَّاك : يَعْنِي لَا يَكْذِب بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو : | لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمَ | بِفَتْحِ آخِره . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِين . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي | الْبَقَرَة | عِنْد قَوْله تَعَالَى : | وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة | [ الْبَقَرَة : 254 ] وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ بِالْفَوَاكِهِ وَالتُّحَف وَالطَّعَام وَالشَّرَاب ; وَدَلِيله : | يُطَاف عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَب | [ الزُّخْرُف : 71 ] , | يُطَاف عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِين | [ الصَّافَّات : 45 ] . ثُمَّ قِيلَ : هُمْ الْأَطْفَال مِنْ أَوْلَادهمْ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ , فَأَقَرَّ اللَّه تَعَالَى بِهِمْ أَعْيُنهمْ . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ مَنْ أَخْدَمَهُمْ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمْ مِنْ أَوْلَاد غَيْرهمْ . وَقِيلَ : هُمْ غِلْمَان خُلِقُوا فِي الْجَنَّة . قَالَ الْكَلْبِيّ : لَا يَكْبَرُونَ أَبَدًا|كَأَنَّهُمْ|فِي الْحُسْن وَالْبَيَاض|لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ|فِي الصَّدَف , وَالْمَكْنُون الْمَصُون . وَقَوْله تَعَالَى : | يَطُوف عَلَيْهِمْ وِلْدَان مُخَلَّدُونَ | [ الْوَاقِعَة : 17 ] . قِيلَ : هُمْ أَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ خَدَم أَهْل الْجَنَّة . وَلَيْسَ فِي الْجَنَّة نَصَب وَلَا حَاجَة إِلَى خِدْمَة , وَلَكِنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّهُمْ عَلَى نِهَايَة النَّعِيم . وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة مَنْ يُنَادِي الْخَادِم مِنْ خَدَمه فَيُجِيبهُ أَلْف كُلّهمْ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ) . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ أَحَد مِنْ أَهْل الْجَنَّة إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْف غُلَام كُلّ غُلَام عَلَى عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبه ) . وَعَنْ الْحَسَن أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِذَا كَانَ الْخَادِم كَاللُّؤْلُؤِ فَكَيْف يَكُون الْمَخْدُوم ؟ فَقَالَ : ( مَا بَيْنهمَا كَمَا بَيْن الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَبَيْن أَصْغَر الْكَوَاكِب ) . قَالَ الْكِسَائِيّ : كَنَنْت الشَّيْء سَتَرْته وَصُنْته مِنْ الشَّمْس , وَأَكْنَنْته فِي نَفْسِي أَسْرَرْته . وَقَالَ أَبُو زَيْد : كَنَنْته وَأَكْنَنْته بِمَعْنًى فِي الْكِنّ وَفِي النَّفْس جَمِيعًا ; تَقُول : كَنَنْت الْعِلْم وَأَكْنَنْته فَهُوَ مَكْنُون وَمُكَنّ . وَكَنَنْت الْجَارِيَة وَأَكْنَنْتهَا فَهِيَ مَكْنُونَة وَمُكَنَّة .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا بُعِثُوا مِنْ قُبُورهمْ سَأَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : فِي الْجَنَّة | يَتَسَاءَلُونَ | أَيْ يَتَذَاكَرُونَ مَا كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ التَّعَب وَالْخَوْف مِنْ الْعَاقِبَة , وَيَحْمَدُونَ اللَّه تَعَالَى عَلَى زَوَال الْخَوْف عَنْهُمْ . وَقِيلَ : يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ بِمَ صِرْت فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَة الرَّفِيعَة ؟
أَيْ قَالَ كُلّ مَسْئُول مِنْهُمْ لِسَائِلِهِ : | إِنَّا كُنَّا قَبْل | أَيْ فِي الدُّنْيَا خَائِفِينَ وَجِلِينَ مِنْ عَذَاب اللَّه .
بِالْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَة . وَقِيلَ : بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَة .|وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ|قَالَ الْحَسَن : | السَّمُوم | اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار وَطَبَقَة مِنْ طِبَاق جَهَنَّم . وَقِيلَ : هُوَ النَّار كَمَا تَقُول جَهَنَّم . وَقِيلَ : نَار عَذَاب السَّمُوم . وَالسَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة تُؤَنَّث ; يُقَال مِنْهُ : سُمَّ يَوْمُنَا فَهُوَ مَسْمُوم وَالْجَمْع سَمَائِم قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : السَّمُوم بِالنَّهَارِ وَقَدْ تَكُون بِاللَّيْلِ , وَالْحَرُور بِاللَّيْلِ وَقَدْ تَكُون بِالنَّهَارِ ; وَقَدْ تُسْتَعْمَل السَّمُوم فِي لَفْح الْبَرْد وَهُوَ فِي لَفْح الْحَرّ وَالشَّمْس أَكْثَر ; قَالَ الرَّاجِز : <br>الْيَوْمُ يَوْمٌ بَارِدٌ سَمُومُهْ .......... مَنْ جَزِعَ الْيَوْمَ فَلَا أَلُومُهْ<br>
أَيْ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يَمُنّ عَلَيْنَا بِالْمَغْفِرَةِ عَنْ تَقْصِيرنَا . وَقِيلَ : | نَدْعُوهُ | أَيْ نَعْبُدهُ .|إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ|وَقَرَأَ نَافِع وَالْكِسَائِيّ | أَنَّهُ | بِفَتْحِ الْهَمْزَة ; أَيْ لِأَنَّهُ . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِابْتِدَاء . و | الْبَرّ | اللَّطِيف ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ الصَّادِق فِيمَا وَعَدَ . وَقَالَهُ اِبْن جُرَيْج .
أَيْ فَذَكِّرْ يَا مُحَمَّد قَوْمك بِالْقُرْآنِ .|فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ|يَعْنِي بِرِسَالَةِ رَبّك|بِكَاهِنٍ|تَبْتَدِع الْقَوْل وَتُخْبِر بِمَا فِي غَد مِنْ غَيْر وَحْي .|وَلَا مَجْنُونٍ|وَهَذَا رَدّ لِقَوْلِهِمْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط قَالَ : إِنَّهُ مَجْنُون , وَشَيْبَة بْن رَبِيعَة قَالَ : إِنَّهُ سَاحِر , وَغَيْرهمَا قَالَ : كَاهِن ; فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَرَدَّ عَلَيْهِمْ . ثُمَّ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى | فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّك | الْقَسَم ; أَيْ وَبِنِعْمَةِ اللَّه مَا أَنْتَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُون . وَقِيلَ : لَيْسَ قَسَمًا , وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا تَقُول : مَا أَنْتَ بِحَمْدِ اللَّه بِجَاهِلٍ ; أَيْ قَدْ بَرَّأَك اللَّه مِنْ ذَلِكَ .
أَيْ بَلْ يَقُولُونَ مُحَمَّد شَاعِر . قَالَ سِيبَوَيْهِ : خُوطِبَ الْعِبَاد بِمَا جَرَى فِي كَلَامهمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَهَذَا كَلَام حَسَن إِلَّا أَنَّهُ غَيْر مُبَيَّن وَلَا مَشْرُوح ; يُرِيد سِيبَوَيْهِ أَنَّ | أَمْ | فِي كَلَام الْعَرَب لِخُرُوجِ مِنْ حَدِيث إِلَى حَدِيث ; كَمَا قَالَ : <br>أَتَهْجُرُ غَانِيَةً أَمْ تُلِمْ <br>فَتَمَّ الْكَلَام ثُمَّ خَرَجَ إِلَى شَيْء آخَر فَقَالَ : <br>أَمْ الْحَبْل وَاهٍ بِهَا مُنْجَذِمْ <br>فَمَا جَاءَ فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى مِنْ هَذَا فَمَعْنَاهُ التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ وَالْخُرُوج مِنْ حَدِيث إِلَى حَدِيث , وَالنَّحْوِيُّونَ يُمَثِّلُونَهَا بِبَلْ .|نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ|قَالَ قَتَادَة : قَالَ قَوْم مِنْ الْكُفَّار تَرَبَّصُوا بِمُحَمَّدٍ الْمَوْت يَكْفِيكُمُوهُ كَمَا كَفَى شَاعِر بَنِي فُلَان . قَالَ الضَّحَّاك : هَؤُلَاءِ بَنُو عَبْد الدَّار نَسَبُوهُ إِلَى أَنَّهُ شَاعِر ; أَيْ يَهْلَك عَنْ قَرِيب كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْل مِنْ الشُّعَرَاء , وَأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ شَابًّا فَرُبَّمَا يَمُوت كَمَا مَاتَ أَبُوهُ . وَقَالَ الْأَخْفَش : نَتَرَبَّص بِهِ إِلَى رَيْب الْمَنُون فَحُذِفَ حَرْف الْجَرّ , كَمَا تَقُول : قَصَدْت زَيْدًا وَقَصَدْت إِلَى زَيْد . وَالْمَنُون : الْمَوْت فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس . قَالَ أَبُو الْغَوْل الطُّهَوِيّ : <br>هُمْ مَنَعُوا حِمَى الْوَقَبَى بِضَرْبٍ .......... يُؤَلِّف بَيْن أَشْتَات الْمَنُونِ <br>أَيْ الْمَنَايَا ; يَقُول : إِنَّ الضَّرْب يَجْمَع بَيْن قَوْم مُتَفَرِّقِي الْأَمْكِنَة لَوْ أَتَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ فِي أَمَاكِنهمْ لَأَتَتْهُمْ مُتَفَرِّقَة , فَاجْتَمَعُوا فِي مَوْضِع وَاحِد فَأَتَتْهُمْ الْمَنَايَا مُجْتَمِعَة . وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ اِبْن عَبَّاس : | رَيْب | فِي الْقُرْآن شَكّ إِلَّا مَكَانًا وَاحِدًا فِي الطُّور | رَيْب الْمَنُون | يَعْنِي حَوَادِث الْأُمُور ; وَقَالَ الشَّاعِر : <br>تَرَبَّصْ بِهَا رَيْب الْمَنُون لَعَلَّهَا .......... تُطَلَّقُ يَوْمًا أَوْ يَمُوتُ حَلِيلُهَا <br>وَقَالَ مُجَاهِد : | رَيْب الْمَنُون | حَوَادِث الدَّهْر , وَالْمَنُون هُوَ الدَّهْر ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : <br>أَمِنَ الْمَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ .......... وَالدَّهْر لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ <br>وَقَالَ الْأَعْشَى : <br>أَأَنْ رَأَتْ رَجُلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ .......... رَيْب الْمَنُون وَدَهْرٌ مُتْبِلٌ خَبِل <br>قَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْمَنُون وَاللَّيْل وَالنَّهَار ; وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَنْقُصَانِ الْأَعْمَار وَيَقْطَعَانِ الْآجَال . وَعَنْهُ : أَنَّهُ قِيلَ لِلدَّهْرِ مَنُون , لِأَنَّهُ يَذْهَب بِمُنَّةِ الْحَيَوَان أَيْ قُوَّتِهِ وَكَذَلِكَ الْمَنِيَّة . أَبُو عُبَيْدَة : قِيلَ لِلدَّهْرِ مَنُون ; لِأَنَّهُ مُضْعِف , مِنْ قَوْلهمْ حَبْل مَنِين أَيْ ضَعِيف , وَالْمَنِين الْغُبَار الضَّعِيف . قَالَ الْفَرَّاء : وَالْمَنُون مُؤَنَّثَة وَتَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا . الْأَصْمَعِيّ : الْمَنُون وَاحِد لَا جَمَاعَة لَهُ . الْأَخْفَش : هُوَ جَمَاعَة لَا وَاحِد لَهُ , وَالْمَنُون يُذَكَّر وَيُؤَنَّث ; فَمَنْ ذَكَّرَهُ جَعَلَهُ الدَّهْر أَوْ الْمَوْت , وَمَنْ أَنَّثَهُ فَعَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى كَأَنَّهُ أَرَادَ الْمَنِيَّة .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد تَرَبَّصُوا أَيْ اِنْتَظِرُوا .|فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ|أَيْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ بِكُمْ الْعَذَاب ; فَعُذِّبُوا يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ .
أَيْ عُقُولهمْ|بِهَذَا|أَيْ بِالْكَذِبِ عَلَيْك .|أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ|أَيْ أَمْ طَغَوْا بِغَيْرِ عُقُول . وَقِيلَ : | أَمْ | بِمَعْنَى بَلْ ; أَيْ بَلْ كَفَرُوا طُغْيَانًا وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ الْحَقّ . وَقِيلَ لِعَمْرِو بْن الْعَاص : مَا بَال قَوْمك لَمْ يُؤْمِنُوا وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّه بِالْعَقْلِ ؟ فَقَالَ : تِلْكَ عُقُول كَادَهَا اللَّه ; أَيْ لَمْ يَصْحَبهَا بِالتَّوْفِيقِ . وَقِيلَ : | أَحْلَامهمْ | أَيْ أَذْهَانهمْ ; لِأَنَّ الْعَقْل لَا يُعْطَى لِلْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَقْل لَآمَنَ . وَإِنَّمَا يُعْطَى الْكَافِر الذِّهْن فَصَارَ عَلَيْهِ حُجَّة . وَالذِّهْن يَقْبَل الْعِلْم جُمْلَة , وَالْعَقْل يُمَيِّز الْعِلْم وَيُقَدِّر الْمَقَادِير لِحُدُودِ الْأَمْر وَالنَّهْي . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَا أَعْقَلَ فُلَانًا النَّصْرَانِيَّ ! فَقَالَ : ( مَهْ إِنَّ الْكَافِر لَا عَقْل لَهُ أَمَا سَمِعْت قَوْل اللَّه تَعَالَى : | وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَع أَوْ نَعْقِل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السَّعِير | [ الْمُلْك : 10 ] ) . وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر : فَزَجَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : ( مَهْ فَإِنَّ الْعَاقِل مَنْ يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه ) ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه بِإِسْنَادِهِ .
أَيْ اِفْتَعَلَهُ وَافْتَرَاهُ , يَعْنِي الْقُرْآن . وَالتَّقَوُّل تَكَلُّف الْقَوْل , وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَل فِي الْكَذِب فِي غَالِب الْأَمْر . وَيُقَال قَوَّلْتَنِي مَا لَمْ أَقُلْ ! وَأَقْوَلْتَنِي مَا لَمْ أَقُلْ ; أَيْ اِدَّعَيْته عَلَيَّ . وَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ أَيْ كَذَبَ عَلَيْهِ . وَاقْتَالَ عَلَيْهِ تَحَكَّمَ قَالَ : <br>وَمَنْزِلَة فِي دَار صِدْق وَغِبْطَة .......... وَمَا اِقْتَالَ مِنْ حُكْم عَلَيَّ طَبِيب <br>فَأَمْ الْأُولَى لِلْإِنْكَارِ وَالثَّانِيَة لِلْإِيجَابِ أَيْ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ .|بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ|جُحُودًا وَاسْتِكْبَارًا .
أَيْ بِقُرْآنٍ يُشْبِههُ مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسهمْ|إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ|فِي أَنَّ مُحَمَّدًا اِفْتَرَاهُ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ | فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْله | بِالْإِضَافَةِ . وَالْهَاء فِي | مِثْله | لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأُضِيفَ الْحَدِيث الَّذِي يُرَاد بِهِ الْقُرْآن إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَبْعُوث بِهِ . وَالْهَاء عَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة لِلْقُرْآنِ .
| أَمْ | صِلَة زَائِدَة وَالتَّقْدِير أَخُلِقُوا مِنْ غَيْر شَيْء . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مِنْ غَيْر رَبّ خَلَقَهُمْ وَقَدَّرَهُمْ . وَقِيلَ : مِنْ غَيْر أُمّ وَلَا أَب ; فَهُمْ كَالْجَمَادِ لَا يَعْقِلُونَ وَلَا تَقُوم لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّة ! ; لَيْسُوا كَذَلِكَ أَلَيْسَ قَدْ خُلِقُوا مِنْ نُطْفَة وَعَلَقَة وَمُضْغَة ؟ قَالَهُ اِبْن عَطَاء . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : أَمْ خُلِقُوا عَبَثًا وَتُرِكُوا سُدًى | مِنْ غَيْر شَيْء | أَيْ لِغَيْرِ شَيْء فـ | ـمِنْ | بِمَعْنَى اللَّام .|أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ|أَيْ أَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ خَلَقُوا أَنْفُسهمْ فَهُمْ لَا يَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِ اللَّه وَهُمْ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ , وَإِذَا أَقَرُّوا أَنَّ ثَمَّ خَالِقًا غَيْرهمْ فَمَا الَّذِي يَمْنَعهُمْ مِنْ الْإِقْرَار لَهُ بِالْعِبَادَةِ دُون الْأَصْنَام , وَمِنْ الْإِقْرَار بِأَنَّهُ قَادِر عَلَى الْبَعْث .
أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْلُقُوا شَيْئًا|بَل لَا يُوقِنُونَ|بِالْحَقِّ
أَمْ عِنْدهمْ ذَلِكَ فَيَسْتَغْنُوا عَنْ اللَّه وَيُعْرِضُوا عَنْ أَمْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : خَزَائِن رَبّك الْمَطَر وَالرِّزْق . وَقِيلَ : مَفَاتِيح الرَّحْمَة . وَقَالَ عِكْرِمَة : النُّبُوَّة . أَيْ أَفَبِأَيْدِيهِمْ مَفَاتِيح رَبّك بِالرِّسَالَةِ يَضَعُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا . وَضَرَبَ الْمَثَل بِالْخَزَائِنِ ; لِأَنَّ الْخِزَانَة بَيْت يُهَيَّأ لِجَمْعِ أَنْوَاع مُخْتَلِفَة مِنْ الذَّخَائِر ; وَمَقْدُورَات الرَّبّ كَالْخَزَائِنِ الَّتِي فِيهَا مِنْ كُلّ الْأَجْنَاس فَلَا نِهَايَة لَهَا .|أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ|قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُسَلَّطُونَ الْجَبَّارُونَ . وَعَنْهُ أَيْضًا : الْمُبْطِلُونَ . وَقَالَهُ الضَّحَّاك . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَمْ هُمْ الْمُتَوَلُّونَ . عَطَاء : أَمْ هُمْ أَرْبَاب قَاهِرُونَ . قَالَ عَطَاء : يُقَال تَسَيْطَرْت عَلَيَّ أَيْ اِتَّخَذْتنِي خَوَلًا لَك . وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَفِي الصِّحَاح : الْمُسَيْطِر وَالْمُصَيْطِر الْمُسَلَّط عَلَى الشَّيْء لِيُشْرِف عَلَيْهِ وَيَتَعَهَّد أَحْوَاله وَيَكْتُب عَمَله , وَأَصْله مِنْ السَّطْر ; لِأَنَّ الْكِتَاب يُسَطَّر وَاَلَّذِي يَفْعَلهُ مُسَطِّر وَمُسَيْطِر . يُقَال سَيْطَرْت عَلَيْنَا . اِبْن بَحْر : | أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ | أَيْ هُمْ الْحَفَظَة ; مَأْخُوذ مِنْ تَسْطِير الْكِتَاب الَّذِي يَحْفَظ مَا كُتِبَ فِيهِ ; فَصَارَ الْمُسَيْطِر هَا هُنَا حَافِظًا مَا كَتَبَهُ اللَّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَفِيهِ ثَلَاث لُغَات : الصَّاد وَبِهَا قَرَأَتْ الْعَامَّة , وَالسِّين وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَمُجَاهِد وَقُنْبُل وَهِشَام وَأَبِي حَيْوَة , وَبِإِشْمَامِ الصَّاد الزَّاي وَهِيَ قِرَاءَة حَمْزَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي | الصِّرَاط | [ الْفَاتِحَة : 6 ] .
أَيْ أَيَدَّعُونَ أَنَّ لَهُمْ مُرْتَقَى إِلَى السَّمَاء وَمِصْعَدًا وَسَبَبًا|يَسْتَمِعُونَ فِيهِ|أَيْ عَلَيْهِ الْأَخْبَار وَيَصِلُونَ بِهِ إِلَى عِلْم الْغَيْب , كَمَا يَصِل إِلَيْهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الْوَحْي .|فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ|أَيْ بِحُجَّةٍ بَيِّنَة أَنَّ هَذَا الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ حَقّ . وَالسُّلَّم وَاحِد السَّلَالِم الَّتِي يُرْتَقَى عَلَيْهَا . وَرُبَّمَا سُمِّيَ الْغَرْز بِذَلِكَ ; قَالَ أَبُو الرُّبَيْس الثَّعْلَبِيّ يَصِف نَاقَته : <br>مُطَارَةُ قَلْبٍ إِنْ ثَنَى الرِّجْلَ رَبُّهَا .......... بِسُلَّمِ غَرْز فِي مُنَاخٍ يُعَاجِلُه <br>وَقَالَ زُهَيْر : <br>وَمَنْ هَابَ أَسْبَاب الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ .......... وَإنْ يَرْقَ أَسْبَاب السَّمَاء بِسُلَّمِ <br>وَقَالَ آخَر : <br>تَجَنَّيْتِ لِي ذَنْبًا وَمَا إِنْ جَنَيْتُهُ .......... لِتَتَّخِذِي عُذْرًا إِلَى الْهَجْر سُلَّمَا <br>وَقَالَ اِبْن مُقْبِل فِي الْجَمْع : <br>لَا تُحْرِزُ الْمَرْءَ أَحْجَاءُ الْبِلَاد وَلَا .......... يُبْنَى لَهُ فِي السَّمَوَات السَّلَالِيمُ <br>الْأَحْجَاء النَّوَاحِي مِثْل الْأَرْجَاء وَاحِدهَا حَجًا وَرَجًا مَقْصُور . وَيُرْوَى : أَعَنَاء الْبِلَاد , وَالْأَعْنَاء أَيْضًا الْجَوَانِب وَالنَّوَاحِي وَاحِدهَا عِنْو بِالْكَسْرِ . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : وَاحِدهَا عَنَّا مَقْصُور . وَجَاءَنَا أَعْنَاء مِنْ النَّاس وَاحِدهمْ عِنْو بِالْكَسْرِ , وَهُمْ قَوْم مِنْ قَبَائِل شَتَّى . | يَسْتَمِعُونَ فِيهِ | أَيْ عَلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | فِي جُذُوع النَّخْل | [ طَه : 71 ] أَيْ عَلَيْهَا ; قَالَ الْأَخْفَش . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يَسْتَمِعُونَ بِهِ . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ أَلَهُمْ كَجِبْرِيلَ الَّذِي يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ .
سَفَّهُ أَحْلَامهمْ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَتَقْرِيعًا . أَيْ أَتُضِيفُونَ إِلَى اللَّه الْبَنَات مَعَ أَنَفَتكُمْ مِنْهُنَّ , وَمَنْ كَانَ عَقْله هَكَذَا فَلَا يُسْتَبْعَد مِنْهُ إِنْكَار الْبَعْث .
أَيْ عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة .|فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ|أَيْ فَهُمْ مِنْ الْمَغْرَم الَّذِي تَطْلُبهُمْ بِهِ | مُثْقَلُونَ | مُجْهَدُونَ لِمَا كَلَّفْتهمْ بِهِ .
أَيْ يَكْتُبُونَ لِلنَّاسِ مَا أَرَادُوهُ مِنْ عِلْم الْغُيُوب . وَقِيلَ : أَيْ أَمْ عِنْدهمْ عِلْم مَا غَابَ عَنْ النَّاس حَتَّى عَلِمُوا أَنَّ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الرَّسُول مِنْ أَمْر الْقِيَامَة وَالْجَنَّة وَالنَّار وَالْبَعْث بَاطِل . وَقَالَ قَتَادَة : لَمَّا قَالُوا نَتَرَبَّص بِهِ رَيْب الْمَنُون قَالَ اللَّه تَعَالَى : | أَمْ عِنْدهمْ الْغَيْب | حَتَّى عَلِمُوا مَتَى يَمُوت مُحَمَّدًا أَوْ إِلَى مَا يَئُول إِلَيْهِ أَمْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمْ عِنْدهمْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَهُمْ يَكْتُبُونَ مَا فِيهِ وَيُخْبِرُونَ النَّاس بِمَا فِيهِ . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : يَكْتُبُونَ يَحْكُمُونَ وَالْكِتَاب الْحُكْم ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة | [ الْأَنْعَام : 54 ] أَيْ حَكَمَ , وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَحْكُمَنَّ بَيْنكُمْ بِكِتَابِ اللَّه ) أَيْ بِحُكْمِ اللَّه .
لَمَّا وَصَفَ الْكُفَّار وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا . | وَنَهَر | يَعْنِي أَنْهَار الْمَاء وَالْخَمْر وَالْعَسَل وَاللَّبَن ; قَالَهُ اِبْن جُرَيْج . وَوُحِّدَ لِأَنَّهُ رَأْس الْآيَة , ثُمَّ الْوَاحِد قَدْ يُنْبِئ عَنْ الْجَمِيع . وَقِيلَ : فِي | نَهَر | فِي ضِيَاء وَسَعَة ; وَمِنْهُ النَّهَار لِضِيَائِهِ , وَمِنْهُ أَنْهَرْت الْجُرْح ; قَالَ الشَّاعِر : <br>مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْت فَتْقَهَا .......... يَرَى قَائِم مِنْ دُونهَا مَا وَرَاءَهَا <br>وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَزٍ وَأَبُو نَهِيك وَالْأَعْرَج وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَقَتَادَة | وَنُهُر | بِضَمَّتَيْنِ كَأَنَّهُ جَمْع نَهَار لَا لَيْل لَهُمْ ; كَسَحَابٍ وَسُحُب . قَالَ الْفَرَّاء : أَنْشَدَنِي بَعْض الْعَرَب : <br>إِنْ تَكُ لَيْلِيًّا فَإِنِّي نَهِرُ .......... مَتَى أَرَى الصُّبْح فَلَا أَنْتَظِرُ <br>أَيْ صَاحِب النَّهَار . وَقَالَ آخَر : <br>لَوْلَا الثَّرِيدَانِ هَلَكْنَا بِالضُّمُرْ .......... ثَرِيد لَيْل وَثَرِيد بِالنُّهُرْ<br>
أَيْ مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم وَهُوَ الْجَنَّة|عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ|أَيْ يُقَدِّر عَلَى مَا يَشَاء . و | عِنْد | هَاهُنَا عِنْدِيَّة الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة وَالْمَكَانَة وَالرُّتْبَة وَالْكَرَامَة وَالْمَنْزِلَة . قَالَ الصَّادِق : مَدَحَ اللَّه الْمَكَان الصِّدْق فَلَا يَقْعُد فِيهِ إِلَّا أَهْل الصِّدْق . وَقَرَأَ عُثْمَان الْبَتِّيّ | فِي مَقَاعِد صِدْق | بِالْجَمْعِ ; وَالْمَقَاعِد مَوَاضِع قُعُود النَّاس فِي الْأَسْوَاق وَغَيْرهَا . قَالَ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَدْخُلُونَ كُلّ يَوْم عَلَى الْجَبَّار تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآن عَلَى رَبّهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَقَدْ جَلَسَ كُلّ إِنْسَان مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه , عَلَى مَنَابِر مِنْ الدُّرّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ , فَلَا تَقَرّ أَعْيُنهمْ بِشَيْءٍ قَطُّ كَمَا تَقَرّ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ , ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ , قَرِيرَة أَعْيُنهمْ إِلَى مِثْلهَا مِنْ الْغَد . وَقَالَ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان : بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَة يَأْتُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ : يَا أَوْلِيَاء اللَّه اِنْطَلِقُوا ; فَيَقُولُونَ : إِلَى أَيْنَ ؟ فَيَقُولُونَ : إِلَى الْجَنَّة ; فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّكُمْ تَذْهَبُونَ بِنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا . فَيَقُولُونَ : فَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَر عَلَى الْخُصُوص بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَفِي الْخَبَر : أَنَّ طَائِفَة مِنْ الْعُقَلَاء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَزُفّهَا الْمَلَائِكَة إِلَى الْجَنَّة وَالنَّاس فِي الْحِسَاب , فَيَقُولُونَ لِلْمَلَائِكَةِ : إِلَى أَيْنَ تَحْمِلُونَنَا ؟ فَيَقُولُونَ إِلَى الْجَنَّة . فَيَقُولُونَ : إِنَّكُمْ لَتَحْمِلُونَنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا ; فَيَقُولُونَ : وَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : الْمَقْعَد الصِّدْق مَعَ الْحَبِيب كَمَا أَخْبَرَ | فِي مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر | وَاَللَّه أَعْلَمُ . تَمَّ تَفْسِير سُورَة | الْقَمَر | وَالْحَمْد لِلَّهِ .