1-" إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " وعد بفتح مكة ، والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك ، أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحاً لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة ،وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع و أدخل في الإسلام خلقاً عظيماً ، وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي "أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه " ، أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة .وقد عرفت كونه فتحاً للرسول عليه الصلاة والسلام في سورة الروم : وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل .
2-" ليغفر لك الله " علة للفتح من حيث إنه مسبب عن جهاد الكفار والسعي في إزاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهراً ليصير ذلك بالتدريج اختياراً ، وتخليص الضعفة عن أيدي الظلمة . " ما تقدم من ذنبك وما تأخر " جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه . " ويتم نعمته عليك " بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة . " ويهديك صراطاً مستقيماً " في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرئاسة .
3-" وينصرك الله نصراً عزيزاً " نصراً فيه عز ومنعة ، أو يعز به المنصور فوصف بوصفه مبالغة .
4-" هو الذي أنزل السكينة " الثبات والطمأنينة . " في قلوب المؤمنين " حتى ثبتوا حيث تقلق النفوس وتدحض الأقدام ، " ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم " يقيناً مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها ، أو نزل فيها السكون إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليزدادوا إيماناً بالشرائع مع إيمانهم بالله واليوم الآخر . " ولله جنود السموات والأرض " يدبر أمرها فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع فيما بينهم السلم أخرى كما تقتضيه حكمته . " وكان الله عليماً " بالمصالح . " حكيماً " فيما يقدر ويدبر .
5-" ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " علة بما بعده لما دل عليه قوله تعالى : " ولله جنود السموات والأرض " من معنى التدبير ، أي دبر ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله فيه ويشكروها فيدخلهم الجنة ويعذب الكفار والمنافقين لما غاظهم من ذلك ، أو " فتحنا " أو " أنزل " أو جميع ما ذكر أو " ليزدادوا " ، وقيل إنه بدل منه بدل الاشتمال . " ويكفر عنهم سيئاتهم " يغطيها ولا يظهرها . " وكان ذلك " أي الإدخال والتكفير . " عند الله فوزاً عظيماً " لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضر ، وعند حال من الفوز .
6-" ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات " عطف على " يدخل " إلا إذا جعلته بدلاً فيكون عطفاً على المبدل منه . " الظانين بالله ظن السوء " ظن الأمر السوء وهو أن لا ينصر رسوله والمؤمنين " عليهم دائرة السوء " دائرة ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين لا يتخطاهم ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو " دائرة السوء " بالضم وهما لغتان ، غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما في الأصل مصدر " وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم " عطف لما استحقوه في الآخرة على ما استوجبوه في الدني ، والواو في الأخرين والموضع موضع الفاء إذ اللعن سبب للاعداد ، الغضب سبب له لاستقلال الكل في الوعيد بلا اعتبار النسبية . " وساءت مصيراً " جهنم .
7-" ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً " .
8-" إنا أرسلناك شاهداً " على أمتك . " ومبشراً ونذيراً " على الطاعة والمعصية .
9-" لتؤمنوا بالله ورسوله " الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة ، أو لهم على أن خطابه منزل منزلة خطابهم . " وتعزروه " وتقووه بتقوية دينه ورسوله " وتوقروه " وتعظموه . " وتسبحوه " وتنزهوه أو تصلوا له " بكرةً وأصيلاً " غدوة وعشياً أو دائماً .وقرأ ابن كثير و أبو عمرو الأفعال الأربعة بالياء ، وقرئ تعزروه بسكون العين و تعزروه بفتح التاء وضم الزاي وكسرها و تعزروه بالزاءين وتوقروه من أوقره بمعنى وقره .
10-" إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " لأنه المقصود ببيعته . " يد الله فوق أيديهم " حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل . " فمن نكث " نقض العهد . " فإنما ينكث على نفسه " فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه . " ومن أوفى بما عاهد عليه الله " في مبايعته " فسيؤتيه أجراً عظيماً " هو الجنة ، وقرئ عهد وقرأ حفص " عليه " بضم الهاء و ابن كثير و نافع و ابن عامر و روح فسنؤتيه بالنون . الآية نزلت في بيعة الرضوان .
11-" سيقول لك المخلفون من الأعراب " هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم ، وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم . " شغلتنا أموالنا وأهلونا " إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم ، وقرئ بالتشديد للتكثير . " فاستغفر لنا " من الله على التخلف . " يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم " تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار . " قل فمن يملك لكم من الله شيئاً " فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه . " إن أراد بكم ضراً " ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف ، وقرأ حمزة و الكسائي بالضم . " أو أراد بكم نفعاً " ما يضاد ذلك ،وهو تعريض بالرد . " بل كان الله بما تعملون خبيراً " فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه .
12-" بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً " لظنكم أن المشركين يستأصلونهم ، وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهلة وأما أهال فاسم جمع كليال . " وزين ذلك في قلوبكم " فتمكن فيها ، وقرئ على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان . " وظننتم ظن السوء " الظن المذكور ، والمراد التسجيل عليه بـ" السوء " أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة . " وكنتم قوماً بوراً " هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم .
13" ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً " وضع الكافرين موضع الضمير إيذاناً بأن من لم يجمع بين الإيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره ، وتنكير سعيراً للتهويل أو لأنها نار مخصوصة .
14-" ولله ملك السموات والأرض " يدبره كيف يشاء " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " إذ لا وجوب عليه . " وكان الله غفوراً رحيماً " فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض ، ولذلك جاء في الحديث الإلهي " سبقت رحمتي غضبي " .
15-" سيقول المخلفون " يعني المذكورين " إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها " يعني مغانم خيبر فإنه عليه الصلاة والسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم ، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالاً كثيرة فخصها بهم . " ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله " أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر ، وقيل قوله تعالى : " لن تخرجوا معي أبداً " والظاهر أنه في تبوك . والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة و الكسائي كلم الله وهو جمع كلمة . " قل لن تتبعونا " نفي في معنى النهي . " كذلكم قال الله من قبل " . من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر . " فسيقولون بل تحسدوننا " أن يشارككم في الغنائم ، وقرئ بالكسر ." بل كانوا لا يفقهون " لا يفهمون " إلا قليلاً " إلا فهماً قليلاً وهو فطنتهم لأمور الدنيا ، ومعنى الإضراب الأول رد منهم أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات للحسد ، والثاني رد من الله لذلك وإثبات لجهلهم بأمور الدين .
16-" قل للمخلفين من الأعراب " كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعاراً بشناعة التخلف ." ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " بني حنيفة أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو المشركين فإنه قال : " تقاتلونهم أو يسلمون " أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام لا غير كما دل عليه قراءة أو يسلموا ، ومن عداهم يقاتل حتى يسلم أو يعطي الجزية . وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إذا لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح أنهم ثقيف و هوزان فإن ذلك كان في عهد النبوة . وقيل فارس والروم ومعنى " يسلمون " ينقادون ليتناول تقبلهم الجزية . " فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً " هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة ." وإن تتولوا كما توليتم من قبل " عن الحديبية . " يعذبكم عذاباً أليماً " لتضاعف جرمكم .
17-" ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " لما أوعد على التخلف نفي الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناء لهم عن الوعيد . " ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار " فصل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ، ثم جبر ذلك بالتكرير على سبيل التعميم فقال : " ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً " إذ الترهيب ها هنا أنفع من الترغيب ، وقرأ نافع و ابن عامر ندخله و نعذبه بالنون .
18-" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " روي : " أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة ، فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع ، فبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه فحبسوه فأرجف بقتله ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وكانوا ألفاً وثلثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة ، وبايعهم على أن يقاتلوا قريشاً ولا يفروا عنهم وكان جالساً تحت سمرة أو سدرة ". " فعلم ما في قلوبهم " من الإخلاص " فأنزل السكينة عليهم " الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح " وأثابهم فتحاً قريباً " فتح خيبر غب انصرافهم ، وقيل مكة أو هجر .
19-" ومغانم كثيرة يأخذونها " يعني مغانم خبير . " وكان الله عزيزاً حكيماً " غالباً مراعياً مقتضى الحكمة .
20-" وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها " وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة . " فعجل لكم هذه " يعني مقام خيبر . " وكف أيدي الناس عنكم " أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان ، أو أيدي قريش بالصلح . " ولتكون " هذه الكفة أو الغنيمة . " آية للمؤمنين " أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان ، أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية ، أو عد المغانم أو عنواناً لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة لـ" كف " ، أو عجل مثل لتسلموا ، أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك . " ويهديكم صراطاً مستقيماً " هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه .
21-" وأخرى " ومغانم أخرى معطوفة على هذه ، أو منصوبة بفعل يفسره " قد أحاط الله بها " مثل قضى ، ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب . " لم تقدروا عليها " بعد لما كان فيها من الجولة " قد أحاط الله بها " استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس . " وكان الله على كل شيء قديرا " لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء .
22-" ولو قاتلكم الذين كفروا " من أهل مكة ولم يصالحوا " لولوا الأدبار " لانهزموا . " ثم لا يجدون ولياً " يحرسهم . " ولا نصيراً " ينصرهم .
23-" سنة الله التي قد خلت من قبل " أي سن غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى : " لأغلبن أنا ورسلي " . " ولن تجد لسنة الله تبديلاً " تغييراً .
24-" وهو الذي كف أيديهم عنكم " أي أيدي كفار مكة " وأيديكم عنهم ببطن مكة " في داخل مكة " من بعد أن أظفركم عليهم " أظهركم عليهم ، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد . وقيل ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله ." وكان الله بما تعملون " من مقاتلتهم أولاً طاعة لرسوله وكفهم ثانياً لتعظيم بيته ، وقرأ أبو عمرو بالياء " بصيراً " فيجازيهم عليه .
25-" هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محله " يدل على أن ذلك كان عام الحديبية ، والهدي ما يهدى إلى مكة . وقرئ " الهدي " وهو فعيل بمعنى مفعول ، ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره والمراد مكانه المعهود وهو منى لا مكانه الذي لا يجوز أن ينحر في غيره ، وإلا لما نحره الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أحصر فلا ينتهض حجة للحنفية على أن مذبح هدي المحصر هو الحرم ." ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم " لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين ." أن تطئوهم " أن توقعوا بهم وتبيدهم قال : ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد ثابت الهرم وقال عليه الصلاة والسلام " إن آخر وطأة وطئها الله بوج " وهو واد بالطائف كان آخر وقعة للنبي صلى الله عليه وسلم بها ، وأصله الدوس وهو بدل الاشتمال من "رجال " " نساء " أو من ضميرهم في " تعلموهم " . " فتصيبكم منهم " من جهتهم " معرة " مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم وللتأسف عليهم ، وتعيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث عنه مفعلة عن عره إذا أعراه ما يكرهه . " بغير علم " متعلق بـ" أن تطئوهم " أي تطؤهم غير عالمينبهم ، وجواب " لولا " محذوف لدلالة الكلام عليه ، والمعنى " لولا " كراهة أن تهلكوا أناساً مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم يصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم ."ليدخل الله في رحمته " علة لما دل عليه كف الأيدي عن أهل مكة صوناً لمن فيها من المؤمنين ، أي كان ذلك ليدخل الله في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير أو للإسلام . " من يشاء " من مؤمنيهم أو مشركيهم " لو تزيلوا " لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض ، وقرئ تزايلوا ." لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً " بالقتل والسبي .
26-" إذ جعل الذين كفروا " مقدر باذكر أو ظرف " لعذبنا " أو " صدوكم " . " في قلوبهم الحمية " الأنفة . " حمية الجاهلية " التي تمنع إذعان الحق . " فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين " فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي " أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو أو حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام ، فأجابهم وكتبوا بينهم كتاباً ، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال : اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا :لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك ، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة ، فقال عليه الصلاة والسلام : اكتب ما يريدون " . فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحملوا ." وألزمهم كلمة التقوى " كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله اختارها لهم ، أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة الـ" كلمة " إلى " التقوى " لأنها سببها أو كلمة أهلها . " وكانوا أحق بها " من غيرهم " وأهلها " والمستأهلين لها " وكان الله بكل شيء عليماً " فيعلم أهل كل شيء وييسره له .
27-" لقد صدق الله رسوله الرؤيا " رأى عليه الصلاة والسلام أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا ، فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا أن ذلك يكون في عامهم ، فلما تأخر قال بعضهم والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا البيت فنزلت والمعنى صدقة في رؤياه . " بالحق " ملتبساً به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل ، ويجوز أن يكون " بالحق " صفة مصدر محذوف أي صدقاً ملتبساً " بالحق " وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإيمان والمتزلزل فيه ، وأن يكون قسماً إما باسم الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله ." لتدخلن المسجد الحرام " جوابه وعلى الأولين جواب قسم محذوف . " إن شاء الله " تعليق للعدة . بالمشيئة تعليماً للعباد ، أو إشعاراً بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا ، أو النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه . " آمنين " حال من الواو والشرط معترض ." محلقين رؤوسكم ومقصرين " أي محلقاً بعضكم و مقصراً آخرون . " لا تخافون " حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك . " فعلم ما لم تعلموا " من الحكمة في تأخير ذلك . " فجعل من دون ذلك " من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة . " فتحاً قريباً " هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود .
28-" هو الذي أرسل رسوله بالهدى " ملتبساً به أو بسببه أو لأجله . " ودين الحق " وبدين الإسلام " ليظهره على الدين كله " ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقاً وإظهار فساد ما كان باطلاً ، أو بتسليط على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم المسلمون ، وفيه تأكيد لما وعده من الفتح . " وكفى بالله شهيدا " على أن ما وعده كائن أو على نبوته بإظهار المعجزات .
29-" محمد رسول الله " جملة مبينة للمشهود به ، ويجوز أن يكون " رسول الله " صفة و " محمد " خبر محذوف أو مبتدأ : " والذين معه " معطوف عليه وخبرهما " أشداء على الكفار رحماء بينهم " و " أشداء " جمع شديد و " رحماء " جمع رحيم ، والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله : " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " . " تراهم ركعاً سجداً " لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم . " يبتغون فضلاً من الله و رضواناً " الثواب والرضا . " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " يريد السمة التي تحدث في جباهم من كثرة السجود ، فعلى من سامه إذا أعلمه وقد قرئت ممدودة و " من أثر السجود " بيانها أو حال من المستكن في الجار . " ذلك " إشارة إلى الوصفى المذكور . أو إشارة مبهمة يفسرها " كزرع " . " مثلهم في التوراة " صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها ."ومثلهم في الإنجيل " عطف عليه أي ذلك مثلهم في الكتابين وقوله ك " كزرع " تمثيل مستأنف أو تفسيراً أو مبتدأ و " كزرع " خبره . " أخرج شطأه " فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ ، وقرأ ابن كثير و ابن عامر برواية ابن ذكوان " شطأه " بفتحات وهو لغة فيه ، وقرئ شطاه بتخفيف الهمزة و شطاءه بالمد و شطه بنقل حركة الهمزة وحذفها و شطوه بقلبها واواً . " فآزره " فقواه من المؤازرة وفي المعاينة أو من الإيزار وهي الإاعانة وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان فأزره كأجره في آجره . " فاستغلظ " فصار من الدقة إلى الغلظ . " فاستوى على سوقه " فاستقام على قصبه جمع ساق ، وعن ابن كثير سؤقه بالهمزة . " يعجب الزراع" بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره ، وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة قلوا في بدء الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس . " ليغيظ بهم الكفار " علة لتشبيههم بالزرع في زكاته واستحكامه أو لقوله :" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم " فإن الكفار لما سمعوه غاظهم ذلك ومنهم للبيان . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد عليه الصلاة السلام فتح مكة " .